`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
أمين محمد على ريان

- درس الفنان على يد استاذ كبير من جيل الرواد (أحمد صبرى) مع إنشاء القسم الحر -قسم التصوير واستوعب رؤيته وتوجيهاته الاكاديمية من خلال دراسة الطبيعة الحية والصامتة الموديل على الطبيعة.
- أسلوبه يتسم بالواقعية والرومانسية الشاعرية معاً .
الناقد / كمال الجويلى

!بعد 60 عاما من العطاء .. متى نكرم الفنان أمين ريان؟
-فنان نشعر معه بأصالة الماضى ‏..‏ نسافر معه عبر التاريخ ‏..‏ نسمع منه حكايات من الزمن الجميل‏..‏لنكتشف فى النهاية ما آل إليه الحاضر الذي نعيشه‏..‏فنان عاش حلاوة الماضى وقسوة الحاضر‏ انه أمين ريان الفنان التشكيلى والأديب,87 عاما.. يعيش منعزلا فى بيته وحوله على الجدران عشرات وعشرات من اللوحات هى كل ماضيه وحاضرة.. والتى أبدعها خلال60 عاما هى مشواره فى الفن, إنها حصاد العمر, وتشهد على إبداع أنامل صانعها ..
- ولد أمين ريان سنة 1925فى حى شبرا ودرس التصويرفى كلية الفنون الجميلة سنة 1942: 1948, تتلمذ على يد الفنان الرائد احمد صبرى وعاصر جيلا من المبدعين والرواد, فاز بعدة جوائز منها جائزة بيت الفنانين سنة 1942, جائزة هدي شعراوي 1944, جائزة مختار ثلاث مرات1942-1943-1944وجائزة محبى الفنون سنة 1957, عمل الفنان أمين فى ترميم القصور الملكية حتي ثورة 1952 حيث نقل إلى قلم المبانى بوزارة الأشغال ليعمل فى مهنة بعيدة كل البعد عن كونه فنانا مبدعا.. ولكن ماذا يفعل الفنان وهو يحيا فى وطن لا يعرف قيمة المبدعين؟ آثر أمين أن يعمل فى صمت وان يبتعد بفنه عن العالم الخارجى, ثم اتجه إلى دراسة اللغة العربية وتخرج من كلية الآداب سنة1961, وبرع فى كتابة الرواية والقصة القصيرة وعندما يشتاق للرسم من حين لأخر يقوم برسم لوحة ويعلقها علي الحائط.
- يقول الفنان: تري ماذا سيكون مصير لوحاتى بعد وفاتى؟ ماذا سيفعل أولادى بها ونحن فى بلد لا تقدر الفن؟ طوال حياتى لم أبع سوى لوحة واحدة, ويشير أمين إلى زوجته ورفيقة الكفاح قائلا: هذه السيدة هى التى تشعرنى بقيمة وجودى فى الحياة وقيمة فنى ولولاها لا اعرف ماذا كان سيحل بى؟.
- `أمين ريان `هو واحد من كثير من المبدعين الذين يعانون من الإهمال والتجاهل وعدم التقدير فى وطن اشرق منه أول شعاع للحضارة فى العالم! .
حنان النادى
الأهرام - الثلاثاء 22/ 5/ 2012
الفنان أمين ريان دفء المشاعر .. الجدران تفيض حباً
- الفنان التشكيلى القدير (أمين ريان) هو أيضاً روائى مبدع له العديد من الأعمال المتميزة تحول منزله إلى صالون أدبى دائم يحج إليه عشاق التميز فى الأدب والفن التشكيلى والثقافة والفكر ..عندما نزور منزله فى شارع ماهر المتفرع من العزيز بالله بالزيتون، تشعر وكأنك تدخل بيت العائلة، بيتك عندما كنت صغيراً، وتجد ضالتك المنشودة حيث دفء المشاعر، وتشعر بالجدران تفيض حبا وقد اكتست تماماً بعشرات اللوحات الزيتية والاسكتشات وفن الباستل الذى ابتكر فيه أسلوباً فردياً شديد التميز .
- ( بابا أمين ) 87 عاماً سنوات عمره الطويل هى رحلة كفاح وإبداع وتميز .ولم يكتف بدراسة الفن التشكيلى بكلية الفنون الجميلة، بل اتجه لدراسة الآداب وحصل على ليسانس الآداب - قسم عربى جامعة عين شمس ( 1956 - 1961 ) .
