آدم حنين
- درس آدم حنين فى مرسم انطونى هيلر فى ميونخ 1957 بعد ان انهى دراسته الحرة بمدرسة الفنون الجميلة على يد الفنان أحمد صبرى ، كما اقام فى النوبة فترة اثناء منحته للتفرغ ( 1961 ـ 1969 ) ومن أعماله تمثال `حامل القدور ` 1960 فى حديقة النحت الدولية بمدينة دالاس فى تكساس و ` الطائر ` الذى يقف فى حديقة الاكاديمية المصرية للفنون الجميلة بروما و ` المحارب ` فى فناء مكتبة القاهرة الكبرى .
- ومنذ ان هاجر الفنان آدم حنين الى باريس وعاش كفنان محترف منذ عام 1971، نجده يتحول بفنه نحو التجريد، واستخدام خامة الفخار الزلطى فى تماثيله.. وقد كان فته دائما يخاطب وجدان المتذوق ويثير مخيلته لما يتضمنه من وهج داخلى، ومن قوة عاطفية طاغية، وطاقة كامنة. وقد اعتنق آدم حنين فكرة الفن الذى يمثل قوة تتجاوز العابر فى المحيط الزمنى، ويسمو نحو الابدية، ولذلك ركز فى فنه على الأساسى والجوهرى والباقى ، وهو ما نلاحظه فى تماثيله التى تميزت بالتماسك فى كتلتها بين الأجزاء، وتميزت كذلك بالصفاء وباستبعاد العناصر العرضية أما التفاصيل فى تماثيله فكادت ان تظهر مجرد تلميحات فائقة التبسيط، وكانت دائما تظهر الصفة المميزة للموضوع سائدة ومكثفة، بشكل يستحوذ على وجدان المشاهد فتكشف عن الصفة الاساسية للحركة فى الطيور والحيوانات مع الاحتفاظ بالمميزات الصرحية للتمثال، مثلما هو حادث فى تمثال `الصقر ` الذى يتأهب للخروج من فتحة أعلى السقف امام مبنى الاهرام ، وتمثال شيخ البلد والمحارب، ورجل وسمكة، وكلها تتميز التلخيص والاقتضاب، وقد اتبع الفنان مبدأ `ما قل ودل`، وذلك ما نلاحظة فى تمثال `ترقب صامت ` 1978 المصنوع من البرونز، وفيه طاقة حركية كامنه داخل الكتلة الصماء، مما يشد انتباه المشاهد ويستحوذ على مخيلته. وقد استخدم الفنان الاتجاهات المنحنية فى هذا التمثال بترديد عدة أقواس من اجل ان يوحى بالاتدفاع وبالحيوية وبالتوازن الحركى، ومثل هذه التضادات بين السكونى والمتحرك قد اكسبت فنه قوة عاطفية هادئة وبخاصة عندما عكست هذه المشاعر سطوح مصقولة وخطوط انسيابية ناعمة ومنزلقة، فكشفت عن حركة الكتلة من الداخل وأشاعت جوا شاعريا وحوارات هامسة وايقاع متناغم وخفى، فى موسوعة ان يجذب المشاهد نحو سحر الحياة السرية للتمثال والفنان كان دائما يسمو بفنه من عالم الوجود المادى الى عالم الجمال الروحى .
أ.د/ محسن عطية
- عندما يكون الإنسان مصرياً تماماً ، فكيف له أن يقاوم الرغبة فى أن يعيد من جديد خلق النحت الفرعونى ؟ وها هو فن مصر القديمة ، فى أشد مظاهره البدائية على الخصوص ، يرضى الإهتمام الجوهرى لنحاتى اليوم . فهو يتيح لهم أن ينظموا فى الفضاء أشكالاً- دون أن يحطموا الكتلة الأساسية - بطريقة تجعلهم يركزون فيها روحية عميقة.
- إن قدرة الفنان تبدو واضحة فى تعبيره عن طريق الأحجام عن كل ما تمتلىء به نفسه من أفعال وآدم حنين يعطى أعظم برهان على صدق موهبته وهو يعترف لنا بأنه قد نظر وعانى سحر النحت المصرى القديم، ولكنه لم يستمر فى الخضوع لتأثيره .
- لقد بقى طويلاً على علاقته مع الحياة الشعبية لأبناء وادى النيل وهذا هو الذى سمح له بألا يكون سوى إنعكاساً ينقل ما يدور حوله .
- وقد أنقذ بسبب حساسيته اليقظة نحو أبناء شعبه ، ومن جهة أخرى بسبب سيطرة وعيه على الحاجات العميقة التى يحملها فى داخله. فعندما يرقب حاملات الماء ، أو البائعين المرتفعى الأذرع ، أو الموسيقيين المستغرقين فى حلم ألم بهم ، فإنه يغلف رؤيته كما يتيح الفرصة للواقع المحسوس الا يبقى منه سوى الأجزاء التى تسمح له بأن يعيش لحظة فى انفعال محسوس . ومن ناحية أخرى فإنه لا يحتفظ الا بتلك الأشكال التى تستطيع أن تدخل فى بناء مؤلفاته . وينتج من كل هذا خليطاً من الحيوية والعظمة ، إنها فى نفس الوقت أشياء بسيطة وقيمة ، دقيقة وغير معقدة ، محكمة ناضجة التعبير. وهذه الأعمال الأولى ليست ` بدايات تبشر بالخير ` ، ولكنها أعمال متكاملة تماماً.
بقلم : أتين ماريل 1956
ترجمة : وحيد النقاش
- يقول آدم حنين :
- ` الفن فى مصر يعكس أحياناً ما يحدث فى أوروبا ، وفى فرنسا بصفة خاصة.يجب أن تأخذ فى إعتبارك أن الرسم على القماش شىء جديد علينا، من خارج تقاليدنا . لقد جاء هذا النوع من الرسم إلى مصر مع نابليون بونابرت ، فقد جلب معه فنانين أيضاً ، ووضعوا العمل الموسوعى العظيم والأثر الباقى من حملته، وصف مصر. وجلس المماليك لترسم صورهم ، وحين رآها المصريون بهرتهم واقعيتها : ` ألا تبدو وكأنها تكاد تتكلم ` وهكذا كان أول إتصال لنا بالرسم بهذا المعنى فى القرن التاسع عشر فقط ` .
- هذا الإعتماد على وسيلة تعبير فنى مستوردة يمكن أن يخلق مشكلة هوية لكثير من المصورين المصريين.. إنهم يشعرون بالإنجذاب للفضاء الخيالى الذى يمنحه القماش الخالى ، وتغويهم حركات فنية متنوعة هى نتاج لجدال أوسع فى الثقافة الغربية ، ويمكن أحياناً إعتبارها بحق تعبيراً عن شجار عائلى غربى تحديداً ، أو تجسيداً لمعضلة فلسفية يتعين على الثقافات الغربية حلها . وقد يشدهم إغراء الغوص هنا ، والمشاركة فى الشجار أو الإنفعال الحماسى ، أن يتكلموا اللغة اللاذعة نفسها، كما يفعل الفنانون الغربيون الذين يعرفونهم ، حتى وإن كانت هذه اللغة ربما غير متصلة تماماً بالسياق العام للثقافة المصرية.
- وفيما يتعلق بالفنان نفسه أصبحت هذه الصلة موجودة على نحو ما لأنه دخل دون قصد هذا المجال الغربى بمجرد أن إلتقط فرشاة وباليته ألوان.
- غير أن هذا الفنان يدرك فى حينه حقيقة أنه سبح بعيداً عن شاطئه. فيغشاه إحساس بالغربة، وقد يشعر بأن عليه أن يعود للشاطىء ويذهب إلى داخل أرضه بحثاً عن جذوره. ولكن أين يمكن العثور على جذور فنان مصرى ؟ فى الأهرامات ؟ فى رسم الخط العربى ؟ بالتأكيد ، لا !
- وتثير تجربة ` حنين ` الإهتمام فى هذا الصدد ، فى بداية إنتقاله إلى باريس ، دهمه الكم الهائل من الفن الذى ناداه وأغواه وهاجمه من كل جانب . إلى أن وجد فى النهاية طريقاً لأن يكون كفؤاً لكل ذلك . يقول : ` توقفت عن العمل فوراً ، لأننى أردت أن أرى كل شىء على الإطلاق . ثم بدأت ألقى أسئلة على نفسى : ماذا أفعل هنا؟ أين أنا ؟ ماذا يعنى كل هذا لى ؟ ما الذى يجب أن أعمله ؟ `
- وما أن وردت هذه الأسئلة الأساسية على ذهنه حتى كف عن الذهاب إلى المتاحف ، وإشترى علبة من ألوان الماء وبعض الورق، وإنعزل فى الشقة الصغيرة التى كان يسكنها مع زوجته وبدأ العمل مقتفياً إلى حد ما أثر الطريقة نفسها التى كان يرسم بها فى الحقول بالقرب من بيئته ، وأنتج سلسلة من الأشكال لا نهاية لها لــــ ` ريبرتوار بريمييه ` .
- وقد غدت الأشكال التى رسمها فى هذا الفترة بذور كل عمله اللاحق . لم يكن البحث عن الجذور هو الدافع وراء الإنسحاب فى حالة ` حنين `، وإنما البحث عن فرديته كفنان. ولأن حنين - كما سوف نرى ، وعلى غير الحال مع كثير من الفنانين مصريين أو أوروبيين - لم يراوده الشك أبداً حول : أين تكمن جذوره . ولم يبتعد عنها أبداً ، لم يحتج أبداً للعودة إلى الشاطىء. إن وضعه فريد حقاً، لأن جذور دافعه الفنى عميقة الغور.
- يمكننا العثور على المحور الفعلى لفن ` حنين ` ، الصلة بين نحته وتصويره فى رسومه وفى الأعمال التى يستخدم فيها ألوان الماء.
- فمجموعة الأشكال التى أنتجها خلال الأشهر الأولى له فى باريس ، يمكن أن تنحو نحو النحت بالسهولة التى تجنح بها إلى التصوير . والرسوم اللاحقة تكاد تنطق بميلها للأبعاد الثلاثية وتبدو وكأنها وجدت تحققها النهائى فى أعمال نحت مثل العمل البرونزى ` قرص الشمس ` الذى توجد منه عدة نماذج كلها جيدة . حتى أعمال التصوير يمكن إعتبارها محاولة لإعطاء الواجهات المتعددة للنحت فى بعدين . وهى نقطة يميل ` حنين ` نفسه للتفكير فيها كثيراً.
- حين كان يعيش فى مصر كان يرسم أساساً على الجص مستخدماً أصباغاً طبيعية مخلوطة بالصمغ العربى - وهو التكتيك نفسه المستخدم فى رسوم المقابر . ويقول إنه لم يحب أبداً التصوير الزيتى ، وإن كان قد جرب يده فيه أحياناً حين كان فى أكاديمية الفنون الجميلة . وذات يوم ، وكان قتها يعيش فى باريس منذ فترة ، زاره فنان مصرى صديق حاملاً معه ثلاث ورقات من البردى، جلبها معه من مصر متيقناً أن هذه المادة ستلائم صديقه ، إنه بالفعل نسيج البردى العجيب ، مع الألوان الدافئة للأصباغ الطبيعية التى ما زال يستخدمها ، والتى أصبحت علامة رسم حنين . وللبردى سطح محبب غير منتظم. يكسر إنعكاس الضوء، وفيه تبعثر القماش غير المشدود دونما رخاوة غير مستحبة .وتحمل الرسوم أيضاً، بطريفتها الخاصة، بصمة تلك اللحظة المشرقة القدسية فى متحف القاهرة ، حيث يمكنك أن نجد كثيراً من الأعمال النحتية الفرعونية عليها مسحة من اللون . وألوان حنين المعتمدة على الأصباغ الطبيعية ، قريبة جداً من ذلك الفن المصرى القديم ، وإن كانت ` دسمة ` بقدر أكبر . ومعظم الرسوم على أوراق البردى تجريدية ، وهندسة أشكالها المميزة مستمدة بوضوح من تلك التى إبتدعها من قبل فى أعماله النحتية ورسومه بألوان الماء.
- ويلاحظ حنين محقاً أن أعمال التصوير عنده نشأت عن أعماله النحتية التى تظهر بطبيعة الحال دلائل تأثيرات متعددة فى نقطة إنطلاقها . منها الفن المصرى كما نعرف ، ولكن أيضاً تأثيرات لكل من ` برانكوزى ` و ` أرتورو مارتينى ` وآخرين من النحاتين الغربيين.
- لا يستطيع المرء أن يتحدث عن أعمال ` حنين ` دون أن يناقش أظهر سماتها المباشرة والمتعلقة بإستخدامه اللون . غير أن اللون ربما كان أصعب ما يمكن أن يتناوله النقد ، فلأنه ` كيفى ` أساساً ، كاللون الأوركسترالى ، يبدو أشبه بأحد مزالق اللغة الشهيرة : أى ` الصفة ` .
- تعبر أعمال ` حنين ` عن نفسها فى موقع مختلف كلياً عن الأعمال الرائجة ( حسب الموضة ) فى اللحظة الراهنة ، والتى غالبا ما تميل الى اضفاء طابع وحشى على الشكل بغرض استثارة العقل. وليس ` حنين ` مهتماً بالعقل كثيراً ، وإنما بشىء أعمق كثيراً، أعمق من مفاهيم اللغة، فى مجال يقبع أعمق حتى من النفس ، ولا يدرك إلا حين يتجسد فعلاً ويضاء بالفن إن طبيعة حدسه الباكر بالذات والرسالة التى حملها معه، تدفعانه إلى إتخاذ موقف تواضع وثقة تجاه مشروعه الإبداعى، وكل عمل ناجح بالنسبة له يشبه لقاء، يتجدد دائماً، بالجمال الحميمى نفسه والكبرياء والإدراك المسيطر الذى جاءه فى المرة الأولى، ليملأه دهشة ورهبة صادقتين فى متحف الآثار المصرية بالقاهرة.
مقتطفات : مايكل جيبسون 1988
ترجمة : أروى صالح
معرض آدم حنين وبارفيز تانافولى فى قصر الإمارات فى أبوظبى - نساء وطيور وحروف ... على جدران متوسطية
- إنها لمتعة أن يتأمل زائر المعرض، طيور آدم حنين ونساءه الواقفات والجالسات، وأن يدور حولها كى يتفحص الحركة فى نشوئها والتفافها وانكساراتها ونتوءاتها على سطح الكتلة.وله ان يندهش بلمعان الذهب الذى يغمر فضاء منحوتات تانافولى البرونزية التى تكتنفها الكتابات المحفورة كسطور منسية من ذاكرة الشعر الفارسى .وإذا كانت الشهرة العالمية التى حققها آدم حنين فى مساره الطويل قائمة على استلهام التراث النحتى الفرعونى ، فإن شهرة بارفيز تانافولى فى مرحلة المعاصرة آتية من كيفية إدراج عناصر من التراث الإسلامى الحروفى والزخرفى فى عمارة الشكل الحديث ضمن نطاق المدرسة التى أسسها تحت اسم ` السقاخانة ` ، لا سيما انه أول نحات اخرج الفن فى ايران من سطح اللوحة إلى بناء نحتى يحتل مكانه فى الساحات العامة.فالريادة هى القاسم المشترك الذى يجمع بين قطبى الحداثة والمعاصرة كما يجمع بينهما الشغب بمادة البرونز واكتشاف جماليات التراث .
- لئن كان محمود مختار قد قاد فن النحت فى مصر نحو التشخيص ، فإن آدم حنين نقل الفن نحو روعة الاختزال فى التجريد والرصانة والحضور الراسخ للكتلة .اللافت أن أعماله المنفذة بمادة البرونز تتراءى شبيهة بخامات الخشب والغرانيت والرخام ، يعود ذلك إلى شغفه باستخدام الاحماض
والاكاسيد ، كمصادر للمحصلة اللونية ، كما تتميز منحوتاته بالاقتضاب وقوة البساطة وانسيابية الخطوط والحركة التى تنبثق من الداخل الى الخارج ، فضلاً عن المظاهر الهندسية الخفية فى تقاطيع الزوايا وعند المفاصل ويتراءى احياناً التشكيل العضوى فى تفاصيل بعض الموضوعات الانسانية ، أما الهيئات فتكتفى بالتلميح .كل ذلك يؤكد مدى استيعابه حداثة الغرب الآتية أساساً من استلهام الحضارات البدائية فى الشرق ( هنرى مور وزادكين وجان آرب ...وسواهم ) .
- هذا الاستيعاب الذى مكنه أكثر فأكثر من القبض على نفسه ومكنوناته العاطفية وموروثاته الجمالية .
- يتراءى ذلك فى استنباطه الأشكال بتآليفها اوتموضعاتها واختصاراتها. فقد قطف عصارة التجارب الأوروبية فى سيطرته على الكتلة ، غير ان موضوعاته الفنية ظلت تهيمن عليها النزعة التأملية والروحانية المستمدة من حضارة مصر القديمة ، بتماثيلها الصرحية وطقوسها الجنائزية وأساطيرها ورموزها وعلاقتها بالزمن والعبور إلى العالم الأخر .
- فأدم حنين الذى تعلم منطق الطير فى وادى النيل قد جسد الصقر حورس وهو يطل من عمق الأزمنة فى جسد الصقر حورس وهو يطل من عمق الأزمنة فى صرخة لا نعلم إذا كانت صرخة حياة ام صرخة بعث وولادة ، غير انها تشد القلب إلى اوتار يتردد صداها فى فضاء النحت الحديث .وإلى الحياة الريفية التى تأثر بها الفنان تظهر فى اعماله جوانب خفية تتصل بالحياة الشعبية فى مصر، التى كان قد تشربها فى طفولته وعاشت أطيافها فى أحلامه فطبعت رؤيته طوال حياته كرسام ونحات على السواء .
- يتحدث أدم حنين عن شخصيات ` لها حضرة ` تستوقفه وهو الباحث عن وجود انسانى ليس له مبررات ظاهرة سوى بالفن .يتذكر فى طفولته طاحونة الحبوب كمكان سحرى حيث تجر الدواب حجر الرحى بينما تأوى إلى النافذة الطيور . لعل الطيور التى تتراءى بكثرة فى اعمال الفنان قد خرجت للمرة الأولى من نوافذ الطفولة قبل أن يكتشفها مرة أخرى محفورة على جدران المسلات والمعابد وفى قوائم الكتابات الهيروغليفية .ومن بين الطيور تظهر البومة التى تراقب وتستطلع احوال الليل - يقول الفنان إنها موضوع مستعاد من قديمه فى الخمسينات من القرن الماضى ،لذا يجد صعوبة فى وضع تواريخ على منحوتاته .من هنا تاتى علاقة مفرداته بالزمن كعامل ترابطى يتجاوز العابر .هكذا يجذب الفنان المشاهد نحو سحر الحياة السرية للتمثال وهو يسمو بفنه من عالم الوجود المادى إلى عالم الجمال الروحى .
بقلم : مهى سلطان
جريدة الحياة - 2010
تشابه العناصر البنيوية يخلق التفرد فى معرضه بأبو ظبى
- أدم حنين يطلق طيوره بأجسادها البرونز معى ..عشرة أعمال تلخص رؤاه
الفنية، نحات من زمن الحديد والصلب والفولاذ. ويتساءل القارئ معى : لماذا النحت بالبرونز ؟ هلى ثمة مغزى من ذلك ؟ نعم فالبرونز متعدد الألوان، المشع والقاتم، الملون ببريق الحجر والمتماهى مع نفسه، المطواع حد الليونة، والعصى حد الكبرياء، صديق الزمن والمتصارع معه، المتبقى بعد كل الانهيارات، المسجل بين حركات جسده اسم صانعه.
- ذلك هو البرونز، الأصفر فى بريقه والأبيض فى شفافيته والأسود فى عمق غوره وخوفه، ذلك هو البرونز المتلون كالحرباء، المشع والخافت كالسحابة .
- عرف هذا النحات الآتى إلى أبو ظبى من عمق الحضارات، من رموز الكتابات الهيروغليفية، من أقبية رطبة فى المقابر الفرعونية من زخارف مذهبة على جدران المعابد، هذا النحات الآتى من لفائف البردى ومن صخور الأهرامات ومن معادن تربة مصر، هذا النحات المشبع بكل ثقافات حضارة وادى النيل وإشراقات الرؤى الفرنسية وثقافتها، جاء إلى أبو ظبى يحمل معه 10 منحوتات فقط .
- هو أدم حنين الذى استضافه مهرجان أبو ظبى 2010 ليقدم مدرسته فى فن النحت بالبرونز التى تتلخص فى تمازج فن الحداثة الغربية وعمق الموروث الفرعونى ، إنه سليل النحاتين الفراعنة بكل اختصار .
* مدرسة فن النحت :
- فى أعماله نجد منحوتته الرشيقة مارى نيلوس التى صنعها عام 1969 بأبعاد 40 ×22×140 سم، حيث رشاقتها وانسيابيتها وملامح وجهها الصغير ورقبتها المعتدلة، شئ أشبه بالموجة بكل التوائها وانهمارها من الأعلى حتى تفيض على قاعدة التمثال أشبه بذيل سمكة .
- لم يهمل آدم حنين ظهر التمثال `المنحوتة البرونزية ` بل شكل غديرتها` النازلة من شعرها المصفوف بعناية لا ترى، كما أنه شكل ثوبها الملتصق بجسدها كأنه ثوب أميرة فرعونية ذاهبة إلى احتفال تمجيد الآلهة .
- يبدأ بالنساء ويعبر إلى الطيور ويعود مرة أخرى إلى العالم ذاته الخلاق، نساء آدم حنين، بل أقول امرأته الفرعونية اللامتغيرة أبداً .
- فى منحوتته `هى منى تراقب أحوال الليل ` 1990 البرونزية ذات الأبعاد 64× 48× 45 سم نكتشف كيف يخلق آدم حنين `الكتلة - لاحظ الأبعاد ارتفاعاً 64 وعرضاً 48 وعمقاً 45 وهى متقاربة إلى حد كبير..إنها كتلة واحدة ` هنا - فى جسد البومه ووجهها المفلطح وأنفها المثلث كالأهرامات وبعينيها النافرتين وجناحيها الملتمين خلف ظهرها وبذيلها المنسرح قاعدة للمنحوتة من الخلف نكتشف حقيقة ملامح وأسس مدرسة آدم حنين فى الفن النحتى .
- كتلة دائرية بتفاصيل صغيرة والتفاف جميل ومبهر للجناح الأيسر باتجاه الظهر فى الوقت الذى يبرز فيه هذا الجناح متميزاً عن الجناح الأيمن فى سكون الليل، حيث ترقب ألبومه الدائم .
* الكتلة المحسوبة :
- ويلعب آدم حنين على الأشكال ليقدم لنا منحوتته `الطائر الملعقة ` التى صنعها عام 1972 حتى 2008 وهى بحجم 14×25× 17.5 سم بلون أخضر وبجناحين مستقيمين ملتمين على بعضهما أشبه بمقبض الملعقة تماماً، بينما تبدو كتلة الجسد محفورة كالملعقة وهى تحمل رأساً صغيراً نافراً كالورم عند حافتها، ويختفى المنقار والعينان والفم سوى أنف بارز .
- اعتمد آدم حنين الكتلة `المتن ` الذى يحمل القصة كاملة، أما ما هو خارج تلك الكتلة، فلا يبدو سوى هامش بسيط يحيل المتن/الكتلة إلى المعنى المراد .
- ويتجلى أدم حنين فى منحوتته الكبرى `المضجعة التى نحتها عام 2007 بأحجام 43× 104× 90 سم من البرونز الأسود فى اشتغال جديد على كتلتين فقط وهما المربع والمستطيل، حيث امرأة بكل اكتنازها الأنثوى تجلس على كرسى طولى، ويدها اليمنى حول بطنها عند الحضن، بينما بدت عروق يديها أو ربما شالها تلف به يديها نافراً .
- جسد المضجعة يستطيل عند الأفخاذ ويمتلئ بشكل ظاهر ويقصر عند البطن والصدر، وثمة ملامح فى الرأس المربع من الصعب تحديد جهة رؤيتها، كتفاها غير متناظرين تماماً، بل نرى كتفها الأيمن مرتفعا مع حركة اليد اليمنى وكتفها الأيسر منخفضا مع انخفاض اليد اليسرى، تناغم حركى جسد فى الكتلة وتلاعب فى الرأس المربع بانحراف واضح أيضاً ` وهذا ما سنجده فى أغلب تشكلات أعماله الجسدية على مستوى عدم تناظر الكتفين أو انحناءة والتفاته الرأس فى أغلب لوحاته التى سنتحدث عنها`.
* التماثل التشكيلى :
- فى لوحته `بومة واقفة ` 1961 بحجم 45× 22× 47 سم، لا حظ تكرر رمز البومة لديه، إنها متحفزة فى برونز رصاصى وهى بقدمين صغيرتين وذيل يتوسطهما وجسد ينفخ للأمام ورأس مستطيل، وأنف بارز وعينين جاحظتين، وهذا التكوين اشتغال على انسيابية الصدر نحو الأمام وانكسار الكتفين فى قطع مباشر وسريع .
* هنا نلاحظ المشتركات تتكرر ، وهى :
1-عدم تناظر الكتفين.
2-الصدر المنتفخ.
3-الكتلة الملتمة .
4-التحفز للانقضاض ` المعنى المرموز` .
- فى منحوتته ` تسامى 1973 إلى 1980 بأحجام 8×45×59 سم، حيث الطائر يمد رقبته الطويلة نحو السماء ،نافخاً صدره- ثيمة مشتركة ومكررة - بقدمين يتخللهما فراغ يسند كتلة جسده -عجيزته - مع انحناءات ظاهرة لجناحى الطائر وثمة كتلة تلتم خلف هذا الطائر الفرعونى، إنه يتسامى فى تألقه وكأنه يرقص بقدمين ثابتتين .
- ويحيرنا آدم حنين - حقاً - فى منحوتته كائن متحضر 1977-1987 بحجم 63×24×14.5 سم الذى أحسب أنه صاغه بأربع زوايا وبأربعة وجوه ، هو جسد مستطيل من البرونز الأسود ، فيه :
1-الزواية الأولى تجسد مستطيلاً مقطوعاً من الوسط.
2-الزاوية الثانية تجسد مستطيلاً منحرفاً بشكل نصف دائرى .
3-الزاوية الثالثة تجسد مستطيلاً بزاوية متعرجة.
4-الزاوية الرابعة تجسد مستطيلا بشق طويل من الأعلى حتى المربع الأخير من جسد التمثال فى الأسفل.
- كل هذه الزوايا تشترك مع بعضها بخاصية التشكل الدلالى ،حيث نجد كل زاوية تعطى ملمحاً وصورة للجسد، وهى الصورة 1، 2، 3 ، 4 أى بأربعة أجسد وبـ 8 زوايا مشتركة كل زاوية جزء من الصورة التى قبلها والتى بعدها .
- هذه هى براعة آدم حنين، أما الرأس فلا وجود له `إنه كائن متحضر`، بل هو موجود فى الوقت نفسه فى تعرجات سطح الكتلة نفسها، حيث ترى فيها 4 حركات تمثل كل جسد فى سطوح الكائن الأربعة.
* الوردة البرونزية :
- فى منحوتة `الجالسة ` 1991- 2006 بحجم 22× 25×110 سم نرى أنها شكل مواز تماماً لمارى نيلوس، اللون هو ذاته `البرونز الأسود` مع انسراح الأضلاع ذاتها ولكن فى وضع جلوس، بينما كانت مارى نيلوس واقفة. هنا لا يرى من وجه الجالسة سوى أذن واحدة، فالوجه بلا أنف أو فم أو عينين .يأخذ أدم حنين من `المضجعة ` حركة الكتفين - لاحظ عناصر التكرار -فالكتف الأيسر النازل - لا يناظر الكتف الأعلى الصاعد -وهذا وجدناه فى `المضجعة ` وفى `بومة واقفة ` أيضاً - وبذلك يمد أدم حنين الضلع الأيمن طويلاً ويقصر الضلع الأيسر .
- هنا فى `الجالسة ` يلعب آدم حنين على منطقة الورك الجالس على كرسى طولى بدون مساند، حيث يعتمد انكسارات متداخلة ومتوازية للفافة عند الورك أشبه بالوردة. حيث يطوع البرونز كالقماش ليخلق منه وردته البرونزية .
* تناظر بنيوى :
- فى آخر عملين له وهما `صرخة ` و `التفاته`، الأول تمثال برونزى لغراب والثانى تمثال برونزى لطائر مجهول.
- فى صرخة 1990 من البرونز بحجم 51× 130× 85 سم نجد جسداً يمتلك 3 كتل ويستقيم كالسهم فاتحاً منقاره صارحاً، سهم يريد أن يغادر مكانه /قاعدته، يريد أن يطلق قدميه المربوطتين بقوة إلى كتلة رابعة تشده إلى الأسفل .
- دائماً ما نجد عند آدم حنين جناحى أى طائر لديه ملمومتين ملتصقتين، وهذا الجانب البنيوى فى أعمال آدم حنين قد نجده فى الحياة ذاتها عندما يتحفز كائننا للانقضاض .
- أما منحوتة ` التفاتة ` 2000 من البرونز 93× 50× 92 سم، فهى تشكل طيراً يلتفت بزاوية منحرفة - وهذا عنصر بنيوى آخر يتكرر فى أعمال كثيرة لدية مع محاولة أدم حنين أن يشكل رؤوس طيوره إلى الأعلى - كما فى ` تسامى` و ` صرخة ` و `التفاته` - كذلك نجد الطير فى `التفاته ` ينفخ صدره مع أجنحة ملتمة على بعضها، وهذه كما أتصور محاولة لتبنى مفهوم الكتلة بنيوياً، حيث تتشكل لدى آدم حنين مفهوميا أن الجسد كتلة واحدة حتى لو تقسم إلى أجزاء مختلفة، فالصدر كتلة والجناحان كتلة والرأس كتلة والقدمان كتلة.. هذا ما أراد آدم حنين أن يقولة .
بقلم : سلمان كاصد
دنيا الاتحاد - 2010
متحف آدم حنين يروى رحلة نصف قرن من التشكيل
- نغمات السواقى ووجوه الفلاحين وصلاح جاهين شواهد .
- متحف الفنان الكبير آدم حنين فى الحرانية فى محافظة الجيزة فى مصر منارة تشكيلية تسطع فى سماء الفن التشكيلى، ذلك المتحف الذى يحوى أعمال كاهن النحت، التى قدمها على مدار رحلة فنية بدأها منذ أكثر من 60 عاماً ، رحلة سكنته فيها الطبيعة والاهتمام بالمصرى القديم، اختراق جسده وروحه خلالها الفن، آخذاً إياه إلى أماكن بعيدة فقدم نفسه كابن أصيل لحى باب الشعرية الشعبى حيث النشأة .
- ` ولدت لأكون نحاتاً ` يؤكد آدم حنين فى لقائه مع ` الجريدة ` ، فقد عرف النحت ومارسه وعمره عشر سنوات عندما قام بزيارة مع مدرس التاريخ إلى المتحف المصرى ، شعر أنه فى العالم الخاص به والذى لا بديل عنه، بدأ يتعلم ويدرس النحت .
- تتنوع الأعمال الفنية فى متحف آدم حنين ما بين نحت وتصوير ورسم ، فسمة الفنان التنوع .يضم المتحف المكون من ثلاثة أدوار، أركاناً عدة ، كل ركن يحكى شيئاً مختلفاً عن الآخر، يضم أول تمثال من الخشب له لفتاة جميلة ، حيث كان مشروع التخرج الخاص به فى الخمسينيات وصولاً إلى أعماله الأخيرة التى قدمها منذ أشهر فى قاعة أفق فى قطاع الفنون التشكيلية.
- نجد جانباً ممتلئاً بالوجوه أطلق عليه قاعة شهود ، ورغم أن كثيراً من الفنانين قدموا وجوهاً عدة فإن وجوه حنين مختلفة عنها، حيث يبحث خلف الوجوه وداخلها ـ تلك التى تظهر الذات .
- اختار ورق البردى لرسم الوجوه، ليؤكد حنين أن البردى هو من اختار الوجوه.تضم القاعة 130 وجهاً باسم شهود ، قدمهم كشاهدين على العصر الذى نحياه ، انفعالات مختلفة ، حالات متباينة .
- يقول حنين أنه يعرض لحالات لا ملامح ، ويتسأل : ` كيف أركز على وجه شخص محكوم عليه بالإعدام على سبيل المثال ، فما يشغلنى فى ذلك الوقت ملامحه وحالته الداخلية `.
- يضم المتحف ركناً خاصاً بصور لرباعيات جاهين صديقه وزميله فى مؤسسة ` روز اليوسف`، عندما كان حنين يعمل فيها، كذلك تجد فيه ركناً خاصاً بمهندس الديكور صلاح مرعى والذى تحمل إحدى القاعات اسمه، إضافة إلى تمثال لأم كلثوم باللون الأبيض يسطع داخل المتحف وأخر باللون الرمادى، وأربعة جنود يؤدون التحية، الصليب، نموذجين لحارس الأفق باللونين الأبيض والرمادى، تماثيل عدة للمرأة، ناهيك بلوحات بخامات مختلفة قدمها الفنان على مدار الرحلة .
- يطل المتحف على الحديقة المفتوحة والتى تحوى أعمالاً بأحجام مختلفة لعل أبرزها مركبة كبيرة من الغرانيت نحت على أحد جوانبها الفنان اسم زوجته الراحلة ` عفاف ` لتبدو كأحد مراكب الشمس الفرعونية تحمل الزوجة إلى الجانب الآخر .
- حرص حنين على أن يجسد جميع معالم الحياة سواء بالنحت أو التصوير أو الرسم ، مؤكداً على تمسكه بطابعه الفنى. يقول : ` إذا كان من الممكن أن تتغير بصمة الإنسان فسيتغير طابعه الفنى . تعلمت أموراً كثيرة فى الرحلة الطويلة ، لكن ما هو ممتد معى من البداية هو اهتمامى بالرؤية المصرية بحيث تكون رؤيتى وبصيرتى مصريتين خالصتين، فبعد دراستى لخمس سنوات فى كلية الفنون لم يكن أمامى مثل أعلى على قيد الحياة ، فمحمود مختار الذى أحبه كان قد رحل والموجودون فى ذلك الوقت كانوا يعملون تقليداً غير مستساغ لمختار، فأحدث هذا لدى نوعاً من التمرد وأثار داخلى أسئلة عما أريد أن أكونه، هل سأكون كالمصريين القدماء أم كالأوروبيين ؟
- لا بد من أن تكون لى رؤية آدم حنين المولود فى باب الشعرية ، والذى يعرف الفن المصرى القديم جيداً، كذلك الأوروبى المعاصر والقديم ويحبه لكن لا ينتمى إليه. كان الفن المصرى القديم يهز روحى وجسدى ويأخذنى إلى أماكن بعيدة ، وسألت نفسى : ماذا تبقى من الحضارة المصرية، وكنت أتأمل لابسى الجلابيب وبائعات الجبن وحاملات الجرار والمفردات المصرية كالطبلية والساقية والقادوس وترباس الباب وفرن الخبيز ، والأشكال كافة التى أنتمى إليها لأخرج بنظرة مصرية خاصة بى وبالواقع الذى أعيشه`.
- يتابع :` وبعد نكسة 1967 بنيت هذا البيت فى الحرانية وكنت أنام فى الحديقة على الحشائش وأترك نفسى للطبيعة فأجد حشرات صغيرة وحبوباً وأوراق شجر وألواناً ، وفى الشمس والدفء استسلم للصمت وأسمع صوت الهواء والطيور فيمتلىء خيالى ويمتزج بالطبيعة `.
- فى الأدوار الثلاثة للمتحف والحديقة المفتوحة يعرض حنين تجربته الكاملة ورغم ذلك لا يزال لديه الكثير الذى لا يستوعبه المكان ولكنه حاول أن تظهر المعروضات المختارة ملامح تجربته.
- آدم حنين كاهن النحت يرى أن النحت أب روحى لجميع الفنون ، لن يتأثر مطلقاً حتى مع ظهور كثير من الوسائط والفنون الجديدة ، يقولها بثقة وحزم شديد، النحت هو أبو الفنون كافة الروحى ، يبدأ من كون النحات يمسك القلم الرصاص ليضع الفكرة على الورق ، إذاً هو رسام ، ثانياً يبدأ كى يضع البارز والغائر فيضع لمسات بالقلم الرصاص تصنع ظلاً ونوراً إذاً هو مصور ، ثالثاً يفكر فى لون تمثاله ، وربما يستعمل الطباشير ، والباستيل أو الحبر الصينى أو الإكواريل إذاً هو يتحول النحات مع فروع الفن التشكيلى ، يصعد إليها خطوة بخطوة إلى أن يمسك الأزميل ويترك القلم.
- ويوضح حنين أنه مع ارتباطه الشديد بشغله لا يستطيع أن يرتبط بالفنون الحديثة هذه بل يستغربها جداً، وليس لديه الوقت كى يتفهمها ، كذلك هى بعيدة عن القواعد التى بنى عليها أسلوبه وطريقته، مضيفاً أنها ` دخلت فى دور العولمة التى لا أحبها، نحن أناس لنا حضارة وتاريخ، والعولمة تريد أن تفقدنا حضارتنا ونصبح مثل بلد بدأ منذ عقود عدة ، فى حين بدأنا منذ آلاف السنين، محاولة لطمس الفنون الرفيعة الأصيلة، وأرى أن كل ما يسمى بالفيديو آرت والأنستاليشن إلى آخره لا يعد تشكيلا، فالفرق كبير بين التشكيل والبصرى`.
