صباح مصطفى نعيم محمد
الجسم الانسانى بين الواقع والعمل الفنى
- منذ ان عرف الانسان الاول التعبير وخط خربشاته على سطح الصخرة احتل الجسم الانسانى مكانة بارزة فى تلك التخطيطات - نفس الشىء فى الاعمال النحتية - معبرا عن دوره كعنصر هام فى الحياة. حيث توالى استخدام الجسم الانسانى كمنطلق ليعبر من خلاله الفنان عن مكنوناته الوجدانية و الفلسفية بمداخل واساليب متنوعة .
- وتسير الفنانة صباح نعيم على نفس الدرب.. فتستلهم هى الاخرى الشكل الانسانى وبخاصه جسم المراة ليلعب دور البطولة فى اغلب اعمالها بتنوع ابتكارى وبمنظور شديد الخصوصية يميزها عن غيرها فهى تقترب او تبتعد عن الجسم الانثوى بقدر واعى يسمح لها بالبحث عن القيمة الجمالية المنشودة وايضا بعيدا عن التفاصيل و الملامح التى تميز الوجة الانسانى المستبعد نهائيا فى اعمالها فالاجساد التى نراها فى اعمالها تعبيرا عن المرأة بلا حدود زمكانية.. مما يتيح لها حرية التعبير.. وقد نجحت فى ذلك .
أ.د حمدى عبد الله
عميد كلية التربية الفنية
صباح نعيم وأشياءها الخاصة
- جهزت الفنانة صباح نعيم قاعة العرض لتكون عالماً خاصاً بها. على الحائط الأيمن صور عائلية لها ولوالتها، فى المواجهة صورتان شخصيتان للفنانة، ثم خمس صناديق شفافة تحتضن أشياءها الثمينة ثم مشروع لكتاب شخصى جداً. ما الذى يدعو الفنانة لكى تحيط نفسها بتلك الأشياء الشخصية وكأنها لا تريد فى الحقيقة أن تعرضها علينا بل تعرضها لنفسها لكى تعيش معها وكأنها تقول هذا هو عالمى، هذا هو ما أحياه.. صور لأمى فى حياتها اليومية البسيطة، يحمل وجه الأم دائما مسحة من الرضا الهادىء، صورتان لوجه الفنانة، تعبيرات الوجه توحى بالتحفز ربما الحزن العميق، خليفة الصور تضغط على وجه الفنانة حيناً آخر تحيط بها كأنها تعزلها عن العالم. تؤطر الأعمال بإطار من السجن الذهبى سجن من التقاليد ربما! وربما هى إطارات الذهب التى نسجن أنفسنا فيها باختيارنا ـ خمس أماكن للذكريات هى تلك الصناديق الشفافة التى أودعت فيها الفنانة وبكل الحرص مقتنياتها الخاصة. كل قطعة تحمل ذكرى ما.. لمكان.. لشخص.. لموقف !
- الفنانة تحب أن تقتنى تلك الأشياء الصغيرة وهناك دائماً الأم. كعامل مشترك لكل مراحل الحياة ـ الأم فى مراحلها أيضاً من الطفولة وزواج، تسير الحياة ودائماً فى سيرتها المعتادة، تأخذ معها صورة الأم.. فى حالة من التماهى والحميمية. لقد سمحت لنا الفنانة باختلاس النظر الى عالمها الخاص وتركتنا فى حيرة ننتظر ربما تفسر لنا بعض الرموز أو تحكى لنا بعض الحكايات .
محمد عبلة
صباح نعيم تعرض هموم المصريين ... تشكيلياً
- تُحاول التشكيلية المصرية صباح نعيم الوصول الى العالمية من خلال بصمتها الخاصة فى أعمالها، رافضة الاستسهال وتكرار تجارب من سبقوها، سالكةً الطريق الأصعب وهو الاقتراب من هموم المصريين وأوجاعهم وتسجيلها من طريق التصوير الفوتوغرافى والفيديو آرت، ومزجها مع الرسم والتلوين .
