`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
كوكب يوسف العسال عبد العال
كوكب العسال .. مائة عام من الرسم بالماء
- من حق الوسط الثقافى كله أن يحتفل بفنانة استثنائية ، ليس لأنها بعد شهور قليلة سوف تبلغ قرنا من الزمان ، وأتمت مائة عام من العطاء ، والإبداع ، لكن أيضا لأنها تجاوزت مفاهيم سائدة ، فى زمن اليشمك والتقاليد المحافظة مع بدايات القرن العشرين ، لترسم بالألوان المائية العنيدة مفتونة بجمال جسد المرأة ، بل تشد الرحال الى أوروبا للدارسة ، وتتتلمذ على يد الفنان الشهير أوسكار كوكوشكا .
- و` كوكب يوسف العسال ` التى عايشت أحداث ومواقف وحروب وتقلبات القرن العشرين ، أحد أفراد الرعيل الأول النسائى ، من فريق لم يسع إلى النجومية أو الشهرة أو الثراء من فنها ، رغم أنها جمعت بين الإبداع الفنى فى أبهى صوره ، والعمل الأكاديمى حيث تعد أحد رواد تعليم المرأة المصرية للفنون الجميلة وإعدادها كمعلمات فى مجال التربية الفنية ، بل تقف وراء تكوين جيل من الخريجات بعضهن فى مناصب قيادية ومنهن د. سرية صدقى ، سوسن عامر ، فاطمة العرارجى
د. مريم عبد العليم ، جاذبية سرى د. منى العجمى .. وغيرهن .
- كما تتميز لوحاتها بصياغة شعرية للمنظر الطبيعى ، وجسد المرأة بنفس الشفافية وكأنها تمزج بين القيم الجمالية للطبيعة وجمال تضاريس قوام النساء .
- وعلى الرغم من مئات لوحات ` كوكب العسال ` التى رأيتها تحتل جدران أروقة بيتها فى الزمالك ، وأيضا التى يحتفظ بها المتحف المصرى للفن الحديث .. إلا أنها تقول فى تواضع : ` أنا معلمة للفن أكثر من فنانة ` وإن كانت تنفرد بغزارة إنتاجها فى مجال الألوان المائية ، وتتميز بقدرة هائلة على تناول الجسد البشرى الأنثوى ، حيث تنتزع لحظات نادرة لحركة الجسد فتخلدها عبر قيم جمالية غير مسبوقة وأيضا بالألوان المائية العنيدة !
- من رحم مجتمع قاهرى جاءت ` كوكب العسال ` حيث ولدت بعد عام واحد من افتتاح مدرسة الفنون الجميلة ، والتى كان قد اسسها الأمير ` يوسف كمال ` فى درب الجماميز وشاركت فى وقت مبكر جدا فى أحداث ثورة 1919 ، حيث كانت تدرس فى واحدة من أعرق المدارس مدرسة السنية ، وحصلت فيها على دبلوم المعلمات فى العام 1929 تلك المدرسة التى شهدت شرارة وإشتعال أحداث ثورة 1919 ، عندما خرجت المدرسات والطالبات فى المظاهرات لأول مرة مطالبان بالاستقلال والعدالة والدستور وفى واحدة من الخطوات الريادية أوفدت إلى انجلترا فى نفس عام تخرجها لتحصل على أعلى مؤهل فى الرسم عام 1933 ثم تدرك حاجتها إلى صقل موهبتها فتتجه إلى دراسة التصوير ( الرسم الملون ) .