- يتذكر حنين أحد معارضه عام 1966 للنحت، وكيف وقف يدون تعليقات الجمهور ويرصد كيفية انجذابهم إلى العمل ، مشيراً إلى تعلق المصريين بالنحت، ويؤكد: ` على الرغم من كون النحت فناً صعباً فإنه دخل حياتنا باعتباره متصلا بجميع الأشياء .أفادتنى تعليقات الجمهور جداً `.
- وعن الفرق بين المعرض الأول الذى قدمه حنين فى الخمسينيات فى جمعية الصداقة الفرنسية ومعرضه الأخير فى قاعة أفق العام الماضى يقول : ` الخط هو نفسه، لم يتغير، لكن التناول اختلف مع الخبرة واكتساب تجارب جديدة .لكن البصمة واحدة فمن الصعب أن يغير الفنان الصادق بصمته، والموضوع يتوقف على مفردات العصر والظروف والحداثة ومفرداتها التى تعطينا خبرات جديدة ` .
بقلم : سماح عبد السلام
الجزيرة 30-12-2014
آدم حنين.. ساحر الحجر!
- النقش فى الصخر طريقة لجائزة الدولة !
- تعتبر جائزة مبارك للفنون أرفع الجوائز الفنية فى مصر ومقياساً لمكانه الفنان ودوره ومدى تأثيره فى أجيال حركة الفكر والابداع التشكيلى.. وهذا العام فاز بالجائزة الفنان النحات آدم حنين الذى استحق الجائزة عن مشوار طويل من الابداع النحتى الذى يعتبر واحداً من أهم رواده فى العالم.
- ويقول آدم حنين عن فوزه بهذه الجائزة ` لقد زادتنى الجائزة مسئولية.. وهى صورة من صور التقييم لمشوارى أما العلاقة الخاصة بينى وبين الحجر والإبداع فهذه علاقة أخرى.. لكنها جاءت فى وقت أو لحظة كل الأشياء اكتملت ونورت مع بعضها والدولة قدرتنى وسعادتى أنها جاءتنى دون توقع منى أو انتظار`.
- والفنان آدم حنين قليل الكلام يجعل كلامه مرئياً فى أعماله النحتية التى فرغت حياته بالكامل لها لكنه هل كان ينتظر جائزة ؟.. أعتقد أن أى فنان مبدع يعمل للإبداع لا للجائزة.. لذلك فمجموع أعماله النحتية ومفهومها الفكرى والتشكيلى ودوره وأثره فى حياتنا التشكيلية استحق عنه الجائزة .. أرفع جائزة.. لكن كيف سارت حياته وأعماله لتقوده إلى هذا التفوق الذاتى؟
- ولد آدم حنين فى حى باب الشعرية بالقاهرة عام 1929 حيث تشبهت طفولته وصباه بالروح المصرية الشعبية.. وتخرج عام 1953 فى كلية الفنون الجميلة بالقاهرة ليكرس حياته بعدها وعلى طولها لفن النحت.. وسافر فى منحة دراسية إلى ألمانيا لمدة عامين.. ثم إلى فرنسا حيث كانت إقامته لمدة عشرين عاماً عرض أعماله خلالها فى أغلب دول أوروبا وقد منحته الحكومة الفرنسية مرسماً ضمن مراسم فنانيها المتميزين.. ثم عاد إلى مصر ليشرف على سمبوزيوم أسوان للنحت الدولى منذ عام 1996 لينال جائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام 1998 .. ثم يتوج رحلة لم تنته بجائزة مبارك للفنون لتزداد مكانته قيمة كأهم النحاتين المعاصرين فى العالم اليوم.
- رحلته إلى فرنسا وضعته على قائمة أهم نحاتى العالم
- والفنان آدم حنين تكون تشكيلياً فى بلده مصر قبل سفره إلى باريس وعمره أربعين عاماً.. ليصبح فناناً من الصعب تصنيفه فلا هو حديث ولا هو قديم لأنه هو الحديث والقديم معاً.. والثابت والمتحرك فى كتلة واحدة .. وقد صقلته وأوسعت مداركة وخبراته الفنية والحياتية سفرة إلى باريس حيث التقى بفنانين من كل أنحاء العالم يمارسون كل النشاطات الفنية بكل اتجاه ونوعية.. ولم يغيره هذا فقد ذهب وهو محدد اتجاهه وحامل مخزونه وهويته الفنية التى أول ما التقى بها داخل المتحف المصرى القديم وهو تلميذ فى المرحلة الابتدائية وحينها علم ما هو فن النحت. فقد كان ومازال المتحف المصرى هو مصدره الأول.. فمنحوتاته تحمل لمحة من مصر القديمة.. وكالفن القديم الصامت المتأمل أصبح مع تحولات منحوتات أدم حنين عبر المراحل والأحجام والأشكال صمتها الكبيرة عنواناً لها.. ولو تأملت منحوتاته ستجد هناك هالة من السكونية الداخلية إلا أن هذه الكتلة الساكنة تخبئ داخلها حركة ضمنية.. وتستشعر بضجيح رحلة إخراج العمل كامنة داخل جسامة الكتلة..
- ويضج العمل بالإحساس العالى داخل انمحاء تعابير الحالة.. ونبصر التفاصيل فوق سطح الكتلة الذائبة فى التبسيط.. وقد نستشعر الكتلة طافىة بالخفة رغم الكتلة المصمتة الحجرية.. فمثلاً إذا نظرت إلى كتلته المسماة البومة سترى أن البومة تغيب ولا تبقى منها إلا كتلة بيضاوية صامته داخلها بومه مخبئة .. وإن رأيت تمثال االطائر المنتصب القامة أو تمثال لرجل أو أمرأه ستجد الروح واحدة.. شموخ التواجد وحضور الكيان الآسر رغم تعدد الأحجار جرانيتية أو بازلت أو حجر جيرى لكن الفكر واحد.. وقد عبرت سنوات الخبرة لتزداد فى وزنها وقيمتها اختزاناً للحالات الداخلية والتعابير التى تكاد تطفو فوق سطح الحجر الذى لا يوصف تعابير ولا حالات إلا حالة من المشاعر نحسها ولا نراها تفصح عن نفسها دون أن نرى تفاصيل لمشاهد معاناة أو ألم لكنه صمت كبير صمت يحتوى الناظر والمنظور كساحر يلغى بعباءتة فوق تعدد الحالات والتغييرات فى حالة واحدة مجردة لا تكشف إلا عن الصفاء.. صفاء الداخل والخارج بنفس حالات الصفاء الأيدى للتماثيل الفرعونية.. تلك التماثيل ذات الأبعاد الزمانية المكانية.. فمن خلال الأبعاد الملموسة طول وعرض وعمق حققت الامتداد فى البعد الرابع وهو الزمن لتصلنا أعمالهم بذات الفكر والحس والحالة التأملية السكونية فى صفائها المطلق عبر آلاف السنين.. وآدم حنين..اعتادت أصابعه على التعامل مع الأبعاد كلها يزيدها الملمس الخاص لسطح الحجر الذى يتغير من تمثال لأخر تبعا لمتطلبات الإبداع وليشكل الملمس بعدا ضمنيا وكسوة للعمل الذى به يعكس قدر الإجادة والخبرة فالتعبير لا يأتى كله من الموضوع ومعالجته إلا إذا اكتمل بملمس الحجر وتميزه.. لأن الملمس الذى يجيد آدم حنين تمثله يكشف لا عن الحساسية الإدراكية وصفائيه النحات الروحية قدر ما يكشف عن الفكرة ويؤكدها ويكشف عن صدق أو زيف الإحساس.. فالملمس الحجرى أكثر الملامس بحساسيته فى الكشف عن قيمة العمل وقدر إبداعيته.. وآدم حنين فنان تعامل مع الملمس الخارج قدر تعامله مع الداخل كى يجعل لأعماله امتدادا فى الزمن وطزاجة إبداعية دائمة لن يحكم عليها إلا القادمون بعدنا.. بعد أن يتحقق بعد الزمن.
- أما الجانب الآخر فى إبداع الفنان أدم حنين فهو اتجاهه للرسم ورغم ذلك إلا أنه يستمر نحاتاً حتى وهو يرسم وقد قال فيما سبق:` لابد لكل تمثال لكى يعطى صاحبه الكثير أن يأخذ منه الكثير لهذا أبقى شهرين أو ثلاثة وأنا أشتغل فى منحوتة واحدة وأحياناً أتركها فترة ما ثم أعود لأعمل فيها شهرين أخرين.
بقلم : فاطمة على
مجلة النجوم 17-7-2004
ادم حنين...` كاهن النحت المصرى`
- يعرض 100 عمل فى مكتبة الاسكندرية
- حاور النحات المصرى ادم حنين، فى معرضه الذى نظم فى القاعة الكبرى فى مكتبه الإسكندرية عناصره التى استطاع من خلالها إعادة صوغ إشكالية النحت العربى ضمن متغيرات الواقعية فى الفن وتطورها، منجزاً مفرداتها التى تشكلت بمفاهيم بصرية أعادت بناء الذخيرة الإرثية لحضارات وموروثات اختفت منذ فترة طويلة.
- أستطاع حنين على مدى خمسين عاماً أن يستظهر خصوصية تراثية فى كل أعماله، هذه الخصوصية المنفلتة من طوق الاستنساخ الذى التف حوله نحاتو هذا العصر. فلا تمكن رؤية الفن التشكيلى العربى المعاصر، من دون حنين الذى يتعامل مع خامات النحت بكل صلابتها وقسوتها، منجزاً أشكاله بديناميكية وألفة تمنع الخامة النحتية كياناً جديداً.
- وضم المعرض 100 منحوتة تبرز البيئة المصرية، مؤسسة بناءه الفنى الحداثى ومستنطقه فى كل وجه حكايته الخاصة كالطربوش والكف والكمامة والقناع والخيط والهندسة والقلادة واليشمك (غطاء للوجه من قماش رقيق مثقب).
- كما يكون كتلاً يبحثها فى الخير والشر، ويجسدها فى معانى الحب والمعاناة البشرية من خلال قيم وموروثات اجتماعية وحضارية اختفى معظمها. وفى المعرض تأخذك هذه الوجوه لتتأمل الرأس وهى تهجر كتلتها كى تصير سطحاً، وتأخذك الرأس أيضا فى استدعائها الحتمى للجسد بين المواجهة والانعطاف. كما قدم حنين عدداً من اللوحات كلها تجريدية، مع استثناءات ذات صبغة موضوعية أو تشخيصية.
- يقول الفنان عادل السيوى : ` تطل رؤوس آدم حنين تواجهنا أحياناً وأغلبها تشيح عنا منهمكة فى حضورها داخل نفسها بلا ملامح ، فلا مجال لتقصى الحالة، فهى ليست بوابة لعوالم داخلية، ولا هى يقظه تجاه الخارج، لا تضاريس معلنة ولا حدود خارجية مشدودة، فعلى أى أرض تقف؟ تبقى وجوه آدم مغلقة على ذاتها حتى تأتى أشياء العالم لتكسب كل وجه حكايته الخاصة`.
- وفى سياق متصل، أكد مدير مركز الفنون فى مكتبة الإسكندرية شريف محيى الدين أن ادم حنين اسم كبير لرسام ونحات مصرى تخطت شهرته أرض وطنه ليصبح فناناً عالمياً يضاهى فى حداثته وأصالته الكبار، وقد خصصت مكتبة الإسكندرية هذا المعرض الاحتفائى تكريما لحنين الذى يلقب بكاهن النحت المصرى، فهو واحد من قلائل أفنوا حياتهم فى محراب الفن، وكاهن لأن روحانيته العميقة تستشف من سمو كياناته الممتلئة بإشعاع داخلى مظهرة ارتباطاً قوياً بتقاليد مصر الفرعونية والثقافة العربية.
- يقول حنين: ` لا أظن أننى تغيرت، فهناك استمرارية واضحة فى أعمالى... للزمن الفنى مقياسة الخاص، وما أنتجه الآن يشبه إلى حد بعيد ما كنت أنتجه فى ذلك الوقت ( فى خمسينات القرن الماضى) ، إنها رحلة فى درب واحد سرت عليه منذ البداية ولم أحد عنه أبدا `.
بقلم : سامر سليمان
مجلة الحياة 2-5-2010
حنين قدم فى أعماله التشكيلية مشاهد إنسانية وجمالية برؤى عالمية
- الفنان التشكيلى المصرى العالمى آدم حنين من أولئك نجحوا فى اختراق حواجز الألوان وجعلوا منها عنصرا فاعلا فى أى تجربة تشكيلية يخوضونها، إلى جانب القدرة على استنطاق منحوتاتهم، كى تؤدى واجبها نحو ذائقة المتلقى الذى ينجذب منذ النظرة الأولى إليها، مستغرقا فى التفكير إلى ما وراء هذه المنحوتات من أسرار ودلالات فنية راقية، هذه الرؤية اتضحت فى معرضه الذى جمع فيه بين اللوحات التشكيلية والأعمال النحتية وافتتحه قبل أيام بدر الرفاعى الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة والفنون فى المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، فى قاعة أحمد العدوانى فى ضاحية عبدلله السالم، ضمن فعاليات العاصمة الثقافية.
- وكان المعرض الذى قدم فيه حنين تجاربه الفنية القديمة من سبعينات حتى ثمانينات القرن الماضى، عبارة عن مواقف إنسانية اعتمد فى ابرازها على الرمز ونعومة الرؤية ومرونتها سواء التشكيلية أو النحتية، ففى لوحاته التشكيلية التى استخدام فى تلوينها أى سيد بالصمغ العربى على ورق البردى كانت لغته فيها مكتملة التكوين، وتدرجات الألوان خصوصا ` الأحمر` شديدة الحميمية، تتماثل فيها الكشوفات وتحقق للوحة جمالها ووهجها التشكيلى، كما أن بنية المواضيع التشكيلية المطروحة رغم قلة عناصرها الا أ نها ارتكزت على هندسة الشكل والصياغة المتناسقة لها، ولقد كان الرمز الذى يجب علينا قبل قراءة أفكاره المتولدة، والنظر الية من منطق مزدوج شكلى وميثولجى` ،هو فى حقيقتة حلقة متواصلة من العواطف المشحونة بما يمكن ان نطلق عليه ` ذاكرة الحلم` فهو يستعدى الذاكرة من أجل اعطاء أعماله صبغة حالمة تتخطى حدود المحلية كى تصبح فى متناول المتلقى العالمى الذى يشاهد لوحة تشكيلية تعبر عنه كإنسان من الممكن أن يسكن أى بلد فى العالم ، وليس بلدا بعينه، رغم أنه رسم فى بعض اللوحات مواضيع قد تتعلق كما يدل عنوانها على رؤية مصرية مثل الفجر فى سيناء المرسومة فى العالم 1986 الا أن الاداء التشكيلى اللونى يؤكد أن الفجر المرسوم على اللوحة قد يعبر عن أى فجر فى أى بلد فالألوان متدرجة وحالمة، لا تمثل طبيعة الفجر بقدر ما هى تمثل طبيعة الحياة التى يختلط فيها الواقع مع الخيال فالثنايا والخطوط ، تؤدى إلى مراحل كشفية تستفز الوعى بما تمتلكه من ميل تجريدى رمزى وضوء متحرك يسهل على المتلقى قراءة اللوحة والولوج إلى عوالمها الرؤيوية المعمقة.
- ومن خلال أداء رمزى تتخلله مفاهيم كونية جاءت لوحة ` الجرف القارى` التى رسمها مع ما تضمنته من هندسة الألوان والايقاع المتواصل مع تراكيبه الفلسفية ، والإحساس القهرى والمتنامى بالاغتراب، ففى لوحاته التشكيلية القليلة، كانت الايقاعات اللونية هى التى عبر من خلالها الفنان عن رؤيته التى تدفقت بالحيوية والحركة، ثم جاء الاداء التشكيلى كى يرسم منولوجا وظفه بأسلوب رمزى جميل، وفى قاعة المعرض تناثرت منحوتاته الفنية بجمالياتها المفرطة فى النعومة ، والتى تمتاز بوضوح الرمز الذى ربما كان فى بعض الأحيان غامضا إلى أن قدرة الفنان على تجسيد منحوتته البرونزية ` الرمادية والنحاسية ` أو الحجرية، جعل من هذا الغموض مغامرة بصرية تتفاعل مع انسانية العمل وعالميته، مثل منحوتات ` الأم` التى يعود تاريخها إلى العام 1972 ، و` نجمة منتصف الليل` فى العام 1973 ، ` وترقب` فى العام 78 وغيرها وهى عبارة عن رؤى حرص الفنان على أن تكون أيقوناتها ذات صلة بالواقع ولكن هذا الواقع يتبدى فيه الخيال والحس الرومانتيكى المتوهج، فمنحوتاته أشبه بكائنات حيه دائمة الحركة، ولها القدرة على الحديث مع المتلقى ولكنه حديث رمزى يفيض بالعاطفة، والحميمية، ومنحوتة المحاربة المقدسة باستقامة جسدها ونعومته تتماثل فيها الدلالات ، متحولة من مجرد رمز إلى حالة انسانية تتولد منها أحاسيس الغبطة والأمان لأن المحاربة موجهة إلى الشر مدافعة عن الخير بكل أشكاله.
- وكان الطموح فى معرض حنين أن يحتوى على أعمال حديثة للفنان ` لوحات أو منحوتات` من أجل الاستزادة من تجربة هذا الفنان الذى قدم للحركة التشكيلية العربية والعالمية العديد من الانجازات والأعمال التى حظيت بالجاذبية، وجمال المعانى، ولكنه آثر تقديم أعمال يعود تاريخها إلى سبعينات وثمانينات القرن الماضى.
بقلم : مدحت سليمان
جريدة الرأى العام 3-11-2001
آدم حنين.. ربان النحت المصرى
- فى الحرانية، إحدى أكثر بقاع الجيزة ريفىة ، رست السفىنة، وكان المستقر والمنزل لرجل اختار العيش فى رحاب أجواء تجمع أكثر أمرين محببين لقلبة، المصرية الخالصة والحضور الفرعونى، فى هذه القرية، يعيش هذا الرجل، الفنان آدم حنين، ربان النحت المصرى، وأحد أهم رموزه فى الشرق الاوسط ، فى منزل حول جزء منه لمتحف يحمل اسمه ، محاطا بلوحات وتماثيل شكلها مما طوع من معدن وهذب من صخر على مدار رحلة فنية طويلة بدأها وقت أن كان طفلاً فى الثامنة من عمره، وامتدت معه على مسافة زمنية تقدر بثمانية عقود.
- فى وقت تتكرر فية الأخبار عن أخطاء فى ترميم الآثار، وعين ` تزيين ` ، ميادين بمنحوتات قبيحة مشوهة، وفى أعقاب ختام ` سمبوزيوم ` أسوان الدولى للنحت، وعلى بعد أيام قلائل من العيد السابع والثمانين لميلاده التقت` المصرى اليوم ` ، آدم حنين، فكان الحديث عن الفن والذكريات.
- تلميذ` التوفيق القبطية ` يلبى ` نداهه ` المتحف
بداية القصة عادية، وقعت فى يوم دراسى من العام 1937 حين قرر زكى أفندى مدرس التاريخ بمدرسة ` التوفيق القبطية ` برمسيس الخروج بتلاميذ الابتدائى من الفصل إلى رحلة للمتحف المصرى.. هناك التف الاطفال حول المدرس، باستثناء واحد فقط تركهم إلى المنحوتات، وكأن ` نداهه ` ذلك الفن الفرعونى دعته، فلبى وأصبح الفنان آدم حنين أحد رواد الفن التشكيلى فى الشرق الأوسط وأشهر نحاتيه.
- بعد زيارة المتحف، شقت النبتة الفنية لآدم الذى كان فى الثامنة من عمره ، طريقها للنور، خضراء مستقيمة العود، بعد أن أستقر جذرها قوياً يمتص الذوق المصرى الشعبى من حى باب الشعرية حيث نشأ، والحس الفنى من بيت عائلة استقبلته وليداً فى 31 مارس 1929 ، أخاً أوسط لفتاة و4 صبية، رزق بهم الأسطى هنرى حنين، الذى أورث ابنه آدم موهبة التشكيل ومهارة الأنامل.
- ` اتولدت وعشت فى باب البحر، باب الشعرية، وحفظت القرآن فى كتاب الشيخ إسماعيل، وفى طريقى له كل يوم كنت بشوف مزيج شعبى من السقايين والسرج والطواحين، وفاكر كويس ورشة كنت بشوف فيها اتنين بيمسكوا حتة الخشب الكبيرة وينحتوها `.. يرسم آدم ما ترسب فى ذاكرته عن مكان قديم فى زمن بعيد.
- قبل الشارع وأسطواتة كان بيت زرع- دون قصد- فى نفس الصغير حب الفن ` ماما كانت ست بيت ، وبتحب تشترى حاجات فضة ونحاس، فكانت تعرضها على بابا ويشوفها ويقيمها ويتناقشوا، أما بابا فكان صاحب ورشة فضيات من اللى بيتصنع فيها مشغولات زى ( تلبيسة فنجان أو كوبايه مثلا).
- يتذكر آدم محتويات ورشة الاب التى أصبح له نصيب من ` فاترينتها ` بعد زيارة المتحف المصرى ` لما دخلناه، زكى أفندى لمنا حواليه وقعد يشرح، لكن أنا شفت التماثيل واتجننت` سبتهم وقعت أتفرج عليها `.. يضحك شيخ اليوم مما فعله طفل الأمس البعيد ` لما رجعنا من المتحف حاولت أقلد التماثيل بمجسمات صغيرة من الطين الأسوانى، وعجبت بابا قوى وعرضها عنده فى فاترينة الورشة `.
- اكتسب الطفل مهارات وحفرت فى نفسه مشاهد صارت فىما بعد أعمالاً، ومنها الطيور كالحمائم والصقور والبوم، التى كشف بحديثة عن طفولته أحد أسرار نحتها ` كنت بصحى بدرى ، حتى فى أجازة المدرسة، وعملت علاقة كده بالعصافير، كنت أجرى على الشباك وأبص على عصافير فى البيت اللى قصادنا`.
- وخرجت تماثيل الطيور بعد أعوام حينما التحق بمدرسة الفنون الجميلة (1948- 1953) ، وفى المدرسة كان للطالب نقاش حاد مع مديرها انتصاراً للفن المصرى ` كانوا بيدرسولنا تماثيل إغريقية، فاشتكيت للعميد الفنان يوسف كامل، وقلت له أنا هحول من قسم النحت لأنى ما بتعلمش حاجة جديدة، فقرر ان جزء من دراستنا يكون محاكاة لتماثيل المتحف المصرى`.
- مشوار الفن التجريدى ` البشارة ` غزال محنط
` وفى بداية حياتى الفنية، رأيت فى قرية الجرنة منزلاً ريفياً بسيطاً وغزالاً معلقا على واجهته، رسمت هذه اللوحة وتركتها، بعد عدة أيام وجدتنى مدفوعاً لإضافة مساحة هندسية زرقاء وأخرى حمراء ، لا أدرى ما دفعنى لهذه الإضافة التى كانت كبشارة لأسلوب انتهجته بعد ذلك بعدة سنوات .. آدم حنين.
لن تعثر أى عين زائرة لمتحف آدم حنين بين التماثيل واللوحات على أى كلمات شارحة لأعماله، باستثناء تلك السابقة التى تتوسط عامود بين اسم القاعة ذى الدلالة ` البشارة ` وبين لوحة الغزال التى تعود حكايتها لقرية ` القرنة ` وكانت أهم من مجرد لوحة.
- فى عام 1953 تخرج آدم فى مدرسة الفنون الجميلة وظل على وفائه للفن الفرعونى، فتعاطفت معه اليد القدرية وخطت طريقة ممتداً ومتقاطعا مع مسارات ذلك الفن ` كنت الأول على الكلية بامتياز مع مرتبة الشرف واختارونى لمنحة داخلية لقرية القرنة فى الأقصر، واللى كان يجنن فيهاهو العيشة وسط الفراعنة، كانت مبانى الفلاحين متأثرة بيهم، فكنت أشوف الفن جوه المقابر والأصل بتاعه بره `.
-عامان عاشهما آدم فى القرنة، بمنحة قال فى مدحها ` كانت تصحيح للى كنا بندرسه فى الكلية، اللى كان محسسنا إننا فى أوروبا بالدراسة اللى ما كنش لها علاقة بالفن المصرى`.
- وعاد الشباب من الاقصر بـ ` ـ بشارة ` لتجريد ` وأنا فى الجرنة، شفت بيت ريفى متعلق على واجهته غزال متحنط بالقش، فعجبنى المنظر ورسمته فى لوحة صغيرة وسبته فترة ، وبعدين رسمت مساحة بالأزرق والأحمر جنب الغزال، شكل هندسى كده ارتبط بالصورة بطريقة ما وخلاها عجيبة، والصورة دى هى اللى دخلتنى الفن الحديث التجريدى.. كانت بداياته ` ويهمس آدم مبتسماً `حبيتها` من الصعيد إلى ميونخ الألمانية ارتحل الشاب، حيث اختار الدراسة فى مرسم الفنان أنطونى هيلر، لحاجة فى نفس آدم اخترت الراجل ده بالذات، لأنه كان متأثرا جدا بالفن الفرعونى، فاعتبرتها فرصة إنى أدرسه من منظور أوروبى ` .
- بعد ألمانيا كرر آدم تجربة العيش فى الجنوب، باختيار النوبة التى قال فى حبها ` البلد دى فضلت بعيدة عن الحضارة الاستعمارية، ففضل فنها مصرى نقى.. كنت ألاقى حاجات فى المبانى هناك ما عرفش دى قديمة ولا جديدة كانت حاجة تبسط يعنى`.
- ذكرى الصحاب ` إبداع ` .. رباعيات مرسومة ورأس ذهب لـ `جاهين`
فى حديقة متحف آدم حنين، ووسط عشرات المنحوتات البرونزية والجرانيتية الضخمة يوجد تمثال صغير نسبيا، يختصر حياة رجل مبدع فى صورة رأس ضخم أسود اللون، يمكن لعشاق صاحبة التعرف عليه، متغلبين بإحساسهم على عدم وضوح ملامح وجهة، وإذا ما بقى الأمر قيد الشك، فستحسمه نسخة أخرى للتمثال داخل المتحف، ذهبية اللون تسكن صندوقا زجاجيا، وخلفها على الحائط بعض أعمال هذا الرأس ، ` رباعيات ` لا ترتبط إلا باسمة وحدة صلاح جاهين، مطعمة برسم صديقة آدم.
- فى المتحف نفسه الذى تستقر فىه منحوتات ` رأس جاهين ` توجد قاعة تحمل اسم صلاح آخر، عرفاناً وتخليداً ، فنان الديكور الراحل صلاح مرعى، من شهد مراحل بناء المتحف إلا لحظة الافتتاح، صديق آدم منذ تعارفا فى مكتب الصديق الثالث، المخرج شادى عبد السلام.
- تستدعى ذاكرة آدم فترة الشباب، ليكشف سر وجود تمثالين لهذا الرجل ` قابلت صلاح فى إعدادية الفنون الجميلة، واتعرفت عليه لآنه كان بينشر كتابات، فكان ظاهرة كدة وكاتبا مهما، وفضلنا أصحاب رغم إنه حول من الكلية بعد أول سنة، وكنا بنتقابل دايماً وبناقش أى حاجة حتى بعد ما بقى رسام كاريكاتير وشاعر`.
- كانت الصداقة سبباً كافياً لجمعهما، لكن لا يمنع ذلك أن تجمعهما كيمياء الإبداع` صلاح كان بيكتب الرباعيات وعجبته، لكنه مر بفترة كان بيكتبها على آخر لحظة فمتلحقش وقت المطبعة فى (روز اليوسف)، فاتفقنا على إنى هرسم للرباعيات حاجات فى دماغى كده، وكنت أرسم لوحات كتير واديهاله ويركنها عنده، ولما يطلبوا منه رباعيات يخرج رسوماتى من الدرج ويقلب فيه ، فتجيله الفكرة، يعنى الرسم والكتابة مفيش حاجة فيهم بتعبر عن التانية مباشرة، لكن الرسم كان بيدخل صلاح فى (موود) كده يخلية يكتب`.
- يفخر آدم بنجاح الشراكة الفنية للرباعيات واللوحات` كانت حكاية الرباعيات بالرسم دى بتعجب فتحى غانم، رئيس تحرير (روز اليوسف) فشجعنى إنى ارسم للمجلة وكان بيقول لى ( ده اللى أنا عايز اعمله، أجدد واطلع حاجات جميلة)، وهى فعلا كانت حاجة جديدة للقارئ نقله طلعت بعدها أشكال جديدة فى الرسم الصحفى ليس لها علاقة بالكاريكاتير ولا الموضوعات`.
- ويذكر الفنان الثمانينى عن فنان الديكور صلاح مرعى: ` قابلته صدفة عند شادى عبد السلام لما كانوا بيصوروا فيلم ( المومياء)، كنت رايح أزور شادى لأنه صاحبى وأشوفه بيعمل إيه `.
- ` صلاح كان له دور فى رسالة مؤسسة آدم حنين من وقت تأسيسها فى 2007 ، وكان مع فكرة إهداء مكتبة الإسكندرية70 عملا من أعمالى معروضين فيها ، وابتدى معايا شغل فى المتحف، لولا بقى الموت. الله يرحمه`.
- متحف الحرانية .. مرسى ` سفينة آدم` و استراحة ` الست ام كلثوم `
- أعوام تربو على الستين منذ أربعينيات القرن الماضى، وآدم فى دربة سائراً، يطوع المعدن ويهذب الحجر، بخيال صور ويدين شكلتا من الطين الآسوانى ثم البرونز والجبس والجرانيت، قطعاً فنية تتقاسم معه الآن بيته فى الحرانية ، الذى تحول لمتحف يحمل اسمه فى عام 2014 .
- الجلوس فى حديقة ` البيت - المتحف` والسير بين أروقة طوابقه الثلاثة إحدى عادات آدم ، حيث يلتقط بهذه الصورة أنفاسه من الرحلة الفنية، ويتأمل بهدوء صنع يدية، تماثيل مثل `سفينة آدم ` ، وفلاحات منهن `وجيدة، وزينب` ، وذلك التمثال الواقف فى نسختيه يليق بصاحبته ` الست` أم كلثوم، وغيرها من منحوتات بلغ عددها 600 ، هى فقط ما اتسع لها المتحف من 4 آلاف قطعة.
- يطغى حضور تماثيل السيدات، فيحكى عنهن ليتبين أن منها ما يخلد ذكرى زوجته الراحلة عفاف التى لا يفضل الحديث عنها كثيراً، وما هو محض خيال ` تمثال الفلاحة وجيدة مثلا ده حالة وحاجة كدة عجبتنى، هى مش شخصية حقيقية، هى فكرة وحالة، سميتها كده` .
- على العكس من ` وجيدة ` المحفوظة . فى صندوق زجاجى ، يقف تمثال الراعية الطفلة زينب بلا أطر ` زينب كانت موديل فى الكلية، لها وش فلاحة فقيرة غلبانة ، أثر فيا قوى` ، أما السيدة الثالثة فهى كوكب الشرق التى تحظى من آدم بتمثالين ذوى لونين متضادين أسود برونز وجبس أبيض، يقول عن سبب صنع الصورتين لها ` تطوير يعنى` .
- يشكل آدم النسخة تلو الأخرى لتطوير التمثال، لكن ليصنعه من الأساس، فالأمر يتطلب طقوساً ` بقضى مع التمثال مدة طويلة ، من أول ما بيكون رسم لغاية ما يخلص ، ولازم يبقى عندى لغة وشفت حاجات كثيرة يعنى مثلاً أنا تلاقينى لأمم جواى بلاوى ، زلطه وسحابة وميه.. جننتى حاجات كثيرة وعملتلى لغة ما ` .` علشان كدة بستغرب لما حد يسألنى على قطعة ويقولى ( دى سنة كام؟) ما بعرفش أرد` يضحك آدم ` أصلى هقول له غلط، أى حاجة، والصح بقى إنى لازم أقول له من سنة كذا لكذا، فكرة وبتكبر مع السنين` ، تنمو الفكرة ليشكلها من مواد بينها الجرانيت ، مادته المفضلة على صعوبتها وتكلفتها العالية ،` أصلة كحجر أشبه شىء بالفن المصرى والأقرب للفرعونى` .
- من الجرانيت ، شكل الفنان اعمالاً، منها السفينة الضخمة التى تتوسط حديقة متحفة حاملة على متنها منحوتات أخرى، فسماها الزوار ` سفينة نوح ` ، بينما يمنحها صاحبها اسماً آخرى ` دى سفينة آدم ، مش نوح ` ، تمامًا كالملاحين يحب آدم سفينته ` دى شايلة شغلى لغاية النها رده ، واللى منه منحوتات اتعملت فى الخمسينيات` .
- ` السمبوزيوم ` .. حلم السبعينيات يواجه كابوس القرار الحكومى
- فى أواخر عام 2015 ، انتشر خبر عن ` سمبوزيوم النحت` بأسوان، الملتقى الذى أسسه آدم حنين ليجمع سنويا مثالين من مختلف أنحاء العالم، نقلت وسائل الإعلام الخبر بصياغات اختلفت بين ` تعيين آدم رئيسا شرفياً للسمبوزيوم` ، وبين ` استبعاده` و` اعتذاره ` عن إدارته، لكن كل الصياغات لم تحمل إلا معنى واحدا، فراق الرجل عن مشروع تبناه منذ ما يناهز الأربعين عاماً، حلماً ثم وعداً فحقيقة .
- فى عام 1977 ، حينما عاش آدم فنانا محترفا فى فرنسا، التقى فاروق حسنى، الذى كان وقتها مديراً للمركز الثقافى المصرى فى باريس، وحدثه عن فعالية حضرها تسمى ` السمبوزيوم` ، رأى فيها نحاتين من ثقافات ومدارس مختلفة، واقترح عليه تنفيذها فى مصر، فكان الرد ` لو بقيت وزير هعمله `، وبالفعل بعد 18 عاماً منذ ذلك التاريخ استدعى وزير الثقافة فاروق حسنى آدم حنين لتأسيس السمبوزيوم وإدارته، ` احنا عملنا حاجة جميلة جداً على مدار 20 سنه، وكان من نتايجه إن القاهرة بقى فيها النهاردة حوالى 7 معارض وجاليريهات متخصصة فى فن النحت، ومن1996 للنهارده طلع فنانين.
- وعلى الرغم من غضبه ، يرد بحسم على مدى استعداده للعودة لإدارته من جديد ` آه ، أوافق لغاية ما يستلمه حد كويس ويكمل `.. يقول آدم عن السمبوزيوم الذى يعادل فى الأهمية عنده مشروع آخر هو الإشراف الفنى على ترميم أبو الهول، بتكليف من الوزير نفسه ` فى يوم بعتلى فاروق وأنا فى باريس، وقال لى تعالى علشان محتاجينك فى الترميم `.
- يتذكر آدم صدمته مما رآه من أعمال المرممين لدرجة رفضة استكمال المشروع ` لقيتهم بانيين إيدين أبو الهول بحجارة حولت منحنيات الصوابع لانبعاجات، فرجعت لفاروق وقلت له ماليش دعوة بالحكاية دى` ويتذكر الحوار الذى دار مع صديقه الوزير، وانتهى بموافقته على الاستمرار ` فاروق قال لى ( طب أعمل إيه؟ أجيب مهندسين من الآثار؟ أهو ده اللى عملوه.. أجيب خواجات؟ مش هيفهموا ومش هيحسوا ` .
شارك آدم فى ترميم أبو الهول فى أواخر التسعينيات، كما أسس السمبوزيوم الذى أنتج منحوتات مهمة، لهذا كان غضبة الممزوج بالسخرية من التماثيل القبيحة، التى تنتشر فى الميادين الآن مفهوماً، حتى إنه فقد الثقة تقريباً فى أن يكون للقبح نهاية ، ولو آل أمر نحت التماثيل للأكاديميين، كما بدا فى ردة على هذا الطرح ` والله ولا فنون جميلة، طيب ما فنون جميلة هى اللى عملت تمثال نجيب محفوظ ! `.
- تختفى السخرية، ويبقى الغضب بمجرد الحديث عن الآثار التى تتعرض للتشويه أثناء ترميمها، ولكن كان للأمر حل لدى آدم رآه يتمثل فى حتمية مشاركة الفنانين للمرممين فى التعامل مع أى أثر.
بقلم : صفاء سرور
المصرى اليوم 8-3-2016
وشم على لحم الهوية
- فى برديات ومنحوتات آدم حنين.
يندلع الحوار الجدلى دائما داخل المبدع بين عدة مقابلات فى تدرج يتناسب طرديا مع حجم التمايز بين كل منهما، مثل الصورة اللحظية والرصيد البصرى التراثى والمعاصر، ويشتعل هذا الصراع عند رحيل الفنان إلى وطن آخر ذى سمت ثقافى مغاير والفنان الكبير آدم حنين هو آحد مبدعينا المصريين الذين ولجوا هذا المعترك النفسى الصعب ليخوض تجربة مشحونة بالفوران الوجدانى والحوار الذهنى، فبعد أن عاش الحياة المصرية بكل أبعادها الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والروحية يغادر إلى فرنسا بسطوتها المعرفية وسلطانها الإبداعى وطابعها المادى الطاغى .
