عبد الرازق سعد عكاشة
عبد الرازق عكاشة يحقق حلمه فى جسر التواصل بين الشرق والغرب
- الفنان المصرى عبد الرازق عكاشة والمقيم فى باريس منذ أكثر من 15 عاماً استطاع بعد مجهود مضن وسعى دءوب أن يكون عضواً بمجلس إدارة صالون الخريف الفرنسى، ذلك الصالون الذى بدأت أولى دوراته عام 1905 بمشاركة كبار أسماء ونجوم الفن الحديث: رودان ورينوار وبيكاسو وبرنكوزى وموديليانى ومارسيل دو شامب وفلامنك وديران وماتيس وغيرهم لذلك أسهم الصالون فى كتابة تاريخ الفن الحديث .
- واستمر فى نشاطه المتميز حتى استطاع احتضان المبدعين من مختلف بقاع العالم ، يقول الفنان والناقد الفنى البروفيسور نويل كوريه رئيس الصالون : ( مايميز صالون الخريف منذ إنشائه هى تلك الرغبة فى كسر الحواجز بين الفنون المختلفة ورفض التفرقة بين الفنون الكبرى والصغرى والاحتفاء بأخوة الفن والتنوع الثقافى والأولوية التى يوليها الصالون للفنون التشكيلية ليست على حساب الفنون الأخرى المختلفة للإبداع الإنسانى، وهكذا اندمجت الفنون التطبيقية والموسيقى والرقص والشعر والفن المدنى والقصص المصورة شيئاً فشيئاً فى رقصة الفن .
- أما ( فريدريك ميتران ) وزير الثقافة والتواصل الفرنسى فيقول إن سر فتوة صالون الخريف تكمن فى عمله المستمر على أن يجدد نفسه وأن يبقى منفتحاً على العالم المحيط به وعلى كل الفنون وكل الثقافات وتخطى الحدود التى يصعب تجاوزها فى عقولنا أكثر من القيام بذلك على الخرائط وسنة إثر سنة استطاع صالون الخريف أن يبرهن بقوة أن أنصار الافنجارد هم اليوم فى طليعة أنصار الحريات والمشاركة من أجل غد أفضل .
- يفتح اليوم صالون الخريف الفرنسى أبوابه للحوار مع الفنانين والمبدعين العرب فى سعى للتواصل الإبداعى بين فرنسا والعرب لتكون فرصة للقاء المحترفات الفنية والاحتكاكات الذهنية والمغازلة البصرية الحية لهم لصنع حوار جاد وإنسانى بين مؤسسات المجتمع المدنى وأهمية التحديث فى البناء الاجتماعى للإنسانية والإبداع .
- الفنان والناقد عبد الرازق عكاشة سعى لإقامة هذه الجسور وهذا التواصل منذ حضوره إلى باريس قبل 17 عاماً حاملاً حلمه بأن يحقق شيئاً جاداً لبلده بشكل خاص وللعالم العربى بشكل عام حلمه الذى اصطحبه فى رحلته بالقطار من قريته إلى القاهرة ، وقد كان وجوده فى صالون الخريف عضواً بمجلس إدارته فرصة طيبة لتحقيق الحلم، وقد تحدث إلى عكاشة عن الصعوبات التى واجهته لوصوله إلى هذه المكانة المرموقة التى ساعدته بالتأكيد لتحقيق حلمه القديم والذى بدأ بإقامة قاعة عرض فى باريس عام 1993 لعرض التجارب العربية، وكذلك عمله كفنان وناقد ومستشار للعديد من الصالونات والبيناليات فى الغرب وشمال أفريقيا أو عبر رحلته الطويلة التى حصل فيها على جوائز دولية عديدة ، كان إصراره شديداً وعزيمته قوية فى طرح مشروع الحوار الإبداعى بين العرب والغرب رغم الحروب التى تشن عليه من البعض فى مصر .
- قدم عكاشة على مدار العامين الماضيين جسراً للتواصل بين فرنسا ومصر فى معرض أقيم بمركز محمود مختار الثقافى وكذلك حوار جنوب - جنوب الذى عقد بين (نيس) و (أسيوط) من خلال معرض ومؤتمر دولى يشرف عليه الفنان المصرى منصور المنسى رئيس قسم التربية الفنية بكلية التربية النوعية بجامعة أسيوط كما قدم عكاشة جسراً للتواصل صالون الخريف والمملكة العربية السعودية والذى أقيم مؤخراً فى مدينة الرياض وضم مجموعة من الفنانين السعوديين والفرنسيين بمبادرة من الفنانة السعودية هدى العمر.
