`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
منى محمد محمد غريب
أنا مصرية
منى غريب
(أنا ملكة بطوق العبيد.. وكان زمانى محاصر، أصبحت بألف قيد.. وقيودى قاسية ومحكمة، مغلفة موصدة من حديد، لكنى أبدا لن أرضخ ولن أنهزم.. ولن أنكسر، سأحطم كل الحواجز.. سأطير.. سأحلق بعيدا بعيدا!!).
لعل هذه الكلمات التى نقشتها الفنانة منى غريب على ظهر أحد تماثيلها تكون البداية والمدخل الصحيح للتفاعل مع أعمالها الفنية، حيث تشير تلك العبارة الى حالة الإستبطان الداخلى التى تتجاذب داخلها من الناحية السيكولوجية والذهنية عن تلك الملكة التى تريد أن تحطم قيودها وتتحرر وتحلق بعيدا.
وفى هذا السياق جاء معرضها الإستيعادى (انا مصرية) الذى أفتتحه مؤخرا الدكتور وليد قانوش رئيس قطاع الفنون التشكيلية فى قاعة (الباب) بدار الأوبرا المصرية بحضور عدد كبير من الفنانين والنقاد وجمهور المتذوقين، والفنانة منى غريب هى دكتورة فى كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية فى قسم النحت ولها العديد من المعارض والمشاركات داخل مصر وخارجها.
خنوم والنحت الخزفى
والحقيقة ان نوع الفن الذى تمارسه الفنانة منى غريب يجعلها تتعرض لنوعا من التجاذبات الفنية والفكرية خاصة بمحاولة تصنيفها الفنى، لأن النحاتين يعتبرونها خزافة.. والخزافون يعتبرونها نحاته، وهذا فهم ضيق للأمور فهى فنانة فى النهاية وقد ألغت ثقافة مابعد الحداثة تلك الحدود او الفواصل الوهمية بين صنوف الفن المختلفة، فهو فى النهاية عمل فنى ويستطيع الفنان ان يختار ما يراه مناسب من أساليب أو تقنيات تساعده فى التعبير عما يريد توصيله، انه موقف فنى وفكرى صعب يواجهها حتى تحدد لنفسها هويتها الفنية والفكرية.
وهى بالفعل تعمل جاهدة على ذلك لإنتاج نوع واسلوب جديد من المعالجة الفنية والتقنية يميز أعمالها الفنية، يجمع ما بين الخصائص والملامح المشتركة لفن النحت وفن الخزف مع استخدام الألوان والتلوين وأيضا الكيلوجرافيا العربية. لكنها فى حاجة الى بذل نوعا من الجهد البحثى والفكرى للتأصيل الفلسفى لهذا الأسلوب المغاير فى المعالجة الفنية والتقنية.
وقد جمعت أنواع من الطينات المختلفة من مناطق متعددة سواء من واحة سيوه أو جنوب مصر من النوبة واسوان، وهو ما يوضح حالة الشغف لديها بهذا المجال، فكل منطقة لها خصائص مختلفة فى المعالجة والتشكيل، وهى تعتمد استخدام أسلوب الأحبال الطينية والشرائح فى بناء الأشكال، والحقيقة أنه ليس تشكيل لكنه نوعا من البناء.. بناء الانسان من أسفل الى أعلى وكأنه نوعا من الطقوس.
وهذا الأسلوب هو امتداد لفكرة تضرب بجذورها فى اعماق التاريخ وتعود أصوله إلى المثيولوجيا الفرعونية القديمة (كبش آمون) الإله الماعز نصف آدمى برأس كبش كما تقول الأسطورة، الإله الذي اشتق اسمه من فعل `خنم` بمعنى `يخلق` مما يشير إلى أنه كان (خالقاً) منذ البداية. وطبقا للمعتقد المصري القديم قام خنومKhnum بعملية الخلق المادي للإنسان من طمي النيل على عجلة الفخار/ الخزف. إنه يخلق كل الأشياء الحية الناس والحيوانات والنباتات من طمي النيل ويعطيهم الحياة بعصاه السحرية. وتقول الأساطير أنه كان يشكل الأطفال الصغار من طمي النيل ثم يضعهم في أرحام أمهاتهم، لذا يعتبر إله للخصوبة والخلق..!!
المرأة والأسطورة
وتتحدد التجربة الفنية لديها من خلال تفاعلها مع مفردات وعناصر البيئة المصرية المحيطة بها بكل تنوعاتها والموروث الحضاري والثقافي عبر العصور، وكذا الأحداث التي مرت بها مصر في الماضي والحاضر، ومدي تفاعل الفنانة مع تلك العناصر والأحداث، ومحاولة إبداع علاقات ورؤى فنية وتشكيلية جديدة ربما تساعد فى اثراء المضمون الفني للأشكال، وتعكس الأحاسيس والإنطباعات وفقا للمدركات البصرية وتفاعلها مع الدلالات النفسية والذهنية، فكل انتاج فنى/ جمالي بالضرورة لا يمكن ان ينفصل عن البيئة المحيطة به بكل أبعادها الثقافية والاجتماعية والتاريخية.
ولقد إتخذت من أسلوب فن النحت الخزفي مجالاً للتعبير عن نتيجة هذا التفاعل فهو أحد الفنون التي يمكن من خلالها تمييز الخطوط والأشكال وأيضا الألوان وإدراك دلالاتها البصرية والمفاهيمية، ولأن المرأة هى كل شىء - كما تقول الأقوال المأثورة - تهتم منى غريب بموضوع المرأة المصرية عبر كل العصور.