- وعن تلك الدراسة يقول ( بابا أمين ) : لقد كان من المعتاد أن ينظر إلى من يتجه للفن التشكيلى باعتباره هارباً من الدراسة أو `فاشلاً `فى الدراسة الجامعية .
- ومن ثم فقد قرر أن يحصن نفسه بالاثنتين، دراسة الفن والآداب والمدهش هو تفوقه المبهر فى المجالين ليذكرنا بكثيرين ساروا فى أكثر من مجال إبداعى معاً، كصلاح جاهين وعمر النجدى وحسين بيكار ويوسف فرنسيس ورمسيس يونان .
- أتوقف قليلاً مع ذكرياتى فى بيت ( بابا أمين) .. ذلك الصالون الأدبى المفتوح للجميع والمحاط دوماً بدفء المشاعر وسخونة الحوار وعمق الثقافة، وأتذكر لقاء كل من الناقد الكبير (عبد الغنى داوود ) والمسرحى والأديب التونسى ( زين العابدين عايش ) الذى كان وكيلاً لوزارة الثقافة التونسية، وكنت أنا ضمن مجموعة أخرى، أحدهم عالم مصريات ومؤلف موسيقى، وانساب الحوار حول البنيوية ثم التفكيكية وروادهما من أمثال `رولان بارت ` و ` جاك دريدا `، ثم عرجنا إلى ملحمة `دون كيشوت` و `سيرفانتس` ويضفى ` بابا أمين ` سحراً خاصا على ربط الأحداث الفكرية بالأحداث التاريخية ببعضها، والتعليق الشامل عليها، لنخرج جميعاً من الجلسة الأدبية الممتعة بفيض من المعلومات والأفكار النيرة وتحقق مقولة ` المتعة تأتى من المعرفة ` .
- من طقوسه أن يرسم بالنهار فقط فيبدأ الساعة الثامنة صباحاً حتى الخامسة عصراً على أنغام الموسيقى الكلاسيك أو الموسيقى الشرقية، فهو يركز على سيدة الغناء العربى أم كلثوم خاصة أغنية `رق الحبيب ` و `جددت حبك ليه ` وهى أحب أغنية إلى قلبه، والغريب أن لديه أشرطة عديدة مسجلة لحفلة سنة كذا وحلقة سنة كذا لذات الأغنية ويتذكر المناسبات والأحداث المصاحبة لكل أغنية ! .
- سبب عشقه الرسم بالنهار هو رغبته فى رؤية الألوان على طبيعتها فالضوء الصناعى ليلاً يغير حقيقة الألوان أما عن الألوان ذاتها فهو لا يعترف بالألوان الزيتية الصريحة ولا بد أن يضيف إليها تراكيبه الخاصة من الأكاسيد ومعالجات خاصة للألوان .
- أما أستاذه الفنان `أحمد صبرى ` فكان بمثابة الأخ الأكبر له فلم يكن تلميذ فن فقط، بل أصبح صديقاً حميماً له التصق به فى أواخر أيام ` صبرى ` عندما كان راقداً فى المستشفى القبطى وكان يتردد عليه بشكل منتظم شبه يومى .
* أما كيف تعرف بالأديب الكبير يحيى حقى؟
- كانت زوجة `يحيى حقى` فرنسية وتعشق الرسم بالألوان المائية، وطلب يحيى حقى من صديقه `أحمد صبرى ` أن يختار له أحد تلامذته الأفذاذ ليعلم زوجته خبايا التلوين بالألوان المائية فرشح له ` أمين ريان ` وبدأ ` ريان ` يدرب زوجة ` يحيى حقى ` على تقنيات المائيات وكان يصطحبها إلى حديقة الأسماك ويرسمان معاً المناظر الطبيعية بها : الصخور والأشجار والنباتات وبسبب صداقة ` أمين ريان ` و ` يحيى حقى ` أتجه ` ريان ` إلى الأدب .ذات مرة ، سأل حقى ` ريان ` : أليس لك محاولات فى الأدب؟ فرد عليه : عندى خواطر حول فنانى المراسم، فطلب منه `حقى` أن يحضرها له .. وعندما قرأها أعجب بها كثيراً وطلب منه إكمالها كرواية وأعطاها اسم `حافة الليل ` كأول عمل روائى يصور لـ `أمين ريان ` وطلب ` حقى ` أن يكتبها بالفصحى والعامية معاً ، فوسط خواطر القصة تجد عبارة ` جته داهية تشيله....`، وعندما ظهرت فى الأسواق، اعترض واحتج بعض النقاد واتهموه بضعف لغته العربية والركاكة وهنا اتجه ` أمين ريان ` لدراسة اللغة العربية بكلية الأداب ليرد عليهم .