د. محمد الناصر
الاهرام - 27/ 8/ 2010
لوحات القطار وحنين العودة
لوحات لمصرى مقيم فى باريس
بعض البشر كالقطارات بلا محطات ولا أرصفه وفى إنطلاقهم قد يدهسون أبرياء
الفنان التشكيلى`عبد الرازق عكاشة`مقيم فى باريس منذ حوالى ثلاثين عام .. لكن ظل قطار الظهيرة منذ خمس وثلاثين عاماً المار على قرية`عرب الرمل ماثلاً فى حياته رمزاً لمرور قطار العمر الذى رسم له حوالى المائة لوحة معظمها مترين طولا ومتر ونصف المتر إرتفاعا.. ليصبح القطار المار بـ`عرب الرمل`رمزاً لفكرة عبور المكان والزمان .. وهو فى الحالين رمزاً لعبور بين عالمين..
لاحظت أن الفنان`عكاشة` لم يرسم فى أى من لوحاته أى محطه داخلية أو رصيف للقطار..ربما لأنه يراه عابراً بجوفه الممتلئ بإناس عابرين أيضاً من أرض إلى اللامحدود من الحلم..
والفنان`عكاشه`الذى حقق لنفسه مكانة إيجابيه كفنان مصرى فى معترك باريس بفنونه المعاصره والمتلاطمة بدا لى كقطاراته..فهو مغادر وطنه..وعائد اليه دائماً..فمغادر ثانية..وهكذا حياته بين رواح وعوده لوطنه.. فإتخذ القطار لنفسه تجسيداً للحلم والأمل القائم ما بين الذهاب والعوده لمائة حلم ملون فى اللوحات..
فى اللوحات نرى القطار منطلق من أقصى نقطة فى اللوحة مندفعاً من الخلف على هيئة ملتفه وفى إنطلاقه تهشرت وإمتزجت بعض تفاصيله والوانه من سرعة حركته التى يتمدد بها المكان بينما يُقلص الزمان ويقطعه يربطه بالأرض فقط قضبان من سرعته يبدو متطايراً فوقها..ويبدو فى كثير من لوحاته بشر ينظرون اليه من بعيد كحلم متحرك..
ولأن قطارات عكاشة بلا محطة أو رصيف ركاب بدت فى إنطلاقها ككائن خرافى يمزق الفضاء ..وهذ الشرخ فى الفضاء لا يحققه فقط حجمه الوحشى ولا إيقاعه وقرقعاته وصافرته الهادره بل حققه ان القطارات معلقه كالفضاء بين مكانين لأنها تجسد صلة بين الأماكن غير المرئيه واللامتوقعه حتى تصبح مرئيه..فهو المنطلق فى رمزية ولا يعبأ وهذه الرمزية نراها فى كثيرين منا ينطلقون دون توقف ودون أن تكون فوق خريطة حياتهم محطات أو أرصفه..فمنا الكثيرون يتشابهون والقطارات التى فى إندفاعهم بأنفسهم قد يدهسون آخرين..
- وقد رسم الفنان عكاشة لوحات راكبى القطار المار بالأرياف والقرى ومعظمهم من ركاب الدرجة الثالثة..ويعجبنى جدا فى ركاب الدرجة الثالثة وفلاحى قطارات الأرياف ما اضفاه عليهم نفسياً مفهوم القطار بأن إكتسبوا فكرة التحرك من وجوده وشجعهم هذا رمزياً على التحرك وعدم التواجد وحررهم من أسر المكان .. ورغم مفهوم القطار الإيجابى إلا أن عكاشة قدم قطارات الأرياف متهالكة قديمة ففى اللوحات نرى ألوانها معتمه ومُهشره رغم ما تحمله من أمل لراكبيها .. لكنه لم يسلبها قدرة الإنطلاق .. وكأن الشكل لا يُنبى عن القدرة والقيمة كما عند كثيرين ممن يخدعهم الشكل الخارجى..