- وتعتقد نعيم أن سبب تميزها فى هذا المجال ( مزج الرسم والفوتوغرافيا ) هو محاولتها أن تصنع عملاً له بعد اجتماعى - سياسى على رغم العقبات التى واجهتها ومنها منعها كمصرية من تصوير الكثير من الأماكن بينما كان ذلك متاحاً للمصورين والرسامين والأجانب، ما أشعرها بالغربة داخل وطنها. وعلى رغم حالة التضييق التى عاشتها فى بلادها، فإن هناك الكثير من المراجع العالمية احتفت بها وأهمها موسوعة `فيوتشر إيماج` الصادرة فى 2009 والتى وضعتها ضمن أهم مصورى العالم الذين ينتظر منهم صناعة مستقبل جديد للفوتوغرافيا يكون التطوير والتحديث عنوانه الرئيس .
- ووضعتها الجامعة الأمريكية فى القاهرة ضمن موسوعتها ` مودرن آرت `، واستضافتها مؤسسة ` ليم هاوس` فأقامت شهراً فى لندن ومكنت من رسم وتصوير 35 لوحة بيعت إحداها فى قاعة كريستيز وكان عنوانها `شوارع لندن`.
- وكتبت مجلة `لاريبوبليكا` الإيطالية عنها : `إن الناظر إلى أعمال صباح نعيم يشعر بأن هناك مستقبلاً جديداً للفوتوغرافيا يتشكل أمام عينيه`، كما استعانت غالبية الدرويات والمجلات العربية والعالمية بأعمالها كأغلفة لها.
- وتوضح نعيم أن الاحباطات التى مرت بها كفنانة أثرت فيها، وهو ما جعل أعمالها ذات رأى سياسى واضح ، لأنها جزء من الشارع المصرى الذى هو جزء من الناس والوطن ككل .
- وتصوّر نعيم الناس العاديين الذين يمشون وهم شاردون ، ومنهم الموظف وعسكرى الأمن المركزى وجامع القمامة وتسعى حالياً لإيصال فنها إلى الأجيال الجديدة من الشباب، إذ ترعى الكثير منهم من طريق إقامة ثلاثة أو أربعة معارض سنوياً فى أتيلييه القاهرة، لاكتشاف المواهب والاعتناء بها.
- وعن مشاكل التشكيليين فى مصر تؤكد أن فى طليعتها المحسوبيات فى الفن التى كانت موجودة قبل الثورة، إذ كانت هناك مجموعة من أربعة أو خمسة فنانين هم الذين يحصلون على كل المزايا من أموال وسلطة وسفر إلى الخارج ولا يستطيع أحد أن يقترب منهم إلا اذا نال رضاهم. كما أن قاعات العرض فى مصر قليلة ولا تعرض أو تبيع إلا للمشاهير، ما يحرم الشباب أخذ فرصتهم أو بيع أعمالهم ليتمكنوا من الاستمرار فى الفن .
- وحول الفيديو آرت توضح أنها قدّمت فيلمين عرضا فى بينالى البندقية، وقد صورت فى أحدهما الركاب في مترو الأنفاق، يجلس كل منهم شارداً ولا يشعر بالآخر الجالس الى جانبه. أما الفيلم الثانى فيحكى عن علاقة إنسانية بين أم وابنتها، وكانت البنت هى نعيم أثناء مرورها بمحنة الإصابة بالتهاب الكبد (سى)
وليد الرمالى
الحياة - الخميس 12 /7/ 2012
صباح نعيم .. من الواقعى إلى الميتافيزيقى
مفهوم خاص للطبيعة فى معرضها بـ ` سفر خان `
الفنانة صباح نعيم عملت بوسائل مختلفة من الرسم للفوتوغرافيا المطبوعة والانستليشن ..وظل التعامل مع الصورة الفوتوغرافية هدفها واهتمامها الاول ومجال ابداعها ..لتكثف فى معرضها الأخير بجاليرى سفرخان ... واقع الطبيعة البصرى كموضوع تعيد صياغته ..لتدفعنا به الفنانة لرؤية المعتاد داخل حيز جديد من بلاغة الرؤية للوحة شعرية صوفية ملونة .. ولتصل لهذه البلاغة يبدو أن عينيها تتلاقان وشفرة خاصة والمرئيات حولها والتى اهتمت بالتقاطها فوتوغرافيا منذ سنوات ..ثم أخذت تتدخل فى فوتوغرافياتها سابقا بالإضافة والحذف اللونى لتبلغ معنى مفاهيميا حولت به الفوتوغرافى المباشر إلى دلالة مفاهيمية ثم فى معرضها الحالى تعاملت والطبيعة بشكل أكثر رهافة ورقة وتلاحم فمن فوتوغرافياتها لمشاهد أشجار واغضان واوراقها صبغتها بألوان ورسمت خلفياتها التنقيطية فى احجام صغيرة موحدة بلغت حوالى 40 سنتيمترا مربعا لا لتصل بها إلى دلالة مفاهيمية بل لتصعد بها قفزا إلى ميتافيزيقا المشهد المألوف .. وفى لوحات زهورها بمساحات كبيرة بين المربع والمستطيل بلغ المترين فى المتر ونصف المتر وإحدى اللوحات تعدت المترين وارتفاعها يقرب من المتر لتقدم داخلهما المشهد الأوبتكالى للمفردة الواحدة بإرادة حادة واصرار ..
فى لوحات أشجارها الفوتوغرافية قدمت المشهد الميتافيزيقى الليلى للمشهد شديد العادية ..ولكنى رأيت لديها ملامح تصرف أو معالجة للصورة المباشرة يعكس منهج تفكير أو رؤية لكثير من الفنانين حول العالم يستوحون من العلم الهاماتهم مستخدمين أحدث التقنيات والمواد فى أعمالهم الفنية ..فعن طريق صورها الفوتوغرافية المطبوعة التى أرى فيها مجال لتواصلها الذهنى وتطورات العلم ..لتجمع الفنانة بين ميدانين هما العلم ( تقنية الفوتوغرافيا ) والفن ( التلوين بالأحبار ) فى لوحاتها الشجرية وربما - لا أعلم - تستلهم من التطورات العلمية مؤخرا مثلا كالتعديل والتلاعب الجينى بتدخلها بألوان غير طبيعية للشجر وبعض الصباريات بتعديل ألوان أوراقها والأغصان الشجر بإفتراض جينى جديد ( كنت أتمنى أن يكون نشر الصور ملونا ) .. أو كطرح قضايا معاصرة كتغيير المناخ مثلا وتكون كأداة لتحسين فهمنا للعالم ..ولأننا فى عصر الجينات والتلاعب بها حتى فى الفن كان من أوائل وأشهر أمثلته التدخل اللونى ` للأرنب ألبا` بما قام به الفنان ` ادوارد كاك` الذى قدم الأرنب ألبا بلونة الأخضر الفلورسنتى عند تعرضه للون الأزرق المستخلص من قنديل البحر 2002.
قد تعد أعمال صباح جسرا لادراك نطاقات لا محدودة حسيا من المرئى واللامرئى فى الأشجار وصبغاتها الملونة كشجرتها الليلية الزرقاء الكريستالية فى شفافية وصبارياتها الحادة فى تضاريسها النحتية ..لنتسمع عبر لوحاتها الشجرية إلى ما يشبه موسيقات ` الإنجما ` الكونية .. بعدما حولت الفنانة بفلسفتها الخاصة صلابة الأشياء إلى طمس سريالى فوق المرئى الواقعى أثناء بحثها عن الشكل الكامن فى أشكال الطبيعة ..
انشأت الفنانة شديدة الجدية صباح نعيم داخل جدران الجاليرى بطابقية حالة فريدة من هطول الطبيعة زهورا وأشجارا فى مجموعات ملونة متجاوزة لهجة الطبيعة المعتادة فى نسقها لتظل لوحاتها عالقة كلوحة أزهار حروفية تتجاوز تفككها كعناصر متجاورة متداخلة إلى مفهوم وحدة الطبيعة وقد أحلت الفنانة الصورة من خلال ذهنها محل الأشياء الواقعية .
وبالتأمل للوحات زهورها البلافضاء داخلى خالجنى شعور بما قرأته عن ` تأثير الفراشة ` وهى المقولة التى تقول : ` إن رفرفة جناح فراشة فى الصين قد يؤدى لإعصار فى أمريكا ` وهو مصطلح فيزيائى مبسط لمصطلح أكثر تعقيدا فتأثير الفراشة نظرية فلسفية فيزيائية لتفسير ظواهر الترابطات والتأثيرات المتبادلة لحدث أولى بسيط لا يمكن أن نشعر به لكنه يولد سلسلة عشوائية متتابعة من الأحداث ..وقد وظف هذا المصطلح المجازى كثيراً فى الكاتبات الأدبية كحدث صغير فى لحظة ما قد يغير حياة شخص بأكملها ..وعند صباح فى لوحات تراكماتها الزهرية المنبسطة المتجاورة والمتداخلة إلا أنه بالتأمل وجدت أنه لو اهتزت زهرة واحدة او نقطة أو عنصر زخرفى دقيق من عناصر لوحاتها لأحدث اهتزازا بصريا ( اوبتكال ) فى اللوحة بأكملها ..وفى لوحات زهورها لا هيكل أساسى وكأنها تنشىء شكلا للصورة كقاموس بصرى للزهرة ..ولتبدو كل زهورها رمز وكناية عما فوقنا من كون يدرك تلك العلاقة أولئك المطلعون - الصوفيون - والقادرون للاصغاء لهذه اللغة .. والإدراك دفء تلك النبضات المتهادية تحت السطح.
.. لوحات زهورها توحى بما يشبه الرسم الأوتوماتى غير أن ذهن الفنانة يعمل ولا تتركه تماما للآلية دون حيز فى اللوحة ولا لأى فراغ أو فضائى تماما بما يقرب من لوحة الفنان البلجيكى ` مارسيل برودثايرس ` المربعة ` بلح البلح` التى ازدحمت بعنصر واحد متداخل دون فضاء داخلى وهذا غير أعماله المجسمة بذات العنوان 1966.
العالم الخارجى قد نراه مالوفا للجميع لكنه فى حقيقته خبرة كل شخص بوجوده الخاص وهى خبرة صباح الفريدة التى لا تتكرر من فرد لآخر ..فقد ترجم آلاف الفنانين الطبيعة بالخط أو النغم ..وكل فيزيائى شرح الطبيعة إلى عناصر لا نهائية ولكنهم جميعا لم يكتشفوا شيئا واحدا هو نفسه ذات الجواب لدى الجميع فلكل منا الطبيعة الخاصة به..
الحياة فى لوحات صباح نعيم لغة ملونة اقرب للغة الشعر تتابع مجراها على مدار الإطار دون أن تستثير فى هذه الكائنات النباتية أى شك فى حدود الحياة ولا تعرف الحد الفاصل بين الحس بالبعدين
والتأمل الذى يفتح أبعاداً ثلاثة للدلالة ولمعنى اعمق من البعدين ووسيلتها كى تجعل اللامدرك مدركا مرئيا يتمثل فى الميتافيزيقا التى تعتبر أن لكل شىء مهما كان شكله أو نوعه فحواه الرمزى ..وصباح تتتبع دلالة تلك الأشياء المرئية بعينها وحين ترسمها بالصورة التى أرادت ان تكون على هيئة سحرية ميتافيزيقية .
فاطمة على
القاهرة 29-3-2016
نسج يدوى` يرتبط و`البوب آرت` كولاج خيط` و`سطح مُجعد` و`نحت جدارى` و`غزل للفضاء`
- فى مشاركة `صباح نعيم` مهرجان الفن بـ`درب 1718`
- منسوج `صباح نعيم` يدفعك لحب التفاصيل.. وأيضاً لحب القوام النهائى للمنسوجة.. ذلك الذى شاركت بعرضه فى `درب 1718` خلال مهرجان فنون مع 36 فنان بتجاربهم المعاصره.. وفيه كثير من مفهوم فكر المنسوج المعاصر وكيف يتعادل تتالى خيط وراء خيط كتنامى فكره وراء فكره.. حتى ليبدو المنسوج المُعلق كبروز جدارى بنمطه التراكمى أمام معمار الجدار المنبسط وبشهيقه وزفيره متذبذباً فى مقابل صمت الجدار.. وحتى قد نرى عمل الفنانة يرتبط بشكل ما وثقافة `البوب آرت` دامجه بين الشعبية والفن المعاصر.. ولنستشعر بالتقاطع بين اللون والملمس والنمط من بين غرز المنسوجة حنيناً إلى الماضي والذاكرة والطفولة فى فن يتم إنجازه عبر تعدد للطبقات النفسية والمادية يجعل من الحرير والقطن والكتان والصوف متداخلون معاً فى حميميه كتشابك نغمات إيقاع الحياه المنخفضة والصارخة معاً..
- جدارى ..وغزل الفضاء
- يقع عمل `صباح` عند تقاطع النحت والرسم من خلال النسيج المُعلق.. وقد بدا البناء الشاق والحس التركيبي الماهر سمات عملها الحائطى المتدحرج بأنسجته الملتفة والمعقودة فى عقد للداخل والخارج وفوق بعضها البعض في حالة من الفوضى المتناغمة.. وحين عُلق فوق الجدار بدى بمفهوم نحتى تبادلى كهيكلين يتكأن على بعضهما ويتناطحان الفراغ بصلابة الجدار وهشاشة المادة.. وهذه المعلقة النسجية بدت ظاهراً على خشبة المسرح الجدارى المختفى وراءها ولا شئ مخفى منها.. بينما يكمن بالداخل أعمق الطبقات روحانياً.. كأن الفنانة تقصد أن تقيم بمنسوجها ما هو ظاهر ملموس وما هو خفى نابض..
- ويدفعنا بناء المنسوجة العضوى المادى لتصور نبض نسجه غرزة وراء الأخرى وكأن `صباح` وهى تقيم بإبرتها ذلك المنسوج الرخو أنها فى ذات الوقت تغزل الفضاء الذي يُعد أداه مشتركه أثناء عملها..فهى لحظة تملكها الخيط تحركه ذهاب وعوده داخل الفضاء حولها حيث لم يتجسد المنسوج بعد.. فى تفاعل بالإبرة والخيط الماديين والفضاء المحيط اللامادى.. وهذه الحركة التفاعلية والفضاء أراها تُعد تمريناً هوائياً رائعاً مع اللامرئى.. أو كحاله تدريبيه كالعزف أو كالالتفاف بالخيط على أطراف الأصابع تبادلياً لغزل الفضائى.. وكأن كل لحظه يتم تناولها بالإبرة تساعد على المضى النفسى والفنى قدماً جيئة وذهاباً بما لا يُعد ولا يُحصى من الدفع صعوداً وهبوطاً وزحفاً فى الفضاء لخلق شبكه من الخيوط متداخله بين المنحنيات واللحامات شكلتها بمهاره الأصابع والهواء.. لذلك فإن التمتع بالمنسوج اليدوي ليس فى مشهده البصرى فقط ولكن فى الروحى لما وراء المشهد..
- التجريب وفن `البوب`
- خاضت `صباح نعيم` تجارب حداثيه عده.. ربما شعرت بأنها أقرب إلى تجريبية المنسوجة وأكثر راحه وهى تتجول إلى الجوانب الأربعة كيفما شاءت دون أطر.. تستكشف بروح مغامرة أبعاد وفلسفة روح الجمال الفوضوي.. ولذلك جاءت تجربتها النسجية مبهره وحقيقيه ومتنامية ومتسقه مع تلقائية مشاعرها.. ومع تلك التلقائية تعاملت بأفكار لا تنفصم فى مفهومها عن فن `البوب` وأيضاً عن سخونة المنسوجات `البيروفية` القديمة نسبه إلى نسجيات `بيرو`.. ولأن `صباح` دائماً متعايشة وما تفعل.. لذلك ربما تكون قد بلغت البعد الثالث الصعب للمنسوجة وأعتقد أنه البُعد الروحانى..
- قالت لى `صباح` عن تجربتها مع المنسوج :`شغل التطريز والخياطة كان وسيله إنى أرجع أتواصل مع الفن بصوره مختلفة.. ففى حياتى تغيرات دايما بيقابلها تغير فى علاقتى بالفن.. وتبعا للإحساس اللى محتاجاه أستخدم كل الخامات النسجية من ألياف وكل مقاسات إبر التريكو وبطرق مختلفة فى الشغل من مقاس يعطى ملمس ناعم رفيع ودقيق إلى جزء عشوائى وسميك وضخم.. وممكن تركيبات فى نفس جزء النسيج من دقيق لعشوائى لغرز مختلفة لأماكن فارغه.. عالم فيه كل حاجه.. من جزء هادئ وجزء مجنون فيه وجزء عمق.. هو بياخد وقت طويل فى الشغل لكن مثل البناء حته حته لحد ما يبان وأشوفه زى ما إتصورته.. فى البداية التخطيط بيكون بعيد جداً عن إنى أعمل حاجه ثابته لكنه بيتخلق مع الوقت ومع شعوري بيه.. إن كنت مبسوطة ولا مش مبسوطة.. هو شبهى.. حاولت كتير يكون بتاعى وشبهى`.. أرى فى تعبير الفنانة `صباح` عن عملية النسج روعة ذلك التشابه بين الناسج والمنسوج..
- كولاج السطح
- منسوجة `صباح` هى تجميع كولاجي لخيوط لها تنوعها العضوى ارتباطاً لما كانت عليه يوماً كصوف وشعر لحيوان حى أو لحاء لنبات حى أو خيوط حريريه لغزل دودة حرير حيه.. هذه الحيوات العضوية التى تجتمع فى منسوج واحد تجعل للمنسوج رمزاً عميقاً لامتداد فعل الطبيعة.. وذاكره محمله بذكريات سابقه لحيوات مختلفة.. وعبر هذا السطح المتكون من قطع كولاجيه متلاحمه من خيوط وفتلات من الحرير والقطن والصوف والشيفون والشرائط السميكة والرفيعة والخشنة والناعمة تتحدد به تضاريس تتتالى وتتداخل وتتلاحم من أجزاء رفيعة أو سميكة أو ملتفه أو مفرغه ليتكون السطح الأقرب لمشهد من التجاعيد كهجين من الخيوط المتداخلة.. وأيضا أراها بكولاج الخيوط أقرب لكولاج ثقافى وبصرى آخر وهويات أخرى تتلاقى تقنياً بين وجدان فنانى النسج حتى دون أن يتلاقيا..
- والفنانة `صباح نعيم` تهتم كثيرا بالقوام والإيماءات والملامس وجلب الألوان إلى القوام المُحمل بالتضاريس التى تتوالد أثناء عملية النسج والتى تحوي معلومات وتفاصيل عن الخامة وتستدعى تحفيزً حسي وبصري لما تم بالسطح من مراحل.. لتصبح تجاعيد سطح المنسوجة كالوشم يهبها الألفة والحيوية بطياته وتضاريسه وبما يكشف من أسرار عن الفنان وإحساسه بالتناسب والخط والإيقاع.. وهذا الإحساس هو الأكثر حضوراً وأثراً من توقيع الفنان نفسه.. لأنه مُحمل بسجل مشاعر أثناء العمل وتقلباته.. وأن هناك حياه شعوريه كامله تسكن المنسوجة..
- المنسوج زمن مُشفر
- من تأملى لتفاصيل تفاصيل ذلك الكائن المنسوج الذى يستغرق ميلاده أشهر.. أراه فى الواقع نتاج لما استغرقته حياة الفنانة فى ممارستها لمجالات إبداع متعدده وخبرات مفاهيمية حداثيه حتى التقط زخم مفاهيمية تلك الرحلة ذلك الكائن النسجى وخرج إلينا.. وفى هذه الحالة فإن الزمن فى مساره الدؤوب الذى تشاركته صباح والمنسوج من غرزة الى الأخرى ومن خيط إلى خيط تحول إلى نمط لزمن مشفر بالمعلومات والطاقة.. ولتصبح تلك اللحظات الزمنيه المُشفرة هى الأصل الحقيقى لنسج جاء من فكره تحملها الخيط الرفيع حتى تدلى ككائن من فوق الجدار كعلامه زمنيه مُشفره لروعة ما أبدعه الزمن البطئ حثيثاً بين منسوج ومبدعه أثرى كلا منهما الآخر بالتأمل وقوة اللحظة عايشانها ببطئ لساعات تمتد لأشهر وكانت المنسوجة هى سرهما الخاص وزمنهما المشترك مًشفراً..
- حياتنا أيضاً كالنسيج
- وللنسيج الهامات وكثير من الرمزيات.. فنحن البشر كالنسيج ننسج قصة لأنفسنا نتتبعها من يوم لآخر وإن فقدنا الخيط تتفكك الرحلة.. والبعض منا قد يمد خيطا بخيط يلفه حول نفسه كالشرنقة ليتدلى من عنقه أسيرا له.. ومن طموحاتنا أن نجد خيطًا قصيرا يقودنا إلى خيط أطول ليقودنا إلى الحبل الأكبر فالأكبر.. ورمزياً القدر أيضا يشبه نسيجًا يتم توجيه كل خيط فيه ليوضع بجانب خيط آخر.. وعملية النسج نفسها أراها وسيلة للتعبير عن أنفسنا واستشعار وجودنا من بين طبقات المنسوجة لنترك بها دليل على تشاركنا بشئ من أنفسنا مع الآخرين.. ونحن أيضاً كالمنسوج نتكون من ثقوب وفجوات وعقد قويه وخيوط مُنسله ونقاط متناثرة هشة أو متماسكه ترتبط بحياتنا حتى النهاية..
بقلم : فاطمة على
جريدة: القاهرة ( العدد 1130) 15-3-2022
|