- المحزن أن قصة ` حافة الليل ` تحولت إلى فيلم سينمائى شهير ولعب بطولته مشاهير السينما المصرية، وللأسف تمت سرقة القصة منه غدراً ولم يحصل على أى تقدير مادى أو أدبى بل هددته مراكز القوى آنذاك ` بتلفيق تهم إليه ` لو أثار موضوع سرقة روايته .
- صداقته مع عميد الأدب العربى ` طه حسين ` : لهذه الصداقة قصة طريفة، كان ` حامد ندا ` يريد أن يرسم الزار بطقوسه الغريبة فاستدعى فرقة زار شعبية من بولاق أبو العلا وبدأوا فى العزف والغناء الصاخب فى حديقة كلية الفنون الجميلة مما أزعج أحد جيرانهم رفيع الشأن الذى استدعى عساكر الدرك لتوبيخهم وبالفعل توجه العساكر لنهرهم، فانبرى زميل ` حامد ندا : و ` عبد الهادى الجزار ` و ` جمال كامل ` و ` حسن فؤاد ` و ` أمين ريان ` ، و كان الأخير يدافع بشدة عن حفلة الزار قائلاً نحن كلنا زملاء ودفعة واحدة ونرسم ونعبر عن الفن بصدق . ونمت إلى علم الجار هذه الكلمات الحماسية البليغة فطلب لقاءه .وبالفعل ذهب ` أمين ريان ` لهذا الجار وفوجئ بأنه ` طه حسين ` وعلى الفور قامت صداقة بينهما لدرجة أن ` أمين ريان ` كان يصطحب ` طه حسين ` إلى المعارض التشكيلية ويحكى له واصفاً بدقة شديدة ما تحتوية اللوحات التشكيلية ويسأله ` طه حسين ` عن أدق التفاصيل مثل ( هل اهتم الفنان بمصادر الضوء ؟ .. هل راعى مصدر الرياح عند رسم أشرعة المراكب على صفحة النيل ؟ وهل الألوان متناسقة هل يغلب عليها التفاؤل أم لا ؟ ) ..
- قال ` نجيب محفوظ ` عن ` أمين ريان ` : إنه الكاتب الذى كون الحياة الاجتماعية بالكلمات كان هذا عنوان قراءة نقدية مطولة كتبها محفوظ عنه.
الأسلوب التشكيلى : المدرسة التعبيرية المصرية يميل إلى التشخيص ولم نره يتجه إلى التجريد مطلقاً عشق التعبير بالألوان الزيتية والمائية وخامة الباستل تحوى لوحاته قصصاً وكأنها نوع من السرد التشكيلى أشبه برواية بصرية، فتذكر على سبيل المثال لوحة `تسميع ` حيث يؤخذ الطفل فى الكتاب إلى غرفة العقاب ويتم ضربه بالفلكة على قدميه، ولوحة ` الخط ` شيخ الكتاب شبه ناعس والتلاميذ يرغبون فى الهروب من الكتاب ولا يستخدم الألوان الصريحة.
- رسم ` أمين ريان ` بورتريه للملكة فريدة قبيل زفافها للملك فاروق وكان فاتحة خير، حيث ساهمت مكافأته عن رسم هذا البورتريه فى مصاريف زفاف الفنان على عروسه ` ذكية ` .
- اتصل ` أسامة الباز ` بـ أمين ريان ` هاتفياً وأخبره بأن هذا البورتريه موجود فى مخازن قصر الطاهرة .
- القصص لا تنتهى عن هذا الفنان التشكيلى والقاص والمفكر، يكفى أن نقول أنه اختير من لجنة دولية كواحد من أفضل مائة روائى فى العالم أجمع فى القرن العشرين بكاملة .
