الفنان الكبير على عاشور.. `مرايا عالم لا إنسانى`
- فى ظل الإباده لشعب الأرض والزيتون
- شهود وشواهد بشريه باللونين الإسود والأبيض
- أولى لوحاته فى تحدى حرب الإباده بعنوان:
`- صمود شجرة الزيتون منفردة من أجل تحريركم`
- سأختار بعض من لوحات الفنان القدير `على عاشور` التى أنجزها على مدى العام ونصف العام مؤخراً لصمود بشر أرض الزيتون الفلسطينية باللونين الأسود والأبيض والمنفذه بخطوط قلم رصاص وأصابع فحم معبراً عن رؤيته كفنان لشعب يتعرض لوحشية وإباده لا إنسانية.. وهذه هى تجربتة الفنيه التى صاحبت عمليات الإباده للإنسان والأرض منذ بدايتها متجاوزا بها السعي وراء الجاذبية الجمالية إلى الروح المقاومه.. وكانت أولى لوحاته تعبيراً عن الصمود رسمها فى نوفمبر 2023 بعنوان `صمود شجرة الزيتون منفرده من أجل تحريركم` ثم توالت اللوحات حتى آخر لوحة انجزها منذ عشرة أيام فى فبراير 2025 بعنوان `برغم زحف الركام هناك من يدخر الضوء`.. قائماً بدوره كفنان فى التعبير عن كبرياء تحدى الإنسان الأعزل لحرب إباده.. وبسن قلم رفيع غائراً فى تفاصيل المشهد بدى جارحاً اللوحة كما هو الواقع جريح.. وليفكك المشهد داخل عدة أبعاد تتطلع إلينا من خلالها شخوصه بأبعاد متداخله كالمرايا.. وأيضاً هى مرايا لأنفسنا لأن الجرح عربى واحد.. ومن الأبيض والأسود وهما الثنائي القوي الغير مهادن للمشاعر حقق الفنان تعبير حاد ومباشر عن عنف الواقع ودراميته فكر مقاومة الأرض وزيتونها محققاً رؤية أفكاره على الورق باللون المحايد بما يدفع للتركيز على الشكل.. وأعتقد دائماً وربما كثيرون غيري يعتقدون بأن الرسم ليس شكلاً بل هو وسيلة لرؤية الشكل.
- وتذكرنى مهارة الفنان `عاشور` فى تجسيد رسومه لآثار الحروب على الشعوب برسومات النحات البريطانى العالمي`هنرى مور` لشخوصه بتموجاتهم الخطيه الشبه مجسده وهم راقدون أرضاً مختبئون من قنابل الموت داخل ممرات أنفاق لندن أثناء الحرب العالميه الثانية.. وكأن اللونين الإسود والأبيض يتعاملا بجداره فى التعبير عن مآسى الحرب وموت البشر فكما تحقق هذا مع `هنرى مور` كذلك تحقق بقوه مؤثره للغاية مع `جيرنيكا بيكاسو`.. وأيضاً مع الفنان `عاشور` تحقق فى قدرتة التعبيريه عن إعجاز الصمود البشرى تجاه إجراءات إبادة البشر والأرض وأشجار الزيتون أيضاً باللونين الأسود والأبيض .. ومن لوحات الفنان القدير ما جاء بعناوين: `السيد وصبيه وشريعة التطهير العرقى والتهجير`.. `السيد الغرب وشرياننا المفتوح`.. `تأسيس الخوف`.. `صفقه إجباريه تحيه إلى غضب جويا وجرح لوركا`.. `رقصة الروح على حافة حصار`.. `بين الرغيف والرحيل`.. `لماذا يقطعون الجزوع`.. `ترنيمه لضوء شجرة الزيتون`.. `خبز وزيتون`.. `صمود شجرة الزيتون منفرده من أجل تحريركم`.. `شريعة الذبح`.. `لن يوقفوا ميلاد الزيتون`.. `مهاجرون`.. `ضوء نجمة بعيد يراود ليل خوف`.. `مازالت هناك نافذه تُضيئ`.. `برغم زحف الركام هناك من يدخر الضوء`..
- شخوصه شهود وشواهد
- فى لوحات الفنان`عاشور` لأناس مذابح الإبادة بدا وكأنما أنشأ بيولوجيه خاصة بهم تُهيئهم للتحدى بتعدد طبقاتهم البشريه الراقدة والمتداخله والمتلامسه مع كل حدث ومن كل لوحة لأخرى.. وأيضاً يبدو للحظات إنسان لوحاته وكأن حركته تجمدت للحظة كى يؤرخ لنفسه وللحدث ليبدو كهيكل لشواهد أو شهود من الصمت المتربص والمراقب لكوكب الصمت المحيط به.. فرسوماته لا تقول شئ بضجيج وشخوصه يراقبون فى صمت وكل مهامهم إعادة تشكيل هيكل وجودهم صامداً منتصباً كما يفعل العمود الفقرى فى أجسامنا.