- خلال تواجد كوكب فى أوروبا لم تدع مكانا فيها إلا وسجلته بألوانها المائية الشفافة الرقيقة العنيدة العصية التى تحتاج إلى مهارة فى التناول نظرا لكونها تحتاج إلى صياغة مباشرة من أول لمسة دونما حذف أو إضافة على عكس الألوان الأخرى لذلك تقول كوكب عن تجربتها مع اللوان المائية : ` وجدت فيها وسيطا تعبيريا يلائم رؤيتى الفنية وهو الأمر الذى جعلنى أرتبط بها خلال خمسين عاما هذه الخامة تستجيب بطريقة مباشرة تلقائية لانطباعات الفنان إنها ألوان شفافة ذات بريق أخاذ يكسبها صفات مميزة تحتاج إلى قدارت فائقة ومميزات تكنيكية خاصة تجعل كثيرا من الفنانين يحجمون عن التعرض لها والتعامل معها ، لذا قل الفنانون الذين يصورون بها .
- بمجرد عودة كوكب من بعثتها اللندنية عينت معلمة رسم بمدرسة السنية ، ذلك المجال الذى أحبته وأعطت فيه ، حيث ساهمت بعد ذلك فى وضع الأسس الفنية الأكاديمية عند أنشاء المعهد العالى للمعلمات ، وقامت بالتدريس فيه منذ إنشائه عام 1929 ، وتدرجت فى الوظائف حتى الأستاذية ورئاسة قسم التصوير .
- جاءت بداية الفنانة كوكب الفنية بدراسة الطبيعة الصامتة ، متأثرة فى ذلك بفنانى المدرسة الإنجليزية فى تلك الفترة ، فقد أخلصت للقواعد الأكاديمية لفن الرسم وقواعد الظل والنور ، والمنظور فى تناول واع بتقنيات الخامة المستخدمة سواء كانت ألوانا مائية أو زيتية ، لكن سرعان ما اتجهت إلى ( فن البورترية ) فن رسم الوجهة الإنسانى متأثرة معتمدة على ثقافتها الفنية وتأثرها بفنانى عصر النهضة الأوروبية حيث حفلت البورتريهات بالقيم اللونية الحارة ، مستفيدة من تقنيات استخدام اللون المغاير باعتباره ضوءا بدلا من استخدام التأثيرات الضوئية ويعد هذا التحول هو بداية تجاوزها للقواعد الأكاديمية .
- اتكأت ` كوكب يوسف ` على ثقافة فنية موسوعية ، خاصة تعلقها بالفنون الرفيعة كفن البالية ، والموسيقى الأوركسترالية ، كم لم تكتف بدراستها المبكرة فى مدرسة Hornsey art School بالعاصمة البريطانية لندن فقد حصلت على دبلوم أستاذية الفن من الجمعية الملكية ، ثم التحقت بعد ذلك بأكاديمية الفنون الجميلة بسالزبرج من عام 1957 وحتى عام 1962 ، وهى الفترة التى تتلمذت فيها على يد الفنان الشهير ` أوسكار كوكوشكا ` .
- توفر الفنانة عبر مسيرتها الجمع بين التحصيل الأكاديمى والثقافة بمفهومها الواسع ، فعرفت معنى الالتزام فى تناولها واختياراتها الفنية ، فاتجهت إلى المنظر الطبيعى تسجل فحوي الأماكن التى عاشت فيها وزارتها وكأنها تريد إطلاع الجميع على الأماكن التى أحبتها ، خاصة أنها تحفظ لتلك الأماكن حيوتها وشاعريتها وأيضا تفاصيلها وضوءها وإيقاعها ، من خلال فرشاة ألوان مائية رقيقة ومؤثرة ، تتجاوز التسجيل الفوتوغرافى الواقعى للمكان ، إلى آفاق التعبير عن روح المكان والأشياء والموجودات والناس .
- وعلى الرغم من أن تجربة ` كوكب العسال ` ترجع إلى بداية الثلاثينات من القرن العشرين إلا أن أول معرض شخصى لها جاء فى عام 1972 فى مركز الدبلوماسيين الأجانب بالزمالك ، ثم المعرض الأستعادى الذى احتضنه مجمع الفنون بالزمالك وقدمها أحمد فؤاد سليم للجمهور بشكل يليق بمكانتها فى الحياة الفنية خاصة أن الفنانة من ذلك الطراز الذى لا يسعى للأضواء .
