|
شادى السيد أحمد النشوقاتى
- يعرف شادى النشوقاتى القيمة الثنائية لبقعة اللون فى الصورة التى يرسمها . الضوء المشع الذى يتلقاه المشاهد حين تقع عيناه على العمل لأول مرة ، ثم ذلك المخفى تحت السطح - ذلك - الذى يصنع نسيج الروح و طاقتها الفاعلة .
- إذ بدون تلك الثنائية التى تنشأ عليها الصورة الفنية ، لا يكون الفنان قد حقق وحدته الضرورية من ثنائية الباطنى ، والظاهرى. وبدونها لا يكون قد حفر ميلاده بالفعل، أو التقى ذاته المبدعة .
- ونحن حين نتأمل أعمال النشوقاتى ونقترب منها ، يبدو لنا الحال ركاماً مهملاً من الخطوط والألوان ، وقطع فى الفراغ معزولة كالجزر ، وصمت بين العناصر ، وحبس المساحات الملونة، واقتحامات تبدو فجائية كما لو أنها حدثت بين الصدفة والخطأ ، أو أنه قد صاغها ، فلما شق عليه الأمر تركها تركاً حتى ينتقل لغيرها ، ثم حين نعود اليها ، ونعيد التفكير والتأمل يبدو لنا الحال مختلفاً ، ويتجلى المشهد متطهراً من أخطاء خبرتنا الأولى - فأذا ابتعدنا قليلا تتجمع الأشياء وترتبط بأجزائها كالمشيمة الآدمية التى هى علامة الخلق .
- ومثلما يعرف النشوقاتى القيمة الثنائية للون، فهو يعرف ايضا النشوة الثنائية للخط .
-الخط الذى يضم التباين بين حدين، مثلما يكشف التناظر بين مساحتين، ثم الخط الذى هو مرتهن بتوتر الصورة وثرائها مثلما هى كذلك فى الشعر، ومثلما هى كذلك فى ذراتها الممتدة الى بعضها وبين بعضها حتى تصنع الشكل .
- وبدون تلك الوحدة الثنائية فى الخط عند النشوقاتى، لا يكون الشئ قد أتى بمعناه فى الصورة، ولا تكون سحنة العمل قد اكتمل وقعها وحفرت ملامحها وجمالها .
- ومثلما يعرف النشوقاتى القيمة الثنائية فى اللون، والنشوة الثنائية فى الخط فهو يعرف أيضا التيار الثنائى لفكرة `الصورة `، الفكرة التى هى ومضة الناظر، ثم الفكرة التى هى اكتشاف الفنان فكلتاهما ليستا سوى ثنائية المعرفة التى تولد بسببها الرسالة، والنشوقاتى حين يرسم يفكر ويغوص عميقا ويسخر من نفسه أحيانا و يعاقبها احيانا ويوبخ صورته ويمسخها، ويلغيها ويضيف اليها ويعبدها . فهو بذلك الناقد الاول اللصيق بصورته الفنية التى يخلقها فى هذا العالم .
إن النشوقاتى يحمل ملكات فنان سوف يصعد عاليا .
الفنان والناقد / أحمد فؤاد سليم
`شادى النشوقاتى` فى مستعمرته` قوس قزح` بمعرض`المشهد` التفاوض البصرى بين الفضائى والأرضى`
- هذا العمل `المستعمرة - قوس قزح` خص به الفنان `شادى النشوقاتى` مشاركته فى معرض `المشهد` المقام حالياً بقصر عائشة فهمى بالزمالك.. هو الجزء الثالث من مشروع فنى بعنوان `المستعمرة`.. بدأ جزئه الأول [2013-2015] بمشروع `المستعمرة - خط العرض`.. وبالجزء الثانى [2016-2018] `المستعمرة - أصوات الدموع السبعة`.. و`المستعمره` هو مشروع فنى متعدد الوسائط بدأه 2013 ويتم إنتاجه من خلال مجموعه متسلسله من الأفكار التى تتخذ فى كل مشروع منطقه مختلفة.. وعن جزئه الثالث المعروض حالياً يقول أنه يقوم `بعملية الاستكشاف `وهي عملية للتعمق الي الخارج للتحقق من الافتراض والمجهول.. وللبحث عن الطاقة في العوالم الجديدة في الفضاء.. فضاء الأرض أو فضاء السماء..
- ويقول: `عملية التنقيب` هي أيضا عملية طليعية للاستكشاف وللتعمق في الداخل في داخل الأرض أو الصحراء أو المحيطات فهي عملية صعبة لاستكشاف الطاقة الدفينة في عمق الجاذبية الأرضية..` وعن مستعمرته الأخيرة يقول: `العمل هو تصور ديناميكي لهيكل متعدد الأنظمة تبدو متداخلة في ظاهرها كجسد يستعير نظم معمارية أو ما بعد الصناعي ليفترض تصور مثير للتخيل أو ربما للتساؤلات عن مفاهيم مرتبطة بذلك المجال المتوتر للتفكير الإبداعي وتصور عملية التخيل..
- هذا بعض من كلمة الفنان `شادى` عن مفهوم عمله الذى لا يعتمد عادة على الوصف التفصيلى بل يعتمد كلياً على طرح ميكانيزم عمل الفكره داخل ذهنه.. أى انه يطرح لنا اللامرئى الذهنى لنراه مرئى فى حاله ماديه.. وأنا أراه فنان يملك عقل فيزيائى يطرح أسئلة ليدلل أو يُشير إليها بإجابات بصريه مجسده.. هذه الإجابات نلتقي بعض منها داخل جناح عرضه ولكل مشاهد منها نصيب.. وسأقدم نصيبى من رؤيتى لعمله الذى أراه كطرح منه للتأمل مهم للغاية..
- تواصل كونى
- هيكل عمله مقام داخل مُجسم زجاجى مستطيل داخل فضاء صالة عرض تخصه انتصف قاعدته السفلية إلى ثلاث مكعبات.. إلى الجانبين طبقات ملونه ربما تمثلا جيولوجية ارضيه يتوسطهما صندوق مكعب تفور داخله دوامة سوداء من مازوت لزج وبدى صوتها الدوار كجنون عظيم لدوامه داخل حفرة في فراغ أسفل العمل.. ربما يتماثل هذا رمزياً والتفاعلات العظيمة التى حدثت مع بداية الكون وما تمخض عنه الانفجار العظيم بجنونه الذى أفرز وجودنا البشرى.. فنحن أجساد من تراب نجوم ومع ملايين السنين فوق الأرض تحولت أجسادنا فى ظروف جيولوجية أرضيه وأجساد العضويات التى سكنتها والنبات الغارقة بحراً إلى تلك المادة اللزجة المازوتية التى تدور فى هيكل `شادى` الفنى.. فنحن من دوار افتراضي إلى دوار واقعى.. وجعل الفنان الجزء الأعلى الفضائى افتراضياً من عمله مزدحماً بما يتماثل والأقمار الصناعية بأبواقها وأنابيبها الزجاجية شاغل فضاء عمله ليتواصل مراقباً الجزء الأسفل الأرضى - وفى تبسيط منى شديد - يتأكد بخيال الفنان تطبيق نسبى لنظرية الكم `كوانتم فيزيكز` التى اكتشفت ان تحت جزيئات دون الذرى مثل الالكترونات قادره فى ظروف معينه على ان تتصل ببعضها البعض فوراً بصرف النظر عن المسافة التى تفصل بينهم ان كانت على بعد عشرة أمتار أو عشرة بلايين كيلومترات وأنها تتأثر بوجود الشريك المراقب.. بالنسبة لى أرى هكذا جانب من مستعمرة `النشوقاتى` قوس قزح.. ويبهرنى كيف تضيء الفيزياء بعض مناطق التفكير الفنى فى تأمل الكون فى `مستعمرات` شادى الرمزية..
- الثقبين الأسودين
- .. ولأن عمل `شادى` متعدد زوايا الإدراك فسأحاول أن أرى كل مشاهدة لى كأنها تخص شخص آخر.. ففى قاعدة هيكل العمل حيث مكعب صندوقى يموج بزيت مازوتى يوحى بتدفقه عن ثقب أحدثه حفار تنقيب بترول.. ليحدث الثقب فى المكان افتراضيا وليوحى هذا الثقب الأرضى بأنه ليس هناك مساحه للتحرك إلا رأسياً فى امتداد مستقيم لأعلى حيث عمق الفضاء.. موحياً بامتداد افتراضي من عمق الأرض إلى عمق السماء فى خط مستقيم رابطاً رمزيا بين الأرض والفضاء بين المادى والروحى.. والجسدى والعقلى..
- .. هذا الثقب البترولى الأسود أسفل العمل قد يتناظر والثقب الأسود مكنسة الفضاء.. رغم أن الثقب الأرضى يسحب من باطن الأرض بقايا موتى الأرض عبر ملايين السنين ماده ثمينة لزجه.. نجد الثقب الفضائى الأسود يقوم بدور عكسى حيث يسحب بقايا موتى نجومه كماده محترقة إلى باطنه.. فالكون وعناصره يتكاملا.. وربما يتوافق هذا فى عمل `شادى` رمزياً بأننا إذا ما واصلنا سحب الموت من الأرض فسوف نحصده موت آخر فى الفضاء وكل منهما يحتوى على نفس معلومات الآخر.. ففى مستوى عميق كل شئ فى الكون متصل للغاية..
- .. وقد نرى عمل `النشوقاتى` وكأنه مفرغ الهواء من الداخل كفراغ الصدمة تؤكدها الأبواق الزجاجية المجوفة كحاويات وهى بالفعل حاويات معلومات تلصصيه وقد أؤطرت بزجاج آخر خارجى لتعكس إحساس غرفه مهجورة الروح إلا من مادية الأرض اللزجة وازدحام فضاء متلصص - وتبسيطاً منى - نظرية الكم تؤكد مشاركة المراقب داخل الكون.. وكأن المشاهد بالكامل فى عمل `شادى` معلق داخل غرفه مراقبه ويراقب أيضاً.. ففي زيارتى الثانية لـ`مستعمرة قوس قزح` سيطر هذا الإحساس بقوه حيث كان الجناح لدقائق بلا زوار وتركت نفسى فى صمت إلا من صوت المادة المازوتيه تدور فى صوت لزج عميق تعلوها زجاجياته الضخمة تتلصص.. صمت الجناح وخلوه من الزائرين دفع بذهنى لمراقبة نفسى خارج العمل للاستسلام الشعوري متجاهله لما يحدث داخل المستطيل الزجاجى إلا من الصوت المازوتى الثقيل ومشهد الأبواق الزجاجية المتضاعفة بانعكاسات صورتها على الزجاج المجسم ليغمرنى إحساس معاناه يُقارب من `صعوبة التنفس.. الغرف المغلقة.. الهواء الحبيس.. معاداة الروحانية.. فراغ زمنى.. اضطراب.. موت.. حياة.. الكونى.. الفضائى.. امتلاء.. طاقة.. آلية.. الوجود.. رنين.. لزوج.. مادية.. مراره.. الطبيعة.. الشعر.. حيوية.. غمر.. تلصص.. نقاء.. وهم.. اصطدام.. غموض..` هذه الأحاسيس بدفع العمل تجاهى وليس تجاهه..
- غرفه زجاجيه لدردشة العقل
- تعدد التفسيرات لمستعمرة `شادى` يرجع لثرائها الفكرى الممتد من داخل صندوقه الزجاجى أو مستعمرته الزجاجية لتتحول إلى غرفة زجاجيه لدردشة العقل.. وربما هذا ما نجح فيه `النشوقاتى` الذى أراه من متابعتى لأعماله يمتلك - حرفياً - عقل `منور` ويملك كونه الخاص يدور داخله ويضع عنه إفتراضاته ليفتح بالفن الذهنى ومفاهيميته مجالات جديرة بالمشاهدة إلى جانب جمالياته ونسقه الذهنى.. لتصبح العلاقة بين الفكرة والهيكل الافتراضي بمثابة فريق لشيء ثالث يتوهج بحضور ذهن المشاهد..
