حول رؤية الفنان - السيرة الذاتية - قطاع الفنون التشكيلية

- معرض (حدوتة مصرية) للفنان (جمال المخيمر) الذي أقيم في المركز الثقافي (كرمة بن هانىء) داخل بيت متحف أحمد شوقي.
- لاشك أن الفن بالنسبة للفنان جمال مخيمر موقف وحالة تجاه الحياة، اختارها من فكر راسخ وثابت لديه، قضية شغلته منذ أن تخرج من كلية الفنون الجميلة قسم تصوير عام 1987، لم يسلك سواها، ولم اقل انه فنان واقعي فقط، فالواقع ممتلئ بالكثير من الأشخاص والأمكنة والأشياء، ولكنه اختار طبقة المهمشين والكادحة بعينها وانحاز لها بقوة بأن يعبر عنها أينما كانت، اقترب منها وعايشها.. هم منه وهو منهم، ويعلم كيف يعانون في شق طريقهم للحياة في هذا الوطن الذي ضنك بهم وركنهم على الهامش.
- إلا أن مخيمر قرر ان يشغلوا البطولة في أعماله الفنية، دراما إنسانية يحكي تفاصيلها جمال مخيمر من خلال لغة جسدهم وتفاصيلهم ووضوح ملامحهم، عبر عن تفاعل كتل مجسماته وألوان ملابسهم وظلالها، حتى نسجت دراما إنسانية معتمدة على لقطة المشهد، التي اختارها جمال مخيمر باتقان، بزاوية علوية ربانية تحنو عليهم، تطمئنهم أنهم في رعايته وحفظه.
- لقد كتبت في السابق مقال وضحت فيه وجهة نظر تشير إلى أن الروح تسكن في كل ما يوجد في الواقع الحياتي حولنا.. داخل الإنسان والحيوان والنبات والجماد ايضا.
- قرأها جمال مخيمر وسعى بأن يؤكدها لنا من خلال لوحاته باقتدار واصرار، فسعى لما يسمى ب (شخصنة الأشياء).
- فصور لنا لوحات تحتوي على مجسمات جماد، وبعد تأملها نلاحظ أن جمال مخيمر عبر عنها بشكل يقر أن لها تجارب وماضي وحاضر ومستقبل، صور روحها، فرأينا من تعاني ويتألم منها، ومن يحكي خبراته ومعاناته للآخرين، ومن اعتنى بها.. ومن أهملها، ومن تخلص منها بعد أن استفاد منها وانتهت مصلحته منها فاصبحت من تعداد المهملات، فنقش مخيمر ملامح تشققات وانعواج معاناتها وتعبها، اضاف لها احساس زمني درامي يعبر عن عما مرت به، وصور رومانسية انكسارات وانحناءات الأقمشة، مزقتها قسوة الحياة وهرولت وانكمشت، وذهبت منها رقة أنوثتها ، وحرص جمال مخيمر أن يخلق شعور بحوار صامت بينها وبينك، تروي لك قصتها من خلال حوار الخطوط والأحجام والمساحات والألوان.
- تشعر ان جمال مخيمر حرص على أن يبرز لنا مدى غدر الزمان الذي نعيشه، وقسوة الإنسان من خلال معانات هذا الجماد بيننا.
- فلم يكتفي بالإنسان المصري الكادح بل بمخلفاته التي تشبه، مهملة ومهمشة مثله.
قسوة زمان لا يرحم احد.. إنسان وجماد على سواء.
- وفي بعض لوحاته الأخرى كانت هذه المجسمات توحي لنا برموز معاني حياتية لتكون صورة درامية متكاملة، فمثلا اختزل الزمن في العجلة، والجنزير من قسوة الحياة، وكسرات وانسيابية القماش من نعومة الانوثة، والسلم تعبيرا عن حلم الصعود والطموح والترقي.
- مشهد متكامل صورها لنا جمال مخيمر مفردات حياتية باقتدار، داخل تكوينات فنية ليست مجانية، مختارة بعناية لخلق حالة درامية تنفي ما كنا نظنه بانها سكون الطبيعة الصامتة، أصر جمال مخيمر ان يخبرنا بهذه الخرافة، لا يوجد ما يسمى (طبيعة صامتة) كما كانوا ومازالوا يلقونها في مدرجات تعليم الفنون.
- ولم يسهوا بالتعبير عن ثورة وغضب أهلنا عن شهداء الوطن الأبرياء، خذلهم الجميع واعلنوا الحرب عليهم.. ففقدوا كل شئ.. منازلهم وأقاربهم.. الماضي والحاضر والمستقبل.. قرر الشيطان الأكبر الكاوبوي بمحو هم من سطح الأرض.. والإبادة ليست غريبة عليهم.. فعلوها من قبل مع سكان أرضهم الأصليين.
- أعتقد ان هذا المعرض كان بمثابة صرخة في وجه الظلم والاحتقار من الداخل والخارج.. طمسوا كل معاني الإنسانية والجمال أمام أعيننا جميعاً.
- المعرض ممتلئ بالأعمال التي تقر بحقيقة في الحركة التشكيلية في المنطقة والعالم (الواقعية مازالت تنبض رغم أنف الحداثة) لأنها تقوم بدور مهم في توثيق الواقع في مرحلة زمنية محددة.
- إلا أننا لم نرى لوحة واحدة بها اعادة تشريح ماه و مرئي من وجهة نظر الفنان، او لوحة واحدة بها زهور تطمئننا.
- تحياتي وتقديري للفنان المهموم و المسؤول والمنتمي جمال مخيمر.