|
صالحه شعبان فرغلى مبارك
سبوليا..التقريب بين المتباعدات على عجلة الدولاب
- لا تحتاج لخبرة واسعة في تاريخ الفن ليصلك من الانطباع الأول مرجعية الفنان صالحة المصري في صياغة أعمالها، إذ تستدعي أعمالها أطياف الأواني الفخارية التي ترجع لحضارات ما قبل الأسرات المصرية القديمة، والتي تتميز بالألوان الترابية المائلة للسخونة ولفح الدخان الأسود المشبع بالكربون على جنباتها وفوهاتها، لكنها هذه المرة استبدلت النقوش والرسوم الهندسية والحيوانية المميزة لتلك القطع الأثرية لحضارات نقادة والبداري، بنقوش محفورة في جدار الآنية أو الألواح الفخارية والخزفية، تلك النقوش أقرب أن تكون مشابهة للخط المسماري المنقوش على ألواح الفخار في الحضارة السومرية، وغيرها من خطوط متداولة في حضارات الشرق الأدنى.
- تلك الممارسة التي تدمج بين نمطين حضاريين من خلفيات مختلفة ليجتمعا في نسيج واحد متناغم، تستدعي مفهوم أثري هو Spolia والذي استعمل لوصف أنماط من العمارة الأثرية التي استدمجت عناصر متباينة ترجع لحضارات وأنماط مختلفة لكنها تتناسب وظيفياً، ويتم إدماجها معاً بهدف براجماتي أو وظيفي توفيراً لجهود وتكاليف صناعة تلك العناصر من جديد خصيصاً للبناء الجديد، فلا بأس من الاستعانة بأعمدة من الطراز القبطي واليوناني بما تحويه من عناصر خاصة بالثقافة والمعتقد لتحمل أسقف أروقة مسجد من الحقبة الفاطمية، أو كتلك الموجودة في خانقاه بيبرس الجاشنكير وعتبة أبوابه المؤلفة من مقطع من جدارية مصرية قديمة تحمل نقوش كتابية ورسوم محفورة، أو كحالة شبيهة لتجاور النص على الأثر تلك الخربشات القبطية على جدران المعابد القديمة في صعيد مصر، حيث احتمى الرهبان بها من بطش الرومان وسجلوا على جنباتها نصوص تشي بمعتقدهم.
- رغم أنها ممارسة قد تثير مخاوف تمس سلامة الآثار بالمفهوم المعاصر، إلا أنها بمرور الزمن تكتسب ثراءاً وغنى لحملها طبقات تاريخية موشومة على جسد الأثر ومضفورة في بناءه لا تنفصم عنه، وتعطي بعداً مفاهيمياً حال قراءتها من منظور الآن كدليل حي على تعدد الطبقات الثقافية بل واشتباكها معاً في دينامية نابضة.
- رغم تمسك الفنانة بالمرجعيات التاريخية من حيث التقنية والشكل، إلا أن ثمة تدخلات واعية أضفت على التجربة أبعاد مفاهيمية حداثية، مثل التعامل مع الخطوط الكتابية كعنصر تشكيلي وهو ما يمكن تتبع صداه في اتجاهات المدارس الفنية الغربية في القرن العشرين مثل نمط التجريدية الحروفية حيث يخرج الحرف عن وظيفته الدلالية إلى وظيفة جمالية محضة، وما ساعد على ذلك استخدامها لحروف كتابات غير معروفة غالباً لدى المتلقي وتنسيقها في تشكيلات تتوائم مع مسارات خطوط القطعة الفخارية وأبعادها.
- أيضاً اعتمدت الفنانة تنسيق القطع في فضاء العرض بشكل ينحو بالمتلقي لتجربة التفاعل مع التجهيز في الفراغ وذلك ابتداءاً باختيار مساحة عرض مفتوحة تخلو من القواطع والعوارض وانفتاح مسار العرض أمام المتلقي بدءاً من ولوجه من مدخل القاعة ليسير بين القطع وفقاً للمسار المخطط له مسبقاً، وهو ما يشكل مزية هامة إذ يمكن لنفس القطع المعروضة أن يعاد عرضها وفقاً لسيناريوهات مختلفة أو تدخلات طفيفة لتشكل عروض متنوعة، خاصة حال اعتماد الفنانة على دمج قطع جاهزة/اللُقَى Found objects لتشكل تباين في الشكل والمضمون بين القطعة المصنوعة بحرفية والعناصر مسبقة التجهيز محدودة القيمة الجمالية، بالإضافة إلى القيمة الدلالية المتنوعة، والتنويع في أشكال القطع الفخارية بين أنماط الآنية المتعددة ذات القواعد وآنية الستيولا وأيضاً بلاطات مربعة ومستطيلة الشكل، وهذا التنوع في الأشكال يهيء قاعدة انطلاق رحبة للعديد من التكوينات الممكنة، فتارة تجتمع تلك البلاطات على الحائط لتشكل جدارية خطية أو تنطرح أرضاً ويوضع عليها قطع من الآنية لتحاكي شكل ألعاب اللوحة Board games.