- وسنحاول عبر هذه المساحة المحدودة الاقتراب من الشخصية الإبداعية لهذا الفنان الذى استطاع صهر مكتسبه الغربى الطارئ فى معينه الشرقى الخالد .
- وقد آثرت إضاءة تلك التركيبة من خلال العلاقة بين رسوماته على ورق البردى ومنحوتاته البرونزية.
- اختار حنين ورق البردى سطحا آسرا لرسوماته بالألوان الترابية المذابة فى الصمغ العربى ، مدفوعا لهذا الانتقاء القصدى بعدة عوامل على الصعيدين التقنى والتعبيرى، والاثنان يتكآن على رافد غربى وميراث شرقى ممتد يحمل فى ثناياه خصوصية وتفرد كبيرين فعلى مستوى الصنعة يستخدم الفنان اللون الواحد مختلطا بهذه المادة اللاصقة التى يتحكم فى نسبتها إلى المادة اللونية لإحداث بعض التشققات أحيانا على السطح بما يخدم جمالية الشكل وخامة البردى هنا تتداخل مع الوسيط اللونى وشروخه المتناثرة بتعاشقاتها الأفقية والرأسية ونسيجها ذى البروزات الإيقاعية ، وأعتقد أن آدم فى هذا السياق يتحكم فى درجة جفاف الورق وطراوته لصالح الملمس العام للصورة جامعا بين آليتى الفريسك والتمبرا.
- لهذا نجد برديات آدم تتشبع بالحس الجدارى عند المصرى القديم إضافة إلى سمتها الفريسكى ، أما على الصعيد التعبيرى فيعتمد حنين على التكثيف الشكلى ومهاراة اقتناص روح العنصر فى اختزال بليغ يفربه من دهاليز التفاصيل الفيزيقية فتجده يقدم السمكة والطائر والجسد الإنسانى والنجمة والدائرة والمربع فيما يشبه الومضة التعبيرية الخاطفة وبقدرة عالية على التفكيك والبناء ، وعند هذه النقطة على منحنى الأداء تميل الصورة عنده إلى القضاء الحدسى أكثر من الحيز الحسى، بجنوح نحو الآلية الشرقية فى نسج المشهد، حيث الدفقة التعبيرية الكامنة فى رحم الخط متلما يرسم ويكتب الصينيون واليابانيون، فالكتلة عند آدم تتكون من عدة خطوط تتضافر لتشييد الشكل المصمت أى أنه أقرب فى طبيعة آرائه إلى كوكاى تشى وهو كوساى أكثر من كاندسكى وموندريان علاوة على تأثيره بخيال الظل كأحد فنون التراث الشعبى .
- ونتيجة لهذه الطلاقة الحدسية فإن الضوء عنده ينسكب من خلفية الصورة المتمثلة فى خامة البردى نفسها التى تغرق البناء يسيل من النور غير معلوم المصدر ليظهر هذا الورق المصرى وقد تحول إلى لحم بشرى طازج نابض بالحياة ، يسرى فيه الدم وتعشش فيه الروح ويبدو لتكوين الأسود كوشم دق على جسد آدمى ينطق بأنشودة الذات وتتبادل الألوان الترابية والصمغ الحركة البندولية مع خام البردى داخل الصورة بين العمق والسطح حتى تبدو الخلفية كبناء وليد على جسم ورق أسود يقترب من وشم نورانى على لحم يحترق .
- وإذا تأملنا منحوتات آدم حنين البرونزية من نفس المنظور الجمالى لرسوماتة لاستبدلنا على الفور ورق البردى بالفراغ المحيط بكل منحوتة ، وهى التى يعتمد فيها على تقنية الرقائق وليس الكتلة المستديرة ثلاثية الأبعاد فالفنان هنا يحاول تلخيص اللقطة النحتية فى بعدين فقط ، رغم قدرتها على غواية عين المتلقى للدوران حولها وأظن أن وراء تلك الرقائق النحتية تكريس آخر لقيمة الخط وتفجراته فبالإضافة إلى النغم الموسيقى الخارجى للتمثال نجد أننا إذا نظرنا إلية من أحد الجانبين سنجد أن الكتلة قد تحولت إلى خط يحمل كل أبجديات القيمة الجمالية ومع الإزاحة الحركية البصرية تتكاثر الخطوط وتتحول إلى كتلة مرة أخرى، ويؤكد حنين قيمة الخط بتلك الثقوب المطرزة لجسد المنحوتة كحبات مسبحة مضيئة فى ليل حالك وهو يرسم بهذه الخطوط المتقطعة فواصلا يحدد بها معالم الشكل الداخلية، إضافة إلى أنها تمثل رباطا بين الكتلة والفراغ كخيط من النسيج المحيط يبدو وكأنه استل منه لحياكة رداء التمثال، وهى نفس الحركة البندولية الماثلة فى رسومات آدم بين الشكل وفراغه والتى تبدو أيضا كوشم على لحم الأثير.. فإذا أضفنا إلى هذه الترانيم الحدسية تلك الصرحية الموروثة من النحت المصرى القديم لاستطعنا أن نلتمس وهج الشرق من أحشاء كل منحوتة، ولاكتشفنا أنه من قبيل التبسيط النقدى المخل أن نحاصرها بتأثيرات برانكوزى ومارينى فقط والتى لا تنكر، فحالة آدم الإبداعية تشكل تجسيدا حيا لغلبة الفطرة الذاتية على المكتسب المعرفى .
- وبهذه الأدوات الأدوات التى ينتزعها الفنان من جراب الروح دون الصندوق الذهنى يستطيع فى سهولة لا تجافيها الرصانة تلخيص الجسد الأنثوى البض والطائر شاخص البصر ومثيله عاشق الأرض وآخر حبيس القضبان والسمكة الساهمة والعروسة الشعبية وتلك المرأة التى تهم بالطيران كالفراشة ، وإذا قارنا رسومات حنين بمنحوتاته سنجد أن الأولى قد أعتمدت على فراشاة تنحت على ورق البردى، بينما الثانية على سائل برونزى يرسم على ألواح الفراغ، وكلها صور تبدو كجدارية ضخمة أنجزها آدم حنين عبر ما يقارب الخمسين عاما من الجدل الذاتى انتصر فيها المتجذر على العابر، فبرقت جميعها منحازة لثقافة الوطن كوشم على حلم الهوية.
بقلم : محمد كمال
جريدة القاهرة 30-11-2004
طيور الأساطير فى معرض آدم حنين
- حورس أصبح أملس .. حكيماً متأملاً شديد الغموض
هل تتمنى الطبيعة - أو ينقصها - أن تشاهد إعادة لأشكلها ؟.. وبالتالى إلى أى قدر من قدرة الفنان ينتج أشكالا من وحى الطبيعة؟.. هذا التساؤل دفعنى إلية هذا الطائر الصغير المتأمل الذى يستفحل مع إعادة النظر إلية من كل زواياه لغزه وغموضة بذلك البطء الدقيق فى الإفصاح عن نفسه.
- هذا الطائر يخص المثال ` آدم حنين ` والمعروض فى جاليرى المغربى بالزمالك مع مجموعة تماثيل أخرى للمثال الكبير ولأعمال الفنانين إبراهيم الدسوقى ` تصوير`.. جميل شفيق ` رسم `.. وهند عدنان ` تصوير`.. وسأتناول أعمال فنانى المعرض تباعا.. وسأبدأ بهذا الطائر الأرضى الذى يجذبنى إليه أنه يبدو لى كأنة نبت أرضى أو أنة طائرحيوانى معا.. ولكن بالتأمل أراة يجمع فى سحر بين طيور الأساطير والحضارات القديمة.. أراه يُولد لدى فهم غير مستقر وغير مفهوم بين شكل خروجه من البيضة وشكله الصخرى ليكشف لى التشابهات بين الأشكال وأيضا فوضى أشكال اللغة البصرية لهذا المخلوق الملتبس المتعدد التفسيرات والتداعيات داخل حيز جسد واحد.
- رغم أنه طائر والفكرة عنه أنه ريشى إلا أنه هنا صخرى حيوانى شبية بالدرع له كبرياء وإقدام بشرى.. إنه محاط بأفكار مجردة لجسم يصلح جسدا حيوانيا أو إنسانيا رغم الشبه بالطير.. ورغم بساطة الخط و السلوك إلا أن سمته معقدة..مجردة..كالفكرة المجردة وهى فكرة مُناورة لا تعتزم أبدا أن تتعارض أو تتفق مع واقعية أشكال الطبيعة . أعتقد أنه حين أبصر آدم حنين ذلك الطائر الصغير العجوز بعمر آلاف السنين أبصره بلا تفاصيل ولا زينة.. لم ير فيه إلا غموض إبحاره السنين.. شاهده حورس القادم من العصر الذهبى ذلك العبور عبر آلاف الزمن الذى من شدة اندفاعه داخل ماكينة الزمن تأكل الريش والزغب ونن العين.. أصبح أملسا حكيما متأملا شديد الغموض .
- ورغم وجود هذا العمل النحتى الذى يحمل هندسية أساسية ومنطقا وإيقاع طبيعة وأصالة- متناقضة التنامى- إلا أنه يبدو كشكل للطبيعة المجهولة حتى الآن أو لجنس طائر لم يولد بعد لكنه مرتبط بواقعية ترتبط بتوليد الأسطح والمظهر فى عنصرية مستقلة.
- تماثيل آدم الأخرى فى قاعة المغربى (القط- الحصان- البومة) تعرض التشابهات وتمسخ كمظهر لتبدو كشكل ملتبس لغزه غامض يقترب من حيواناته بنفس الفضول الذى عند العلماء ليحمل التمثال أو الطائر تحليلاته ليكون منفصلا فى النهاية عن كل شئ ومتصلا بكل عضوى.
- أما طائره هذا.. القادم من القديم يبدو بوقفة كبريائه خجلا جدا.. ينفض بوقفتة الأدوار التقليدية للطيور كرفقة رقيقة للزينة.. لأنه ببساطة وجوده على هذه الهيئة يشكل لحظة فى تاريخه الطويل حاجته للفكرة البشرية لأنه قطعا جزء من البيئة البشرية .. لكن داخله حضارة متراكمة تبدو بقسوتها اللاظاهرة للعين المدققة أكثر من حداثتها بشكل المظهر اللين وكأنه أصبح بتاريخه أو بسببه عنصرا مستقلا مفترضا الصلابة.. ولصلابته مظهر عتيد بتلك الوقفة الأرضية الحازمة بساقى الطير الرقيقين اللذين تحولا إلى وتدين يربطانه بتلك الأرض تحديدا.. فى وقفة يجر خلفة ذيلا ممتدا امتدادا انسيابيا للرأس فى وضع كبريائة.. ذلك لأنه `حورس` هذه الأرض وامتداد عبقرى لجده الأكبر حورس الفراعنة.. وامتداد لكل ذلك الكبرياء القديم الممتد عبر الأرض الصلبة التى اتخذها أرضا ومرتكزا.. بينما لو شاهدنا طائر الفنان العالمى بابلو بيكاسو( المنشور أمامنا ) سنراه طائرا فضائيا غير مرتبط بأرض ولا تاريخ حتى إن ساقيه وأصابعه تكاد تتلامسان مع الأرض ولا تتعاشق معها ومازالت لأجنحته ريش الطيران.. أما حورسنا (المنشور أمامنا ) الجد الأكبر فله ذات وقفة الحفيد فساقاه كتلتان تنتهيان بأصابع وتدية عرضية فى كتلة تحتضن الأرض ثابتة راسخة كثبات البديهيات.. بديهيات أن حضارة مصر هى حضارة تسرى فى روح كل كائناتها ربطتها بالأرض والتاريخ والشخصية الفريدة.. كذلك إنسان هذه الأرض هو وتدها وهى دعامته وليس نبتا شيطانيا.. هو كطائر حورس وأدم لم يروضه أحد إلا الزمن والأرض أدوات حضارتة، فلا أحد منفصلا عن زمنه ولا بيئته ولا شئ مفهوم أو ممكنا خارج مكان نموه.
- لكن هل هذا الطائر الصخرى الفولاذى هو أمتداد لـ `حورس الحجرى` فى صورته الطبولوجية( التركيب البنيوى لمناطق جسده).. الذى أصبح أشد نقاء وداخله أشد حكمة وتأملا بفعل مرور الزمن.. ورغم أن لعينى الجد حدقتين تنظران فى امتداد، إلا أن هذا الحفيد المتأمل ليس لعينيه حدقتان فهو يتأمل للداخل لأبعد من وظيفة البصر.. لذلك نراه وقد صقلته السنوات فأصبح ناعما هادئا متأملا أكثر من جده المتربص المترقب.. لكن يظل هناك ذلك التواصل بين الشكلين رغم تغيرات المادة والموازين التى تراكمت فى الرؤية لتشكل لغة التشكيل دون تعسف ودون تشتت نظرى بارد لكن بسخونة ذلك التطور المتراكم فى الداخل.. من داخل الطائر ذاته بنفس المنطق الذى يوجه ويدفع بتطور الحياة.. لذلك ظل فى منظومة هذا التطور يقظا على مدى السنوات..وأيضا هو طائر يحتضن داخله كل طائر نما فوق هذه الأرض الصلبة ومازال.. فلم تختف رغم السنوات هوية اللمحات ولا الوقفة ولا رائحة الهواء المحيط ولا النبضة الداخلية.. هذا مدمج بهوية الطائر بالفعل .. حتى وإن كان صامتا محروما من التعبير عن رحلة آلاف السنين .
- لكن بكل وضوح يتأكد لدينا ذلك اللامرئى.. ذلك الزمن الذى نراه أمامنا فى هذا الطائر مثلما أنا داخلى زمنى الخاص.. وخلفى منظور الماضى بانخفاضاته وارتفاعاته الكثيفة الأحداث.. كذلك الكائنات وهذا الطائر أيضا.. لكن.. بكل ما يعتمد داخله وبرسوخه الأشد وتأمله النافذ.. هل هذا الطائر الذى صبه آدم حنين برونزا يمكننا تخيل أنه لم يتحرك أبدا؟.. هل أصبح حبيسا داخل جلده الريشى الفولاذى؟.. وهل آدم حنين حين يغلق مرسمه وراءه على طائره ، ألا يأتيه إحساس بأن طائره سيسلخ عن نفسه ألاف السنين ويهاجر حرا إلى الماضى.. ربما أكثر حرية ممن أحاطه بسبائك البرونز.. ففى العصر البرونزى كانت الطيور المهاجرة تعتبر هى مراكب الشمس .
بقلم : فاطمة على
جريدة القاهرة : 4-1-2005
الإبداع الناطق!
- ابداعاته الفنية حية.. مبهرة.. فى ايقاعاتها وألوانها.. كأن لها عيونا ترانا..ينحتها..ويرسم ملامحها.. يؤهلها بالجمال والابداع حتى تشعر أنها تتواصل معك..هذا هو فناننا المبدع آدم حنين الفنان الذى خرج من باب الشعرية.. وعشق النوبة والقرنة.. سافر إلى ألمانيا وباريس.. لكنه عاد من أجل عيون أبو الهول.. ليعيد إليه جماله ولأن أسوان تعيش داخله.. فقد انشأ سمبوزيوم أسوان الذى يقام لعامه العاشر.. يجمع فنانين من معظم دول العالم ليبدعوا ويخرجوا أعمالهم إلى النور وسط الحضارة المصرية الرائعة .
- حاولنا أن نغوص داخل الفنان الذى عاش محبا هائما وعاشقا لكل ما هو مصرى.. وانطبع عشقه على ابداعاته فخرجت مصرية خالصة.. ولكن كيف كانت البداية..
- يقول آدم حنين.. البداية دائما جميلة ومدهشة .. لقد بدأت صغيرا جدا .. طفل لم يتعد عمره 8 سنوات مارست أنشطة مدرسية، رحلات إلى أماكن ثقافية وترفيهية.. منها رحلة إلى المتحف المصرى .. هذه الرحلة لم تفارق خيالى حتى الآن.. كانت رائعة شاهدت خلالها عالما مختلفا من الألوان والملوك .. أشخاص وتماثيل ضخمة جدا .. عالم رائع تملؤه روح جميلة تختلف عن البيت والمدرسة والنادى .. أصبح حلمى الوحيد وكل امنياتى ان ادخل هذا العالم .. وبدأت أولى خطواتى فشجعنى الجميع أبى وأخى الكبير ووالدى لن أنسى أبدا مدى فرحه وحبه لهذه الأعمال يملك ورشة للفضيات ` يعنى فنان ` يصنع أوانى ومشغولات فضية تأثرت به جدا واعجابه بى وبعملى كان له اكبر الأثر فى حياتى وحياة شقيقى الفنان مكرم حنين.. علمنا كيف نحب الفن .. كان يتحدث عن كل قطعة فضية أو آنية بحب كبير يحكى عنها وعن صناعتها.. يشرحها ويظهر جمالها.. رغم أنه لا يقرأ ولايكتب لكنه يملك حساً جميلا فكان يدرك جمال الاشياء.. وعندما رأى أعمالى أخذها وعرضها فى ` فاترينة ` العرض الخاصة به..كان ذلك له معنى كبير..فقد اعطانى ثقة كبيرة.. ودخلت كلية الفنون الجميلة.. انهيت دراستى عام 53 كانت دراسة اكاديمية مثل أى كلية فى أوروبا `موديل` وتعليم للفن ومدارس حديثة كانت متعلقا بالفن المصرى وهناك قيم مترسخة فى رأسى .. وحصلت على بعثة داخلية وجائزة اسمها مرسم الأقصر.. كان حلما أن أعيش فى الأقصر ورغم أن الراتب صغير إلا أن الحلم تحقق وعشت فى القرنة بالبر الغربى.
- كان ` للقرنة ` أثر كبير فى تكوينى عشت مع الناس.. وجدت نفسى فى الشعبيات.. فترة من أجمل فترات حياتى تعلمت فيها من الفن القديم.. كانت هذه الفترة بمثابة تصحيح لما تعلمناه.. شعرت أن للفن خصوصية ووقعت فى مشكلة.. فكيف نصنع فنا حديثا خاصا بمصر.. فالموجود له مصادر من أوروبا.. فى هذا الوقت كان الفنان الكبير سيد درويش ينادى بأنغام ومعان مصرية .. وكان هناك شعور وطنى جارف ودعوة بأن يعبر الفن عن مصر ويأخذ شكلا مصريا.. الأقصر والقرنة ساعدتنى كثيرا.. تعرفت على الشعب المصرى الحقيقى فهى تحافظ على بقايا الحضارة المصرية.. كان علينا أن نصنع معيارا جديدا.. ونصنع عالما جديدا.. فأمامنا فرصة.. ان نقول كلمة وأن نساهم فى حل المشكلة.. كان لابد من العودة إلى الجذور نأخذ من العالم ما يناسبنا ونعمل بفن مصرى ..
- وسافرت إلى ألمانيا عشت حوالى سنتين تعرفت على أوربا وآخر الاتجاهات الفنية لكنى عرفت أنها ليست لى فأنا انتمى للقرنة.. وباب الشعرية عالمى لا تناسبه الافكار الحديثة.. نعم هى جميلة واستوعبتها لكنها لم ` تعشش` داخلى ليس لها جذور عندى.. عدت من ألمانيا لأصنع حامل القدور والبومة.. ورجلا يشرب.. سيدة تمسك ` شلة ` صوف.. عبرت عن الحياة الشعبية كان هذا اتجاهى السوق الشعبى وسيداته الجالسات.. أخذت اسلحتى وتأثرت بنظريات من الخارج.. لكنى لم أقلد كانت لى طبيعتى وفنى الشعبى وأن تعلمت التفاصيل واللمسات فهى أدوات تساعدنى فى التعبير عن نفسى وعن أصولى.. ايضا الاستاذ الذى اخترته لأدرس معه فى ألمانيا كان متأثرا بالفن المصرى القديم وأعماله بها نوع من التحليل لهذا الفن.. فساعدنى ذلك على فهم الفن المصرى .
- ايضا من أعمالى فى اوائل الستينيات الرجل والسمكة.. ونسمة هواء جعلت طرف جلابية يطير فبعد سفرى لألمانيا رسمت وأخرجت أشياء كثيرة ورغم انبهار الفنانين بأوربا وبالتجريب الا اننى عملت أشياء مختلفة جدا.. فى سنة 67 جاءت النكسة ` فترة بايخه ` الفن فيها غير مطلوب.. والبلد فى أزمة واحلامنا ضاعت .. شعرت أنه لابد من شئ أخر.. وبعد ان كنت أعيش فى النوبة فى جزيرة فى أسوان.. فى أجمل فترات حياتى فترة غنية وجميلة تعلمت منها الكثير والمزج بين الحضارة الفرعونية والاسلامية والقبطية واقمت معرضا هاما فى بيت السنارى بالسيدة زينب كانت فترة تجميع للاشياء .
- بعد هذه الفترة كان لابد من السفر والبحث عن شئ آخر حتى تمحى أثار النكسة التى لا يوجد فيها مكان للفن.. ذهبت إلى باريس وقررت أن اسافر بعدها للمكسيك فى رحلة سريعة ثم أعود للقاهرة.. لكن باريس أخذتنى فهى ثروة ثقافية والدنيا كلها فيها .. عشت هناك حوالى عشرين سنة اشتغلت رساما وعرضت فى أوربا وأمريكا.. وعرفت هناك كرسام لكن النحت كان داخلى لم يتركنى.. عملت 15 ساعة فى اليوم بين الرسم والنحت أشياء صغيرة.. ثم فوجئت بالفنان فاروق حسنى وزير الثقافة يستدعينى لسبب غريب.. ترميم تمثال أبو الهول قلت له أنا فنان ولست مهندسا معماريا فقال لى التمثال شوهه الترميم والمطلوب فنان لاعادته إلى جماله مرة أخرى وترميمه بالصورة الصحيحة.. أقتنعت وبدأت العمل لمدة 10 سنوات.. كانت مرحلة انتقال من فرنسا إلى مصر.. وبدأنا مشروعا جديدا هو سمبوزيوم أسوان.. ففى عام 77 ودعيت إلى سمبوزيوم فى يوغسلافيا.. وهو عبارة عن اجتماع مجموعة من الفنانين من جميع دول العالم لفترة معينة ويخرج كل منهم ما فى داخله يعبرعنه بفنه أعجبنى وتمنيت لو كان فى مصر فهى موحية وهى أكبر متحف مفتوح فى العالم وحكيت التجربة للفنان فاروق حسنى يومها كان ملحقنا الثقافى فى باريس.. وبعد ان عاد إلى مصر وزيرا للثقافة وجدته يتذكر الفكر.. وبدأنا التنفيذ وهذا العام نقيم السمبوزيوم العاشر ولدينا مركز مفتوح فى أسوان به ما يقرب من 100 عمل واصبح فى مصر25فنانا يستطيعون العمل فى الجرانيت والأحجار الصلبة بعد ان كاد هذا الفن أن ينقرض.. وقد حقق السمبوزيوم أيضا فكرة ارتباط الفنان المصرى بالعالم فهناك فنانون يحضرون إلى مصر وفنانين من دول أخرى يدعون المصريين إلى الخارج وأصبحت المحافظات المصرية تطلب اعمالا تضعها فى الاماكن الهامة بها.. أصبحت هناك حركة فنية وطلب أكثر على الفن.
بقلم : صفاء نوار
جريدة الأخبار : 7-2-2005
وهج الإبداع فى أعمال آدم حنين
- يفتتح اليوم الأحد السابعة مساء فاروق حسنى وزير الثقافة ، والسفير السعودى بالقاهرة هشام الناظر، معرض الفنان آدم حنين بقصر الأمير طاز بالجمالية ويستمرالمعرض حتى 20من ابريل المقبل.
- يضم المعرض أعمالا للفنان آدم حنين تمثل مراحل مختلفة لمسيرته الابداعية التى تمتد لأكثر من خمسين عاماً، كما يتضمن المعرض أعمالا نحتية بأحكام وخامات مختلفة ، وصور فوتوغرافية لأعماله فى الجرانيت وأعمال التصوير على الجص والبردى والورق والأخشاب والإردواز وبعضا من رسوماته بالألوان المائية ، كما يتضمن عرضا خاصا ` للكروكيات ` وقاعة خاصة لأحدث أعماله التصويرية بالفحم، وبهذه المناسبة يصدر كتاب عن أعماله من إعداد منى خازندار يصدر عن مؤسسة المنصورية ودار الشروق تحت عنوان ( المونوغرافى ) ومجمل الصور فى هذا المجلد تنشر للمرة الأولى، يضم 263 صورة ملونة و17 صورة أبيض وأسود لأعماله الفنية مما يجعل هذا الكتاب دراسة قيمة وضرورية لكل من يريد ان يبحث فى مسيرة حياة الفنان آدم حنين وتطوير ابداعه.
- وآدم حنين هو ابن باب الشعرية المولود فى القاهرة عام 1929، وخريج كلية الفنون الجميلة - القاهرة قسم النحت عام 1953، حصل على منحة من وزارة الثقافة عام 1953، فى القرنة بالأقصر، ومكث هناك أربع سنوات متنقلا بين النوبة وأسوان دارسا ومتأملا ليس بهدف التسجيل وتعتبر هذه الفترة محطة مهمة أثرت فى مسارة الفنى ، وحصل على الدراسة لمدة عام فى أكاديمية ميونخ بألمانيا عام 1959، وسافر الى باريس أواخر عام 1971، واستقر هناك حتى عام 1995، ثم عاد الى مصر بصفة دائمة وأقام مرسمه بالحرانية وأسس ` سيمبوزيوم` أسوان الدولى للنحت وأشرف عليه منذ عام 1996 حتى الأن.
- ونال جوائز عديدة منها : جائزة الإنتاج الفنى- وزارة التربية والتعليم عام1953، جائزة النيل الكبرى- بينالى القاهرة عام 1988، وجائزة الدولة التقديرية عام 1998 ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى عام 1998، وجائزة مبارك عام 2004.
- وله مقتنيات خاصة وعامة فى جميع أنحاء العالم.
- ومن جانب أخر تشهد قاعة الزمالك للفنون معرضاً للفنان أدم حنين الثلاثاء المقبل
7مارس، فى السابعة مساء ويستمر حتى 21 مارس الجارى، تحت عنوان ` نحت -مجموعة مختارة `.
بقلم : رهام سعيد
جريدة العربى : 5-3-2006
معرضان .. للمثال ` آدم حنين`
- تحتفل قاعة الزمالك للفن بشارع البرازيل فى السابعة مساء اليوم ` 7 مارس ` بافتتاح معرض لمجموعة مختارة من تماثيل المثال ` آدم حنين ` ومعروف أن قاعة الزمالك للفن تخصصت فى تقديم أعمال المشاهير، وكان آخر معرض بالقاعة قبل آدم حنين يضم لوحات للفنانة جاذبية سرى.. يستمر هذا المعرض المتميز حتى 21مارس.
- هذا بالإضافة إلى معرض أطلق علية اسم المعرض الاستعادى ( المقصود معرض يضم نماذج من أعمال الفنان طوال تاريخه الفنى) وذلك بقصر الأمير` طاز ` فى القاهرة التاريخية بشارع السيوفية بجوار سبيل أم عباس، وقد أقيم أحتفال خاص بالفنان نظمتة مؤسسة المنصورية للثقافة والإبداع وهى مؤسسة سعودية بدأت نشاطها منذ ثلاث سنوات.. وخلال الافتتاح لهذا المعرض احتفلت مؤسسة المنصورية بإصدار كتاب أطلق عليه اسم ` الكتاب المونوغرافى ` الذى يسجل ويوثق لمسيرة خمسين عاماً من إبداع آدم حنين فى النحت والتصوير.. النسخة العربية ستتولى توزيعها ` دار الشروق ` بينما النسخة الفرنسية والانجليزية شاركت فى إصدارها دار ` سكيرا ` مع مؤسسة المنصورية.. والكتاب من إعداد منى خازندار.
- حفل افتتاح المعرض وتكريم الفنان أقيم يوم الأحد الماضى بحضور الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة مع الشيخ هشام ناظر سفير المملكة العربية السعودية فى مصر.
- الفنان العالمى آدم حنين ولد فى باب الشعرية فى القاهرة عام 1929، وقد تعرف على عالم التشكيل منذ طفولته، فهو ينحدر من عائلة تعمل فى حى الصاغة ومهنة إخوته هى طلاء المعادن وأدوات المائدة بالذهب والفضة.. وذات يوم عبر أخوه عن إعجابه بفنه تعتبيرا عمليا عندما عرض أحد تماثيله ` بفاترينة المحل ` ليشاهده المارة والزبائن.. وهكذا اختار الفتى طريق الفن من وقت مبكر.
- التحق بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة وتخصص فى دراسة فن النحت، وتخرج عام 1953 وشهد خلال فترة دراسته ثورة المثال جمال السجينى على الاتجاهات التقليدية فى الفن .
- بعد تخرجه التحق بمرسم الفنون الجميلة بالاقصر حيث قضى عامين بين أثار المصريين القدماء فى البر الغربى بالقرب من وادى الملوك والملكات ومقابر الاشراف وبقايا المعابد والمزارات القديمة كما اختلط بأهالى أعماق الصعيد فتأثر بهذا الجو المتكامل الإصالة وانتج مجموعة من أروع تماثيله على الاطلاق عام 1954-1955 واستمر الفنان فى هذه المرحلة الرائعة حتى عام 1957.
- وقد حصل على منحة دراسية لمدة عامين فى أكاديمية ميونخ بألمانيا عاد منها عام 1959 وفى مصر حصل على منحة التفرغ من وزارة الثقافة عام 1961 وظلت تتجدد سنويا حتى عام 1969. وخلال تلك الفترة عمل رساما فى مجلة صباح الخير لمدة عشرة شهور والتحق بالتدريس بقسم النحت بكلية الفنون الجميلة لمدة عشرة شهور أخرى وفى عام 1971 عين مستشارا فنيا بدار التحرير للطبع والنشر (دار الجمهورية) واستمر فى هذا العمل عشرة شهور أخرى حتى احدث 15مايو سنة 1971 فسافر إلى باريس حيث استقر هناك خلال فترة المناخ الطارد للمثقفين المصريين واستقر هناك حتى عام 1995. وهو لايزال يحتفظ بمرسمه فى أحد ضواحى باريس حتى الآن. وخلال إقامته بالخارج قام بتنفيذ العديد من الأعمال الفنية فى الحجر والبرونز والفخار الزلطى.
- بعد عودته إلى القاهرة أقام فى بيته ومرسمه بقرية الحدائية وهو البيت الذى وضع تصميمه المهندس الفنان رمسيس ويصا واصف.. وقد اسندت إليه وزارة الثقافة بعد عودته تأسيس المهرجان السنوى لنحت الجرانيت بأسوان `سمبوزيوم أسوان الدولى للنحت ` وأشرف على إدارته منذ عام 1996 حتى الآن. وقد بلغ عدد المعارض الخاصة التى أقامها 35 معرضاً فى مصر وأوروبا وآسيا، كما شارك فى عدد كبير من المعارض الجماعية.
- من أروع أعماله تمثال الحرية الذى أنجزه عام 1955 وفاز عنه بالجائزة الأولى فى مسابقة الإنتاج الفنى، وقد قامت بشرائه وزارة التربية والتعليم، كما فاز بجائزة الدولة التقديرية عام 1998 وحصل على وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى وفاز بجائزة مبارك وهى أكبر جوائز الدولة فى مصر عام 2004.
- وهو صاحب تمثال حامل القدور من البرونز الذى أقامه عام 1960 وهو مقام فى حديقة النحت الدولية فى مدينة دالاس فى تكساس فى الولايات المتحدة الأمريكية.. وهو صاحب تمثال المحارب المثبت فى ساحة مكتبة القاهرة الكبرى بالزمالك.. كما ينتصب أمام مبنى مؤسسة الاهرام بالقاهرة أحد طيوره مفرود الجناحين ومنفذ من البرونز.. وله أعمال أخرى فى معهد العالم العربى بباريس وفى مؤسسة المنصورية للثقافة والإبداع بجدة وفى دارة الفنون فى عمان ` الاردن ` وفى غيرها من المواقع .
د.صبحى الشارونى
جريدة المساء : 7-3-2006
حدث فنى غير مسبوق: معرض آدم حنين
- نظرة إلى المستقبل
- لأول مرة، أعود إلى الكتابة فى الفنون الجميلة بعد توقف لفترة ليست بالقصيرة، هذه الكتابة التى استمتع بها، واصدرت فيها سبعة كتب من قبل. من بين أسباب توقفى عنها انشغالى بالكتابة فى موضوعات عامة، لاقتناعى بأن على الكاتب ان يصرح برأيه فيما يقع فى بلده من أحداث، ويوضح ما يراه من حلول قد تكون مفيدة لما يحيط بنا من مشاكل. وقد وقعت علينا احداث جسام، وأحاطت بنا مشاكل جمة جعلت من دور الكاتب فرض عين.
- أعود بمناسبة حدث فنى غير مسبوق فى مصر على ما اذكر، هو المعرض الاستعادى للنحات والرسام المصرى الكبير آدم حنين، الذى يكمل عامه السابع والسبعين نهاية هذا الشهر. يقام المعرض فى قصر الأمير طاز فى شارع السيوفية، وفى قاعة الزمالك بشارع البرازيل فى القاهرة، حتى 20ابريل القادم.
- مصطلح استعادى هو ترجمة لكلمة Retrospective التى تعنى عرضا شاملا لاعمال تدل على المراحل المتنوعة فى حياة الفنان ومسيرته منذ البداية.
- يضم معرض آدم حنين أعمالا تمتد لاكثر من خمسين سنة من النحت بأحجام وخامات مختلفة، ومن التصوير على الجص والبردى والورق والخشب والرسم بالألوان المائية والفحم بالاضافة الى صور فوتوغرافية لأعماله فى الجرانيت.
- هذا النوع من المعارض تكرر لكثير من الفنانين، فلماذا اصف معرض آدم بأنه غير مسبوق؟ لاسباب واضحة:
- انها المرة الاولى التى يفترش فيها معرض لفنان واحد هذه المساحة الضخمة.
- وهى المرة الأولى التى يقام فيها معرض فى قصر الأمير طاز، وهو قصر ضخم من القصور المملوكية قامت وزارة الثقافة بترميمه.
- وهى المرة الأولى التى ينفق فيها بمثل هذا السخاء على اقامة معرض شخصى لفنان.
- كما انها المرة الأولى التى تتم فيها إقامة معرض شخصى على أسس علمية وفنية دقيقة كما يتحدث فى الدول الاكثر تقدما.
- فلأول مرة يتم تصميم سينوجرافيا لمعرض فنى، قام به الفنان الكبير صلاح مرعى، وهو أستاذ الديكور بمعهد السينما، وتلميذ العبقرى المخرج الراحل شادى عبد السلام، ومصطلح سينوجرافيا مأخوذ من فن المسرح الحديث، ويعنى التكوين التشكيلى للمنظر على خشبة المسرح. كما تم تكليف شركة متخصصة فى تنفيذ المعرض. وتم اعداد ملف صحفى يضم اسطوانة مضغوطة ` سى دى` وطبعت ثلاث طبعات فاخرة بالعربية ، والانجليزية، والفرنسية لكتاب ضخم باسم ` آدم حنين ` من 350 صفحة من القطع الكبير، قامت بالطبعتين الانجليزية والفرنسية واحدة من أشهر دور النشر المتخصصة فى كتب الفن فى أوربا. وتمت طباعة الكتاب باللغة العربية الخطوات الواجبة فى مثل هذه النوعية من الكتب وشاركت فيه أسماء كبيرة فقد أعدته منى خزندار، وكتب دراساته ادوار الخراط وميكل فرانسيس جيبسون، والراحلة الدكتورة فاطمة اسماعيل لكنى لا أدرى لماذا طبعوا النسخة العربية فى بيروت رغم علمى بوجود مطابع على ذات المستوى فى القاهرة ؟!
- يهمنى ان أوضح هنا أن آدم كفنان يستحق هذا الجهد والمال اللذين انفقا لاقامة معرضه. لكن وفى الوقت نفسة لم يكن هذا المعرض ليقام بهذا الشكل، لولا توافق المال والدولة.
- تولت تمويل المعرض والكتاب مؤسسة المنصورية للثقافة والابداع ومقرها باريس، وصاحبتها هى السعودية الاميرة السعودية جواهر بنت الامير ماجد بن عبد العزيز. وقد التقيت بها فى افتتاح المعرض ووجدتها سيدة عصرية مفعمة بالحيوية، متفتحة ومتحمسة للفن قالت لى انها تعرفت على الفنان آدم حنين فى معرض له اقيم فى بيروت منذ بضع سنوات واعجبت بأعماله كما انها اختارت عددا اخر من كبار الفنانين العرب لتكرر معهم ما فعلته لآدم حنين .
- اما الدولة فتمثلت فى رعاية السيد فاروق حسنى وزير الثقافة للمعرض ومنحه قصر الامير طاز شخصيا تعرفت على صديقى آدم حنين فى باريس عام 1978، وقبل بداية اقامتى هناك بعام . ولا انسى رحلاتى المتعددة بالمترو وإلى شارع كولونيل بييرآفيا على الطريق الدائرى المحيط بالعاصمة حيث اقامت الحكومة الفرنسية اتيليهات للفنانين، وحصل آدم على واحد منها كنت اذهب اليه لاعيش مع تماثيله وكأنها شخصيات توشك على الحياة ونتحدث معا لساعات كما كنت اذهب أحيانا لغرض آخر هو ان اتعشى كرشة أحبها، ابدعت زوجته فى طهيها. يظل حضور زوجته الراحلة العزيزة عفاف مائلا فى مخيلتى مرتبطا بآدم. ويظل دورها بجواره نموذجا على تفانى الزوجة المخلصة.