- لذلك يقول عنها ` بدر الدين أبو غازى ` باعتباره أحد نقاد الفن العظام : تقدم لنا الفنانة ` كوكب العسال ` مجموعة من اللوحات بالألوان المائية من فيض صدقها الخاص بها للفن أرسلتها على سجيتها لتصور ملامح من رحلتها فى مصر والخارج بأداة تتفق ورهافة حسها وهيامها بالجمال ، ولقد كانت الألوان المائية من أدوات التعبير الفنى الرهيفة مارسها عديد من أساتذة الفن فى مصر لكنها بدأت تتراجع بين تيارات التعبير الفنى الجديد والتعبير عن رؤاها ومشاعرها .
- ارتبطت كوكب العسال بالفنون الرفيعة ، وشهدت ميلاد عزف سيمفونيات موسيقية عريقة فى أشهر أوبرات أوروبا ، أو الأوبرا في سالسبورج ، ( الكوفنت جاردن ) ، وأيضا حرصت على حضور حفلات الاوركسترا السيمفونى بدار الأوبرا القديمة ، وصالات الكونسير التى كانت منتشرة آنذاك فى الستينات ، واتسعـت ثقافتها من خـلال الاحتكاك وارتياد المتـاحف العالمية ، كمتحـف
( التيت ) فى لندن ، أو ( اللوفر ) بباريس ، وغير ها من مواقع الفن والثقافة الشهيرة .
- ويبقي أن ` كوكب العسال ` تعد أحد البارعين فى استخدام الألوان المائية وكذلك الزيتية وأيضا الباستيل سواء رسمت صورا شخصية أو طبيعية ، أو مناظر طبيعية ، حيث يعتبر الفن رسالة حياتها منذ أن أقلعت عن التدريس فى أواخر السبعينات ، لتكرس كل وقتها للرسم وزيارة المعارض ، وأن اكتفت الآن بالتأمل ومتابعة مقالات الكتاب فى الصحف اليومية ، فقد تركتها وقد ارتسم على وجهها ابتسامة ، بعد نقاش حول وجهة نظر أحد كتاب الأعمدة الصحفية ، دون أن تستعين بنظارة طبية فى القراءة ، تركتها ولدى أسئلة كثيرة ، منها : هل عمر الفنانين التشكيلين هو الاطول بين الفنانين ؟! هذا السؤال أحد تداعيات كثيرة ، ربما يكون ذلك مع الرعيل الأول ، بينما الأجيال الجديدة سيقصدها الموت ، بعد أن اختطف الموت أسماء عديدة فى ربيع العمر ، منهم : عبد الهادى الجزار ، سعيد العدوى ، نحميا سعد ، رؤوف رأفت ، مازن عباس ، سامح الميرغنى ، محمد بكرى ، مدحت الكريونى ، فهل تنتبه المؤسسات الثقافية والفنية لمناسبة ، بلوغ فنانة قرنا من الزمان ؟ أتمنى .
بقلم : سيد هويدى
القاهرة -2009
كوكب العسال ..رائدة التصوير المائى
متحف الفن الحديث به كنوز فنية من أعمال الفنانين الرواد من هؤلاء الفنانة القديرة كوكب العسال التى لم يعرفها كثيرون من الجيل الجديد طوال خمسين عاما من عمرها، ظلت الفنانة الرائدة كوكب يوسف العسال ( من مواليد 1909 ) تعمل بالألوان المائية وتعتبرها وسيطا تعبيريا يلائم بطريقة تلقائية مباشرة لإنطباعاتها فهى` ألوان ذات بريق أخاذ يكسبها صفات مميزة تحتاج إلى قدرات فائقة ومميزات تكنيكية خاصة معقدة تجعل كثير من الفنانين يحجمون عن التعرض لها والتعامل معها لهذا قال الفنانون الذين يصورون بها، وقد استطاعت كوكب العسال ببراعتها فى فن التصوير المائى أن تحتل موقع الطليعة فى جيلها كما أنها كانت واحدة من الفنانات الثلاث الكبيرات اللاتى كان لهن الفضل فى إرساء دور المرأة مبكرا فى الفن وفى الثقافة وكانت الفنانتان الآخريان هما زينب عبده وعفت ناجى فقد كان لهن بصماتهن التى طبعنها وتأثيرهن فى جيلهن وفى تلاميذهن.