- ليست تلك السابقة الأولى لإدماج القطع ذات الهدف الوظيفي وبين عملية إنتاج عمل فني ينتمي للفنون الرفيعة (مع التحفظ على تلك التراتبية)، فكثيراً ما تم التعامل مع قطع الفنون التطبيقية الاستعمالية والتي تحولت لقطع متحفية للعرض، أنها مصدر استلهام خاصة عندما تحمل شحنة ثقافية غرائبية وفقاً لسياق تلقيها، مثلما مثلت الأقنعة الأفريقية لدى التكعيبيين، خاصة لدى تحول سياق التلقي لتلك القطع وتحولها عن الوظيفة الاستعمالية في منشأها إلى الوظيفة الجمالية أو التوثيقية حال عرضها في خزانات المتاحف المجهزة للفرجة، والتي تشكل سياق جديد للتلقي وهو ما قدمته الفنانة من خلال عرضها، لكن هذه المرة كان مصدر الاستلهام خاصتها منزوع الغرابة، فهي لديها سبب متصل بتلك الحضارة والثقافة التي أنتجت تلك القطع الفخارية ولا تنظر إليها بعين ساذجة مبهورة بل بعين محملة بإرث حضاري تعي روافده وتستدعيه من خلال تشكيلاتها الفخارية.
- تتميز الخامة التي اختارتها الفنانة كبطل لأعمالها الفنية كونها حلقة وسيطة بين الحرف التقليدية والفن، فالفخار له أصوله الممتدة إلى أزمنة ضاربة في القدم، وتشعبه في ثقافات متعددة إذ تكاد لا تخل حضارة قديمة من قطع فخارية باختلاف موقعها الجغرافي أو مدى تقدمها وهيمنتها، فهي من أول الحرف التي لا غنى عنها لتيسير سبل الحياة الأولية، والتي تخطت مرحلة الشكل الوظيفي إلى إبداع أطياف شكلية متنوعة تحقق جوانب جمالية أو تنسج هوية ثقافية يمكن الاعتماد عليها كمصدر للتعريف بالهوية، مما حول قطعة الآنية ذات الوظيفة المحددة إلى وثيقة أو نص يحكي قصة إنسانية لشعب ما، مما أضفى عليه نوع من الألفة نظراً للمشترك العابر للثقافات المتمثل في هيئة الآنية وما سواها من أدوات استعمالية.
- تلك الشاكلة من العروض الفنية خاصة التي تستعير بشكل واضح من التراث المصري التطبيقي كما في التجربة محل الدراسة، عادة ما تثيرالجدل حول إن كان هناك ثمة خط فاصل بين الفنون التطبيقية والحرف وبين الفنون الجميلة من حيث المنتج والوظيفة، وتصور تراتبية قيمية ووظيفية للإعلاء أو الحط من مكانة وأهمية أحد النوعين على حساب الآخر، إلا أن التاريخ الإنساني والمسيرة الحضارية شهدت إنشاء مساحات متقاطعة تجمع بين النوعين وتزاوج بين الوظيفي والجمالي بنسب متفاوتة، فتارة يحتمل المنتج الحرفي التطبيقي درجة من الجمال والمفهوم الفلسفي والتفرد بشكل ينزله منزلة العمل الفني، خاصة عندما يقدم في سياق عرض يعزز تلك الصورة كما في قاعات عرض الفنون التشكيلية، كذلك قد ينطوي العمل الفني المنذور للمتعة الوجدانية وإثراء الحس الجمالي على درجة من المهارة التقنية والاحترافية في التنفيذ بشكل لافت يستدعي النظر في أهمية الأداء الحرفي خلال مراحل تنفيذ العمل الفني، وأثر هذا الأداء الحرفي في التأثير على وجدان ومشاعر المتلقي وأداء الوظيفة الإمتاعية الجمالية، وهذه التجربة تقع في موضع وسيط بين الحالتين، فهي تعكس المهارة التقنية التقليدية لصناعة الفخار مع إضافة بعد مفاهيمي وشكلاني خارج عن سياقه التراثي الأصلي ووضعه في سياق عرض فني.
- إلا أن ثمة حضور عالمي لممارسات تضفير التشكيل بالفخار والخزف في ممارسات الفن المعاصر مثل التجهيز في الفراغ -كما في حالة مجموعة كيراموس- وصياغة عناصر العمل التي قد تتخذ أشكال بعيدة عن الشكل التقليدي للآنية وتتجه أكثر للتشكيل النحتي بشتى صوره والذي انتشر بشكل لافت في المعارض المحلية في الآونة الأخيرة.