وعندما تتأمل أعمالها الفنية ستجد العديد من السمات والملامح لهذه الأعمال التى تستلهم سيمات ورموز الحضارة المصرية عبر العصور المختلفة حيث سنجد رموز فرعونية واضحة فى الشكل والهيئة والملابس وغيرها، كما نجد أحيانا رموز شعبية وقبطية مثل زهرة اللوتس ومفتاح الحياة والضفائر وجدائل المرأة المصرية.
كما تستلهم فى العديد من الأعمال المثيولوجيا التاريخية والأساطير التى تلعب المرأة الدور المحورى بها، فنجد تأثير واضح لأساطير مصرية ويونانية متعددة مثل اسطورة ايزيس، وأسطورة (ميدوسا) تلك المرأة الشهيرة التى يتحول شعرها الى أفاعى، لكن المفارقة ان الفنانة منى غريب تشعر بالتعاطف معها وترى أنها سيدة تعرضت لنوع من الظلم التاريخى..!!
وقد اهتمت الفنانة أيضا بفكرة ومشروع (العروسة) فى المثيولوجيا المصرية والثقافة الشعبية وسنجد العديد من الأشكال النحتية تعبر عن هذه الفكرة مثل أسطورة عروسة البحر. ولأنها متفاعلة مع ما يحدث حولها نجد انها من الفنانين القلائل التى تفاعلت مع (وباء الكورونا) وحاولت ان تقدم بعض المعالجات التشكيلية التى تعبر عن قسوة هذا الوباء.
ومن أهم الملامح فى معرضها أنك ستجد العديد من الأعمال النحتية التى تعبر عن المرأة معصوبة العينين ودلالاتها الرمزية والسيكولوجية للفنانة ذاتها وللقطعة النحتية حيث يبدو أن لهذا الأمر بعد نفسى خاص للفنانة ذاتها ربما يعود الى صباها.. وربما يفسر هذا أيضا أن معظم ملامح وجوه التماثيل تتماهى كثيرا مع ملامح منى نفسها..!!
عندما يفكر الفنان
الفرق بين الفنان العابر فى الذاكرة والفنان الذى سيبقى فى تاريخ الفن هو الفنان الذى يفكر ويبحث فى تطوير نفسه بشكل دائم ومستمر، فعندما يفكر الفنان سيكتشف بالضرورة مساحات جديدة ومتجددة فى تجربته الفنية، والحقيقة أن من يتأمل أعمالها الفنية ومراحل تطورها سيكتشف انها فنانة مفكرة وهذا يحسب لها، فهى فى حالة بحث فنى وفكرى لتطوير تجربتها التشكيلية والبصرية، كما انها فى حالة انتباه وتفاعل دائم مع ما يحدث حولها فى هذا العالم المضطرب.
وهو ما جعلها تنتبه الى ضرورة اضافة العديد من المتغيرات الفنية/ والفكرية/ والبصرية لتطوير تجربتها الإبداعية بشكل مستمر وتمثل اضافة نوعية لها، ولعل من أبرز هذه المتغيرات هو اصرارها على عمل فورم نحتى (form) بتقنيات خزفية وقد نجحت فى ذلك بشكل كبير، رغم الحجم المتوسط والصغير لمعظم الأعمال، فالأعمال النحتية تحتاج بالضرورة الى حجم وكتلة كبيرة تحتوى المشاهد وتضيف للتمثال قدر كبير من الهالة والرهبة.
ومن اهم المتغيرات التشكيلية التى أضافتها الى أعمالها الفنية هى فكرة الكتابة على بعض الأعمال، والحقيقة أنها مغامرة ومخاطرة تحتاج الى دراستها بشكل جيد، كما تحتاج الى معادل بصرى والتعامل معها تشكيليا وفنيا وليس لغويا فقط..!!
ومن اهم المتغيرات البصرية التى أضافتها وتعاملت معها بقدر كبير من الجرأة والمغامرة هى فكرة إضافة الألوان والتلوين لبعض الأعمال الفنية، وهى فكرة قد تبدو ناجحة فى بعض الأعمال ومع بعض القطع التى تم تلوينها بلون واحد او درجات لونية متقاربة ومتماهية مع خامة الطين نفسها.. أى درجات اللون البنى والبيج وتنويعاتهم، أما الأعمال الفنية التى تم اضافة الوان قوية وغريبة إليها فالحقيقة أنها تحتاج الى نوع من المراجعة الفنية/ البصرية لأنها لم تمثل اضافة الى العمل الفنى.. بل ربما حدث تأثير عكسى..!!
لأنه يجب احترام الخامة (الطين) لأنها خامة مقدسة فى كثير من المعتقدات القديمة، وقد خلق الله الانسان من الطين، وبشكل عام يجب احترام خامة العمل الفنى دائما ويجب ان تظل حاضرة ولها تأثير مباشر وقوى على عين المشاهد وخصوصا فى مثل هذا النوع من الفن ومثل هذا النوع من الأعمال الفنية ذات التشكيل المجسم النحتى/ الخزفى الذى يعتمد بشكل مباشر على جماليات وخصائص خامة الطينة، وبالتالى لو فقد تأثير الخامة فيه سيفقد العمل الفنى الكثير من قيمته .. لذا يجب فى تقديرى مراجعة آلية التعامل مع فكرة تلوين الأعمال النحتية وتأثيرها على المستوى التشكيلى والبصرى والنفسى أيضا، فالفنان الحقيقى هو الذى يبقى فى حالة من البحث والتجريب الدائم..!!
بقلم : د./ خالد البغدادى
جريدة: القاهرة 14-11-2023
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث