بزوغ معرض أشرف الزمزمى فى جاليرى `سفر خان`
- وسط موسم لا يشهد عمقا حقيقيا فى الإبداع
- بعد الموسم التشكيلى الحالى ونحن فى بدايته بمثابة ظاهرة لم تحدث من قبل، فالمشهد أصبح أكثر اتساعاً أفقياً من حيث الزيادة العددية للقاعات الخاصة بشكل زائد عن الحد مع امتداداتها من نقطة الزمالك إلى 6 أكتوبر والشيخ زايد والتجمع الخامس ومصر الجديدة، ومعظمها فقدت بوصلة الطريق فى معنى الفن فلا تحمل مفهوماً أو استراتجية للعرض، وهنا اهتز المستوى العام.
- اسهم فى ذلك تكرار أسماء العارضين بشكل دورى، وارتبط الفن التشكيلى بثقافة `الفيس بوك` ومواقع التواصل الاجتماعى من الضجيج الإعلامى، كما زاحمت الصور الجماعية و`السلفى` للأعمال الفنية بشكل احتفالى كبير جعلها الغاية والهدف فى أحيان كثيرة.
- وبين الصعود والهبوط تنوعت المعارض وامتدت من الفردية، إلى معارض ضمت أعمال أربعة فنانين أو خمسة وأخرى جماعية تضم عشرات الفنانين على اختلاف مجالات الإبداع بين التصوير والنحت والرسم والخزف، والغريب أن هذا الحراك والتدفق التشكيلي على كثرته يعد مجرد حالة من الفوران تبدو على السطح لا يقابها عمق حقيقى فى الإبداع.
- ومن بين قلة تميزت بالحضور والتألق، جاء معرض الفنان أشرف الزمزمى فى جاليرى سفر خان، ويرجع السر فى هذا إلى طاقة الفنان التعبيرية وبحثه الدؤب فى لوحة التصوير دون تعجل، ما جعل التغير والانتقال من حالة تعبيرية لأخرى ملموساً فى أعماله.
- الوحدة والعزلة
- فى عام 2019، أقيم معرض الفنان بعنوان `الوحدة` وهو يمثل عمق التعبيرية التى يقفز فيها الفنان بمشاعره وأحاسيسه فى فضاء التصوير انعكاساً لما تثيره الأشياء وما يرى من أحداث تتفاعل بداخله، تعبيرية مفعمة بالروح نابعة من الوجدان، كل لوحة حالة، وكل حالة إيقاع.
- كل شخصية بنحافتها واستطالتها غارقة فى ذاتها محاطة بما تبدو عليها من عزلة مع ما يحيطها من رموز وعناصر من الطائر والسمكة والفراش والدواب مع البيانو الذى يمتد أمام لوحة العازف وحوارات الشكل الهندسى الذى يجعل من كل لوحة نسق وتشكيل، وإيقاع يتأكد بمنظوماته اللونية التى ما أن تهدأ حتى تصدح وتتوقد فى سطوح صافية وأحيانا تخفت فى شحوب تاكيداً على حالة من الحزن.
- ويلجأ إلى الرمزية كما فى لوحته `الرجل والمرأة`، وما بينهما من طائر جارح أبيض لا يحمل من الوداعة سوى لونه البرئ.
- ولا تخفى فى تلك الجسارة والجرأة اللونية مع استخدامه للأصفر فى رداء المرأة أمامية اللوحة وفى الخلفية مع وجوهه الزرقاء والخضراء والشمس الرمادية المعلقة فى الأفق، ويظل من ملامح فنه هذا التوازن الشديد فى التكوين والتلوين وتضافر العناصر العضوية وتألفها مع السطوح الهندسية.
- التجريدية التشخيصية
- فى معرض الفنان الزمزمى الذى يضم أحدث أعماله تبدو الانتقالة النوعية فى مزجه بين العبيرية والتجريدية من الإسقاط الفورى والتعبير الإنفعالى.
- وبالنظر إلى كل تجليات وإشراقات الفن التجريدى من التجريدية التعبيرية عند `كاندنسكى` صاحب كتاب الروحية فى الفن، و`هارتونج` بمداعباته اللونية مع الأسود، و`إيف سولاج` والأسود الديناصورى، و`فونتانا` الذى تمرد على الفضاء التصويرى بشق التوال، و`إيف كلاين` الذى اختار الفضاء السماوى الأزرق المحيط بالكوكب فكان أيقونته اللونية، والتصوير الافعالى عند `بوللوك`، ودرامية التجريد عند `روشنبرج`، ومشاغلات الأجر والأزرق فى فضاء التصوير لـ`ديكوننج`، ومن الإيقاع الهندسي عند `ماليفيتش` و`موندريان` وحتى `فاساريللى` وإلى التجريد الإيهامى عند `آل هيلد` وفرانك ستيلا صاحب الإيقاع الهندسي متعدد الألوان، فقد اتخذ الزمزمى اتجاهاً ينتمى إلى عالمه وتعبيره الخاص فى مساحات صرحية متسعة.
- واتسمت مساحات الزمزمى بلمسات خاطفة ومسطحات هندسية بتلقائية فى دنيا من الألوان تتجاور وتتواصل، تهمس وتشدو وتتحاور فى توهج من الأحمر النارى والأصفر المضئ ةالأوكر، والأخضر الزرعى والعشبى الداكن والزيتونى والكريم والرمادى مع الأسود بلمسات طازجة خشنة.
- وقد يعمد فى بعض الأحيان إلى التجريد اللا موضوعى أو اللا شكلى الخالص والخالى من المشخصات، لكن فى معظم الأعمال تبدو الغلبة لتلك السطوح اللونية مع أطياف تشخيصية محددة، وبنفس منطق المسطحات، إذ ربما امرأة أو رجل فى حالة استرخاء بشكل أفقى فى إطار منظومة المساحات، ورجل على مقعد هزاز مع عناصر محدودة من كنكة وفنجان فى حالة بين الوحدة والاسترخاء.
- ويلجأ الزمزمى إلى الإيهام حين لا يبدو فى أحدى اللوحات سوى جزء من فتاة مع اختزال الجزء العلوى عندَ قطع اللوحة من أعلى، بينما نجد روح الطبيعة وملامح معمارية أقرب إلى طيف لمدائن وأبراج.
- وهناك أعمال يبدو فيها أكثر اختزالا تنتمى إلى الرمزية، مؤكدا العزلة، وكنا نرى مركب فى بؤرة اللوحة منفردة فى اتساع وسط مساحاته اللونية، وسمكة تطل من لوحة عائمة فى بحر الألوان بين السطوح ذات نسق واضح وحيدة مختزلة بالرمادى.
- فى أعمال أخرى يضئ على شخوصه التى تبدو أكثر فى درجة من الوضوح برمزية فى اللون والتكوين كما فى لوحة `السيدة فى الحديقة` التى تتناغم فى اللون بين الأفقى والرأسى، حيث تقف فيها امرأة باستطالة وانسياب أقرب إلى روح موديليانى على خلفية من مسطح أخضر وهمسات لونية من البرتقالى والأبيض فى دوائر وكريات.
- ويظل هذ المزج بين التجريد والتشخيص من الهمس إلى الصوت الجهير فى اللون والتعبير مثلما نرى فى سيدة بالوشاح المنقوش الداكن، حيث تتأكد فيها العناصر من حوض الماء وقطع السيراميك على الحائط، وكأنه يشبع رغبة المتذوق فى الوصول إلى المعنى وكشف الغموض فيما رأى من أعماله شديدة الاختزال.
- وجوه حواء
- وإذا كان فن البورتريه `الصورة الشخصية`، يعد مساحة متسعة تألقت بطول التاريخ وهو يتجاوز الإطار الخارجى للشخصية بما يجعله تعبيراً عن تلك الإنفعالات الداخلية التى تسكن بداخل صاحب الصورة ارتباطا بحساسية الأداء وعمق التعبير، فهو يجسد حالات وآفاق وملامح من الروح والصورة إلى الشكل والمعنى.
- فقد قدم الفنان الزمزمى مجموعة من الصور الشخصية المتخلية لحواء بخطوط شديدة الاختزال تقترب من فن الحد الأدنى ينساب فيها الخط بدقة ورقة يحدد الشكل بلا زوائد مع اختلاف النظرة والإيماءة، ومع لمسة الحداثة تبدو الخلفية أقرب إلى المنظر الطبيعى بأسلوبه الرشيق ولمساته المختزلة يذكرنا بما كان يفعله فنان عصر النهضة من تصوير المناظر فى خلفية الصور الشخصية مثل لوحة `الموناليزا` لليوناردو دافنشى.
- تحية إلى الفنان أشرف الزمزمى بعمق التشكيل والتعبير والبحث فى فضاء التصوير.
بقلم : صلاح بيصار
جريدة : القاهرة 13-12-2022
`فى معرضه فى سفرخان: أشرف الزمزمي العائد من اغتراب `الوحدة
- ألوانه صريحة جدا يضعها بلوحاته بتمكن ومهارة ويجيد توزيعها والخلفية غنية بتنوع يذكرنا بأعمال الفنان النمساوى `جوستاف كليمنت`.
- بعد غياب دام قرابة العشر سنوات نجد جاليري سفرخان يستعيد الفنان `أشرف الزمزمي` لعالم الفن لتعرض لنا مجموعة متميزة ومتنوعة من أعماله بعنوان `الوحدة` ويقول الفنان عن أعماله `أبحث عن صياغة معاصرة للفن المصري وما نحمله من ارث غني ومتنوع من الفن القبطي والأغريقي والأفريقي وأيضاً الفن الغربي`.
- أشرف الزمزمي هو فنان مصري ولد في 1967 حاصل على بكالوريوس فنون جميلة 1990 بالمنيا، ودبلومة تذوق فنون البيئة 1990 وهو فنان تشكيلي متفرغ، يندرج اسمه ضمن موسوعة صالون الشباب الجزء الأول إعداد دكتور صبحي الشروني 1994 وأيضاً بالجزء الثاني إعداد الناقد محمد حمزة 2002 إصدار قطاع الفنون التشكيلية .
- بعد غياب الفنان الزمزمي يعود من خلال قاعة سفرخان بمجموعة من الأعمال التي تجمع بين الماضي والحاضر من ذكريات تجمع بين الجو العائلي وأحياناً الوحدة والعزلة، قد تجدها ذات أسلوب ساخر مسرحي وملخصة مستخدماً الألوان الزاهية والساخنة ذات المساحات الواسعة للخلفيات الغنية بالألوان المتنوعة رغم أنها على تونات واحدة ما بين الأزرق والأخضر الفيروزي والبرتقالي والأحمر، مما يذكرنا بأعمال الفنان `ماكس بيكمان` والتي نجد بها علاقة إجتماعية ذات عزلة تحمل إحدى سمات الحياة مثل الحب.. العزلة، المرض.. وما شابه من تلك الأمور التي تكشف أعمق ما لدى الإنسان من أحاسيس ومشاعر إنسانية منفردة ومتوحدة. إلا أن لوحات أشرف أكثر هدوءاً وسكينة وليست مزدحمة العناصر.
- ونجد الخط المقطر يأخذ إهتماماً كبيراً بأعماله ذات ألوان زاهية نقية مستخدماً مساحات ممتدة بلوحاته، بوصفها تحمل شحنة إنفعالية تعبيرية، وتجد ألوان الوجوه لا ترتبط بالواقع ولكنها من إحساسه الداخلي مستبعداً كل ما هو أكاديمي حيث لا يسمح بوجود أبعاد متتالية في الخلفية بل يعطي اللوحة في جميع أجزائها نفس الأهمية من حيث التركيب الشكلي لها. ويعمل الزمزمي بحس عاطفي أكثر منه هندسي. ألوانه صريحة جداً يضعها بلوحاته بتمكن ومهارة ويجيد توزيعها.. والخلفية غنية بتنوع يذكرنا بأعمال الفنان النمساوي `جوستاف كليمنت` إلى حد ما، وأشخاصه بها مسحة كاريكاتورية ولكن بشئ من التكعيب خارجاً عن الأوضاع الكلاسيكية التي تقوم على تسجيل معالم الجسم والطبيعة، تسجيلاً دقيقاً فقد ركز الزمزمى على دراسة الأجسام ورسمها والمبالغة في انحرافات بعض الخطوط أو بعض أجزاء الجسم وحركته، كما يعمل على إظهار ملامح وتعابير الوجوه والأحاسيس النفسية للأشخاص مستخدماً الألوان التي تبرز إنفعالاتها، فهو يعيد بناء العناصر الطبيعية والتي تثير المشاعر، مستخدماً المدرسة التعبيرية وهي من أهم المدارس التي تمثل إحدى مراحل تطور الفن التشكيلي وتغيير خطوطه تبعاً للتغيرات الإجتماعية والثقافية التي شهدتها الشعوب الأوروبية في تلك المرحلة وهي شبيه بما نمر به اليوم في العالم العربي. يتعامل الفنان هنا مع عناصر الصورة جميعها بإهتمام واهمية متساوية لتتشارك البطولة دون أن يغلب عنصر على آخر سواء من ناحية الحجم أو الهيمنة اللونية مستبعداً بذلك النواحي الموضوعية في العمل الفني، بل يترك كامل الحرية للمشاعر والعواطف والأحاسيس لتعلب دروها في العملية التعبيرية على سطح العمل، وليس لديه بؤرة مركزية، بل يهتم بالعلاقات الجمالية التي تبرزها تلك الأشياء من خطوط وألوان ومساحات وغيرها.
- فهو في المقام الأول يعبر عن الحالات الذهنية التي تثيرها الأشياء والأحداث في المذاكرة. رافضاً مبدأ المحاكاة الأرسطية لحذف صور العالم الحقيقي بحيث تتلاءم مع هذه الحالات معبراً عن ذلك بالألوان وتشوية الأشكال، واصطناع الخطوط القوية والمتناقضات المثيرة. مستخدماً مساحات لونية لإيجاد تأثيرات إنفعالية بأسلوب فطري ذات حرية في تغير هيئة العناصر والأشكال الطبيعية مهتم بالمضمون والإرادة وتجربته الداخلية، إستجابة للحاجات الباطنية النفسية وليس للقيم اللونية والموضوعية والعلمية كما كان يعمل التأثيريون.
بقلم/ شيماء العطيفى
جريدة: القاهرة 26-3-2019