ثناء عز الدين خليل سلام
-على الرغم من أن ثناء عز الدين تولت إدارة مركز الفن والحياة من 1980- 1995 إلا أن صلابة شخصية ثناء عز الدين جعلتها بمنأى عن التنميط الذى أراده الأب الروحى سعيد، وكسرت طوق العزلة الذى يحيط بكل من يقترب من مركز الجماعة ومفكرها، لتتفاعل مع الحياة الفنية ككل بدون تحفظات، أو مواقف مسبقة كان يتبناها حامد سعيد، تلك المواقف التى تجافى العصر وتطرح حالة من القطيعة مع الجديد، وتجد فى التراث المرجعية الوحيدة، بل صادقت ثناء الكل وبنت جسورا مع التيارات الفنية التى يدفعها الشباب يوميا إلى قاعات العرض .
- تواصلت مع الجميع على خلاف أغلب أعضاء جماعة الفن والحياة، فهى التى جمعت بين حرية التعبير الفنى فى أعمالها، ومعطيات الحياة الأكادمية، بما تعكسه من منهجية فى التفكير، فبعد حصولها على بكالوريوس كلية الفنون التطبيقية قسم طباعة المنسوجات 1966، اتخذت طريقاً هادئا للعلم، فقد حصلت على دبلوم فى التصميم 1980، ثم الماجستير فى فلسفة تصميم 1986 .
-عندما تلج إلى مرسمها تعتقد انك دخلت معملاً فيزيائياً، بطريق الخطأ، بسبب روائح الخامات المتعددة، لكن سرعان ما تتبين حقيقة الموقف،عندما ترى اللوحات احتلت كل الارجاء، والجدران والأركان، حتى فراغ المرسم ( الهواء يعنى ) ، فقد تتعثر فى عروسة تتدلى من السقف، ومع ذلك وراء كل شئ فى مكان قصة تحكيها بحب وود شديدين .
- أحبت ثناء الزخارف رومانية قبطية، إسلامية ، شعبية، ولجأت إلى حروف الكتابة، بكل أشكالها حتى لو كانت طلاسم فى حجاب، معتمدة على العناصر الكتابية والزخارف الهندسية والمفردات التراثية، والعناصر الطبيعية والتى تنتمى إلى ثقافات وحضارات مختلفة، لتعيد صياغتها وتكوينها فى تصميمات مبتكرة،عشقت النسيج بألوانه وأشكاله، كل ذلك هو مفتاح شخصيتها، فقد تعلقت بخيوط النسيج حتى قبل تخرجها بترتيب الاول على دفعتها فى كلية الفنون التطبيقية فى العام 1966 قسم المنسوجات - لتطوع التقنيات الطباعية لصالح العمل الفنى .
- صحيح إن الحياة الفنية عرفت ثناء عز الدين باعتبارها مصورة، تسعى لتشييد اللوحات، لكن لوحاتها كمن يقف أمام نول عتيق يعطى للتفاصيل نفس الاهتمام الذى يمنحه للكليات، فشكل النسيج بتاريخه العريق والطويل أحد أهم مصادر إلهام فنانة ترى التراث بعيون عصرية، وتتخذ من العلم وسيلة لتقنيات الفن، حبها للخامات المختلفة، جعلها تبحث عن السحر فى العلاقة بين خيال الفنان وبحثه العلمى، والخامة التى بين أيديها، وشائج من الحب تربط ثناء بلوحاتها ورموزها التى تظل تمارس طقوس الحوار معها حتى تخرج إلى النور .
-فتشت ثناء أبنه حى السيدة زينب العريق، فى صندوق جدتها كثيرا إلى أن وجدت العروسة المصنوعة من القماش،على نحو بسيط، والتى اشترك الضمير الجمعى فى تشكيل ملامحها، رمزا لأحلام الطفولة، تعلقت ثناء بالعروسة كطفلة تلعب بأشيائها فى وسط حجرتها بل ومنحت العرائس، بعضها من خصال الملائكة عندما ارتفعت بالعروسة إلى فضاء جدارن القاعات البيضاء، فى قطيعة مع الجاذبية الأرضية، احتفظت بتفاصيل المشهد الأرضى،فيما يشبه فنون الفرجة الشعبية .
- لم تتوقف ثناء عز الدين عند حدود أسوار مدرسة الفن والحياة لصاحبها المفكر حامد سعيد، الذى كان يتشدد فى ضمان ولاء الاعضاء لفكرة الفن والحياة ومجافاة اى مسارات أخرى للمعرفة والإبداع والرأى الاخر، وهو الأمر الذى أدى إلى انغلاق الجماعة على نفسها فتجمدت أفكارها، لكنها استطاعت الاستمرار رغم أن أغلب فنانى الجماعة توقفوا عن العطاء.
- تشترك ثناء عز الدين مع الكبار فى اختيار العروسة كرمز، تسعى إلى اعادة بعثه .
- ففى عام 1994 تشارك فى مهرجان الزفاف الدولى، بهيوستن، ليشهد الاحتفال الدولى العروس المصرية والعادات الخاصة بالوزاج وتقاليدها ونماذج من حفلات الزفاف، وأزياء الفرح، وسط مشاركة أغلب بلاد العالم بعاداتهم الخاصة، من خلال بحث علمى وتطبيقى لهذا الطقس الأثير .
- وعندما أراد قطاع العلاقات الثقافية الخارجية، بوزارة الثقافة، المشاركة فى مؤتمر بمتحف فن العرائس بولاية واشنطن، تقدمت ثناء ببحث عن فن العرائس والرقص فى مصر، حيث اتخذت منحى جاد فى تناول الفنون التراثية وخاصة الشعبية،على نحو يطرحها كمون ثقافى أصيل فى ثقافتنا، والتى توصلت إلى هذا المفهوم من خلال رسالة الدكتوراه، التى تقدمت بها إلى جامعة حلون عام 1992.
- ومازالت تحاول ثناء عز الدين بناء جسور بين التربية الجمالية والثقافية البيئية، ولكنها قاربت بالفعل بين عالم الفنون الجميلة والفنون النفعية التطبيقية على النحو فريد امتزجت فيه ملامح مصر الحضارية .
سيد هويدى
القاهرة 15 /9 /2009
الفنانة ثناء عز الدين (1943 ) ورقصة الدراويش
- حركة وسكون .. هو عنوان معرض الفنانة د. ثناء عز الدين بقاعة الباب بمتحف الفن الحديث أواخر شهر مارس ، استطاعت أخصائية طباعة المنسوجات خريجة ` الفنون التطبيقية ` أن تنسج لنفسها - بعد ثلاثة عقود من تخرجها - قماشة فنية تحمل هويتها المتميزة ، باستخدام الأصباغ الملونة والطبعة الفنية بالقوالب الخشبية مع إضافات مباشرة بالفرشاة ، عاماً بعد عام تضاءل استخدامها للقوالب والطبعة الزخرفية ليحتل الرسم المباشر بالفرشاة دور البطولة ، فتنتقل من عالم الزخرفة إلى عالم التصوير ، مع بقاء الطبعة الزخرفية خلفية في لوحاتها ، كترديد للأدعية الصوفية بين لوحة وأخرى .
- ثناء التي دفعها طموحها للصعود من تلميذة لكل من الرائدين حامد سعيد وخميس شحاته ، ومن كونها مرؤوسة لهما في العمل بمركز الفن والحياة بسراي المانسترلي وبيت السناري ، إلى أن تكون مديرة للمركز ، ثم إلى باحثة أكاديمية تحصل على الدكتوراه وتندب أستاذاً غير متفرغ للتصميم بكلية التربية الفنية ثم بكلية الفنون التطبيقية ، حتى تحصل على جائزة الدولة التشجيعية في العام الماضي ، هي دائماً تختزل صورة مصر في وحدات من الزخارف القبطية والإسلامية ، وتجد في تأكيد هذه الهوية دوراً مهماً للفنان يواجه به التجريف الحضاري .
- في معرضها تقدم نوعاً من التجليات الصوفية عبر رقصات الدراويش المولوية ، تنتقل من الأيقونة الزخرفية الثابتة إلى التأليف الهارموني بالحركة والخط واللون .. الحركة الدائرية معيار للصعود إلى كون لا نهائي ، وهي - مثل المتصوفة - تهرب من ثقل الواقع بالتحليق سكري في عالم فوق الواقع !
بقلم الناقد :عز الدين نجيب
من كتاب ( الفنان المصرى وسؤال الهوية بين الحداثة والتبعية )
وداعًا د. ثناء عز الدين فنانة النسجيات المرسمة.. تلميذة فى مدرسة `الفن والحياة`
- ودعت الحياة.. د.ثناء عز الدين عن عمر يناهز 82 عاما.. بعد رحلة معاناه مع المرض.. فنانة صاحبة تجربة مهمة فى الإبداع النسجى بوسائط عديدة من الرسم والطباعة والتصميم بالأصباغ.. كما تنوعت أعمالها مع الطبعة الفنية.. قدمت عالما تتواصل فية الحضارة المصرية من إستلهام المصرى القديم والفن القبطى وروح الفن الاسلامى.. وإلى الفن الشعبى بلغة تعبيرية خاصة.. وهى تلميذة نجيبة فى مدرسة الفن والحياة لاستاذنا المفكر الفنان حامد سعيد.
- عرائس الطفولة
- نشات الفنانة بحى السيدة زينب ومن بداية الطفولة.. جاء شغفها بعالم النسجيات من العرائس الصغيرة.. تشكلها من القطن والقماش مع حليات من الخرز والورود الملونة.. كما كانت تبدع بالأبرة على مفارش صغيرة زخارف ونقوش.. وكريات ونخيل وأشجار وأقمار وشموس.. واستمرت معها تلك الهواية مع ولعها بالرسم ككل الاطفال الموهوبين.. ومن هنا جاء التحاقها بكلية الفنون التطبيقية قسم هندسة وطباعة النسيج.. تخرجت منها بتفوق عام 1966.. وبدات رحلتها مع الداب والاخلاص فى الفن والاستمرار فى الدراسة.. فحصلت على الدكتوراه فى فلسفة واسس التصميم عام 1992.. وثلاث سنوات فى تصميم الازياء والباترون والتصميم بالكمبيوتر من مركز الموضة.. ودراسات حرة فى فن الجرافيك بالفنون الجميلة بالقاهرة.. كل هذا من أجل الحب والشغف بعالم النسجيات من شلالات الخيوط وفضاءات التصوير.. بامتزاج الخيال وخبرات الفن بالعلم.. فى عالم ذاخر بالمجسم والمسطح من العرائس والسطوح المفعمة بطرواة الملامس والنقوش وصور الحياة التى يتفاعل فيها البشر.. مع عناصر من الطبيعة والتراث.
- هى والفن والحياة
- حامد سعيد `1908-2006` معلم مفكر وفنان.. متأمل فى صور الطبيعة من النبت فى الاصيص إلى الأشجار الباسقة والنخيل.. صوفى عاشق للتراث المصرى.. يضىء بتاملاته على جدران المعابد واتساع المثالية بالكنائس وابتهالات الحروف على جدران المساجد.. مؤكدًا على وحدة الشخصية والحضارة المصرية وتواصلها من فجر التاريخ.. كان عالما مشغولا بالنظام الطبيعى للكون من الورقة الخضراء.. إلى المحار فى أعماق البحار وذرات الرمال وتنفس الصباح.. وتشكيلات السحاب والمجرات والنجوم .
- من هذه الافكار ظهرت جماعة `الفن والحياة`.. كونها من تلاميذه عام 1946.. واتسعت أفاقها مثلما اتسعت قاعدة أعضائها من الفنانين من مختلف الاجيال.. أثمرت دعوته فى تأمل الطبيعة والتراث المصرى.. والدعوة إلى التواصل مع العصر أنطلاقًا من عالمية الوعى وعلمية المنهج.. كان مقرها على النيل بالمقياس جنوب جزيرة الروضة.. وأنتقلت إلى واحة خضراء بكفر الشرفا ببيت حامد سعيد.. الذى بناه له صديقه حسن فتحى عام 1942 قبل القرنة التى صممها عام 1946.. كانت دعوته تتجدد فى الأربعاء الثالث من كل شهر وسط تلاميذه حتى رحيله عام 2006.. يتردد عليه معهم الكبار فى الفكر والفن مثل بيكار ونعمات فؤاد ويوسف فرنسيس واساتذة فى الفنون.
- كانت ثناء عز الدين تلميذة فى مدرسة الفن والحياة.. مديرة لمركزها من 1980 وحتى عام 1995.. وظلت عاكفة على فكره.. وهى التى تقول: `هنا فى بيت حامد سعيد نطل على متحفه.. الذى تلتقى فيه الحضارة المصرية عبر العصور من المصرى القديم.. وحتى العصر الحديث نتأمل آيات الإبداع الانسانى.. مثلما نتأمل الطبيعة فى تشابك التعاريش والاشجار والنخيل والطيور التى تحلق فى بيئة طبيعية.. كل هذا يجسد دعوته التى نتمثلها دائما`.
- وعالمها
- تالقت أعمال الفنانة ثناء موصولة بهذا التراكم الحضارى فى عصوره المختلفة.. امتدت بغزارة وتنوع وثراء.. من اللوحات النسجية ولوحات التصوير التى تنتمى لفن الجرافيك من الحفر بوسيط `اللينو` و`السلك سكرين` أو الشاشة الحريرية.. والعرائس وتصميم الازياء.. وهى تقدم بلمستها إيقاعًا جديدًا بروح التراث فى توليفات من النقوش والزخارف مع التشخيص.. خاصة تلك الوجوه من أعماق التاريخ.. كما فى وجه `الملكة` بنظرة جانبية وإيقاع جديد يحتشد بعناصر من النجوم التى ترصع الوجه والخطوط المنسابة فى الخلفية.. ووجوه الفيوم بالعيون الشاخصة المفعمة بالتعبير الدرامى.. وروح الفن القبطى فى الملاك المجنح بهيئة فتاة سابحة فى الفراغ مع النجوم والكائنات الخيالية.. كما اضافت لاعمالها إيقاعا جديد من التجريد كما فى لوحتها `ملامس` الحافلة بالنقوش والهندسيات ولوحة `ارابيسك` بوحى واستلهام من الفن الإسلامى فى ثنائية لونية من منتصف اللوحة بشكل راسى من الألوان الهادئة الهامسة بين الأبيض والأزرق والبنى من أسفل والتشكيل الزخرفى المجسم فى لون نحاسى من أعلى.. وإذا كان هناك اتجاه من الحروفية الغير مقروءة يعنى بالحرف من حيث أنه ايقاع تشكيلى وبصرى خالص.. بما يسمى بالحروفية التشكيلية التى لا تعمد إلى الاهتمام بمعنى الحرف.. بقدر ما هو قيمة تعبيرية وطاقة روحية بما يملك من إمكانية التشكيل والتطويع.. يسمو ويبتهل ويتضرع ويرق ويحنو وينتقل من حالة صوفية بصرية إلى أخرى.. فى اشكال وخطوط والوان وملامس وايقاع.... معظمها فى تشكيل غنائى هامسا بحروف من لغة اشارية.. جاءت اعمالها هنا فى تمازج وانسجام من الحروف والتشابكات الزخرفية.. والنقوش والهندسيات فى وحدة واحدة بحيوية لا تهدا.. بين الألوان والأبيض والأسود.
- فى معرضها الذى أقيم عام 2012 بقاعة الباب بعنوان `الحركة والسكون` إضافت إلى أعمالها إيقاعًا جديدا من خلال الرقصات الإيقاعية من السحر الصوفى كالتنورة والمولوية.. بسحر الحضارات بلمستها التعبيرية الحديثة ودفء الألوان وتنوع الإيقاع.. تستحضر روح التراث من الشعبى إلى مختلف الطرز والانماط والصور.. وفى لوحة `المحبة والسلام` تصور خمسة راقصين من المولوية بملابس بيضاء وطرابيش حمراء وملاكين بجناحين محلقين فى الأفق.. بامتزاج وعناق الفن الإسلامى والقبطى.... وفى إيقاع من طرب الجسد مزجت الكلمات التى تخللت المساحات لابيات ابن عربى الشهيرة فى الحب الانسانى: `لقد صار قلبى قابلا كل صورة.. فمرعى لغزلان ودير لرهبان.. وبيت لاوثان وكعبة طائف.. وألواح توراة ومصحف قران.. أدين بدين الحب إنى توجهت.. ركائبه فالحب دينى وايمانى`.
- مجسمات نسجية
- اتسعت تجربة الفنانة ثناء عز الدين فقدمت عرائسا من القماش تميزت بمصريتها وروح الطفولة بمثابة ايقونات شعبية.. حتى كان لها معرضا باسم `العروسة` ضم اعمالها فى هذا الاتجاه.. عرائس مجسمة معلقة سابحة فى الفراغ.. حافلة بالنقوش.. وأخرى فى فضاءات مسطحة.. غارقة فى الدهشة والتداعيات الزخرفية.
- ومن هنا شاركت فى مهرجان الزفاف الدولى بهيوستن بامريكا.. الذى شهد الاحتفال الدولى للعروسة المصرية والعادات الخاصة بالزواج وتقاليدها وسط مشاركة أغلب دول العالم.. كما شاركت بمؤتمر بمتحف فن العرائس بواشنطن.. ببحث عن فن العرائس والرقص الايقاعى الشعبى كملمح من ملامح التراث المصرى.
- منذ فترة احتجبت الفنانة ثناء عز الدين لظروفها المرضية وكان معرضها الاخير عام 2018 بقاعة الباب.. فى أعمال حول الوجه الانثوى احتفى بحواء بوجوهها المتعددة.. فى التعبير والتشكيل وكانها تودع من احبتهم واحبوها.. إمتدادا لما قدمت من قبل فى ايقاع أخر معرض `وجوه ووجوه` باخناتون عام 2000.. كل وجه مساحة مفعمة بالمشاعر من التاريخ إلى العصر الحديث.. مع تلك الحروف والنقوش والتداعيات الزخرفية.. جاءت إضافة لعالمها المسكون بسحر الحضارات.
- هكذا كانت رحلة الفنانة ثناء عز الدين استاذ التصميم بالمعهد العالى للفنون التطبيقية بالسادس من اكتوبر.. مع معارضها وابحاثها العديدة بمصر والخارج.. سلام عليها وتحية إلى روحها.. بعمق ما قدمت من أعمال محلقة بين افاق التراث والحداثة.
بقلم :صلاح بيصار
جريدة: القاهرة 19-8-2025
|