لقد كانت كوكب يوسف العسال كما وصفها الناقد الفنان الراحل أحمد فؤاد سليم متصوفة عميقة المشاعر تبدو لوحاتها - على رهافتها- شديدة الضوء محكمة البناء، ممسوحة بذلك الفضاء الضبابى الذى يذكرنا برطوبة لوحات جوزيف تيرنر، واقتحامات ماتيس فى اللون الشرقى ، وفى الخط المتوتر بينما هى محدثة جسورة تعرف تلك القيمة الطقسية الفاصلة بين الدماغ وسطح الورقة المعدة للرسم مثلما تدرك المسافة اللمسية بين الأصابع` الخمسة ` وبين فرشات اللون إنما نحن ندرك حين نتأمل أعمالها أننا أمام لحظات المتعة واللذة التى صاحبت التقاء اللون فوق الورقة المسامية ذلك اللقاء المرهف الذى يجعلنا نستشف فى وحدة الإثنين- المرسومة والقوام المائى-علة للجمال وسببا للتجلى .
وقد ولدت الفنانة الرائدة كوكب يوسف العسال فى القاهرة عام 1909، حصلت على دبلوم هيئة التعليم البريطانى فى مجال التصوير عام 1934 كما حصلت على شهادة أستاذية الفن عام 1933 من الجمعية الملكية بلندن وساهمت فى وضع الأسس الفنية عند انشاء المعهد العالى للمعلمات عام 1939 وقامت بالتدريس فيه منذ إنشائه كما تم تعيينها فى المدرسة السنية عام 1934، وعملت مدرسة للتصوير بالمعهد العالى للفنون الجميلة للمعلمات عام 1939، تدرجت حتى درجة الأستاذية ورئاسة قسم التصوير وكانت لها مشاركات فى العديد من المعارض الجماعية الداخلية والخارجية منذ عام 1940 أقامت معرضا شاملا لأعمالها عام 1972 .
ومن الجوائز التى حصلت عليها جائزة التصوير بمعرض محبى الفنون الجميلة عام 1958 .
مارست التصوير المائى تحت إشراف الأستاذ العالمى أوسكار كوكشكا فى سالزبورج صيف 1957 - 1962 .
وعن طريق مشاركتها فى إلقاء المحاضرات الفنية بعدد من الأندية وفى الإذاعة ساهمت فى نشر التذوق الفنى ،كما شاركت فى مؤتمرات فنية فى انجلترا وفرنسا وألمانيا وسويسرا والنمسا وهولندا وبلجيكا والدنمارك والنرويج وإيطاليا وغيرها من بلدان العالم .
لها مقتنيات فى متحف الفن المصرى الحديث ومجموعات خاصة بمصر والخارج وتعتبر من رائدات تعليم الفنون الجميلة للمرأة المصرية وإعدادها كمعلمات للتربية الفنية فكونت جيلا من الخريجات ومن أشهرهن الفنانات جاذبية سرى ومنى العجمى وسرية صدقى وسوسن عامر وفاطمة عرارجى ونازج حمدى ونوال حافظ .
نجوى العشرى
القاهرة 2013

- عرفت كوكب العسال منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً ، التقيت بفنها الرفيع الرائق من الألوان المائية منذ زمن أبعد - ووجدتها متصوفة عميقة المشاعر ، تبدو لوحاتها على رهافتها شديدة الضوء / محكمة البناء ، ممسوحة بذلك الفضاء الضبابى الذى يذكرنا برطوبة لوحات تيرنر ( جوزيف ترنر ) ، واقتحامات ` ماتيس ` فى اللون الشرقى ، وفى الخط المتوتر ، بينما هى محدثة ، جسورة ، تعرف تلك القيمة الطقسية الفاصلة بين الدماغ وسطح الورقة المعدة للرسم ، مثلما تدرك المسافة اللمسية بين الأصابع الخمسة ، وبين فرشات اللون . إنما نحن ندرك حين نتأمل أعمالها أننا أمام لحظات المتعة واللذة التى صاحبت إلتقاء اللون فوق الورق المسامية ،ذلك اللقاء الرهيف الذى يجعلنا نستشف فى وحدة الإثنين - الورقة المرسومة ، والقوام المائى - عله للجمال ، وسبباً للتجلى . التقيت كوكب العسال أول ما التقيت فى حفلات الأوركسترا السيمفونى بدار الأوبرا القديمة ، ثم فى صالات الكونسير التى كانت منتشرة آنذاك فى الستينات ، وحين كنت أتصفح بعضاً من كتبها التى تحفل بها مكتبتها ، أجد علامات للوقوف ، والتعجب ، وسطوراً من التعقيب والشرح بخط يدها على الهوامش الخالية ، وفى بعض من تلك الكتب كنت أعثر على ما تبقى من تذاكر الدخول لمتحف ` التيت ` فى لندن ، أو` اللوفر ` بباريس ، أو الأوبرا فى سالسبورج ، و ` الكوفنت جاردن ` فى لندن وغيرها من مواقع الفن والثقافة الشهيرة . إذ ذاك ازدادت علاقتى بها توثيقاً ، فإنى آمنت طوال العمر بأن الفنان لا يكون ` دون ثقافة ` ، وبأن الإبداع لا يكشف عن خباياه المهمة دون ` المعرفة ` - هاتان - اللازمتان اللتان هما فضاء الفنان وأفقه . إنما التفتيش عن فخوى الزخائر فى مخازن عدد من الفنانين ، من بين أولئك العظام الذين اشتد عليهم الزمن ، وضن بالإعلان عنهم ، صار واجباً وطنياً ، ضرورة لجمع أعضائنا وذكرياتنا التى صنعت الحاضر ، والمستقبل .تحية لضيفة الشرف فى أعوامها التسعة والتسعين ، متمنياً لها الصحة والعافية .
بقلم : أحمد فؤاد سليم

عن الجيل المهضوم فى الحركة الفنية كوكب العسال .. أم الفنانات
- كان قدر الجيل الثانى من الفنانين المصريين خلال الثلاثينيات من القرن الماضى ، أن يعيش مغمورا متواريا فى الظلال التى تعكسها الأضواء الباهرة لفرسان جيل الرواد ، وتحديدا جيل الدفعة الأولى لمدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة ، سواء ممن أفرزتهم المدرسة ( يوسف كامل ومحمود مختار وراغب عياد ومحمد حسن وأحمد صبرى ) أو ممن لمعت مواهبهم العارمة خارج أسوارها ( محمود سعيد ومحمد ناجى ) كما كان قدرة أن تدهسه عجلة الحداثة التى قادتها طليعه الجيل الثالث أوائل الأربعينيات ، جيل التمرد الثورة الذى هب كالعاصفة يقتلع كل الأشجار التى نمت فى جو الركود السياسى وشحوب أنوار ثورة 1919 ، مع ترهل الحركة الوطنية وانطفاء مشروع النهضة ، هذا الجيل الذى توهج بميلاد الائتلافات الشبابية لفنانيه فى جماعات فنية متلاحقة : ` الفن والحرية ` و ` الفن الحديث ` و` الفن المعاصر` ، معلنين موت الأب ، ممثلا فى هيمنة النظام الطبقى الإقطاعى / الرأسمالى بفنونه الأكاديمية وذوقه المتعجرف ، مطلقين العنان للانفتاح على مدارس وتيارات الفن الحديث فى أوربا ، وللاندماج فى حركاتها الثورية وعلى رأسها السريالية ، أو منغمسين فى النشاط السياسى للخروج بالمجتمع من تخلف العصور الوسطى، وداعين إلى تثويرة أو إلى الغوص فى أعماقه الخرافية والأسطورية واستلهامها برؤى تتماهى مع السريالية ، يقود هذه الجماعات مبدعون مقاتلون فى سبيل ما يؤمنون به من أمثال : رمسيس يونان ، فؤاد كامل ، التلمسانى ، حامد ندا ، عبد الهادى الجزار ، سمير رافع ، أنجى أفلاطون ، حامد عويس ، جمال السجينى وغيرهم.
- بين أضواء الجيل الأول وصخب الجيل الثالث سقطت سهوا - أو عمدا - من دراسات النقاد والباحثين باستثناءات نادرة ، أسماء كانت جديرة بأن تكتب بحروف مضيئة ، منهم النحاتون :إبراهيم جابر وأنور عبد المولى وأحمد عثمان ومنصور فرج ، ومنهم الرسامون نحميا سعد وإبراهيم مسعودة وجابر عبد الله وشهده ، ومنهم الرسامات عفت ناجى ومرجريت نخلة وزينب عبده وزينب عبد الحميد وإيميه نمر ... وقد يكون البعض منهم قد نال قدرا - ولو ضئيلا - من الدراسة والاهتمام والشهرة ، إلا واحدة أسقطتها دراسات وفصول تاريخ الفن من ذاكرة الحركة الفنية بالرغم من أنها بحد ذاتها صانعة أجيال من الفنانات اللاتى حظين بشهرة واسعة كونها أول من أسس لأقسام ومعاهد فنية للمعلمات على أسس تربوية فى الثلاثينيات من القرن الماضى .
- إنها الفنانة كوكب العسال المولودة عام 1909 وقد أمد الله فى عمرها حتى بلغت المائة عام ، بما كان يعطى للباحثين هلات إضافية لتدارك ما سقط سهوا أو عمدا ، بروح علمية موضوعية تعطى لكل ذى حق حقه ، لكنهم لم يستفيدوا من فسحة الزمن ، حتى بعد رحيلها بثلاث سنوات ، حيث رحلت فى شهر يونيو 2009.
- كيف نفسر هذا الجحود واللامبالاة بتجاهل أعمالها وسيرتها ؟ علما بأنها تعد زمنيا الرائدة الأولى للفنانات المصريات ، حيث تخرجت من مدرسة السنية الثانوية للمعلمات عام 1929 ، أى بعد عام واحد من تحويل مدرسة الفنون الجميلة إلى مدرسة عليا ، ظلت تحرم التحاق الفتيات بها حتى الخمسينيات ، ولعلها الفنانة الأولى التى أوفدتها الدولة فى بعثة فنية بلندن عام 1930 لتحصل على مؤهل تربوى فى الفن عام ( 33 ) ( معادل للدكتوراه بمصطلح اليوم ) ثم تتخصص بنفس الأكاديمية فى فن التصوير فتحصل على دبلومة الدراسات العليا عام ( 34) ، لتعود إلى مصر وتنغمس فى تأسيس قسم للفنون التشكيلية بمدرسة المعلمات الراقية بشبرا ( 37) ثم تشارك فى تأسيس المعهد العالى لمعلمات الفنون ( 39) ثم المعهد العالى لمعلمات الفنون الجميلة ( 41) وهو ما أصبح فيما بعد كلية التربية الفنية ، وتدرجت حتى تولت رئاسة قسم التصوير بها ( 66) .
- ولنا أن نتخيل كم عدد تلميذاتها وتلاميذها من الفنانين ممن ملئوا سماء مصر بالإبداع على امتداد مسيرتها التربوية ، وكم منهم تولى أرفع المناصب فى دنيا الفنون والثقافة دون أن يعطيها أحدهم التكريم الذى تستحقه ، ولندهش حين نعرف أن أول معرض خاص لها أقيم عام (72) بإحدى قاعات وزارة الثقافة ، وجاء معرضها الثانى (99) ، والثالث بمتحف الفن الحديث (2008) أما المعرض الرابع والأخير فأقيم بقاعة صغيرة بالمتحف - قاعة أبعاد 2009 ، أغلب الظن أنه أقيم بعد وفاتها.
- أننى لا استثنى نفسى من هذا اللوم على أيه حال ، وربما لم تتح لى رؤية الجانب الأكبر من أعمالها ، ولم أصادف توثيقا كافيا لرحلتها الفنية والعلمية والإنسانية ، والكل يلهث وراء ما تفرضه الأحداث والمستجدات والحسابات ، أو يلهث وراء عجلة الحداثة ، وهذه بدورها تلهث وراء عجلة فنون الغرب والعولمة، ومع ذلك فإننى لا أبحث عن تبرير ، فكلنا شركاء - نقادا وباحثين وفنانين ، مهما كانت الأسباب ، والأجدى من ذلك اليوم هو أن نقلب فى صفحات هذه الرائدة ،أعنى صفحات مسيرتها الإبداعية ، لنكشف من خلالها مدى قوة البصمة التى تميزها ، وقيمة الإضافية التى أضافتها.
- إن كوكب العسال لم تترك مجالاً من مجالات الفن التصوير إلا مارسته ، وأعطت من خلاله رؤى وأبعادا: من فن البورترية ، إلى المنظر الخلوى ، إلى الطبيعة الصامتة ،إلى الموضوع القومى ، كما أنها استخدمت فى ذلك الخامات التقليدية لفن التصوير :الألوان المائية والألوان الزيتية ، إلى جانب العجالات الخطية أو الأحبار المائية بلون واحد، أما موضوعاتها فهى نفس موضوعات الواقع المرئى ، من وجوه البشر،إلى مشاهد الطبيعة فى مختلف البيئات من ريف ومدينة ، ومن مصر إلى أوربا ، فهى لا تسعى إلى أعمال الخيال لتأليف رؤى فوق الواقع، أو إلى التلاعب بالنسب الطبيعية لمدركات الواقع المادى أو ملامح الجسم الإنسانى ، كما أنها لا تسعى إلى استحداث صور غرائبية للكائنات الحية أو الجامدة ،أو إلى استخدام الخطوط والألوان استخداما درامياً حادا ينحو نحو الوحشية والبدائية كما فعل ماتيس وراؤول فى باريس ، بل هى حتى لم تسبح فى مدى بعيد فى نهر الإنطباعية ( التأثيرية) كما فعل بعض روادنا الأوائل مثل ناجى ويوسف كامل وأحمد صبرى ، ولم تسع إلى التجسيد الحسى لأجسام النساء بصرامة الفطرة ونبض الحواس كما فعل محمود سعيد، ناهيك عن عزوفها عن البحث عن رؤى ميتافيزيقية أو سريالية أو رمزية كما فعل الجزار وندا ، وعدم اقترابها من التراث المصرى والموتيف الشعبى كما فعل راغب عياد وسيد عبد الرسول.. إن مجالها التقنى والموضوعى إذن مجال تقليدى قد يعيدنا إلى مدرسة ` الباربيزون ` للمناظر الطبيعية بريف فرنسا، أو إلى مدرسة ` ما بعد الانطباعية ` على يد سيزان أواخر القرن 19 ، وقد نجدها واقفة بالكاد عند حواف المدرسة التعبيرية متأثرة بأسلوب أوسكار كوكوشكا، الذى درست على يدية بأكاديمية الفنون الجميلة بمدينة سالزبورج ( كما تشير فى سيرتها الذاتية ) أو عند حواف شاعرية ` اللاند سكيب ` عند الإنجليزيين كونستابل وتيرنر، وخاصة فى استعمال الألوان المائية كما درستهما بلندن.
- فأين إذن بصمتها الخاصة بين فنانات وفنانى جيلها ؟
- إن بصمتها تكمن فى شاعريتها اللونية الهامسة بواسطة الألوان المائية ، حتى بالنسبة لأساتذة كبار تخصصوا فى هذا المجال مثل حبيب جورجى وشفيق رزق وبخيت فراج، حتى تبدو المرئيات أقرب إلى الأحلام والرؤى الطيفية ..إنها بالفعل شاعرة الألوان الزرقاء والوردية والخضراء والبنفسجية والرملية.. لوحاتها غنائيات عذبة وشجية، يمكن مقارنتها فى عالم الغناء بأصوات ملأت وجداننا متعة وطربا، ليست عارمة الصوت صداحة فياضة كأم كلثوم، ولا جياشة بالانفعال متهدجة العاطفة كوردة الجزائرية ، ولا نحاسية الرنين كصدى صوت يخرج من قاع بئر عميق كأسمهان ، ولا نزقه متشاقية كصباح ، هى حينا أقرب إلى صوت نجاة وأحياناً إلى صوت فيروز، تنساب من مقطع إلى آخر ، تخفت حتى تتلاشى كنسمات خريفية ، ثم تتعالى متهادية كذكرى آتية بغموض من خلف الوديان ، لكنها لا تعرف الوقفات الفجائية الحادة فى انتقالاتها النغمية بالألوان السيالة مثل فيروز ، بل تتحول تدريجيا إلى الأعالى وكأنها تصعد على بساط من القطيفة ، تنتقل بين البيوت والأشجار والهضاب والمرتفعات مستحمة فى ضوء نورانى شفيف ، لكنها لا تهرب من تأكيد المنظور الهندسى ثلاثى الأبعاد فى مناظرها الخلوية ، ولا من تأكيد أجرام المرئيات بدرجات قاتمة من الظلال، بيد أنها ليست ظلالا سوداء، إنما هى ظلال بنفسجية مراوغة لا تفصح عن أى ساعة من النهار صورت فيها ، فى تصويرها للكنائس والأديرة كمسيحية مؤمنة تبدو أبراجها أقرب إلى مآذن المساجد ، وتزف البرج /المئذنة ثلة من الأبراج الصغيرة مدببة الرؤوس، كأنها أصابع التهجد وترديد أصداء الأجراس الكنسية أو صوت الأذان، وتتماثل القباب فى تكرارها الذى ينتظم جنبات لوحة أخرى كأصداء كورس المرتلين أو همهمة المصلين ، وتتصاعد البيوت الخفيضة فى لوحة ثالثة فوق هضبة تطل على البحر فتشكل هرما تعلو قمته مدخنة منظلية تذكرك بمطبخ البيت وقت الظهيرة ، تتجاور لمسات الفرشاة بالألوان الدافئة الشاحبة منفصلة عن بعضها البعض على طريقة فان جوخ أو إنجى أفلاطون ، وتتصاعد بدفئها الناعس حتى القمة لتفاجئنا من ورائها السماء والبحر وقد اندمجا فى عتمة الزرقة الغامضة ، وفى رابعة تتلاحم صوارى القوارب الغافية وهى تتراقص عند الشاطىء مع البيوت من خلفها فى خطوط رأسية حادة تذكرك بالتكعيبية فيما تنساب القوارب فى لوحة خامسة وسط الفتاة التى تشق قلب مدينة بروكسل أو البندقيو محملة بزحام بشرى يحتفل بعيد ما ، فيما نرى زحام البيوت المتراصة على الجانبين مشعه بضوء أصيلى دافىء.. كل ذلك بعيدا عن أية تفاصيل واقعية مباشرة لبشر أو بيوت أو قوارب ، إنما هى إيماءات مراوغة من الشعر المرئى تحسه ولا تراه ، لكنها عندما تصور القوارب الشراعية فى النيل عند أسوان تشعر بانعكاس الشمس على الماء والجبل والصخور ، وتطل البيوت الطيننية من خلف أكمات الشجر والنخيل طبقعة من المرايا المتوهجة بضوء الشمس.
بقلم : عز الدين نجيب
مجلة : إبداع ( العدد 23) 2013
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث