`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
سامى رافع محمد
سامى رافع .. فنـان الجماهير
- بعد سنوات طويلة من العمل والإبداع يقف الفنان أمام أعماله بسعادة واعتزاز على ما حققه من إنجاز فنى خلال مشواره الطويل.. وعندما يحتفى الفنان بكل من كتبوا عن أعماله من خلال مقالات نقدية وصحفية ترصد مسيرته الفنية تكون سعادتهم وسعادته أكبر منذ جمع الفنان الكبير سامى رافع هذه المقالات فى كتاب قيم تحت عنوان `سامى رافع.. من خلال الفنون التشكيلية المتصلة بالجماهير` فماذا كتب هؤلاء النقاد عن فناننا الكبير؟!
-فى مقدمة الكتاب الذى صدر عن دار برينت هاوس أهدى الفنان سامى رافع هذا الكتاب لابنه وزوجته الكاتبة الأستاذة زينب صادق..فالفنان رافع أستاذ متخرج بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان ورئيس قسم الديكور بالكلية سابقا وحصل على عدة دبلومات من فنون جميلة القاهرة ومعهد التربية الفنية والفنون الجميلة بفيينا قسم المسرح 1966 وعُين معيدا بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة 1958وذهب لبعثة دراسية فى النمسا لمدة 5 سنوات منها عام كامل فى دار أوبرا فيينا.. له مقتنيات بمصر والنمسا وألمانيا.
- منذ عام 1975 تحددت أعماله وأصبحت فى مجال الفن الذى يعرض على الجماهير بمختلف أذواقهم وهى النصب التذكارى للجندى المجهول بمدينة نصر الذى يرتفع 32 مترا، الصور الجدارية لمترو الأنفاق الخط الثانى لعدد 19 محطة بمساحة إجمالية 3250مترا ` 1995 ــ 2001`، وأيضا قاعدة مسلة رمسيس الثانى الأثرية أمام مطار القاهرة وقام بعمل ديكور أوبرا `عايدة` على مسرح الجمهورية عام 84 وأيضا ديكور أوبريت `حياة فنان` وديكور مسرحية `مدام بتر فلاي` وأيضا قام بعمل التصوير الجدارى للحائط الخارجى لمطار الأقصر وهذا ما جعل باحثة بكلية الفنون الجميلة تجيز لها رسالة دكتوراه وهى د.مها فاروق عبد الرحمن عن أعمال سامى رافع بعنوان `الرؤية الإبداعية الخاصة فى الأعمال الجماهيرية من خلال إنتاج الفنان سامى رافع`.. ولذلك استحق أن يطلق عليه `فنان الجماهير`.
- وأتذكر عندما كتبت بمجلتى ` صباح الخير ` يوم 28/ 11/ 2000 تحت عنوان سامى رافع فنان الجماهير: لا أملك شيئا من فنى!، وكان من أجمل الأشياء التى تسعدنى أن أستاذى العزيز سامى رافع أستاذى فى كلية الفنون الجميلة وضع مقدمة مقالتى فى مقدمة كتابه ومقدمة موقعه الإلكترونى، وقد كتبت فيها `سامى رافع فنان يستمتع الناس بأعماله الفنية المدهشة دون أن يعرفوا اسمه فهو فنان إذا أردنا أن نرى أعماله فعلينا أن نتجول فى أنحاء القاهرة لنشاهدها، فأعماله الفنية ليست ملكه ولا هى حبيسة جدران القصور أو الصالونات.. بل تجدها فى الشوارع والميادين العامة والأنفاق فيراها كل الناس بسهولة،فأعماله وإبداعاته المتعددة فى شتى مجالات الحياة اليومية ارتبطت بالجماهير لأنها تخاطبهم مباشرة.
- وهناك الكثير من المقالات التى يحتوى عليها الكتاب كتبت وبصدق عن الفنان الكبير فيقول الفنان والناقد الكبير أحمد فؤاد سليم عنه فى مقالة تحت عنوان `سامى رافع أحد رواد الحداثة فى الفن المصرى فقال فيها:
- يمثل الفنان الكبير سامى رافع - 1931- مكانة مرموقة يعد بها فى مجال الصروح الفنية الميدانية والحائطية، مثلما يحتل المكانة ذاتها في فنون التصميم التى تتناول الميديا - أى وسائل الاتصال بكل أنواعها - من تصميم الإعلان حتى تصميم الطابع البريدى وفضلاً عن ذلك فهو أستاذ ومعلم لمادته الصعبة تلك، والتى تخرج على يديه فيها العشرات من الفنانين المصريين على مدى يتجاوز الأربعين عاماً.. أما العظيم بيكار فكتب عنه قائلاً تحت عنوان درس فى البلاغة: كان لى الشرف أن أكون عضواً فى لجنه وضع مشروع النصب التذكارى لحرب أكتوبر المقرر أن يقام فى حديقة الحرية الذى سيكون بديلاً لقبر الجندى المجهول وكذلك عضواً فى لجنة التحكيم التى ستختار المشروع الفائز وتقدم للمسابقة خمسة وسبعون مهندساً مثالاً ومصمماً ومن العجيب أن يفوز بالجائزة الأولى فنان تخصصه التصميم وليس صناعة التماثيل وهو الفنان سامى رافع.
- أما الفنان الكبير جورج البهجورى زميله فى كلية الفنون فكتب عنه عنواناً: إذا كانت المعارض للصفوة فلماذا لا تنزل للشارع عيون الملايين فى سنوات تحصيل الفنون الجميلة، منذ الخمسينيات كان سامى رافع العملاق الأوحد،ابتسامة دائمة على وجهه كنت أشب لأراها لحظات الطيبة والبساطة التى ترغمك على حبه والتقرب إليه، أما الفنان الكبير آدم حنين زميله أيضاً فى الدراسة فكتب عنه قائلاً: تحت عنوان 6 أكتوبر هرم مبنى بأسماء الشهداء.
- وراء الجائزة الأولى لتصميم النصب التذكارى لشهداء 6 أكتوبر التى فاز بها الفنان سامى رافع فكرة هى أبسط الأفكار المقدمة جميعاً وأكثرها إيحاء ولكنه السهل الممتنع .
-أما الناقد والفنان عز الدين نجيب فيكتب عنه تحت عنوان الهرم الخامس: انتصار أكتوبر1973 لم يترجم تشكيلياً حتى الآن إلا من خلال أعمال نادرة للفنانين الكبار أو الشباب أشهرها على الإطلاق النصب التذكارى للجندى المجهول بمدينة نصر للفنان سامى رافع.. ثم ذكره بيكار قائلاً : وصدق حدس بيكار وكأنه يقرأ المجهول ويستشعر أن فناناً سوف يأتى من بعد بعيد كلى البعدعن ميدان النحت هو ميدان التصميم لديكور المسرح..أما الفنان والناقد محمد الناصر فكتب فى مقال له تحت عنوان: مليونان يشاهدون أعمال سامى رافع.. رافع فنان من طراز خاص اقتحم مجال الرسم والتصوير وغيرهما وتفرد فى كل منهما لكن التميز الذى حققه أنه استطاع أن يطوع إبداعاته لتشارك الناس والبسطاء فى الأماكن العامة والمفتوحة فأصبح فنه مرتبطاً بحاجات الناس التى أصبحت تتفاعل مع تلك الإبداعات بشكل يومى مباشر كان أم غير مباشر ليجعل التأثير بالفن إيجابياً.. فقد نزل بفنه على الجماهير تاركاً القاعات والغرف المغلقة لذلك حينما أقام هذا المعرض الشامل لم يستطع عرض الأعمال لأنها بين يد الجمهور وإنما قام بعرض صور ورسومات لها مازال يحتفظ بها.
- هذه المقالات عدد قليل من حوالى 80 مقالة لأكثر من كاتب وناقد فنى من كبار الكتاب فجاء كتاب الفنان سامى رافع ليحتفل بهم ونحن نحتفل به كأحد أهم الفنانين التشكيليين فى مصر .
كاميليا عتريس
صباح الخير - 29/ 1/ 2013
صاحب الهرم الرابع وديكورات مترو الأنفاق
- .. حين نذكر فن الديكور يتبادر إلى أذهاننا مفهوم فن تجمىل المكان، فالإنسان هو الكائن الوحيد على هذه الأرض، الذى نعمل على تغير البيئة.
- يحول المأوى الذى يقيه برودة الشتاء وحرارة الصيف إلى منزل مريح جميل. والديكور فى إحدى زواياه هو: فن الزينة أو فن التجميل أو فن الزخرفة. يستهدف فى التحليل النهائى التكيف مع البيئة والحياة . ربما كان الفن الوحيد ، الذى تلتقى فيه المتعة بالمنفعة. فن يضم هوامش عريضة، تندمج فيها فروع الفنون التشكيلية، من رسم وتلوين وزخرفة وتشكيل تماثيل وعمارة .نفعى مادى من ناحية.. ويتعلق بالمشاعر والأحاسيس من ناحية أخرى. يمكننا تعرىفه بأنه فن التكيف مع الحياة . لذلك كان مهندس الديكور فى أفضل صوره ، على قدر كبير من الثقافة وسعة الأفق والخبرة والمعرفة. فهو رسام وملون ومصمم ومثّال ومهندس معمارى وحرفى متعدد الاختصاصات كل هؤلاء فى واحد. ويتوزع فن الديكور عدة ميادين بينها: المسرح والسينما والأنشطة التجارية بأنواعها ثم المنازل بطبيعة الحال..
- .. سامى رافع فنان يبلور هذه المعانى بمفهموم حضارى ينطوى على علم غزير وحساسية مرهفة. موهبة إبداعية نادرة تخضع للتحليل والقياس، يشهد على مصداقيتها نصب الجندى المجهول الذى يرتفع إلى أكثر من ثلاثين مترا. هرم رابع يسمق شامخا، فى أرض الأستعراضات بمدينة نصر بالقاهرة. وديكورات محطات الخط الثانى لمترو الأنفاق. تصميمات يمتد كل منها إلى أكثر من ثلاثين مترا بارتفاع ثلاثة أمتار ، مستلهمة عناصرها من البيئة والمكان، منفذة بخامات الخزف الملون (السيراميك). لم تسند إليه بالتكليف، بل فاز بها فى مسابقات عامة، تنافس فيها كبار الفنانين.
- يضع سامى رافع أفكاره وخياله على هيئة تصميمات يملك القدرة على تجسيدها فى أرض الواقع. فهو يتحلى بحساسية الفنان وخيال المفكر ومهارة الحرفى الذى يعرف : كيف.. ومتى.. ولماذا ! ولما كان يعشق هذا الفن المعقد، فهو يحتشد له بكل ما يملك من موهبة وعلم وخبرة وذكاء، ودراية بأدوات التنفيذ - شأنه شأن الموسيقى والشاعر والأديب، دون اعتبار لأى عائد مادى طالما استهوته المهمة التى أنيطت به.
- فنان من طراز سامى رافع، لا يصبح بين يوم وليلة، فى هذا المستوى الرفيع من القدرة الإبداعية والتكنيكية والألتزام الأخلاقى. إنما يرجع ذلك - كما يقول علماء النفس - إلى السنوات الأولى من حياته وطبيعة البيئة الأجتماعية التى شب فيها وترعرع، والمسيرة المعرفية التى طواها، ومن بينها سنوات التعليم العام ونوعية المدارس التى اختلف إليها .. فكم من عبقرية ضاعت سدى، لأنها لم تصادف الأرض الخصبة التى تنمو فيها وتزدهر وتؤتى أكلها.
- .. ولد فى حى السكاكينى بالقاهرة سنة 1931. تفتحت عيناه فى بيت يتسم بالثقافة وحب المعرفة، وكان والده الأستاذ رافع محمد رافع من رجال القانون، يملك مكتبة عامرة بمختلف العلوم والفنون وكان سامى ثالث إخوة أربعة عشق الموسيقى لكنه افتقد القدوة والمعلم. بينما كان سمير` شقيقه الأكبر ضمن طليعة حركة تحديث فن الرسم والتلوين، بقيادة الرائد المفكر: حسين يوسف أمين (1904 - 1984) كم تأمل شقيقه خلسة وهو يرسم ويلون ويقرأ وينصت إلى روائع الموسيقى، ويستقبل رفاقه الذىن أصبحوا فيما بعد روادا يشار إليهم بالبنان.
- ساعد على تثقيف حواسه وشحذ خياله وفكره، ما كان يلقاه فى طريقه من آثار إسلامية عريقة تحيط بمدرسة السلحدار الأبتدائية، التى كان يختلف إليها بالقرب من باب الفتوح، وكان النجم المتألق فى جمعيتى الرسم والأشغال اليدوية . يلفت أنظار مدرسيه فيكلفوه بما تحتاجه المناسبات والأعياد الوطنية والأجتماعية من لوحات ومعارض.
- تعلم فى جمعية الرسم معنى الفنون الجميلة المنزهة عن الغرض ، حين صور المناظر الطبيعية ومشاهد الحياة العامة. وتعلم فى جمعية الأشغال اليدوىة معنى الفنون التطبيقية، حين استخدم أدوات النجارة فى صناعة أشياء نفعية كأنما أرادت الأقدار إعداده ليصبح مهندس الديكور الكبير، الذى يحتاج فى إبداعه إلى دراية كاملة بأساليب التنفيذ، وحساسية مفرطة فى التذوق الجمالى، فضلا عن الموهبة والإحاطة بثقافة العصر. يؤكد هذه الفكرة أنه بدأ دراسته الثانوىة فى مدرسة صناعية . قضى فيها عاما كاملا، لا يكاد يغادر الورشة وما تحفل به من آلات وأدوات وأجهزة وتكنولوجيا . ثم ألغت الوزارة نظام الثانوى الفنى ، فتحول إلى الدراسة العامة. ولما كان شقيقه الأكبر يتخذ من أحد أركان البيت مرسما، يضع فيه حامل الرسم ولوحة الألوان وعلبة الفراجين والأنابيب، فقد دأب سامى على مراقبته وهو يرسم بألوان الزيت. لا يكاد يغادر البيت حتى يشرع سامى فى تصوير نفسه أمام المرآة مستخدما أدوات شقيقه وألوانه، وكانت سعادته غامرة حين ضبطه ذات مرة وأعجب بعمله ولم ينهره.
- لم يكتف سمير بالإعجاب بلوحة شقيقه الأصغر، بل أخذ يعرضها على رفاقه أعضاء جمعية الفن المصرى المعاصر الذين كانوا يترددون على مرسمه: عبد الهادى الجزار (1925 - 1966) وحامد ندا (1924 - 1990) وإبراهيم مسعودة (رسام مصرى يهودى غادر بلادنا بعد (1948). بهذا التشجيع تأكدت صورة المستقبل فى أحلام الفتى سامى، وهى أن يصبح فنانا تشكيليا. فلم يكد يختم دراسته الثانوىة حتى ألتحق بكلية الفنون الجميلة، وكان أول الناجحين العشرين، من بين الخمسين الذين تقدموا إلى مسابقة القبول.
- .. من المعروف أن المنهج الدراسى لكلية الفنون الجميلة يتوزع خمس سنوات: سنة إعدادية يمارس فيها الطالب تخصصات أقسام الكلية الأربعة: النحت أو فن التمثال.. التصوير أو فن الرسم والتلوين.. الجرافيك أو فن التصميمات المطبوعة.. ثم الديكور أو فن الزخرفة والعمارة الداخلية. يختار الطالب دراسته فى أى من هذه التخصصات، لا ترغمه ادارة الكلية على دخول قسم معين كما هو الحال الآن - بدعوى ارتفاع درجاته فى هذا الفن. اختار سامى رافع قسم الديكور لعلاقته الوثيقة بالجماهير، ولأنه يتضمن جميع الفنون الأخرى فى ثناياه. كان اختياره متأثرا بما يشعر به من انبهار ، كلما شاهد عروض `الباليه` على خشبة دار الأوبرا، حيث كانت الديكورات جزءا متكاملا مع الموسيقا والرقص والقصة وتصميم الملابس. أسهم فى نفس الوقت - وهو لم يزل طالبا - بلوحاته الزيتية ، فى معارض الربيع السنوية، التى يقيمها اتحاد خريجى الفنون الجميلة.
- تخرج سنة 1956 وقضى عاما فى معهد التربية (دراسات فوق جامعية) قبل أن يصبح معيدا فى نفس الكلية التى تخرج فيها. وفى عام 1961 ، أعلنت إدارة دار الأوبرا المصرية عن بعثة إلى النمسا للتخصص فى أدارة خشبة المسرح. تقدم إليها أربعة فنانين فكان سامى رافع أول المرشحين وخلال خمس سنوات قضاها فى عاصمة النمسا، ألم بكل صغيرة وكبيرة فى المهمة التى أوفد من أجلها: سنة لتعلم اللغة الألمانية وثلاث فى قسم المسرح بأكاديمية الفنون الجميلة، حيث درس معظم العلوم والفنون التى تستهدفها البعثة من ديكور وتصميم ملابس وخدع مسرحية واخراج. زاد فى حيوية الدراسة أن المدرسين، كانوا منتدبين من بين العاملين فعلا فى الميدان، ومن بينهم مدير خشبة مسرح أوبرا فينا، الذى قبل التماس سامى رافع بأن يعمل مساعدا له عاما كاملا بعد التخرج ، قبل أن يقفل راجعا إلى القاهرة.
- خلال مساعدته الميدانية لأستاذه ، عرف تفاصيل كل ما يتعلق بإدارة خشبة المسرح من: ديكور وأكسسوار وبروفات. يقصد بالبروفات إجراء تجارب نهائية بكل ما يتعلق بالعرض المسرحى لإنجازاته، وما يتبع ذلك من تكنولوجيا فى الورش الضخمة الملحقة.
- هكذا عاد سامى سنة 1968 إلى أوبرا القاهرة - المبنى القديم الكلاسيكى ، الذى شيده الخديوى اسماعيل باشا سنة 1869 احتفالا بإفتتاح قناة السويس. عاد مسلحا بالمعرفة النظرية والخبرة الميدانية بأسرار إدارة خشبة المسرح. كانت باكورة إنجازاته هى تصميم وتنفيذ وديكورات ` باليه ليننجراد`، التى تأخر وصولها من الأتحاد السوفيتى. وضع أثناء العام التالى 12 تصميما لديكورات أوبريت ` السنوات المرحة ` متعاونا مع المخرج النمساوى الذى حضر من فينا لهذا الغرض. لم تكد تمر ثلاثة أشهر على العرض، حتى وقعت كارثة حريق دار الأوبرا فى أكتوبر1971، فأنتقلت البرامج إلى `مسرح الجمهورية ` الضيق، مما زاد فى صعوبة تدبير الديكورات المناسبة. مضت ست سنوات كاملة قبل أن تنجح محاولاته فى العودة سنة 1977، إلى هيئة التدريس بكلية الفنون الجميلة.
- حقق سامى رافع أهم إنجازات حياته الفنية، خلال تلك السنوات الست، وهو نصب الجندى المجهول الذى أقيم فى أرض الأستعراضات بمدينة نصر بالقاهرة. بناء هائل هرمى الشكل يناهز أرتفاعه عمارة مؤلفة من عشرة طوابق. لم يبدأ التفكير فى تصميمه سنة 1974، عند إعلان الدولة عن مسابقة بهذا الشأن. خطرت له الفكرة قبل ذلك عقب مشاهدته لأحد برامج التليفزيون. مضى يشكل نماذج ورقية مصغرة (ماكيتات) لا تخرج عن الشكل الهرمى، من حيث إن الهرم مقبرة تحمل معنى الخلود.
- أما أحدث إنجازاته فهى تصميم ديكورات محطات المرحلة الثانية لمترو الأنفاق. ابتداء من قليوب شمال القاهرة الكبرى ، إلى ميدان رمسيس فميدان التحرىر.. ثم عبورا تحت مجرى نهر النيل إلى منطقة المنيب جنوب محافظة الجيزة صمم لوحات جدارية بطول عربة القطار بارتفاع ثلاثة أمتار، منفذة بخامة الخزف الملون. لم تكن هذه المهمة بدورها مفاجأة لسامى رافع فقد شاهد ما تتحلى به أنفاق مترو موسكو من فخامة وعظمة وجمال، وكانت منافستها شغله الشاغل أثناء التصميم. وضع نصب عينيه أن يكون تصميم جداريات كل محطة تعبيرا عن هويتها، المستمدة من معالمها وطبيعة البيئة التى تقع فيها. التصميم من حيث الموضوع وعناصره ورموزه من ناحية، وخطوطه وألوانه وأشكاله من ناحية أخرى. وهو أمر لم يفطن إليه فنانو المرحلة الأولى من مترو الأنفاق، فجاءت ديكوراتهم سطحية هزيلة تجارية الطابع، لا علاقة لها بالمكان والزمان وضع سامى رافع فى اعتباره، راكب المترو الأمى ، وكيف يتعرف على المحطات دون قراءة الأسماء.
- محطة شبرا الخيمة مثلا، تفترش حوائطها، رموز من الإسكندرية ووجه بحرى والدلتا والآثار اليونانية. ساعد على تحقيق هذه الفكرة الحضارية، ما زوده به المكتب الهندسى المصرى الذى يتولى الإنشاءات المعمارية، من بيانات ومعلومات عن البيئة المحيطة بكل من المحطات الثمانى عشرة، مع إبراز الفروق الفردية لكل منها.
- إذا كان سامى رافع قد وصل فى أحدث إنجازاته الفنية، إلى هذا المستوى الرفيع من التصميمات التى تجمع بين الحداثة والكلاسيكية فى تكامل فنى منقطع النظير، فهو إنما يستند إلى تاريخ طويل من الخبرات المنوعة، التى صادف بعضها فى يفاعته كما سبقت الأشارة ، وبعضها الآخر فى سنوات الفتوة والنضج بعد تخرجه فى كلية الفنون الجميلة، وعمله الدؤوب فى ميدان الفن والحياة.. الذى اختاره سبيلا لإبداعاته. إضافة إلى قراءاته الموسوعية فى مختلف مجالات المعرفة.
- إذا تصفحنا سجل إنجازاته عبر قرابة الأربعين عاما، أدهشتنا غزارتها من حيث الكم، ورصانتها ورسوخها وكلاسيكيتها من حيث الكيف . ووجدناها حافلة بأعمال يحتاج كل منها إلى تخصص قائم بذاته انتزع هذه التكليفات فى مسابقة عامة مطروحة بين فنانى مصر. ويؤكد هذا التميز الجوائز العديدة التى حصل عليها، فى محافل دولية ومحلية.
- بين الديكورات التى أعدها على خشبة مسرح الجمهورىة : أوبرا مدام بترفلاى وأوبرا عايدة، هى أكثر تعقيدا من المسرحية العادية، بسبب استحالة تغيير الديكور أثناء العرض لأرتباطه بالموسيقا المصاحبة. كما صمم قرابة الأربعين شعارا لمختلف الأغراض، وسلسلة من أغلفة الكتب غير التقليدية . وقام بين عامى 1970 و 1973 بتجربة رائدة فى كتابة الحروف العربية لأسماء الله الحسنى بصياغة تعبيرىة، نلاحظ ظلالها على الأسماء التى تنتظم أعمدة نصب الجندى المجهول التى ترمز للشهداء. كما أن اللوحات التعبيرية الملونة التى أسهم بها فى المعارض الفردية والجماعية المواكبة لإبداعاته الجماهيرية تشهد بأنه من رواد الكولاج - أى التكوينات الفنية المعتمدة على لصق الأوراق والأشياء والأقمشة خاصة قصاصات الخيش المصبوغ . تشكيلات تدخل فى باب` التعبيرية المجردة `. كما أنه من الطليعة الأولى التى خلطت بين العناصر العضوية والمجردة. وهو الأسلوب الذى نسج على منواله بعض فنانينا فى السنوات الأخيرة.
- فى عام 1968 عقب عودته من فيىنا أقام سامى رافع فى بهو دار الأوبرا القديمة قبل احتراقها، عرضا لصور ديكوراته لدار أوبرا فينا قبل عودته. بينها ما كبث لشكسبير والناى السحرى لموزارت. وهى تتسم بأساليب تجمع بىن التجريد والصياغة التعبيرية التى تفرضها طبيعة الموضوعات المسرحية. من هنا يعتبر من رواد توظيف الأشكال التجريدية للمضامين التعبيرية. أما فى ميدان طوابع البريد ، فقد صمم أربعة عشر طابعا لمناسبات مختلفة. كما لم تخرج كتب الأطفال عن اهتماماته ، فوضع الرسومات الايضاحية التعليمية لكتابين لدار المعارف. إضافة إلى ثلاثة عشر تصميما لإعلانات سياحية ومعارض كلية الفنون الجميلة القاهرية، صمم سنة 1983 جنىها فضيا ضمن سلسلة العملات التذكارية التى تسكها الدولة.
- سامى رافع متشعب المعارف. له فلسفة خاصة ومنطلقات فكرية وإبداعية، يجسدها على أرض الواقع. يرى أن الصور المعلقة على الجدران ، ليست الوسيلة الناجحة فى العصر الحديث، لإشباع الحاجة إلى المتعة الروحية. دخلت دنيا الأنسان الأوروبى فى عصر الرينيسانس (النهضة)، فى مطلع القرن الرابع عشر. ودخلت حياة المصريين مع الحملة الفرنسية سنة 1798. كان الفن قبل ذلك مرتبطا بالحياة فالمتعة الجمالية التى يجنيها شخص ما من تأمل الصورة المعلقة، كان يحصل عليها فى أشكال وألوان السجاجيد والأبسطة والسيراميك على الأرض، والفسيفساء على الجدران واللوحات الحائطية على الأسقف، وتصميمات الأثاث وزخارف الأقمشة التى تكسوه. هكذا يعايش الأنسان الفن فيما يحيطه من أشياء.
- هذه الآراء استطرادا وترشىدا للأفكار، التى طرحها الفنان الفيلسوف المجرى الأصل الفرنسى الاقامة : فيكتور فازاريللى (1908 - 000) التى نشرها فى مجلة `العلم والمجتمع` الصادرة عن هيئة اليونسكو. يرى سامى رافع إمكان تلوين الجدران الداخلية مع حساب علاقاتها بمصدر الضوء الأمر الذى يشبع حاجة الأنسان إلى الراحة والجمال تذكرنا هذه الأفكار بما عرضه المبعوثون الألمان، من أعمال فى قاعة الفنون الجميلة فى الستينيات تحت شعار: ` ضوء وهندسة ` حيث عرض الفنان `بفالر` لوحين متقابلين من الخشب الملون على بعد محسوب. إذا نظر إليهما المتلقى من زاوية معينة ، ظهر له الفراغ الذى يفصلهما وكأنه اتخذ لونا ثالثا.
- يطرح سامى رافع مدخلاً جديدا لتصميم الأثاث، على شكل مجسمات هندسية ملونة تؤدى وظائف المقاعد والمناضد والمكاتب والمكتبات.. إلخ، تطبيقا للنظريات الحديثة التى تعالج علاقات الكتلة بالفراغ. هكذا يتحول المكان إلى مصدر لإشباع حاجة الإنسان إلى المتعة الروحية والجمالية، وتصبح المتاحف هى المكان المناسب لعرض الأعمال الفنية القائمة بذاتها كاللوحات والتماثيل.
بقلم : مختار العطار
من كتاب رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر والعالم العربى
الفنان الشامل سامى رافع.. ولمسة جمال على وجه القاهرة الكبرى!
- مما لا شك فيه أن سامى رافع فنان شامل.. فهو مصمم ورسام ومثال ومعمارى ومصور.. تميز عالمه التشكيلى بالإبداع الرفيع فى تنوع وثراء.. من تصميم ديكور المسرح والأوبرا والباليه، إلى طوابع البريد والعملات التذكارية والفنون الجرافيكية وفن الكتاب مع الملصقات الجدارية والشعارات، وحتى فن الخزف والتصوير الزيتي والنحت وأفلام الكرتون، إلى التصميم الداخلى للصروح المعمارية.. وفوق كل ذلك وأكثر من ذلك تألقت بصمته بالسحر والجمال على وجه القاهرة الكبرى من الشارع إلى الميدان.. فجاء تصمميه لنصب الجندى المجهول المقام بأرض المعارض بمدينة نصر بمثابة هرم مصر الرابع.. جاءت ذروة أعمال مع تصميم ديكورات محطات مترو الأنفاق ` المرحلة الثانية` فى 18 محطة من شبرا شمالاً إلى ميدان رمسيس والتحرير، ثم عبوراً تحت مجرى النيل وحتى منطقة المنيب جنوب الجيزة بمساحة 3180متراً مربعاً.. كل محطة نسق وتعبير ولمسة جمال تشع بالرمز والحيوية والأناقة تحت وفوق أرض القاهرة الكبرى.
- وفى معرضه الذى جاء بشعار ` 60 سنة فن` وأقيم بقاعات مجمع الفنون بالزمالك.. افترشت عشرات الأعمال.. وكانت هذه المناسبة فرصة للدخول إلى عالمه من البدايات الأولى.. والتعرف على معنى الفن فى إبداعاته المتنوعة.
- الطفولة والقدوة
- ولد فناننا سامى فى عام 1931 بحى السكاكينى بالقاهرة.. ومن البداية تفتحت عيناه على العديد من المناهج والصور الشعبية بهذا الحى العريق.. خاصة تلك التى كان يطالعها فى المواسم والاحتفالات الشعبية والدينية.. من موكب الخليفة الذى يحتشد بالبيارق والأعلام إلى صندوق الدنيا و الأراجواز ولعبة النيشان.. وكان أشد ما يطربه في طفولته تلك الصور التى يراها من العدسة الزجاجية لصندوق الدنيا والتى تصور بطولات أبو زيد الهلالى وعنترة بن شداد.
- وبالإضافة إلى ما سبق، نشأ فى بيت يتسم بالثقافة وحب المعرفة.. فوالده الأستاذ رافع محمد رافع من رجال القانون.. وكان يمتلك مكتبة عامرة بمختلف فروع المعرفة والعلم.. من القانون والطب، إلى الموسيقى والفنون والأدب.. وقد ساهم هذا فى دفعه نحو التعلق بالكتاب فى كل اتجاه من مناحى الثقافة، لكن ساعد على تثقيف عينيه وثراء وجدانه ما كان يلقاه فى طريقه من آثار إسلامية عريقة تحيط بمدرسة السلحدار الابتدائية.. مدرسته الأولى والقريبة من باب الفتوح.
- كل هذا ساهم فى تشكيل وصقل موهبته الفنية، وكانت رسومه مثار اهتمام وإعجاب أساتذته به.. وغالباً ما كانوا يكلفونه بالتعبير بالرسم فى المناسبات القومية والوطنية والاجتماعية، وذلك حتى يتم الاشتراك بلوحاته في معارض وزارة المعارف، وبعد عودتها تجد مكانها فى الصدارة على جدران المدرسة.
- ولاشك فى أن شقيقه الأكبر سمير، الطالب بالفنون الجميلة فى ذلك الوقت، كان مثلاً وقدوة حين اتخذ من أحد أركان المنزل مرسماً يضع فيه حامل الرسم ولوحة الألوان مع الفرش والأنابيب.. فقد دأب سامى على مراقبته وهو يرسم بألوان الزيت وما إن يغادر سمير المنزل حتى يشرع هو فى تصوير نفسه أمام المرآة مستخدماً أدوات شقيقه وألوانه.
- وكانت المفاجأة حين أعجب الأخ الأكبر بإحدى لوحات شقيقه الأصغر.. فأخذ يعرضها على رفاقة أعضاء جماعة ` الفن المصرى المعاصر` والذين كانوا يترددون على مرسمه من بينهم عبد الهادى الجزار وحامد ندا وإبراهيم مسعودة.
- من هنا تأكدت صورة المستقبل في أحلام سامى رافع، وهى أن يصبح فناناً تشكيلياً كما يشير الناقد مختار العطار.. فلم يكد ينتهى من دراسته الثانوية حتى التحق بالفنون الجميلة وأختار الدراسة بقسم الديكور لعلاقته الوثيقة بالجماهير.. خاصة وهو الفن الوحيد الذى تلتقى فيه المتعة بالمنفعة.. فن يضم هوامش عريضة تندمج فيه فروع الفنون التشكيلية من رسم وتكوين وزخرفة وتشكيل تماثيل وعمارة.. نفعى مادى من ناحية ويتعلق بالمشاعر والأحاسيس من ناحية أخرى، ويمكن تعريفه بأنه فن التكيف مع الحياة، وأيضاً تجميل الحياة.
- أولى سنوات الإبداع
- عندما التحق الفنان سامى رافع بكلية الفنون الجميلة فى بداية الخمسينيات من القرن الماضى ( عام 1951 )، كانت أعماله الأولى والتى تعد مشاريع دراسية تعكس رؤية لفنان سوف يكون له شأن كبير فى المستقبل من إعدادى فنون.. ولقد تألقت نماذج من تلك الأعمال من فن النحت إلى التصوير الزيتى.. وليس أدل على ذلك من تمثال سقراط والذى شكله فى لمسات تكعيبية. ومن خلال تلك السطوح تموج عيناه بنور المعرفة والحكمة والثقافة.. ويفيض وجهه بالتأمل والاستغراق فى التفكير.. وأيضاً تمثال ` أمومة ` والذى يطل فى تشكيل من الحنان والأمان حيث تستقر الكتلة فى تلخيص شديد لامرأة فلاحة تحتضن وليدها وينحنى الرأس مسكوناً المشاعر التى تحمى الوليد مع صدرها وذراعيها.
- وفى تشكيل بعنوان ` عربة زهور طائفة الجزارين ` يصور عربة زهور يتصدرها رأس بقرة مجسمة، تطل على جبهتها حروف طباعة وكتابات.. وحول مناسبة هذا التمثال يقول : بعد أن تمت ثورة يوليه بنجاح عام 1952، وبدأت ملامح التغيير يشهدها المجتمع فى كل اتجاه.. حدث أن فكرت النقابات التى تضم المهن والطوائف المختلفة فى أن تخرج فى مسيرة تأييد كنوع من الاحتفاء بقادة الثورة، وكانت كل نقابة تقدم شكلاً مجسماً يعبر عن نشاطها.. كان ذلك عام1953 فى أوله.. وقد وقع الاختيار علىّ من قبل طائفة الجزارين بالقاهرة فى أن أقول بتشكيل عربة زهور تخصهم.. وبعد بحث وتفكير، اهتديت إلى عمل قناع من تمثال لرأس بقرة من الحصى.. كان موجوداً فى ركن بالأوبرا القديمة، حيث تصدر العربة المزينة بالزهور.
- ويمكن القول أن فناننا قد سبق مدرسة البوب ` فن الثقافة الجماهيرية` التى ظهرت أواخر الخمسينيات فى أمريكا وأوروبا بهذا التشكيل الذى يخاطب الجماهير أو عامة الشعب. وفى عام 1957 جاء تمثاله ` التحرير` وكان قد تخرج فى الفنون الجميلة بمثابة أغنية تشكيلية للحرية بعد الثورة.. فقد اختزلها فى تكوين مجسم لرجل برأس دقيق صغير بلا تفاصيل.. لكنه عمد إلى تضخم اليدين رمزاً للقوة.. يد تحمل السلاح وأخرى تحمل غصن الزيتون.. وهنا تنساب حركة الضوء من خلال تلك الفراغات المدروسة والمحسوبة بين التشكيل الإنسانى والغصن والبندقية.. مع هذا التلخيص الشديد للكتلة والتى جعلها تبوح فى صمت وتهتف بلا ثرثرة وقد أخدت طابعاً رأسياً يمتد فى الأفق!!.
- واللافت للنظر تتنوع أعمال رافع التصويرية بالقلم الرصاص والألوان من بدايته الأولى ويتأكد فيها عمق ارتباطه بالبيئة المصرية الشعبية والريفية، كما فى لوحته ` طفلة ريفية ` والتى صورها بملامح البراءة و` فلاحة من مصر ` وصور فيها مشهداً ريفياً.. أما لوحة ` السوق ` فقد صور فيها لحظة قبل بداية تباشير الصباح فى غبن الفجر، حيث تتجاوز عربات الفاكهة فى تشكيلات متنوعة وباعتها نيام فوقها وحول الثمار خاصة تين الجميز، لذا أطلق عليها` فى انتظار الجميز ` وهى أعمال تتميز بشاعرية خاصة وقوة تعبيرية تتحاور فيها الخطوط مع المساحات فى حيوية.