- عايشت رحلة آدم من تلك الفترة وحتى اليوم. وشاهدت اصراره ليشق لنفسه طريقا وسط شبكة من الطرق الكثيفة لفنانين معروفين. هو القادم من مصر دون سند خارجى أو مال. لم يكن له من سند سوى موهبته وشخصيته الهادئة ودأب زوجته. وتابعته ينجز المعرض تلو المعرض، ويعيش على دخله غير المنتظم من هذه المعارض فى جاليرهات باريس وبروكسل وامستردام وروما ولاهاى ومونخ والرباط والكويت وبيروت وغيرها، حتى حقق اسما عالميا.
- عملت مع آدم فى مشروعين مهمين اثناء ادارتى لصندوق التنمية الثقافية تنظيم سمبوزيوم النحت الدولى السنوى فى اسوان. وجائزة وزارة الثقافة لاحسن فيلم عربى فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى. وقد ابتكر آدم الجائزة بشكل مفاجئ وغريب على السينما: لقد صممها على هيئة كرسى مجنح من البرونز المطلى بالذهب!
- كتبت عن فن آدم حنين اكثر من مرة فى نهاية السبعينيات وبدايات الثمانينيات من القرن الماضى فى جريدة الاخبار ومجلة المستقبل التى كانت تصدر من باريس واعدت نشر هذه المقالات فى كتابى` كتاب الفن` الذى صدرعام 2003.
- فماذا اضيف على ما كتبت وكتب غيرى عن فن آدم حنين؟
- كثير مما لاتسمح به المساحة المتبقية من هذا المقال وهو كثير من الذى صنعته السنين فى آدم كما يصنع الطمى المترسب من ماء النهر فى الأرض وهو كثير من اكتمال الرؤية متعددة الزوايا، محملة بحكمة الفلسفة الابدية، ومحملة على اجنحة الروح المنطلقة.
- ومنه بعض الثوابت المشتركة فى الانواع الفنية المتعددة عند آدم والتى كونت أسلوبه المتميز:
- هندسة تحليلية فى العمل الفنى حيث يعمل الفكر وراء الفكرة فى تقسيم المساحة الكلية وتوزيع المساحات التفصيلية اعتمادا على توازن حرج.
- استلهام نسب رومانية فى التشخيص، ونسب طبيعية فى التجريد، والمزج بينهم فى مهارة الخبرة .
- ابتكار فن جديد من اصول قديمة ` فرعونية ` فى الالوان ` أكاسيد طبيعية ` وفى الخامة ` ورق البردى `
- اضافة لفنى النحت والتصوير، لكنه كنحات اهم منه كمصور،وهو يعود من حين لآخر ليصور بالنحت اشكالا تذكرنا ببعض من صوره لكنها فى النحت اكثر رقة وخلاصا.
- تدرج آدم بين عضوية التشخيص، وعضوية التجريد فى ظل حسابات هندسية ومع ذلك فهو استاذ فى اظهار ملامح التجريد التى تشف عن دلائل التشخيص ليس ثمة تجريد مطلق خارج الحياة والطبيعة. هناك دائما اصول ما تشخيصية فى كل تجريد. لانتعب انفسنا فى محاولات التعرف عليها حتى لا تفقد استمتاعنا بالفن فوظيفة الاصل المشخص هنا هى كوظيفة الحيوان المنوى فى خلق الحياة.
- حساسية فائقة فى التعبير عن السمات المهمة لموضوع التمثال والقدرة على ابتكار مفاجآت فى التكوين، الموقف، تثبت لك أن الفن هو لعبة عبقرية فى خروج المألوف عن المألوف .
- فى منحوتاتة هضم واستفادة من منجزات النحت القديم والحديث. تستدعى بعض من اعمالة فى النحت والتصوير والرسم أعمالا لعباقرة آخرين، وعظيم من يهضم عظماء فى داخله ولا نراهم تاريخ الفن هو تاريخ من البناء على اعمدة سابقة.
- مع ذلك فآدم فى النحت جنوبى ` أنا مثله من محافظة اسيوط ` يحب القوة والشموخ. ويجيد صياغة الكتلة الصحيحة المناسبة للموضوع.
- واقع الامر أنه رغم كتاب ` آدم حنين ` الشامل لاعماله ، تظل هذه فى حاجة إلى كتب مستقلة تدرس موضوعات محددة مثلا كتاب عن البشر ، واخر عن الحيوانات والطيور وثالث عن الاطباق والاشكال الهندسية، ورابع عن التصوير على ورق البردى..وهكذا.
- الغصة الوحيدة التى خرجت بها من هذا الفرح الفنى المضئ فى العاصمة هى تذكرى لواقع الفنون الجميلة فى باقى انحاء مصر.. وهو واقع مظلم . فمتى يضاء؟
بقلم : د. سمير غريب
جريدة الأخبار : 14-3-2006
نظرة إبداعية للحيوان.. ومعارض أخرى
- معرض متميز موضوعه الحيوان وهو موضوع أثير فى الفن التشكيلى منذ جداريات الكهوف وعبر الفن الحديث، فقد ظل الحيوان فى حوار حميم مع الانسان على مر الزمن وتأمل الفنانون وعبروا عنه فى سكونه وألفته أو فى حيويته أو انفعاله ، فهو الموديل الدائم المطيع، تلح هيئته على ذهن الفنان طويلا.
- يشارك فى المعرض الذى اقيم فى قاعة المغربى بالزمالك نحات هو الفنان آدم حنين ومصوران هما ابراهيم الدسوقى وهند عدنان ورسام هى جميل شفيق ، عالج كل منهم موضوع الحيوان فى فنة بنهجة الخاص فى التقنية وفى الرؤية .
- آدم حنين يقدم مجموعة من التماثيل البرونزية لطيور وقطط وخيول باستثناء الطائر فإن باقى المجموعة من النوع ` المنمنم` صغير الحجم فالقط يصل طوله الى 10 سنتيمترات مثلا والمجموعة كلها من البرونز ذى الباتينا الداكنة وقد حقق آدم مدى واسعا من الاختزال فى تفاصيل الكتلة النحتية فتخلص من الملامح والاطراف فأصبحت الارجل كالمواسير والوجوه ملساء الا من نتوءات متماهية ولكنه مع كل هذا الاختزال احتفظ بحيوية ونبض الحيوان والتفاف حركته فى نقوش الجسد بصورة مهمة ومؤثرة دون صخب تماما كشخصية الفنان نفسه. ومن بين الأعمال التى يعرضها قطتان اندمجتا فى كتلة واحدة واصبحت السيقان الدقيقة تحمل كتلة ثقيلة وتتجه محاور الحركة فى اتجاه رئيسى ولكن بصورة حيوية مدهشة ، الكتلة عند آدم حنين تطرد التفاصيل والزخارف وملامس السطوح لصالح الرسوخ والاتزان .
- فى الأعمال الموجودة فى هذا المعرض مزيد من الاختزال على تمثال الحمار الذى عرضه آدم فى اوائل الستينيات فى ساحة بيت السنارى اثناء منحة التفرغ مع الاستاذ حامد سعيد الذى كان له دور كبير فى توجيه الفنان الى قيم التأمل و الرزانة والزهد البادى بقوة على فنه بصورة متصاعدة من مرحلة الى أخرى .
- الفنان ابراهيم الدسوقى والفنانة هند عدنان يتمتعان بموهبة هائلة وتمكن تقنى كبير فى فن التصوير وتحظى اعمالهما بإعجاب شرائح عديدة من الذواقة من مختلف المستويات نظرا لنزوعهما ناحية الواقعية المصفاة التى تبلور الكتل عن طريق الضوء والظل وتأثير ملامس السطوح، والتقاط الزاوية اللماحة لموضوع الرسم، صورت هند لوحتين كبيرتين نسبيا للجاموس فى أوضاع متكتلة ومن زوايا غير متوقعة ، كل منهما مكبرة على مساحة اللوحة بقدر من المبالغة المقصودة لتوحى بالكتلة وبالحركة فى آن واحد، كما توحى بإحساس الحبس داخل قفص- اطار اللوحة- كما تصور تفاصيل من رأس ارنب، وارنب كامل فى لوحات اصغر يتضح فيها تمكنها من فنون الرسم والتلوين والكشط والخدش دون ان تفقد الطاقة التعبيرية وحيوية النموذج المصور وبنفس المنهج وذات التقنية المكينة صور الفنان محمد الدسوقى زوايا مختلفة لرأس وكتف الجاموسة تنبض بالحميمية والالفة وتنطوى هذه اللوحات على قدرة هائلة على الاختزال واختيار نقاط التركيز فى كل منها، مستخدما مجموعة الدرجات ` المونوكرومين ` - احادية الاصل اللونى التى يميل الى استخدامها فى لوحاته بصفة عامة، اعمال متوثبة الحيوية تتسم بذات الهدوء والزهد البادى فى اعمال آدم حنين .
بقلم : د. مصطفى الرزاز
مجلة الوفد :30-12-2004
فن آدم حنين ` القديم جديدا ` .. !
فن آدم حنين ` القديم جديدا ` .. !
- أقيم منذ أسابيع ، وصدر فى نفس الوقت ، معرض وكتاب يحكيان سيرة وتجربة فنان مصرى ، أكاد أن أغامر وأعتبره واحدا من طارقى باب النهضة ، مثل النحات المصرى محمود مختار.. والمصور المصرى محمود سعيد، فهذه نوعية نادرة من الفنانين يسيرون حاملين مشروعهم النهضوى .. عيونهم تنظر إلى الأمام .. إلى المستقبل .. إلى الحديث ، ولهم عيون أخرى تنظر فى نفس الوقت إلى الخلف .. إلى التاريخ .. إلى الميراث .. إلى الأصل .. وهذه زيارة قصيرة إلى المعرض والكتاب .
- عندما هممتُ بكتابة هذا الكتاب ، وضعت فوق مكتبى صورة فوتوغرافىة لآدم حنين وزوجته عفاف. ثمة صور أخرى (التقطها كلها صديقهما نبيل بطرس)، تكشف عن ملامح متنوعة لشخصية الفنان ( فكاهته مثلاً، أو طريقته فى العمل على الجص أو الحجر) على أن الصورة المذكورة هذه (المأخوذة فى ايطاليا فى عام 1989) يبدو لى أنها تجعلنى أفكر بطريقة لا تقاوم بتلك الصورة الموجودة بكثرة فى متحف الآثار المصرية القديمة فى القاهرة ( وفى متاحف أخرى كثيرة فى العالم)، وهى تمثل رجلاً وامرأة واقفىن جنبا إلى جنب ، فى هيئة ثابتة ومستقيمة أو يخطوان خطوة ثابتة للمثول أمام الآلهة.
- فى هذه الصورة يظهر آدم، بعينيه السوداوين الكبيرتين، الدامعتين والمتسائلتين، وهو ينظر مباشرة إلى عدسة التصوير. يبدو جدياً، هشاً، يكاد يكون احتفالياً( رجل متحفظ ، ذو هيئة متواضعة وذو كرامة جذابة) . أما زوجته ، فهى تبدى حركة تراجع إلى الخلف، وتدير رأسها بعض الشىء ، وتنم عن الاحتفاظ بقدر من الفتنة المتيقظة ، فيما تحدق فى الشخص الناظر إليهما.
- هذه المقارنة مع المنحوتات الموجودة فى المتحف لا ينبغى لها أن تفاجئ احداً بالفعل، لآن آدم حنين هو بالذات الابن الأصيل لبناة الأهرامات ولأوائل نحاتى صور الآلهة والملوك، على أن مثل هذا النسب لا يعنى شيئاً كثيراً لو لم يكن فنة يقدم علامات البنوة الجمالية والروحية.
- سأعود لاحقاً إلى هذه المسألة، وحينذاك ستصبح مناسبتها للغرض ظاهرة بائنة . ولكن لنعد قبل ذلك إلى هذا المتحف الذى يخيم على هذه الحكاية كأنه حضور يتمتع بالوصاية.. لقد كبر حنين فى القاهرة حيث كان والده يعمل صائغاً، وكانت التجربة الأولى والقوية الأثر التى عرفها فى حداثة سنة عبارة عن زيارة إلى متحف الآثار المصرية حيث اقتيد إلى هناك وهو فى الثامنة من العمر مع الأولاد الآخرين فى صفة المدرسى، وحيث خامره أول شعور بالتنبؤ بأنه سيصير نحاتاً.
- هذه الزيارة حملت إليه بالفعل إلهاماً ذا كثافة استثنائية بحيث ما يزال أثره راسخاً فى ذاكرته حتى اليوم، علماً باًنه لم يتحدث عن الأمر للمرة الأولى إلا بعد مرور أكثر من أربعين سنة ، وذلك بعد أن سألته عن أصول فنة. وسأنقل روايته كاملة فى الوقت المناسب ، لكننى أجد من المناسب الإشارة إليها منذ الآن، لأن هذه التجربة لم تكشف له فحسب عن فن النحت، بل كشفت له كذلك عن بضعة أعمال رفيعة المستوى فى هذا المضار الفنى، حتى أنها حثته على محاولة القيام بذلك على الفوز، بدون أن يتصور بأن هذا سيكون مدار حياته.
- بعد انقضاء عشر سنوات، وعندما كان يرتاد مكتبة آكاديمية الفنون الجميلة فى القاهرة ، أتيحت له الفرصة للإطلاع على عدة مجلات فنية جعلته يكتشف أعمال كبار النحاتين الغربيين المعاصرين: قسطنطين برانكوزى، هنرى مور، أرستيد مايول، شارل دبيو، مارينو مارينى، أرتورو مارتينى وآخرين. وبفضل هؤلاء الفنانين ألم بالجوهر النقى للنحت فى لغته الحديثة التى تشكل سمة مميزة لأعماله.
- يمكننا إذاً أن نؤكد بأن عمل حنين النحتى يحمل البصمة المزدوجة لأرقى تقاليد الزمن القديم ولحداثة اختصت بها سنوات الأربعينات والخمسينات، وهى السنوات التى بدأ فيها بشق طريقه الفنى الخاص.
- مع ذلك لم يكن لأى واحد من هذين التأثيرين الهائلين أن يقوده إلى إنتاج أعمال متفرعة:
` الم أكن أجهل ما كان يحدث خارجاً فى العالم` ، كان يقول لى فى وقت غير بعيد، ` وكان هذا يعطينى نوعاً من الحرية . لكننى فى الوقت ذاته كنت أحسب بأن ذلك لا يعنينى فى صورة تفوق الحد. كنت أقيس كل ما أراه على ضوء النحت المصرى القديم الذى كان قد أصبح بمثابة حجر الزاوية لحكمى على الأشياء . ولذا لم أشعر قط بأننى منجذب حقاً إلى السريالية أو إلى التكعيبية أو أى حركة أخرى`.
- بدايات صغيرة
إن أفضل منفذ إلى نتاج فنان يكمن، بحسب اعتقادى، فى مقاربة يمكننى أن أصفها بأنها انتروبولوجية ( إناسية ).
- فكل عمل ذى أثر ما إنما هو، بطريقة أم بأخرى، جواب على السؤال الوجودى، أى على السؤال الذى يطرحه الوجود على كل فرد ، ماذا أتيت تفعل ها هنا ؟ `) ، والذى يمكن اعتبار كل حياة إنسانية وجملة إنتاجها بمثابة جواب عليه. كل محاولة للإجابة على هذا السؤال ستكون، لا محالة، من صنع الخيال الذى يتيح لكل شخص أن يتوصل إلى تحقيق مزية إنسانية بامتياز. ويمكننا القول بأن الأمر يكون على هذا النحو بقدر ما أن البشر لا يصيرون إنسانيين بالفعل إلا لدى تشبثهم بهذا السؤال.
` فالبشر يتأنسنون حين يرتقون إلى مستوى الخيال`، بحسب المعادلة التى صاغها بيار لوجندر.
إن تناول العمل الفنى بوصفة جواباً خيالياً (وإبداعياً بالتالى) على السؤال الوجودى يسمح لنا بمعاينة الطريقة التى بموجبها يعقد هذا العمل أو ذاك الصلة بين المبدع وبين الواقع الملغز الذى يواجهه
( كما هى حال كل واحد منا) ، والتى تشتمل على سائر وجوه حياة بعينها: الأصول، النسب، الحب اللوعة ، الحضور والانفصال، الألم، الحزن والموت.
- كل عمل فنى جدير بهذه الصفة يستحق أن يكون تناوله على هذا المستوى، ومثل هذه المقاربة جديرة كذلك بأن تعفينا من الأسئلة الخارجة عن الموضوع، بما فى ذلك ، على سبيل المثال، معرفة إذا كان الفنان ونتاجه هما (أو كانا فى السابق) ، على الموضة ` ،` مهمان ` ، ` تقدميان` ، `رجعيان` ، ` غرائبيان` ، ` ذو صفة اتنية ` ، وهلم جراً، ذلك أن السؤال الوحيد المناسب يبقى السؤال التالى : ` هل يتوجه حقاً إلى المسألة، مخاطبا نفسه بنفسه، كما يجدر به أن يفعل؟ ` لقد صور آدم حنين ونحت، طوال حياته كلها، عددا من القطع الكبيرة نسبيا ( وبعضها كبير جداً)، على أننى أود أن أبدا بتقديم بضع قطع من بين الأصغر حجما والأكثر حميمية .
- كنت قد أتيت لزيارة حنين فى ربيع سنة 2004، قبل أن يحل الصيف ويغمر مصر بقيظه. البيت الجميل المصنوع من الطين والذى كان شيده له رمسيس ويصا واصف فى سنوات الخمسينيات والمحترف المبنى منذ وقت أقرب بكثير، كانا يقعان جنباً إلى جنب على تخوم حى الحرانية، وهو حى كان يعتبر فى السابق مثالياً، فى محيط مدينة القاهرة وكان ما يزال حتى وقت قريب يتيح للناظر، فى ما وراء الحديقة: أن يلمح الهندسة اللازمنية للأهرامات وهى تبرز بوضوح قبالة أفق غروب الشمس.
- هناك ، داخل محترف عال بعض الشىء ، وفيما كنا نتصفح رزمة من الأعمال المصنوعة على ورق البردى (لم تكن موضوعة فى إطار) والتى كان قد صففها داخل قطعة أثاث كبيرة ذات جوارير قليلة العمق، اكتشفنا عدداً لا بأس به الرسومات الصغيرة جداً وضعناها على حدة لإعادة تقديمها فى هذا الكتاب.
- أثناء معاينتى اليوم لنسخة مصورة لواحدة منها، شعرت مجدداً بالذهول أمام السطوة التى تشترك فيها أعمال حنين، بما فى ذلك الأعمال الأصغر حجماً من بينها، مع الرسومات السحيقة القدم العائدة إلى أزمنه غابرة، إلى حد أنه يمكن لبعضها أن يظهر وكأنه أجزاء من رسومات جدارية قديمة. هذا الانطباع ليس جديداً بالنسبة إلى( فأنا أتابع عملة بعناية منذ عقود من السنين)، على أنه يظل يفاجئنى .
- إذا كنا نصر على معرفة السبب الملموس لهذا الانطباع، فإنه من الممكن أن يكون الأثر عائداً بدون شك ، جزئياً على الأقل، إلى ورق البردى الذى أخذ يستخدمه الفنان فى صورة حصرية منذ فترة معينة . فالمساحة المحببة (ذات الحبوب) للمادة يمكنها بالطبع أن تجعلنا نفكر فى الجدارية، كما هى الحال مع الألوان الحارة المتأتية من الأصبغة الطبيعية المخلوطة مع الصمغ العربى ( مع الاشتباه بإضافة الكلس، يقول الفنان) التى استخدمها عدد لا يحصى من الفنانين على مر العصور.
على أن الاعتماد على مثل هذه الأسباب ذات الطابع المحسوس ببساطة لا يكفى للإحاطة ولتبيان نوعية العمل . ففى أيامنا هذه ، بالفعل كمية مهمة من الرسم الفنى المخصص للمطارات وهى أيضاً مصورة على ورق البردى فى مصر... وعليه فإن الأسباب الأشد قوة وحسماً ينبغى أن تكون غير مادية وينبغى بالتالى البحث عنها فى الشخصية الفنية الاستثنائية لحنين وكذلك، بطبيعة الحال، فى الشخصية الحميمة التى تسمح للشخصية الأولى ( الفنية) بالوجود.
- يخامرنا الشعور ذاته أيضاً أمام منحوتات حنين الأصغر حجماً. ففى هذه الأعمال تجتمع سوياً معالم حرفة مرهفة، وحكمة لا ادعاء فيها ، وخليط لذيذ من الرصانه الغنائية والدعابة الماكرة. ونحن نجدها، مثلا، فى منحوته صغيرة من البرونز تمثل أبا وطفلية الإثنين ، جالسين بطريقة مستقيمة جداً على قاعدة مستطيلة.
- إن البساطة الظاهرة والمستوى المتواضع للأعمال الثلاثة يدعوان إلى تقديم تفسير وشرح. الرسم الأول والملون جرى تصوره بدون شك كعمل تجريدى، علماً بأنه يمكنه كذلك أن يمثل كتابين اثنين موضوعين فوق طاولة. وأيا يكن الأمر، فإن هذا الرسم يتلألأ بحرارة ناعمة ونفاذة وبنوع من السكينة الميتافيزيقية.. ويمثل الرسم الثانى ثلاثة عصافير سوداء وسمراء على خلفية زرقاء . قطع ورق البردى الصغيرة التى رسم عليها هذان العملان تبدو متهرئة بعض الشىء عند أطرافها، مما يعزز الانطباع بعودتها إلى زمن قديم . على أن هذا الانطباع يتأتى خصوصاً من الطابع اللازمنى للصنعة نفسها ( ` لا جديد فى الأمر` ، يؤكد آدم حنين، ` إذ ليس هناك زمن فى الفن`)، ومن البساطة الفائقة للرسم الأول، ومن المعاينة المستأنسة وغير المجردة من الدعابة التى يمنحها الفنان للعصافير فى الرسم الثانى. وفى كلا العملين ثمة استحضار للجوهر اللازمنى للفن التشكيلى بحيث يتبدى أمام أنظارنا فى براءته وحكمته المفعمة بالتواضع .
- المنحوته الصغيرة هى ايضا ذات شكل بسيط فالشخصيات مع مرتكزها تتألف من قطعة واحدة، وهنا يروح المرء يفكر من بعد، ورغماً عنه، بمنحوتات معينة تعود إلى مصر القديمة، أى الشكل الفنى الأول الذى قيض لحنين أن يراه فى طفولته، فها هنا، نجد مرة أخرى نوعاً من الفكاهة الناعمة والمرهفة يتبدى فى سلوك الشخصيات الثلاث . فنحن نرى الأب، وهو أكبر حجماً، وطفلية الاثنين وهما ذوا قامة أصغر حجماً ولكن غير متساوية، جالسين جنباً إلى جنب باحتفالية صارمة، ذقونهم منتصبة باعتزاز، وأكتافهم عريضة بطريقة مغالية بعض الشىء ، وظهورهم مقوسة وذلك استجابة منهم لمتطلبات الكرامة الدنيا التى تسكنهم . العلاقة بين الثلاثة تنم عن الرهافة، وتتفسر بطرق مختلفة، وأنا أترك هذا للقارئ .
- فى الأعمال الثلاثة المذكورة، ثمة اقتصاد شكلى واستثنائى يرجح انعقاد ألفة معينة وتواطؤ ضمنى بين الفنان والمتفرج، وهو تواطؤ يجدر الاعتقاد بأنه يحيل إلى العهود الأولى للطفولة حيث يروى المرء سيرته مباشرة لكل شخص يلتقى به، سواء أكان شيئاً ماثلاً أم كائناً مخلوقاً. من الصحيح أن هناك خاصية فريدة متعلقة بالطفولة تمثل فى معظم الأحيان فى عمل حنين. ولا يمت هذا بأى صلة لا مع العفوية البسيطة ( أو النزوة المرتجلة) ، ولا مع البراءة القليلة المهارة لعمل سريع الخربشة، ولا حتى مع أى فضيلة أخرى ننسبها، بدون كبير تفكير، إلى الطفولة على وجه العموم ، ذلك أن الأطفال، وبالرغم من وجود استعدادات فوضوية بالتأكيد لديهم، يفصحون عن تصميم لا هوادة فية للعثور على صورتهم، وعلى مبرراتهم وبنيتهم بالذات. على أن هناك ملمحاً معيناً للطفولة يظهر ويمثل فى عمل حنين: الحاجة إلى معالجة عدد من المسائل الفائقة الأهمية من خلال عمل خيالى رائق الصياغة. هذه الخاصية البسيطة واللازمنية فى الظاهر والتى نقع عليها أحياناً فى نتاجه، تكشف عن مقاربة مباشرة للمعيوش (تتوسطها وتذيعها فى ما بعد صنعة الفنان)، وبفضل هذه المقاربة يروح كل لقاء يعقده وفق النمط الجمالى يصدر دائماً عن رعشة غريبة، وعن افتتان إلهى يشعر بهما كل طفل صغير حينما يلمس، للمرة الأولى فى حياته، بسبابته المترددة القرون الحساسة جداً لحلزون.
- هذه الحال المعنوية، أى حال الاستكشاف واللعب التى تبقى ناشطة داخل شخصية الفنان الراشدة، لهى سمة مميزة للطريقة التى يتناول حنين من خلالها تجربة نضوجه عموما، حتى على المستوى الحاضر، ذلك أن هذا النوع من الخيال يكون، فى عالم البالغين، مرادفاً للشكل الرمزى الذى يعتبر، كما يقال، موطن الآلهة.
النور أم الظلام، أيهما الأسبق؟
- دقة الحقيقة تلتمع بطريقة غير مفهومة داخل ظلمات جهلنا.
- متحف الآثار المصرية
- وماذا عن هذه الزيارة إلى متحف الآاثار المصرية ؟
- أطلعنى حنين، قبل نيف وثلاثين سنه ، على تجربة عرفها ولم يتحدث عنها قط فى السابق، وهى تعود إلى زمن كان فية فى الثامنة من عمره ، إذ أخذه أستاذ المدرسة حينذاك، هو وتلامذة صفة، لزيارة متحف الآثار بالقاهرة.
- كنت قد دونت آنذاك حكايته بالعبارات التالية:
- ما إن أصبح ابن الثمانى سنوات ، بحسب ما قال حنين حرفياً، داخل المتحف ، `حتى دخل فى حالٍ من صدمة الذهول` . فغاب عن نظره الأستاذ والتلامذة الآخرون وذهب بمفرده يتجول هائماً على وجهة داخل المتحف، كما لو أنه ضل طريقة داخل غابة مسحورة .
- كانت تجربة لا توصف.` لا أعلم بالضبط ماذا حصل` ، يقول حنين،` على أنه انتابنى الانطباع بأن شيئاً ما راح يتبدل داخلى`، ويضيف ملمحاً إلى التجليات والرؤى والإلهامات عموماً : ` كان ذلك تقريبا أشبه ببعض التجارب التى ورد ذكرها فى التوراة `.
راح الأستاذ يحدثهم عن الحياة فى زمن الفراعنة، واذ رفع آدم نظره نحو هذه الرؤوس الكبيرة وهذه الصور الكثيرة جداً والشديدة الوطأة للآلهة والملوك، بدا له، على ما يقول، كما لو أن الملوك الأسياد المجموعين فى هذه القاعات، والناظرين إليه برفق كانوا أسلافه هو بالذات، أى أجداده.
` هذه التجربة زعزعت كيانى بعمق، وأنا أجهد نفسى على الدوام لاستعادتها مجدداً، ولعيش هذه اللحظة المحدة مرة أخرى ، حتى فى يومى هذا، فأنا أحتاج للعثور عليها من جديد وكل يوم، وحينما أستيقظ ، أرانى متلهفاً للوصول بسرعة إلى محترفى يحدونى هذا الأمل، وأنا أعرف جيداً ما ينطوى عليه هذا الأمر، وإن كنت لا أقدر على صياغته بواسطة الكلمات. فى عملى الفنى فقط يتسنى لهذا المكنون أن يتبدى حقا`.
- فى تلك الفترة لم أكن، بطبيعة الحال ، سوى ولد صغير ولم أكن أفكر فى الفن. بل حتى أننى لم أكن أتفطن إلى أن كلمة `نحات` تعنى بالتحديد مهنة يمكن أن أختارها لنفسى ذات يوم . إذ لم يكن أى واحد من أصدقاء أبوى فناناً تشكيلياً او نحاتاً . مع ذلك بقيت أشعر بهذه الحاجة، وعلى النحو هذا توصلت إلى تنفيذ عملى النحتى الأول`.
- بعد مرور بضعة أيام وضع الولد فى جيبة قطعة من الطين الصلصالى كان قد التقطها فى محترف المدرسة ، ولدى عودته إلى البيت ، شرع فى إعداد صورة ( بورتريه) لأخناتون ناسخاً صورة تمثال رآه فى المتحف إضافة إلى إنها كانت موجودة أيضاً فى كتابة المتعلق بالتاريخ . فقولبة ولونة ثم عرضة على أبية الذى كان يعمل صائغاً فى القاهرة القديمة وسر الأب بالعمل سروراً كبيراً . فوضعة فى واجهة محلة وراح يظهره للزائرين القادمين لتبادل الأحاديث وهم يشربون فنجان شاى .
- يقودنا هذا إلى مسألة البنوة أو النسب. إذ يبدو أن شعور الفتى آدم بوجود صلة نسب تربطه بملوك مصر القدماء ونحاتيهم، قد ساعد فى تطوره اللاحق كفنان، ويسعنا اليوم أن ندعم الفكرة القائلة بأن تمتع حنين بامتياز اللقاء مع أسلافه فى مثل تلك الظروف هو ما يجعله يتمتع بوضعية مختلفة جداً عن وضعية عدد غير قليل من الفنانين الغربيين، الذين راحوا ينزعون، جارين مجرى الانقلابات الثورية الصاخبة فى القرن العشرين، إلى التموقع بوصفهم أبناء لا أب لهم ورواداً ولدوا أنفسهم بأنفسهم من عالم مجرد من ماضية.
- وفى هذا كان هؤلاء يصادقون، حتى بدون أن يفكروا فى الأمر، على فلسفة لا تاريخية خاصة بزمننا ( وهى تعتبر الماضى عديم الأهمية). ويمحون معالم صلتهم بأى مصدر من شأنه أن يتضمن أشياء أساسية: بالواقع الوجودى للزمن، بتتابع الأجيال، بضرورة الولادة والموت، بقصر مدة وجودنا وغناها، بوجوب أن ننقل ونحرص على إدامة أشياء أو بالأحرى بأن نشعر بالحاجة إلى ذلك، وعلى النحو هذا كانت أعمالهم، الفاقدة الأب، تطالب بالرغم من كل هذا بالاعتراف (المتعلق بمزاياهم المعتبرة حاملة للتجديد) وتطالب، فوق هذا، بنوع من النسب راح مؤرخو الفن يمنحونه إياهم بلطف، على طريقة الأنساب التوراتية :` وارول أوجد فلانا، وفلان ولد فلاناً أخر، وهذا ولد بدوره فلاناً ثالثا `.
- فى مقدور حنين، بالاستناد إلى شعوره بالتواصل اللازمنى للفن، أن يؤكد بصفاء بال بأنه ` ليس هناك أى جديد` وبانه ليس هناك زمن فى الفن`، وهو يقول هذا علما بان نتاجة يحمل بالفعل، وفى معنى ما ، صفة الجديد، على انه من الجائز ايضا القول بأن نتاجه يمثل مشاركة فنان مبدع، من بين مبدعين أخرين، فى هذا الحوار المتصل واللازمنى الذى تمثله المحادثة المقدسة للفن، وهى محادثة تشمل كل الاجيال وكل الحقبات، وهذا ما يجعله قادرا على أن ينسب لنفسه العبارات التالية:
- .. أن أكسو بالجديد الكلمات القديمة تلك هى موهبتى الفضلى إذ أنها تبذل بعد ما جرى بذله من ذى قبل :
- وعلى غرار ما هى الشمس تماماً، جديدة وقديمة كل يوم، يعاود عشقى قول ما كان قد قيل من قبل .
بقلم : حلمى التونى
الكتب وجهات نظر فى الثقافة والسياسة والفكر - عدد إبريل 2006
آدم حنين رساماً ونحاتاً جاب العصور بحثاً عن الاسرار
- كتاب استعادى صدر في جدة والقاهرة
- كل الحكاية بدأت حين زار الطفل ابن الثمانية ربيع المتحف المصرى فوجد نفسه يكتشف جوهر ذاته العميقة، وأشرقت فى داخله روح الفنان الذى حمل طويلاً تراثه القومى. إنها حكاية آدم حنين الرسام والنحات المصرى الذى أصدرت له مؤسسة المنصورية (جدة) ودار الشروق ( القاهرة ) كتابا فخماً (من القطع الكبير فى 343 صفحة) يتناول سيرته الفنية موثقاً بمحطات بارزة من انتاجه رسماً ونحتاً.
- اعدته منى خزندار التى جمعت فيه نصوصاً لكل من إدوار الخراط وما يكل فرنسيس غيبسون وفاطمة اسماعيل. وقد عملت مؤسسة المنصورية طوال ثلاث سنوات لإقامة لائحة بأعماله وإحصائها مستعينة بالتصوير الفوتوغرافى للمنحوتات واللوحات والرسوم الناجزة والمخطوطة، وذلك لثبت كل ما هو محفوظ فى المتاحف أو لدى المجموعات الخاصة، بما يشكل جملة النتاج الراهن للفنان.
آدم حنين كما قدمته مؤسسة المنصورية هو سليل أعرق وأقدم سكان ضفاف النيل، وريث حضارة مصر الفرعونية من البنائين والنحاتين الذين شيدوا الأهرامات ونصبوا المسلات واحيوا بالنقوش الغائرة والتماثيل المعابد والاضرحة.
نلقى فى اعماله مصر القديمة التى عكست أشياء من الحياة اليومية، ونلقاها كذلك خلف كثافة المواد المختارة : الغرانيت والحجر الجيرى والبرونز والفخار الزلطى والجبس والاردواز والخشب. غير أن أهميته تكمن فى توظيف هذا التواصل مع التراث برؤى عكست الحداثة التى اكتشفها فى الغرب. فبعدما أنهى دراسته فى معهد الفنون الجميلة فى القاهرة ، أقام مدة طويلة فى الأقصر وأسوان.
- تأثر بالطابع المعدنى الغريب للمناظر التى يصعب على المرء أن يميز فيها بين ما قولبته الطبيعة عما تعرض للتبدل والتحول على يد البشر. منحدرات صخرية ذات زوايا تشبه الاهرمات ، نفوش هيروغليفية، ظهور حيوانات، سماء مرصعة بالنجوم، ألوان الطمى، كل ذلك شكل عالماً سحرياً فى نظر الشاب الذى تعلم كثيرا من الطبيعة.
- من أرض الأحلام ذهب آدم إلى باريس عام 1971 بصفته مشاركاً فى معرض للفن المعاصر أقيم في متحف غالييرا، وكانت لديه النية فى أن يمكث سنة واحدة فى العاصمة الفرنسية قبل أن ينتقل إلى المكسيك لدراسة الفن ما قبل الكولومبى الذى يمثل أصداءً لما يماثلة فى مصر القديمة، غير أنه مكث فى باريس خمسة وعشرين عاماً (1971-1996) اقام فيها الكثير من المعارض كما اجتذبته ايطاليا لا سيما مدينة `بيترا سانتا ` حيث توثقت عرى الصداقة بينه وبين سباك المعادن ماريانى.
- عندما عاد آدم حنين الى بلده ، منحته مصر الوسائل التى تتيح لفنه أن يتبلور على نطاق واسع فأقام محترفاً فى الحرانية، وأشرف على ترميم تمثال ابى الهول وفى هذا المكان المشرف على الأهرامات بات بإمكان الفنان يمنح شكلاً لمشروع سفينتة العتيدة المصنوعة من الغرانيت والبرونز، والبالغ طولها تسعة عشر متراً، وهو لم ينس مصر العليا التى أحبها كثيراً، فأنشا فى أسوان` الملتقى (السمبوزيوم) العالمى للنحت`، الذى شغل فيه وظيفة المفوض. ومنذ ذلك الحين اخذ يدعو نحاتين من مصر وكافة انحاء العالم ويمنحهم إمكانية نحت الغرانيت الوردى والرمادى المأخوذ من مقالع سحيقة القدم.
- إلى جانب كونه نحاتاً ، فقد طور آدم حنين تقنيتة فى الرسم على ورق البردى مستخدماً الاصباغ الطبيعية الموصولة بعضها إلى بعض بواسطة الصمغ العربى.
- يقول آدم حنين فى حديثة إلى صديقه إدوار الخراط : ` لم أكن أجهل ما كان يحدث خارجاً فى العالم وكان هذا يعطينى نوعاً من الحرية ، ولكنى كنت أقيس كل ما أراه على ضوء النحت المصرى القديم الذى كان أصبح بمثابة حجر زاوية لحكمى على الأشياء . لذا لم أشعر بأننى منجذب حقاً إلى السوريالية أو التكعيبية و حركة أخرى ` .
- ومن زاوية وجودية انسانية تطرق الخراط إلى انتاج حنين، منذ مراحل الطفولة استتباعاً إلى مراحل الستينات والسبعينات وصولاً إلى مراحله الأخيرة. هذا الإنتاج تميز بإنسانية ترتقى مستوى الخيال. فرسومه على ورق البردى بملمسة المحبب (ذات الحبوب) وأصباغها الطبيعية الحارة، تجعلنا نفكر فى الجدارية. وبين التشخيصى والتجريدى، ثمة استحضار للجوهر اللازمنى للفن التشكيلى، انعكس فى نزواته الارتجالية وحدسة العميق وأسلوبه فى الاختصار والتلوين وتفكره فى قداسة الظلمة. كلها مؤشرات بدأت تظهر فى الخمسينات، مع أعمال نحتية تنم عن مقاربة خفرة وحساسة لموضوعات مستلهمة من العادات الشعبية المصرية فى علاقتها بالحيوان والطبيعة والنبات.
- وشهدت حقبة الستينات على حضور الأشكال النباتية فى رسومه على الجبس التى تمثل المرأة داخل الحديقة، فى سيرورة متخيلة شبيهة بأعمال ميرو، ومشتقة من رؤى السورياليين. كما شهدت ولادة منحوتات حنين المتعلقة بالحيوانات التى ارتبطت بطقوسية عهود ما قبل التاريخ فى سقارة والجيزة ومع استقرار حنين فى باريس بدأت تظهر البنى التجريدية فى أعماله التى آلت إلى الاختزال التلميحى للأشكال الانسانية لاسيما فى موضوع المرأة . ومن مرحلة محاكاة التجريد الهندسى فى أعمال سيرج بولياكوف، ينتقل حنين فى رسومة إلى مناخات فنون المغاور والكهوف على غرار لوحة `علامات شاردة `. وفى هذه الثلاثية يظهر السطح مغطى بالنقاط والعلامات والكتابات الهيروغليفية الشبيهة بالحدوتة.
- وأعمال حنين فى الثمانينات والتسعينات سردية حيناً وتجريدية حيناً أخر. فقد عرفت ظهور الكثير من الأعمال، من بينها أقراص شمسية رائعة وقرص قمرى واحد منفذة بالبرونز والحجر الرملى ، فضلاً عن تمثال رأس زوجته عفاف، كما جنح فى أعمال أخرى نحو النحت الإنشائى الذى يذكر ببعض أعمال` البوب` المخصصة للأغراض الأليفة والحميمه. ومن أبرز منحوتات تلك الحقبة منحوتة ` امرأة وحصان`. وفى هذه المرحلة من الانتاج فى اسوان أضفى حنين على قاماته الانسانية، رؤاء الهندسية الاختزالية فى التلميح إلى الواقع من طريق التجريد الشكلانى.
- سفينة الشمس- سفينة الحياة، هو العنوان الذى جسد حلم آدم حنين فى مقاربة السفن الجنائزية التى كانت توضع فى المقابر الفرعونية كى تصحب الملك إلى العالم الآخر. تتألف من ثلاثين كتلة كثيفة من الغرانيت(فضلا عن التماثيل البرونزية )، جرى تجميعها كى تشكل سلسلة من القواعد، متخذة على وجه التقريب، شكل واحدة من تلك السفن الطولية التى كانت تمخر مياه النيل فى زمن سابق. وفيها رؤوس بشرية وتماثيل صغيرة وكبيرة، منها تمثال لصياد يحمل سمكة، وبومة تتأمل فى الظلمة، وحماران يحمل أحدهما على ظهره رسماً ذهبياً كما لو أنه سرج ، وهما فى مقدم المركب على غرار حيوانات سفينة نوح.
- ولئن كانت سفينة آدم الراسية على بر الحرانية حلماً أضحى حقيقة، غير أنها ثورة داخلية على الحجم الصغير وثورة على الغاليريات وضيق مساحة المحترف، وهى أيضاً رمز من رموز مصر القديمة بأسلوب محدث فى النحت، إذا انها تقع على بعد بضعة كيلو مترات من أهرامات الجيزة، إذاً هى شريان الماضى الموصول بالحاضر، الذى يمثل سفراً إلى روح المجهول من خلال كائنات الطبيعة وموجوداتها.
بقلم : مهى سلطان
مجلة الحياة : 27-4-2006
آدم حنين: أكثر ما يقلقنى هذا الزحف المخيف للكتل الخرسانية
- فى إحدى القرى الواقعة على أطراف القاهرة اختار آدم حنين العيش والعمل بعيداً من زحام المدينة وضوضائها، هناك أقام بيته ومحترفة. المكان مزدحم بالأحجار. كتل كبيرة ما زالت محتفظة بطبيعتها وأخرى فى طريقها إلى التشكل، بينما انتصبت فى مختلف الأنحاء تماثيل حجرية وبرونزية تشارك صاحبها فضاءه الخاص وصومعته التى لا يبارحها إلا قليلاً. أصوات الآلات لا تتوقف، فالأحجار التى جلبها من الجنوب المصرى صعبة المراس تحتاج إلى أيد خبيرة بأسرارها وخباياها، وما بين الصمت والسكون الذى يشع من أعين التماثيل الحجرية وتلك الأصوات العالية للآلات، ثمة حوار بالغ القدم لم يتوقف ولن ينتهى. فور مشاهدتك أعمال آدم حنين لابد من أن تخرج بانطباع خاص يشبه ما تشعر به حيال تلك المنحوتات والتماثيل التى أبداعها المصرى القديم قبل آلاف السنين، فهل عرف السر؟ هل تسلم التعويذة من هؤلاء القدماء كى تنضج أعماله بكل هذا البهاء والروعة والسكون؟
- كان الأمر فى البداية مجرد مصادفة قادته وهو صغير إلى المتحف المصرى فى القاهرة فى رحلة مدرسية ، هناك شاهد للمرة الأولى كل هذا الكم من التماثيل.
- حينها أدرك الطفل الصغير وجهته الحقيقية، وعرف ماذا يريد أن يكون، وبات شغوفاً بتشكيل الكتل وصناعة التماثيل، ذلك الشغف الطفولى الذى لم يفارقه حتى اليوم.
- يقول متذكراً طفولته : ` كنت وأنا صغير أصنع تماثيل من الحجر والطين وأعرضها على أقاربى، وكان أبى يدفعنى إلى الاستمرار بتشجيعه لى، وأذكر ذات مرة أنه أخذ واحداً من هذه التماثيل ووضعة للعرض في ورشة الفضة التى كان يملكها وكان يريه لأصدقائه ومعارفة، وهكذا خضت تجربة، لعرض منذ كنت طفلاً، وظل ما رأيته فى المتحف المصرى فى القاهرة عالقاً فى ذهنى يؤسس من دون أن أدرى فى داخلى مقياساً وقانوناً ورؤية خاصة للفن والأشياء، حتى حين التحقت بالفنون الجميلة كنت مشبعاً بتصوراتى الشخصية عن الفن، الأمر الذى كان سبباً للصدامات أثناء الدراسة `.
- سالته عن هذا المحترف الذى أنشاه ليستقر به بعد عودته من تلك الرحلة الطويلة الى أوروبا، وعن محمود وماجد تلميذيه الوحيدين ومساعديه أيضاً واللذين يملآن المكان صخباً بأصوات الأزاميل والقواطع الكهربية.
- يقول آدم حنين: ` اخترت قرية الحرانية لأنها بعيدة من صخب القاهرة ولأنها قريبة من حياة الفطرة والبساطة التى أحبها، وأكثر ما يقلقنى هذا الزحف المخيف للكتل الخرسانية التى بدأت تحجب الأفق بهيئتها المقبضة `.
- ويقول عن مساعديه محمود وماجد اللذين اختارا دراسة النحت على يدية: `محمود من أسوان.. حين التقيت به لمحت على الفوز ذلك الذكاء الطبيعى الذى يشع من عينية، وعلى رغم أنه لم يدرس الفن فى شكل أكاديمى، إلا أنه فنان بالفطرة ، ومن خلال وجوده معى استطاع الإلمام سريعاً بمقومات العمل وأنا أراه اليوم متفوقاً على الكثير من خريجى الكليات والمعاهد الفنية، وهو يشارك باستمرار فى المعارض الجماعية كما حصل على عدد من الجوائز أيضاً، أما ماجد فهو من خريجى الفنون الجميلة - قسم نحت `.
- فلنتحدث عن تجربتك مع الفن وعن هذه العلامات الفارقة التى غيرت مسار حياتك بداية من رحلتك إلى الجنوب المصرى فور تخرجك فى كلية الفنون الجميلة، ثم سفرك إلى ألمانيا وإقامتك الطويلة فى فرنسا والتى دامت ما يقرب من الخمسة وعشرين عاماً ثم عودتك مرة أخرى إلى مصر .. فما أسباب السفر والهجرة ثم العودة والاستقرار مرة أخرى فى أرض الوطن؟
- يقول آدم حنين: ` ذهابى إلى الأقصر بعد تخرجى فى كلية الفنون الجميلة كان منحة مقدمة من وزارة الثقافة حينها للإقامة والعمل لمدة عامين فى مراسم الأقصر، وقد ساهمت تلك الإقامة فى التشديد على ذلك التوجه الذى وضعته لنفسى، فهناك التحمت أكثر بما أنجزه المصرى القديم، شعرت بمعاناته وتشبعت بطريقته فى معالجة عناصر أو مفردات الطبيعة من حوله، عرفت القانون والإطار الذى يجب على العمل من خلاله، لذا حين ذهبت إلى أوروبا لم أكن مهتزاً، كنت أشعر أننى أقف على أرضية صلبة وقوية، لم أكن خائفا لأننى أملك هويتى الخاصة التى أحتمى بها وألجا إليها، غير أن هذا الأمر لم بمعنى مطلقاً من الاستفادة من معطيات الفن الأوربى من نظريات ومدارس واتجاهات وطريقة فى التفكير، وهو ما انعكس على تجربتى وأعمالى عموماً.
هل تؤمن بضرورة الحفاظ على التوازن بين الأصالة والمعاصرة ؟
- أنا غير مهتم بهذه التقسيمات ، حتى مفهوم الهوية أجد صعوبة فى استساغته، فأنا الهوية ، أنا من هنا، ولا بد من أننى قد تشبعت بكل المعطيات التى تشكل المجتمع الذى أنتمى إليه من جغرافيا وتاريخ وثقافة، وحين أنتقل إلى أى مكان آخر لا أستطيع أبداً الانسلاخ عن كل هذا.
لكن هناك من يختار الانسلاخ ولا يقاوم الذوبان في قيم الآخر ومعطياته ؟
- هى نماذج قليلة وغير صادقة، فالتصنع لا بد من أن يكون السمة الرئيسة فى إنتاجهم، وهو أمر بغيض ومناف للإبداع، فحركة الفن الغربى حركة عريقة وتستند إلى تاريخ قوى ، لكن الفن ليس فى أوروبا وحدها، فأفريقيا فيها فن والصين لديها فن وإيران لديها فن، لكنها حصرنا أنفسنا فى دراسة الفن الغربى وتتبع مدارسة واتجاهاته وهذا خطأ كبير، فالغرب جرب كل شىء وأنشأ مدارس ونظريات وغير فى مفاهيم الناس، لكنهم هناك الآن وصلوا إلى درجة الإفلاس، وأنا لا أحب أن أقول هذا إلا أنها الحقيقة، نعم هناك تجارب واتجاهات كثيرة مؤثرة، ولكن أيضاً يوجد إسفاف وتدنٍ ويجب علينا أن نلتفت إلى هذا الأمر وندركه جيداً لآن هناك من يتأثر بالسلبيات ولا يلتفت إلى الإيجابيات.
- وكيف استطاع آدم حنين أن يحمى نفسه من هذه السلبيات؟
- لقد ذهبت إلى أوروبا كما قلت لك ولدى مقياسى الخاص الذى كنت أقيس به كل شىء فعلى رغم الإغراءات الكثيرة التى كانت أمامى إلا أننى استطعت أن أحدد ما يتناسب مع طبيعتى كفنان مصرى يستند إلى حضارة وتاريخ فنى يختلف إلى حد كبير عما هو موجود فى الغرب.. فقد ذهبت إلى هناك ولدى مقياس أحدد به ما أقبله وما أرفضه.
- بعد عودتك الأخيرة إلى مصر كان هناك مشروع على درجة كبيرة من الأهمية فى انتظارك وهو سمبوزيوم النحت الدولى الذى ما زلت تشرف عليه حتى الآن، فمن كان صاحب فكره هذا السمبوزيوم وكيف ترى الفائدة التى عادت من خلاله على الحركة الفنية المصرية بعد 13 عاماً ؟
- حين كنت فى فرنسا كانت علاقتى جيدة بالفنان فاروق حسنى الذى كان وقتها مديراً للمركز الثقافى المصرى فى باريس، وحدث فى تلك الفترة أن شاركت فى سمبوزيوم للنحت فى يوغوسلافيا وعدت مبهوراً من هناك وتحدثت حينها مع فاروق حسنى حول أهمية وجود حدث مشابه فى مصر لعلمى بتراجع الاهتمام بالنحت على الأحجار هناك، وهو أمر غريب على بلد تفاخر ليل نهار بصروحها النحتية التى أبهرت العالم. وتذكر فارق حسنى ذلك الامر حال توليه وزارة الثقافة المصرية واستدعانى لأشرف على سمبوزيوم النحت الدولى الذى اخترنا له أسوان ليكون قريباً من المحاجر نفسها التى كان يستعملها المصرى القديم في جلب أحجاره، وهكذا تحقق الحلم، وقد واجهتنى فى البداية صعوبات كثيرة خاصة بالتنظيم غير أن تدخل الوزير أنقذ السمبوزيوم من التوقف وساهم فى استمراره حتى الآن، وهو أمر يحسب له، فقد أعاد هذا السمبوزيوم للنحت على الحجر قيمته وتقديره وأصبح هناك جيل من الفنانين يمارسون النحت على الحجر بكل أنواعه، وهو أمر يرد الاعتبار الى هذا النوع من الفن الذى كانت نشأته مصرية فى الأساس.
- هل كان السمبوزيوم سبب عودتك واستقرارك مرة اخرى فى مصر؟
- كان أحد الأسباب لكنه لم يكن السبب الوحيد، هناك أسباب أخرى كثيرة منه ارتباطى بهذه الأرض وتلك الوجوه المحيطة بى، فكان من الصعب على أن أظل بعيداً من الوطن أكثر من ذلك ، فهناك من لم يفارقوه ابداً لكنهم منفصلون عنه تمام الانفصال .
بقلم: ياسر سلطان
جريدة الحياة : 29-9-2009
آدم حنين ( صمويل هنرى) ` مثال `
- ولد الفنان آدم حنين (صمويل هنرى) بالقاهرة عام 1929 .
- تعرف على عالم التشكيل منذ طفولته ، فهو ينحدر من عائلة تحترف صياغة المعادن النفيسة وتشكيلها فى حلى ` بالصاغة ` وذات يوم عبر أخوه عن اعجابه بفنه تعبيرا عمليا عندماعرض احد تماثيله ` بفاترينة ` المحل ليشاهد ، الماره والزبائن.. وهكذا اختار الفتى طريق الفن من وقت مبكر.
- تمثل المرحلة الاولى من إنتاج آدم حنين والتى تمتد من عام 1953 حتى 1959 علامة بارزة وهامة من علامات تطور فن النحت بمصر.
- لقد تميزت تلك الأعمال بالأصالة التى ترتكز على أرض صلبة هى البيئة المحلية والتراث المصرى القديم .. اما اضافته لفن النحت فتتمثل فى قدرته على التعبير عن الواقع الاجتماعى فى اعماله الفنية بحساسية فائقة التأثير، فاستطاع أن يحقق التعبير المستتر الذكى عن الاحداث. وأن يحقق الديناميكية والحيوية من داخل العمل الفنى ومن روحة العام بعيدا عن الاثارة والضوضاء الشكلية .. وكان بهذه المميزات أول من تناول الاحداث الجارية فى فئة من المثالين.. عن التزام نابع من داخله مؤكدا انفعاله الصادق بها وتعبيره عنها فى عمق وصفاء .
- التحق بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة وتخصص فى دراسة فن النحت، وتخرج عام 1953 بدرجة الامتياز مع مرتبة الشرف وقد اتاحت له سنوات الدراسة ان يتلقى التعاليم الاكاديمية على أيدى المثالين التقليديين، وفى نفس الوقت شهد ثورة السجينى على الاكاديمية والرومانتيكية حيث درس على يديه ايضا.
- بعد تخرجه التحق بمرسم الفنون الجميلة بالأقصر حيث قضى عامين بين آثار المصريين القدماء وأهالى أعماق الصعيد.. وهناك فى هذا الجو المتكامل الاصالة انتج الفنان مجموعة من أروع تماثيله 1954- 1955 .
- استمر الفنان فى هذه المرحلة حتى عام 1957 عندما سافر إلى ميونخ بألمانيا فى منحة دراسية لمدة عامين عاد منها عام 1950 بعد أن درس النحت على يدى البروفيسور ` أنتونى هيلر` ثم حصل على منحة التفرغ من وزارة الثقافة عام 1961 واستمر تجديدها سنويا حتى عام 1969 .
- خلال تلك الفترة عمل كرسام فى مجلة صباح الخير عام 1961 لمدة عشرة اشهر.
- وفى عام 1971 عين مستشارا فنيا بدار التحرير للطبع والنشر لمدة عشرة أشهر أخرى. ثم سافر إلى باريس حيث يقيم فيها كفنان محترف .
- خلال فترة التفرغ أاقام فى النوبة من عام 1961 حتى 1965 حيث غادرها مع أهلها عند تهيجرهم قبل أن تغطى المنطقة مياه السد العالى.
- فى عام 1955 أنجز تمثاله الرائع ` الحرية ` .. وهو موضوع حاليا فى متحف وزارة التربية والتعليم، وكان قد اشترك به فى مسابقة ` الانتاج الفنى ` ففاز بالجائزة الأولى على المثالين الذين شاركوا فيها.
- هناك أربعة تماثيل برونزية وخامس من الجبس اقتنتها وزارة الثقافة فى مصر، وله ثلاث قطع أخرى من مقتنيات متحف الفن الحديث بالقاهرة أهمها تمثال البومة الذى نفذه عام 1965 وهناك تمثال `حامل القدور` من البرونز 1960 فى حديقة النحت الدولية بمدينة دالاس فى تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية . هذا بخلاف تمثال الحمار الذى ثبته الفنان الراحل رمسيس ويصا واصف فى قرية بالحرانية بالجيزة .
- من أعماله المعمارية نحت من الخزف الملون عن الموسيقى على واجهة مدينة الفنون بالهرم قام بتنفيذه عام 1961 . كما ينتصب أمام مبنى مؤسسة الأهرام بالقاهرة أحد طيوره مفرود الجناحين ومنفذ من البرونز.
- خلال إقامته فى باريس تحول فنة من الأسلوب التعبيرى إلى مرحلة تجريديه حيث أقام مجموعة من التماثيل بخامة الفخار الزلطى، وقد عاونه فى تنفيذ هذه الخامة الاخ ` دانييل` ببلدة تيزية بفرنسا.
بقلم : د. صبحى الشارونى
أم كلثوم تشدو بيد آدم حنين !
- فى عام 1966 أقام المثال آدم حنين معرضاً لأعماله النحتية ببيت السنارى بعمارتة الإسلامية بحى السيدة زينب.
- فى ذلك الوقت كتب الروائى الكبير فتحى غائم صاحب ` الأفيال` و ` زينب والعرش` يتساءل : ما الذى جعل آدم يلجأ إلى السنارى .. وما الصلة بين التماثيل والمعمار الإسلامى؟
- وما سر هذا اللقاء الغريب بين الاثنين؟ ويجيب فى نفس الوقت بقوله: هو لقاء أسارع وأقول إنه أشبه باللجوء أو بالاحتماء .. احتماء التماثيل الحديثة بالتراث الاسلامى !!
- وفى هذه الأيام.. وكأن التاريخ يعيد نفسه بعد تلك الرحلة الطويلة .. رحلة آدم مع الأزميل والفرشاة.. أى بعد أربعين عاماً.. يعرض فى قصر الأمير ` طاز` وهو قصر مملوكى يعد دليلاً آخر على عظمة العمارة الإسلامية.
- ولكن ليس الآمس كاليوم.. فآدم يقدم معرضاً شاملاً.. يضم كل مراحلة الفنية وعلامات إبداعاته فى النحت والتصوير.. من هنا ليس العرض أشبه باللجوء والاحتماء، فقط كما يقول كاتبنا فتحى غانم.. بل نوع من الحوار والتواصل .. أن تتلامس الأطراف مع الأطراف وان تتكامل الحضارة المصرية ويتمزج الأصيل بالمعاصر.
- إذا كانت الشرارة الأولى لمساحة الإبداع التشكيلى المجسم أطلقها مثال مصر محمود مختار وامتدت من البحث فى جذور مصر القديمة واستلهام البيئة المصرية مع المؤثرات الغربية من الفن الأوربى.. وجاءت الشرارة الثانية متمثلة في إبداع جمال السجينى وقد امتدت مع كل هذا إلى استلهام التراث الإسلامى والعمارة الريفية الفطرية والفن الشعبى.
- فإن أعمال آدم حنين تمثل المساحة الثالثة فى الإبداع النحتى المعاصر وهى مساحة تألقت فيها كائناته المجسمة مسكونة بالصمت والسكون غارقة فى زمن لا ينتهى بعد أن تخلصت من الزوائد والثرثرات.. اختزل فيها الشكل إلى أقصى صورة التجريدية متضمنا أعمق الانفعالات والأحاسيس والأفكار بلا ضوضاء.. فيها من أثار مصر القديمة وملامح العصر المسيحى.. محلقة فى آفاق الحاضر.. أعمال تنساب بلغة مصرية جديدة فى فن النحت.. لغة الإشارة والإيماءة والاشراق الروحى.. لا تعرف البوح.. لكن مسكونه بالأسرار.
- يقول: بدأت رحلتى مع الفن وأنا فى الثامنة.. بالتحديد فى زيارة إلى المتحف المصرى بالتحرير برفقة مدرس التاريخ فى رحلة مدرسية.. كنت وقتها بالصف الثانى الابتدائى.. وكان هذا اليوم يوماً حاسماً فى تقرير مصيرى .. فقد تركت المدرسة والتلاميذ وهمت على وجهى من صالة لأخرى وفى لحظة تأمل حقيقية كان كل ما رأيت قد غاص بداخلى وأحسست بشىء قد تغير فى نفسى.. كانت مثل إرهاصات قرأتها فى الإنجيل وكنت صغيراً وحيداً بين التماثيل الضخمة لكنى شعرت بنوع من الطمأنينة المباغتة بشعورى أن هذا الفرعون هو جدى.. وبعد ذلك وفى اليوم التالى وفى حصة الأشغال اليدوية التقطت يدى قطعة صلصال أخذتها معى إلى البيت وجلست أشكل تمثالاً لرأس إخناتون الذى رأيته بالمتحف وعندما رآه والدى سعد له وكان بداية تشجيعى للالتحاق بالفنون الجميلة فيما بعد.. وكنت ضمن طلبة دفعة 1953 قسم النحت.. كان معى مجموعة من الفنانين من بينهم هبة عنايت وبهجت عثمان وبهجورى وصلاح جاهين الذى قضى معنا سنة واحدة فقط .
- وداخل الصحن المكشوف من قصر الأمير ` طاز ` بشارع السيوفية ناصية سبيل أم عباس.. حيث تقف نخلات مسكونة بالخضرة الكثيفة.. تمتزج بالضوء الشاعرى الذى ينساب من الهلال المعلق فى الأفق.. يضيف المثال آدم: بعد ذلك قضيت عامين بمرسم الأقصر وقت أن كان المهندس حسن فتحى مديره وهناك استفدت كثيراً فيما يتعلق بالعمارة وارتباطها بالبيئة ، وفى عام 1959 سافرت فى منحة إلى ألمانيا لمدة عام وأقمت معرضاً لأعمالى النحتية وكان معظمها من الفخار وحضر المعرض الرسام المعاصر كاندنسكى وزوجته الرسامة والتى نظرت إلى أعمالى وقالت بالحرف الواحد: ماذا تفعل هنا ؟ أفضل أن تعود إلى بلدك لأن أعمالك الفنية ذات طابع خاص ولن تستطيع أن تتعلم الكثير عندنا `.. فعدت إلى القاهرة ولكن إلى الجذور الأولى للفن المصرى إلى منابعة الحقيقية بالنوبة.
- أم كلثوم وجاهين
- هنا فى هذا المكان الذى يتجلى بآيات الإبداع من العناصر المعمارية ..
الأعمدة والبواكى والاقواس والدهاليز والسلالم الشاعرية تقف طيوره وقططه وحماره الوديع وعنزته مع حامل القدور والرجل والسمكة.. والفتاة الواقفة والمرأة الجالسة.. والمحارب والرجل الذى يحتمى بالدرع .. مع تلك الشخوص العديدة التى تتشكل فى استطالة وتتحاور فى صمت .
- ومن بين تلك الأعمال يطل تمثال أم كلثوم يختزلها آدم.. تقف بالمنديل وتنساب الكتلة كشجرة فى تموجات .. كرة فى الرداء من أسفل.. الوجه مجرد كسرة صماء.. بلا فم ولا عينين.. لكن مسكونة بالصمت.. أما الجسد كله فيكاد ينتفض مسكوناً بطاقة الغناء كما شكل آدم صلاح جاهين فى تمثال نصفى أهم ما يميزه هذا البريق واللمعان ينطق به الحجر وهذا الذكاء الذى يطل من العينين.. لقد صور في تمثال جاهين مكمن عبقريته من خلال عينيه.
- وكان آدم قد سمع عن رحلات قام بها أهل الفن من أجل المدهش والممكن والمستحيل.. مثل رحلة ليوناردو دافنشى من إيطاليا إلى فرنسا ورحلة فان جوخ من هولندا إلى فرنسا أيضاً وصديقه الذى ارتبط به واختلف معه وعنه جوجان من فرنسا إلى تاهيتى تلك الجزيرة النائية القابعة بين زرقة أمواج المحيط.. ومن هنا سافر آدم أواخر عام 1971 إلى باريس وأقام هناك لفترة طويلة.. كانت رحلة تأمل وسفر دائم فى التجريب وكل جديد فجاءت أعماله التصويرية لقاء وحوارا مع تجارب الفنانين المعاصرين: بول كلى وكاندنسكى وليجيه وميرو.. وهى أشبه بالألحان المصورة أو الشعر المرئى وقد رسم على الورق البردى لأنه على حد تعبيره يشعر خلاله بالدفء وبثقله التاريخى أيضاً كما أنه يوحى له بأشياء ورموز وعوالم كثيرة .
- وفى باريس أيضاً تنوعت أعماله النحتية وامتزج فيها التراث بالمعاصرة والثابت والمتحول.. خاصة وقد تأمل بعين الرضا والنقد أعمال هنرى مور وبرانكوزى وغيرهم من مثالى أوروبا.
- ولآدم تمثال `حامل القدور` مقام حالياً بإحدى حدائق مكسيكوسيتى وله أيضاً تمثال لطائرة فى وضع مائل على وشك الطيران.. يكاد ينطلق منطلقا من مكانه بالأكاديمية المصرية بروما.
- ولاشك أن هذا المعرض الاستعادى الشامل والذى يضم أعمال آدم في النحت والتصوير بمراحله العديد يمثل المعنى الحقيقى للدأب مع قوة الموهبة والاصرار على البحث فى الماضى ودخولا إلى اللحظة التى نعيشها الآن.. ومواكبا له قدمت قاعة الزمالك نماذج من أعمال فناننا النحتية.. كما صدر كتاب ضخم انيق فى طباعته بالعربية والفرنسية والانجليزية (ثلاث طبعات) يضم أعمال آدم مع دراسات حول فنة أصدرته المنصورية مع دار الشروق.
- تحية إلى المثال المصرى آدم حنين بعمق تلك اللمسة العريضة.. لمسة نطقت بحديث الحجر والعزف بالألوان.
بقلم : صلاح بيصار
مجلة المصور : 31-3- 2006
آدم حنين .. بعيون محمد صبرى
- عندما تصل حالة الإبداع بفنان أصيل إلى مرحلة تجعل فناناً آخر يفكر فى تصوير وكتابة تلك الحالة.. فالأمر يستحق التأمل .. لذلك عندما وصلتنا مغامرة الفنان آدم حنين الأخيرة فى بناء مركب من الحجر الجرانيت بقلم وعدسة الفنان المبدع محمد صبرى قررنا أن نترك صبرى يعبر عن الحالة الابداعية لصديقه حنين، بطريقتة ومشاعره أيضاً.
- فى البداية نتعرف على آدم حنين الذى تخرج من كلية الفنون الجميلة عام 1953 ورغم تمرده على طريقة التعليم، إلا أنه كان عاشقاً لفن محمود مختار صاحب منحوتة نهضة مصر، وتبنى المنهج المصرى القديم فى الفن والإبداع بشىء من التطوير. وينتمى آدم حنين لجماعة الفن والحرية التى ضمت آدم حنين ومحمود سعيد ، وجماعة الفن المعاصر `حامد ندا و الجزار وسمير رافع وماهر رائف وقبلهم رمسيس يونان وحسن يوسف أمين ومنير كنعان `.
- الهروب إلى ماريا
- نترك آدم حنين يتكلم عن نفسه : كنت أتمنى ظهور فن جديد خاصة فى النحت وكنت أتأمل الفن المصرى القديم بصفته تراثنا الحقيقى ولا يمكن تجاهله . فى نفس الوقت ندرك أسلوب المصرى القديم والفن الشعبى .
- فوصلت إلى أن من الضرورى أن أرى وأتأثر بالفن المصرى القديم ، والفن الشعبى النابع من البيئة `، لذلك عدت إلى الجذور بحثاً عن منابع الفن الأولى وكتب احمد بهاء الدين عن حنين منذ 40 عاماً فقال: بعد اختفاء آدم لفترة سنة تقريباً، خلع الجاكتة والبنطلون ولبس الجلباب الواسع، ورحل ليقيم في قرية نائية مجهولة فى بلاد النوبة . كان لا يجرى وراء الشهرة والنجاح السريع والمال. `ماريا ` هى اسم القرية التى اختارها ليقيم بها. هناك تعرف بالعمدة الذى رحب فى الدوار وقدم له الطعام وقضى الليل معه فى نفس الحجرة. شرح آدم للعمدة ماذا يريد. شرح له أنه يصنع منحوتات ويبيعها للناس. طلب من العمدة أن يجد له بيتا يسكن فيه يكون إيجاره لا يزيد عن جنيه واحد فى الشهر. وجد له العمدة بيتاً من ثلاث حجرات وفناء واسع بإيجار مرتفع قليلاً عن الايجار الذى كان يريده 130 قرشا فى الشهر.
- وأضاف بهاء: ظهر آدم بعد عشر شهور كان آتياً إلى القاهرة يقضى فيها بعض الأعمال ويعود.
قال إنه يبحث الآن عن قرية جديدة ينتقل إليها لآن ` ماريا ` سوف تغرقها البحيرة الكبرى بعد تحويل مجرى النيل عند السد العالى. قد وجد مبدئياً جزيرة صغيرة قرب أسوان، يريد أن يشترى فيها قطعة أرض هناك ثمنها قروش وملاليم، يبنى فوقها بيتا يعيش فيه.
- هذه المنطقة تتمتع بانسجام فنى.. فلا توجد مبانٍ إسمنتية مختلفة وعمارات ضخمة قبيحة وأسفلت وأعمدة حديدية وسيارات ونساء فى ثياب غريبة وتسريحات شعر مضحكة.
- إكتشاف ماذا يريد
- ويواصل بهاء مع الفنان آدم حنين فيسأله .. أنت إذاً تبحث عن أسلوب فنى وليس مجرد البعد والعزلة؟
- يجيب حنين: الإثنين معاً.. فهناك حيث تخفت كل الأصوات وتندثر ملامح كل المشاكل اليومية وتكتشف بوضوح شديد ماذا تريد بالضبط .. سأله بهاء.. وماذا فعلت فى الفترة الماضية مع الصخور والطبيعة الجرداء؟
- فقال آدم : قدمت مجسمات لطيور فقط .. كل موسم له طيور تمر بالقرية وتتوقف بها خلال رحلتها الطويلة. وسألة بهاء عن أثر السد العالى والهجرة الغريبة عن البيئة الساكنه هناك؟ .. فقال له: كبار السن من أهل النوبة يكرهون الهجرة ويفكرون فيها بتوجس شديد يريدون أن تنتهى حياتهم حيث عاشوا . كما انتهت حياة آبائهم وأجدادهم. أما الشباب فهم فرحون بالهجرة فى لهفة وشوق شديد. هى أشبه فى مخيلتهم بحلم عظيم . الرجال هناك يسافرون دائماً ولا يعودون إلى بلادهم إلا فى زيارة أو حينما تدركهم الشيخوخة. أما المرأة فهى أساس الحياة هناك وهى صانعة الفن بالذات إنها تتسلم البيت جدراناً عارية، وتتجمع النساء ليقمن بعمليات البياض ورسم النقوش .. المرأة هى التى تختار الألوان وتصنع الجريد والخوص والرسومات.
- بين القاهرة وباريس
- وينتقل صبرى للكلام عن حياة حنين الذى تزوج من أسوان ويسكن فى جزيرة ` اليفانتين ` شمال الخزان ، وأبدع مجسمات من الجبس والحديد والخشب . ويكمل حنين حكايته: أخذت منحة التفرغ وكانت سنه 1960 وعند التجديد بعد سنه رفض الأاستاذ عباس محمود العقاد منحة التفرغ لى لأن أعمالى لا تناسب مفهومه.
- بعدها أعادوا لى التفرغ بناء على توصية محمود ىسعيد. بفلوس التفرغ توجهت إلى أسوان مع المهجرين وتزوجت وأكملت عملى هناك من خشب وجبس وحديد. فى سنه 1966 حضرت إلى القاهرة . عملت معرضاً فى بيت السنارى من نتاج النوبة. كانت وقفه مهمة فى حياتى وفى 1967 كانت النكسة قد أثرت فى بعد فرحتى بالمعرض . اشتريت قطعة أرض فى الحرانية وبنيت عليها بيتاً من الطوب اللبن من عمل رمسيس ويصا واصف.
- أردت اخذ فترة راحة بذهابى إلى فرنسا والمكسيك. وفى ` باريس` .. عالم ملئ بالسحر. كل يوم ترى جديدا، لم أذهب إلى المكسيك ولم أرجع إلى مصر.. حتى طلب منى فاروق حسنى وزير الثقافة الحضور إلى مصر سنه 1986 لترميم ` أبو الهول` وعشت فترة بين مصر وفرنسا إلى أن تم الترميم. فى هذه الأثناء كلفنى فاروق حسنى بعمل ` السيمبوزيوم` فى مدينة أسوان. زاد ارتباطى بالجرانيت وعملت منحوتات ضخمة وصممت نموذجاً من الطين على شكل مركب فى حدود 30 سم. وتحمست للفكرة بعد إقناعى بها. صممت المركب من الجبس يطول 150 سم. بقطع منفصلة بحيث تركب مع بعضها لتكون المركب. ابتدأت التنفيذ. احضرت كتلاً من الجرانيت من أسوان إلى الحرانية، على أن يكون طول المركب حوالى 30 متراً أحضرت بعض العمال للنحت والتكسير. المركب مكون من حوالى 25 قطعة كبيرة من الجرانيت ، ويزن حوالى 90 طناً.
بقلم : محمد صبرى
مجلة كل الناس : 8-10-2003
آدم حنين.. لغة مصرية جديدة فى فن النحت
- فاز بجائزة مبارك باستحقاق كامل :
- بجدارة أحرز النحات آدم حنين جائزة مبارك فى الفنون التى تعد أرفع جوائز الدولة قاطبة ليسجل اسمه فى سجلات تلك الجائزة الرفيعة ، كما سبق أن سجله فى سجلات الإبداع النحتى .
- آدم فاز بالجائزة من ثانى تصويت وبــــ 34 صوتا دليل قناعة بقيمة الفنان الكبير الإبداعية، فإذا كانت الشرارة الأولى لمساحة الإبداع التشكيلى المجسم أطلقها مثال مصر محمود مختار، وامتدت من البحث فى جذور مصر القديمة واستلهام البيئة المصرية مع المؤثرات الغربية من الفن الأوروبى، وجاءت الشرارة الثانية متمثلة فى إبداع السجينى التى امتدت مع كل هذا إلى استلهام التراث الإسلامى والعمارة الريفية الفطرية والفن الشعبى.
- فإن أعمال آدم حنين تمثل المساحة الثالثة فى الإبداع النحتى المعاصر، وهى مساحة تألقت فيها كائناته المجسمة مسكونه بالصمت والسكون.. غارقة فى زمن لا ينتهى بعد أن تخلصت من الزوائد والثرثرات اختزال فيها الشكل إلى أقصى صورة التجريدية متضمنا أعمق الانفعالات والأحاسيس والأافكار بلا ضوضاء فيها من آثار مصر القديمة وملامح العصر المسيحى.. محلقة فى آفاق الحاضر أعماق تنساب بلغة مصرية جديدة فى فن النحت.. لغة الاشارة والإيماءة والاشراق الروحى.. لا تعرف البوح.. لكن مسكونة بالأسرار فى بيته بالحرانية قرب أهرامات الجيزة.. وهو واحد من إبداعات الفنان المعمارى رمسيس ويصا واصف ..صممه فى الستينيات بلمسة من الفن الفرعونى والفن النوبى ، التقينا به لنقول له مبروك وانساب بيننا الحوار.
