الحركة التشكيلية ودّعت الفنان `محفوظ صليب` بعد مسيرة طويلة من العطاء.
- كعادة جريدة القاهرة وبالتحديد صفحة الفن التشكيلي تقوم بتوديع فناني مصر الذين رحلوا عن عالمنا وقد لا يتذكرهم أحد سوى بعض الزملاء والأصدقاء المقربين في الوسط الفني، لأن هناك فنانين يفضلون البقاء في الظل يعملون في صمت ومن هؤلاء كان هذا الفنان الراحل دكتور محفوظ صليب الذي رحل عن عمر يناهز 82 عاما.
- أعمال الفنان الراحل لتنوع ما بين التشكيل المجسم وأعمال الموزاييك أو فن الفسيفساء والزجاج المعشق، وقد أخضع مشاعرةه الذاتية للقواعد الأكاديمية حيث كان حريصا رغم اتجاهه التعبيري على الالتزام بعناصر التكوين من حيث بناء الشكل والتصميم، وفى بعض أعماله تلاحظ البناء الهندسي والفراغات التى تحتوى الشكل ليخلق حالة من الاتزان بين الفراغ والكتلة، وهو يتخذ من الشكل الإنساني نموذجا تعبيريا قابلا للاختزال والتجريد في بعض الأجزاء فيشعر المتلقى أنه أمام تكوينات موسيقية تنطوي على غنائية الإبداع والتكوين الفنى، ففى التشكيل المجسم أو تمثال نصفي لامرأة تحتضن بعض الطيور بذراعيها وكلتا يديها بحجمهما الضخم، ودلالات تعبر عن الشخصية الطيبة في ملامح المرأة بوجهها الطيب الحالم والعيون غائرة للداخل والشفاء واضحة تقترب من سمات الفن القبطى، وكأنها في وضعية السبات العميق وهو في هذا الشكل يمزج أشكال الطيور يجسد المرأة ليظهر فقط النصف العلوى للطائر أو الحمامة التي تمثل الروح تتحرر من أسر الجسد، وقد استغل مساحة غطاء الرأس التي ترتديه المرأة للسيطرة على مساحة الشكل الهرمي وتواصله مع المقدمة، وهو هنا يحاول أن يصبغ الشكل بطابع مثالي مقدس الجمال معبرا عن الصفات والمعاني الجميلة التي تستتر فيما وراء الشكل كالسمو والروح والتجلى الإلهى، مستلهما من لوحات المسيح الذي يظهر في بعض الصور وهو طفل ممسكا بأحد الطيور.
- وفي شكل آخر مجسم نشاهد شكلاً رأسياً كاملاً لامرأة تخضع لتجريد وتبسيط الشكل برؤية حداثية، ونشاهد تجويفا بصدر المرأة يتشعب في خلفيته أغصان وفروع شجرة ليبدو مثل عش للطيور يمكث فيه خمس من الحمامات يوجد منهم أربع فى مقدمة التجويف يطلون برؤوسهم من خلال ذراع المرأة الذى يحتضن الحمام ليبدو الذراع جزءاً من التجويف، وفى العمق نشاهد حمامة وحيدة بوضعية جانبية ملاصقة لفروع شجرة الزيتون التي ترمز للسلام وترمز ورقة الزيتون أيضا إلى تجدد الحياة، وقد بذل الفنان هذا المجهود المضاعف، واستطاع أن يشكل تفاصيل هذه الأغصان رغم أنها في العمق، ونستطيع أن نتلمس مشاعر الفنان من خلال تلك التفاصيل فهو ينشد تحقيق السلام على الأرض، ونجح فى التعبير عن افتقاده لهذا السلام، حيث الحمامات جالسة وليست في وضعية الطيران، وأيضا غصن الزيتون أو الشجرة حبيس هذا التجويف فمكانه بالخارج حيث الحرية، وقد قام بإظهار القدم وأصابع اليد من خلال الرداء الواسع الفضفاض الذي ترتديه المرأة، ونشاهد وجه المرأة هنا يتميز بملامح رقيقة تبدو عليها الدهشة حيث قام الفنان بحفر نقطتين ليمثلا العينان وكأنهما نقط سوداء ليصيغ حالة الدهشة والحزن لانعدام هذا السلام، وقد التزم في أشكال أخرى بهذا الغصن كأنه الرئة التى يتنفس منها، ففى شكل آخر نشاهد تمثالا لامرأة بوضعية جالسة يوضع على صدرها غصون الشجر بحيث تظهر الفراغات بين الأوراق لتبرز الفراغ الداخلي للشكل المجوف، وهى تضع كلتا يديها على ركبيتها وتضم قدميها بحيث تتقابل الأصابع وهو في هذا الشكل خلق علاقة بين البساطة والاختزال وبين التناغم والتفاصيل المرئية فى أغصان وأوراق الشجر، ووجه المرأة أو الفتاه يبدو صغيرا بالنسبة لحجم الجسم حيث تتميز القدمان واليدان بالضخامة، والقدم بشكل عام ترمز إلى حرية الحركة والنزول والتدنى والأقدام هنا تعبر عن السكون والاستسلام والاحتماء بالأرض.
- والفنان الراحل محفوظ صليب بسطورس، أستاذ التشكيل المجسم بكلية التربية الفنية، بكالوريوس المعهد العالى للتربية الفنية عام 1965، وماجستير فى التربية الفنية عام 1975 دكتوراه الفلسفة تخصص نحت 1980، عضو مؤسس لنقابة الفنانين التشكيليين، عضو بالجمعية الدولية للتربية الفنية.
- شارك بمعظم المعارض المحلية والدولية كالمعرض القومى وصالون القاهرة الحادى والأربعين لجمعية محبى الفنون الجميلة، ومعرض رحلة العائلة المقدسة إلى مصر بمركز سعد زغلول، سمبوزيوم القاهرة لنحت حديد الخردة الثاني بالحديقة الثقافية بمركز محمود مختار الثقافي، صالون النحت الثانى بقصر الفنون بينالي الإسكندرية الرابع عشر لدول حوض البحر المتوسط، قام بزيارة عدة متاحف في برلين، ولندن وباريس. من أهم أعماله جدارية رحلة العائلة المقدسة إلى مصر الموقع الأثرى لشجرة مريم بالمطرية.
- عضو اللجنة العليا لسمبوزيوم أسوان الدولي للنحت الدورة الثانية، قام بكتابة عديد من الأبحاث في مجال الفنون التشكيلية وحضور مؤتمرات محلية، والإشراف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة تخصص النحت بكلية التربية الفنية.
- ومن أهم الجوائز التي حصل عليها الفنان، جائزة فضية في المعرض الرابع للفن التطبيقى 1964، والبرونزية في المعرض الخامس للفن التطبيقى 1966، وجائزة استحقاق نحت فى المعرض العام الحادى عشر وحصل على الجائزة الأولى في بينالي الإسكندرية الرابع عشر 1982.
له مقتنيات في متحف الفن المصرى الحديث وزارة التربية والتعليم، مركز القاهرة الدولى للمؤتمرات.
بقلم: د./أحلام فكرى
جريدة: القاهرة 27-5-2025