الإنعكاسات الذاتية فى وجوه - محمود حمدى ( معرض مُشوش)
- القدرة على التعبير عن الذات من خلال الفنون التشكيلية هي هبة قيمة تسمح للفنان بالتواصل مع العالم بطريقة فريدة ومميزة، وهي وسيلة خاصة لتوصيل الرسائل الشخصية والتي يمكن للفنان من خلالها إبداع أعمالًا فنية تكون مرآة لروحه وهويته وأفكاره وتعكس رحلته الذاتية وتجاربه وتحولاته في الحياة، والفن بالنسبة للكثير من للفنانين بمثابة منصة للتعبير عن العواطف والمشاعر المعقدة التي قد يكون من الصعب التعبير عنها بالكلمات فقاموا بأستخدام الفن كلغة تتجاوز حدود الكلمات تسمح لهم بالتحرر من الضغوط النفسية والعاطفية والتكيّف مع تلك العاصفة الداخلية التي تحدث بداخلهم من تغييرات في التفكير والأحاسيس والمشاعر، وذلك من خلال التفاعل مع الخامات الفنية التي يستخدمها الفنان كقالب تنفيذي آمن يختلف عن القوالب الأخرى للمشاعر يختلف عن التعبير اللفظي أو الحركي، ومن الفنانين المصريين الذين إستخدموا هذا القالب للتعبير المستتر عن مشاعرهم هو الفنان التشكيلي (محمود حمدي) حيث يُمكن من خلال تجربته الإبداعية التعرف علي منظوره الإبداعي الخاص به وكيفية تلقّيه للكون والعالم والحياة من حوله، فبالنظر لتجاربه الفنية في معارضه السابقة نلاحظ أنه إستغل تحليل الأشكال العضوية وخلايا النبات في إستحداث أعمال تصويرية معاصرة وبناء عالمه الفنى الخاص، متخذاً من الطبيعة مصدراً لألهام أعماله، ومستخدماً فن الرسم والكولاج والنحت والتركيب في الفراغ في إبداع أفكاره، ونجد معظم أعماله عبارة عن مجموعة من النقاط والخطوط مبنية على بعضها البعض لتكون في النهاية أشبه بنسيج مترابط ومعقد له تصميم ونمط وإيقاع بصري متوازن، مع الإهتمام بالألوان الزاهية والمتكررة والمزخرفة، كما تستند أعماله على الفن المفاهيمي معظم الوقت، وفي معرضه الحالي تحت عنوان مُشوش) - والمقام في بقاعة أكسس جاليري بالقاهرة - قدم تجربة فريدة حيث قام فيها بإستخدام الفن كوسيلة لمعرفة ذاته وتحولاتها المختلفة، فمن خلال لوحاته التي يعرضها قام بالتعبير عن مشاعره الشخصية من خلال رسمه لوجوه بشرية متعددة في حالات وتركيبات مختلفة قام بتفكيك ملامحها وإعادة تركيبها كل مرة في اللوحات تبعاً لحالته النفسية التي يمر بها، وقد وصف الفنان تلك الوجوه بأنها هي وجهه وحالاته النفسية الشخصية والتي قام بتحليلها لخطوط دقيقة وألوان كثيرة متراكبة في هيئة بنائية تشبه الخلية في النهاية، ولكن ورغم تعقيد خطوطها لكن يمكن إستشفاف مشاعره من حزن، حيرة، هيام، لا مبالاة، جاعلاً فى النهاية غايته هو الممارسة الفنية والبحث والتجريب وليس النتيجة، فهو يمارس العملية الإبداعية دون أن يضع خطة لنهاية العمل ونتيجته فهو فقط يبدع دون تصور لصورة العمل النهائية، بل وأحياناً يستمر في العمل ليصل لحالة أكثر تعقيداً من الجزء الذى كان بذهنه لتصبح بالنهاية أعمال يمكن وصفها بأنها أعمال ذات خيال خصب، حرة، مجردة، وموضوعيّة، عفويّة، وواعيّة في أنٍ واحد، ويتجلى الإبتکار الفني الذي تتميز به أعمال الفنان محمود حمدي في أنقي صورها وأسمي مظاهرها الحسية عن طريق إطلاق عنان الخيال لديه وإختيار الأسلوب الأمثل للتعبير عن مشاعره وأحاسيسه وتأملاته، فتخرج أعماله الفنية محملة بسمات وخصائص غرائبية في الأشکال والهيئات وأيضا المضامين، کما تبعث علي الدهشة من تلك القدرة التي إستطاع بها أن ينقب ويکشف بخياله عن عوالم کثيرة من الرمزية المستترة، وألف بين الغامض والمکشوف والواقعى وغير الواقعى، فإنطلقت تعبيراته بعيدة عن الواقع ومحملة بالغرابة والإدهاش العجيب وغير العادي وأيضا بالرموز لسبر أغوار اللاوعي عنده، والجدير بالذكر أن الفنان محمود حمدي من مواليد الجيزة 1980، تخرج من كلية التربية الفنية عام 2002، أقام العديد من المعارض الفردية وشارك بالعديد من المعارض محلياً ودولياً، والفنان حاصل على جائزة صالون الشباب عام 2009، وقام بالعمل كقومسيير لتنظيم صالون الشباب 2024.
بقلم : د./ منى غريب
جريدة: القاهرة 28-6-2024