- تلك الطبقات المتراكبة من المفاهيم والممارسات التي تختلط فيها سياقات تاريخية متنوعة هي ما تخلق خصوصية تجربة الفنانة صالحة المصري التي تعلن انتماءها الوجداني للجذور المصرية القديمة وتستفيد من خبرات دراسة تاريخ الفن الغربي واتجاهاته وتشتبك مع ممارسات فنية معاصرة وتمزج بين كل هؤلاء بتجاور متسق يعكس إمكانية توظيف تعدد الروافد في إقامة تجربة فنية ذات خصوصية تتجاوز التصنيفات الفنية المدرسية، والتعامل مع تاريخ الفن كمرجعية بصرية مفتوحة تقبل التقريب بين المتباعدات لخلق تجربة جمالية متفردة.
بقلم : نهى حنفي
أغسطس 2024
آنيةُ كيراموس حاوياتُ الشفرةِ الثقافيةِ
- تقدم الفنانة صالحة المصري في معرضها كيراموس تجربة تشكيلية غنية وجديرة بالبحث و لقد تحقق ذلك عن طريق رحلتها المتعمقة في مجال الخزف بمنطقة مصر القديمة (فواخير الفسطاط) و استغراقها في طقوسها الجمالية و التقنية مستفيدة من الشفرات التراثية المنبعثة من فنون ما قبل الأسرات و فن الإنسان البدائي في أرض مصر فلطالما كان التساؤل عن الهوية الثقافية المصرية وفحص البنية الإبداعية للمجتمع المصري عن طريق البحث عن مكونات الثقافة الشعبية المتجذرة هو ما يحدو الفنان طوال مسيرته الإبداعية فهذا البحث ينشط لدى المثقف و الفنان الواعي في الفترات التاريخية المفصلية التي تتميز بالتغير السياسي والاجتماعي، وقد طرق الخزافون الرواد درب الاستلهام من التراث المصري القديم و الإسلامي في الخزف الجابري و الشعبي ليتحقق الاستمساك بتلك الروح المصرية الباحثة عن القيمة الساعية نحو الحقيقة المصرية، كأعمال الأساتذة سعيد الصدر و قدري نخلة و نبيل درويش و زينات عبد الجواد و تهاني العادلي وشوقي معروف و محمد مندور ،في ظل عالم متغير تحت وطأة العولمة و سيولة المعلومات كآلية من آليات الخروج من حالة الهيمنة الثقافية،و فقدان الهوية.
- إن معرض كيراموس يثير قضية ثقافية في غاية الأهمية و هي قضية استلهام التراث الثقافي للشعوب في الأعمال الإبداعية المعاصرة ، و إلى أي مدى يمكن للفنان التشكيلي مزج و توليف عناصره؛ فالإستلهام الفنى للثقافة الشعبية : `هو ذلك النشاط الإنسانى النوعى الذى يسعى فيه الفنان من خارج دائرة الجماعة الشعبية إلى الاستعانة بثقافة هذه الجماعة أو أحد أجناسها أو أنواعها أو عناصرها لبناء نص فنى خاص قولى أو موسيقى أو حركى أو تشكيلى أو درامى` و يكون الاستلهام التشكيلي للتراث الشعبي تعبيراً مجسداً لموقف المبدع الفكري ونظرته للعالم باحثاً عن الأصالة و القيمة الجمالية بعيداً عن الزيف أو الادعاء أو الترصيع الشكلي الذي يحول الشكل الفني الموروث مسخاً شائهاً استهلاكياً إلى أبعد حد ،أو متذلفاً لقيم سلعية أو سياحية عابرة .
- و قد أوضح علماء الثقافة الشعبية أن عملية الاستلهام الفني للثقافة الشعبية تتم بثلاثة طرق للاستدعاء هي : استدعاء بالقراءة أو من خلالها،واستدعاء بالتذكر، أو استدعاء بالمعايشة الصادقة لروح الجماعة الشعبية متجلية في بيئتها. و هي التجربة التي قامت بها الفنانة صالحة المصري خلال الفترة التي قضتها بمنطقة الفواخير المتميزة بفن و حرفة الخزف في منطقة مصر القديمة .
- `وهذه الطريقة من طرق الاستدعاء تمثل للفنان ميزة وتحدياً ، والميزة والتحدى فيها متلاحمان متجادلان ، بل إن حجم الميزة مرهون بحجم التحدى ، فبقدر ما يتيح هذا الضرب من الاستدعاء للفنان فرصة الدخول إلى رحم الظاهرة وبوتقتها والاختلاط بدمها وتذوق دفء هذا الدم ، فإنه يقيم فى مواجهة الفنان تحدياً يعد اجتيازه نجـاحاً وبراعة فائقة ومثمرة ، إذ أنه سيكون بمعايشته للظاهرة فى تجربة عناء حقيقى ، يتمثل فى مكابدة حل المعادلة الصعبة ( بالغة الصعوبة ) فى مخالطة الظاهرة والدخول فيها من ناحية وتحقيق قدر مناسب من الانفصال عنها والحياد فى تلقيها والسيطرة على حدودها ، أى الانتقال من التلقى الوجدانى المتأثر إلى التلقى العقلى التحليلى المؤثر فى فهم الظاهرة لا فى الظاهرة نفسها إذ التأثير فيها غير وارد بحال من الأحوال . لذا نجد الفنانة قد جاهدت مراحل عدة سعياً نحو ذلك الأفق من الصدق و المعايشة و لقد تم ذلك على عدة مستويات و مراحل بدءً من مرحلة ميلاد الفكرة و التصميم إلى التشكيل اليدوي بالطرق القديمة للفورم الخزفي و الزخرفة و الحفر ثم الحريق باستخدام أساليب مثل حريق الحفرة و الفرن البلدي و إضافة مواد عضوية لإضفاء تأثيرات لونية على سطح الجسم الخزفي. ناتجة عن الدخان و اللهب ثم عمليات الاختزال داخل جو الفرن.
