محسن حسن ابو العزم
الهند ومصر بخطوط كاريكاتيرية
-عرض 18 عملا ترسم صور باسمه وربما ناقدة لاذعة.. من وحى الحياة الاجتماعية فى البلدين .. تؤكد وجود علاقة بين حضاراتهما وتبرز العوامل المشتركة التى تجمعهما ، كما تناول مظاهر الحياة اليومية وعلاقة الرجل والمرأة والترابط الذى يجمع بين أفراد الأسرة.. كما تنقلت ريشته بين الأسواق والبيوت والشوارع وسجلت أدق تفاصيل جلسات السمر ولحظات الفرح والآلم برؤية كاريكاتيرية سريعة مثيرة للبسمة وربما للدمعه.. ساعد على تعميقها استخدمه لباليته لونية متناعمة لها سحرها وبريقها.. مع الاستعانة بموتيقات ورموز شعبية ` كوبور الجاز ` والطشت وغيره .
ثريا درويش
جريدة الأخبار - 2010
المسحراتى فى لوحات أبو العزم
- لوحات كاريكاتورية تحكى تفاصيل الحياة.. حلوها ومرها.. الفاعل فيها والمفعول به.. ما هو ظاهر فى الشارع وما هو باطن بالغرف المغلقة لم يترك الفنان شيئاً إلا وسجله من وجهة نظرة وفى رمضان انجذب محسن أبو العزم لتفاصيل التفاصيل بأسلوبه الساخر الذى يدفعك للضحك والتأمل فى آن واحد.
- ومحسن أبو العزم من مواليد 1958، محافظة الفيوم، حصل على بكالوريوس الفنون الجميلة قسم التصوير وعمل رساما صحفياً، ودرّس الفن للطلبة فى جميع المراحل التعليمية.
- لم يترك أبو العزم صغيرة أو كبيرة فى الحارة المصرية ولدى الشعبيين إلا ورصدها بأسلوبه الساخر، وخطوطه الجريئة، بحكايات ملونة تترجم العادات والتقاليد، والحوارات المرتبطة بأفراحهم وأحزانهم.. كل وجوهه رغم أنها متعبة بهموم ومشاكل الحياه فإنها تحمل فى ملامحها تفاصيل رقيقة وبشوشة..يسجل الفنان تلقائياً بمبالغاته فى تفاصيلها لتوحى بالبهجة مع التزامه بالبناء الفنى المحكم وتوزيع الألوان الدقيق الذى أبهر مشاهديه من شدة اهتمام الفنان بكل صغيرة، وأيضاً بالحفاظ على الملامح الأساسية للشخصية .
- فى لوحة المسحراتى، وهى عبارة عن رجل عجوز يحمل طبلة وبرفقته صبى، استخدم الفنان الإضاءة النابعة من فانوس رمضان المعلق بالشارع والفانوس الذى يحمله الصبى مؤكدا على تفاصيل الملابس والثنيات والكسرات التى بها والتى تأكدت بدورها الظل والنور بمساعدة الدرجات اللونية التى تأكدت بسقوط الضوء عليها... ويبدو ذلك واضحاً فى الضوء الصبى الساقط على وجه الصبى. وبنفس الاهتمام أكمل الفنان كل التفاصيل داخل اللوحة لتصبح الحالة التعبيرية على ملامح الشيخ والصبى هى الفيصل فى تأكيد البطولة. ويأتى وضع الصبى والشيخ فى الصدارة بواسطة المنظور الفنى ودرجات الإضاءة التى أكدت على العمق وتأكيد الفراغ.
- وفى لوحة ( ساعة الإفطار ) يصور لحظة هجوم الصائمين على الأكل بأفواههم المفتوحة استعدادا لالتقاط ما يقرب منها فى جو تعبيرى ناجح، وكأنه يصور معنى الصوم وحالة جوع الصائمين انتظاراً للحظة انطلاق مدفع الإفطار، حتى إنه لم يترك الكلب الضال الذى جاء يزاحمهم على الطعام فيواجهه أحدهم بنفس الجدية والحزم رافعاً حذاءه ليطرده.
- ورغم العدد الكبير للصائمين فإن الفنان لم يغفل التفاصيل ودرجات الألوان والخطوط والواضحة المؤكدة والإضاءة والظلال التى أكدت على تجسيد الأشخاص ورغم أن الفنان أكد على الملامح الدقيقة لوصف الأشخاص، فإنه اهتم أيضا بالمفردات الموجودة مع الشخصية الأساسية. وجاء هذا الاهتمام حتى لا تقف اللوحة عند حدود الفكرة المضحكة، بل لتجاوز محدودية الفكر المضحكة إلى ديناميكية فنية بها الإيقاعات اللونية، والتناغم الراقص، والموسيقى، والاهتمام بالجانب الفنى لتأكيد العمق داخل العمل ليعيش المشاهد حالة متكاملة من الإعجاب والدهشة فى جو فنى غير منقوص .
د. سامى البلشى
مجلة الإذاعة والتليفزيون - السبت 11/ 8/ 2012
محسن أبو العزم.. مبدع يجيد القراءة والرصد والسخرية
- المرأة ذات التقاطيع الضخمة الواضحة تلتحم بالملاية اللف وترتدى الجلباب القصير المزكرش والخلخال الفضى والرجل ذو الجلباب الطوبى أو الرمادى والعمة المنهكة من كثرة الغسيل واللف تحتضن رأسه الناشف والمكان أرض مصرية يقطنها بشر بسطاء يعيشون على فطرتهم المليئة بالمرح والشوق والصراحة والعنف والخجل والسخرية والإستفزاز وتتبع الأخبار وتناقلها تطل عليهم مآذن المساجد تارة وتحتضنهم بيوت الحوارى المتكسرة تارة أخرى أو يفتح لهم النهر الصغير ضفته ليستقبلهم ويستمع لحكاويهم ساعة الظهيرة قراءة فنية عميقة مصبوغة بلون مصرى شديد الدفء والحميمية والتناغم البصرى واللونى يقدم بها الفنان محسن أبو العزم لوحاته التى تجمع ألوان الحارة المصرية وتستحضر روائحها وجلساتها وأدق تفاصيلها وأبرز عادتها اليومية على صفحات القماش التى تمرح عليها الفرشاة المغموسة فى ألوان زيتية ساخرة صارخة تزهو بألوانها العتيقة وتتخف خلف رائحة البخور ودخان السجائر والأتربة على أطراف جلابيب البسطاء إنها قراءة تعيد تقديم البيئة الشعبية المصرية بكل أيقوناتها الأصلية وتفاصيلها البارزة وطقوسها الخالدة ومكوناتها الشديدة الخصوصية إنها قراءة ثاقبة للشخصية المصرية الشعبية ببساطتها وتلقائيتها وجموح عاطفتها وانفعالها ولنتأمل هنا كيف ينقل خناقات المجتمع الشعبى البسيط الذى فيه يشتبك رجل مع المكوجى الذى أحرق قميصه ولم يأت الرجل المتضرر بمفرده بل جاءه بالأصدقاء الذين يحملون العصى ويتوعدون المكوجى الغلبان بالويلات فى حين يلتقط فى الخلفية وجه رجلين أصابتهما الشماتة والضحك المفرط على ما حل بالمسكين المستهدف أو ربما لإدراكهما أن نفس المشهد لن يلبث أن يتكرر بعد سويعات حينما يأتى صاحب القميص الذى يحترق تحت أقدام المكوجى أثناء الخناقة ليعيد معه الكرة ثانية بينما تتأجج نار ما فى خلفية اللوحة كإنعكاس لثورة المتضرر الذى أصر على الفتك بالمكوجى المهمل.