- لو تناولنا رواية `حافة الليل `، سنجد السرد بديعاً يسير بسلاسة، والوصف بالغ الدقة دون إسهاب أو تطويل يصف الزمان والمكان حيث تشير رائحة المكان والأجواء الاجتماعية للفنان التشكيلى فى أربعينيات القرن العشرين الداخلية سيرة ذاتية تشرح الأحلام والآمال والصعوبات التى تواجهه، ويحكى بصدق عن قصة حبه للموديل التى يرسمها `أطاطا ` وعن ولعه الشديد بها ورغبته الشديدة فى الزواج منها، وكيف اصطدم بتقاليد مجتمع صارم لا يقبل الارتباط بموديل تقف ليرسمها الفنانون ويشعر بالندم أليست إنسانه؟ أليس لها الحق فى حياة كريمة.
- يعود بنا للحديث عن الذكريات، حيث لا يزال يذكر أيام إقامته بروض الفرج وإطلال منزله على نهر النيل فى مشهد بديع وحزنه الشديد لاضطراره للانتقال إلى الحلمية .
- له إسهامات فكرية عديدة بالصحافة المصرية والعربية حيث يناقش قضايا الثقافة العربية وما يعترى الساحات الثقافية من اشتباكات وإشكاليات فكرية وأدبية لعمل المدرسة التعبيرية المصرية التى هى ضالته المنشودة . يحتوى على جرعة زائدة من العاطفة والحنين والتعبير عن المشاعر الإنسانية والأحاسيس .- يعبر بصدق عن المجتمع المصرى وبصفة خاصة البسطاء والمحتاجين والمهمشين إنه يلقى الضوء دوماً على الجانب المظلم المنسى من المجتمع المصرى .فازت لوحة ` أزمة الدقيق فى مصر ` بجائزة مختار التى كانت تشرف عليها ` هدى هانم شعراوى ` واشترتها منه بعشرين جنيهاً مصرياً، وهو مبلغ ضخم آنذاك، ولوحة `موكب الحجاج ` اشتراها ` سحاب بك ألمظ ` المشرف العام على أعمال الترميم بالقصور المصرية بمبلغ ثلاثين جنيهاً عام 1948 .
- من أصدقائه التشكيليين ( إنجى أفلاطون - تحية حليم - وزوجها حامد عبد الله - محمد حسين هجرس ( نحات ) - صفية حلمى حسين ) .
- من بين أسماء لوحاته : ( تسميع - خط - شم النسيم - السبورة عليها خط - البيض والمشنة - والأولاد نائمون - أسرة فى حديقة - الشهيد - ألوان مائية - حديقة الأزبكية - سطح منزله القديم فى روض الفرج ) .
- أطروحة ماجستير : قدم الباحث ` كمال على عبد المقصود ` أطروحتة لنيل الماجستير لكلية دار العلوم بالفيوم - جامعة القاهرة - قسم البلاغة والنقد الأدبى والأدب المقارن عام 2005 ، وموضوعها البنية السردية عند أمين ريان ` تحت اسم ` د. محمد حسن عبد الله ` و ` د. مصطفى الضبع ` رئيس قسم البلاغة والنقد المساعد بالكلية .
- قدم ` د. الضبع ` `أمين ريان ` على أنه مدرسة فكرية يذهل منها عشاق الأدب والفكر، وأن تقديمه هذه الرسالة العلمية هى فاتحة لسلسلة رسائل للماجستير والدكتوراه .
- السؤال الذى يفرض نفسه فى النهاية : أين تكريم الدولة لهذا الفنان مادياً وأدبياً ؟ ليس لديه معاش لائق من الدولة يتواءم مع عطائه الفكرى والفنى المتميز رجل عاش حياته مخلصاً لفنه يرفض المواءمة والمجاملة لم يحاول مطلقاً التقرب والتملق لكبار مسؤولى المؤسسات الرسمية الثقافية .
- والجدير بالذكر أن ` بابا أمين ` يعانى الآن من ظروف صحية حرجة للغاية ،
ومن الإيجابيات المضيئة، قيام هيئة قصور الثقافة بإعادة طباعة كتبه وطباعة كتاب خاص عن مجموعة دراسات نقدية لنقاد معروفين منهم ` فوزية مهران ` و ` عبد الغنى داوود `.