- كل شىء هنا يوحى بالنضارة زادتها الجائزة المستحقة حيوية.. الخضرة الظلية الكثيفة.. والنخيل الذى يعانق الأفق.. وهذا الهمس والسكون الذى ينساب فى حوار صامت.. مع تماثيل آدم.. ترسو سفينة وسط الحديقة.. سفينة طويلة مسحوبة من الجرانيت.. وهنا لا يخفى المعنى الرمزى من اقامته لتلك السفينة الحجرية والتى اصطفت عليها أعماله فى مراحلها المختلفة ..
- هل تعنى الابحار إلى المجهول.. أم أنها تمثل سفينة النجاة من طوفان الركاكة والافتعال..
- أم تمثل ملمحا من ملامح الصدق.. صدق الأداء وبلاغة التعبير.. أم أنها صورة من صور إنفاذ فن النحت..؟!
- يجيب آدم ببساطة وتعبيرات الفوز منحوتة على وجهة بالطبع فيها من كل هذا.. وأيضا فيها الرحلة.. والموقف وهى صومعتى .. بنايتى أشبه بميدان.. تسكن فيه تماثيلى.. والتى تأخذ أبعادا أعمق وأكثر فى قوتها التعبيرية ربما أكبر مما لو كانت فى مكان آخر.
- قلت: والإبحار من بداية الرحلة مع الفن.. كيف كانت؟!
- بدأت رحلتى مع الفن وأنا فى الثامنة .. بالتحديد بعد زيارة إلى المتحف المصرى بالتحرير برفقة مدرسة التاريخ.. فى رحلة مدرسية كنت وقتها بالصف الثانى الابتدائى.. وكان هذا اليوم يوما حاسما في تقرير مصيرى.. فقد تركت المدرسة والتلاميذ وهمت على وجهى من صاله لأخرى وفى لحظة تأمل حقيقية كان كل ما رأيت قد غاص بداخلى وأحسست بشىء قد تغير فى نفسى.. كانت مثل إرهاصات قرأتها فى الانجيل، وكنت وحيدا صغيرا بين التماثيل الضخمة.. لكن شعرت بنوع من الطمأنينة المباغتة بشعورى أن هذا الفرعون هو جدى.. وبعد ذلك وفى اليوم التالى وفى حصة الأشغال اليدوية التقطت يدى قطعة صلصال أخذتها معى للبيت وجلست لأقلد تمثالا لرأس اخناتون الذى رأيته بالمتحف وعندما رأى والدى التمثال سعد به وكان بداية التشجيع للالتحاق بالفنون الجميلة فيما بعد.. وكنت ضمن طلبة دفعة 1953 قسم النحت.. وكان معى مجموعة من الفنانين من بينهم جورج البهجورى وبهجت عثمان وهبة عنايت وصلاح جاهين الذى قضى معنا سنه واحدة فقط .
- ويضيف: بعد ذلك قضيت عامين بمرسم الأقصر وقت أن كان مديره المهندس حسن فتحى .. وهناك استفدت كثيرا فيما يتعلق بالعمارة وارتباطها بالبيئة وفى عام 1959 سافرت فى منحة إلى ألمانيا لمدة عام.. وأقمت معرضا للأعمال النحتية وكان معظمها من الفخار وحضر المعرض الرسام المعاصر كاندنسكى وزوجته الرسامة والتى نظرت إلى أعمالى وقالت بالحرف الواحد ` ماذا تفعل هنا؟ أفضل أن تعود إلى بلدك لأن أعمالك الفنية ذات اتجاه خاص ولن تستطيع أن تتعلم الكثير عندنا هنا `..فعدت.. ليس إلى القاهرة ولكن إلى الجذور الأولى للفن المصرى.. إلى منابعة الحقيقية بالنوبة.
- وكيف تم ذلك..؟ ومحصلة الرحلة؟
- يكمل لقد حصلت على منحة تفرغ أثناء تولى د. ثروت عكاشة وزارة الثقافة.. وذهبت إلى النوبة.. وكانت هذه الفترة نقطة تحول فى حياتى وفترة إعادة بناء على أسس الأصالة والتراث الفنى الطويل لمصر.
- وفى الحقيقة لم أذهب بحثا عن موضوع أو محاولة تسجيل الحياة ولكن ذهبت بحثا عن أسلوب. الفنان بعد أن يدرس ويفهم كل الاساليب الفنية القديمة والحديثة.. وبعد أن يرى كل فنون العالم المعاصر يجب أن يعود إلى أسلوب بلاده: يبحث عن أصوله ويستلهمها.. إن النوبة هى المكان الوحيد.. الذى ظلت حضارتنا القديمة مستمرة فيه.. ولو تأملنا طرز المبانى والنقوش.. فسوف نلاحظ شيئا غريبا.. سوف نجد طرز المعبد الفرعونى والكنيسة القبطية والمسجد الإسلامى العربى..
كلها مندمجة فى طراز واحد سوف نكتشف ملامحها كلها فى البيت النوبى.
- هكذا ترك آدم القاهرة بكل ما فيها وفيها بعض أنفاسه وبعض قلبه وكل أحلامه وعاش بالنوبة لمدة 4 سنوات.. وعاد.. عاد مسكونا بالجذور.. محصنا بالفن المصرى .. محملا بتماثيل تميزت بصفاء الكتلة ونقائها.. وسموها ورشاقتها تخلصت من الزخرفة.
- نداء باريس
- وهو يتعلم النحت بالفنون الجميلة .. كان آدم حنين قد سمع عن رحلات قام بها أهل الفن فى مغامرات من أجل المدهش والممكن والمستحيل.. مثل رحلة ليوناردو دافنشى من إيطاليا إلى فرنسا ورحلة فان جوخ من هولندا إلى فرنسا أيضا.. وصديقة الذى صاحبه واختلف معه وعنه: جوجان من فرنسا إلى تاهيتى تلك الجزيرة النائية القابعة بين زرقة أمواج المحيط.. من هنا سافر أواخر عام 1971 إلى باريس.. وأقام هناك لفترة طويلة .. قلت: المحصلة ؟
- ببساطة يرد: لقد سافرت وأنا حاطط رجلى على حجر .. يعنى لست تائها ولن أتوه.. سافرت محصنا بالفن المصرى .. لكن كانت التجربة غنية جدا أن ترى ما يحدث فى العالم وتزداد محصلتك الثقافية.. مع مساحة غنية جدا لم أكن أحلم بها.. بعيدا عن قيود كثيرة .. خاصة وكنا وقتها واقعين فى مشاكل كثيرة وجدل لا ينتهى حول القومية والفن المصرى والفن الغربى والأصالة والمعاصرة والشكل والمضمون.. السفر أعطانى حرية بلا حدود وانطلاقا نحو آفاق جديدة بالطبع انعكست على فنى.
- وعالم الفنان آدم حنين يمتد بين قوة الأحجار وصلابتها وبين رقة الألوان المائية وجريانها بين النحت والتصوير.. وبين حدة الأزميل ورهافة الفرشاة .. قلت له : معنى انتقالك من النحت إلى الرسم خاصة فترة باريس.. ماذا يعنى..؟
- عندما أنتقل من النحت إلى الرسم تتغير التجربة مع المادة.. فالانتقال من الحجم إلى السطح يقحم الفنان فى تجربة يكتسب منها خبرة هائلة .. وتمكنه من التعبير عن أشياء كثيرة ليس بإمكانه التعبير عنها بالنحت.. إن النحت يشكل بالنسبة لى وسيلة بطيئة أى أنه يشغلنى لوقت طويل اقضى شهوراً كثيرة فى انجاز منحوتة واحدة فليس من الممكن أن أظل سجين النحت لمدة طويلة.. هناك أشياء كثيرة أريد أن أعبر عنها ولذلك ألجأ إلى الرسم بعد ذلك أعود إلى النحت كما لو كانت الرسوم التى انجزتها دراسات وتحضيرات للبحث وطبعا أفعل ذلك بشكل مباشر.
- وداخل حديقة بيته يطل تمثال أم كلثوم.. يختزلها آدم.. تقف بالمنديل تنساب الكتله كشجرة.. فى تموجات.. بلا فم ولا عينين .. الوجه مجرد كره صماء.. لكن مسكونة بالتعبير.. والجسد كله مسكون بطاقة الغناء.. وأعماله التصويرية أشبه بالألحان المصورة.. أو الشعر المرئى.. مع بنائيتها البليغة الصارمة.. قلت له ولماذا ترسم على البردى؟!
- لقد كنت فى بداية تجربتى الفنية نحاتا.. والنحات يتعامل مع المواد .. اشتغلت بالخشب والحجر والبرونز.. وفى كل مرة تحملنى المادة إلى شىء مختلف.. وعندما أعادوا صناعة ورق البردى بدأت أرسم عليه لأننى أشعر بدفء ذلك الورق وبثقل تاريخه أيضا ..ومن خلاله أستحضر أشياء كثيرة . - ` لقاء النحت `
- ولآدم حنين تمثال حامل القدور وهو مقام حاليا بإحدى الحدائق بمكسيكو سيتى وله أيضا تمثال لطائر فى وضع مائل .. على وشك الطيران .. يكاد ينطلق محلقا من مكانه بالأكاديمية المصرية بروما ورغم هذا لا يوجد له تمثال واحد بأحد ميادين القاهرة ..قلت له.. فى أى مكان تتمنى وضع أحد تماثيلك هنا بالقاهرة ؟
- يرد : لا اتمنى ذلك : لان الميادين حاليا غير منتظمة وغير مهيأة لاستقبال أعمال نحتية .. وفى تصورى أفضل وضع أعمالى فى أماكن أخرى مثل المدن الجديدة والحدائق والقرى السياحية .
- وكيف تمت فكرة لقاء النحت العالمى فى أسوان ` السمبوزيوم ` وإلى أى حد نجحت ؟!
- يقول : انها فكرة موجودة فى عدة دول فى العالم .. وان لم نكن الأسبق فى تطبيقها إلا أننا الأحق بها فنحن أول من أنشأ فن النحت والعالم كله يعرف ذلك وعندنا أجمل بقاع الدنيا وأقوى وأهم الأحجار .. ومن هنا طبقنا فكرة السمبوزيوم فى أسوان وأذكر أن هذه الفكرة كانت مثار مناقشة مع الفنان فاروق حسنى منذ أكثر من 20 عاما فى باريس وقال وقتها لابد أن ننفذها فى مصر.
- والحمد لله السمبوزيوم الآن فى عامه التاسع أصبح معروفا على مستوى العالم .. معروفا بمكانته فى هذا الاتجاه .. كما أنه تم خلاله اكتشاف 30 فناناً شاباً من فنانى الأحجار الصعبة من مصر . بالاضافة إلى الاحتكاك والحوار مع فنانى العالم من كل مكان .
وهناك متحف مفتوح يضم أكثر من مائة عمل بأسوان ..بالاضافة إلى الاستفادة من بعض الأعمال ووضعها فى أماكن على سبيل التجميل فهناك خمسة تماثيل من أعمال السمبوزيوم وضعت بالإسكندرية بالقرب من قلعة قايتباى .
بقلم : صلاح بيصار
مجلة المصور: 25-6-2004
آدم حنين: أسرتى ` نداهة ` الفن المصرى
- عاشق الأزميل لــ` روزاليوسف `
- أحد أبناء الفراعة النحاتين، أكمل رسالة أجداده وأضفى عليها صبغة تجريدية متأثرة بالتيارات الحداثية التى عايشها أثناء أسفاره المتعددة وإقامته الطويلة بالخارج، مفضلا العيش بحرية بعيدا عن قيود الوظيفة، تأثر به بعد عودته لمصر جيل كامل من النحاتين الشباب، من خلال ` سمبوزيوم أسوان` لفن النحت الذى أسسه فنيا، إنه الفنان آدم حنين، الذى ولد فى عام 1929، وحصل على جائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام 1998، وعلى جائزة مبارك عام 2004، وحصد الجائزة الكبرى لبينالى القاهرة الدولى عام 1992، وشارك فى ترميم تمثال أبو الهول بالجيزة، ويقبع تمثاله ` حامل القدور ` الذى أبدعه عام 1960فى حديقة النحت الدولية بأمريكا، ولازال إبداعه حاضرا فى عدد من المعارض الجماعية التى كان آخرها المعرض المقام حاليا بقاعة ` المسار` بالزمالك، وقدم فيه عددا من تلاميذه ، روزاليوسف قابلته وأجرت معه هذا الحوار.
- رحلتك الفنية طويلة وغنية، حدثنا عنها من البداية؟
- رحلتى مع الفن بدأت مبكرا، ففى مرحلة الدراسة كان لدينا كتاب عن تاريخ الحضارة، يضم رسومات ملونة لأعمال نحتية كانت تشدنى، حتى قام مدرس مادة التاريخ بتنظيم رحلة إلى المتحف المصرى، وهناك أخذت أجرى فى ردهات المتحف، وأنظر يمينا ويسارا، فقد صدمت بذلك العالم الآخر، الذى يختلف تماما عن العالم الذى نعيشه، فارتبطت بتلك التماثيل، وبعدها أخذت قطعة من الطين من غرفة الأشغال فى المدرسة ونفذت بها تمثالا رآه والدى، وكان يملك ورشه للفضيات، ففرح به، وعرضه فى فاترينة محله وأصبح له جمهور ومتفرجون.
-وطوال تلك الفترة تزايد حبى للنحت حتى التحقت بقسم النحت بكلية الفنون الجميلة، وكان وقتها قد تكون لدى معيار جمالى اكتسبته ممْا كنت أشاهده داخل المتحف المصرى، وطلبت وأنا فى المرحلة الثانية بالكلية أن انتقل إلى قسم التصوير، لأن الدراسة فى قسم النحت كانت على تماثيل يونانية وإغريقية، وكنت قد تشبعت بها، وتخرجت فى عام 1953، ورشحت بعدها لمنحة لمدة عامين بمرسم الأقصر، وظللت بعد انتهاء المنحة أتردد على المكان من حين لآخر، استوحى أعمالى من تلك المنطقة البكر.
- مَنْ من الفنانين تأثرت فى أعمالك النحتية؟
- كنت دائم البحث فى أعمال الفنانين، وكان أغلبهم يقدمون جديدا، فمختار فرض نفسه بأعماله القوية ومناداتة بالمدرسة المصرية،وأنطون حجار وهو صاحب أجمل بورتريهات نحتية، والسجينى كان قد عاد لتوه من الخارج، وكنت وقتها شابا ` شرقان` متعطشا للفن، أستقبل كل المدارس والأساليب الفنية وأنهل منها.
أثرت سفرياتك للخارج على رؤيتك الفنية ، حدثنا عن أهمها.-
- كنت الأول على دفعتى، ولم يتم تعيينى كمعيد فى الكلية، فقام النحات عبد القادر رزق، مدير عام الفنون الجميلة والمتاحف بوزارة الثقافة وقتها، بإرسالى فى منحة لمدينة ميونخ الألمانية عام 1958، وهناك شاهدت الدنيا كلها، وكنت قد أخذت معى مجموعة تماثيلى من الفخار، شاركت بها فى معرض هناك، فجاءتنى سيدة هى زوجة الفنان التجريدى العالمى ` كاندنسكى` وكنت وقتها فى العشرينات من عمرى، وقالت لى انت جاى هنا تعمل إيه، انت شغلك جميل، انت ترجع بلدك تانى عشان مش هاتتعلم مننا حاجة، وكانت تلك الكلمات تأكيدا لى على موهبتى ودفعة ثقة قوية، وتعلمت هناك الحرية فى الفن، خاصة أن الفن المصرى إرث ثقيل، فمنحتنى الحرية الفرصة للخروج نوعا ما من صرامته، وظللت هناك حتى نفد مالى فعدت إلى مصر.
- وماذا فعلت بعد عودتك؟
- عملت فى مجلة ` روزاليوسف ` ورسمت أشعار صلاح جاهين ومقالات لويس جريس
- بعد عودتى لم أكن أعرف ماذا أعمل، فالتحقت بالعمل فى الرسم الصحفى، وكانت البداية فى مجلة `روزاليوسف ` فرسمت لأشعار صلاح جاهين، ومقالات لويس جريس، وفى عام ` النكسة ` 1967 زادت الفوضى، فتبددت العديد من الأحلام والآمال، فقررت أن أبنى بيتا كرمز داخلى لمواجهة ذلك الانهيار والفوضى، وكنت قد تقاضيت ألفى جنيه ثمنا لتمثال لى موضوع فى منطقة الأهرامات، فاشتريت الأرض التى بنيت فيها مرسمى الحالى فى الحرَانية بجزء من المبلغ، وبنيت البيت بجزء آخر.
- وما سبب سفرك مرة أخرى؟
- ظلت البلد بعد النكسة تعانى من أزمة طاحنة، حتى توفى الرئيس جمال عبد الناصر، وتولى السادات الحكم وبدأت سلسلة اعتقالات وتضييق على الفنانين والمثقفين والسياسيين، فقررت السفر إلى فرنسا حتى تستقر الأوضاع، مرت خلالها الأعوام ومكثت هناك لمدة 25 عاما، وكان معى تمثال ` الرجل والسمكة ` فبعته بمبلغ ساعدنى على الإقامة لمدة خمسة أشهر، ثم بدأت بعمل طباعة حجرية ` ليثوجراف` لكتاب أمريكيين ` طلعت منهم بقرشين كويسين وكام نسخة من الكتاب ` ، ثم قمت برسم لوحات فنية وبيعها، ورسمت أعمالا لم أكن أتوقع أن أرسمها، واقتنى أعمالى خلال تلك الفترة شريحة من المجتمع لم تشتر أعمالا فنية من قبل، وهكذا سارت الأمور.
- كيف ومتى بدأت فكرة إقامة سمبوزيوم أسوان للنحت؟
- فى عام 1977 شاركت فى أحد ` السمبوزيومات ` الدولية فى الخارج، وتحدثت بعدها مع فاروق حسنى عن السمبوزيوم فقال لى ` السمبوزيوم ده لازم يكون عندنا هنا، ولازم نعمله فى يوم من الايام `، وبعدها بحوالى 19 عاما، وتحديدا فى عام 1996 أرسل إلى وبدأنا تنفيذ الفكرة، وسمبوزيوم أسوان تجربة فريدة من نوعها ويمثل أول الفعاليات التى تم تخصيصها لهذا المجال الفنى فى العالم العربى، يتيح الفرصة لتلاقى الفنانين من مختلف أنحاء العالم، فتجد معك فنانا من المكسيك وآخر من المغرب وثالثا من دولة آخرى وهكذا.
- هل ترى أن السمبوزيوم حقق النتائج المأمولة من إنشائه؟
- فى البداية جاءت نتائج السمبوزيوم للنحت أكثر بكثير مما توقعناه، خاصة أننا كنا نأمل أن تعود الريادة فى فن الحجر إلى مصر، وساعد السمبوزيوم على تقريب الفنانين من بعض، وأصبح كل واحد منهم سفيرا لمصر فى الخارج، ثم انتقلت الفكرة إلى عدد آخر من الدول العربية مثل فلسطين وسوريا ودبى، كما أقيم أيضا فى مصرفعاليات فنية تتبع القطاع الخاص تعد امتدادا للسمبوزيوم، كما أقيم المتحف المفتوح الذى يضم 160 عملا من نتاج السمبوزيوم على تبة عالية فى محافظة أسوان، وهذا المتحف يعد ثروة قومية، خاصة أننا لم نملك أيه مقتنيات نحتية عالمية باستثناء مقتنيات متحف محمود خليل، وقد تم تخصيص مكان لعرض أعمالى فى` سبيل السلحدار` . وهو عبارة عن غرفتين بملحقاتهما، يتبع الآثاربوزارة الثقافة، وصدر بها قرار وزارى ، ويتم تجهيزه حاليا، وهى ضمن منطقة كاملة من الآثار المعمارية.
- وماذا ينقصنا فى مصر للاستفادة القصوى من الأعمال النحتية؟
- ينقصنا التخطيط والإعداد الصحيح، فمثلا هناك تمثالان فى ميدان المساحة بالدقى، لايعلم بهما أحد، فالمكان الموضوع به التمثالين به أشجار تعوق رؤيتهما، والمحافظ انتهت رسالته بإرسال خطاب إلى وزير الثقافة يطالبه بتخصيص عملين لوضعها فى الميدان، دون أن يقوم بعمل تخطيط للموقع، أو حتى تواجد عسكرى واحد لتنظيم الشارع عند وضع الأعمال.
بقلم : أحمد سميح
جريدة روزاليوسف : 7-6-2009
آدم حنين: فى باريس بدأت اسأل نفسى: من أنا؟
- يرى أن الفن ليس مجرد نحت تمثال وإنما تربية متواصلة للنفس:
- النحات والمصور المبدع- آدم حنين- فى أبسط تلخيص ممكن لمن يتأمل ويتعمق القانون الفكرى والجمالى الذى يحكم كلية ابداعاتة النحتية منذ الخمسينيات وحتى الآن يشكل فى اعتقادى استمرارا خلاقا مجيدا وواعيا للسلسلة الطويلة المتعاقبة من البنائين والنحاتين الذين شيدوا الأهرامات ونصبوا المسلات، وأحيوا بالنقوش الغائرة والتماثيل المعابد والأضرحة.
- غير أن أصالته والتزامه الحى المعبر عن جذوره وتراثه فى النحت والتصوير الفرعونى لا يقلل من قوة الحداثة فى انجازه الجمالى والفنى... غير أنه يتميز وينفرد عن كثيرين من الناحتين المصريين والعرب برفضه الواعى الحر الاستلاب والتبعية لحضارة وفنون الآخر الغربى الاوروبى.
- يمارس أدم حنين فى ابداعه حرياته المجانية فى اختياره موضوعاته النحتية وأساطيره المعاصرة ببعدها التعبيرى التشكيلى سواء من نبع الطبيعة والانسان والحيوان أو كليات الرؤى الكونية لمعنى الوجود والنماء ودفء التواصل بين الانسان والطبيعة وصخب الحياة وديناميكيتها وهو يجسد فى نحتة أحيانا المواضيع المألوفة التى يتبادلها فى معظم الأحيان بظرف ودعابة.
- وتردنا تكويناته النحتية الصرحية وتصاويره على أوراق البردى لحميمية التزامه بجذوره فى مصر القديمة التى يبدو أنه استوعبها بعقله وحملها فى قلبه طوال رحلة عطائه المتجددة بالرؤى والأساليب التشكيلية.
- طريقى بدأ بالتساؤل الطفولى عن غموض الكون وكيفية خلقه
- كيف بدأ مشروعك؟
- عرفت طريقى وأنا صبى.. كنت دائما وبلا ارادة أفكر، فالمشروع بدأ من الطفولة.. بدأ بالتساؤل البرئ عند الأطفال.. عن غموض الوجود.. كيف خلق الكون.. هذه أسئلة تشغل فكر الانسان الفنان طوال عمره بعضها يتساقط وبعضها يتبلور ويظل يتغربل والنتيجة ما يخلفه الفنان حسب مراحل العمر وممارسة التجربة، وطريقة التربية والظروف الحياتية ويظل بعد التصفية سؤال.. السؤال هو عن معنى الوجود ألا أن تصطدم بواقعة أو تجربة توجهك.. وكانت هذه التجربة بالنسبة لى زيادة واكتشاف عالم المتحف المصرى للآثار الفرعونية ، وأنا عمرى 8 سنوات وكنت فى ابتدائى المتحف المصرى اعطانى نوعا من الاجابة وارشدنى لبداية الطريق عرفت من خلاله أن هناك عالما ساحرا مهيبا آخر لم يكن فى بيئتى المحدودة.. حيث المدرسة والبيت..
- كيف ترى الفن وما هى المؤثرات الاولى التى كونت مشروعك التشكيلى؟
- إن الفن عندى نوع من الأحلام. إنه اكتشاف .. بالصور والابداع عندى لا يطرح أسئلة ولكنه تأكيد وتعميق اجابات وأفكار مستقاة من التجربة الخاصة والقراءة والمشاهدة والتأمل.
- كان المؤثر الأول الغريزى فى تكوينى دهشتى وفرحى وأنا التقى بالنحت الفرعونى عندما زرت المتحف المصرى وأنا فى الثامنة ولاحظ ` الأب دريتون ` مدير المتحف انذاك اعجابى الطفولى فاهدانى كتابا مطبوعا أبيض وأسود عن بعض تماثيل ومنحوتات الفراعنة.. وأنكبيت على هذا الكتاب ولا أكون مغاليا اذا قلت اننى فى هذه الفترة من طفولتى ربما أكتشفت بداية الطريق.. هل قررت أن أكون نحاتا.
- ورغم نضجى الآن وممارستى للفن وكل خبراتى فكل ما استطيع قوله لك فى بداية الحوار..
- أن جوهر النحت المصرى القديم هو المهابة والرقى وصلابة وخفة التمثال أو المنحوتة وهاتان الصفتان هما اللذان اعطيا الفن الفرعونى شكلة الذى يبدو بسيطا إنما سحيق وعميق الأغوار.
- لعب التأثير عندى دورا بسيطا فأنا دائما اتأثر بكل فن جيد راق معبر يحمل أكثر من بعد ودلالة عبر لغته التشكيلية وخصوصية حضارته وانسانيته فى نفس الوقت فأنا أتأثر اذن بكل ما تقع عليه العين، وعندى معايير جمالية وعديدة ومعقدة.
- غير أنى لم اتأثر بأساتذتى فى كلية الفنون الجميلة ربما لأن الاتجاه الاكاديمى لا يخاطب ذوقى ومشاعرى وبحثى الغريزى عن أصالتنا.
- واعتقد أنى تأثرت بمختار. لقد أثار فى بعمله وأحاديثة ضرورة وجود فن مصرى قومى بأسلوبية مصرية غير أن مختار وأرجو أن أكون مخطئا رغم اهتمامه بالفن المصرى غير أنه أخذ الشكل الخارجى ولم يدرك صراع المتناقصات فى بنية النحت المصرى والتى حكمت جوهر النحت المصرى القديم كما قلت بين الخفة والصلابة.
- هناك قطبان متناقضان فى جوهر الفن المصرى القديم وهما الكتلة والخفة.
- ماهى أهم الاشكاليات التى رافقتك فى حياتك العامة؟
- اشكاليات حياتى العامة كفنان تشكيلى مرتبطة بالوطن بتاريخى القديم والحديث وحياتنا ومجتمعنا له متطلبات غير بعض المجتمعات الغربية.. كانا الجلاء والاستقلال وحكم الدستور وكنا مشحونين ضد الاحتلال وضد فساد الملكية وأنا أعتبر نفسى من الذين عاشوا مجد الصعود الناصرى والحلم القومى وكان عندى اتجاه يسارى لان الوضع السياسى.. كان ينقسم لاخوان مسلمين ويسار واللا موقف.
- استشارتنى فى البداية حركة الفن والحرية وأقطابها أمثال رمسيس يونان، وفؤاد كامل.. فعرفت أن هناك جديدا مختلفا عن التصوير التقليدى.. غير أنهم لم يقنعونى بالمغالاة فى التجريد والسريالية التى شعرت انها هجينة على أصالتنا التشكيلية التى تشكل جذور الشخصية المصرية.
-` مجموعة عبد الهادى الجزار ` و` حسين أمين` كانت تعجبنى وتبهرنى لأنهم كانوا يبحثون بجدية ووعى عن أسلوب مصر يمعاصر وحداثى غير انه يقوم على المعنى والجذور فهم فى أعتقادى حاولوا البحث عن المصرية فى فن التشكيل فلجأوا إلى موضوعات الزار والسحر وعبروا عن موضوع مصرى وله شكل حداثى آخر للرسم والتصوير.
- العملية الابداعية عندى لها منطقها الخاص.. لا نعرف فيها أين يبدأ الواقع وأين يبدأ الخيال، وفى النهاية لا نعرف هذا من ذاك لانها خرجت من مخزون الذاكرة الممتلئة بعديد الذكريات والموضوعات والخبرات والتجارب والملاحظة والمراقبة والرصد والمؤثرات.. تخرج إلى الفعل الابداعى ممزوجة بكل هذه الأشياء.
- وكل ذات فنية وبما تحتوى من مخزون تشكل وتحقق العمل الابداعى المتميز الفريد غير المتكرر.. وهذا الذى يؤدى للتنوع والفردية الاساسية بين فنان وفنان فى اختلاف الرؤية والتجسيد والتحقق الجمالى.
- رحيلك عن مصر.. هل كان بسبب التراجع الساداتى عن مكتسبات عهد يوليو؟
- بكل تأكيد هذا هو السبب الرئيسى.. لقد شعرت أو أدركت ان وجودى أصبح صعبا وغير منطقى وغير مطلوب فماذا سنفعل اذا بقيت وعشت فى مصر فى هذه الظروف المضطربة المنهارة المتفككة.. هل سنعمل بالسياسة أو نستسلم لغيبوبة المخدرات والهروب من مواجهة الواقع بأشكال فنون التجريد والفانتازيا أو الانتحار البطئ. كان هذا احساس وما سيطر على فى شهر نوفمبر 71.
- كنت أتوقع بوعى أو بغير وعى أن ظاهرة تراجعات السادات ستستمر وتنمو وتدمر ايجابيات ثورة 1952 وتقضى عليها أو تؤخر تحولات الثورة وتحقيق الاحلام القومية العظيمة التى انجزها رغم كل نقد عبد الناصر.
- وفى لحظة يأس حزين اتخذت قرارا بالهجرة إلى باريس حتى اشاهد وأدرس وانغمس فى منجزات الحضارة الاوروبية والآخر ثم اذهب الى المكسيك وتركت البيت لشقيقى يقيم فيه.
- كانت لحظة صعبة فهذا مكانى الذى أعيش وابدع فيه على أن اهجره مؤقتا والمكسيك كما قرأت وأحلم.. تحتوى على حضارة المكسيك القديمة! فيها شبه بالحضارة المصرية القديمة مع الاختلاف بالطبع فعندهم أهرامات ورسومات ومنحوتات هامة ولكنى ظللت أعيش فى باريس بوتقة الثقافة والفن والادب والسياسة.
- وماذا عن ابداعك فى مرحلة باريس؟
- منذ بدأت الرسم أو النحت فى أول حياتى وأنا لم انقطع عن الابداع تحت أى ظروف.. ولذلك لم انقطع عن الابداع فى هجرتى الى باريس بل بالعكس لقد تكتف الابداع وتدفق واتخذ رؤى وأشكالا جديدة مبتكرة ومدهشة بالنسبة لى..
- لقد احسست أنى اختنق فى بداية حكم السادات فسافرت إلى باريس ومصر فى داخلى وقلبى ووجدانى وعقلى كان وطنى بالمعنى الشامل بداخلى.. ولعل هذا هو الذى ساعدنى وحصننى من فقدان شخصيتى المصرية الفنية كذلك طموحاتى ومشروعى التشكيلى منهما شاهدت من معارض ومتاحف وتأملت ودرست الاتجاهات الحداثية فى الفن والتى كانت تصطخب بها باريس وأوروبا وقتذاك.
- لقد وجدت نفسى محاطا بفنون وابداعات كل رموز وأقطاب الفن الاوروبى.. فتساءلت وخفت على نفسى وقلت فى تساؤلات محيرة لماذا جئت؟ وماذا سأفعل هنا؟.. وماذا أريد؟
- اعتكفت فى منزلى.. وزارنى ` جمال كامل ` خلال عودته من رحلته فى انجلترا واهدانى ` علبة ألوان ` ونوتة وكانت مشكلتى فى البداية أننى لا اعرف ما أملكه ورغم ذلك حاولت أن ارسم ولكن المشكلة التى واجهتنى أن الامر ليس رسم صورة.. كنت اريد أن أعرف ماذا عندى وما هو الذى املكه.. وظللت أرسم وكان منزلى جديدا على أسلوب معيشتى الذى عشته فى منزلى ومرسمى بالحرانية بالقاهرة.. وكانت محصلتى فى مصر وهى التى املكها وتساءلت ما هى مكوناتها وجوهرها.. وكنت أمارس التأمل لمدد طويلة من الزمن.. أتامل. نمو النبات.. وحركات الحشرات الصغيرة، وبدأت ارسم.. وكانت هذه تجربتى ومجموعاتى على أوراق البردى.. التى بدأت الرسم عليها منذ أن زارتنى تحية حليم بباريس واهدتنى بعض أوراق البردى.
- ووجدت نفسى أصبغ تأملاتى كلها على الورق وبدأت اقرأها.
ولكن وضعى وحياتى اليقظة فى باريس واعتكافى دفعنى لوضعها على الورق مجسدة، وهذا فى حد ذاته اجابة على سؤال من أنا؟
- وحيث استغرقت شهورا وهى مجموعة عندى مرسومة وعرضت فى المعرض لاستعادى الذى اقيم فى قصر الامبراطو عام 2006.
- هذا فى حد ذاته مرتبط باحداث تستوحيها حتى لا تضيع منك، حتى لا تدفن هذا التيار الادبى الذى تعيشة والموجة عالية، فبعد أن تعرف من انت وتاريخك يمكنك هذا الاستعداد لطرح سؤال ماذا سنفعل؟
-وماذا ترفض ويؤهلك لان تحكم على الذى تراه حتى لو كان الحكم خطأ فترفض الضياع والتردد وهذا يمنحك قوة وارادة، هذا بجانب أن ما يدور حولك فى أوروبا من مدارس واتجاهات فنية وأساليب حداثية تعطيك قدار من الحرية.
- والان وبعد جهد ومثابرة عرفت من أنا.. هذا لن يجعلك ترفض الذى حولك ولكن يبقى أن لك حقا فى الحرية بأن تتجاوز كل هذا وتبحر فى بحار جديدة وتفعل ما تريد وما تراه بالرغم من ارتباطك بماض وتاريخ لأن الانغماس فى المصرية خطاً بشكل معين يجعلك انطوائيا ويجب أن تقيم توازنا بين مصريتك وأصولك وبين ما تراه من جديد وتجريب وحداثة، فالفن فى أعتقادى ليس ان تجلس وترسم صورة أو تنحت تمثالا أو تدخل فى تجارب انما هو تربية، تربى نفسك، تشتغل على نفسك، هذا الذى يخرج هو نوع من الالتزام.
بقلم : عبد الرحمن أبو عوف
جريدة : الأدب 26-11-2006
الوريث 55 سنة من الابداع
- بفكر ورؤى تمتد إلى حيث تكمن جذور الفن.. انطلق الفنان آدم حنين حاملا ما خلفته مصر الفرعونية من إرث تشرب به إزميله وحفظته أنامله عن ظهر قلب، وراح يطوف به بين المعابد والأضرحة وتماثيل مصر القديمة المهيبة يتأمل بتمعن ويدرس التفاصيل، يحاول فك طلاسم ذلك الفن العتيق يبحث عن أبعاده ويستفسر عن حدود هذه القوة فى الأداء وتلك الحرية والحيوية الواضحة فى صدق التعبير حتى تشبع بها، وتمكنت أصول الفن الفرعونى من ذاكرته ومخيلته معا، حيث نالت من ماضية وحاضره ومستقبله، لكنها فى الوقت نفسه منحته أسرارها الدفينة ووضعت يده على كافة خباياها التى تخفى مكنون روعتها وعظمتها.. فبعد أن خاض آدم العديد من التجارب وهو فى ربيعه فى الخمسينيات من القرن السابق منحته مصر الفرعونية فى وقت مبكر قدرة التواصل معها.. أنه من استحق شرف أن يكون أحد أبنائها المقربين.. وأحد الذين يستحقون لقب الوريث..
- فى الثامنة من عمره كان يحلم أن يكون نجارا، يطوف بإزميله وسط قلعة من الجرانيت، يمنحها بعض الحياة وينعش فى ذاكرتها ذلك الخلود المقدر عليها، امتدادا لفراعنته القدماء.. وها هو الآن يحقق حلمه، يعرض مسيرة خمسين عاما من الفن والنحت فى قصر الأمير طاز بأعمال ذات أحجام مختلفة وبأنواع عديدة من الجرانيت الأسود والوردى تحكى كل منها مشوار حياته الحافلة بالتعامل مع خامة عريقة مثل الجرانيت وبأداء وتكنيك القدماء وبفكر ورؤى تحتفظ بقوة الفن المصرى القديم لكنه ينطلق نحو بعد آخر أكثر حداثه يحمل بصمة آدم الخاصة، والتى تفيض فى مجملها بحس المرح والدعابة وخفة الظل.. فتلك الخطوط البسيطة التى تتعرج على أسطح الجرانيت أو الحجر الرملى أو الجبس تحكى بسلاسة مدى تمكن هذا الفنان من أدائه، ومدى نضج رؤاه فى طرق تناول الموضوع، وأسلوبه فى معالجة السطوح بما يخدم العمل الفنى ويمنحه ديناميكية وحيوية محققا البعد الرابع للكتلة.
- تلك الحبكة وهذا التمكن لم يأت من خواء فقد كشف عنه مبكرا منذ أن تخرج فى كلية الفنون الجميلة قسم النحت عام 1953 وحصل على منحة تفرغ من وزارة الثقافة لمدة 4 سنوات ظل يتنقل خلالها بين النوبة وأسوان والأقصر حتى تشبعت عيناه وذاكرته بانكسارات الخطوط المستقيمة بين الأحجار ومنحدرات الصخور التى تصنع بعدا جماليا لا مثيل له وملامس الطبيعة الواضحة على أسطح الجرانيت وكأنها يد بشرية عبثت بدقة فى نحتها وتشكيلها لتبدو قطعة أو جزءا لا يتجزأ من الساحة المحيطة بها، يتبادلان معا سيمفونية جمال وروعة، بحس متناغم يضفى دفئا وخصوصية على المكان فيبدو عملا فنيا كبيرا من صنع الطبيعة. وقد أثرت تلك الفترة فى مساره الفنى كثيرا وتوالت بعدها المنح للدراسة فى ميونيخ ثم فرنسا التى استقر بها فترة منذ عام 1971 وأسس مرسما خاصا به هناك.
- ظل آدم حنين يعمل بلا هوادة وفى حدود مرسمه الصغير الضيق لتنفيذ أعمال من البرونز والحجر على مدى خمسة وعشرين عاما زار خلالها متاحف باريس والتقى بفنانيها ثم انتقل إلى إيطاليا لاستكمال الدراسة والنهل من أقطاب الفن الإيطالى.. وفى عام 1996 قرر العودة إلى مصر، إلى الاستقرار والتفرغ الكامل لتأسيس متحف للجرانيت فى مرسمه الخاص بالحرانية المطل على الأهرامات، فأخذ يتناول أحجاما ضخمة من الكتلة ولعل أهمها مركبته المصنوعة من الجرانيت والبرونز البالغ طولها تسعة عشر مترا.
- وكان أول ما بدأه فى مصر هو ترميم تمثال أبو الهول بتكليف من وزارة الثقافة، ذلك المشروع الذى منحه ثقة كبرى فى أن يصبح فنه امتدادا للفراعنة لذلك اتجه نحو مصر العليا مؤسسا الملتقى العالمى للنحت على الجرانيت ` السمبوزيوم` ليؤسس جيلا من النحاتين والبنائين، ويمنح العديد من فنانى مصر والعالم فرصة النحت على جرانيت الفراعنة فى أسوان بأعمال يتم توزيعها فى أنحاء مصر مساهمة فى تجميلها بشكل فنى منظم.
- لم يكن الفنان أدم وريث الفراعنة فقط فى أصول النحت ولكنه خاض العديد من التجارب مستخدما الأصباغ الطبيعية فى الرسم والتلوين على ورق البردى متأثرا بنحته، فرسوماته تحمل هذا البعد الرابع الظاهر فى حيوية الخطوط وعمق المساحات وتداخل البناء، وله فى هذا الإطار حصيلة كبرى اختار أن يعرض منها فقط 263 صورة ملونة و174 صورة أبيض وأسود فى معرضه الحالى الذى يمثل مسيرته الفنية كاملة فى التعامل مع مختلف الخامات بداية من الحجر الرملى والبرونز، الإردواز الخشبى، الجبس، الجرانيت. إنتاج غزير يفيض بالتجدد فتحمل كل قطعة فنية فى معرضه بصمة من خبرته الفنية خلال تطوره، فكأنها يوميات فنان، كل شريحة تمثل مرحلة، وكل أداء يحكى قصة طويلة مع الخبرة. واختلاف الطابع بين كل قطعة فنية وأخرى يشير إلى الخبرات وهذا الإرث لجيل بعد جيل وهو مادفع معظم نحاتى مصر والعالم لاعتباره الأب الروحى لفن النحت المعاصر.
بقلم : ناهد السيد
جريدة : ` البيت` الاهرام ` إبريل 2006
آدم ... والنظام الخفى
- آدم حنين فنان مصرى ذو أسلوب متميز وثقافة ووعى فنيين وهو نحات فى المقام الأول ولكنه يتعامل مع وسائط التعبير المسطحة بالرسم والحفر والتصوير بالخامات المائية ..
- وقد تخرج فى قسم النحت بكلية الفنون الجميلة عام 1953 ، وحاز على جائزة الأقصر ، وهى منحة دراسية لمدة عامين فى مرسم الأقصر بالضفة الغربية من المدينة بجوار المعابد العملاقة والمقابر الرائعة فى وادى الملوك والملكات ، وفى مدينة هابو والرمسيوم والدير البحرى ودير المدينة ومقابر الأشراف وقريتى الجرنة القديمة والجرنة الجديدة التى ارتبطت عالميا باسم مصممها ومباشر تشييدها المعمارى الفنان حسن فتحى ..
- فى مرسم الأقصر ، تعرض آدم لصروح الفراعنة بهياكلها الضخمة وتفاصيلها الفذة كما تعرض للحياة الصعيدية الشعبية بما تحمله من رواسب تراثية ممتدة عبر حلقات التراث المصرى ..
- وعاد آدم من الأقصر ليلتحق بالمتحف الزراعى بالقاهرة كنحات متفرغ إلى أن حصل على منحة التفرغ من وزارة الثقافة المصرية والتقى بنخبة من الفنانين المتفرغين وتحت رعاية المفكر الأستاذ حامد سعيد الذى يرسخ البعد التراثى فى فن أدم ويساعده على مزيد من التخفف من التقاليد الأكاديمية التى درسها بالكلية.
- وينتقل آدم إلى باريس منذ عام 1971م حيث يتسع احتكاكه بما يجرى فى الحركة الفنية المعاصرة فى العالم ، وتتوافر لدية فرص تأمل آيات التراث العالمى العريق التى تكتنزها المتاحف الفرنسية..
- ومن منجزاته الأساسية تمثال ميدانى فى حديقة بمدينة بورت روز - ميدان الزهور - بيوغوسلافيا ، وتمثال آخر بحديقة الأكاديمية المصرية للفنون فى فيلا بورجيزى ` بروما ` ..
- فى زيارة للفنان - آدم حنين بمعمله بباريس قضيت وقتا ثقافيا ممتعا أردت نقله إلى جمهور القراء المصريين.
- بعد أن تفرست المكان بعينى - وهى عادة لا أستطيع الفكاك منها - أذن لى أن أتجول فى المكان .وسارعت بالقيام بذلك وحدى حتى أقف على معالمه ونظامه حتى أتبين أسلوب الفنان فى العمل ومزاجه وميوله والجو الذى يعمل فيه .
- ووقفت أمام عدد قليل من الحجارة بعضها تأثر بالأزاميل وبأدوات القطع وبعضها نمى عليه الفطر الأسود وصار كالحديد الصدىء المتآكل جزئيا أو كحفريات أركيولوجية أخرجت لتوها من أعماق كهف أو بحر إلى جانب قطع كبيرة متوازية المستطيل فى هيئتها من الجرانيت الرمادى البارد ، وشظايا من مختلف الأحجار والأخشاب منها الرخام البللورى والمرمر وغيرها مما لم أستطع التعرف على كنهه.
- ها هو آدم يمشى طيفا ويتحدث بندرة وتفصح قسماته عن خجل متواضع حينما أطريه أو حينما أسأله سؤالا متحزلقا مما اعتاده الفنانون فيما بينهم ، لكى يفصح عن أسراره وعن مشاعره وعن طريقته وما يفضل وما لايفضل ، طريقة اثارته ، وعما يجول بخاطره وما يحرك أنامله ، وعن علاقته بالأدوات وبالخامات وبالمنتج .عمن يجب ومن لا يحفل به من فنانى العصر عن شعوره نحو التعامل مع المجسمات أو مع ثنائيات الأبعاد من الرسوم الملونة على البرديات الفسيحة فى اتساعها .. عن سبب إعجابه بالخامات والسطوح العتيقة فى مظهرها ، ( وذلك شىء يسهل التعرف عليه لأول وهلة حين نرى أعمال آدم حنينن ) ..
- وفى سياق الحوار قد أقاطع آدم قائلا ( اللهم إلا إذا كان السؤال يبدو لك خاوى المعنى أو سخيفا ) .. أو أقول له ( أنت تعلم طبعا أنى ألقى الأسئلة لأتعلم وليس ..لامتحانك أو لإحراجك ) فيعود إلى الألفة والاطمئنان فى الإجابة . وأحيانا ولفرط حلمه فى الحديث يصل إلى نقطة يقول ياه ( أنا كنت بقول إيه ) وذلك حينما ينشغل فى الإشارة إلى جزئية ما يشرحها لى وهو بلا شك أكثر بلاغة فى لغة الإشارة والحركة من لغة الألفاظ والكلمات..
- أسئلة تقليدية كيف استطاع المكان أن يتلاءم مع ما يطلبه هكذا مع متطلباته كفنان ونحات فى المقام الأول ؟ ..
- وعن كيف سكت جيرانك عن الضجيج الذى تحدثه الأحجار والمعادن تحت معاولك ؟ .. من أين جئت بتلك الأحجار العجيبة ؟ وماذا تفعل بتلك الأدوات الرقيقة وأنت تتعامل مع هذه الأحجار الصلدة الضخمة ؟ ..
- وتأتى الردود على التوالى : إن المكان قد صمم معماريا ليكون ورشة نحات تضم مكانا لتشوين الأحجار ومكاناً للعمل خارج الجدران وآخر داخل الجدران ( لاعتبارات التقلبات الجوية العنيفة من موسم لآخر ) كما أن الفاصل الأساسى بين المكانين قد صنع من الزجاج إذ يحتاج النحات كما هو معروف إلى قدر كبير من الضوء ، وهناك أيضا مخزون مغلق ومكان استقبال واستراحة صغيرة أضع بها كتبى وأوراقى وأقابل زملائى وزوارى لذلك لا يحتج الجيران لأن مكانى قصى بعض الشىء عنهم ولا أعتقد أن طرقاتى تصلهم على نحو مزعج .
- أما عن الأحجار فهى رزق من الله ( كيف ذلك ؟) تلك الكتل متوازية المستطيلات من الجرانيت الهائل أبعادها تصل إلى 40×40× 100سم هى أرصفة تم الاستغناء عنها فى باريس فطلبت من الحمالين نقلها إلى مكان مشغلى بدلاً من إلقائها فى مكان آخلا ، وكذلك باقى الأحجار الضخمة ، بعضها كان مدفوناً بالفعل فى أماكن خالية قريبة فحين تم تخطيط المكان وشرع فى استثماره صارت تلك الأحجار غنيمتى ..
- وهكذا قبعت أحجار سنين وقرون فى جوف الأرض الفرنسية تؤها أرجل الألوف من الناس حتى تسلمها الأقدار إلى المصرى الساحر آدم حنين . أما عن الأدوات الصغيرة ( الدفر والأزاميل الدقيقة ) فهى ما استعمله فى الجص ، فأنا أتعامل مع هذه الخامة أيضا لأنها طبيعة ويمكن صبها وهى فى حالة السيولة وتجفيفها .والأعمال الخزفية ؟ آة هذا شىء آخر - ده اسمه ( ستون وبر) أى ( الخزف الزلطى) ..تعرف أن الزلط والحجر يتكونان ، عبر آلاف السنين نتيجة لمؤثرات جوية - بهذه الطريقة أنا أحول الطين الهش إلى حجر صلد دفعة واحدة فى فرن قوى جدا فأختصر آلاف السنين فى عدة ساعات وأحصل على حجر كامل الصفات بعد أن أشكل عجينته الطينية على هواى ووفقا لرؤيتى ..وأنا أتعامل مع رجل محترف فى هذا الفن وهو يطيعنى ويساعدنى فى التوصيل إلى التأثيرات المطلوبة فأنا لا ألوان تلك الأعمال المتزلطة بل أعذبها بالأكاسيد وبالعناصر الطبيعية فتصبح مندمجة مع أصل الطين وتصير من أصل الزلط الصناعى كيف ؟
- هل تعرف الزلط حينما يكسر ؟ إنه أبيض من الداخل وفيه حلقات بينما يبدو سطحة قاتما خشنا - هذا هو ما يحدث تماما لأعمالى الزلطية ، فهى قائمة خشنة من الخارج بيضاء ذات حلقات من الداخل نتيجة لدرجات وصول الحرارة إلى أعماقها أثناء الحريق القياسى الذى تتعرض له.
- وهنا خرج من مخزنة قطعة نحتية تشبه الطائر وتشبه الجرانيت - وقال : هذه القطعة مثال لما أقول إنها طينية قسيت بالنار وعوملت بالأكاسيد بطريقة خاصة فتبدت للناظرين كالجرانيت الرمادى - وأقول إن الشبه يثير العجب حتى اضطرنى فضولى إلى أن أحمل القطعة بصورة غير مهذبة بدت وكأنى أتحقق من أنه لا يخدعنى .وعلى الفور اعتذرت قائلاً لولا ثقتى بصدقك لما صدقت ما تقول لأن الشبه مدهش حقا ..
- شبه العصفور ، وشبه الزلط بداية جيدة لتساؤلات جديدة منها ما يتعلق بخيالات آدم ومنها ما يتعلق بموقف آدم من التشبيه آى التمثيلية - وبموقفه من المنظور ومن الخدع البصرية بحيث تنم الكتلة أو السطح عن حالات ليست كامنة فيها حقيقة ( وهذا فيما أرى شغل الفنان وعمله فى كل الأحوال ) من الزاوية التعبيرية التوصيلية فقد كان الفنان دائما يحاول التوصل بالوسائط التعبيرية لنقل أفكار وانطباعات يستحيل أن تطابق الأصل المقصود لإيضاحه أو توصيله ، ومع تعود مدركاتنا على التقبل الرمزى لتلك العلاقات الشكلية صارت تؤثر فينا اصطلاحيا وكأنها صنو الأصل المقصود التعبير عنه بالرغم من تفاوتها حجاما ومقاسا ولونا ودرجة وطبيعة وصرنا معشر البشر فى حالة من الاستسلام لتقبل تلك الرموز الاصطلاحية كبديل للواقع ، فطورة المرء فى جواز سفر تثبت شخصيته ، وخاتم الدولة يثبت شخص الدولة ، والعلم يعبر عنها ، كلها رموز بعيدة الشبه للغاية ولكنها صارت فعالة مع تطور احتياج الإنسان إلى التجريد الرمزى لتبسيط إجراءات التعامل التى قد تستحيل بدونها ، فورقة بنفس مقاس صفحة هذا المقال قد تساوى مليمات وقد تساوى آلاف من الجنيهات لأن عليها علامات بنكنوتية أو لأنها من القدم بحيث صارت فريدة القيمة .والفنان يتعامل مع هذين العاملين معيار الرمز ومعيار القيمة فلعل من الأرخص أن يشترى المرء هضبة أو جبلا من أن يشترى صخرة نحتها المثال البريطانى الشهير هنرى مور الذى أطلعنى آدم وزوجته الرقيقة عفاف على الرقم الذى حطمته المبيعات لهذا التمثال إلى أكثر من المليون جنيه بكثير ..
- وهنا يأتى السؤال المركب الذى سبقت الإشارة إليه وكنا أمام تمثال كتلة تبدو لى وكأنها برج القلعة على سفح جبل تقوم على قاعدة على هيئة ظفر طائر خرافى..
- آدم - ماذا يدور فى رأسك أثناء عمل قطعة كتلك ؟ فرد قائلاً: لا شىء أبدا.. هى أشياء تصدر وحدها . أحس بها هكذا !
- ألا تفكر مثلا فى برج قلعة هنا ، أو فى ظفير طير هناك ؟ فينفى آدم ذلك تماما ، فأسأله : ما الذى يدفعك إذن لاتخاذ قرار مثل : جعل هذه الناحية كذلك وتلك على هذا النحو ؟ ..
قال : طبعا كل هذه الأمور فى ذهنى وتظهر دون تخطيط سابق ، تلقائية دون تحديد .قلت - أيمكنك أن تضع نفسك بقدر أكبر فى زمرة التجريديين إذن حيث إنك تبدأ بالعلاقات وتنتهى بها ..دون وازع تمثيلى ؟ ..
- لا طبعا - أنا أرى أن السؤال خطأ - شىء ما فيه خطأ ، لأنه لا يوجد ما يمكن أن يكون قاطعا محددا بهذا الشكل .
- ورددت بطبيعة الحال ، ولكنى أسألك إذا ما كان عندك درجة ميل أكثر إلى هذا من ذاك ؟ فقال : يمكن أن تقول هذا . أنا تجريدى ولكن لست مجافيا للطبيعة .
- بالمناسبة ( بمناسبة ذكر الطبيعة ) هل تعتبر مصادرك فى الأعمال الفنية المنحوتة والمرسومة ؟ أم فى الخامات الطبيعية والصناعية من حولك ؟ ..
- يعنى هل تكون مصطلحاتك عن الأشكال والتأثيرات اللمسية من معلوماتك ومشاهداتك للأعمال الفنية ، أم تميل أكثر إلى الحصول عليها من خلال تأمل الموجودات من حولك على تنوعها ؟
- قال : - من الاثنين كليهما بالطبع .
- آدم هل عندك تعصبات معينة بمعنى هل هناك أشياء حتمية لها عندك مكانة خاصة ؟ وهل هناك أشياء قررت رفضها ومقاومتها كلما وجدتها ..
- دعنى أعطيك مثالا لأوضح سؤالى لك .. مثلا أنا وأنت ويمكن كل فنان يقف عندما يرى أن عمله قد تشابه ولو جزئيا مع فنان آخر ، خاصة إن كان معروفا جيدا .عندئذ يتوقف ليعيد النظر فيما يفعله وكى يبعد عنه الشبهات . هذا المثال على أية حال معتمد عند كل الناس وبالتالى فهو نوع من القوانين العامة بين الفنانين وأنا أطرحه كمثال كى تعطينى إن كان لديك أمثلة على مستواك الشخصى . أشياء تحبها بشدة أو تكرهها بشدة ..
- يقول : أقول لك مثلا .. أنا مثلا أكره أن أكون أسيرا لأسلوب محدد المعالم ، ولذا ترنى أنتقل من خامة إلى خامة ، ومن المسطح إلى المجسم ، والعكس حتى لا ` أتنمط ` وأقع أسيرا لطراز معين ( شوف : الفنان الذى يجد أسلوبه يموت كفنان ) الفنان له طاقات أوسع بكثير مما يعتقد ، وحين يقتنع بأسلوب ما ليميزه فإنه يكون فاقدا لطموحه وعاجزا عن تنسيق طاقاته الإبداعية وعن الإفصاح بحرية وبلاغة وتنوع.
- وأمام عمل نحتى آخر صاغه الفنان آدم حنين أتساءل .. هل لك عادات معينة - كأن تنحت فى ضوء معين أو فى ساعة معينة من النهار حتى تتفاعل مع متغيرات ضوئية واحدة ؟ ..
- لا .. أنت عارف أنا أتعامل مع مجسمات لا ألوان .
- إننى أرى من الأسهل التعامل مع الألوان تحت ظروف إضاءة مختلفة ولكن النحت يتحقق أساسا كما أراه أنا من خلال الاسقاطات الضوئية بنسبة متفاوتة على الأسطح مما يسمح لنا أن نراها مجسمة فى إيقاع متوافق أو متنافر .. بينما تتغير الألوان على السطح المرسوم بنسب ثابتة مما يحافظ على العلاقة المتبادلة فيما بينها ..
- ويضيف آدم - أنا أحس العمل بالإحساس ( أنا أكره كلمة لمس ) ولكن أدرك وأحس العمل بما تعنيه الكلمة التى أكرهها ..
- أسأله : هل ترى أنك ترسم الملمس على سطوح مجسماتك ؟ إننى أراك فى هذا الجزء مثلا ترسم بالمطرقة تنقيطات مثل تلك التى على الأرصفة والأعتاب القديمة بينما تترك الحواف شبه مصقولة مما يجعل تلك الحواف تقوم بدور الفواصل فى الإيقاع التشكيلى ، أو أنها تنقلات تحويلية فى الانتقال من سطح لآخر ..
- يقول : بالفعل .. تعرف ، أنت قلت تنقيط .. أنا لى فترة أرسم ` نقط `، ` نقط ` وحسب وقفز كالطير الطليق صاعدا فى سماء وأحضر قطعة من ورق البردى عليها نقط متكاثفة بدرجات اللون البنى المحروق على أرضية فاتحة .. غير أن الضوء يتأتى نتيجة لتنوع كثافة النقط ومساحاتها النوعية فى تفاوتها وفيما بينها مواقع نقط بالأبيض.
- وأخذت رقعة البردى من يده وقربتها إلى عينى متأملا جزئياتها فبادر قائلا ( هذا كله بالفرشاة ) وأدهشنى منه هذا التصريح التلقائى الذى ينم عن فخار بالإتقان التقنى .. الذى يحاول دائما أن يتملص منه بدعوى التلقائية والصفاء وعدم التكلف ولا أعنى هنا أن البردية المذكورة تحمل أى شكل من أشكال التكلف أو الأستعراضية ..ويسمى آدم البرديات المنقطة تكوينات وأنا أصر على أن تسمى جرانيتيات حيث إن السطح الأرقط للبردية بألوانها البنية والوردية الرمادية يولد انطباعا مباشرا بالتأثير القوى الكامن فى مسطحات الجرانيت ..أو هى أشبه بالحيوانات الرقطاء ، كالفهد والنمر والحمار الوحشى الشائع على الخزفيات الإسلامية ، وإذا ما تفرسنا فى جزئياتها فإنها أشبه بالأحجبة التى تتكاثف فيها حروف الثلث المندمجة أو قل إنها حقل فسيح من حروف الجر والهمزات..
- عرض علينا آدم مجموعة أخرى رائعة من البرديات ذات النمط المختلف تماماً إذ لا توجد خطوط ولا تنقيطات بل مساحات لونت بالأكاسيد فاكتسبت طابعا أرضيا يصعب تسميتها لأنها مخلوطة بحيث تكاد لا ننتسب إلى فصيلة لونية ذات كنة مميز ، إنها من ذلك النوع الذى يحاكى صدء الحديد والآسمنت والجدران المتآكلة بفعل الرطوبة والتعرية ، ذات طبيعة كالحة ولكن فى علاقات تركيبية رفيعة ، وفى تنويعات مدهشة ، وبصفة عامة تبدو كما لو كانت شظايا من فخاريات أعيد تجميعها ولكن على منوال غير أركيولوجى بل بخيال فنى ملتهب ، وأحيانا تتخذ مظهر الكولاج ( القص . واللصق المصنوع من بقايا أنسجة قبطية جمعت من بطون المقابر ومحيت من عليها الآثار الزخرفية وبقى أثر الكتان والصوف الخشنين . وتتبدى فكرة الكولاج فى التأثير البصرى الموحى بأن الجزئيات متراكبة تحجب كل منها أجزاء من الأخرى ، وذلك بفعل الخط الخارجى لإحدى المساحات دون أعمال لشفافيات الألوان ويحيط تلك المجموعة من المساحات العجيبة إطار ينتمى لإحداها يختارها فتحتضن رفاقها ، ويطوقها بدوره إطار آخر .
- وفى النهاية تأتى الحروف غير المشذبة لورقة البردى فتضفى إحساسا بالعضوية يتآلف مع المجموعة اللونية وتتباين مع الطبيعة الهندسية للمساحات ذات الحواف الحادة ..
- وأحيانا وعلى البرديات نجد ما يشبه المنظر الطبيعى بالحقول والبيوت والأنهار والجبال تتوجها بالسحب البيضاء ..
- وأحيانا أخرى نرى هيئة المدينة بما فيها من هندسيات صورت بعين الطائر أو الخارطة الجوية لبقاع مجهولة أو أحيانا تتجمع المساحات داخل شكل بيضاوى تاركة الخلفية بلون البردى وتقوم مجموعة أخرى على تنويعات وحدة ( المفروكة ) وهى الوحدة الشهيرة فى الفن العربى الإسلامى والتى تقوم على مربع تمتد أضلاعه بالتتابع وبالتساوى فتشكل وحدة المفروكة بأبعادها الديناميكية الناتجة من التكرار المتتابع على نسق رباعى ..
- وفى دليل معرضه الذى أقامه عام 1982 م .. بباريس ( ص4 ) نجد عملا فريدا على البردى مكونا من حروف عربية خطية أكملت بمساحات دائرية ملونة تقوم بدور التنقيط للحروف وفيها نلحظ تأثيرا مباشرا ، للفنان ` بول كلى ` ، وتأثيراً آخر ، غير مباشر للفنان يوسف سيده الذى يضعه آدم ، ومعه كل الحق ، على رأس الفنانين الذين تعاملوا مع الحرف العربى فى صياغة جمالية معاصرة ..
- ودخل آدم ليحضر شيئا - فوجدتنى أعبث بمجموعة من المسبوكات البرونزية الجميلة لمنحوتاتة ومن بينها واحدة على هيئة شخص ارتفاعه ثمانية سنتيمترات تقريبا كان محشورا بين فكى ` المنجلة ` فوجدتنى أحرره من براثنها وأضعه مع زمرة أخرى من البرونزيات على سطح أبيض مستمتعا بظلالها الممتدة عليه ، فدخل آدم واعترفت له بخجل أننى صفقتها لأننى لم أستطع أن أقاوم .وسألته : على تستنسخ من تلك الأعمال ؟ قال نعم ، بأعداد محدودة ..
- سألته : .. لماذا لا تقيم معرضا بالقاهرة ؟ فقال : بعد زمن قليل ! وفسر ذلك بقوله إن ` الناس فى مصر ` يتوقعون منه شيئا كبيرا بعد أن قضى فى فرنسا هذا الوقت الطويل ... ` وتحول الإمكانات دون نقل أعمالى الكبيرة إلى القاهرة لأقيم معرضا مشرفا يمثلنى . ولذلك أتردد فى عمل معرض هناك .. `
- قلت :أشفق عليك فأنت مفرط فى التواضع ، كما أؤمن أن قيمة العمل لا تكمن دائما فى حجمه الفعلى ، بل بحجم تأثيره فى المشاهد الواعى وفى عمق علاقاته ولذا فأنا أدعوك أن تحضر عددا من التماثيل البرونزية الصغيرة وأن تقيم بها معرضا بالقاهرة ، وقال موافقا إنه يتمنى منذ زمن أن يقيم معرضا فى القاهرة ، وأنه ربما يكون الأوان قد آن لذلك.
- وفجأة أسأله .. : من هم أحب الفنانين إليك ؟..
- قال بلا تردد ( برانكوزى ) .. قلت وماذا عن ( جياكوميتى ، وزادكين ، وإيستين وهنرى مور )؟ الذين أرى أن أعماله تنتمى إليهم أكثر من إنتمائها إلى ( برانكوزى وكالدر ) ..
- قال : لا - كلهم ممتازون ، .. ولكن برانكوزى لا يقارن بهم - إنه أحسن نحات فى ( ولم يكمل عبارته ) ثم استطرد يقول : إنه لم يدخل كغيره فى تيارات السيريالية والتكعيبية ..بل صنع عالمه بنفسه . قلت طبعا مر فى هذين الاتجاهين قبل بلورة أسلوبه المميز المختزل قال : أجل ، لكن لم تنعكس على أعماله الأخيرة بينما نرى عند هنرى مور آثار صور وهيئات العظم والخشب الجاف والزلط الخ .. قلت - ولكن برانكوزى أيضا يقلد الطبيعة عندما يعمل ( بيضة ) مثلا كل الحكاية أنه أى ( برانكوزى ) اختار الآصول الصقولة بينما اختار ` هنرى مور ` الآصول الخشنة من العناصر الطبيعية فى الأغلب . أليس كذلك ؟
- قال ` نعم ولكن المهم أن : برانكوزى وصل إلى قمة التبسيط ، وهنرى مور نفسه قال هذا ، وقال إن البيضة التى عملها برانكوزى تمثل نهاية فى اتجاه التبسيط وأنه لن يأتى من يضيف عليها فى هذا الاتجاه ` .
- ثم أضاف آدم : ` إسمع، المهم حقيقة هو أن هنرى مور وغيره يعبرون عن الطبيعة، كل بأسلوبه .ولكن برانكوزى منفرا عمل ما هو متوازى مع الطبيعة ، وهذا فى رأى أعمق كثيرا جدا .
- وانتهى الحديث دون أن أفهم على وجه التحديد مقصده بهذه النقطة الهامة .
- أجل لقد كنت لحوحا فى محاولتى الدخول فى أغوار آدم حنين ، وفى إثارته ليفصح عن أسرار إبداعه ، ومثيراته ومفجرات ملكاته ولكن بحب المقدر المتذوق الراغب فى التنور .. وانقطع الحديث ولكن صداه لم ينقطع ، فالحوار مع فنان صادق يعيش لفنه الذى يغلب عليه حياته يثير فى السائل أكثر بكثير من مجرد الإجابات المقتضية
بقلم : د. مصطفى الرزاز
مجلة : إبداع ( العدد 11 ) نوفمبر 1985
الفنان آدم حنين راهب النحت على الأحجار
- العلاقة بين أعمال الفنان آدم حنين والفن المصري القديم هي علاقة تواصل وامتداد روحاني وعضوي، يتجسد ذلك في طريقة معالجته للشكل وفي اهتمامه بالوحدة العضوية للكتلة وعلاقتها بالفراغ.
- للبدايات وقعها على تجربة الفنان، فهي تحمل دائماً بذور هذه التجربة ومخاضها الأول، وربما تحدد أيضاً الكثير من قناعات الفنان وتوجّهاته فيما بعد.
- يدرك الفنان المصري آدم حنين ذلك الأمر وهو يعود بالذاكرة إلى الوراء مسترجعاً ذلك اليوم الذي وقعت عيناه فيه لأول مرة على تلك المنحوتات الحجرية المعروضة في المتحف المصري.
- كان طفلاً لم يتمّ بعد عقده الأول، حين زار ذلك المتحف في رحلة مدرسية. هو يتذكر كل التفاصيل: ملمس الأحجار، رائحة المكان، ضآلة حجمه في مواجهة كتل الجرانيت والبازلت، عيونه المفتوحة على مصراعيها بالدهشة، دهشة مازالت تلازمه حتى اليوم، وتغزل علاقة ما بين أعماله النحتية وتلك التماثيل التي رآها في ذلك اليوم بين جدران المتحف.
- في حوارنا معه، يقول آدم حنين `كنت طفلاً صغيراً أحب اكتشاف الأشياء حين اصطحبنا مدرس التاريخ إلى المتحف المصري، وهناك رأيت لأول مرة تلك التماثيل الحجرية الضخمة، وانبهرت بالرسوم والكتابات المنقوشة على الحجر، خرجت من المتحف ذلك اليوم كالمسحور. لم تغب عن مخيّلتي أشكال التماثيل التي رأيتها، وكان أول تمثال صنعته بعد هذه الزيارة بأسابيع قليلة تقليداً مبسطاً لما رأيته داخل المتحف، كان تمثالاً من الصلصال أخذه والدي ووضعه داخل ورشته الصغيرة التي كان يمتلكها لصناعة الفضيات، وكانت فرحتي غامرة وأنا أراه يعرض ذلك التمثال على أصدقائه متفاخراً. صنعت بعدها تماثيل كثيرة من الطين ومن الحجر، ولكن يظل ذلك التمثال الصغير هو الشرارة الأولى التي منحتني ذلك الوهج`.
- اختار الفنان آدم حنين الإقامة بعيداً عن صخب المدينة، الأجواء المحيطة بمحترفه ريفية الطابع، يزحف عليها عمران المدينة بكتله الخرسانية. حين تدخل إلى حضرة المكان تستقبلك مساحة واسعة من الخضرة تزينها أشجار اللارنج، وتتبعثر في أرجائها كتل حجرية وبرونزية تخدش حياء الفراغ بخشوعها وسطوة حضورها. هنا يعمل الفنان آدم حنين ويقيم بعد عودته من رحلته إلى أوروبا التي استغرقت من عمره قرابة ربع قرن.
- يقول الفنان `بعد عودتي من أوروبا اخترت الإقامة هنا بعيداً عن صخب القاهرة، كان المكان هادئاً ولا يحيط بي سوى عدد قليل من بيوت الجيران والأصدقاء، بينما يتسع الفضاء لخضرة تمتد حتى الأفق، قبل أن تزحف هذه الكتل الخرسانية بهيئتها القابضة للنفس. أنا أحاول العمل بهدوء ودون صخب، فالنحت على الأحجار يتطلب قدراً من الصبر، وهو يعلّم التأمل والرويّة، ولقد حوّلت المكان إلى متحف لأعمالي، وهو متحف مفتوح لكل من أراد الزيارة`.
- قبل التحاقه بالفنون الجميلة كان ذلك الولع بالنحت المصري القديم قد رسخ في وجدان الفنان آدم حنين وأصبح على يقين بأنه لا بدّ له أن يتتبّع أثر أجداده العظام، وأن يحاول هو الآخر استنطاق الأحجار كي تبوح بأسرارها
- الإرث الفرعوني
- العلاقة بين أعمال الفنان آدم حنين والفن المصري القديم هي علاقة تواصل وامتداد روحاني وعضوي، يتجسد ذلك في طريقة معالجته للشكل وفي اهتمامه بالوحدة العضوية للكتلة وعلاقتها بالفراغ، في ملمس الأحجار وانحناءاتها، وفي هذا القدر من التلخيص الذي يميز أعماله. في مواجهة الداخل إلى محترفه يوجد تمثال برونزي لثلاثة خيول تواجه جسداً نحيلاً لفتاة، ثمة لغة مشتركة بين الكتل الأربع، يبدو جسد الفتاة انسيابياً فلا تلمح لها أطرافاً، بل تكاد تشعر بها خلال الكتلة، فيداخلك شعور بالتوحد بين العناصر الأربعة المكونة للعمل، يتكرر الأمر مع تمثال آخر حجري للسيدة أم كلثوم، جسدها وانحناءات الثوب والانفعال البادي على ملامح الوجه المسكون بالشجن واللوعة، كلها تمثل وحدة متكاملة غير منفصلة، لا تكاد تميّز بينها التفاصيل والحدود المكونة للشكل.
- يقول آدم حنين `أطراف الفتاة هنا في رأيي ليس لها أيّ ضرورة، أنا أحاول أن أصنع علاقة بين الخيول الثلاثة والأنثى، فأنا لا أصوّر فتاة بالمعنى المباشر بقدر ما أحاول التعبير عن ذلك الحوار، وهو ما ينطبق على تمثال أم كلثوم أيضاً. فالفنان لا يصور الشكل الذي أمامه حرفياً، ومن الممكن أن يكون الشكل خالياً من التفاصيل، فحين تتذكر أم كلثوم على سبيل المثال، من الممكن ألا تتذكر وجهها ولكن يبقى في داخلك ذلك الأثر الذي خلّفته: الصوت والمشاعر وحالة الدفء. نحن هنا أمام لغة أخرى لا تخاطب البصر وحده، بل تخاطب الأحاسيس والوجدان والانفعالات أيضاً، فالأشكال ترتبط في أذهاننا بالكثير من الانفعالات التي نحسّ بها وتذكرنا بلحظة الرؤيا، فأنت تتذكر شيئاً في الشكل وأنا أتذكر شيئاً آخر، وغيرنا أيضاً له تصوراته ورؤيته حسب ثقافته وخبرته الحياتية مع هذا الشكل`.
- حوار مع المادة
- وفي ما يتعلق بالعلاقة مع العمل الفني، وما إذا كان حنين يملك تصورا نهائيا له قبل البدء فيه، يشير إلى أن `المغامرة الفنية تملك في البداية تصوراً أولياً، وليس بالضرورة أن يكون كاملاً، فأنا أبدأ العمل في الشكل وخلال ذلك يحدث حوار بيني وبين الخامة، فأحجار الجرانيت على سبيل المثال تفرض عليك شكلاً معيناً وطريقة ما في التعامل معها، فهي لا تنكسر مثل الخشب أو الرخام ولا تتمتع باللّين مثل الطين أو الجصّ، فكل خامة تفرض عليك حواراً مختلفاً عن غيرها، والفنان يختار الخامة التي تتوافق مع قدراته وميوله، وبالنسبة إليّ فقد جربت خامات كثيرة، لكنّني أميل إلى التعامل مع الحجر`.
- قبل التحاقه بالفنون الجميلة كان ذلك الولع بالنحت المصري القديم قد رسخ في وجدان الفنان آدم حنين، وأصبح على يقين بأنه لا بدّ له أن يتتبّع أثر أجداده العظام، وأن يحاول هو الآخر استنطاق الأحجار كي تبوح بأسرارها. كانت عنده أحلام كبيرة وتصوّرات لما يمكن أن يقوم به، ومخزون بصري في غاية الاتساع، لذا فقد كان الصدام حتمياً مع ما تفرضه أجواء الدراسة الأكاديمية من مقررات لم تكن ترتقي لأحلامه ولا تصوراته.
- يقول الفنان `في الكلية كانوا يتبعون منهجاً وضع وفقاً للتصورات الغربية، فكانوا يأتوننا على سبيل المثال بتماثيل على هيئة فينوس أو سقراط، ويطلبون منّا أن نصنع نسخاً منها، ولم يكن يعجبني ذلك بطبيعة الحال، فكنت أتعجّب لذلك الإهمال للفن المصري القديم وعدم وضعه كأحد مناهج البحث البصري، ونحن أولى بذلك، فهي حضارتنا وإرثنا اللذان نعتز بهما. كان ذلك الأمر مبعث امتعاض وألم بالنسبة إليّ، حتى أني ذهبت يوماً إلى عميد الكليّة، وكان يشغل عمادة الفنون الجميلة وقتها الفنان يوسف كامل وهو أحد الرواد المخلصين في تاريخ الحركة التشكيلية المصرية، وشكوت له ذلك، وكان يعرفني جيداً لأنّني كنت واحداً من الطلبة المميزين في القسم، فأبدى يوسف كامل تفهّماً لوجهة نظري، وأمر أساتذة قسم النحت بأن يوفروا لنا زيارات ميدانية إلى المتحف المصري من أجل دراسة الفن المصري القديم على الطبيعة`.
- ويضيف آدم حنين `لم تشف هذه الزيارات ولعي بالفن المصري القديم أو دراسته كما يجب، فأخذت أبحث بين الاتجاهات الفنية السائدة على ساحة التشكيل المصري، لكنني وجدتها منقسمة على نفسها، فبعضها يتّبع النموذج الغربي `المودرن`، وبعضها الآخر يتمسح في الموروث والفن المصري القديم على نحو ضحل وركيك، فقد كان الكثير من الفنانين يفهمون الفن المصري على أنه نوع من التلخيص، ولكنهم كانوا يجهلون الهدف من وراء هذا التلخيص أو فلسفته. ثم تخرّجت في الكلية ولم يتم تعييني بها لأسباب إدارية متعسفة، وحصلت بدلاً من ذلك على منحة إلى مدينة الأقصر في جنوب مصر لقضاء عامين هناك، وهي منحة كانت تقدم لأوائل الدفعات، وكانت فرصة في الحقيقة لدراسة الفن المصري عن قرب.
- حين ذهبت إلى الأقصر كانت الحياة هناك ما تزال كما هي على الفطرة، كنت أرى الصور المرسومة داخل المقابر، وأخرج لأرى نفس المشهد على الطبيعة، فبدأت أتعرّف عن قرب على الكيفية التي كان المصري القديم يترجم بها الأشياء من حوله. وكنت حينها أبحث لي عن هوية، وأفتش في داخلي عن بداية الطريق. وبدأت تزداد قناعتي بأنني مزيج من مؤثرات عدة، فأنا امتداد لهذا التراث العظيم، وفي الوقت نفسه لا أستطيع أن أغفل وجودي في عصر مختلف له طبيعته الخاصة ومقوماته المختلفة.
- لقد ساهمت تلك الإقامة في التأكيد على ذلك التوجه الذى وضعته لنفسي، فهناك التحمت أكثر بما أنجزه المصري القديم، شعرت بمعاناته وتشبّعت بطريقته في معالجة عناصر ومفردات الطبيعة من حوله، عرفت القانون والإطار الذى يجب عليّ العمل من خلاله ، لذا حين ذهبت إلى أوروبا لم أكن مهتزاً أو متردداً، كنت أشعر أني أقف على أرض صلبة وقوية، لم أكن خائفا لأنّى أملك هويتي الخاصة التي أحتمي بها وألجأ إليها، غير أن هذا الأمر لم يمنعني مطلقاً من الاستفادة من معطيات الفن الأوروبي من نظريات ومدارس واتجاهات وطريقة في التفكير`.
- الحياة في النوبة كانت أكثر محافظة على التقاليد الثقافية والفنية وثمة وشائج صلة مباشرة فيما بينها وبين الفنون والعادات المصرية القديمة في العمارة والأدوات والملبس وفي الطباع والسلوك العام لأهلها
- نحو أوروبا
- بعد أن أنهى الفنان منحة الأقصر حصل على منحة أخرى لدراسة الفن في ألمانيا، لمدة عام ونصف العام، وكانت الرحلة بمثابة أول احتكاك له بالغرب، يقول عن تلك الفترة `كنت أتوق بشدة إلى فكرة السفر إلى أوروبا، وكان ذلك الحلم يراودني منذ كنت طالباً في الكلية، وفي ألمانيا أعجبتني الدراسة إلى حد كبير، والتقيت هناك بأحد الأساتذة الألمان المغرمين بالفن المصري القديم. كانت فترة الدراسة فرصة لي كي أتعرف على الفن الغربي عن قرب، وأن أزور المتاحف الأوروبية، بدلاً من رؤية الأعمال في الكتب، وأن أتعرف على العقلية الغربية بدلاً من القراءة عنها، وعدت إلى مصر في عام 1960 بعد انتهاء الدراسة في ألمانيا، وانتقلت للإقامة في النوبة؛ وكان انتقالي للعيش في النوبة من أجل البحث عن بقايا الحضارة القديمة، فالحياة في النوبة كانت أكثر محافظة على التقاليد الثقافية والفنية وثمة وشائج صلة مباشرة فيما بينها وبين الفنون والعادات المصرية القديمة في العمارة والأدوات والملبس وفي الطباع والسلوك العام لأهلها. سكنت هناك في جزيرة وسط النيل وقضيت هناك وقتاً كافياً للتعرف على ثقافة أهل النوبة`.
- مسار جديد
- وحول سفره، مرة أخرى إلى أوروبا، واختياره باريس تحديدا، يقول `إن فكرة السفر إلى أوروبا مرة أخرى كانت تلحّ عليّ بين الحين والآخر، لكنني لم أكن أستطيع الإقدام على هذه الخطوة، حتى حدثت نكسة 1967، حينها كانت الأجواء مشحونة والناس كانت معبأة باليأس والهزيمة. لم يكن المناخ مناسباً في مصر وقتها لإنتاج الفن أو للبحث عن مسارات جديدة في التجربة، كانت الحياة شبه متوقفة والأجواء مكرّسة تماماً لفكرة الحرب والهزيمة ورد الاعتبار. لم أستطع الاستمرار في هذا المناخ، وقررت الذهاب إلى فرنسا لقضاء عام أو عامين ثم العودة إلى مصر من جديد، لكن السنوات أخذتني هناك وظللت في أوروبا حوالي 20 عاماً، كنت أقوم خلالها بزيارات متقطعة إلى مصر من وقت إلى آخر. اخترت الاستقرار في باريس لأنها أكثر فعالية من العواصم الأوروبية الأخرى في مجال الفن`.
- وفي ما يتصل ببعض ملامح تأثير باريس عليه، قال إن وجوده في فرنسا أكسبه رؤية أوسع وأشمل للأشياء ولمعنى الإنسانية، فباريس تجمع فنانين من شتى الأطياف والاتجاهات والجنسيات، واحتكاك الفنان بهذا المناخ له أثر إيجابي على تجربته، فهو مناخ يولّد نوعا من المنافسة والتحدي والإصرار على التحقق. لقد كانت الحياة هناك صعبة ولكنها كانت جيدة.
- سمبوزيوم أسوان
- بعد عودته للاستقرار في مصر كان في انتظاره سمبوزيوم النحت الدولي الذي يقام في مدينة أسوان، وقد أشرف عليه حتى وقت قريب، ولدى سؤاله عمّن كان صاحب فكرة هذا السمبوزيوم وماذا كان أثره، قال إنه خلال فترة وجوده في فرنسا كان على علاقة جيدة بالفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، وكان وقتها مديراً للمركز الثقافي المصري في باريس، وحدث في تلك الفترة أن شارك حنين في سمبوزيوم للنحت في يوغوسلافيا وعاد مبهوراً من هناك.
- وتحدث حينها مع حسني حول أهمية وجود حدث مشابه في مصر، لعلمه بتراجع الاهتمام بالنحت على الأحجار هناك، وهو أمر غريب على بلد تُفاخر ليل نهار بصروحها النحتية. ففيما بعد ولدى توليه وزارة الثقافة تذكر فاروق حسني ذلك. يقول حنين `استدعاني فاروق حسني لأشرف على سمبوزيوم النحت الدولي الذي أصدر قرارا بإقامته، والذي اخترنا له مدينة أسوان في جنوب مصر ليكون قريبا من المحاجر نفسها التي كان يستعملها المصري القديم في جلب أحجاره، وهكذا تحقق الحلم. ولقد واجهتنا في البداية صعوبات كثيرة خاصة في التنظيم لكننا كنا نتغلب عليها. لقد أعاد هذا السمبوزيوم للنحت على الحجر قيمته وتقديره، وأصبح هناك جيل من الفنانين يمارسون النحت على الحجر بكل أنواعه، وهو أمر يردّ الاعتبار لهذا النوع من الفن.
- نحت الأحجار
- وحول ما إذا كان استبعاده من إدارة سمبوزيوم أسوان سببه غيرة البعض منه نفى الفنان ذلك معتبرا أنه لم يكن يشعر بشيء من هذا في الحقيقة، وعبّر قائلا `أنا فقط كنت شديد التركيز فيما أفعله، وكنت حريصاً على أن يخرج السمبوزيوم في كل دورة من دوراته أكثر تألقاً وفائدة للجميع. وأدعو الله أن يستمر السمبوزيوم كفعالية ضرورية من أجل إثراء الحياة الفنية في مصر، فليس من اللائق أن تفتقر مصر وهي مهد النحت على الأحجار إلى فعالية متخصصة في هذا المجال، وأنا سعيد بما تم إنجازه خلال السنوات السابقة بفضل هذه الفعالية الهامة، فقد أصبح لدينا متحف مفتوح للمنحوتات الحجرية في أسوان، وتم إثراء الحركة الفنية بالعديد من المثّالين الذين يعملون على الحجر`.
- ما قد لا يعرفه الكثيرون أن الفنان حنين يمارس التصوير الفوتوغرافي أيضا إلى جانب ممارسته لفن النحت، يقول ` النحت هو عشقي الأول والأخير، فهو أكثر ارتباطاً بالطبيعة، كما أن له علاقة مباشرة مع المتلقّي، عكس الرسم أو التصوير، لكنه فنّ يحتاج إلى الصبر والتأني، فأنا أجلس أمام العمل لساعات طويلة، ولكن في التصوير الأمر مختلف فوتيرة العمل تكون أسرع في نتائجها، وفي أحيان كثيرة أكون بحاجة إلى مثل هذه الوتيرة السريعة في التعبير، فألجأ إلى التصوير كنوع من الفصل أو الهدنة القصيرة`.
بقلم : ناهد خزام
جريدة العرب 17- 12-2016
آدم حنين.. نحات الوجوه والإيجاد
- ماذا فى أعمال آدم حنين يبعث على الرهبة ويمسك المرء أمام العمل فلايريد أن يغادره حتى يمارس العمل كل مالديه من سحر.
- وهذا السحر الذى يمسك به آدمهو سحر الوجود أو الموجود الذى لايمكن أن يضاهيه أى سحر- يذكرنى آدم دائمابأعماله بقصة الخلق كما ترويها الكتب المقدسة.الخالق الأعظم يمسكه أى يتناوله فيصوغ منه شكلا وينفخ فيه من روحه. وآدم يضفى على كل عمل من أعماله الكثيرة - والتى أصبحت تحتاج إلى فهرس كامل ووصف دقيق - شيئا ليس هو المعنى وليس هو الانفعال أو العاطفة ولكنه الوجود فآدم فنان الإيجاد وفنان `الظهور` بالمعنى الأصلى للكلمة كما عرفناها أيضا فى الكتب المقدسة وخاصة فى الأناجيل، وعند الفنانين الكبار من الكتاب أمثال جويس وغيره، والإشكال مع آدم أنك إذا طلبت المعنى طغى الوجود عليك فعلّمك الأدب أمام الفن. فكل محاولة للمعنى، مثل كل محاولة للمحاكاة أو التقليد هى فى الحقيقة خروج عن الأدب أمام الفن.
- لقد عرفت آدم سنوات طويلة، وعرفت أعماله واحدة بعد الأخرى،ومازلت أحج إلى هذه الأعمال فى بيته وأحتفظ بعدد قليل منها فى بيتى لأننى أحس بجوارها بنعم الوجود والإيجاد.
- ولآدم أعمال قد جرؤت على تسميتها مثل مريم النيلية، أو جانشاه أو نجم الصباح. ولكننى لايمكن أن أنسى الساعت الطويل التى أمضيتها والتى أريد دائما أن أعود إليها `لقرص الشمس الذهبي` أو للوحات قديمة قد اختفت لطائر يأكل من عش الغراب. إننى أتذكر هنا الأعمال كما نتذكر فى حضارتنا تماثيل الفراعنة فآدم حفيد مباشر لنحاتى الفراعين، لقد عرف آدم جميع النحاتين الكبار ولكنه مازال كما هو وكما سيظل دائما ذلك الطفل الصغير الذى دخل المتحف المصرى لأول مرة فنسى زملاءه وأساتذته وغرق فى سحر الوجود الذى يفرضه الفن الفرعونى وأظنه مازال يحاول أن يعبر عنه.
- و لكن تجارب آدم خارج النحت كانت كلها عودة إليه وإعادة لصياغة نفس المشاكل النحتية التى يفرضها ممارسة خلق الوجود.
- فالواقع أن كل رسومه على البردى - وهى تجربة فريدة- عبارة عن صناعة مخفية كامنة لتماثيل منحوتة لن يستطيع الناظر أن يتذوقها حتى يتعرف على المنحوت داخلها وفيها.
- وكم كنت أتمنى أن أظل أكتب عن أعمال آدم ولكنى أحب أن أكتب عن أعماله مفردة وليست بالجمع.ولكن إذا كان هناك صفة عامة أساسية وواحدة فى كل أعماله فهى صفة الإيجاد وممارسة الوجود. وليست هذه الممارسة للإيجاد والموجود بالشيء الهين. فإذا كانت العين تفترضه فإن كيان الإنسان كله يرتجف أمام معجزة الوجود على حافة العدم، وأمام الشكل الذى يقوم بحياته وليس بنسبه وبعلاقاته مع العالم الخارجى المحيط به والذى يصنعه الوجود نفسه كأنه جزء من وجوده.
- وإذا كانت جذور فن آدم معروفة ملموسة فى كل عمل فإن تجربته الأخيرة فى معالجة أبوالهول وتجربته الفنية الكبيرة مع الحلقة العالمية التى نظمها وأدارها للفنانين فى أسوان لم يكن لأحد غيره أن يجعلها تقدم؛ لأنه قدم الدرس الأول لكل نحات أن يصنع الوجود وأن يمارس الإيجاد والجائزة التى حصل عليها آدم من الدولة تفتخر به لأننا أصبحنا فى مجتمع يرفع فنانا مثله إلى مصاف المتميزين القادرين على الإيجاد.
بقلم: بدر الديب
(مجلة : إبداع ( 1-7-1999
وداعا آدم حنين.. راهب النحت الذي حاور الحجر 70 عاما
-برحيل النحات المصري الكبير آدم حنين `1929-2020`، اليوم الجمعة، تفقد حركة النحت المصرية والعربية أحد أبرز روادها المعاصرين الذين ترك موروثًا فنيًا كبيرًا من الأعمال النحتية والتصويرية.
-استطاع `حنين` أن يؤسس مدرسة في النحت المصري المعاصر، مستلهمًا أعماله من البيئة الشعبية والمصرية إيمانًا بأن الانطلاق للعالمية يبدأ من المحلية. فخط لنفسه أسلوبًا خاصًا به في النحت دون الوقع فى أسر التقليد. ليحقق حلمه مؤخراً بإنشاء متحفه بالحرانية والذي تضمن أعماله من منحوتات ولوحات فنية، ومن ثم تحول لمنارة تشكيلية تستطع في سماء الفن التشكيلي وقلعة للمتأمل والدارس.
-ولد آدم حنين لكي يكون نحاتًا، فقد عرف ومارس النحت وعمره ثمان سنوات عندما قام بزيارة مع مدرس التاريخ إلى المتحف المصري، شعر بأنه في العالم الخاص به الذي لا بديل عنه. وبمجرد دخوله للمتحف وجد تماثيل كبيرة وصغيرة، وصروحا نحتية مصنوعة من الجرانيت والبازلت والحجر الجيري، وأخرى من الخشب والفخار، ومراكب ومجوهرات وتوابيت وأشياء مؤثرة صنعت جو غريب جذبه بشده وشعر بولع تجاهه.
-كان `حنين` صغيرًا لدرجة لم يستوعب معها بعض الأمور وتساءل عن ضخامة هذه التماثيل. شعر بصدمة جميلة. شئ جميل انتمى إليه بعد فترة قصيرة. حضارة كاملة ليس لها مثيل. فالتزم بالنحت وارتبط به قبل أن يعرف بأنه صنعة أو وظيفة. نحت رأس إخناتون بالمدرسه مثل تلك التي رآها في المتحف. حتى أنها نالت إعجاب والده الذه كان يمتلك ورشة فضيات فأخذها وقام بوضعها في فاترينة المحل متباهيًا بها أمام أصدقائه وزوار المحل.
- التحق آدم بكلية الفنون الجميلة، وأنخرط فى ممارسة المجال الذي يعشقه، فحقق نجاحًا كبيرًا حيث حرص على أن يجسد جميع معالم الحياة سواء بالنحت أو التصوير أوالرسم. وعلى الرغم من تقديمه للعديد من الأعمال التي تُشكل علامات بارزة في مسيرته إلا أنه كان كثيرًا ما يشيد ببعض الأعمال في أحاديثه وحوارته باعتبرها تركت أثرًا في حياته مثل: تمثال شيخ البلد، البومة، والحمار، والقارئة.
-أسس `حنين` سمبوزيوم أسوان الدولي للنحت قبل 25 عامًا، ليتحول إلى مدرسة فنية ساهمت في تقدم أبرز النحاتين على الساحة المصرية والعربية، كما ساهم فى إثراء بعض المناطق والساحات التي. وضعت بها العديد من الأعمال الميدانية التي أنتجها السمبوزيوم على مدار دوراته الماضية.
-تركزت فكرة إنشاء السمبوزيوم على إعادة فن نحت الأحجار الصلبة فى مصر والمواد النبيلة عند الفراعنة. وحدث ذلك في أسوان، منبع تلك المواد، حيث اختيار عنصر مادة واحدة مصرية صلبة للتعامل معها، يعمل النحات بالجرانيت كوحدة واحدة بطريقة تفكير واحدة تفرضها عليه المادة. وبإنشاء السمبوزيوم والمتحف المفتوح الذي يتضمن نتاج السمبوزيوم أصبح هناك سبباً جديداً لاستقطاب هذه المحافظة للسياح.
-حقق `حنين` حلمه في إنشاء متحف خاص بأعماله الفنية عام 2014، حيث تضمن المتحف ما يقرب من أربعة آلاف عملاً فنياً، تنوعت بين نحت وتصوير ورسم. فثمة الفنان التنوع. ضم المتحف المكون من ثلاثة أدوار، أركان عديدة، كل ركن يحكى شيئًا مختلفًا عن الآخر.
سماح عبد السلام
الأهرام :22مايو 2020
آدم حنين .. النحت على ورق البردى
- إن الكتابة عن الفنون التشكيلية - بصفة عامة - وعن فن آدم حنين بصفة خاصة ، أمر شاق بل يكاد يكون عسيراً ، ذلك لأن أعمال آدم - نحتاً أو رسماً - يجب أن تنظر العين إليها لتراها ، فإنك مهما حدثت إنساناً عن نعومة ملمس الحرير أو القطيفة ، فلن تصل بحديثك هذا لما تحسه اليد وهى تمر على الحرير أو القطيفة وتلمس هذه النعومة لمسا مباشراً معيشاً . ومهما وقفت الكاميرا فى تصوير هذه الأعمال فلن تبلغ إلى ما تصل إليه العين التى تنظر وترى هذه الأعمال وهى تعيش فى هذا الفضاء الذى يبرزها ويقدمها ويجسدها .
- يقول آدم حنين :
- `علاقتى بالفن تبدأ بزيارة للمتحف المصرى فى القاهرة . كان عمرى ثمانى سنوات ، وكنا أنا ورفاقى ، نرافق أستاذ التاريخ داخل المتحف ، أمام التماثيل والرسومات ، وقفت مذهولاً كأنى على علاقة قديمة بها ، خرجت من المتحف ولم تفارقنى التماثيل - حاجة ماسة إلى لمس مادة النحات سيطرت على يدى ، وكان أن سرقت ` المعجونة ` من المدرسة لأجليها إلى البيت وأصوغ منها منحوتتى الأولى ، وهى تقليد لرأس إخناتون كما رأيته في المتحف ، لونتها وأريتها لوالدى ، وكان حرفياً فى صياغة الفضة ، فأنبهر ووضعها فى الواجهة بجوار أعماله ، وعندما يزروه أصدقاؤه يريهم عملى ، وأصحبت هذه الواجهة أول معرض لى ` .
- وهكذا ولد النحات آدم فى المتحف المصرى، ومن الصلصال أبدع النحات الطفل أول أعماله .. رأس إخناتون ولكن لماذا إخناتون ؟.
- كان إخناتون يحلم بعالم واحد تشمله رحمة وعطف ومحبة إله واحد - يتجسد فى أتون - تمتد أشعته على هيئة أيد ممدودة تقدم للناس - كل الناس - الخبز والبركة والنور والحياة . وهو الحلم الذى حاول كل من الإسكندر ونابليون تحقيقه .. وهو الحلم الذى تغنى به الشاعر الفرنسى فيكتور هيجو .. يقول آدم :
- `النور هو سر الفن ، ففى كل عمل فنى مبدع ، هناك إشعاع معين يصدر من لعبتى الفنية ، أحب أن يكون إشعاع المادة نفسها .
- ورق البردى مادة مدهشة ، مادة تجمع بين الحجر والخشب ، فيها نوع الدفء يجعلنى مرتبطاً بها ارتباطاً عضوياً .
- كانت علاقتى بمادة البردى مثمرة للغاية ، لأنها كشفت عندى عن مخزون ثقافى وروابط ماضٍ مازال يتحرك فى داخلى حتى الألوان التى استعملها فى تكوين العمل الفنى أجبلها بنفسى ، وهكذا أحس أكثر بحضورها فى`.
- النور والدفء والبردى .. وهذا المخزون الثقافى .. وهذا الماضى - الحاضر .. أتكون هذه الأشياء جميعاً ثمرة هذا اللقاء السعيد مع رأس إخناتون ...
- يقول آدم :
` .. الصفاء ينبع من الداخل وليس من الخارج . الوطن فى داخلنا حتى لو كنا بعبدين عنه . جئت إلى باريس وكنت قد وصلت إلى مرحلة من الوعى والنضج الفنى . جئت ومعى زادى الثقافى دون أن يمنعنى عن الأستفادة من تجارب الفنانين `.
- ويؤكد هذا المعنى صديقه الفنان المصرى جورج بهجورى ( الذى يقوم معرضه الآن فى قاعة مسرا Messarra فى باريس من 4مارس إلى 7 إبريل 1987 ) فى العدد الصادر يوم 28 يوليو 1986 من
` الطليعة العربية ` :
- `ورق البردى الذى يجف تعود إليه الحياة بمائيات آدم حنين الترابية ، تحمل أنفاس الإنسان وربح الجبل وسحر الطبيعة فى صعيد مصر، فى قربة الجونة فى البر الغربى للأقصر حتى النوبة ..
- بعض لوحاته التجريدية رقيقة كالصباح أو ساخنة كوقت الظهيرة أو حالة بعد الغروب ....
- درجات اللون تذوب فى شفافية كأن النور ينبع منها أو كأنها مساحات زجاجية فى نافذة دير أو معبد .
- أعمال آدم حنين المصرية تجمع ما بين التراب الفرعونى القديم وتطورات الفن الغربى الحديث مروراً ببول كلى الألمانى وبراك الفرنسى وبلياكوف الروسى`.
- وعن التجريد وعن إبداعاته التجريدية يقول آدم ، وكأنه يحدثنا عن معرضه الأخير فى قاعة ` مشربية ` ( 15/3 إلى 15/4/1987 ) والذى أهداه إلى صلاح جاهين وشادي عبد السلام وجمال كامل : ( التجريد يشمل كل المخزون الشعبى ، بل ويدخل فى أسراره ومعانيه الداخلية ، وهكذا فإنك تلمسه أكثر ، وتتمكن من التعبير عنه تعبيراً أعمق .
- ولهذا فإن للتجريد عندى خصوصية معينة .. إذ يحس المشاهد أن لوحاتى قادمة من مكان آخر ، من أرض فيها شمس وضوء وطنى وعاداته ، كل هذا نراه خلف التجريد .
- تماثيلى تختزن الحركة فى داخلها ، وبقدر ما هى ساكنة من الخارج فإنها تتفجر فى الداخل . إن الحركة الداخلية هى الأكثر سراً و سحراً ) .
- وعندما وصل آدم إلى باريس عام 1971 ( ولد آدم عام 1929 وتخرج من قسم النحت بكلية الفنون الجميلة عام 1953) اختلى بنفسه أمام علبة من الألوان المائية - كان قد أهداها له الفنان الراحل جمال كامل - ومجموعة من الأوراق البيضاء راح يدون عليها أشكالا متعددة ، تشكل حتى اليوم عناصر عالمه الفنى الخاص ( فى معرضه الأخير ، يرى المشاهد لوحتين لهذه الأبجدية التشكيلية ) وكأنها مفردات لغته فى فنى النحت والرسم .
- وآدم يحب الخامة الأصيلة .. فهو يرسم - أو ينحت - على ورق البردى بألوان يقوم بصنعها بنفسه من الجير والحديد والمنجنيز ، وهى خامات مصرية استعملها المصرى القديم في كتاباته ورسومه .. ألوان من صنع الطبيعة بعيدة عن زيف الصناعة ...
- وقد انتهى آدم من رحلاته الإبداعية مع الجرانيت والبازلت والحجر الجيرى والخشب إلى ورق البردى .. وكأنه يعود إلى لحظته الإخناتونية الأولى ، بدأ آدم رحلته الإبداعية على ورق البردى عام 1976 .
- ويحدثنا جورج بهجورى في عدد من أعداد `صباح الخير` عن معرض آدم فى باريس عام 1976 :
- ` .. وأتخذت أتأمل وجه آدم من جديد لأتذكره عندما كنت أراه كل صباح فى القاهرة وبالتحديد فى شارع جزيرة بدران فى شبرا فى صحبة زميل أول مشوار الفن فريد كامل ثم مع زميل قسم النحت الفنان بهجت عثمان ، ثم لما كنا نرسم سويا على مقاهى الأحياء الشعبية .. إنه هو نفسه هنا فى باريس بعد أكثر من عشرين عاماً .. نفس الوجه الهادئ ، كل إيماءة لها إيقاع حتى ولو كانت لحظة سكون .
- تماثيله صمت ورسومه حركة هائلة هنا التزاوج بين بلاغة الصمت وبلاغة الكلام .
- الناس هنا حول كل قطعة وهو يقف وسطهم يحدثهم ومعه زوجته عفاف الديب التى تقوم بدور هام معه فى العناية بأعماله وحسن تقديمها والحديث عنها للناس . إنها العقل المدبر وراء خطوات نجاحه .
- وعلى مدخل المعرض ورقة البردى المصرية القديمة فى إطار ، كتب عليها آدم بخط يده بالفرنسية :
- ` هذا هو ورق البردى الذى استعمله قدماء المصريين منذ آلاف السنين ، وقد قام الفنان حسن رجب بتحضير هذه الأوراق مرة أخرى ، وفضله فى اكتشافه فى معهد بحوث البردى `.
- وهكذا كانت بداية رحلة آدم مع ورق البردى .
- في بيت السنارى عام 1966 ( 14 - 30 أبريل ) فى حارة مونج ( أستاذ نابليون فى الكلية العسكرية فى باريس ورئيس البعثة العلمية والمشرف على إخراج موسوعة ` وصف مصر`) المتفرعة من ميدان السيدة زينب بالقاهرة يقوم هذا البيت المملوكي الجميل والذى كان مقراً لفنانى هذه البعثة العلمية الفرنسية ، ويمتاز هذا البيت بمشربياته الخشبية الدقيقة والأنيقة الصنع وكأنها براقع من خشب فى واجهة هذه التحفة المعمارية المملوكية، فى هذا البيت شاهدت معرض آدم حنين لأعماله فى سنوات التفرغ الأربع فى أسوان ، وذلك بعد رحلاته فى الأقصر ( لمدة عامين ) وألمانيا ( لمدة عام واحد ) . عندما عبرت الباب الخشبى الضخم بمقبضه النحاسى إلى الممر المستطيل الذى يشعرك بهذا الضوء الخافت بجو البيت وما يشيع فيه من سكينة وسلام .. ألتقت عينى بهذا التمثال من الجبس ` غلام يشرب ` ، ولمست كيف تمكن الفنان أن يحرر الكتلة من ماديتها وثقلها وأن يحيلها إلى معنى وحركة ونغمة .. هذه العلاقة الحميمة بين الإناء والماء والرأس المرفوعة - وكأنها تصلى - وهذا الجسم الممتد مع الرأس إلى الإناء .. هذا الإندماج وهذا الإلتحام العضوى بين الرغبة والتحقق .. بين الطريق والهدف .. وفي كلمة واحدة بين الفنان والواقع .. لمست فى هذا العمل - وفى غيره من أعمال آدم فى هذا المعرض - هذه الواقعية الصوفية .. ففى هذا اللقاء الجامع بين الرأس والماء .. يتحقق الأرتواء .
- ونرى فى تمثال ` حامل الدرع ` هذا الإنسان الشامخ فى وقفته المتوازنة الرصينة تعبر عن الثقة والأعتزاز وشجاعة الإيمان .. فى هذا العمل نلمس اللقاء السعيد بين الصمت وبلاغة التعبير بأقل الحركات وأبسط الأشكال .. كما نلمس هذه القدرة على الإيجاز والتركيز .
- إن اللحن السائد فى حياة وإبداع آدم حنين هو لحن الرحلة .. فهو فنان جوال يبحث دائماً عن الجديد فى الشكل وفى المضمون.. فى المكان وفى الزمان.. فى المادة التى يبدع بها وفيها أعماله .. وفى اللون .. وما أن يصل حتى يدفعه الوصول إلى رحيل وإلى رحلة جديدة .
- وها هو فى معرضه الأخير يقدم لنا مرحلته الجديدة والتى اخترت لها عنواناً دالاً وهو ` النحت على ورق البردى` .
- هذا المعرض فى ` مشربية ` 1987 فى قاعة ` مشربية ` يقدم لنا آدم حنين معرضه الخاص الثامن عشر ما بين عامى 1956 و 1987 ( 43 لوحة وثلاثة تماثيل ) .
- فى كل لوحات هذا المعرض نلمس العين هذا الإيقاع العام الذى يتميز بالهدوء والرصانة وكأننا نستمع وراءهذا البناء التشكيلى المتوازن إلى موسيقى باخ .. وكلما ازددنا قربا - أى فهما - من لوحات آدم حنين أحسسنا بأنها تنفتح لنا .. أمامنا.. حتى تدخلنا إلى أعماقها وأسرارها وقدس أقداسها ، وهذه الأعمال عن طريق البناء الفنى المتزن والمتوازن والمتناسق تمنح المشاهد المشارك هذا الإحساس بالراحة والسكينة .. والطمأنينة .
- استوقفنى عند المدخل هذا العمل من أشكال هندسية يتوسطها مثلث مقلوب - وكأنه سهم - قاعدته إلى أعلى ورأسه تشير إلى الأعماق والألوان كابية تقدم انطباعاً بلون الماء ينتشر على الجبل ..وعلى الحقول.. وفى السماء .. لحظة تأمل وآسى .. وذكرى ماض بعيد ..
- وعلى الجانب الآخر من المدخل شاهدت صورة فوتوغرافية لتمثال تكاد ملامحه وسماته التجريدية تبرز من الصورة .. وهكذا لمست فى لحظاتى الأولى وأنا أتقدم فى هدوء وترقب داخل هذا القضاء التشكيلى هذه الأبجدية الهيروغليفية الجديدة التى ينحت بها آدم لوحاته على ورق البردى.. وتسعد العين بهذا اللقاء السعيد بين النحت والتصوير.. وتجريد آدم فى هذه اللوحات تجريد له خصوصيته.. تجريد صوفى .. إذ تلمس العين البصيرة فى لحظة تأملها هذا الكون الفنى الذى يندمج فيه الشكل والمضمون فى كيان واحد ..وكأن آدم قد توصل أخيراً إلى بلورة مخزونه الحضارى داخل ذاكرته المصرية ذات التاريخ الذى يمتد آلاف السنين.. إلى بلورته وتجسيده فى هذا التشكيل التجريدى برموزه وألوانه وأشكاله ومضامينه والذى يؤكد هذه العلاقة الحميمة بالطبيعة المصرية ، وكأن الفنان يريد من وراء أعماله أن نستعيد علاقتنا بهذه الطبيعة التى ألهمت المصرى القديم أروع أعماله وأخلد إنجازاته فى العمارة والنحت والتصوير وذلك بلغته التى صنع أبجديتها من مفردات هذه الطبيعة بكل كائناتها وأحيائها.. فى الأرض وفى السماء .
- ولقد وفق الفنان المصرى إلى إضفاء هذا الجو الهامس على لوحاته بهذه الألوان التى تعبر فى آن واحد عن ماض يحتضر وعن حاضر يحاول أن يبعث من هذا الماضى... ونحن نتأمل فى انبهار هذا الجهد العبقرى الذى نحت به آدم حنين لوحاته على ورق البردى حاملة للعين البصيرة رسالة الفن إلى إنسان هذا العصر.. وكأننا نستمع عبر ألوان ورموز وتشكيلات اللوحات إلى تراتيل تصل إلينا من وراء جدران دير من أديرة الصحراء تراتيل بأشواق إلى مطلق يتحقق فى الواقع وبالحنين إلى ماض من أمجاد تعيش فى ذاكرة الفنان ..
- وفى هذه اللوحات نلمس تأثر آدم حنين بالعمارة المصرية .. الفرعونية والقبطية والإسلامية .. ولا أدرى كيف رأت عينى فى إحدى اللوحات الكبيرة تكويناً تجريدياً لمسجدى السلطان حسن والرفاعى .. يمتد الأفق خلفهما ..والصحراء.. وشمس وغاربة.. غير مرئية .. وفى لوحة آخرى رأت عينى تمثال خفرع فى وضع جانبى .. بروفيل .. ولوحات آدم فى هذا المعرض هى كتل لونية تحولت بريشة الفنان إلى إبداعات نحتية .. فالعين تلمس إبداع النحات وهو يرسم لوحاته ، وفى هذه اللوحات بألوانها ومشاهدها ورموزها إحساس عميق بالتاريخ.. بكل إنجازاته الحضارية والمعمارية والتصويرية .. وبكل أساطيره ووقائعه وحقائقه .. هذا التاريخ الذى بناه المصرى فى كل عصور تاريخه بالحجر وبالكلمة .. بالمحبة وبالإيمان..هذا الإيمان الذى حرك الجبل وأبدع منه هرماً .. فالأحجار هى أبجدية آدم .. نحتاً كان إبداعه أو رسماً .
- وفى أعماق هذه اللوحات.. بل فى كل إبداعات آدم.. نجد هذا الصمت الذى يدعو المشاهد إلى تأمل عميق ولا يجد كلمات تعبر عنه تعبيراً صادقاً لعل سر هذه الصمت ينبع من سنوات قضاها الفنان فى أحضان معابد الأقصر وأسوان والنوبة.. ، صمت صوفى جليل وكأنه صلاة، ولم يجد آدم إلا ورق البردى ينحت عليه.. هذا الصمت .. وهذه الصلاة .
- ولا أدرى كيف أمكن أن تحمل - أو تتحمل - لوحات البردى هذه الكتل من اللون.. هنا يكمن سر إبداع النحات آدم حنين .
- وأتردد طويلا قبل أن أطلق على إبداعات آدم هذه الكلمة التى ترددت كثيراً حتى ابتذلت.. كلمة التجريدية.. ذلك أن المصرى القديم عبر عن حياته وواقعه .. عن دنياه وآخرته - التى هى امتداد لدنياه - بهذه الحروف التى جسدت فى شكلها ورسمها كل كائنات الكون المصرى هكذا أبدع آدم هيروغليفيته الجديدة يبدع بها واقعه الفنى .. هل يمكن أن نطلق على لوحات آدم أنها واقعية تجريدية.. رغم تناقض طرفى هذا المصطلح ..
- ونحن نلمس هذه الواقعية التجريدية فى تماثيل آدم الثلاثة فى هذا المعرض.. وما أصدق كلمات آدم وهو يقول: ` تماثيلى تختزن الحركة فى داخلها ، وبقدر ما هى ساكنة من الخارج فإنها تتفجر فى الداخل ` ويقول :أيضاً ` إن الحركة الداخلية هى الأكثر سراً وسحراً ` وقفت طويلاً أمام تمثال ( مصارعة الثيران ) الذى تلخص فى حركة الثور وهو يندفع بقرنيه فى قفزة درامية تؤكد فن آدم فى الأقتصاد والتركيز والإيجاز وما أبعد هذا الصراع الدرامى عن تمثال ( حمار ) بكل ما يعبر عنه من طيبة وسلام وسكينة .
- آدم حنين فنان مصرى.. بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان.. وبهذا المعنى فهو فنان إنسانى عالمى ( إذ أردنا استعمال هذه الكلمة التى لا أجد لها معنى محدد ) فالفنان الصادق.. وآدم فنان صادق.. وهو يعبر تعبيراً مخلصاً أميناً عن هويته.. مصريته هنا.. يجد فنه الطريق إلى عين وقلب كل إنسان ويقول سمير غريب : `آدم هو الفنان المصرى الوحيد الذى يشترك سنوياً فى السوق الدولية للفن التشكيلى ( فياك) والتى تقام فى الجران باليه - السراى الكبرى - فى باريس ` .
بقلم : توفيق حنـا
مجلة : إبداع العدد (5) مايــو 1987
|