- يسكب الفنان محسن أبو العزم تلك المكونات كلها فى قالب مغلف بألوان تأتى أحيانا داكنة معتقة تشبه لون الطين النقى الذى يلعب به أبناء الريف وأحيانا أخرى ترسم الألوان كرنفالا مزكرشا تزينه وحدات فنية مستقاه من البيئة الشعبية بعاداتها وموروثاتها القديمة إضافة إلى لقطات من أماكن مختلفة لبعض المهن القديمة التى يقدمها بريشة واقعية ساخرة تجعل لإنتاجه الفنى مذاقا خاصا لتعلقه بكل تفاصيل الحياة المصرية خفيفة الظل رشيقة الروح .
- وعلى جانب آخر تأخذ فرشاة أبو العزم الساخرة فى رحلة ممتعة تستعرض فيها صنوف النساء داخل البيئة الشعبية المصرية بين المرأة الغندورة التى تصر على التجمل والتدلل رغم دمامتها ولكنه يركز على السذاجة فى تقاطيع الوجه التى تعبث فيها بالألوان بغير تنميق ولا مراعاة حتى للون بشرتها السمراء فتبدو فى النهاية كالمهرج الذى يسعد بتلطيخ وجه بالألوان وينظر إلى نفسه فى المرآه بزهو وتفاخر مزيف .
- ويقدم أيضا نموذج الست النمامة التى تشرب شاى العصارى مع جارتها فى المطبخ ليتبادلا النميمة وكشف أسرار الخلق والأم العصبية التى تمارس طقوس تسريح الشعر والحموم فى الطشت والزوجة النشيطة التى تمارس العجن والخبز وتنشغل فى مطبخها الصغير المحندق حيث يشاغبها طفلها الشقى ولا ينسى الخادمة المهملة مدمنة الحكاوى فى التليفون والماشطة تلك الأيقونة النسوية الأشهر فى المجتمعات الشعبية والتى أتى بها لتنقش بالحناء على قدم عروس دميمة تنفر من دمامتها المعكوسة فى المرآة وفى كل الأحوال فإن الأنثى لديه هى تلك الغندورة الشقية خفيفة الظل أحيانا والبلهاء أحيانا أخرى وإن لم تكن جميلة بالضرورة وكأنك إن أردت أن تأخذ جولة فى حوارى مصر وتعرف سمات بعض نسائها وتنال فرصة التمتع بالدعابة الظريفة والروح الفكاهية الساخرة وتستمع بالفرجة على ألوان الملابس المنتقاه بعفوية الأطفال فعليك أن تطالع لوحات ذلك الفنان الذى يمنحك هذه المتعة والنشوة وقد تكمن المتعة البصرية بلوحات أبو العزم فى تلك الملاحم اللونية التى تترابط وتتعانق وتتكامل فيما بينها لتعطيك عددا من العناوين الصريحة للحياة فى الحارة الشعبية المصرية التلقائية علاوة على الجرأة فى السخرية من الأنا والآخر كما يبدو فى لوحة الخياط مثلا والتى يجعل فيها الفنان السخرية والحرفة منطوقة بصرية بالألوان الصريحة كصراحة بعض أهل الحارة من البسطاء .
- أما البنية الموضوعية المحكمة التى يؤسس عليها لوحاته فكلها لقطات إنسانية شديدة التوهج والواقعية وأبرزها لوحة الكبابجى التى يقدم من خلالها رجلا يرتدى الجلباب الرمادى ويمر فى انتشار يتشمم رأئحة دخان الشواء وقد اندمج واحدا منهم فى الشم والتخيل بينما يمر الآخر وفى عينيه نظرة حسرة واشتهاء غير منطوق وشخصية العراف الذى يبخر الزبون ويباركه بآيات القرآن وبعض التعاويذ والأحجبة الشعبية لدرء الشرور وجلب المنافع وذروة المتعة التى يمر بها المشاهد هنا تتمركز حول قدرة أبو العزم الفنية على خطف لحظات دقيقة شديدة الدفء وتحويلها إلى لوحات إبداعية تجذب كل الحواس ويمكن أن ترسم ابتسامة تعاطف أو ضحكة بريئة على أحد المواقف التلقائية الحية كما بدا فى لوحاته عن الأضرحة مثلا وزيارة المقامات حيث تستوقفنا لقطة متضاربة الدلالات والمشاعر ففى ناحية يبدو الشيخ منهمكا فى قراءة التواشيح والمدائح وتقف المرأة مسنودة على الضريح تسكب ما فى قلبها وفى ناحية أخرى يشتبك الأطفال البسطاء فى خناقة حامية توشك أن تسفر عن إصابة فى رأس أحدهما وفى لقطة فنية أخرى تفترش الأم الفلاحة ساحة الضريح ومعها سبت العيش والخضروات وقد أتكأ طفلها الممسوس على فخذيها غائبا عن الوعى بينما تبدو طفلتها الصغيرة الشاردة منشغلة بمتابعة مشهد بدأ يلوح أمامها فجأة .
- وهكذا فإن اللوحة عند محسن عالم مفتوح متسع يشغل كل الخيالات الممكنة فى نفس المشاهد الذى يجول معه فى البيئة الشعبية المصرية ويغوص فى ادق تفاصيلها فيقتنص لقطات من الحياة اليومية لمعلمة القهوة البلدى وهى غارقة فى التفكير تشرب الشيشة ساعة الإصطباحة ويمر على بائعة الجبن والقشدة وهى تخض القربة وتسامر الزبونة قبل أن تأخذ البضاعة وتمضى ولا يفوته تقديم حكاوى الحريم ساعة العصارى ورصد فن الردح العابر فى احاديث المساء بريشة ساخرة ترقص وتتهادى فى خفة وثبات .
- ثم نجده يقدم طقوس السبوع الشعبى فى جو يعبئه البخور بما يجعلك تزور أجواء الموالد وزيارة المقامات والرقية والأفراح الشعبية والدراويش والزار وتمر بجلسات السمر بين الأصدقاء على القهاوى ومغنواتى الدكاكين المحندقة كما يصطحبك أيضا إلى حلاق الصحة الذى تارة ما يحلق للزبون رأسه وهو جالس أمامه على الأرض وتارة أخرى يطيب له جرحا أو يخلع له ضرسا إضافة إلى الكبابجى السريح وبائعى السميط والمش والفول والكشرى ومكوجى الرجل والفتوة والمزين وماسح الأحذية وثنائيات الحبيبة ولعب الدومينو والكوتشينة والمطبخ والبخور والخناقات فى المحاكم .
- مشهد مصرى مزدحم شديد الثراء والإنطلاق حسيا وعاطفيا حيث يجعل تأمل لوحات محسن أبو العزم من أكثر التجارب إمتاعا وإدهاشا لما تحتويه من لذة منظورة ومقروءة خلف صفحات الألوان وطبقاتها وضربات الفرشاة الواقعية الإنطباعية المغموسة فى درجات الأوكر والأخضر المعتق والبنى المصفر القديم المتعب بالتعانق مع الألوان الزاهية المميزة لبيوت الحارة الشعبية ومطابخها ومبانيها القديمة وهو إذ يتعمد المبالغة فى بعض التفاصيل لجذب الإنتباه إنما للتشديد على وضوح الشخصية المصرية وجرأتها والتأكيد على خصوصيتها الجسدية والروحية والوجدانية .