- في الذاكرة البصرية المصرية ترجع مناظر تصنيع الفخار إلى فترات مبكرة من التاريخ المصري القديم فنرى جدران مقبرة تي بسقارة التي تنتمي إلى الأسرة السادسة من الدولة القديمة ، إلا أن النماذج القديمة التي تستقي منها صالحة هيئات آنيتها تعود لمصادر أكثر قدماً من عصور الأسرات المصرية القديمة فيما قبل عصور التدوين و الكتابات الهيروغليفية بل ربما قبل عصور الاستقرار و الزراعة أيضاً، فتطالعنا آنيتها التي نفذتها بالطينات الأسوانلي الحمراء باستخدام التشكيل اليدوي على دولاب الخزف و التي تم حرقها بأسلوب حريق الحفرة و هما أسلوبان قديمان مرتبطان بالخزف المصري في فترات ميلاده المبكرة .
- تبدو الهيئات و التشكيلات لآنية صالحة متأثرة بتماثيل ربات الخصوبة المبكرة جداً التي كانت تصنع من الطين غير المحروق ، و كذلك أشكال الراقصات في حضارة نقادة التي نشأت في وادي قنا .و كذلك نجد تأثيرات فخار حضارة المعادي ذي الطينة الخشنة و الشكل المنتفخ والقاعدة ذات الخصر و حافة الاناء مفتوحة للخارج (شفة) و التي ترجع إلى الألف الرابع قبل الميلاد. وكذلك في حضارة نقادة الثانية تلك الراقصة الطقسية الشامانية برأس الطائر. كما تأثرت صالحة بالآنية الخزفية ذات الحواف السوداء. وشقافات دير المدينة و فيها اسكتشات الفنانين القدماء الخاصة التي توضح قدراتهم التشكيلية المتقدمة.
- قامت الفنانة في معرضها كيراموس بتنفيذ رموز و حروف من عدة لغات تنتمي لحضارات قديمة متنوعة على مجسماتها و آنيتها الخزفية و لقد نفذتها بأسلوب الحفر اليدوي على الطينات قبل تمام الجفاف أو بأسلوب يشبه الحفر الغائر بالأختام في الحضارات الماضية . فتداخلت تلك العناصر الرمزية مع الهيئات الآنية ، و كذلك كان لأسلوب العرض على الحوامل مختلفة الارتفاعات دور هام في صياغة القيم الجمالية الناشئة عن توزيع الكتل و الآنية ، مع استخدام الفنانة صالحة المصري لمساحات متنوعة من المسطحات الخزفية و التي تم حرقها بنفس أسلوب حريق الحفرة و تحمل تأثيرات الدخان الأسود على الآنية الخزفية الحمراء و التي كونت منها صالحة جدارية تصنع خلفية للعرض و تخلق منها امتدادا بصريا لعملية العرض و قد أضافت الفنانة جزعاً لشجرة عتيقة و مفتاحاً كمفاتيح الدور القديمة و الذي تم عرضه في قاعة صلاح طاهر بدار الأوبرا المصرية ، ثم انتقل العرض بعد ذلك إلى ساحة المتحف القومي للحضارة المصرية بالقاهرة ، و الذي تم تغيير أسلوب العرض فيه بصورة كانت موفقة إلى حد كبير منحت العرض قيمة أكثر ثراءً.
- ظهرت الآنية و المسطحات الخزفية في معرض كيراموس و كأنها قد اغمست في تيارات متلاحقة من شذرات خطية و رمزية و حروفية هجينة تنتمي لعدة حضارات كحضارة مصر القديمة و حضارة ما بين النهرين و الحضارة اليونانية و غيرها وربما تثير فكرة وجود كتابات هيروغليفية على الآنية التي تستدعي عصر ما قبل الأسرات وما قبل الكتابة بعض الجدل لكننا نستقبل الأعمال الإبداعية بمنظور يحترم فكرة الخصوصية الثقافية لمصر و كذلك مبدأ حرية الفنان في المزج و التفكيك و الاكتشاف كما أن فكرة النقاء الثقافي - مثلها مثل فكرة الأصولية الثقافية - تدخل تحت باب الخرافة وإننا جميعاً كيانات ثقافية مهجنة ، وإن ما يميزنا عن بعضنا البعض هو نوعية العناصر التي دخلت في تكويننا ،والهوية الثقافية - مثلها مثل الحياة - لا يمكن معرفتها عن طريق اختزالها إلى عناصر ومكونات محددة ، أو تجريدها الى أفكار ومقولات ثابتة ، فهي ليست كياناً ثابتاً مطلقاً يقبع داخلنا ، بل عملية صراع وتلاحم وتفاعل بين القديم والجديد ، بين الموروث والمستورد ، وبين المستقر المألوف والغريب المقلق - عملية دائمة مستمرة ، نعيشها كل لحظة ، وندركها حدسياً في لحظات عابرة ، تومض كالبرق في تيار الممارسات الحياتية ، التي تجسدها في تجليات متوالية` .
- قدمت صالحة في تكويناتها تجهيزات تشبه هيئة الخرطوش المصري القديم و هو الشكل الذي كان يكتب عليه لقب الفرعون في مصر القديمة باستخدام الشرائح الخزفية مستطيلة الشكل التي تنتهي باستدارة الآنية ثم الكتلة المستطيلة لحامل العرض ، أو باستخدام القرص المشقوق الذي وضعت في قلبه مفتاحها الضخم ويتنامى التدفق للعناصر بما تحمله من دلالات رمزية كثيفة قد تكونت عبر مراحل تكون الذائقة الجمالية لديها ، حيث يتم استدعاء قرص الشمس و المصري القديم بمصاحبة الدلالات الشعبية لعنصر المفتاح تلك التكوينات ما هي إلا الصور المتعاقبة أو المتصلة لبث سردي ذي قنوات إرسال متعددة تتفرع في ساحة العرض قدمته صالحة المصري برحابة و تنوع .
- إن فراغ و تنظيم قاعة العرض يلعب هنا دوراً بارزاً في دار الأوبرا المصرية و أيضاً في ساحة مدخل المتحف القومي للحضارة كساحة للفعل التشكيلي المتتابع و المتنقل مع تقدم الشكل و اللون متحركين، مع تطور و تتابع التجهيزات الخزفية كأشكال منفصلة فردية أومركبة ،و ملونة أو غير ملونة،و خطية أو مسطحة أو مرنة ،و لكنها كذلك مساحة متقلبة و متحركة ،و قابلة للتحويل،إن هذه العناصر تعتبر متغيرات لا نهائية شديدة التنظيم داخل فراغ العرض. استطاعت الفنانة أن تصوغ بها لغة جديدة مفارقة .
- هناك قوانين حتمية تحكم ذلك الفضاء المكعب و كأنها شبكة خطية غير مرئية للعلاقات بين قياسات المستويات المسطحة و قياسات الحجوم ،تلك القوانين الرياضية تتسق مع القواعد الهندسية المتأصلة في تكوين الجسد البشري - أقصد هنا جسد المتلقي - الذي يتحرك في براح التجهيز و التي تخلق توازنه ميكانيكياً و منطقياً تلك القوانين التي تحكم جوهر الألعاب الرياضية و الرقص الإيقاعي و ألعاب الجمباز، تلك القواعد موجودة بقوة حتى و لو لم نكن نعي أو ننتبه لوجودها أو تأثيراتها على العلاقات المكانية التي تحكم أجسادنا و التي تمتلك عظيم الأثر في عمليات تشكيل الفراغ في الفنون الأدائية. و هو ما طاف بذهني و أنا أشاهد الصور الفوتوغرافية للفنانة صالحة المصري في قلب تجهيزاتها الخزفية و هي تتخذ موضعيات متنوعة و تصنع من جسدها عنصراً تشكيلياً من عناصر العرض.
- إن سياستها في تنسيق تجهيزاتها الخزفية مع عناصرها الطبيعية مثل الشجرة و الأغصان المتسلقة أو المنبثقة من القاعدة الخشبية تمتلك العديد من الدلالات كالتدفق و التغير و التطور ولها قوة تأثير على المتلقي و لها عدة وظائف :كجذب العين وتأكيد الانتباه و تعريف الذات المبدعة التي تعلن عن نفسها و عن موقفها من الوجود.
- إن الفنانة صالحة المصري تولي أهمية قصوى للمرحلة التخطيط القبلي لتنسيق العرض و بناء التجهيز الخزفي في الفراغ و علاقة الآنية الخزفية بالمسطحات و الجداريات و العناصر العضوية الطبيعية و لعل عملها على مدى عشرين عاماً كمنسقة للعروض التشكيلية في قاعةأفق بقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية كان له أكبر الأثر في ترسيخ قيمة التخطيط لتنسيق العرض التجهيزي و مسارات الحركة و الكتل و الفراغات به ، بالإضافة لاهتمامها بتشكيل الجسم الخزفي و معالجاته اللونية و الملمسية الناتجة عن الحفر الغائر أو الضغط بالختم لتشكيل الرموز و الحروف القديمة أو تلك التأثيرات الناتجة من لفحات اللهب و تصاعد و ترسب الكربون على سطح القطعة الخزفية .
- إن الأعمال الفنية الجيدة تمتلك وجوداً غنياً متعدد الأوجه وكما تتعدد صور و إمكانات الطرح التشكيلي تتعدد كذلك صور و طبقات التلقي والتأويل ؛حيث نرى أن الفنانة صالحة المصري في هذا المعرض قد قصدت إلى ترك مناطق متعددة تمنح العرض مرونة و تنوعاً و حرية في الطرح حيث تمكنت من تغيير أسلوب العرض أو المواضع المكانية للقطع أو صناعة مصفوفات متجددة لا تنتهي جمالياتها باستخدام الوحدات تحركها و تحلق بها في فضاء التشكيل كيفما أرادت. تبدو تجهيزات صالحة في الفراغ باستخدام الآنية والشرائح الخزفية تجسيداً لمصطلح الجشطالت Gestalt وهي كلمة ألمانية التي أشار الدكتور شاكر عبد الحميد إلى ترجمتها على أنها `الصيغة الكلية` أي تلك الصيغة التي يكون عليها النشاط أو العمل الفني ،أو أي تكوين آخر يتسم بالكلية. ليست مجرد تجميع لهذه العناصر من الآنية الخزفية بما خلقت لها من تنويعات في انتفاخات أجسامها أو دقة أعناقها وكذلك البلاطات الخزفية المتغيرة الأبعاد ، بل تنظيم لها بشكل ما. إن العمل الفني هنا لدى صالحة هو تنظيم خاص وفريد لعناصرها الآتية إلينا محملةً بشفرات الماضي الحضاري كمكونات ` Components معينة في قاعة العرض تثمر شكلاً كلياً متميزاً وفريداً . يظهر فيه الجشطالت الجيد The Good Gestalt عندما نجحت في تنظيم كلي لعناصرها الخاصة بحيث يستطيع المتلقي أن يدرك قيم الكلية والوضوح ، والتماسك ، والتحديد ، والدقة ، والاستقرار ، والبساطة ، والمعنى ، لذا فإن ذلك العرض ككل و كذلك إذا تناولنا المناطق التعبيرية المختلفة في مسار العرض بكيراموس تستحق أن يطلق عليها اسم ` الجشطالت الجيد.
- لقد استخدم ` أرنها يم ` مصطلح التعبير في معناه الواسع ، معتقداً أن التعبيرات البصرية تكمن في أي موضوع أو أي واقعة إدراكية ، وتظهر باعتبارها قوي دينامية نشطة ، فالتعبيرات لا توجد فقط لدى الكائنات الحية ، أو العاقلة بل أيضا في الأشياء غير الحية كالأحجار والسحب ، والجبال والنافورات والحيوانات والصخور والنيران وغيرها . والتعبيرات تدركها العين على نحو مباشر ، لأنها تتجلي من خلال خصائص أولية كالشكل واللون والحركة. لذا -وفقاً لأرنهايم - فإن أي شيء في الحياة يمكن أن يكون حاملا للتعبير كما تشير نظرية الجشطالت ، فكل الموضوعات والأشياء تشتمل ، في ضوء هذا التصور ، على توترات داخلية تظهر في شكلها الخارجي ، بصفتها وقائع إدراكية حاملة للتعبير.
- تلك التشكيلات الخزفية ذات الطابع التراثي التي استخدمتها الفنانة صالحة المصري في تجهيزاتها تجاوزت طبيعتها الاستخدامية كآنية و كذلك وجودها التراثي المترسب في ذاكرتنا البصرية من خلال النفاذ بذاتها المبدعة ،و إبرازها في خصوصية لافتة ،و النموذج القديم في عقلها قد تجسد بوجود جديد وهو ما يذكرنا بمقولة يونج عن النماذج القديمة حيث أكد أنها ليست أفكاراً ،بل أشكالاً ،كما أن لها وجود في حد ذاتها .قبل أن تتحول إلى رمز أو فكرة .وهي عندما تستحضر في الإبداع الفني ،الفردي أو الجماعي ،فإنها تستحضر من ذكرى غامضة ،تقفز في ضباب الزمن ،و تتسلط على الوعي ،و تدفع إلى الإبداع ،في الوقت الذي تظل فيه محتفظة بتكوينها المستقل .
- لقد اكتسبت تلك التجهيزات الخزفية في الفراغ قيماً جماليةً جديدة أكثر رحابة _في رأيي_ حينما تم عرضها في الساحة الأمامية بالمتحف القومي للحضارة و نشأ وجودٌ مستقلٌ ممتزجٌ بعالم قديم آتٍ من أزمنة بعيدة في تناغم و اتساق عجائبي نتج عن الروح المسيطرة على المتحف و نوعية الإضاءة المستخدمة و كذلك انسياب ضوء الشمس الطبيعي نحو التجهيزات مع بعض التغييرات التي أجرتها صالحة في سياسة العرض . حيث أطلقت أعمالها عطراً طقسياً فريداً و وسائل يتحول بفضلها مفهوم العمل الفني ` كشيء` إلى وجود فعال ، حتى لو زال العمل الفني فلسوف يبقى الأثر البازغ الذي نقشه وجود تلك الأعمال و لسوف يحل التواصل الإنساني مع الأعمال و التجهيز في الفراغ محل قابلية مثل هذه الأعمال للامتلاك `. أي أن العمل الفني هنا لم يعد مرتبطاً بأثر تزييني أو نظام وظيفي ، بل غدا تساؤلاً يأخذ أبعاداً جمالية و فلسفية جديدة، انطلاقا من التجربة الماثلة أمام المتلقي للعمل .حيث يتنامي تحقق الفنان من خلال تجاوز عمله الفني للضفاف و الحدود ليشمل العالم المحيط و يسهم في تشكيله من جديد و إعادة صياغته ، و التحليق نحو آفاق رحبة ، مستبدلا الوجود الإنساني في صورته البازغة بالإطار التقليدي المحدود مما يقدم له مدي تشكيلياً لا حدود له، ويتيح له القيام بتجربة حقيقية ومباشرة مع العالم.
دكتورة هبة الهواري
جريدة القاهرة في يوليو 2024
بلا إنقرائية تجدل صالحه المصري حروف الكتابات القديمة علي آنيتها الفخارية
- تمتلك الدكتورة الفنانة صالحة المصري مقومات الفنان المعاصر، إذ لا تشغلها التقانة المهنية لفن الخزف عن لزومية التكوين الثقافي الواسع والعميق وهي الوقود الذي يلزم تنميته مدى الحياه و الذي يشعل جذوة الإبداع والاكتشاف .. عندما شاركت في بينالي كتاب الفنان الدولي الثاني عام 2004 وهي سنة تخرجها في كلية التربية الفنية، تأملت الجدارية العملاقة التي تغلف المبنى الجديد للمكتبة.
- المنحوت في الجرانيت الرمادي وعليه عبارات كتبت بلغات تاريخية ومعاصرة بتوزيع متميز الجدارية مقوسة تحتضن المبنى الكبير.
- ولأنها تتمتع بحساسية فنية وخيال تأملي فقد اختزنت الفنانة جماليات تلك الجدارية وتكوينها الذي يجمع بين الانضباط الهندسي والتوزيع الانسيابي وتفاوت الايقاع من خط لآخر. أصبح ذلك المثال المميز جانبا من قاموسها البصري الثري.
- وقد تمكنت بذكاء ابتكاري من توظيفه على وسيط آخر وهو الفخار المسطح والكروي والأسطواني فطوعت منظومة الحروفيات لطبيعة التشكيل والحروف واستقطاب التأثير الشاعري للدخان وأطياف اكسيد النحاس بدرجاته الاخضر التراثي ودفء ثمرة الرمان مع استثمار البصمات التي صممتها و نفذتها للحروف المميزة لتحقيق بصمات غائرة كالكتابات السومارية و المصرية القديمة ولكن بهدف جمالي فني خالص بلا انقرائية من نوع أو آخر. فأبدعت مجموعة من الاعمال ذات الخصوصية تجمع بين الحنكة التقنية، والخيال التصوري والتوافيق بين الحروفيات وبين التضاريس الانسيابية والدرجات الظلية، والجمع بين جماليات الطينات المحروقة و بين الطلاءات غير اللامعة، فتبلورت بين يديها ترجمة افكارها ومشاهدتها بوعي وتمكن، بحساسية وشاعرية.
- المساحات والنقوشات تتنفس بتآلفها مع الطبيعة والزهد اللوني الصقل، لتصبح أكثر حيوية وألفة. تشعر أمامها برغبة خفية بلمسها باعتبارها تجليات من امنا الارض والطين الذي خلق منه الانسان بمعجزة ربانية.
- أحيي الفنانة الدكتورة صالحة المصري فإن طموحها وثقتها في الذات والجلد على العمل الفني والتجريب والاكتشاف، يشيران بوضوح إلى مستقبل فني كبير.
بقلم الاستاذ الدكتور / مصطفى الرزاز
خزفيات صالحه المتصالحة
- قصدت دار الأوبرا المصرية، وبالتحديد قاعة صلاح طاهر لحضور معرض للخزف من إبداع الفنانة صالحة، التي دعتني مشكورة لافتتاحه، ولما كانت الانطباعات الأولى تدوم، فقد أدهشني تنسيق المعرض منذ الوهلة الأولى وطلبت إليها أن تقف وسط آنياتها الأنيقة لألتقط صورة تذكارية لهذا العرض المتحفى المبهر. رأت الفنانة أن تتخلى عن بعض نقاط الأمان التقليدية في تنسيق آنياتها الجميلة لكى يخرج المعرض فى صورة مؤثرة لا تنتقص من نجاحها تفصيلة صغيرة، وهذا التناغم السلس بين الآنية المرصوصة على ارتفاعات متباينة تحتضنها لوحات خزفية مثبتة فوق إطارات خشبية هو فى ذاته فنا منفصلا، فن التنسيق المتحفي الذي تفرد له الكتب والمراجع وتدرسه الجامعات والمعاهد فى أرجاء المسكونة.
- لقد وقعت الفنانة صالحة فس هوى طين الأرض فى غفلة من الزمن و بطريقة غير مقصودة واستهواها شكل الأوانى القديمة التي تحكى قصصا عن تاريخ الحضارات. فما أجمل الطين حين يخضع لأنامل الفخارى، يشكله حسبما يرى، ينحني عليه فى إشفاق بالغ بليغ فيبدأ الإثنان معا رحلة إلى المجهول على دولاب الزمن، تدور عجلاته تحت الأقدام الحافية فيعود الجسد إلى الطين، أو لسنا تراب وإلى التراب نعود! تسترق الفنانة النظر إلى الآنية الوليدة لتتحسس منها ما تريد، الشكل، اللون، نعومة السطح، رموز و كتابات لغات حضارات قديمة، سادت ثم بادت، وتركت لنا إرثا فنيا عظيما لكى نهتدى به وسط عالم انتصار الآلة على الإنسان وتغلب الذكاء الاصطناعي على الطبيعي.. لعل تلك الأوانى الرقيقة تعيدنا إلى صوابنا مرة أخرى و تثبت جذورها فى طين حضارتنا التي احتار فى سبر أغوارها المؤرخون والعلماء على حد سواء. هل يقصد الفنان رسالة معينة بفنه؟ أم هو إبداع مجرد حر طليق فى سماء الخيال لا تحكمه القواعد و لا تتحكم فيه القوانين؟ فى أغلب الأحيان تكون الإجابة الاثنين معا، فالفن الأصيل هو ما يخرج من رحم التجربة الصادقة المعجونة بعاطفة الفنان و خبرته الحياتية والتي تشكل إختياراته اللاحقة و هنا تنتقل عيوننا إلى حوائط المعرض والتي حولته الفنانة صالحة إلى شواهد تحكى قصة الحضارة وفلسفتها و قوانينها المبهمة، فالحروف قديمة والرموز جميلة الشكل خفية المضمون، والمعنى في بطن الشاعر، لا نحتاج أن نفهمه تماما لكى نستمتع بالفن، فهذا من طبيعته الأصيلة، أليس الفن هو ما يبدأ حين تعجز الكلمة. تستحضرني الشجرة التي وضعتها الفنانة بين شقفات خزفية فصارت عنصرا حيا يؤكد لنا أن التربة تملك عناصر النمو لكل المخلوقات وأن الخشب باق مثل الخزف، يحكيان معا قصة واحدة. نأتي هنا إلى بالتة الخزف واختيارات اللون و التحكم في تأثيرات الزمن ممثلة فى الحرق المفتوح والذي ترك بصمة داكنة على العديد من الأواني وهذا بعينه ما يكمل السرد من خلال لوحات فنية تترقب الصدفة الجمالية بشوق كبير، فهناك عوامل كثيرة تتدخل فى النتيجة النهائية للعمل الخزفى ومع تراكم الخبرة من خلال التجريب المتكرر يتعلم الخزاف مغازلة أدواته والتحكم فى أكاسيده ونوع الطين ودرجة حرارة الفرن ليضمن على الأقل شيئا من التوقع لنهايات غير محسومة، كثيرا ما لا تخلو من مفاجآت سارة.
- لقد عثر الأثريون على أوان خزفية حمراء مصقولة يشوبها السواد بمنطقة دير تاسا بأسيوط ترجع إلى العصر الحجري الحديث، وفي منطقة البداري المجاورة وجدوا أيضا آنية تزينها بعض الزخارف البسيطة الجميلة و لعل إعجابى بخزفيات أسيوط يرجع إلى كونها مسقط رأسى كما أن جدة والدتى تنتسب لقرية الشامية بجوار دير تاسا والبدارى.. على أن الشهرة الأكبر فى هذا المضمار ترجع إلى حضارات نقادة المتتالية و أيضا بوتو بالمعادى، فنجد الخزاف المصري يطور من سطح الآنية ويهتم برسم الدوائر الهندسية المتداخلة فى هارمونية بديعة تعكس ذوق الحضارات البدائية والتي تذكرني في حقب تاريخية تالية بفن الأبوريجنال لسكان أستراليا الأصليين وأيضا فن الهنود الحمر؛ سكان أمريكا الأصليين، فالإنسان في كل مكان قد استهوته الدائرة فهو يراها فى الثمار والمكسرات وصخور الشواطئ المساء وقبلها في الشمس والقمر ورأس الإنسان نفسه بل فى حركة الكون كله.
- فى النهاية أود أن أعبر عن شكرى للفنانة صالحة، المتصالحة مع خزفياتها الجميلة ، تستلهم التراث بشغف بالغ، وتساعدها دراستها الأكاديمية على البحث التاريخى الدقيق فى دأب حثيث يصب بلا شك فى مصلحة العمل الفني، لقد أعادت صياغة فن الماضى السحيق بنكهة حديثة تستلهمه ولا تشوهه وبذلك فهى تستحق مكانا بارزا بين خزافي مصر المحدثين.
بقلم الدكتور /فريد فاضل
|