ورسم كثير من الفنانين القطارات..من أشهرها لوحة البريطانى ويليام تيرنر عام 1844 `مطر وبخار وسرعه`فى قاطرة تمر فوق جسر للسكك الحديدية على نهر التايمز فى مايدنهيد..ورسم الانطباعى مونيه إثنى عشر لوحة للعديد من قطارات السكة الحديد داخل محطة سان لازار 1877
ومن أروع لوحات القطار إنسانية لوحة الفرنسى هونوريه دومييه`ركاب الدرجة الثالثة` 1862 والتى أظهر فيها بؤس الركاب المتعبين وهى اللوحة التى ألهمت الشاعر`لويس أرجون` بكتابة قصيده يقول في أحد أبياتها :`الشعب هم ركاب الدرجة الثالثة `
فاطمة على
مجلة `آخرساعة` 2021/1/27
سذاجة التعبير البدائى الوحشى فى مواجهة وقائع الحياة اليومية
- الفنان عبد الرازق سعد عكاشة ، المنوفية 1968 محل الميلاد ، بلدة عرب الرمل ، قويسنا محافظة المنوفية.
- الفنان عبد الرازق عكاشة نموذج فى هذا الإتجاه الفنى. ترددت كثيرا بالكتابة عن أعمال عبد الرازق عكاشة ، بوصفه ناقداً جريئا ومجاملا فى بعض الأحيان0 وصديقا لى فى ذات الوقت.. وبقدر ما يشدنى فى كتاباته النقدية ، مفرداتها الادبية وزخم المعانى الشارحة وموضوعيتها . لم يكن حماسى بذات القدر لأعماله التصويرية0!! إلى أن شاهدت العديد منها معلقا على جدران متحفه الجديد (دارنا) بجزيرة وسط نيل مصر، من بين العديد من مقتنياته الفنية لفنانين مصريين وأجانب معروفين.. وقتها تأملتها جيدا ، وعاودت قراءة روايتها البصرية ومعالجتها التقنية الفنية00وادركت ساعتها انه قد قدم شئ كمصور له خصوصية 0 إلي جانب عكاشة الناقد .. الذى عادة ما يتحدث عن نفسه بلغوا وحماس وثقة قد يساء فهمها لدي البعض0 مع أنى أتفهم ذلك جيدا ولذات الصفات التى ذكرتها للتو ، تحمست للكتابة عنه لان إيجابيته فى معترك الحياة كثيرة0
- إذ يحسب له انه الفنان والناقد الوحيد المصرى الذى هاجر إلى فرنسا وحمل جنسيتها ، ولا يزال يتردد علي وطنه الام.. ويلعب دور الوسيط المستنير بين شمال المتوسط وجنوبه .. يفعل ذلك عن طيب خاطر وقناعة تامة .. لأنه لم يتخلي عن مواطنته ، وأهله وأصدقاؤه الكثر .. ودوره الايجابي في مد جسور الصداقة والتعارف ، والتلاقي بين الفنانين وبعضهم البعض00 بينما قد سافر إلي فرنسا عدد من الفنانين المصريين ، قبله وبعده ، واقاموا هناك عدة سنوات00ثم عاد بعدها البعض ، وبقي البعض الأخر بقية حياته ولم يفعل اي منهم شئ مفيد لصالح الفن والفنانين على أرض الوطن
الأم!!!.
- عكاشة داخل الإطار
- معروف لى التشكليين فى مصر والمنطقة العربية وبلدان اجنبية أخرى بكونه ناقد تشكيلى ، ومصور ، وباحث في الفنون البصرية ومحاضر.. صدر له من الروايات الادبية والكتب المتخصصة في الفن والفنانين ، وكتب العديد من المقالات والدراسات النقدية في عدد من الصحف العربية والاجنبية .. وكذلك علي صفحته بالفيسبوك...
خلال التسعينات ، كان قد تخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة0 وشق لذاته طريق صعب نحو تعلم أصول وقواعد فن الرسم ، وكذلك النقد والتذوق الفني0غير أن تطلعاته الفنية والمهنية ، كانت تتطلب تغييراً جذريا في حياته الشخصية التي لم يجد لها بديلا مناسباً سوي خارج الوطن الام0 فقرر السفر الي فرنسا عام 1992م .، حيث استقر به المقام في باريس ، وتزوج من فرنسية وانجب منها و.. تجنس بالجنسية الفرنسية0 عبد الرازق وانا...
- تعود معرفتى بالناقد التشكيلى المعروف بعكاشة إلي سنوات قليلة ، مضت ومازالت مستمرة 0 هو شخصية محورية جدلية نشطة ، في مجال الفنون البصرية والإبداع الإنساني النزعة0 يتناول بالكلمة الادبية الرشيقة ، والقراءة التحليلية النقدية المتماهية السرد0 العديد من الاعمال الفنية لدي فنانين من أنحاء مختلفة من دول العالم.. في محاولة جادة منه تقريب المسافات البعيدة بين لغة الإبداع الفنى أينما كانت ، ولمن كان من مبدعيها 0
- بهدف الترويج والتثقيف والتوثيق .. لمن يهمه امر الإبداع الإنساني ونوعيته ونزعته وجماليته الفنية الرائعة .. وهو بذلك يلعب دورا مهما علي خارطة التشكيل والتعبير البصرى الدولى بمهارة ، وبصورة لافته ، بمن فيها مصر بصورة خاصة.. فكم من مقالات نقدية كتب.. وكم من معارك خاضها مع خصوم له ، وكم من مرة يعتذر عن الكتابة لشعوره بميوعة المواقف السلبية من قبل الفنانين أصحاب الشأن ، ثم يعاود الكتابة بحماس مرة اخري حالما يدرك اهمية ما يقدم ، وما يلاقيه من استحسان وتأييد البعض له0
- البداية
- الفنان ابن بيئته ونشأته.. نعم أن لعامل البيئة المحلية بموروثها الاجتماعى والثقافى وثرائها الطبيعي الخير.. اثر على فكر ووجدان الإنسان بوصفها الجذر والأصل ولا سيما الفنان.. وايما كان حال الوضع الاجتماعي ومستوي المعيشة والتعليم وأشياء أخرى.. فهو يبحث دائما عن مايلي متطلبات حياته الشخصية والفنية والاجتماعية والثقافية.. فإذا ما توفرت علي أرض الواقع وقنع بها خيرا لذلك، وإذا لم يجد ما يلي طموحه ، فليبحث عن مكان آخر داخل أرض الوطن أو خارجه. هكذا عرج عكاشة علي باريس واستقر به الحال بعد صعوبات عديدة صادفته00ومع هذا مكنته قدرته علي التفكير وتعلم اللغة ، والتنقل ، وسعة حيلته على التأقلم والاندماج السريع فى محيط ثقافى مختلف تماما عن مصر والشرق المحافظ 0 لقد جعل توجهه الفني اكثر صحة ومرونة داخل النمط العام الباريسي0 فقد امكنه ان يغير وينمي بصورة جذرية رؤيته وثقافته الجمالية بما يتلاءم و `الطبيعة الوحشية البدائية..` التي تمثلت فى أعماله الفنية لاحقا من رسوم ابيض اسود ، ولوحات تصويرية0
- فالصورة عنده حالة مزاجية ، جملة تراكمية ، تتشكل بفعل الفكر والأدب وردة الفعل ، والتعاطف الوجداني مع طبيعة المثير الابداعي.. لكي تزودنا برموز الغضب والقلق.. أو علي العكس من ذلك بمشاعر الحنين والالفة الطيبة ، والامال العالقة .. واللون بكثافاته وطبقاته السخينة ورمزيته الفسيولوجية والسيكولوجية .. والتحديات الخطية المرتجلة.. تشكل قوام التشكيل والتعبير الأساسي للوحاته التصويرية.. ومع ذلك قد تبدو للوهلة الاولي غريبة علي عين المتلقي لها لدي طلاب الفن ومحبينه ، وربما الفنانون والنقاد أنفسهم ..لا لشئ سوي انها -حسب فهمهم للفن- تفتقر إلى المعالجة الاسلوبية الاكاديمية المعتادة ، من حيث العناية بالرسم والنسب التشريحية والمتظور الهندسي واللوني ، والتكوين الخ .. وقد تبدو للبعض وهم قلة ، انها مثال للفجاجة والحوشية البدائية.. وتمثل في طرحها روح الحقيقة وصدق اللاشعور .. و- أنا منهم - إذن فالحكم القيمى علي تجربة الفنان ومنجزة الفني والجمالي يتطلب فهما أوسع لمفهوم الفن ، اتجاهات وتوجهاته الجمالية والإنسانية الحافلة بالمعاني والدلالات00أن هذا الخلاف في النظرة والتقييم قد تزيد من صعوبة الخصائص الجمالية ، وتشويه الماهية الباطنية التحررية لهذا النوع من النمط الفطرى / الغريزى الذى يحمل في ذاته السكوني والحركي ، الريفي والحضري ، المحافظ والتقدمي ، المشخص والمجرد .. والإحساس بالقوي الحية للفردية التجريبية.. التى تنبثق من النظرة الحضرية لواقع الحياة الآنية.
- وبالنظر إلى مجموع لوحاته المعروضة بمتحفه الجديد (دارنا) يمكننا أن نلحظ بوضوح شخصية ابن بلدة عرب الرمل بقويسنا ، وثقافة ابن المدينة المتحررة باريس ، ونزوعا فني ينتج بفضل التوترات الحاصلة الان ، والمقاصد المؤملة ، والحقائق المغيبة في البلدان النامية التي لا تعير اهتمام بالحرية والديمقراطية والبراغتماتية00 أو تلك التي يسودها التعصب والتميز العرقي واللامساواه في الحقوق والواجبات 00وكأن الفن موقف ورسالة إنسانية في المقام الاول تشير إلى كل ما هو مضاد لروح الخلق والابتكار والجمال ، وحرية التعبير داخل الاطار0
- التكيف والتماهى مع روح العصر
- اشارة إلى ما سبق لرحلة الفنان ونتاجه المتنوع فى الفن والرواية الأدبية والنقد التشكيلى 0 بالإضافة إلى تكيفه في الوسط الاجتماعي والثقافي الجديد00 كان فرصة كبيرة من أجل تنويع مصادره الفنية ، عبر الاسفار والتجوال في كافة البلدان الاوربية وزيارة متاحفها المختلفة والاطلاع علي روائع الاعمال الفنية لأساطير الفن عبر العصور. مما اكسبه قدر كبير من الثقة والحماس والعمل المتواصل00 موصول بخاصية التعبير الثوري الفورى ، الاكثر دينامية وفردية وحداثية .. وهو بذلك يجعلنا ندرك اهمية ما كتب عن متحف اللوفر ، وسيزان ، وبيكاسو ، ماتيس ، ايجون شيلى ، وكليمت ، كوكوشكا ، كارل آبل وغيرهم .. اضف إلي هؤلاء الموهوبين العظام اسماء أخري من (المتمردين الجدد) ايريك هيكل ، ايميل نولدة ، كارل شميدت ، راؤول بوفي ، اندريه ديران ، ماكيه.. اولئك الذين اكتشفوا الفن الافريقي ، وطوروا اهتمامهم بالبدائية بالمعني الواسع 0 وبينما كان براك وبيكاسو يطوران مفاهيم التكعيبية التحليلية ، كان موريس فلامنك وأندريه ديران وجورج روو ، وفناني التعبيرية الألمانية .. يرسمون مواضيعهم الإنسانية ومناظرهم بثقة وقسوة ، ومحايدة اللون الواقعي ، والنسب التشريحية والمنظور، تعبيرا عن المشاعر الخفية والمخاوف التي كانت تؤرق حياتهم الخاصة.. كل هذا الزخم اللافت ، والثراء اللوني، وقوة الخط ، والتكوينات المتنوعة والتمرد الحاصل علي الاتجاهات السابقة عليهم 0 كان له من دون شك اثر ما علي فكر وحواس وأداء عبد الرازق عكاشة 0وذلك لا يعني تقليلا من قدره الفني0 ابدا لأن هؤلاء الفنانون الذين ذكرتهم كان لهم رواد تأثروا بهم ، مثل سيزان ، جوجان ، فإن جوخ ، بيكاسو ، ماتيس وهكذا حال الفن دائما ابدا0
- وعودة إلى أعمال الفنان المتمرد عكاشة ومشاهدة أعماله الفنية مجمعة ، بشئ من التعقل ، والتعرف علي موضوعاتها وتكويناتها وصياغتها تحت مسميات مختلفة مثل (كورونا ، والتعري السياسي ، مائدة الجوعي ، شهيد في غزة ، قطار الظهيرة والفلاحين في جمع القطن ، غيط عمتي إحسان ، شهيد الثورة ، مصطبة جدي وغيرها كثير00) وكلها منفذة بالألوان الزيتية علي مساحات كبيرة ندرك مقدار الطاقة الكامنة ، والفطرية النقية ، العاطفية الجياشة في التعابير المجازية كنص بصرى مواز لتمثيلاته الشكلية المشوهة والمشوشة احيانا ، التي تحمل معانى خفية لصراعات الإنسان الداخلية... فى ذات الوقت هو بقادر فى هذه الحالة الذهنية والنفسية المتقدة على أن يجعل من الممكن اتقاء الألم والوجع ، وغير المحتمل والوحشى .. عمل فنى يشمل الارتخاء البسيط ، والاندماج والتكثيف للوصول إلى عمق التجربة الفنية بجماليتها الفانتازية والإنسانية .
- هذا هو عبد الرازق عكاشة كنموذج مختلف ، نتفق حول شخصة ومنجزه الفنى أو نختلف.
بقلم : د./ رضا عبد السلام
من كتالوج معرض الفنان ( باريس من قلب القاهرة ) يناير 2025
عكاشة .. صرخات وهمسات
- فنان تعبيرى قادم من مصر
- هو فنان مصري وفرنسي في نفس الوقت ، بالغ الشهرة في العالم العربي ، أما فرنسا ، بلده الثاني ، فقد بدأت أخيرا تعرفه وتعترف به ولقد آن الأوان لذلك منذ زمن طويل لأنه من التشكليين النادرين فى سنة 2010 الذين يتطلعون إلى متابعة البحث لاكتشاف خبايا الحداثة بكل حماس وإصرار وحزم0 لن نؤكد كثيرا عن سنوات دراسته وتدريبه سواء في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة أو فى احتكاكه المستمر بأعظم أساتذة بلده ، كما لن نتوقف عند التضحيات التي قدمتها عائلته كى تتيح له المناخ المناسب حتي وصوله إلى أعلى درجة فى التمكن من فنه .
- فهو فنان مبدع وكذلك ناقد فنى يتمتع بكفاءة فائقة ونظرة حادة ، من الواضح أنه تشبع ونهل من تاريخ الفن الغربي منذ البدائيين حتي عظماء مبدعي الفن الحديث في القرن العشرين 0 لم يعد يجهل شيئا من مصطلحات الفن التشكيلي بأنواعه ، فالوحشية أو التكعيبية أو مدرسة باريس أو مدرسة نيويورك أو التجريد كل ذلك واضح في ذهنه وهو علي أتم الوعي به 0 تعبيره الفني مميز وخاص به فهو نابع من أعماقه وإصراره الدائم علي البحث في تاريخ الفن القديم سواء عبر جذوره المصرية المتأصلة داخله أو في خضم التيارات الغربية بآخر صيحاتها 0 وبالرغم من تواجده وسط دوامة التأثيرات التي سبق ذكرها فهو لا يتنازل أبدا عما يعتبره أساسيا في رسالته وهو فرض هويته بنغماته الخاصة وبشاعرية بصمته المتميزة ، لذا يبدو تناغمه مع الشاعر المصري الكبير جمال الشاعر طبيعي فهو حوار شاعرية فياضة مع إبداع تشكيلي كثيف0
- ومن الواضح أن جدلية عكاشة الفنية لا تحمل أي غش أو مراوغة من التي `يتحفنا` بها بانتظام بعض `الحرفيين`0 فهو كرسمة يكشف لنا بكل سخاء عن قوة فنه فيهدينا خبايا كيانه ، يبالغ في انحناء خطوطه فيفاجئنا بأشكال تعبر عن بصمته من أول وهلة فهو شديد الحرص علي تناغم الخط مع اللون وكما عهدنا عند كوكوشكا - الذي يعشقه عكاشة - فهو دائم البحث عن إبراز خصوصية الموديل من وراء `قناع` الوجه 0 منحنيات خطوطه التعبيرية تكشف عن حساسيته المرهفة وعن قلقه الدائم0
وبالرغم من أن اللون عنده ليس مستقلا عن الخط - كما هو الحال عند فارنان ليجيه مثلا - فهو يتعامل معه بحرية مطلقة تجعله يطوعه ويستخرج منه كل إمكانيات توظيفه محلا لنفسه صياغته تارة كنغمة عالية مدوية وطورا كموسيقي هادئة مؤنسة000فتصبح صرخات اللون وهمساته ودرجاته وتنوعاته مجرد أدوات يستخدمها الفنان قصد الوصول إلي التعبيرية التي يريدها في التركيبة النهائية للوحة ، ويصير العمل الكامل توليفة بين الواقع والخيال وبين الحاضر والماضي وبين الصرخة والصمت0
- وقد أسعدنا الحظ يوما لزيارة الفنان خلال حصة عمل له وحضرنا بأنفسنا هذا التناغم المدهش بين عكاشة وفنه وكيف يبدأ بناء المسطح بضربات فرشاته العريضة فتتبين لنا شبكة إيقاعات متداخلة تتحول فجأة إلي كتلة أشكال بشرية مفككة يتعامل معها كمادة حية ، يضع طبقات اللون الواحدة تلو الأخري فينحت المادة ويطوعها ويخلق منها بعض الشفافيات والمنحدرات والمعطيات حتي يصل إلي تعبيريته0
- يثري عكاشة أعماله الفنية من رسم وملصقات ، بتوظيف مواد متعددة ومختلفة يربط بينها بمهارته وحماسة المعهود0 حين يشدو الخط والمادة واللون معا بنغمة متناسقة ، يدخلنا عالما فنيا مبهرا حيث يتعايش الجمال الهادئ الصافي مع أوضاع خانقة وحيث يتحول المرء من الهدوء النفسي إلي التشنج البالغ وإلي الشعور بأوضاع قصوي من الغرق الذي نستشف منه الصرخات المكتومة000هو عالم خيالي يحتفي بالتجانس الدائم بين ذاكرة مصرية عريقة ومجتمع حديث لإنسانية متألمة وحيدة مكممة بإحكام0 أي لوحة من لوحات عكاشة تشهد بذلك 0 ينظر الفنان للإنسان والطبيعة نظرة العاشق الملتهب بألوانه الزاهية ، الصارخة أحيانا ، وبأشكاله الحائرة.
- تحتل الموميات المكومة والمتراحمة حيزا هاما في أعماله الفنية وذلك دليل علي عمق ارتباط عكاشة بتاريخه وأصوله 0 ذاكرة بمثابة الميناء التي تنطلق منها السفن إلي عالم يرنو إليه الفنان يناديه بكامل قوة ملكاته الفنية فهو عالم شعر وسلام يسوده التضامن الإنساني والحوار واحترام الآخر0 قد تجعلنا هذه المثالية نبتسم ، نحن جيل الخمسينات الفرنسيين ، ففي أيامنا هذه أصبحت جاذبية المادة هي المقياس الوحيد للتقييم وعوض رمز جيفارا أو عرفات بأيقونة بيل جيتس وأصبح الحديث عن برلوسكوني متدفقا أكثر مما كان يحظي به سلفادور أليندي في عهده0 كما لم نعش نحن ما عايشه الجيل الذي سبقنا من حروب الجزائر أو الهند الصينية فلم نعرف رعب فرقعة المدافع والأسلحة 0 لكن عكاشة ترعرع في صدي أحداث حرب 1967 التي تركت آثارا عميقة ومؤلمة ، فكيف لأعماله الفنية أن لا تشهد عن تلك المعانات وأن لا تصور تطلعات أغلبية مثقفي مصر إلي مجتمع ديمقراطي وتؤكد علي هويته المزدوجة كفنان مصري فرنسي شديد التعلق بالقاهرة وباريس في نفس الوقت0
- قال فرنان ليجي `لابد للعمل الفني أن يعبر عن عصره ` وأعمال عكاشة الفنية تعبر عن عصرنا ببلاغة الفنان العاشق للتقارب والتآلف مع معاصريه 0 وبين الهمس والصراخ يتجلي تعبير الفنان الفرنسي / المصري في انتمائه إلي منبع الإنسانية المطلقة سواء عبر جماليات السور القرآنية أو مبادئ الثورة الفرنسية من هذا المنطلق وبصفته عضو مجلس إدارة صالون الخريف ، يسعي الفنان بدون تخاذل ولا تهاون لوضع جسر بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط لإثراء الحوار بين تشكيلي وشعراء فرنسا والمغرب العربي الكبير والشرق الأوسط 0 تأكدنا بدون أي شك أن وطن عكاشة الأوحد هو الفن الذي احتضنه منذ زمن طويل وتبناه كواحد من أقدر مواطنيه وأكثرهم موهبة.
بقلم الناقد: نويل كوريه (رئيس صالون الخريف الفرنسى )
من كتالوج معرض الفنان ( باريس من قلب القاهرة ) يناير 2025
|