- فإهتمامات بحثه مفاهيمياً فيما بين الأرضى والفضائى فى عصرنا تناظراً لكلا منهما بين ثرواته النفطية وأقماره الصناعية وكلاهما مسيطر ورمز للقوة.. فهو يطرح قضيه تتصل وحضارة النفط الأرضى وتتناظر وهيمنة وتزاحم الأقمار الصناعية فى الفضائى.. فكل الأموال هى تصريف نفطى.. وكل سنتيمتر أرضى مُصنف من تلك الكائنات السابحة فى الفضاء أعلانا وداخلنا كقوة عليا تتناظر وقوة النفط .. وليبدو العلم وساحة الفضاء التهديد لأقوى وأغنى تلك المصالح فوق أرضنا .. فنحن والمكان الذى نعيش فيه مُجتازين بكل تفاصيلنا.. وربما يناقش عمل `شادى` بطريقة ما تلك الإشكالية بين الأرضى والفضائى ونحن الما بينهما.. كذلك ربما لدى `النشوقاتى` مستوى طرحى آخر لواقع معقد نحن غير مطلعون عليه لأننا جزء فقط من الواقع وخيال افتراضي وأن البنيه المكانية الزمانية هى من صنع أيدينا كما فى عمل `شادى` وهى افتراضية بالرغم من صلابتها الظاهرة.. وأيضا عمل `شادى` يطرح تساؤل عن العلاقة بين حدود العقلية والجسدية ويجعلنا نتساءل هل يمكننا العيش فى مساحات إفتراضيه..؟ وماذا عن تلك المساحات التى لا يمكن تخيلها لسد الفجوة بين الذات الحقيقة والافتراضي..؟ كذلك يطرح عمله `المستعمرة` جزئيه حول فكرة التزامن لمنهج عمل أو التواصل الكوني..
- الغمر الافتراضى
- هيكل غرفة `النشوقاتى` واقعيه وافتراضيه.. وهى بيئة ديناميكية لكيان افتراضي صناعى.. وحتى حركة بأرومة الحفر الأرضية ليست طقسيه بل هى سلوك دائرى حول محور رمزى مباشر للآلة التى تدور فى منطقة الصفر بشكل مستقل مفرد بينما تتضاعف للأشكال العلوية وزواياها والسفلية فوق الأسطح الزجاجية فى متوالية بصرية..
- أيضا بدا الشكل العلوى مغموراً أو معلقاً فى فضائه الافتراضي لأن ليس للفضاء أرضيه تطرح فوقها حركه حقيقية بل حركة لكيان ضمنى يلتقط إشاراته مُشفره ليلقيها معلومات إلى مكان آخر عبر الفضاء.. وكأن أنظمة عمل `شادى` مغمورة فى بيئة افتراضيه للساكن الفضائى السابح والأرضى السائل مغموران داخل صندوق آخر مغلق.. ورغم الإغلاق هناك الحركة الدوارة التى توحى باللانهائيه.. ورغم الجدران المحكمة هناك استجابة لصوت الزيت اللزج الثقيل كأنه قادم من فضاء مجوف لأصوات متداخله بتشفيرات أبواقه الصوتية.. هنا أجد `النشوقاتى` حقق بيئتين مختلفتين متداخلتين غمرنا فيهما بالكامل وعلى المشاهد الدوران حول صندوقه من الخارج تخلصاً من الغمر لتتمكن الرؤيه ..لترتبط حركتنا الجسديه بحدود مساحة عرضه كأننا لا يمكننا إستكشاف عمله كاملاً إلا من خلال مشاركة حركتنا الجسدية..
- أرى الفنان `شادى` لم يقدم محاكاة لسيناريو يشبه عمل الأرضى الواقعى والفضائى الإفتراضى.. لكنه قصد تقديم مواجهة ذهنيه مع العالم الذى نعيشه.. ربما لتوجيه أذهاننا لكيفية تفاعل عالمين لا ينفصلان يتلصص أحدهما تربصاً غامضا على مكاسب بيئة الآخر الجامحة.. تماما كتربص العقلى بنا على الجسدى.... كنت وآخرين داخل صالة عرض شادى وكان كل منا يدرك بطريقته ذلك العالم المغلق علينا ولدينا مفتاح العبور اليه ومغادرته وقت نشاء.. وليس كواقعنا الذى علقنا به دون فكاك.
بقلم : فاطمة على
جريدة:القاهرة 20-3-2022
فنان الوسائط المتعددة شادى النشوقاتى:إكتشاف الغموض فى أنظمة العالم اللامرئى هى الأكثر إلهاماً لى
- الفنان المبدع المتفرد شادى النشوقاتى فى حوار مطول فى عدد اليوم بجريدة `القاهرة` صفحة `أتيليه`
-حوارات `القاهرة` مع فنانين يُشكلون علامات فى حركة التشكيل المصرى المعاصر (6)
- نواصل فى صفحة `أتيليه` تقديم حوارات مع فنانين فى مختلف مجالات التشكيل شكلوا بمشاريعهم الفنية علامات مؤثره فى حركة التشكيل المصرى المعاصر..نقدمهم لنقرأ من حواراتهم أفكارهم وتوجهاتهم الفكريه والفلسفيه والفنيه التى شكلت هيكل مشوارهم الفنى..ونقدم هذا العدد الحوار مع فنان الوسائط المتعددة ومعلم ومنظم لبرامج تعليميه لما بعد الحداثة فكرياً وفلسفياً الفنان شادى النشوقاتى ..
- قضيت حياتى كلها منعدم الشعور بالرضا عما أقدمه
- وأن ما أنتجته هو مجرد تجارب للإستكشاف
- حماسى للمفهوم `الافتراضى` هو لايمانى بتحرر الخيال من رقابة العقل وثقل ماديته
- جميع مشروعاتي الفنية متسلسلة الإنتاج كأجزاء من مشروع واحد.
- أستحضر مقولة المصور`بيكون` في محاولاته التعبيرعن القوة الكامنة للفن بالدفع بإنتاجه لأقصي مستوي
-أعمل منذ فترة طويلة على مشروعين متوازيين هما الأضخم انتاجياً على الاطلاق
نجد التصور للفراغ كطاقة حاضنة في مقابر الحضارة المصرية القديمة والعمارة الاسلامية والمسيحية.
تطور التقنيات المذهلة للذكاء الاصطناعي ستكون مهددة لفناني التصورات الشكلانية - التصميمية في الفن.
-غالبية الفنانين يكرسون حياتهم لفكرة جمالية واحدة.. وعدد قليل لديه أفكار فلسفيه ملحة يمارس تنويعاتها عبر عشرات السنين.. إن كنت فنان من النوع الثاني ما فكرتك الملحة التي قضيت لها حياتك؟
شادى النشوقاتى: أعتقد انني قضيت حياتي كلها منعدم الشعور بالرضا عما أقدمه واعتبر حتى اليوم أن كل ما أنتجته هي مجرد تجارب للاكتشاف ربما أبعد وأوسع من حدود ذاتي أو حدود كل الممكن!.. فمع كل انتاج جديد يطمح في الوصول الي معرفةٍ ما كإنجاز تظهر معها عدد لا نهائي من الممكنات الأخرى التي تثير الرغبة عندي في اعادة العملية من البداية ربما بطرق مختلفة سواء في انتاجي للفن أو في المشاركة في تعليمه.
- أنت لم تقدم أي تنازلات للتقاليد الفنية ولا لسوق الفن التجاري.. هل كلف هذا مشروعك الفني الكثير لتستمر؟
- شادى النشوقاتى: أعتقد أننا لا نكون مصممين من البداية كيف ستتجه بنا الحياة أو كيف ستكون مساراتها!.. أعتقد اننا دائما ما نكون متحدين أو منسجمين مع تلك الطاقة المحركة الداخلية.. ربما يتدخل العقل أحيانا لفترات قصيرة لتقييم ما ننجزه ولكن بالنسبة لي كنت دائما منذ البداية حتى اليوم راضياً عن تلك المسارات التجريبية المتقاطعة التي حددتها تلك الطاقة لعملي ولحياتي عموماً سواء كانت بالتقرب من السوق الفني أو بالابتعاد عنه.. فدائما كانت الأولوية للتحرر من أي جاذبية قد تؤثر على طبيعة أفكاري أو تجاربي المتعدد الطبقات في معظمها.
- الناتج البصري لشغفك الذهني ندركه في أعمالك وقد أخفي شبكة معقدة متشابكة.. ما مفردات هذه الشبكة؟
- شادى النشوقاتى: أعتقد أن الشغف الحقيقي هو تلك الطاقة الدافعة للتعلم والاستمرار في التعلم بمزيد من الجهد والتركيز.. فبالتوازي مع تلك الخبرات التي تتكون من كل تلك التجارب والمعارف ينتج معها اختلاف في وعيي بالتدريس كفن أو بالتنظيم التعليمي كفن أو بالبحث المنهجي كفن!.. فجميع تلك الممارسات تكٌون هيكل عضوي شفاف دائم التغير والنمو في عمق خبرتي.. ربما يبدأ ذلك البناء في التكون من مناطق جديدة كليةً عن سابقيه فربما ذلك هو السبب في تغير مشروعاتي كوسائط أو كأفكار أو حتى كمنهج ونوع انتاج!.. فهي متغيرة ودائمة التحول مع تطور ممارساتي في البحث عن المفاجئ والملهم المؤثر.
- انت الفنان المفاهيمي الأكثر الذي غمرته ما بعد الحداثة وتمتد ببصرك للدراسات الكيميائية والفيزيائية وللمخطوطات اليدوية والتاريخية والأديان والفلسفات القديمة.. وفى أحد بوستاتك ذكرت مخطوطات الكوديكس وأيضاً كتاب الموتى في التبت؟.. هل تستخدم الفكر القديم لمعالجة الفكر الما بعد حداثي؟
شادى النشوقاتى: ذلك الفكر ليس `قديم` بالمعني الحرفي!.. بالعكس.. فالرؤية الميتافيزيقية المتعددة الروافد في تكوين الحضارات الأولي التي أسست لعلوم الخيمياء والمخطوطات العقائدية القديمة عن العالم الآخر هي في ذاتها مرجع مهم لفهم فلسفة التعددية البحثية بمفهومها المعاصر والذي تحول معه العلم مؤخراً الي افتراض ميتافيزيقي يتحول فيه البحث المنهجي الي رؤى تخيلية - افتراضية عن الكون وليست فقط حقائق.. فالتجارب والنظريات العلمية الأولي التي كانت تحاول اكتشاف الغموض في أنظمة وظواهر العالم اللامرئي هي أكثرها الهاماً - بالنسبة لي- لأنها لم تُطرح في صورتها العلمية أو العقائدية المغلقة.. ولكنها قدمت بوضوح رؤية مفكريها وخيال متأمليها.. وبالتالي هي مصدر مهم للتعلم وللبحث في عمق تكوين تلك الفكرة البدائية لتصور العالم المحيط كفضاء لانهائي ممتد من الأفكار والعلاقات.
نعيش في عالم ما بعد الحداثة حيث كل شيء ممكن ولا شيء مؤكد.. كيف ترى تدريسك الفنون لطلابك بين الممكن واللا مؤكد؟
- شادى النشوقاتى: البحث عن كل ما هو ممكن من خلال التجريب هو أحد الأسس المهمة في منهجي سواء كمعلم وكممارس للفن.. حتى بعد تطور تلك التجارب الأولي الي أحد أشكال الانتاج.. فهو لايزال قابلاً للتحول مرةً أخري.. وحتى أثناء عرضه على الجمهور في مساحة العرض.. فتحولاته تلك لا تنتهي أبداً بالنسبة لي.. وأهم ما في المشروع الفني هو تكوينه ككائن حي دائم التطور والنمو.. فهو يٌعرض على الجمهور في أحد اطوار تحولاته المتعددة.. ربما يكون ذلك سبباً رئيسياً في أن جميع مشروعاتي الفنية متسلسلة الانتاج كأجزاء من مشروع واحد.. أنتجها على مدار عدد من السنوات تتمتع بلانهائية الممكن كأفكار وبعضوية تحولات اللا مؤكد.. وبالمثل في تصميم البيئة التعليمية التشاركية فهي تعتمد على ابداع ممارسات تجريبية تهتم باكتساب المعرفة عملياً وبوعي ذاتي مدعم بمنظور شخصي لكل دارس تتطور تدريجياً وتتغير الطاقة المحركة لتلك البيئة التعليمية بمشاركتي مع الجميع من الدارسين مجتمعين.
- تستحضر فى أعمالك ما هو مجازي موجهاً إلى الجهاز العصبي بشكل حازم وحاد؟.. فهل لديك هدف ضمني لدفع المشاهد لصدمة الرؤية.. وفى هذا هل تنتهج الحداثة الميتافيزيقية؟
- شادى النشوقاتى: في الحقيقة استحضر دائما ذلك التعبير عن المصور الانجليزي المعروف `فرانسيس بيكون` في محاولاته التعبير عن القوة الكامنة للفن في الدفع بإنتاجه لأقصي مستوي ممكن من التأثير العميق في الجهاز العصبي فهو قد يتعامل مع الصدمة وربما التشويه أو العنف وفي ذات اللحظة تطفو لمسات من الشاعرية والرقة والتلقائية .. تلك الرؤية المتعمقة دائما في الطبيعة البشرية الحقيقية .. فالفنان هو الشخص الوحيد القادر على الوصول الي شفراتها المستترة داخله في كل مرة تصطدم فيها فرشاته أو قلمه بسطحٍ ما لصنع مجرد علامة بسيطة في عمق الوعي الانساني!..
- المشاريع الفكرية
- عام 2001 في مهرجان النطاق 2 `بالتاون هاوس عملت على `الذاكرة` باستحضار ذاكرتك لجدتك الراحلة بإنشاء بيئة كامله فيديو وفوتوغرافي وتجهيز لحجرة الاستقبال ولمقبرة شمعية نبتت بالصبار.. ومؤخراً في محاضرتك تحدثت عن الأرشيف كحافظ ذاكرة.. لماذا احتجت 24 عام للعبور بين الذاكرة البديلة والذاكرة الورقية؟
- شادى النشوقاتى :مشروع شجرة بيت جدتي 2001-2006 هو مشروع من ثلاثة أجزاء منفصلة `الحوار 2001 سُها 2003 صوت من الجنة 2005` لم يعرض منها للجمهور الا الجزء الأول فقط من خلال مهرجان النطاق عام 2001 في العرض الخاص بجاليري التاون هاوس آن ذاك.. وتبعه عروض أخري عديدة.. أعتقد أن الفكرة البحثية التي تأسس عليها هذا المشروع لم ترتبط بمفهوم الأرشفة بشكل واضح ولكنها استعارت منه مفاهيم التوثيق من خلال استخدام مواد مسجلة حقيقية بالفيديو والفوتوغرافي.. ذلك لتوطيد العلاقة بسياق الوثيقة ذات الصلة بمواد البحث في علم الاجتماع والثقافة العامة في مصر.. ولكنها مجرد استعارة فقط وليس تمثيلا واقعياً.. فالمشروع يهتم في الأساس بالأكواد الشاعرية والتخيلية سواء في تركيبة الرواية أو في تفاصيل تلك الصور التي تبدو من بعيد وكأنها تسجيلات توثيقية.. فإستعارة النسق التوثيقي أو الأرشيفي كان الواجهة للدخول إلي عمق شفرات الطبيعة البشرية التي تغلفها ثقافةٍ ولغة حسية ما.. فهي ربما ليست افتراضية ولكنها تتعمق في تصور الذات لتصل الي منطقة `المجرد` التي يشترك فيها جميع البشر بمختلف طبقاتهم الاجتماعية وثقافتهم ولغتهم.
- ومن 2013 حتى 2022 بدأت (مشروع متعدد الوسائط بعنوان `المستعمرة`) بأجزاء ثلاثة: أنجزت جزئه الأول ما بين 2013-2015 بعنوان `المستعمرة خطوط العرض`. ثم الجزء الثاني ما بين 2016-2018 بعنوان `المستعمرة - أصوات الدموع السبعة`. ثم جزئه الثالث عام 2022 بعنوان `المستعمرة - قوس قزح`. هل قصدت بمشروعك في مجمله أن يبدو كمستعمرات تجريبية لأفكارك.. أم كمزارع تجريبية للتفاعلات الذهنية الأقرب للمعملية.. وماذا خلصت اليه بعد تجارب السنوات العشر في هذا المشروع؟
- شادى النشوقاتى: مشروع المستعمرة الذي بدأته عام 2013 هو مشروع متعدد الفصول أو الأجزاء لا يزال قائماً حتى اليوم.. يتبع نفس المنهجية التي أعمل بها منذ البداية.. فهي دائما ما تبدأ من تخيل أو تساؤل أو مادة ذات منبع شخصي جداً مثل `التساؤل حول الهوية الميتافيزيقية - الجغرافية المحددة لخطوط `الوحمة الوراثية` التي ولدت بها على رسغ يدي اليسرى مثلاً.. وتحول ذلك التساؤل الي بحث حقيقي قد يستعير منهج البحث العلمي فقط كواجهة أو كسياق.. فهو ينقب بحثاً عن أثر أو تخيل..! فأنا أفضل التبحر في فضاء ذلك المجهول متتبعاً رغبتي في الاكتشاف دائماً. ان العمليات التجريبية لذلك النوع من المشروعات كمثل انشاءنا لهيكل بدائي عائم لغرض التنقيب عن القيمة أو الخيال في عمق محيط واسع من المعرفة طاقته الوحيدة هي شغف التخيل وانعدام للتوقع العقلاني..! فهو يبحر في رحلة داخل ذلك المحيط.. وتدريجياً يصل الي منابع أولى للأفكار التي قد تخرج وتتراكم على متنه فتزيد من ثقله.. فينمو.. ليتحول ربما بعد سنوات من العمل الي مدينة مضيئة عائمة ضخمة لاتزال تعمل كمنقب في المحيط.. ربما أكثر بطأً من ذي قبل ولكنها أكثر فعالية.. وهو ما يقترب من تصور سؤالك عن التفاعلات المعملية والمزارع التجريبية كعمليات ابداعية تجمع بين الشغف والتعمق والترحال وربما ليس الانتاج كنتيجة وانما الخبرة.
- فى عرضك فى معرض `المشهد` بقصر عائشة فهمي قدمت تصور ديناميكي لهيكل ضخم شغل كامل صالة العرض.. متعدد الأنظمة في بنائه كهيكل زجاجي آلي الحركة الداخلية.. وكان هذا مثير للتوتر فهل عليك تحويل الفكرة `الذهنية` إلى طاقة `توتر` لتبلغ بها تفكيرك الإبداعى؟
- شادى النشوقاتى: عرض مشروع `المستعمرة - قوس قزح 2022` في القاعة اليابانية الأثرية في قصر عائشة فهمي بالزمالك كان تحديا مغايراً لي سواء في التفكير في بناءه أو في نوع تأثيره.. فهو فعلا كما تفضلتى في وصفك بثه لطاقة التوتر.. كان المهم التجريب في تصميم ذلك النوع من خبرة التأثير من خلال تجاور تفاصيل كثيرة تبدو ميكانيكية أو مستقبلية `كمنتجات عصر ما بعد الصناعي` فهي جاذبة في نفس الوقت التي تبث فيه الرهبة والخوف.. تترابط السياقات المتناقضة التي يراها المتفرج بوضوح ما بين هشاشة وانعكاسات التكوين الكريستالى المرتبط بالتاريخ أو بالتراث القديم مع احتلالها لهيكل معماري متحرك يبدو كمنقب صناعي مستقبلي في نفس الوقت.. ذلك التناقض في السياقات كان أساس مهم في التخيل الإنتاجي لفكرة هذا المشروع.. فهو في الحقيقة لم يكن ترجمة أو تصور شكلي لموضوعات أو معاني معينة بقدر ما قد يثيره من مشاعر أو تخيلات قد تولدها تلك التداخلات بكل تفاصيلها.
- هل تلاحظ أن مشاهديك أصبحوا يتعايشون مع ما لا يفهمونه ؟ وكيف تشعر بمغادرتهم قاعة العرض دون فهم فكرة عملك؟
- شادى النشوقاتى: ربما ليس من أهداف العرض أن يفهم الجمهور فكرة المشروع أو حتى مراحل إنتاجه أو دلالات أجزاءه كرموز و معاني..الخ أعتقد أن كل تلك التفاصيل المرتبطة بالأكواد المكونة له غير أساسية الا للمهتمين كباحثين أو كدارسين.. أما الجمهور فهو المحدد الرئيسي لنوع التأثير عليه `خبرة التأثير Experience`.. يشير ذلك التعبير الي مستوي العمق في تأثير العمل الفني وجدانياً وتخيلياً.. فذلك هو ما أعتبره أهم ما يمكن التفكير فيه كفنان وكمعلم أيضاً.. ان ابداع تلك الخبرة هو أهم من توصيل أو ترجمة المعاني أو القصص أو حتى الأفكار بكل تعقيداتها.. فهي فعلا ليست بنفس أهمية أن يكون العمل بوابة للتخيل ومسبب للدهشة وخالق للسحر.
- الورش التجريبية والمحاضرات
- منذ عام 2000 نظمت الكثير من الورش التجريبية لفنون الميديا.. وأسست مشروع `آسكي` التعليمي وبرنامج الجامعة الأمريكية للفنون البصرية.. وحالياً تقدم محاضرات `أفكار مُلحة `حول مفاهيم الفن الحداثي فلسفياً بمفردات فكرية معاصرة.. فأيهما يغلب عليك : الفنان التجريبي أم أستاذ الفن التنظيري؟
- شادى النشوقاتى: مع بداية عملي في وظيفة التدريس الجامعي عام 1996 وفي نفس الوقت ظهوري كفنان ومصور خلال صالون الشباب وغيره من المعارض البيناليات الدولية ترسخ عندي مفهوم التجاور أو التوازي ما بين الخبرتين: خبرة المعلم الذي يحاول تكثيف عمليات الاتصال المعرفية مع طلابه وخبرة الفنان الممارس من خلال مهاراته التطبيقية والعملية.. فهو منظور اعتيادي يمارسه كل المشتغلين بالتعليم والممارسين للفن في نفس الوقت.. فيكون تعليم الفن في تلك الحالة من النوع الانطباعي الممزوج بخبرات شخصية للفنان نفسه.. ومنذ عام 2000 ومع تنظيمي لبرنامج الورش التجريبية لفنون الميديا في كلية التربية الفنية `كبرنامج تجريبي موازٍ` بدأ معها ذلك المفهوم يختلف.. لتصبح العلاقة بين خبرات الفنان والمعلم/ المُنظر متقاطعة أو متراكبة كخبرات تجريبية - معرفية - تشاركية.. وظهر معها ما سُمي `بعمليات التصميم التجريبية للخبرة التعليمية `Educational curating. أعتقد أيضاً هناك تأثرُ كبير في تطور وعيي بمفهوم (البحث) الذي بدأ من منطقة البحث الأكاديمي المنهجي الي منطقة البحث الفني المتعدد الأبعاد التخيلية والافتراضية في الأساس.
- سلسلة محاضراتك الأخيرة بعنوان`أفكار ملحة `والمتاحة لجمهور المهتمين شهرياً.. شاهدت منها ثلاث ملخصات على اليوتيوب وهي زاخرة بمعلومات تفتح نوافذ لأفكار غير تقليدية.. أين تقيم محاضراتك ..وهل تحقق من خلالها مدرسة تجريبية في مصر لأفكار ما بعد الحداثة؟
- شادى النشوقاتى: سلسلة المحاضرات الحالية `أفكار ملحة` بدأتها في شهر يونيو الماضي بالتعاون مع مؤسسة مدرار للفن المعاصر لتكون بداية لتأسيس برنامج `آسكي ASCE` الجديد الذي أنوي تقديمه رسمياً في بداية العام القادم ان شاء الله.. فهو برنامج بديل يهدف لدعم الممارسات البحثية والتجريبية في تعليم الفن.. تهتم تلك السلسلة من المحاضرات بتساؤلات حول مفاهيم - أجدها مهمة من وجهة نظري- في التعمق سواء في طبيعة الممارسة الابداعية عموماً وخاصةً في مفهوم الفن ذو المرجعية النظرية - التحليلية.. وهي ربما امتداداً لما بدأته منذ عام 2000 وحتى اليوم في انتاج تصور للخبرة التعليمية في الفن ربما بمنهج تجريبي مغاير لما هو سائد فى مصر.
- فى محاضرتك عن الفراغ.. هل قصدت أن الفراغ في الفن هو الغياب والحضور للشكل كلاهما معًا ودائمًا في تلازم.. وهل للفراغ الوجودي مكان؟
- شادى النشوقاتى: مفهوم الفراغ The Void هو الأقرب للتعبير عن `الاحتمالية` كطاقة خلاقة متغيرة في الفن.. بمعني أن نوع الشعور بطاقة الفراغ هو الذي يحدد تخيل طبيعة الأشكال داخله وهي ما قد تحوله بعد زمن من التأمل الي فضاء Space، ثم الي مكان Place `محدد المعالم والمواد` يعتمد فن التجهيز في الفراغ بشكل أساسي على الشعور التأملي لتلك الطاقة الخلاقة المتغيرة للفراغ.. فمن المهم الحفاظ عليها حية داخله.. فهي طاقة يسهل تجمدها واختفائها بسرعة فور تعاملنا معها كعلاقات تشكيلية - مادية من خامات وصور مجمعة فى تصميم جمالى.. فمن وجهة نظرى ما يُبقى على حيوية تلك الطاقة الحاضنة للعمل الفنى هو وعينا بجاذبيتها من الأساس وهو ما يتطلب تدريب لمهارات التأمل ومراقبة الظواهر السحرية فى العالم وليس مهارات التصميم والتنظيم والإنشاء كما يُعتقد. نجد ذلك التصور للفراغ كطاقة حاضنة للتأمل وللخيال واضحاً في الشعور بالفراغ المعماري الملهم في مقابر الحضارة المصرية القديمة أو في العمارة الاسلامية والمسيحية.. وغيرها من الفضاءات المعمارية الحاوية للطاقة وليس مجرد انشاء مصمم من الألوان الأشكال المتقنة.
- حول محاضرتك عن العالم الافتراضى.. هل تعتقد أن الواقع المعزز يسمح للأفراد بالتواجد في العالم والتفاعل لتحسين بيئتهم الحقيقية على عكس الواقع الافتراضى الذى يُغلق العالم تماما.. وأسألك ما رؤيتك الاستشرافية لحماستك فى محاضرتك للواقع الافتراضى التفاعلى؟
- شادى النشوقاتى: تتطور الحضارة المعاصرة بسرعة مذهلة في اتجاه الافتراضي ليس فقط كمفهوم مجازي للقدرات التخيلية للإنسان ولكن كواقع نعيشه جميعاً اليوم كمجتمعات أصبحت متسقة بشكل كبير مع فكرة البديل الاليكتروني للذات. نخلق من خلالها عوالم موازية وشخصيات وهمية بالكامل نحيا داخلها ونصدقها.. فهى صاحبة قدرات فائقة في التواجد الواسع الانتشار والعبور الجغرافي في الزمن والتحول ما بين قوانين الجندر واللغة والثقافة وغيرها من الثوابت الأبدية في العالم المادي وبالتالي أصبحت الحضارة أكثر تحرراً وابداعاً وكذلك قدرات الانسان العادي.. فمن الطبيعي ان يكون الفن اليوم انتاج واضح لانعكاسات هذا المجتمع المُخلق بالكامل ومنعزل تماما بمنأى عن المادى والواقعى.. ربما حماسى لمفهوم الافتراضي يدعمه ايمانى بتحرر الشعور والخيال من رقابة العقل وثقل ماديته وقوانينه المهيمنة! وهو تصور يساعد البشرية على اعادة تكوين معارفها عن نفسها بشكل حر وتجريبى بالكامل.. فلقد اعتدنا وصف تلك المعانى فى الفن ولكننا الآن نصف بها عالمنا الحقيقى بواقعية وليس مجرد تخيلات عنه.
- الحداثة
- هل ما بعد الحداثة تتشابه ومشهد انسان يتفرج عاجزا حتى عن طرح أسئلة حول واقعه؟
- شادى النشوقاتى: أعتقد أن انسان العصر الحديث يتمتع بمهارات غير مسبوقة للحاق بمظاهر الحداثة والتكنولوجيا باستخدامه الفطري للتليفون المحمول والانترنت مثلاً.. فالجميع على حد سواء قادرون على الدخول في تلك العوالم الافتراضية حتى بكونهم مستهلكين لها فقط، فمما لا شك فيه أن هناك وعي مختلف بالذات لا تخضع لجاذبية المكان أو الحدود التقليدية.. فهو وعي حقيقي وابداعي بدرجة كبيرة..ربما أثبتت العشر سنوات الماضية بمتلاحقات انتاجها أن أبسط البشر داخل أكثر المجتمعات انعزالية هم ليسوا كما يبدون من بعيد.
- هل ترى بتجربتك الزخمه بالأفكار والتجريب أن الكثير من الغطرسة تحيط بالفن المفاهيمي في منطقتنا العربية؟
- شادى النشوقاتى: `الغطرسة أو التعالي` وهي تعبيرات اسمعها وأقرأها بشكل متزايد مؤخراً في المجتمع الفني في مصر لوصف الفن المفاهيمي أو الفنانون ذو المرجعية البحثية أو حتى المجتهدون في التنظير التحليلي أو التفلسف على الانترنت..! استخدام تلك التعبيرات يوضح ما هو منتشر من آفات التقييم والتصنيف وإطلاق للأحكام الشخصية في معظمها فهي تساهم في تفتيت المجتمع الفني وتقسمه الي جزر تحيط بها مسافات شاسعة جداً.. وهو للأسف واقع صعب تغيره في زمن قصير.. لذلك أؤمن جداً بدور التعليم التجريبي الحر للجيل الجديد ودعم مهاراتهم في تكوين ثقافتهم الحرة المتعددة الروافد ليكونوا أكثر تلاحماً وفهماً لحقيقة ممارسات الفن المتنوعة وحقيقة أن الممارسات الفنية متاحة للجميع على حد سواء.. فالجميع الآن حول العالم كله متشاركون في تكوين تلك الثقافة كلُ حسب ما يرونه وما يؤمنون به.. لذلك أري أنه ليس من الواقعي أن يكون هناك تصنيف أو أحكام من ذلك النوع اليوم.
هل سيصبح الفنان في مواجهة تهديد وجودي مع الذكاء الاصطناعي؟
- شادى النشوقاتى: أعتقد أن تطور التقنيات المذهلة لبرامج الذكاء الاصطناعي ستكون فعلاً مهددة لبقاء الفنانين الخاضعين لتصورات شكلانية - تصميمية في الفن، فالبرامج قادرة على انتاج متواليات لا نهائية من الصور والتكوينات في زمن فائق السرعة من خلال عمليات التوليف والكولاج واعادة البناء.. لكني أيضاً اعتقد أن تلك البرامج لا تستطيع أن تترجم المعاني الضمنية أو المشاعر المجازية أو الأفكار`عضوية التكون`أو تعبر عن حقيقة تحولاتها السحرية الفطرية غير المبررة في معظمها..ذلك التحول في الأفكار والمشاعر هو ما يبقي الطبيعة الانسانية خلاقة واستثنائية.. وبالتالي الفن الذي تنتجه تلك الطبيعة لا يمكن اختزاله في صور أو تكوينات يمكن وصفها في أوامر مكتوبة.
- هل تعتقد أن النقد الفني نشاط موازٍ أم نشاط فرعي؟
- شادى النشوقاتى: أعتقد أن الممارسات الناقدة هي ممارسات تتحرك برؤية موازية للممارسة الفنية وأيضاً متقاطعة معه في العمق كفرع منه فهي أساسية في افتراض تساؤلات حول الفن كممارسة متغيرة وأيضا تستكشف اللغة والهياكل المتجذرة في عمق الظاهر منه كإنتاج.. أتاحت اليوم وسائل الاتصال والسوشيال ميديا مساحة أكثر اتساعاً للتحليل وتبادل المعارف والكتابة الناقدة.. وأصبحت ممارسات التحليل الناقد نشاط يومي لمجتمعات بأكملها ما بين متخصصين وغير متخصصين.. ذلك النشاط التنظيري للجميع أجده ايجابياً بشكل كبير.. فالجميع أصبح متفاعلاً مع طرح المعرفة ومشاركاً في تكوينها بشكل جماعي طول الوقت كلُ من منظوره ومستوي اجتهاده الفكري الخاص.
هل يمكن أن تكون مجموعة أعمالك التي قدمتها بمثابة سيرتك الذاتية الفكرية؟
- شادى النشوقاتى: لم أجرب من قبل تقييم مسيرتي أو حصرها والتفكير في مساراتها المتشابكة.. فكل ما هو واضح لي من بعيد أن تلك المشاريع الممتدة والمتقاطعة ما بين تجارب الفن والتدريس والتنظيم التعليمي تتطور فيما بينها بشكلٍ ما.. بالنسبة لي هناك صعوبة أن افصلها من بعضها أو افككها كتجارب.. فهي مكون متحد يزداد وضوحا وتحقق كخبرة في مجمله يوماً بعد يوم بالنسبة لي.
ما مشروعك الفني القادم الذى تعمل عليه حالياً؟
- شادى النشوقاتى: أعمل منذ فترة طويلة على مشروعين متوازيين أستكمل بهما سلسلة أجزاء مشروع `المستعمرة`.. الأول بعنوان: `السد العالي`The High Dam والمشروع الثاني بعنوان: `نَفَس`The Breath. المشروعين هما الأضخم انتاجياً على الاطلاق وربما يكونان آخر مشروعات تلك السلسلة التي بدأتها عام 2013.. بدأت البحث في أفكارهما متوازيان لبعض منذ عام 2018 تقريباً وأعمل على التعمق في البحث وتطوير أفكار الانتاج لهما طوال الوقت وخاصة أن ذلك النوع من المشروعات الأخيرة تستلزم حجم انتاجي ضخم و يتطلب جهد ووقت ودعم مادي.. هناك بادرة أمل لعرض مشروع السد العالى ان شاء الله في نهاية العام الجديد في أحد المعارض الدولية المهمة وهناك اهتمام بانتاجه وعرض جميع أجزاءه المختلفة من رسوم ولوحات تصويرية ومجسمات نحتية وتصورات اليكترونية جديدة، ستعرض لأول مرة ان شاء الله.. المشروع يحاول استكمال مفهوم البحث في طاقة الأنظمة ما بين الانظمة الطبيعية وتحولاتها الي الانظمة المُخلقة أو البديلة في تصورات العالم الجديد.. هو ربما رؤية متطورة أكثر عن مفهوم مشروع قوس قزح الذي عرض عام 2022 في قصر عائشة فهمي بالزمالك.
- ومن ناحية أخري أستمر في إستكمال سلسلة محاضرات أفكار ملحة التى سوف أختتمها بالمحاضرة الثامنة فى شهر يناير 2026 والتى ستكون بعنوان `مفاهيم فى التصوير المعاصر` تحاول التعمق فى لغات التصوير المعاصره وتقنياته الفكرية المتعددة مثل التشويه والتفكيك واعادة التركيب والاختزال والاستعارات المفاهيمية.. وغيرها من الاستراتيجيات الابداعية التى يستخدمها المصورون المعاصرون خلال الثلاثين عاما الماضية.. يعقبها برنامج جديد من سلسلة محاضرات أدائية تقدم كبرنامج تعليمى تجريبى بالتوازى مع الاعلان عن فعاليات برنامج آسكى الجديد فى النصف الأول من عام 2026 إن شاء الله.
بقلم : فاطمة على
جريدة: القاهرة 25-11-2025
|