- إنها مصر القديمة الشعبية بكل تفاصليها حاضرة فى ريشة محسن أبو العزم عبر تلك الروح البسيطة الشقية الطيبة المليئة بالفضول والعشق لكل جزء من تفاصيل حياتها الغارقة فى النميمة والفكاهة حيث يندمج بعضها مع الأجواء المحيطة بينما البعض الآخر يقف فى الهامش خلف سور الحائط البعيد ليسترق النظر إلى التفاصيل التى تتفجر غضبا وسخرية بين الحين والآخر .
آية مؤنس
نهضة مصر - 14/ 2/ 2013
فى لوحات أبو العزم .. الفراشة تدب .. مطرح ما تحب
- لوحات لها رائحة الحوارى .. رطوبة الجدران .. أبخرة الأوانى المتصاعدة من النوافذ والابواب قبل أذان المغرب .. الأسواق الشعبية وطرح كل السلوكيات الاجتماعية فى الشوارع بتلقائية.. ولا تهدأ الفرشاة من الرصد ولا تترك صغيرة أو كبيرة إلا وتقوم بتسجيلها بأسلوب كاريكاتورى مدهش بروح تلفها سخرية وخفة دم الفنان محسن أبو العزم .
- يسقط الضوء على المسحراتى العجوز وصبية، وهما يدقان على الطبلة لإيقاظ النائمين ليتسحروا .
- يسيطر المسحراتى على مساحة كبيرة من اللوحة ليؤكد الفنان أهميته، وتظهر الخلفية مكملة للموضوع، ولمجرد تأكيد المكان، ويتأكد الظل والنور من خلال الألوان بدرجاتها التى تغيرت بفعل الأضواء الصناعية التى أسقطها الفنان بحرفية على المكان والمسحراتى وصبية ليؤكد التفاصيل ويحدد الملامح وتنتقل الفرشاة الى السوق لتسجيل ( الفصال ) مع بائع ` الكرنب ` والابتسامة العريضة للبائع أمام الملامح الجادة للسيدة ليؤكد التسامح والمودة فى البيع، وتأتى مبالغات الفنان حتى يزيد من كاريكاتورية الموضوع، وإسقاط روح الفكاهة وخفة الدم على الموضوع فيبرز تفاصيل بملامح الشخوص تؤكد البيئة الاجتماعية التى ينتمون إليها ، وإضافة إلى روح المرح بالجو العام للوحة .
- وتطوف الفرشاة فى الساعات الأخيرة التى تسبق أذان المغرب فتصور سيدة تنهى تخريط ( الملوخية ) وهى تحاور أخرى تنقى الأرز من الشوائب والحصى . فى حين يعبث طفل بالأوانى الفارغة باحثا عما يسد جوعه، وقد نجح الفنان فى إبراز التفاصيل من خلال توزيعة الجيد للعناصر والألوان وتحكمة فى حجم الإضاءة الساقطة وقدرته على المبالغة المبنية على معرفة ووعى للطبيعة الأجتماعية لسكان الأحياء الشعبية .
- لم يترك الفنان صغيرة ولا كبيرة إلا وتناولها بأعماله، فهؤلاء سيدات يتحاورن بشرفات المنازل بقمصان النوم فى لوحة ( حديث الجارات وأخريات فى سبوع مولود ) وحفل طهور شعبى وزفة العروسة والتجهيز الشعبى لها بدءاً من استدعاء ( الماشطة ) العجوز الخبيرة فى تجهيز العروس، وحتى الاحتفال بإثبات فض البقارة ليلة الدخلة لم يترك الفنان مناسبة الإ وقام برصدها بأسلوبه الكاركاتيرى الخاص .
- ولد محسن أبو العزم عام 1958 بمحافظة الفيوم وتخرج فى كلية الفنون الجميلة عام 1981 أقام العديد من المعارض الخاصة والجماعية وحصل على عدد من الجوائز منها جائزة النهر الصناعى عامى 1984، 1987 .
د.سامى البلشى
الإذاعة والتليفزيون 2014
أبو العزم يكشف تجليات الهوية فى` أيقونة الروح المصرية` `
- مع `المسحراتي` و`النشان
- مصر جميلة.. مصر جميلة.. خليك فاكر` - بهذه الأغنية استقبل جاليري ليوان بالزمالك زواره، على أنغام فرقة حسب الله وبصحبة عربة بائع البطاطا وبائع العرقسوس في افتتاح معرض `أيقونة الروح المصرية` للفنان محسن أبو العزم.
- صاحب البصمة المتميزة في الفن الواقعي التعبيرى وهو من التشكيليين المصريين الذين نجحوا بصدق في تجسيد الحياة الاجتماعية المصرية بعاداتها وتقاليدها الراسخة وطقوسها شديدة الخصوصية وعبر عنها بصور تحمل الكثير من الابتسامة التي تحمل بداخلها النقد اللاذع أحيانا، برؤية كاريكاتيرية وباليته لونية ثرية مبهجة ومتناغمة وبخطوط قوية مع مفردات شعبية تعمق من أصالة العمل الفني، فاستطاع أن يزيل الفجوة بين الفن والجمهور بأعماله التي تتميز بالبساطة، مما خلق لديه قاعدة جماهيرية من محبي الأعمال المصرية الشعبية في مصر والعالم العربى.
- ويشير أبو العزم إلى تأثره في شبابه بالفنان هنرى دومييه رائد الواقعية في فرنسا بالقرن التاسع عشر الذى يتسم بالمبالغات في الملامح، ولكن تأتي مبالغات أبو العزم بشكل مختلف، حيث يلجأ للمبالغة في حجم الأسنان مثلا حتى يظهر الضحكة بشكل أكبر أو المبالغة في الأطراف لإظهار الحركة أو التأكيد عليها، وليست مبالغة كاريكاتيرية فجه بلا معنى.
- كما تأثر أيضا بالرواد المصريين محمود سعيد ومنير فهيم وحسين بيكار، إلا أنه استطاع عمل توليفه فنية متفردة خاصة به وتحمل توقيعه لأنه كان أكثر تعمقا في الواقع الشعبي في الماضي والحاضر مع رصد التطور والتغيير بعين ثاقبة. وإضافة شىء من الطرفة أو المبالغة حتى يتقبلها الجمهور، مع إضافة مفردات مثل صينية القلل، أو وابور الجاز والطشت، وهذه التفاصيل تعتبر من مكملات اللوحة وقد أضاف عشقه للسينما وأدب نجيب محفوظ له الكثير.
- ويسلط المعرض الضوء علي المناسبات والاحتفالات الشعبية الإسلامية والقبطية، مثل الموالد وليلة الحنة وصانع الكنافة والمسحراتي في رمضان واحتفالات الأعياد ولعبة النيشان في المولد وغيرها من مظاهر الاحتفالات الشعبية، التي استهوت الطفل بعين المراقب منذ طفولته قبل عين الفنان وذلك لنشأته الشعبية.
- بعض اللوحات تم تنفيذها بقطع متوسط وكبير بخامة الألوان الأكريليك على ورق على خشب، مثل لوحة `المسحراتي العجوز` بصحبة صبي صغير يحمل فانوسا ليضئ الطريق والمسحراتى يدق الطبلة فتكاد تسمع نداء السحور الشهير `اصحى يا نايم وحد الدايم.. رمضان كريم` بينما رجل استيقظ لتوه من النوم وأمامه طبق السحور و`قلة` الماء.
- أو لوحة `الكنفاني` بين صانع الكنافة على الفرن الشهير والبائع الذي يتعامل مع الناس بتفاصيل غاية في الجمال والواقعية لمشاهد من الحياة اليومية في أيام الشهر الفضيل.
- ولوحة `العازف` من فرقة حسب الله وهو ينفخ فى آله الترومبيت على قهوة شعبية.
- ولوحة النيشان او الحاوي في المولد وغيرها من الموضوعات الجميلة الثرية.
- والفنان محسن حسن أبو العزم من مواليد عام 1958 فى حى درب الجامع المعلق بمحافظة الفيوم؛ وربما يكون من الأسباب التى أدت إلى تعلق الفنان بتفاصيل الحياة الشعبية.
- حصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة قسم التصوير عام 1981؛ كما عمل بالتدريس بالسعودية من عام 1982-1996، وحين عاد لمصر عمل بالتدريس أيضًا بكلية التربية النوعية.
- يستقبل معرض `أيقونة الروح المصرية` زواره بقاعة ليوان بالزمالك حتى يوم 28 أبريل الحالى.
بقلم : أمانى زهران
جريدة : الاهرام 25-4-2022
معرض `منمنمات شعبية` للمصرى محسن أبو العزم .. شىء من البهجة فى ظل أجواء قاتمة
- يواصل الفنان المصرى محسن أبو العزم ـ مواليد عام 1958 ـ توثيق لحظات من السعادة وخلق حالة من البهجة قادرة على رسم الابتسامة وصولاً إلى تصاعد الضحكات، ذلك رغم الحالة العامة من القتامة والإحباط التي تسيطر على أجواء الشارع المصري، نظراً لظروف اجتماعية واقتصادية قاسية لم تمر بها مصر من قبل منذ عقود. حالة الإدهاش التي يحققها أبو العزم هي التي تصنع هذه المفارقة، فمن خلال شخصيات مصرية تنتمي إلى عالم الحارات والأحياء الشعبية ـ عالم الفئات الفقيرة ـ تتخلق الحكايات والمواقف، دون التأسي لهؤلاء، بل تمجيدهم لإنتاجهم صيغة للحياة والاستمتاع بها قدر الإمكان، رغم ما يحيطهم، فهم قادرون على مواصلة الحياة واختلاس لحظات من السعادة، بل خلق هذه اللحظات بالقوة.
- وفي معرضه الأخير `منمنمات شعبية`، المقام في غاليري (ضي) في القاهرة، نجد لوحات تجسد قوة وحيوية الوعي الشعبى المصرى، دون حالات الوعي المأزوم أو المُصطنع، التي نراها في الكثير من الأعمال الفنية التي تتصنع الأزمة الفردية وتتمثل مقولات وأفكار فلسفية غربية لا تتوافق والمجتمع المصري، وهنا نجد استغراباً ومسافة بين الفنان والمتلقي. هذا الفنان المُدّعي بالأساس لن يجد ما يتفاعل معه ومع شخوصه وموضوعاته، اللهم إلا المتعلقين مثله بوهم الأفكار المُنتَحَلة، أو المسروقة بمعنى أدق.
- الشخصيات
- شحاذون، فتيات فقيرات لا يملكن إلا جمالهن ويتباهين به، عجائز، راقصات، مطرب شعبي، أطفال. ناهيك عن تفاصيل من حياة هؤلاء، أفعال يومية رغم بساطتها يصوّرها الفنان وكأنها شكل من أشكال الأساطير.. امرأة تنشر الغسيل، فتاة تتزين في حجرتها الفقيرة وطلاء الجدار المتساقط، رجل يخرج من الجامع بعد الصلاة، يتحلق حوله الشحاذون ويتصارعون أملاً بالفوز بشيء، إضافة إلى المناسبات الاجتماعية التي تشكل لحظات فارقة في حياة الشخصيات.. كطقوس الاستعداد لحفل الزواج، وكذا كتب الكتاب (عقد القران)، أو زيارة مقام أحد الأولياء حتى تتبرك به امرأة حامل وسط أهلها وجيرانها، كذلك مفارقة الحارة في رحلة معهودة ومعروفة لدى المصريين ـ أيام زمان ـ وهي رحلة أسرة مصرية كبيرة العدد إلى المصيف، وفي الأخير يجتمع كل هؤلاء في طقس يحتوي الجميع، ويدركه ويستشعره المصريون تماماً، وهو (المولد).
- اللقطة والمشهد
- تتنوع لوحات أبو العزم ما بين اللقطة المفردة، أو تصوير حالة فردية أو فعل وطقس شخصي، كما في لوحة (امرأة تتزين) على سبيل المثال. كما يمكن تقسيم المشهد نفسه إلى عدة لقطات، كما في السينما، ففي المشهد الواحد العديد من الأفعال والانفعالات والحوارات، وهو ما أضفى على اللوحة صفة المشهدية.
- وفي حالة تجسيده للمشهد، يتحول الطقس إلى كرنفال.. من شخصيات متعددة تمثل مهنتها (مسحراتي)، (مأذون)، (شحاذ سكاكين)، (صاحب المدفع)، (المطرب الشعبي)، و(بائع العرقسوس)، وبالطبع كل هؤلاء لهم عالم يتحلق حوله الشخوص، ولك أن تتخيل الحوارات الدائرة، بل وتستنتجها من خلال إيماءات الجسد وتفاصيل الوجه، فمن رد الفعل تستنتج الفعل نفسه، من ابتسامة امرأة من كلمة إطراء تود سماعها وتنتظرها، أو تصنّع الغضب إذا تمادى المعجب وتجاوز مرحلة الإعجاب، وصولاً إلى الغضب والشجار، سواء كانوا رجالا أم نساء.
- الحركة
- ومن تكوين اللوحة نفسه واعتماده تقنية السينما من توزيع العناصر في اللوحة/الكادر، أو العودة إلى أصول السينما باعتمادها على الفن التشكيلي بالأساس، لا توجد لوحة ساكنة، حتى لو احتوت على شخصية واحدة، فهي في لحظة فعل، ومنه نستشعر الحركة، وهو ما يتحقق أكثر في اللوحات المشهدية، أفعال مستمرة لا تتوقف، ولو حتى من خلال تعبيرات الوجوه المختلفة، أو التفاتة الجسد، أو تحريك اليد كإشارة وبديلاً عن الكلام، سواء موافقة أو رفض أو اعتراض على موقف ما. ويتولد الإحساس بالحركة أيضاً من الحدث نفسه، فلا يمكن أن يستكين حدث صاخب بطبعه، كالموالد والأفراح والمشاجرات.
- السخرية
- ينتهج الفنان أسلوب المبالغة، خاصة في التعبيرات التي تعلو وجوه الشخصيات، وكذا بعض من أجزاء الجسد، والذي يصبح هو البطل في المشهد، كاليد الضخمة والجسد الضخم لصاحب المدفع، وهي لعبة تعتمد على القوة، أو جسد الفتيات والسيدات، حيث التباهي بتفاصيله. فالأمر لا يقتصر على مبالغة فن الكاريكاتير المعهودة، فالفنان يوازن ما بين الأسلوب الكلاسيكي في رسم اللوحة ـ الإضاءة والتكوين ـ والمبالغة في ملامح وتفاصيل الشخوص، فما نراه حقيقة سنجده في اللوحة، كالشوارع والبنايات وكل ما يحيط أصحاب الحكاية، الوصف الدقيق للمكان وأكسسواراته، بيت، مقهى، عربة فول، مقام مقدس. لكن وسط كل هذه التفاصيل سنجد الفعل الحركي للشخصيات لا يهدأ، فهؤلاء لا يستكينون لحظة، هناك حالة دائمة من الانفعال يجتهد الفنان في إظهارها بالقدر نفسه من مبالغته في شخوصه. ومن المفارقة تتولد حالة الكاريكاتير، ليس بشكله المعتاد، كانتقاص من الفعل، بل للاحتفاء بأصحابه. فالرجل في الأخير لا يسخر منهم، بل يحتفي بهم وبتجاربهم في الحياة، وقدرتهم على عيشها، حتى الأشرار منهم قد تلتمس لهم عذراً، مقارنة بفئة أخرى من الأشرار المتأنقين، الذين يطالعونك على الشاشات ووسائل التواصل، وهم الذين يثيرون السخرية بالفعل، سخرية لا تقترن بأي شكل من أشكال الرحمة.
بقلم : محمد عبد الرحيم
جريدة : القدس العربى - لندن 22-12-2024
` أبو العزم` أحد فرسان الهوية الشعبية
- يعد أبو العزم واحدًا من حراس الهوية الشعبية حيث جسد بخطوطه التى تقترب كثيرًا من الخطوط الكاريكاتورية ملامح متعددة من قلب الحياة الشعبية والحارة المصرية بثرائها وتقاليدها المتوارثة.
- حيث قدم بأسلوبه الساخر من خلال معرضه الحالى لوحات: `الخاطبة، زغرودة حلوة، الشحاتين، المسحراتى، بائع العرقسوس، توب الفرح، كتب الكتاب، الراقصة والمطرب الشعبى.. وغيرها من الأعمال التى تعد مرآة تعكس جمال وسحر الحى الشعبى وعاداته التى نشعر معها بفيض ودفء الأحاسيس والذكريات الجميلة.
- تتميز أعمال أبو العزم بقوة التكوين والواقعية والمباشرة، إضافة إلى إدخال البهجة على كل من يراها، ومن لوحات المعرض.. لوحة `بائع العرقسوس والبنات` الذى رسمها بألوان الأكريلك على كانفس فى مساحة 90× 125سم، حيث جسد مشهدًا على شاطئ بحرى بقلب الإسكندرية، يظهر فيه بائع العرقسوس بملابسه المعروفة التى تقترب من الزى البمبوطى البورسعيدى، حيث السروال الواسع والصديرى أو القميص الذى يشبه الجلابية من الجزء العلوى، ويعلق على الجزء الأسفل فوطة كبيرة أو قطعة قماش مختلفة اللون.
- يعلو وجه بائع العرقسوس ابتسامة عريضة وهو يضع العرقسوس فى الكوب غير مدرك أن الكوب قد امتلأ، فهو مهتم بالنظر إلى سيدتين بملابسهما الشعبية `الملاءة اللف والجلابية الملونة المزرقشة` وعلى رأسيهما غطاء `الإشرب`أو `التربيعة` بألوانها الصريحة، وترتسم على وجهيهما ابتسامة عريضة، كأن هناك حوارًا ضاحكًا بين الجميع.
- يظهر فى الخلفية بحر الإسكندرية بمياهه الزرقاء، وعلى مسافة بعيدة تظهر إحدى المراكب الشراعية، وعلى الشاطىء مركب صغير.
- أظهر الفنان فى الخلفية مئذنة وقبة مسجد المرسى أبو العباس أحد علامات الإسكندرية، وبعض المنازل على الجانب الآخر تأكيدًا على هوية المكان، فضلًا عن بعض الأشخاص المهتمين بالمتابعة، تعلو وجوههم أيضًا ابتسامة، إضافة إلى عربة الأيس كريم التى تقف أيضًا خلف بائع العرقسوس.
- المشهد بشكل عام يعكس حالة من التفاؤل ويشعرك أنك أمام مشهد مسرحى أو سينمائى من أحد الأفلام أو المسرحيات القديمة لكنه بالألوان..، واللافت فى أعمال أبو العزم تركيزه على الحركة وعلاقتها بالتكوين، فهو يخلق حالة خاصة ومتعة بصرية، كأنه يمتلك صنعة ومهارة فى المحاكاة التشخيصية بين أبطال لوحاته والمتلقى، فضلا عن تمتعه بقدرات كبيرة فى تجسيد الملامس والإحساسبها داخل التكوين، يتضح ذلك فى رمال وصخور الشاطىء، وملمس الخشب فى عربة الأيس كريم، والملابس بثناياها المعروفة والمبانى بطبيعتها المعمارية، وإناء العرقسوس الزجاجى، وحامل الأكواب المعلقة على وسطه..، ملامس مختلفة شديدة الدقة تعكس قدرات وموهبة أبو العزم.
- ومن الملامح التى تميز خطوطه أيضًا.. المبالغة فى رسم الأجسام وملامح الوجوه، فهذا يعود لميوله الكاريكاتورية الساخرة.
بقلم : د./ طارق عبد العزيز
جريدة : أخبار اليوم 29 -12 -2024
الناسُ ... هكذا هى الحياة
- ليس أدعى إلى الإشارةِ نحو الناسِ إلاَّ وجودهم المتنوع الثري. إذْ تعبر كلمة ` الناس` عن عواطف ومعانٍ حدّ الإدهاش، الناس أزمنةٌ وأمكنةٌ وصورٌ وحالات من العيش. بالتحديد يتجلى وجودهم كما هم دون أشياءٍ أخرى. حيوات الناس تجسدُ واقعاً حياً، لا أفكار هنالك تسقط فوقهم من أعلى ولا تنبثق من أسفل. فأنت كما أنت على أصالتك من غير قشور ولا رتوش. ونحن سنذهب إلى عيشنا بلا وعي ونسكن إليه بكل أريحية وإطمئنان.
- تماماً مثلما هي حياتنا الإنسانية كمقولةٍ معتبرةٍ فلسفياً داخل ذاتها. الحياة أكبر مُفسّر لما تفيض به من طاقاتٍ وأحوال ومستويات وجوانبٍ وظلال بين البشر. التعريف الأولي للحياة: أنَّها هي الحياة وكفى. تقريباً هذا التعريف هو ما يسمحُ لنا بالنظر إلى جوهرها. أي أنَّها حياة غير قابلة للتبرير، حياة هي صورتها الأصلية، حياة ليست قائمةً على هُوةٍ إزاء عالمنا ولا تمنياته الغامضةٍ.
- هؤلاء الناس الأحياء في لوحات الفنان المصري محسن أبو العزم منحوتون من لحمٍ ودمٍ، معجونون من أسرار الأحداث والطقوس، مرقعون من أسمال الظروف والتحولات، منسوجون من شرائح وظلال المجتمعات الحية. اختصاراً هم ناسٌ داخل الحياة وضمن رواسب الواقع، ناس يجسدون أفراحه وأتراحه. شخصيات أبي العزم جاءوا من أحراش الحارات والمدن والقرى والنجوع وقطنوا اللوحات بكل امتلاءٍ. جاءوا وقد علقت بهم روائح الأماكن والإحتفالات وصقلتهم العلاقات مع الآخرين. يكاد أحدُهم يقفز في وجهك بكامل طقوسه، بوافر وجوده الحياتي. كلُّ حالٍّ يجسده الناس إنما هو مرسوم بالملامح والمناسبات الاجتماعية الزاخرة بالمعاني. الوجوه والأجسام والملابس والأشكال والأنوف والعيون صيغ حياتية على الأصالة. لن يتجنب نظركُ أيا من التفاصيل، بل سيأخذك إلى حيث جوانب العيش.
- كسر الحاجز
- لم ترسم لوحات محسن أبو العزم التفاصيل بمعناها التقليدي. إنها شرائح من طقوس الحياة وممارساتها اليومية. هي لقطات كاملة المعنى، تشعر كأنها مخلوطة بزخم وروح الواقع إلى حد التماهي، التفاصيل ساحرة دون مسافة فنيةٍ مقصودة. الشخصيات جاءت إليك بكل محمولاتها الثقافية، ولن تكلفُك عناء الذهاب إليها، فهي مثقلةٌ بكل الأجواء الحميمية. في الفن التشكيلي، قد تشعر عادةً بأنَّ لوحةً ما تقول لك: ها أنا لوحة مرسومة بالألوان! وقد تقول لوحة أخرى: تأمل في جوانحي كي أعطيك ما أجسده.
- ولكن لوحات أبي العزم ترفع هذا الحجاب فوراً، تهبك نفسها بكل بزخ وإشباع فني طافح. لوحات تندلق بكامل رصيدها الحي في مشاعر المتلقي وعواطفه ووجدانه وإحساسه. التلقي ليس عمليةً حياديةً ولا واقفة بالخارج، فجأة ستجد نفسك داخل اللوحة مباشرة، كأنك جزءٌ من تفاعلاتها، كأنَّك أحد شخوصها الحميمين. أنت كذلك بالفعل كشرطٍ للشعور مع شخوصها، أنت جزء من الوجود والعيش معها.
- اللوحات باضة بالأفعال من أقرب المشاهد والزوايا، اللوحة عبارة عن ناصية حرة تترك شخوصها يمارسون وجودهم كما يشاءون. لن يأبهون برؤيتك لهم، ولا حتى بوجهة نظرك التي تلامس أطراف عالمهم. ذلك أنهم نماذج حية إلى درجة الإعجاز، يقولون ما يريدون ويمارسون أعمالهم بكل استمتاع وانهماك. الحب كما هو بكل التفاصيل الحية بين الناس، والتواصل يجري عفوياً من غير حواجر، والأعمال المنزلية كحال صانعة الجبن البلدى تتم على قارعة اللوحة كما هي بأعماق الحياة، والحلاق يمارس مهنتة منطلقاً من المشهد الأصلي إلى الصورة والعكس مباشرة.
- ليس ثمة إعداد من الشخصيات كي تتهيأ إليك أيها المتلقي. لا تقول اللوحات هيئت لك، فالواقع مشبع بالإغواء حد التخمة، شخصيات أبي العزم لا تجيد فن التحضير للقاء فني مع مشاهدها من بعيد. فهي تأتي عبر تداعيات عالمها إلى صدارة اللوحة وتظل كذلك في الذاكرة، تخلق ذاكرتها النوعية. ولذلك تبدع تجاربها الفنية التي يمكن تسميتها ( فن العيش).
- صحيح اللوحات تنثرُ مضامينها الحياتية بشكل دلالي مبهر، غير أنَّها تغرقنا عبر سحرها المنتظر في الخلفية. سحر لوحات أبي العزم فائض، وافر، مندلق بين التفاصل والمنمنمات الجمالية مع أعماله الفنية. إنها لون من الواقعية السحرية التي تتجاوز حد التعبير الفني، هي تكمل وجودها لدى مستويات أخرى من الإغراق في الخيال والتمثل اللاواعي. هي حالة من كسر الحواجز بين الواقعي والمتخيل، تفتح طاقات الممارسة البديلة دون استئذان.
- وذلك نتيجة كون اللوحات حاملة رمزية بعيدة بحكم ذاكرة المجتمع المصري. ليست الطقوس الاجتماعية مثل الاحتفال بالمولود وهو في حضن أمه كما يبدو من تلك اللوحة طقوساً جافة، ولكنها طقوس احتفاء بالميلاد، بالحياة ، بالبهجة. لاتوجد شخصية تشذ عن القاعدة. كل مفردة فنية ترسم تقاليد المجتمع كما لو كانت مقدسات تستدعي الرغبة والرهبة، السعادة والاستغراق. كما لو كانت تلك التقاليد تتجلى لأول وهلة في عالمنا الحي. فالنساء رمز الحقائق والحافظات لها على طول التراث المصري. والاحتفال هو احتفال إيزيس بعودة |وزيريس في مواسم الحصاد والزراعة وجنى المحاصيل. كل طفل بين ذراعي أمه التي هي الثقافة في الوقت نفسه.
- البوح
- الناس الذين هم نسيج الحياة لا يضجون ولا يتأففون. تبدو المشاهد في حالة تراتيل فنية رغم مفرادتها البسيطة. إن قدرة الفن على ابداع وجود حقيقي قدرة أكبر من أي شيء آخر.
- هذا فلسفيا- كما يوضح فيلهلم دلتاي- ذات رأي: أن الحياة تتجلى بكل وجودها الحيوي في التو كما لو كانت نحن. الفن يجعلك تبوح إلى نفسك، لأن حياتنا هي الوجود الذي يتاح معه وضع ذواتنا موضع الآخرين. أي أنْ ترى ما تراه كأنك تشعر بحياتك مكان الآخر، وأنْ تعيش بقدر ما تعيشض كما لو كنت أنت الآخر. الناس يمثلون بوُحاً بما في الحياة من أصالةٍ وعراقةٍ طويلة الأمد. الحياة هي عملية الفهم المتواصل الذي يظهر في كافة المعاني. ومن ثمَّ، ستكون عمليات التأويل بمثابة فنون العيش معاً. تلك هي الشخصيات تسكن لوحات أبي العزم، لكونها بهذه المعالم الداخلية والخارجية في الواقع. إنها تسكن الحياة ممتلئة وزاخرة وطافرة بأعمق المعاني.
- رُبَّ متسائل يطرح: ما الذي يجعل شخصيات أبي العزم سعيدة ومتميزة بحضورها القوي؟ إنها شخصيات مبهجة بهجة الحياة. هناك مساحات عميقة من الرضا والسكينة تنضح بها، يبدو شكلها هو العمق المنعكس بحرارة في الأشكال والمظاهر المتبدية. ولذلك تمارس الشخصيات كافة أفعالها عند الحد الأقصى للحياة، أي تجسد يقينا بما تفعل يفوق أية قدرات أخرى. تغلف الشخصيات غلالة من السخرية التي تطل من الاغراق في الملامح والإحوال البادية من الأجساد والأعمال.
- ها هو أحدهم يجلس إلى المقهى واضعاً الإرجيلة بين شفتيه ناظراً إلى الآخرين، بل إلى العالم كله نظرة ساخرة. سلطان زمانه الذي لا يعبأ بشيء واقفاً على مملكته، وقد غلفت هيئته لمحة كاركاتورية بادية للعيان. هو يهزأ ضمنياً داخل المشهد وكأنه يمتلك الوجود بالفعل. وتصبح السخرية نبض اللقاء مع الأصدقاء والقرناء على المقهى. إنه يردع خواطرنا التي تحوم حوله بصدد شكله أو أحواله الاجتماعية. إنَّ السخرية هي فن احتمال العيش تحت حمأة الظروف على نحو باسم. فمن باستطاعته أن يتحمل ثقل الواقع إلا بسخرية هو نفسه موضوع لها؟
- الشكل الكاريكاتوري بجانب الجدية حيلةٌ جمالية لتسهيل ابتلاع الواقع. فبعض السلبيات تبدو من وراء المظهر غير خافيةٍ. وجدية الملامح هي اليقين المباشر لدرجة تمرير المواقف والأحداث دون توقف. حيث قد يلاحظ المتلقي بعض الأشياء غير المقبولة، بيد أن الابتسامة الفنية تدفع المشاهد، وتلفت النظر إلى الخلفيات الباسمة. ويبدو تمسك الشخصيات بالواقع وفتح نوافذ الابتسامة خلاله أمر يدعو للدهشة. لأنه واقع منطوٍ على المفارقات التي تتلاعب بالإنسان وتثري عالمه.
- مع أن البوح الفني يطرح نوعاً من الإفضاء بخشونة الحياة ونمط الثقافة السائدة. حيث مازالت لوحات أبي العزم تحتفظ بالزمن في أشكال من الوظائف الاجتماعية والعلاقات والظواهر مثل قراءة الصحف والاعمال اليدوية وبيع السلع والمواد الغذائية في الأزقة والشوارع. ويسرب إلى ذائعة المتلقي الطابع الإنساني من وراء صعوبات العيش.
- رهان الفن
الابتسامات والمسحة الإنسانية في لوحات أبي العزم وثائق لا سمات شخصية فقط. بمعنى إن الإبتسامة هي التفاعل الأخير مع الوقائع وأحوال الحياة المتقلبة. وهي نتيجة وليست مقدمة، فالبسطاء والشعبيون وأناس الحياة اليومية يبذلون كل ما لديهم من بهجة لمراوضة الحياة، كنوع من التغلب على منعرجاتها المفاجئة. ولذلك يحضر في اللوحات ذهاب الناس إلى العرافين والدجالين ومطلقي البخور وضاربي الودع وكاشفي الطالع والمستقبل. لتسهيل الزواج وجلب الحبيب وعودة المفقودين وغيرها من أشياء.
- وهذا أحد ألوان الجوانب التي يحملها المجتمع ويفك شفرتها هؤلاء الناس الشعبيون. فهذه الطبقة واسعة الانتشار هي حامل ثقافي بالمقام الأول. وهي التي تتنفس التاريخ وتشغل الجغرافيا وتملأ الشوارع والمقاهي. هم حافظو كنوز الأيام والوقائع التي تترك آثاراً غائرة في الذاكرة. ذاكرة المجتمعات العريقة ذاكرة حية لا ميتة.
- يهتم فن محسن أبو العزم بتلك الشرائح التي تمثل لوحة اجتماعية - ثقافية أخرى داخل المجتمع. لأن الناس العاديين هم أصل الحقائق الإنسانية، إذ تتجلى عبرهم التغيرات البعيدة على نحو بارز. فالطبقات المرفهة تستطيع تغطية التحولات بكم من المساحيق الثقافية جسداً وفكراً. غير أن الناس هم وقود تلك التحولات، ولن يفلت منهم شخص واحد إزاء الاستغراق في قاع المجتمعات. وقد يسمى ذلك أصالة أو تراثاً، لكن في أغلب الوجوه لا طريق آخر سوى رصد الخربشات الزمنية وتضاريس الظروف.
- ليست لوحات أبى العزم سياسية ولا هى إعلان أيديولوجي عما يجري، لأن الفن ليس مانيفستو. إنه- في جميع أعماله- يرسم ويوثق ويتطلع ويدقق في التفاصيل النفسية والثقافية للشخصيات. ذلك من أجل اكتشاف مواطن الجمال والإدهاش. فقد يكون المشهد مجموعةً من النساء اللائي يزغردن أثناء مناسبة اجتماعية، وقد يكون المشهد إمرأة عجوزاً تتنمر على جيرانها في إحدى الأحياء الشعبية، وقد يرسم مشهداً آخر أثناء عراك بأحد الدكاكين التجارية الشعبية. وعلى خلفية سياسية، يطرح ابو العزم مشهداً في إحدى المرافعات داخل المحكمة، حيث تؤكد الجلسة صورةً من رهانات الحياة الاجتماعية، وأن السياسة ليست فقط فن الممكن، بل هي فن ادارة العيش بقدر ما يُفهم من اللوحة. فالشخصيات حادة الوجوه والنظرات متبادلة عن كثب والتداخل بين الحوارات بات مسموعاً، ولا تُوجد خطوط توضح الفوارق بين الأشخاص. مع فوضى التواجد بين فئات المجتمع المختلفة نساء ورجال وأطفال.
- ينتج محسن أبو العزم مشاهد فنيةً عالية الوصف لا يرسم فقط. هو يلتقط حواراً وحركة وأعمالاً بكل حمولاتها الثقافية. ولا يترك المشاهد تتداعى هكذ، بل يدفع بألوانه لاكتشاف معانيها بين الناس. لعله يجعلها تحكي وتطرح ما يفيض في جوفها، هو يعيد انتاجها مؤولة داخل اللوحة مع تربة الحياة في كل مكان. والتأويل قد يكون سخريةً أو ملامح شديدة الأغراق في التكوينات الشعبية وقد يكون صورة تشعرك بالامتلاء النفسى. والمعاني تتباين أحياناً وتأتلف أحياناً بقدر ما تعبر المشاهد ككل عن جوانب الحياة.
بقلم : سامى عبد العال
موقع الحوار المتمدن 4-6-2024
رمضان كريم مع معرضه فى جاليرى` ليوان `محسن ابو العزم.. ولوحات من عمق الوجدان المصرى
- ويهل علينا.. يأتي فى موعده من كل عام مفعما بالنور والسرور عامرا بالإيمان والخير والبركة سخيا بالكرم والجود.. شهر رمضان مع نفحاته ولياليه.. تبدو نسائمه من صوت لحن السماء الشيخ محمد رفعت.. وتواشيح النقشبندى ومن اجملها: `مولاى انى ببابك قد بسطت يدى.. من لى الوذ به الاك يا سيدى`.. مع `الف ليلة وليلة`.. والمسحراتى من كلمات الشاعر فؤاد حداد بصوت الموسيقار الشيخ سيد مكاوى.. كما يبشر بقدومه صوت البهجة والفرح للثلاثى المرح `اهه جه يا ولاد.. اهه جه يا ولاد.. فى كل عام ويانا ميعاد.. وعمره ما بيخلفشى ميعاد`.
- قبل الشهر الكريم بأيام جاء افتتاح معرض الفنان محسن ابو العزم `ايقونة الروح المصرية `بجاليرى `ليوان` بالزمالك.. على دقات الطبول وانغام فرقة حسب الله اشهر فرقة موسيقية شعبية مع رئيسها عم عزت الذى كان يصاحب الفنان عبد الحليم حافظ فى افلامه وانطلق صوت الموال: `مصر جميلة` مع بائع العرقسوس والتمر هندى.. ومن امام الجاليرى وقفت عربة بطاطا `صورها من قبل ابو العزم كواحدة من مشاهدة الموغلة فى الشعبية`.
- الفيوم وحركة الحياة
- الفنان محسن ابو العزم ينتمى الى محافظة الفيوم.. وقد عاش طفولته وبداية الشباب فى عمق الخضرة وصوت السواقى.. ومازال يعيش هناك وسط الخضرة بين اهله وناسه بعيد عن واغش القاهرة والضجيج الإعلامي.. وهو متأمل من بدايته فى الابداع.. لكل الصور الشعبية فى المواسم والاعياد والافراح والمناسبات الدينية.. وامتدت تاملاته الى حركة الحياة على الطريق الزراعى وفروع النيل وعلى المقاهى الشعبية.. وداخل البيت المصرى.. وفى كراسة التربية الفنية ظل يصور كل ما يرى بشغف شديد ما جعله كان ينال الاعجاب والتشجيع من اساتذته بالمدرسة.. وتوج موهبته وتفوقه فى مراحل الدراسة بالتحاقه بالفنون الجميلة بالقاهرة ..وبعد تخرجه عمل بتدريس التربية الفنية بالدول العربية الشقيقة.. كما عمل رساما بالصحافة بروز اليوسف وصباح الخير واخبار اليوم.. مع عكوفه المستمر على لوحة التصوير.. والتى حقق من خلالها عالما متميزا يفيض بالسخرية والابتسام.. يجسد من خلاله روح الشخصية الشعبية المصرية بحس انتقادى.. مصورا الحياة الاجتماعية لأهالينا فى كل مكان فى ريف مصر واحيائها الشعبية.
- بين دوميه وبروجيل
- ونحن بصدد الحديث حول عالم محسن ابو العزم نتذكر المصور `دومييه`.. كان فنانا عظيما بتعبير الناقد رمسيس يونان :يمكن مقارنة الكثير من رسومه برسوم رفائيل ورمبرانت.. مع هؤلاء الرسامين الكبار الذين درس اثارهم وتأمل ابداعاتهم ايام شبابه بمتحف اللوفر.. لكن موضوعاته كانت تعالج موضوعات اقرب الى النقد السياسى بروح الكاريكاتير.. والعجيب ان شخوصه يبدون وكأنهم ينتمون لعصرنا ..ومن اشهر اعماله `ركاب الدرجة الثالثة`.
- يقول الناقد بيكار حول عالم ابو العزم : `كان بروجل احد هؤلاء الفنانين الذين اشاعوا البسمة فى نفوس شعوبهم.. وفى العصور القريبة كان دون كيشوت الإسباني.. اشهر من اشاع البسمة الساخرة بين الاسبان.. وقد برز من بعضهم عدد من الفنانين الذين حولوا الحركة الفنية الى ساحة شبيهة بالسيرك.
- وقد تمكن الفنان محسن ابو العزم من التجوال فى قاع المدينة العتيقة واقتناص اغرب المشاهد التى يمارسها سكان هذه الاحياء.. افردت اعماله لون من الطرافة التى تضيف الى مناخ الواقع.. نوعا من الدعابة المرحة التى تبتعد عن الواقع الساخر وتقترب الى حد كبير من فن الكاريكاتير.. بعيدا عن صرامة الجدية وضراوات الواقع.. وهو لون جديد من التعبير ينبغى ان يرحب به محتمعنا.. فى اسوا الظروف العالمية الجديدة`.
- الوجدان الشعبى
- والعجيب تلك المفارقات الدرامية التى تفيض بها لوحاته.. مع التفاصيل الصغيرة.. حكايات شعبيه تجمع بين التحريف والاختزال مفعمة بروح الشخصية.. وابو العزم شديد التأمل للشخصية المصرية بمظهرها الخارجى وما تحمل من هموم واشجان وافراح ومباهج واحزان.. قد يسافر احيانا من اجل لقطة او موقف او لحظة حياتية يجود بها الزمن.. وكان اعجابه بشكل خاص بفيلم `باب الحديد` من اخراج يوسف شاهين والحاصل على المركز الرابع ضمن افضل 100 فيلم مصرى.. اعجابه بشخصية هنومة `هند رستم` فى الفيلم ما جعله يستقل القطار من القاهرة الى الاسكندرية.. ليتأمل تلك الشخصيات.. فى الروح والملامح وتركيبة الشخصية فى سلوكها وردود افعالها داخل القطار مع هنومة بائعة `الكازوزة`.. وهنا صورها برداء احمر مخطط.. يتحلق حولها الركاب بنظراتهم وهى تفتح زجاجة المياه الغازية.. حتى اصبحت كل شخصية حالة وتعبير بما تحمل من مكنونات وانفعال.. وقد اختار المشهد فى لقطة امامية باتساع المنظور.. مظهرا فى القطار نقطتى المنظور المتوازيتين بما تعكس: الركاب على الرفوف.. مع الركاب على الكراسى.. ولا تخفى تلك السيقان التى تتدلى والجوارب الممزقة التى يرتدونها.. مع دنيا من التفاصيل: امرأة تحمل وليدها ورجل امام جرة العسل يضع السيجارة فى فمه من الفلتر وشيخ يسبح يبدو على وجهه الضجر.. واخر يصيح بانفعال شديد.. انها الروح الانسانية فى اوج توترها وعصبيتها فى الزحام.. مع الحقائب المكدسة على الرفوف.
- ومن فرط اعجاب الفنان محسن بعالم محمود سعيد جاءت لوحته بنات بحرى.. بمثابة تقدير واحترام للرائد الكبير بلوحتيه `المدينة` و`بنات بحرى`.. وقد صورهن فى دلال امام بائع العرقسوس.. الذى من فرط اعجابه بهن اخطأ تصويب العرقسوس.. الذى ينساب فى خيط رفيع على الارض من القدرة متجاوزا الكوب.
- ليس هذا فقط.. صور وصور تثير الدهشة.. مع التضخيم والتصغير والتحريف وتفاصيل الوجوه المنفعلة.. مثل بائع الصحف الجوال والقارى الذى يتحسس النقود.. وام كلثوم تغنى فى حضرة رامى والسنباطى وفرقتها الموسيقية فى البروفة قبل حفلها الشهرى.. وجاءت هذه اللوحة بمسحة من الوقار بعيدا عن تحريفاته للشخصية الشعبية من اجل `الست سومة`.. وتلك التفاصيل الصغيرة لزحام الناس على البلاج: البطيخة والشيشة ووابور الجاز.. والمكوجى التقليدى صاحب المكواة التى يدفعها بقدمه فى بحر الثوب امام الزبون الذى يندهش من حركة القدم.. والسيدة مسترخية على السرير مع الالم بعد الولادة بينما الاهل والجيران يلتفون حول المولود الضئيل بملامحهم وقسماتهن البارزة مع الزغاريد.. والقيل والقال وكانى ومانى لسيدتين تطلان من الشرفة.. وحسناء تطل من الشباك فيها ولهع وهيام.
- رمضان كريم
- .. ومن اجمل لوحاته ما قدمه من صور وحكايات من الشهر الكريم شهر رمضان المبارك.. وهى صور عشناها فى طفولتنا وربما يكون اختفى بعضها ومازال البعض الاخر.. تحتشد بالمفارقات والمبالغات الكاريكاتيرية فى الوان وخطوط ومساحات من البهجة يغلب عليها الاحمر الدافىء والازرق النيلى والاخضر الزرعى.. و قد صور الاستعداد لشهر رمضان بالعجين والخبيز كما فى لوحة تشكل فيها احدى الفلاحات الرقاق.. وجسد لحظة الافطار حيث تجتمع الاسرة امام التلفزيون كما صور المسحراتى مع ابنه الصغير حاملا الفانوس يجوبان الشوارع والازقة يدق على طبلته `اصحى يا نايم وحد الدايم`.. ولا ينسى بائع فول السحور على عربته يلتف حوله اهل الحارة.
- وتمتد اعمال الفنان محسن ابو العزم الى الامسيات المرحة وليالى السمر بالشهر الكريم خاصة فى الماضى الجميل من تلك المباهج البسيطة المفرحة.. مثل القرداتى ولعبة النيشان مع السهر على المقهى ولعبة `الدومينمو` وغيرها من صور فى لوحات يعود بنا خلالها الى ذكريات من زمن فات مثل شجيع `السيما` ولعبة الونش.. وذكريات تتجدد مازلنا نعيشها حاليا.. بروح ساخرة وخطوط فيها شقاوة ومساحات تقفز بالمرح والحيوية.. والجميل فى المعرض تلك المعلقات التى تمتد بين اللوحات بخط منمق.. تهتف بروح صلاح جاهين الشعبية فى مختارات من الرباعيات.
- هكذا ابدعت فرشاة محسن ابو العزم.. وتجولت فى عمق الوجدان الشعبى.. تحية اليه من القاهرة الى الفيوم.. حيث يعيش ويبدع.
بقلم : صلاح بيصار
جريدة : القاهرة ( العدد 1133) 5 -4-2022
|