- يدفعنى تفاعلاً ودور الفنان `عاشور` فى تأريخه الصادق بفنه حول مأساة الأرض ووحشية الإباده للبشر لأشعر أمام رسومه بأننى موجوده في الألم وجزء منه.. ويزيد من هذا قدر إهتمام الفنان بالظلال لنبدو نحن بظلالنا السوداء التى تغمرنا مع كل حركة أمام لوحاته بأننا ظلال واهيه أمام هؤلاء الصامدون وأنهم ليسوا من ظلال مرسومه بل هم البشر الحقيقيون.. ومع مهارة الفنان التقنيه ساعدته ملامس أوراق رسمه وكأنه يرسم فوق جلد بشر شخوصه بتعريجاتها وجراحها.. كما بدا الخط يعمل داخل الرسم كشبكة بناء متقاطعه بالظلال بين الإنسان وشجر زيتونه كتلك الشجرة التى نمت فوق رأس إمرأة غزاويه فى لوحته `صمود شجرة الزيتون منفرده من أجل تحريركم` 2023.. وأرى الفنان بتقنيته بإعتماده الأسود داخل لوحاته أن جعل الأسود جزءا من الحدث ومن المراقب لشخوصه الغزاويه ليخلق مشهد قوى من التحمل البشري مخترقاً به أى إيحاء بوجود ما يشبه الهيكل المهتزنفسياً أو به هشاشة.. وليبدو المشهد الصامد لشخوص فى إحدى لوحاته وقد خرجوا من بين ركام رمادى اللون لأراهم بإحساس أعمق إلى حد أن تؤلمنى عيناي من تتبعهم وسط ركامهم الرمادى.. وبمهارة يعمل الفنان على تحليل بنية وتفاصيل أجساد ووجوه شخوصه مستغلاً مزايا خامة الفحم بقدرة التقاط الضوء المنعكس عن الوجوه المتجهة للأمام بإصرار كذلك إهتمامه بإقامة بنيات جسديه على أفكاره كى يحقق بالإضاءة بين الحادة والناعمه نقلات تهشيريه إلى حد أن نستشعر أن الإضاءة إخترقت أجساد شخوصه.. ونفسياً بدى بناء كياناته البشرية أكثر قوه وحضوراً من الوصف الحرفي.
- الضوء الكسير
- بينما إدراكى دائماً للون الاسود أنه يطمس معالم التفاصيل التى لا جدوى منها تماماً كما تفعل ذاكرتنا إلا أننى أجد فى مناطق من رسومه وقد إتخذ الأسود فوق الأسود مزاج من الألفه يحيط شخوصه واقياً لها ويُدفئها كما الشمس تًدفئ الأرض دون أن تلمسها وتأكد هذا فى لوحة `مازالت هناك نافذه تُضيء` ولوحة `برغم زحف الركام هناك يدخر الضوء` وفى `ترنيمه لضوء شجرة الزيتون`.. وفى هذه اللوحات ورغم إشتداد العتمه هناك ضوء على البعد محمل بكل رمزياته من الأمل مثلما لكل قصة ورسم رمزياتها.. وعلى الرغم من أننا كبشر نرى الواقع بالألوان إلا أنه بالنسبة لي وربما لكثيرين فإن اللون الأبيض والأسود مرتبطًا دائمًا بالحقيقة الأعمق للصورة وبمعناها الأكثر خفية وهذا ما حققته لوحات نتاج الحرب فليست هناك حاجة للون وتكفى جدليتهما الثنائية لإبراز قيمة الضوء ورمزيته المخفيه بين ظلالات الأسود والرمادى ..فهذا الضوء فى لوحات آثار الحرب والصامدين لا نستشعره بالضوء الزمنى بل هو كما فى لوحات `عاشور` أقرب لضوء فى زمن مُعلق.. فلا نعرف إن كان ضوء صباحى أم ضوء مسائى لما قبل الغروب.. وهذا الدوام للضوء يوحى بالأستمراريه وإن كان غير موقوت وأحياناً مُغبر بركام المنازل ليبدو ضوء بطيء كسير كشكل من أشكال الفعل المُعلق أو نتاج الحرب المُعلقه.
- بشر الحرب من فحم ورصاص
- ان رسوم الحرب باللون الرصاصى تكشف عن أنه يوجد هناك أكثر مما يُرى بشكل عابر.. وأيضاً معظم رسوم الفنان القدير جاءت بالقلم الفحم كشكل من أشكال الفن الجاف لقدرته التعبيريه وأيضاً ربما لأن الفحم مكون من مواد عضوية فتكوينه أرضى كتكويننا الجسدى الأرضى ورسم الأجساد البشريه به والشخوص يجعل له ألفه خفيه ومريحه فى تواصل محبب فكلانا من ذات عناصر الأرض.. وتناسباً مع الفلسطينى إبن الأرض التى لن يغادرها لا عضوياً ولا نفسياً.
- وتقنياً اعتقد بدرجة ما ان الفنان أخذ خامة الفحم بمهارتة إلى مستوى تحقيق أنسجة السطح بما يناسب قدرات خامتة شديدة الدراميه والتى أقام بها مشروعه الفنى وميزت فرادته.. كما أن الفنان يعمل بمفهوم الطبقات ولكل طبقه زخم تراكمها النفسى دون أن يكون مجرد تراكم ملمسي سطحى.. فمثلما يجب ألا تحتوي الجملة على كلمات غير ضرورية فلنفس السبب نجد رسومات `عاشور` لا تحتوي على تخليق مساحات غير ضرورية بل يدفعنا مباشره إلى حيث بؤرة الحدث.
بقلم : فاطمة على
جريدة: القاهرة 18-2-2025