أيمن حامد
مجلة الخيال : العدد الثالث والثلاثون - ديسمبر 2012
أمين ريان.. العجوز المغامر
- كل الذين أثروا فى وجداننا منذ الصغر، تغيروا، معلمو الفصول ونظار المدارس والأصدقاء والجيران، حتي الآباء تركونا ورحلوا، عدا أمين ريان. ظل ثابتا قائما مستمرا في وجداننا وعقولنا، لم يكن مجرد فنان تشكيلي يبهرنا بلوحاته، أو أديب نتناقش حول أسلوبه وطريقه عرض فكرته، بل هو أب وفنان تشعر اننا نعرفه وتربطنا به علاقة قرابة وصلة رحم.
- لذلك فبينى وبين عم أمين ريان، نصيحة ونصف قرن ومعركة، والنصيحة تتكرر كل يوم منذ أن تعرفت عليه، يرفع سماعة التليفون ويقول بصوته المحمل بخربشة سنوات: شغال يا ولد، كتبت إيه النهاردة، حاول أن تقرأ أزهار الشر لبودلير، أما النصف قرن من الزمان فهى تجربته واعتقاله وحياته، وأنا مازالت فى البواكير، كما أننى لا أحب ان أخوض تجربة اعتقال، ولا يبقى غير المعركة والتى سوف أتحدث عنها لاحقا.
- منذ أن رأيت عم أمين ريان، بقامته النحيلة ووجهه المستدير المنتشرة به التجاعيد التي تدل علي العمر والتجربة وشعر ذقنه الأبيض النابت ونظارته المايلة على أرنبة انفه وحركته البطيئة في الترحيب والاستقبال، وقد شعرت اننى أمام (سانتياجو العجوز) بطل أرنست هيمنجواي في العجوز والبحر، والذى تخلى عنه الحظ طوال أربعة وثمانين عاماً، وها قد التقيت به فى اليوم/ العام الخامس والثمانين والذى سوف نحتفل به قريباً.
- خمسة وثمانون عاما والحظ يعاند أمين ريان، ولكنه يكتب، يخنقه العمل البيروقراطي فيكتب، ندخله المعتقل فيكتب، نضع على رأسه كل الهموم والمصائب، فيضحك ويكتب، ومنذ ان قابلته وهو يحاول معرفة سر التقائى به فى هذا الوقت من العمر، فيضحك ويقول: يا ولد ما جاء بك في هذا الوقت، فأنا وزوجتى فى انتظار الموت، لكن الموت لن يأتى الآن يا عم أمين، وحظك لم يبتسم لك بعد، كما ان هذه هي الحياة، والموت يأتي للضعفاء، وعم أمين بحركته البطيئة البسيطة وابتسامته وسخريته يظل أخر الأشخاص الأقوياء الذين يهتمون بنا، نحن الأجيال الجديدة فى بحر الأدب، يتصل كل يوم ويقول: إيه الأخبار، شغال، بتكتب، بتسأل علي أمك، مفلس، وهكذا يظل عم أمين بالنسبة لى الأب الذى رحل منى فى غمضة عين.
- عندما ذهبت إلي شقته بحي الزيتون، فوجئت بأننى قد دخلت متحفاً صغيراً، فجميع غرف الشقة: عبارة عن مكتبة ضخمة من الأرض للسقف، وعلى تلك الأرفف وضعت لوحاته والتى يوجد عليها تواريخ منذ أربعينات القرن الماضي، كما يوجد بعض اللوحات الحديثة والتى يطلق عليها لوحات للتمارين حتى لا تفقد أنامله الإحساس بالريشة أو القلم.
- أنامل الفنان التشكيلى
منذ بداية حياة عم أمين ريان، دائما يضع القدر فى طريقه العظماء، والذى تعلم واستفاد منهم كثيراً، فنجده درس على يد الأستاذ الفنان الكبير أحمد صبرى، والذى كان يرعى مشروعه، وتنبأ له بمستقبل فنى كبير، وكان مشروع تخرجه هو لوحة شم النسيم التى بدت مبشرة بمولد فنان متميز، ثم اشترك - أمين ريان - فى أول مهرجان فى حياته وهو معرض ( مختار ) بفندق الكونتيننتال وتحت رعاية السيدة هدى شعراوى وكان ذلك فى عام 1943، وفازت لوحته ( عودة الحجاج) بالجائزة الأولى، والتى اشترتها السيدة هدى شعراوى بمبلغ 30 جنيها، وكان مبلغاً كبيراً فى ذلك الحين.
- وفى العام التالي مباشرة حصل علي الجائزة الأولي عن لوحة ( مبيع الدقيق )، وهي لوحة تعبر عن أزمة الخبز، التي كانت أكثر هموم المجتمع في ذلك الوقت، وكانت تعكس عناية الفنان أمين ريان بقضايا ومشكلات مجتمعه في تصوير لوحاته الفنية، وقد اشترى والد الملكة فريدة ملكة مصر فى ذلك الحين، لوحة ( مبيع الدقيق ) بمبلغ لا يذكره أمين ريان لأن والد الملكة لم يدفعه أصلاً، وبذلك اختفت لوحة ( مبيع الدقيق).
- وتظل لوحة ( الشهيد ) من أكثر اللوحات المحببة إلي قلبه وأقربها إليه، وهى تحمل ذكريات أيام مجيدة فى عمره وعمر الوطن، حيث انه رسمها أثناء فترة العدوان الثلاثى على مصر، وكان ضمن مجموعة من الفدائيين المدافعين عن الوطن، وكان يريد أن يعبر عما يتعرض له الوطن من نهش القوى الكبرى، وكانت الأضواء مقطوعة عن مدينة بورسعيد، فاضطر أمين ريان إلى رسمها فى الظلام، مستدلاً بروحه ومعاناته ومعاناة الشعب المصرى على الأماكن التى يضع فيها الألوان والخطوط. وعندما أحاول ان اذكر له انه قد همش هو وفنه وإبداعه، وانه كان يستحق الكثير من البريق الإعلامى والشهرة والمادة، يضحك عم أمين فى عذوبة ويقول فى دهشة: أنا لم أهمش فأنا أحب ان أعرض لوحاتى فى بيتى، وذلك ليس تهميشاً، كما أن عشاق الفن يأتون لمشاهدة لوحاتى ويتواصلون معى، وهم من جميع الأجيال.
- أنامل الأديب
- يملك أمين ريان كماً هائلاً من الحكايات الجميلة التي تخص كل لوحة رسمها، وكل جدار في بيته، وكل كتاب فى مكتبته، وكل شخص قابله على مدار 84 عاماً، كما يملك ذخيرة هائلة من الفن الذي لا ينعكس فقط في لوحاته، إنما في نظرته للحياة، وفي تعامله مع الناس وفى تبنيه للمواهب الشابة. وقد تميزت أعماله القصصية، بتفجرها بالحركة وبحثها الدائم عن أشكال جديدة لا تخلو من المغامرة الفنية، واستخدم في كتاباته أدوات السرد الحديث، وجعل الجملة الحوارية تبدو جزءاً من السرد، كما تعددت اللغات والمنظورات في كتاباته، واشتهر بالحس الفكاهي الساخر ذي المذاق الشعبي، أما الصور الجمالية لديه فتبدوا نابضة بالحياة والقوة، ويربط أمين ريان في نصوصه بين المادي والمعنوي والداخلي والخارجي، ويكثر من استخدام الصور الرمزية. وجميع أعمال أمين ريان الإبداعية تشعر ان بها شيئاً من الواقع، وهذا يظهر في أول رواية له ( حافة الليل ) والتي كانت عبارة عن مذكرات عن الموديل الفتاة أطاطا، حيث كانت الفتاة التي تعمل معه في مشروع إتمام دراسته للفن 1948، واستغرق العمل معها طوال الصيف، ومن خلال أغانيها الفلكلورية وأحاديثها عن أسرتها تمكن من كتابة قصة حياتها، وهي بنت حي بولاق أبو العلا الذي يواجه حي الزمالك حيث كلية الفنون في الضفة الشرقية للنيل، فكان الاختلاف والتباين بين الحياة علي الضفة الشرقية والضفة الغربية، والذي أثار مقارنة اجتماعية بين المستويات الإنسانية علي الضفتين، ولكن الرواية لم تصدر إلا عام 1954، بعد أن رفضتها كل الجهات الأدبية بسبب تدخل اللغة العامية في بنائها، رغم ان هذا الأمر دافع عنه يحيي حقي، من خلال دراسته للرواية، حيث كان يدافع عن الحوار اليومي باللغة المنطوقة وللأسف قابل النقاد هذه الرواية بالصمت المصطنع، بعد أن قرأها الجميع وتأثر بها البعض، كما تأثر بها الإنتاج السينمائي في الأفلام، وعندما واجه أمين ريان النقاد بتجاهلهم المتعمد، برروا صمتهم هذا بأن رواية `حافة الليل` عمل انطوائي داخل الحجرات، وكان من نتيجة هذا الحكم أن كتب روايته الثانية القاهرة 1951، وكانت تتناول نضال الفنانين التشكيليين مع عناصر الثورة من خلال شوارع القاهرة، فقد قاموا بعمل الصور والتماثيل التي تحرض الجماهير علي التحرك، وتحض الجماهير علي المطالبة بحقوقهم الاجتماعية، مما مهد لثورة يوليو 1952، وقد لاقت هذه الرواية نجاحا كبيرا وقدمت إلي السينما بأشكال مختلفة، وإن كان ضياع حقوق المؤلف والافتقار إلي الدفاع عن الملكية الفكرية قد أغفلا حق التأليف فلم تنسب الرواية إلي أمين ريان ونسبت لكتّاب السيناريو، بعد ذلك تناول حياة الناس في الحي الذي يعيش فيه في عملين، هما قصص من النجيلي والموقع.
- والواقع أن المرأة لها دور كبير في حياة أي مبدع، وخصوصاً عند عم أمين ريان، فإذا كانت أطاطا هي ملهمة عمله الأول، رواية (حافة الليل)، فأن المرأة هي الأمل الذي يتطلع إليه الرجل، فهي تلخص له الدوافع التي ينطلق عليها وإليها، وبالنسبة لأمين ريان لولا زوجته السيدة العظيمة: زكية، والتي تستقبلك بابتسامتها البشوشة، لافتقد المخاطب وما أبدع كل هذه الروايات والقصص واللوحات، فهي التي لفتت نظره إلي أشعار بيرم التونسي، وجعلته يتذوقه، لأنها أول من قرأت بيرم في الأسرة، وتأثرت به تأثراً عميقاً وأحسنت تذوقه أدبياً، لذلك فهي تنشد دائماً أثناء تحركها في البيت: قلبي لما كانت ثومة تغني يبقي رايح جاي.. وروزا تمثلها الفني يملأ عيني ضي.. وعقلي ينخلع مني لما تكتب مي.. يا مصر دومي واتهني بالحليم الحى .
- المعركة
- والآن لم يعد أمامي غير ان أجهز لعم أمين ريان: صنارته وحباله وقاربه كي نخوض- أنا وهو - آخر المعارك وأشرسها، فاليوم/ العام/ الخامس والثمانون قد بدأ، وأتمني أن يحالفه الحظ، كما أنه قد تعب وأجهد في الحصول علي مبلغ ألف وخمسمائة جنيه شهرياً نظير العلاج، وما يحتاجه هذا الدواء من أوراق ومستندات يحتاجها الجهاز البيروقراطي، والذي تجهد فيه السيدة زوجته جدا، والذي سوف يصل نصف هذا المبلغ له حسب اللوائح حيث انه ليس من الحالات الحرجة؟؟، فأتمني أن يحالفنا الحظ، ونصطاد سمكة من أكبر اسماك بحر الأدب في القريب العاجل، والتي سوف تسعده وتفرح قلبه وتجعل زوجته تستريح، ولكني اخشي من هجوم الأسماك الضالة والمتربصة به، فيعود عم أمين ريان العجوز، يجدف بمجداف مكسور، وبجوار قاربه هيكل سمكة خال من اللحم، كي يبدأ السياح في تصويرها نظراً لضخامتها، وإذا حدث ذلك، فلا يكون في يدي غير ان اصنع من أشواك هذه السمكة، عقداً أعلقه في عنقه بمناسبة وصوله العام الخامس والثمانين، أطال الله في عمرك يا عم أمين.
بقلم : محمد مستجاب
جريدة : القاهرة ( 2 -3 -2010 )
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث