` فنانون منسيون`: كمال النحاس .. بين التعبيرية واللمسة الاكاديمية
- `عند نجاحى فى الابتدائيه كان طلبى الوحيد.. أن يرسم لى والدى بورتريه `صورة شخصية` ونبهنى الى انه قد يستغرق وقتا طويلا ولكننى اصريت وبدا الرسم في مرسمه فى `المسافرخان`.. كنت اذهب اليه يوميا بعد عودتى من المدرسة وفى الشتاء كنت ارتدى فستانى الصيفى ونظرا لجلوس الموديل خلف اللوحة فقد كنت مشتاقه لرؤيه اللوحة وكانها من اول جلسه ستنتهى.. ولكن بمرور الوقت بدأت استوعب مدى الجهد الذى يستغرقه العمل الفنى لكى يظهر على أكمل وجه.
- واثناء وجودى في المرسم في فترات الراحة كنت اتتنقل بين مراسم الفنانين: حامد ندا وعبد الوهاب مرسى وغيرهم وكنت احضر منقاشاتهم وجلساتهم وكان والدى يصحبنى معه في جولاته فى إحياء مصر القديمه: الغوريه ووكالة الغورى وبوابه النصرو الفحامين ويشرحها لى بالتفصيل في هذه المرحلة الصغيره من عمرى.. لقد غرس في حب الفن كله وبعد عام تم عرض البورتريه باسم براعم فى المعرض العام ????`.
- هكذا تقول الابنة نها كمال النحاس.. حول ولادة البورتريه الخاص بها والذى ابدعه والدها.. ويبدوان جينات الفن وحب الفن طالت الابنه وهذا ما قادها الى ان تطلب رسمها وكانت النتيجة واحد من اجمل صور الوالد الفنان `1920-1976`.. فتاة صغيرة أو طفلة على اعتاب الانوثة فى رداء صفر تمسك وردة حمراء.. بنظرة متامله رغم صغرها.. وكان لتعلقها بابيها وفنه ما جعلها حافظة لتراثه التشكيلى رغم رحيله وهى فى السابعة عشر من عمرها.
- وكمال النحاس من فنانينا المنسيين.. والمقصود بالمنسيين هم هؤلاء الذين قدمو مساحة تساهم فى اثراء الابداع المصرى المعاصر كماتكمل المشهد وتجعله اكثر تالقا لكن ننساهم ويتغافل الاعلام عن ذكرهم.. حتى اصبحنا نفتقد الى ذاكرة تشكيلية حقيقية.. ومع نسياننا لبعض الرموز الزاهرة اصبح متحف الفن الحديث ايضا سريع النسيان بالنسبة لذاكرة الموضع او المكان حتى ان نهى الابنه لاتدرى شيئا ونحن معها عن بعض اعمال والدها.
- تلميذ للرواد
- وكمال النحاس ينتمى لجيل الاربعينيات من خريجى الفنون الجميله.. كان تلميذا للرواد الاوائل: احمد صبرى ويوسف كامل ومعهما بيكار الذى يعتز به ويقول عنه: `عرفته طالبا متميزا بالفنون الجميلة وعرفته فنانا مبدعا بعد التخرج ..وعرفته احد المسؤولين فى ادرة الفنون الجميلة:.
- وبعد تخرجه عام 1944 عمل استاذا بكلية الفنون الجميلة بلبنان من عام 1948 وحتى عام 1954 وبعد عودته تولى امينا بمتحف الفن الحديث بالقاهرة وتولى فى السنوات الاخيرة وحتى رحيله منصب مدير عام الادارة العامة للمعارض بالهيئة العالمة للفنون والاداب.
- وعالم الفنان النحاس يمتد باتساع من الصورة الشخصية الى فن المناظر بلمسة اكاديمية رصينة يختزل فيها التفاصيل والثرثرات الزائدة فتتالق بروح تعبيرية مع اناقة التشكيل وحيوية الايقاع.. كما يمتد بطرق الاداء ما بين الالوان المائية والباستيل مع الصورة الزيتية والفحم والقلم الرصاص.
- فى فن المنظر توهجت لمسته بمناظر من لبنان حيث اقام لسنوات هناك فصور سحر الطبيعة والجبال والناس والبيوت والاسواق مثلما صور مناظر من يوغسلافيا وقاهرة المعز.. كل هذا فى اختزالات سريعة تجمع بين النبض والهمس فيها من روح الاسكتش واللوحات المكتمله.. ومن بين اعماله فى المنظر `منظر من يوغوسلافيا` والذى جاء صورة من النقاء والبهاء تتطاول فيه الخضرة التى تتلامس مع الافق مع تلك المطرزات من البيوت الصغيرة التى تنساب بالتنوع والثراء فى حضن الجبل بين الصمت والسكون.. وبين البهجة والصفاء اللونى.
- لوحات لاسرته
- وله ايضا مشهد من مقابر بنى حسن ولوحة للسد العالى وهنا نلتقى مع كثافة البناء التشكيلى ورسوخ اللون وتشبعة على عكس اعمال اخرى له بالالوان المائية نلتقى فيها مع الرقة والشاعرية ولمسة الحيوية السريعة التى تخفت وتتوهج.
- ولاشك ان الصورة الشخصية فى اعمال الفنان النحاس تمثل مساحة اقرب الى نفسه.. فبدت مفتوحة على `هواه` خاصة افراد اسرته والمحيطين به فهو يصور من يصوره عن محبة والفه فتبدو الصور ناطقة بالحس الانسانى كل صورة شخصية وكل شخصية حالة تعبيرية واغلبها تبدو منشغله فيما هى فيه تحلق عيونها خارج اطار الصورة.. ولكن بروح من التفاؤل والاشراق ومن فرط ارتباطه باسرته كان يصور افرادها فى اكثر من بورتريه مثلما صور السيدة زوجته وابنه اسامة وابنتيه نها وندى.
- فى بورتريه للسيدة زوجته زيت على قماش صورها جالسة فى لحظة استرخاء بين النوم واليقظة برداء من الابيض والازرق والبنى الساق على الساق والراس تستند على احدى اليدين بينما تتقابل اليد الاخرى مسترخية فى وضع افقى والصورة تخرج على نمطية الجلسة فى البورتريه الى افاق اخرى.. ففيها لحظة انسانية حين يهفو الانسان الى نفسه.. ويريح اعصابه بعيدا عن ضغوط الحياة.
- واعمال الفنان بالابيض والاسود نطالع فيها حرارة اللمسة وسحر الشخصية فالاقتصاد اللونى يعطى بعدا دراميا فى اعماله ويجسد عمق روح الشخصية.
- ومن لبنان صورمع مناظره هناك رجل دين مسكون بالجلال والابتهال يفيض وجهه بالسماحة.. وله اكثر من صورة شخصية من بينها صورة له بالبنى من اكسيد النحاس كما صور السيدة زوجته وابنائه فى صور اخرى بالابيض والاسود.
- كمال النحاس فنان له بصمة ومساحة مختلفة تمثل امتدادا لجيل الرواد من حيث البناء التشكيلى ولغة التعبير مع خروجه على الاطار الساكن الى دنيا اكثر رحابه فهو يحترم قيم وتقاليد الابداع بلمسة جديدة.. فهل نتذكره؟.. سلام عليه وتحية الى روحه.
بقلم : صلاح بيصار
جريدة : القاهرة 31-8 -2017