- وإذا انتقلنا إلى أعماله الملونة من التصوير الزيتى والألوان المائية.. فنلاحظ بلاشك أن عروسة المولد تمثل ملمحاً شعبياً يحتشد بالحركة.. فقد خرجت العروس على طابعها الساكن وتحولت إلى فتاة بمروحة محفوفة بفارس وحصان وآخر على حمار مع فلاحتين، وفى الخلفية نطالع اشجاراً خضراء مسكونة بطيور بيضاء، أما أمامية اللوحة فتصطف فيها الورود والزهور بالأحمر الصداح مع الأبيض البرئ والأخضر العشبى.
- أما فى لوحة غزو الفضاء يضئ الفنان بفرشاته على جيل المستقبل. فقد صور طفلاً وطفلة يسبحان فى الجو مع طائرتين من الورق وحمامة بيضاء، فهى صورة لاستشراف المستقبل فى ألوان صداحة من الأحمر النارى والكحلى والأبيض. كما تألقت لوحة عمال البناء بحركة السواعد فى شموخ بخمسة شخوص.. وقد غلب عليها البنى الرصين والأصفر الداكن مع الأبيض المشوب بالرمادى ولمسات من الأزرق وهى تعكس قوة البناء والتعمير.
- وجاءت لوحة الجالسة لتمثل صورة للحداثة فى الفن ` أبدعها عام 1985` وقد شكلها من الكولاج ` القص واللصق` مزج فيها مزقات من الخيش مع الألوان، وهى تصور امرأة جالسة تحمل وجها بلا تفاصيل.. وقد تنوعت بالملامس والسطوح. ومع بداية السبعينيات من القرن الماضى جاءت مرحلته ` الحروفية ` فى فن التصور.. وبرغم انتشار ذلك الاتجاه التشكيلى الذى استلهم فيه عدد من الفنانين المصريين والعرب أشكال حروف الكتابة كمثيرات أولية للتجربة الفنية ، فإن تجربة الفنان سامى رافع كما يرى الفنان الناقد فاروق بسيونى تظل ذات سمات خاصة منفردة لأنه راح يؤلف أشكالاً قد تضعها المصادفة، وقد تحتمها ضرورات التشكيل دون أن يقوم بتدمير أو تغيير ملامح حروف الكتابة.. بهدف ابتكار أشكال جديدة أو تمسحاً باستلهام التراث كما يحلو للبعض أن يفعل برغم براءة التراث مما يصنعون، وإنما أخذ أشكال الحروف كما هى مع صياغة الشكل بهيئته الأكاديمية، لايحرف أو يغير فيه ضمن كلمة واحدة، ففى كل مرة تحمل معنى محدداً من خلال حجم الكلمة ومكانها على سطح اللوحة وأيضاً ألوانها وإيقاع حركة حروفها وقد بدأ شكلها معبراً عما تحمله من معنى دون الحاجة لقراءتها.. أى أن الشكل هنا جاء مساويا للمعنى وتضمن المعنى فى الشكل فتحولت الكلمة إلى تعبير تشكيلى بليغ وكائن نابض غير محدد برغم تجريدية الحروف وتراتيل، فلم تعد الحروف رموزا أو علامات بل كائنات نابضة بالتعبير.
- ولقد شكل الحرف العربي مسكوناً بأسماء الله الحسنى.. فنطالع لوحات بمثابة ابتهالات وتواشيح وتراتيل.
- وفى لوحة ` المانع ـــ الضار ـــ النافع` جاء التشكيل دائريا أشبه بقبة، باللون الازرق التركوزاى فى تدرجات على أرضية من الأحمر الطوبى.. وهو يذكرنا بفتحات المشربية يسمو فيه الحرف بالشكل والمعنى.
- أما لوحة ` المعز` والتى جمعت بين البنى المشرق والبيج الدافئ، فقد استلهم الحروف الكوفية والتى تشابكت فى تداخلات من التجليات الصوفية.. حيث نستشعر سحر الكلمة.
- وتبدو لوحة ` مالك الملك` فى إيقاع جديد حيث تستدير الحروف خاصة حرف الكاف.. فى ثلاثية من الأبيض والبيج والأزرق.. ولاشك أن استدارة الحروف قد عكست لتعبيرية المعنى فهو المحيط بكل شئ.
- بيد أن لوحة الرشيد، أعتمدت على البناء التشكيلى للأحراف والتى تميزت بالرشاقة والبلاغة الهندسية. ويسمو الألف فى ` الواحد`، يضيق من أسفل ويتسع من أعلى برشاقة تفرداً وإمعاناً فى قوة الواحد الأحد.. هذا مع درامية الألوان والتى لا تخرج على ثلاثية من البترولى الداكن والبنى المسكون بالنقوش مع الأبيض الصافى.
- هرم مصر الرابع
- سامى رافع فنان يستمتع الناس بأعماله الفنية دون أن يعرفوا اسمه. ولمسته الفنية على وجه القاهرة واضحة.. ومن بين أعماله.. تصميمه للنصب التذكارى للجندى المجهول والذى يعد بمثابة ذروة أعماله والمقام بأرض المعارض بمدينة نصر بمثابة هرم مصر الرابع بارتفاع 32 مترا أى مايوازى بناية من عشرة طوابق.
- ولقد جعل الهرم منطلقا لفكرته وذلك لضخامته ولما فيه من مضمون حضارى وجمالى بالغ العمق.. ولأنه المقبرة الأولى التى بناها الفراعنة لأنفسهم لكى يقاوموا بها عوامل الزمن والفناء.. ولأن الشكل الهرمى يتضمن فكرة الصمود والصعود إلى أعلى حيث قمة الانتصار عند الذروة التى يهمس فيها الهرم فى أذن السماء.. ولكن كتلة الهرم المسطحة تتعارض مع شفافية الرمز ورقته، لذلك جعلها الفنان مفرغة يتخللها الهواء والنور وأصداء الرحمات والصلوات، على حد تعبير الفنان بيكار.
- وحول قصة هذا الصرح الشامخ يقول سامى رافع: كانت الفكرة فى البداية صعبة للغاية.. ولكن ذات مساء فى يوم من الأيام شاهدت الهرم من شرفة منزلى. فى هذه الأثناء عثرت على أول الخيط.. ولم يكن المطلوب نقل الهرم إلى مكان آخر، وإلا ماهى الإضافة هنا.. وكان المطلوب الخروج بشكل فنى يأخذ شكل الهرم من ملامحه فقط كرمز للخلود.. وهنا حولته إلى تشكيل مجنح بمثابة لوحة تذكارية تتحدى الزمن كتب عليها أسماء رمزية لشهداء الحرب فى 1971 من بينها أسماء مثل مصطفى وأحمد وعلى وعبد الرحمن وجرجس وأسحق ومحمد.. تأكيداً على وحدة الشعب المصرى.. وجاءت الكتابات بالخط الكوفى كجزء من الفن الإسلامى الخالص.. وهنا أتصور أننى حققت الخلود للمقاتل المصرى وقد أضفت بعض الأسماء المصرية الصحيحة المرتبطة بأقاليم مصر تأكيداً على وحدتها مثل المحلاوى والإسكندرانى والسويسى وهى أسماء موجودة فى الواقع بالفعل.. وكتب على النصب تخليدا لذكرى شهداء معركة التحرير ` 10 رمضان ـــ 6 من أكتوبر`، وهو هنا قد قدم عملا نابعاً من تراثنا ومواكبا للعصر فى نفس الوقت.. فقد أخذ شكل الهرم ولكن بتركيبة جديدة بليغة توحى بالرسوخ والسمو معا، بينما حين تحطيت أضلاعه بكتابات عربية تمثل شهداء أكتوبر على سبيل الرمز.. جمع بين موروثات العمارة المصرية القديمة وكتابات الثقافة العربية جمعا منطقياً لتغليب لعنصر على آخر وإنما يتوافقان معا بشكل تعبيرى كامل ومن خلال صياغة تكوينية معاصرة.
- وإذا كان المصريون قد استحقوا عن جدارة لقب بناه الأهرامات.. لأنهم أول شعب شيد هذه الأهرام العملاقة من الكتل الحجرية الضخمة لكى يناطحوا بها السحاب، معتمدين على طاقات السواعد وطاقات الفكر في تحقيق أول إعجاز معمارى فى تاريخ الإنسان.
- أى أن سامى رافع قد أضاف بعدا جديداً للهرم.. حين أصبح رمز الجندى المجهول الهوية والذى يعد رمزاً للفداء والعطاء فى أروع صوره ومعانيه.
- ديكور المسرح
- عندما تخرج سامى رافع فى كلية الفنون الجميلة عام 1956 عين معيداً بالكلية، وفى عام 1961 سافر فى بعثة إلى النمسا من قبل دار الأوبرا حيث درس بقسم المسرح بأكاديمية الفنون الجميلة هناك.. درس الديكور وتصميم الملابس والخدع المسرحية مع الإخراج وعاد ليقدم إبداعاته فى هذا المجال.
- وقد تنوعت من أوبرا` الناى السحرى` لموتسارت ` البحار المسكين` لجان كوكتو وماكبث لشكسبير وبستان الكرز لتشيكوف. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى تصميمه لباليه` طائر النار` الذى جاء معبراً فى دقة وحيوية عن مضمون العمل المسرحى مع أعماله العديدة التى ذكرناها.. فقد اعتمد هنا فى رائعة ` سترافنسكى` على خلفية ساخنة اللون نارية التأثير تكاد خيالات الأبنية فيها تذوب فى سحب داكنه تنبثق منها حمرة نارية تثير قدراً من السخونة التعبيرية حتى قبل أن ترى الإيقاع الراقص لأبطال العرض بحيث لا نتوقع إطلاقاً هنا بل هدوءاً فى الحركة أو غنائية رقيقة التعبير، وإنما هنا اقتطاع لجزء من الجحيم.
- وهو في تصميمه لأوبرا عايدة نجده يستلهمه من أشكال المعابد المصرية القديمة بأعمدتها الضخمة، وصراحة العلاقة فيها بين امتداد الأفق وصرحية الخطوط الرأسية المتصاعدة، بينما تبدو الخلفية الزرقاء الليلية والمسكونه بالشكل الدائرى الذى يشبه القمر.. ذو تأثير هادئ مشوب بتوتر مساو لتوتر حلكة الليل المظلم.
- ولقد جمعت أعمال الفنان المسرحية على تنوعها، بين التشكيل والتعبير مع البعد الدرامى الذى يساهم فى تأثيراته الإضاءات الهامة بتدفقها الشعرى ورهافتها التشكيلية خاصة ( المسرح يعتمد على الحجوم والإبعاد والإيهام).
- وتمتد إبداعات الفنان سامى إلى مجال طوابع البريد حيث صمم سبعة عشر طابعاً لمناسبات مختلفة، منها تصميمه بطابع العيد21 للثورة والعيد 28 وطابع انقاذ آثار النوبة وعبور المترو تحت النيل ويوم أفريقيا وغيرها من الطوابع المتميزة وكلها تعتمد على التلخيص الشديد والإيجاز، عكس من خلالها لتلك الأحداث القومية والاجتماعية فى ساحات متنوعة طويلة عرضية ومربعة.
- ولاشك أنه قد امتلك ديناميكية الحدث وصور أعمق أعماقة.
- هذا بالإضافة إلى العملات الفضية التذكارية من ` عبور المترو تحت النيل` وهو من فئة الخمسة جنيهات، إلى كلية الفنون الجميلة ` 1902 ـــ 1908` مع أكثر من تصميم 40 غلافاً نقلنا خلالها إلى آفاق المعرفة.. معتمداً على التصميمات التجريدية مع توليفات من الفوتوغرافيا.. وفى هذا الاتجاه نجح سامى رافع فى استحضار تلك التقابلات اللونية .. من الأحمر والأسود والأبيض والطوبى مع الأزرق والزيتون والأسود والرمادى المخضوض.. والكحلى مع الأوكر` الأصفر الداكن` كما فى كتب: معالم الشعروأعلامه،والانثربولوجيا الاجتماعية، وإصابات الرياضة والعلاج الطبيعى، ودراسات فى علم اللغة وغيرها.
- وقد امتدت إبداعاته إلى فن الملصق من العيد الألفى للقاهرة إلى بينالى القاهرة الدولى الأول للفنون العربية، وحتى ملصقات عديدة ومتنوعة حول السياحة فى مصر من بينها فيلم ` ينابيع الشمس` إخراج جون فينى عن نهر النيل.. وتظل تلك الشعارات التى صممها لهيئات كثيرة أقرب إلى البرقيات المصورة جمع فيها بين التلخيص الشديد والاختزال والرمز مثل شعار محو الأمية وشعار محافظة القاهرة والبنك الوطنى وأكاديمية السادات ومكتبة القاهرة ونقابة التشكيليين وأتيليه القاهرة.
- وكل هذا يعتمد فى الأساس على تكثيف الفكرة.. والوصول إلى قلب وعقل المتذوق من خلال رموز موحية لها قدرة كبير على النفاذ. وقد نجح هذا نجاحاً كبيراً ارتباطاً بخلفيته الثقافية وقدرته التعبيرية مع هويته التى تسمح بالتنوع والثراء والتجدد.
- مترو الأنفاق
يقول سامى رافع: أنا من المعنيين من البدايات الأولى بالقضية الجدلية الشهيرة: هل ينزل الفن للناس ، أم نرفع الناس للفن ليصلوا إلى المرحلة التى يستطيعون معها التفاعل والتواصل مع الفنون بشكل حضارى . وهذه القضية لم تحسم إلى الآن.
- وقد حاولت التوصل لإجابة مع نفسى وتوفرت لى تحديداً عند تصميم رسوم محطات خط المترو الثانى، والصيغة التي توصلت إليها هى ` الفن التشكيلى للناس`، وهو حل أظننى راضى عنه تماماً، فكما كانت اللغة العربية الفصحى شاقة على العامة وسطوها وخلصوها من كل ما كان يثقل كاهلها. رأيت أن الإبداعات التشكيلية لابد أن ترتبط بالجماهير وتخاطبهم مباشرة وأن تدور فى فلكهم بعيداً عن المقتنيات المتحفية الخاصة، ولهذا يمكن أن توصف أعماله بالفن الجماهيرى وعلى رأسها مع النصب التذكارى للجندى المجهول بمدينه نصر فدان من الفن التشكيلى يتمثل فى تجميل 18 محطة من محطات المترو أى مساحة3180 متراً مربعاً.
- وقد توخى الفنان في تصميمها البساطة والعمق فى الشكل والموضوع حتى يميز كل محطة ويتعرف عليها بسطاء الناس، وتلك رسالة تؤكد بالفعل على علاقة الفن بالجماهير وكيفية الارتقاء بالذوق العام وفى الوقت نفسه النزول إلى رجل الشارع بفهم ورقى ووعى حضارى.
- وقد روعى فى الاعتبار أن موضوع كل محطة مأخوذ من أهم معالمها، سواء كانت تاريخية أو جغرافية وعولجت جميع التصميمات بأسلوب خاص حتى تتلاءم مع خامة التنفيذ بالسيراميك.. كما لجأ الفنان إلى الرمز فى أحيان كثيرة.
- وعلى سبيل المثال فى محطة سانت كاترين، جاء التصميم عبارة عن قلبين متداخلين وهما رمز واضح بالطبع للمحبة والوحدة الوطنية والألفة التى تجمع المصريين على مر العصور.
- وفى المحطة الأوبرا بجزيرة الزمالك، اختار إشكالاً فرعونية للتنويه عن الأوبرا عبارة عن لوحة العازفات وبجوارها شخوص فرعونية على شكل فرق كورال تشدو على جانبى المحطة.
- أما محطة الجيزة فقد صور الأهرامات فى شكل هندسى جديد يتفق والاتجاهات الحديثة فى الفن من الخداع البصرى. وبالنسبة لمحطة أم المصريين جاء تحميلها فى لوحتين كبيرتين، الأولى منها الحياة الشعبية مثل الحصان والعروسة والرقص البلدى، واللوحة الثانية تعبر عن السوق وما تحتوى من أشكال وعناصر على رأسها الإنسان والحيوان.
- وتتنوع المحطات من `محمد نجيب` التى اختار لها شكلاً إسلامياً اعتمد على تكرارية كلمة` ما شاء الله` لقرب المحطة من وزارة الأوقاف إلى روض الفرج التى شخصها بمراكب النيل.. أما محطة مسرة، فقد أوحت له مستشفى مسرة بحواس الإنسان وأعضائه مثل العين والاذن والفم فكانت رموزاً على جدران المحطة، أما محطة الجامعة فكان لها تصميم خاص يضم مصباح ديوجن للتنوير بجوار الكتب التى تتطاير كالفراشات.
- نهر الإبداع
من داخل المعرض قلت للأديبة زينب صادق زوجة الفنان الشامل سامى رافع أستاذ الديكور بالفنون الجميلة.. ما رأيك فى تلك الإبداعات؟
- قالت : ` سامى فنان متنوع فى إبداعاته.. كل مرحلة من أعماله تمثل علاقة ومساحة من التعبير.. هو أشبه بالنهر الذى يتفرع على أفرع كثيرة. ولاشك أن أعماله أسقطت الحاجزين الإبداع التشكيلى والجمهور.. وتلك رسالة تجعل من الفن معنى وقيمة`.
- تحية إلى سامى رافع الإنسان والفنان بعمق تلك البصمة من الجمال والتى تألقت بقوة التعبير وسحر الفن.
بقلم : صلاح بيصار
من كتاب: ( أحوال مصرية ) 2005
سامى رافع ومشواره الفنى فى مجمع الفنون
- قالوا عنه إنه الفنان الذى عشق مصر فخرجت أعماله تحمل عطر هذا الشعب وروحه .. فى نصب الجندى المجهول .. وفى محطات مترو الانفاق تشهد أعماله بأستاذيته وإنسانيته ..إنه صاحب أكبر معرض تشكيلى مفتوح ودائم لكل الناس.
- وفى قاعة اخناتون بمجمع الفنون بالزمالك يقام معرض استيعادى يغطى مشوار الفنان الدكتور سامى رافع مع الفن.
- والمعرض أشكالية فى حد ذاته للناس فهو على كثرة ما أبدع إلا أن عمل معرض يعبر عن حقيقة أعماله وعددها هو أمر ليس بالغ الصعوبة فحسب بل يكاد يكون مستحيلا فإبداع هذا الفنان ينتشر فى الأماكن العامة لأنها أعمال مسرحية وإن كانت البداية تعبر بصدق عن موهبة هذا الفنان وقراره الأرتباط بالناس والشارع وتشهد على ذلك مجموعة لوحاته التى رسمها أثناء الدراسة سواء كانت بالقلم الرصاص أو الألوان.
- وأشهر ما قدم هو النصب التذكارى للجندى المجهول بمدينة نصر والذى أصبح رمزاَ من رموز مصر فليس هناك زائر رسمى إلا وذهب إلى هذا الرمز والذى جمع بين فكرة التاريخ فى شكل الهرم المفرغ وبين تمجيدا لتضحية شهداء الوطن وبين حداثه التنفيذ وللفنان أيضا العديد من الأعمال الجدارية فى محطات مترو الانفاق وهى بقدر ما تعطى لمسة جمالية لهذه المحطات فهى أيضا جرعة من الفن إلى الجماهير التى تتعامل مع المترو لرفع الذوق العام والتذوق الفنى لدى الناس وهى تحاول أيضا من خلال الصورة والأبداع التعبير عن المحطة بقدر الأمكان حتى تصبح اللوحة الجدارية هى رمز للمحطة دون حاجة إلى الكلمات أو اللافتات الارشادية وهى أعمال جيدة فى التنفيذ والتشكيل وعلى كثرة هذه الأعمال فأنها ليست وحدها على مساحة رحلة إبداع هذا الفنان الذى قدم العديد من ديكورات المسرحيات وخاصة الأعمال الموسيقية العالمية على دار الأوبرا المصرية وهى تؤكد مدى ثقافة وموهبة هذا المبدع وعمق استيعابه للفنون العديدة والثقافات المتغيرة.
- ورغم أن مثل هذه الأعمال يكفى أى فنان يبدع فى مجال واحد منها فقط ولكن سامى رافع لا يقف عندها بل يضيف أيضا مجالا آخر وهو الطوابع التذكارية والتى تعبر عن تراث حضارى وإنسانى بلا حدود وتتميز بدقة التشكيل وجمال الألوان وآخر مجالات إبداعه حتى الآن هو تصميمات وعمارات فى أنحاء مختلفة سواء كانت مطاعم عامة أو مبانى فنية أو غير فنية تتسم بجمال فنى خاص يؤكد مكانة هذا الفنان فى فن العمارة غير مجموعة الملصقات التى أهتم وشارك بإبداعه فيها وهكذا كانت رحلة هذا الفنان متعددة المواهب والقدرات .
بقلم : نجوى العشرى
جريدة : الأهرام 19 -12-2004
مليونان يشاهدون أعمال سامى رافع يومياً
- سامى رافع فنان من طراز خاص اقتحم مجال الرسم والتصوير والعمل المجسم الميدانى والميدالية والجداريات والتصميم والإعلان والأغلفة وديكور المسرح وتفرد فى كل منها لكن التميز الذى حققه هو أنه استطاع أن يطوع إبداعاته لتشارك الناس والبسطاء فى الأماكن العامة والمفتوحة فأصبح فنه مرتبطا بحاجات الناس والتى أصبحت تتفاعل مع تلك الإبداعات بشكل يومى مباشر كان أم غير مباشر ليجعل التأثير بالفن إيجابياً .. نزل بفنه إلى الجماهير تاركاً القاعات والغرف المغلقة لذلك حينما أقام هذا المعرض الشامل لم يستطع عرض الأعمال لأنها بين يدى الجمهور وإنما قام بعرض صور ورسومات لها ما زال يحتفظ بها .
- يقيم معرضاً شاملاً لمسيرته الفنية فى مجمع الفنون.
- لعل أهم أعمال الفنان سامى رافع كانت فى المجال الميدانى ذلك المجسم النحتى الذى سيظل شاهداً على عبقرية الفنان المصرى المتأصلة والمتواصلة ، العمل الخالد والبناء الهائل والذى يحمل بين طياته البلاغة والبساطة والعمق ، إنه النصب التذكارى للجندى المجهول والذى يعتبر الهرم الرابع الذى يتضمن فكرة الصمود والصعود إلى قمة الانتصار يقول الفنان : حينما بدأت أفكر فى اختيار الهرم كشكل كان من الصعوبة تحويلة من نوع لتحدى الفناء إلى رمز لقبر الجندى المجهول ، فحولته إلى حائطين مرتبطين ببعضهما تكتب عليهما أسماء رمزية لشهداء الحرب والأسماء المصرية الأولى : مصطفى ، أحمد ، على ، عبد الرحمن ، جرجس ، إسحاق ، محمد ، وهذه الأسماء مكتوبة بالخط الكوفى تحت الهرم فى المنتصف مقام من الرخام الأسود المصقول لأحقق بذلك الخلود للمقاتل المصرى فى إطار الحضارات التى مرت على مصر الفرعونية والإغريقية والإسلامية ، فالهرم فن فرعونى ، الكتابات الكوفية جزء من الفن الإسلامى الخالص ، راعيت أيضا فى الأسماء بعض الكنيات الشهيرة مثل المحلاوى والبورسعيدى والأسيوطى والسوسى والإسكندرانى لتكتمل الأسماء وتصل إلى 80 اسما قدمت المشروع وعرض على الرئيس أنور السادات الذى أشار ببعض التعديلات الفنية وأمر بالبدء فى تنفيذه.
- ولمشروع النصب التذكارى قصة يحكيها الفنان الراحل حسين بيكار حيث كان عضوا فى لجنة وضع المشروع وكذلك لجنة التحكيم يقول بيكار : لقد كان هناك اتجاه بأن تقتصر المسابقة على المثالين وحدهم على أساس أن النصب التذكارى يعتمد فى المقام الأول على الأعمال النحتية والتماثيل ، لكننى اعترضت على هذا التضييق وطالبت أن توجه الدعوة إلى المهندسين والفنانين التشكيليين والمصممين حيث إنها فكرة مجسمة تحكى قصة أعظم انتصار عسكرى ويجوز أن تكون الفكرة تمثالاً أو شكلاً معمارياً أو مجرد رمز مجسم يوحى بما لا يوحى به تكوين بالغ التعقيد من الشخصيات والأشكال الواقعية وقد أخذ بهذا الاقتراح وتقدم للمسابقة 75 مهندساً ومثالاً ومصمما ومن العجب أن يفوز بالجائزة الأولى فنان مزخرف تخصصه التصميمم وليس صناعة التماثيل هو الفنان سامى رافع أستاذ الديكور بكلية الفنون الجميلة وبذلك تحققت حكمة التعميم ولولا ذلك لحرمنا من فكرة عظيمة حققت كل ما هو مطلوب من هذه المسابقة فكرة مصرية مائة بالمائة مبتكرة وليست مقتبسة كما أنها فى غاية البساطة والبلاغة كما أن تفريغ الهرم بهذه الطريقة ، يوحى بالشكل والحجم دون أن يحجب الرؤية يخفف من ثقله ويكسبه شفافية لا تذهب بجلالة وبذلك اكتملت الضخامة والرشاقة معاً فى رمزية شكلية بنائية.
- أسماء الله الحسنى
- فى مجال التصوير اتخذ الفنان سامى رافع المنهج نفسه فى التبسيط والبلاغة والتعبير بالكلمات عن معانيها متخذاً من أسماء الله الحسنى منهلاً لأعماله تضم اللوحة اسماً واحدا متوحدا اتخذ أشكال الحروف كما هى دون تغيير أو تأليف أو توليف فيأتى الاسم بمعناه المحدد اختار حجم الكلمة ومكانها على السطح لتوحى بالمعنى من خلال اللون وإيقاع الحركة فى تشكيل حروفها التى تحولت إلى نبض معبر ليتوحد الشكل بالمضمون وهذا هو التفرد فى هذا المجال الذى مارسه الفنان بخصوصية وتفرد وقد جاء هذا التوجه بعد خوض سامى رافع العديد من المراحل الفنية بدأها فى الخمسينيات بالاتجاه الشعبى الفلكلورى ثم بالتجريدى فى الستينيات حتى أصبحت أعماله أشبه بالدراسات اللونية المجردة وهو ما وجهه ففى اهتمامه بمجال تخصص فى الديكور المسرحى الذى وصل فيه إلى البلاغة التى يتعامل بها فى مجالات الفن التى مارسها ذلك الفن الذى توجه إليه من خلال مسرحية ` البخيل ` لموليير التى شاهدها وهو فى السنة الأولى بالكلية ، وقد كانت بالنسبة له مسرحية مملة جدا إلا أن ما شده فيها كان الديكور الرائع الذى كان يتغير بين كل فصل وآخر ليبدأ رحلته مع فن ديكور المسرح المتصل بالناس مباشرة ، وقد قام بدراسته فى بعثه سافر فيها إلى فيينا لمدة أربع سنوات تتلمذ على يدى ` هانز فيلكل ` .. مدير خشبة مسرح أوبرا فيينا ليعود إلى القاهرة ليصمم وينفذ ديكور أوبريت حياة
فنان عام 1970 للموسيقى الألمانى الشهير شتراوس وباليه ` الطائر النارى ` للموسيقى شترافنسكى وديكور أوبرا عايده لفيردى وكذلك أوبرا ` الناى السحرى ` لموزار و ` مدام بتر فلاى ` والتى عرضت عام 1981 على مسرح الجمهورية .
- أستاذ فن التصميم
- اقتحم سامى رافع فن التصميم فى العديد من المجالات بدءاً من الملصقات الحائطية عالية الفكر الخاصة بالأفلام مثل فيلم ينابيع الشمس عام 1971 وكذلك الخاصة بالمناسبات والمعارض التشكيلية مثل بينالى القاهرة الدولى الأول عام 1984 والثانى عام 1986 ومعرض السوريالية فى مصر والعديد من الملصقات السياحية ، الجانب الثانى فى تصميم الشعارات وهى التى تتطلب الإيجاز والاختصار وهو أسلوبه فى فنه ، فصمم شعار مدينة القاهرة وأكاديمية السادات والبنك الوطنى وجائزة الإبداع ومكتبة مبارك ونقابة الفنون التشكيلية وجمعية نقاد الفن التشكيلى .
- الجانب الثالث فى التصميم كان فى طوابع البريد طابع العيد 21 ، 28 للثورة وطابع إنقاذ النوبة وعبور المترو تحت النيل ويوم أفريقيا والعديد من المناسبات .
- الجانب الرابع كان فى تصميمه لأغلفة الكتب فقد قام بتصميم أغلفة أكثر من 40 كتابا فى جميع المواد العلمية والثقافية والفنية .. أما الجانب الخامس فكان فى تصميم العملة حيث قام بتصميم جنيه فضى بمناسبة الاحتفال باليوبيل الماسى على افتتاح كلية الفنون الجميلة عام 1983 بالإضافة إلى العديد من العملات التذكارية الأخرى.
- وآخر محطات الفنان الكبير الشامل سامى رافع كانت تحت الأرض فى محطات مترو الأنفاق حيث اختارته الهيئة للقيام بعمل التجميل التشكيلى لمحطات مترو شبرا الخيمة والبالغة 19 محطة .. والتى يتردد عليها أكثر من مليونى راكب اعتمد فيها الفنان على البساطة فى الشكل والموضوع وارتباط الرسوم بالمحطة نفسها وعلاقتها بالمكان وتاريخه ، ففى محطة العتبة استخدم رموز المسرح ، القناع الضاحك والقناع الباكى وذلك لوجود التجمع المسرحى فى هذا المكان ، أما نهاية خط المترو فى شبرا الخيمة فقد صمم لوحتها الجدارية على نفس الاسم وشكله بخطوط ومسطحات هندسية متداخلة ، وفى محطة سانت تريزا رسم قلبين متعانقين رمزا للوفاق الوطنى بين الإسلام والمسيحية فى مصر ..
- أما فى محطة جامعة القاهرة فجاءت تصميماته تمثل كتبا على شكل فراشات تحوم حول ضوء مصباح المعرفة ، وفى محطة روض الفرج جاء التصميم لمراكب شراعية تسبح فى نهر النيل فقد كانت هذه المحطة أحد المراكز التجارية بمينائها النهرى القديم أما فى محطة فيصل فكان هناك تصميم شعبى يرتبط بالمكان فاستخدم الخطوط السوداء والسميكة فى رسم أشخاص تمثل عروس المولد والفريق الشعبى الذى يحيطها من العازفين النوبيين.
- تعد هذه التصميمات ابتكارات متفردة للفنان سامى رافع تنضم إلى سجله الحافل بالإبداع فى مسيرته كفنان مصرى عالمى تضاف إلى رصيده مفخرة له ولنا وللحركة التشكيلية المصرية.
بقلم : د. محمد الناصر
مجلة : نصف الدنيا 19-12-2004
سامى رافع مبهج البسطاء
- وسط ضجيج الزحام وقبح المبانى الجديدة وأصوات الأغانى المسفة تستوقفنا أعماله الفنية فوق الأرض بالميادين العامة وتحت الأرض بمترو الأنفاق لكى ترحمنا من التلوث البصرى الذى يلاحقنا فى كل مكان .
- فما أعظم أن يتجمل الفنان بأفضل صفات البشر ` بالإنسانية ` ، فيخاطب أحاسيس الناس بأعماله الفنية التى تعبر عن قضايا تمس المجتمع مسا مباشراً ، والتى يقدمها لهم فى أماكن تواجدهم لكى يشاهدوها بدون تكلفة أو عناء .. لتؤكد العلاقة الإنسانية الحميمة بين الفنان الإنسان وبين أفراد مجتمعه .
- سامى رافع هوالفنان الوحيد الذى استطاع أن يفعل ذلك من بين الكثيرين من فنانينا التشكيليين خلال رحلته الفنية الطويلة التى بدأت من 60 عاما .
- عندما ذهبت إليه بمعرضه المقام بمجمع الفنون بالزمالك .. لفت نظرى بأنه الوحيد والفريد من نوعه حيث وضع تحت كل عمل ` متى ولماذا وكيف ` تم هذا العمل !
- استقبلنى أستاذى العزيز بابتسامته المعتادة التى كان يستقبلنا بها ونحن طلاب فى قاعة المحاضرات بكلية الفنون الجميلة ، وقد بدأ حديثه معى قائلاً : أنا محظوظ وربنا وفقنى خلال مشوارى الفنى الذى بدأ من 60 سنة من عام 45 وحتى الآن.
- قلت : سمير وسامى رافع من رموز الفن المصرى والعالمى هل كان للأسرة دور فى تشجيع وصقل الموهبة الفنية ؟
- أجاب : والدى
- كان محاميا وبالطبع كان يتمنى أن أصبح مثله ، وخاصة أن مهنة المحاماه - وقتذاك - كانت من المهن المهمة والمتميزة .. أما والدتى فكانت بعيدة عن الفن ، والغريب أن ميولى الفنية وأنا طفل كانت متجهه إلى الموسيقى .. وكان هناك صديق للعائلة موسيقار ، حاولت أن أتعلم على يديه الموسيقى ، ولكنى فشلت.
- اتجاهى للرسم وحبى له جاء بالصدفة .. حيث كنا ثلاثة أشقاء مشاغبين من وجهه نظر والدتنا ، لذلك كنت آخذ جنبا وأحاول أبعد عن المشاغبة بالرسم ، وكان - وقتذاك - أخى الأكبر سمير طالبا فى كلية الفنون الجميلة فكنت أراقبه وهو يرسم وأنظر إليه بإعجاب وانبهار ، وأثناء خروجه من المنزل كنت آخذ بعض أدواته ` فرش وألوان الزيت ` ، وأحاول أرسم مثله وكل هذا بدون علمه ، وذات مرة عاد للمنزل وفوجىء بى وأنا أستعمل أدواته فأمسك بالرسومات وهو فى حالة هياج ونرفزة شديدة وفجأة توقف أمام إحدى الرسومات ونظر فيها بعمق ثم قال لى : ` أنت اللى رسمت دى ؟ ` فقلت له بخوف : ` أيوه ` فأخذنى بالحضن وقال لى : ` برافو .. برافو عليك استمر وأنا حأشترى لك أدوات علشان ترسم بها على طول : أنت حتطلع فنان `.
- ثم يضيف د. سامى رافع قائلا : وكان أجمل شىء يسعدنى ويشجعنى عندما كان يأتى زملاؤه لمنزلنا مثل عبد الهادى الجزار وصلاح عبد الكريم وغيرهما ، كان يقول لهم : ` شوفوا الولد الصغير بيرسم أحسن منكم يا طلبة الفنون `، وكان عمرى - وقتذاك 12 سنة وأنا محتفظ بهذه اللوحة حتى الآن وهى بورتريه لى رسمته من المرآة .
- قلت : وهل لأساتذتك وزملائك دور فى دعمك ونجاحك الذى نرى جزءا منه من خلال هذا المعرض الشامل ؟!
- أجابنى : ـأكيد وعلى سبيل المثال لوحة الأطفال والطائرة رسمتها وأنا طالب فى كلية الفنون تأثرا بأستاذى العظيم عز الدين حمودة ، وهو أحسن واحد يرسم بورتريه .. فرغم أنه أستاذ تصوير وأنا كنت طالبا بقسم الزخرفة ` الديكور ` إلا أننى تأثرت وأنا أشاهده يرسم بالسكين وبألوان الزيت اللوحة جزءا ، جزءا .. وأيضا أستاذى العزيز صلاح عبد الكريم أستاذ الديكور العظيم الذى علمنى أشياء كثيرة ، وأيضا أستاذى عبد الفتاح البيلى ورئيس القسم الأستاذ مفيد جيد ، كل واحد منهم أضاف لى ولم يبخلوا فى تعليمنا وإرشادنا .
- أما زملائى فقد أضفنا لبعض المزيد وأتذكر منهم جورج البهجورى وشادى عبد السلام وغيرهما كثيرون .. كنا نلتقى بعد الانتهاء من الكلية ونذهب سوياً إلى المعارض والجاليريهات المنتشرة فى القاهرة بعدد أكثر مما عليه الآن نظراً لوجود جاليات أجنبية كثيرة وقتها .. وكانت مشاهدتنا لهذه المعارض تزيد من خبرتنا وحبنا للفن وعادة ما كان يدور نقاش بيننا - نحن الزملاء - حول هذه الأعمال .
- ثم يضيف قائلا د. سامى رافع أستاذ الديكور بكلية الفنون الجميلة : أتذكر أن المرحوم شادى عبد السلام هو الذى حببنى فى فن التصوير الفوتوغرافى وكيفية استخدامه فى عمل إبداع فنى ، ونتيجة تلك الأعمال التى يوجد بعضها فى هذا المعرض .
- سألته قائلة : وماذا عن الزوجة الكاتبة الصحفية والأديبة زينب صادق هل دورها كان واضحا فى مشوارك الإبداعى ؟
- بسرعة رد على قائلا : طبعا دى أهم حاجة وخاصة عندما تكون زوجة فنانة ومبدعة تكون مدركة لطبيعة الفنان ومتطلباته ، وفى نفس الوقت هى أول من يشاهد أعماله ، ولذلك تكون هى أول انطباع كمشاهد على العمل ، وأنا أتأثر وآخذ بوجهه نظرها ورأيها فى العمل وأغير منه بحيث يصل لدرجة تقنعنى وأقنعها به : وهذا حدث بالفعل أثناء عملى تصميمات محطات مترو الأنفاق.
- أبادر د. سامى رافع قائلة : هل من الضرورى لمتذوق ومشاهد الفن التشكيلى أن يكون ملماً بمفردات هذا الفن بكل فروعه ` تصوير زيتى - نحت - جرافيك - ديكور `؟!
- أجابنى : بالطبع لا لأن مفردات الفن التشكيلى صعبة ولا بد من تعلمها مثل أية لغة أو عمل ، وهذا لا يتوفر إلا فى معاهد متخصصة أو بالقراءة المستمرة والمتخصصة والمشاهدة الدائمة للمعارض ، كل هذا يكون اللغة التشكيلية وليس الرسم فقط .. والمشاهد العادى ليس مطلوبا منه معرفة كل هذا، وعليه التأثر بالعمل من خلال إحساسه الفطرى.
- قلت : بعض الأقلام النقدية تقول أن رسوم الفنان الكلاسيكى الذى يحاكى الطبيعة لا تعد فنا ولا إبداعا .. ما تعليقك على ذلك ؟!
- علق قائلا : الأكثر من ذلك أن بعضهم يقول أن الكاميرا أغنتنا عن محاكاة الطبيعة ، وهذا غير صحيح لأن الكاميرا ما زالت فى تطور مستمر وهى تنقل بدون روح ، وتأكيدا على كلامى أنه عندما أضع للطلبة مجموعة أشياء صامتة وأطلب منهم رسمها أجد كل واحد منهم يرسمها بأسلوب وإحساس مختلف عن الآخر وهذا هو الفن .
- ثم يضيف : فى الحقيقة ظهرت فى الفترة الأخيرة طبقة من الأغنياء الجدد نجدها تقبل على شراء الأعمال الفنية لأنه يريد أن يثبت للآخر أنه أغنى منه فيتقمص شخصية المثقف الذى يفهم ويقدر قيمة الأعمال الفنية ، وللأسف البعض استغل هذا وعملوا أية أعمال مودرن لهذه النوعية من الناس فيشترونها وهم متصورون أنها حاجة كبيرة ، ومن هنا حدثت نظرة غير واقعية للفن .
- هل ما زالت حالة الخصام مستمرة بين منفذى عمليات التجميل والتجديد فى المدن وبين الفنانين المتخصصين ؟
- هناك شىء اسمه ` فعاليات العمل ` غير الإبداع فكيف تصل الأعمال للجمهور هذه لها فعاليات معينة ، وهى أولا لابد أن يكون المسئول مقتنعا بإتمام العمل ، ثم لابد من توفير الميزانية الكافية لتنفيذه ..وأيضا لازم يكون العمل قابلا للتنفيذ ، وأنا أرى أن هناك مرحلة من المراحل حدث فيها سكون وسكوت لأية فعاليات لأعمال فنية وحدث الخصام الذى تقولين عنه .. وأذكر لك ما حدث بالنسبة للنصب التذكارى لشهداء أكتوبر وهو الهرم الرابع كما يطليق عليه النقاد.
- عندما تقدمت للمسابقة وحصلت على الجائزة الأولى نشرت صورا للعمل بنبذة عن كيفية تنفيذه وشرح له .. ورآها الرئيس محمد أنور السادات فأعجب بها واتصل بوزير الإسكان والتعمير - وقتذاك - عثمان أحمد عثمان وقال له : العمل المنشور فى الجرنال هايل ولا بد من تنفيذه خلال أربعة شهور مع احتفالات أكتوبر ، فهنا كانت الفعاليات جادة وحقيقية وكل شىء متوافر فأنجز العمل وتم بهذا الشكل العظيم.
- هذا جعلنى أسأله قائلة : هل هناك عمل توقعت النجاح والصدى مثل النصب التذكارى ، ولكن للآسف لم يحدث هذا ؟ !
- ضحك وقال :بالطبع ، ولكن أذكر عملا فى الحقيقة استغرق منى وقتا طويلاً فى التفكير والإعداد والتنفيذ لعمل ماكيت ` نموذج ` له بالإضافة إلى التكلفة العالية التى كلفتها من أجل ذلك والحماس الشديد الذى انتابنى أثناء العمل فيه ، وكان عبارة عن بانوراما أو نحت ليوضع على حائط لمركز ثقافى ، وللأسف بعد أن نفذت الفكرة بنموذج صغير وتقدمت به للمسابقة .. ألغيت المسابقة وضاعت مجهوداتنا وأموالنا !!
- سألت د. سامى سؤالا أخيرا : هل اللوحة الكبيرة التى جمعت فيها كل أعمالك ` تصور زيتى - ديكور مسرح - كرتون - تصوير فوتوغرافى - نصب تذكارية - طوابع بريد - ملصقات - تصميم عملة تذكارية - جداريات - تصميمات ميدانية `.
- اكتملت وأنت راض عنها؟!
- أجابنى : الحمد لله أنا فى البداية قلت لك أنى محظوظ ربنا وفقنى فى كثير من أعمالى التى نالت إعجاب الجماهير وهذا أهم شىء عندى ثانياً النقاد ، وأنا أتذكر كلاما نقدياً قاله عنى الفنان الناقد الكبير أحمد فؤاد سليم فى إحدى الصحف فقال :` سامى رافع هو بدوره من بين أوائل من تمردوا على المواد والوسائط التقليدية فى الأداء الفنى ، ومن بين طليعة الفنانين الذين فتحوا النوافذ لريادة الأساليب الحديثة فى صناعة الفن وصياغته ، وفى إحدى لوحاته التى رسمها عام 1958 وتحمل عنوان ` امرأة مضطجعة ` يثبت أنه أول فنان مصرى يقتحم عالم الخامات الجديدة `.
- ولهذا أحمد الله على ما صنعته من أعمال فنية كان لها الصدى الواسع فى المجتمع.
بقلم : كاميليا عتريس
مجلة : صباح الخير 21-12-2004
سامى رافع يؤرخ لــــ 60 سنة من الفن فى معرضه الأخير
- عارضاً أعمال نحت وديكور ورسوما متحركة وجداريات وملصقات دعاية
- قرر الأحتفاء بالعام الجديد على طريقتته ، أراد للسنة المقبلة أن تحتفى به هى لا العكس ، ونجح بالفعل ، أنه سامى رافع التشكيلى المصرى المولود عام 1931 فى حى القلعة التاريخى الذى يفاجىء الزمن - هذه المرة - وأن يخرجه من مخبئه صاغراً قبل الأوان بأوان.
- وليته لم يفعل، فعدوه ` المزمن ` مقاتل شرس حول نصره خسارة ، وما أن أعلن رافع عن انجاز سنواته الفنية الستين ، قبل اكتمالها فى معرضه المقام حاليا فى القاهرة وحتى نهاية ديسمبر الجارى ، تحت عنوان ` 60 سنة فن - 1945- 2005 ` ، إلا وخرج المعرض ضعيفاً مهترئاً ، يشوبه قصور واضح يسىء إلى تاريخ صاحبه أكثر مما يمجده وخصوصاً فى نظر أجيال جديدة لم تطالع إبداع رافع عن قرب ، ويكاد المعرض الأخير يكون وسيلتها الوحيدة لذلك.
- أعمال المعرض عديدة ومتنوعة ، بين أعمال نحت ، ديكور ، رسوم متحركة ، لوحات لونية جداريات ، وملصقات دعاية ، لم تعرض أصولها جميعاً ، بل ` نقل فوتوغرافى ` عنها وبعضه بالأبيض والأسود ، والبعض الآخر ملون ، وغالبيته يتعلق بمشاريع دراسية أنجزها الفنان أثناء دراسته فى كلية الفنون الجميلة ، كلوحات ` امرأة ` وتصور موديلا بشريا من الخلف تغلب عليها الخطوط الواقعية ، وخاصة الرصاص وفراغ الخلفية و ` البنات ` وهى بورتريه ثلاثى لوجوه بشرية لفتيات صغيرات ، استخدم فيها رافع أيضاً خامة الرصاص ولكن مع التظليل هذه المرة .
- وهى مشاريع مهنية أنجزها صاحبها سابقا ، كأغلفة بعض المجلات ، وشعارات المهرجانات ، وديكورات مسرحية ومنزلية وملصقات دعاية ، أو أنها كذلك لجدارياته على محطات مترو الأنفاق المصرى ، ونصب الجندى المجهول الذى صممه فى سبعينات القرن الماضى .
- ونادرة هى الأعمال التى عرض رافع أصولها فى المعرض اذ اقتصرت على مجموعة ` أسماء الله الحسنى ` والتى اعتمد فيها تقنية الخط العربى ، وبخاصة الأكريليك ، والألوان القاتمة ، ` بنى ، أزرق ، أسود ، زيتى ` ، مع الوردى والأبيض والأسود فى لوحتى ` الحى ، الواحد `، والمجموعة تتألف من خمس لوحات تتصدر قاعة العرض الرئيسية.
- وتضمنت أيضا الأعمال الأصلية لوحات :` المضطجعة ، حياة الأخوة ` وجميعها تنتمى لفن الكولاج المعتمد على خامة ` الخيش ` فى تكوينات موضوع اللوحة الغالب عليه لمسات التجريد والسريالية وخلفيات الأسود الزيتى وأحيانا فراغ الأبيض .
- ولوحتى ` غزو الفضاء ` المرسومتين عام 1957 ، بألوان الزيت وتصور فتى وفتاه يلعبان بطائرة ورقية وحولهما ترفرف حمامة بيضاء ، ولوحة ` مقبرة الغزاة ` وفيها يسجل رافع انتصارات مصر خلال العدوان الثلاثى 1956.
- ويتضح إصرار الفنان ، على تقسيم معرضه إلى قاعات عدة ، خصص كلا منها لنوع من أعماله معطياً الأولوية فيها لصور النصب التذكارى وانجازات فترة دراسته.
- قد يكون المعرض نجح فى تحقيق هدف صاحبه والتأريخ لمسيرته الفنية عبر عرض مقتطفات من انجازه بشتى حقول التشكيل ، ولكنه فى النهاية - المعرض - يصعب ادراجه تحت مصطلح معرض فنى ` استعادى `، فمن ناحية غابت أصول المعروضات حتى أن رافع لم يكلف نفسه عناء اخراج ` ماكيتات ` مصغرة للجداريات والنصب وبعض أعمال النحت ورسوم الكارتون ، والديكور مكتفياً بصور ضوئية لها وحدها ، أو صور تجمعه بها أثناء تنفيذها سابقا، الشىء الذى أضفى مسحة ` استعراضية ` على المعرض جردته من قيمته الفنية ، وأعدمته تلك الرابطة المشتركة بين الفنان وجمهوره ، فبدا المعرض أحادى الجانب رسخ لذاتية الفنان ، ومن ناحية أخرى وبالرغم من حرص رافع على تصنيف معروضاته ، خرج المعرض ` عشوائى ` الروح والشكل يصيب الزائر بحالة من الحيرة والسلبية .
- وكان الأجدر بسامى رافع ، وهو يفكر فى تأطير سنواته الستين - فى ظنى - أن يكتفى بمعارضه الجماهيرية المفتوحة منذ عشرات السنين لروادها فى مترو الأنفاق المصرى وضاحية مدينة نصر ، فهى الأجدر به كأحد رواد الحداثة فى مصر، وكصاحب النصب التذكارى الذى وصفه معاصروه وقتها حين صممه عام 1975 على ارتفاع 32 متراً بأنه الهرم المصرى الخامس .
- يذكر أن رافع يقوم حاليا بتطوير قاعدة المسلة الأثرية المواجهه لمطار القاهرة الدولى ، والتى بدأ العمل فيها منذ العام 2001، وجار انهاؤه قريبا وفق مستجدات هندسية وفرعونية ابتدعها رافع.
بقلم : ميادة الدمرداش
جريدة : الرأى العام 28-12-2004
سامى رافع مترو الأنفاق يتوقف فى محطاتى الإبداعية
- ` 60 سنة فن ` وفدان من الجداريات
- نجح د. سامى رافع أستاذ الديكور بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة فى تجميع كافه أعماله الفنية فى معرضه المسمى ` 60 سنة فن ` ورصد رحلة حياته الفنية من عام 1945 إلى نهاية عام 2004 متضمنة كل المراحل التى يمر بها من تصوير إلى كولاج وديكور المسرح وتصميم أغلفة الكتب والبوسترز والعملات والطوابع البريدية حتى انتهى عند النصب التذكارى للجندى المجهول بمدينة نصر ورسوم وجداريات محطات مترو أنفاق القاهرة ، حيث أكد سامى رافع أنه فنان شامل اقتحم كافة المجالات ووضع بصمته الواضحة فى كل مجال غير أنه يعتز بأعمال مترو الانفاق والنصب التذكارى التى تحتل المساحة الأكبر من تجربته باعتبارها أعمالا فنية جماهيرية.
- واشتمل معرض سامى رافع على 103 أعمال فنية و14 لوحة تصوير تم تقسيمها داخل قاعة المعرض إلى عدة أقسام فهناك مكان للوحات التصوير منذ بداية رحلته الفنية وحتى عام 1975 وهو العام الذى توقف فيه تماما عن التصوير واتجه إلى تصميم النصب التذكارى وجداريات محطات مترو الأنفاق وكل منها موجود فى قسم خاص مستقل مثلما يوجد قسم خاص لأعمال الديكور التى صممها بعد عودته من فيينا ودراسته لأصول ديكور المسرح واشتملت بقية الأقسام على أغلفة الكتب والمجلات وبوسترات المهرجانات الفنية وتصميماته لمداخل المدن وتنوعت بقية أعمال المعرض بين تجارب التصوير الضوئى ورسوم أفلام كارتون ولوحات للخط العربى وشعارات لمحافظات وهيئات حكومية وخاصة ولوحات لعملات فضية .
- ماذا يمثل لك المعرض ؟
منذ عدة سنوات أحاول تجميع كل أعمالى وعرضها لكى يتعرف المحبون للفن على تجربة غير تقليدية ولكننى فشلت لأن أغلب أعمالى لم أجد منها شيئا احتفظ به سوى صورها والأعمال الأخرى المرتبطة بالجماهير كالنصب التذكارى وجداريات محطات مترو الانفاق أصبحت ملكاً للناس وظلت الفكرة فى ذهنى وأخذت منى عدة سنوات حتى استطعت أن أجمع عددا لا بأس به من الأعمال التى عبرت عن رحلتى الفنية التى تمتد حوالى ستين عاما.
- اختلاف
- ما الذى يجعل المعرض مختلفا؟
- المعرض غير تقليدى حسب كلام الفنانين والجمهور حيث تعودوا فى المعارض الأخرى نسقا معينا وهو عرض مجموعة من اللوحات التى تمثل بورتريهات أو مناظر طبيعية بهدف شراء لوحات تثير اعجابهم ، وقد توقفت عن المشاركة فى هذه النوعيات من المعارض منذ ثلاثين عاما خاصة بعد أن ظلت أشارك فيها 20 عاما متواصلة والظروف دفعتنى لهذا الموقف حيث أن سوق اللوحات والتصوير لم تكن رائجة فى الخمسينيات والستينيات ، وكنا نشاهد فنانين متميزين تتكدس لوحاتهم داخل بيوتهم بعد عرضها بالمعارض المختلفة ، وهذا الأمر دفعنى لأن أسير فى طرق أخرى تجعل عملى مرئيا وأكثر احتكاكا بالجماهير مما دفعنى للاشتراك فى مسابقات لتصميم أغلفة كتب وطوابع تذكارية وبوسترز لمهرجانات ثقافية وهذه الخطوات جاءت فى نفس التوقيت تقريبا ففى الوقت الذى كنت أرسم فيه بورتريهات أو أعمال نحت أو زخرفة كنت أصمم أغلفة الكتب والشعارات قبل التخرج فى كلية الفنون الجميلة مما جعلنى احتك بكل مجالات الفنون تقريبا رغم أننى خريج قسم الديكور وأستاذ بنفس القسم.
- لماذا اخترت قسم الديكور ؟
- بدأت علاقتى بقسم الديكور عندما ذهبت مع شقيقى الأكبر الفنان سمير رافع أحد رواد الفن الحديث بمصر إلى دار الأوبرا لمشاهدة مسرحية ` البخيل ` لموليير واذهلنى الديكور بالمسرح رغم ضعف مستوى المسرحية نفسها وقررت بعدها أن التحق بقسم الديكور واتضح لى أنه من الأقسام الشاملة التى تثرى تجربة أى فنان ففى الديكور لابد أن تتسلح بالرؤية الشمولية للمكان وتراعى المساحات وعلاقة المكعبات بالفراغ وانضمامى إلى قسم الديكور مكننى من تنمية مواهبى ، واكتشفت أن ديكور المسرح وحده قابل للابداع بأشكال متعددة وكنت أرفض الأعمال التجارية التى تخلو من الإبداع مثل تصميم الفيلات أو الشقق الفاخرة ، وركزت على ديكور المسرح وسافرت إلى النمسا 5 أعوام لدراسة فن ديكور المسرح ، وفى السنة الأخيرة عملت فى دار أوبرا فيينا ، وبعد العودة إلى القاهرة صممت أوبريت ` حياة فنان ` قبل حريق الأوبرا الخديوية مباشرة وتوالت الأوبرات التى شاركت فى تصميم ديكوراتها بعد ذلك وبجوار مرحلة المسرح الذى اعتبر مصمم الديكور فيه مخرجا تشكيليا بجوار مخرج العمل وكنت أنمى قدراتى الفنية بالمشاركة فى مسابقات مختلفة للطوابع البريدية ، مما ساعدنى فى الحصول على بعض النقود لفوزى بعدة جوائز فى هذا المجال وأول مسابقة للطوابع البريدية شاركت فيها حصلت من خلالها على المراكز الثلاثة الأولى ونلت 150 جنيها مرة واحدة وكنت حريصا على اقتحام كافة مجالات الفن ثم تركها حين يتبين لى أننى وصلت لآخر مرحلة فيها مثل تجربتى فى الخط العربى ، والنحت.
- هل أفادك التنوع فى اقتحام مجالات الفن ؟
- افادنى جدا لأننى أجد مجالات كثيرة أفجر فيها طاقاتى ، وأسعد عندما أقدم عملا جديدا يدهش الجمهور والفنان الحقيقى يقدم أعلى مراحل الابداع فى أى مجال يدخله ، ويعتمد هذا على الموهبة والخبرات وتوظيفها لصالح العمل .
- النصب التذكارى
- تصميمك للنصب التذكارى للجندى المجهول بعد الانجاز الأكبر؟
- هذا صحيح خاصة أننى بعد تنفيذ النصب التذكارى للجندى المجهول فى مدينة نصر وجدت نفسى زاهدا فى الأعمال الأخرى ، وقررت السير فى هذا النوع من الفن الذى يرتبط بالجماهير ، وموضوع النصب التذكارى صدفة وحظ فقد جاءتنى الفكرة عندما كنت جالسا أمام التليفزيون لمشاهدة نشر الأخبار ورأيت وفدا مصريا يزور العراق ويضع الورود على النصب التذكارى للجندى المجهول فشعرت بالغيرة خاصة أننا حاربنا وضحينا كثيرا ومن الاولى أن يكون عندنا نصب تذكارى يسجل ويخلد ذكرى انتصار حرب أكتوبر فبدأت أتخيل رسما لهذا النصب استوحيته من فكرة الهرم الذى يعتبر أكبرمقبرة فى التاريخ ووضعت مسحة عربية حديثة على الرسم بكتابة أسماء رمزية للشهداء الذين استشهدوا فى المعارك وبحكم دراستى وتنوع خبراتى فى الديكور والمسرح ومراعاة البعد الثالث أستقر رأيى على شكل النصب التذكارى ثم احتفظت بالرسوم فى أوراقى الخاصة إلى أن أعلنت وزارة الاسكان بالصدفة - بعد 3 أشهر عن أقامة مسابقة للنصب التذكارى للجندى المجهول وتقدمت للجائزة التى كانت قيمتها 3 آلاف جنيه وكانت وقتها أكبر جائزة تشكيلية وتقدم لها 27 مشروعا لحوالى 50 فنانا ومعماريا وتكونت لجنة التحكيم من وزير السياحة وقتها وكان معماريا ومعه عدد من المعماريين والتشكيليين منهم الفنان بيكار وظهرت النتيجة بفوزى بالمركز الأول وإلغاء المراكز التالية وحصلت على الجائزة وانتهى الموضوع على ذلك إلى أن طلب الرئيس الراحل أنور السادات تنفيذ هذا النصب التذكارى بعد أن شاهد صورته فى صحيفة ` الأهرام ` واقتراح تنفيذه بمدينة نصر حتى يراه الوافدون والسائحون بدلا من المكان الذى كان مقررا اقامته فيه وهو عند منطقة الجزيرة بجوار النيل ، وبالفعل بدأ العمل فى تنفيذ النصب التذكارى لمدة 5 أشهر كاملة وافتتح فى ذكرى حرب أكتوبر عام 1975 بتكلفة 750 ألف جنيه وحصلت على 7 آلاف جنيه أخرى وقابلت الرئيس السادات قبل افتتاح المشروع واستمع منى إلى شرح تفصيلى للنصب التذكارى حيث أخبرته بأن ارتفاعه 32 مترا ومكونا من الخرسانة فقط وأربع زوايا رئيسية تلتقى فى نقطة ارتكاز مركزية بحيث تشكل بناء ذا طبيعة مثلية هرمية ، ومدون فوق الخرسانة أسماء 71 شهيدا بحروف هندسية نسخية وكوفيه واضحة وهذا المشروع منحنى ثقة كبيرة بالأفكار التى كانت تدور بداخلى حول ارتباط الفن بالناس وتبسيطه لهم.
- تجربة رسم جداريات محطات مترو الانفاق تسير فى نفس الاتجاه؟
- اثنى الجميع على النصب التذكارى باعتباره عملا غير تقليدى ومن هؤلاء د.فاروق الجوهرى أستاذ العمارة بهندسة عين شمس والمستشار الفنى لهيئة الانفاق العامة حيث رشحنى لرسم جداريات محطات مترو الأنفاق بعد فشل المهندسين العاملين بالهيئة فى التنفيذ ، وهذا الترشيح اثلج صدرى كثيرا لأنه اتاح لى فرصة الابداع وتوصيل الفن للجماهير ببساطة وكان المطلوب أن تحقق الرسوم أهدافا واضحة كأن تكون مفهومة للعامة وعلى خامة السيراميك حتى يمكن تنظيفها ، وعكفت على تنفيذ التجربة حيث رسمت جدران 19 محطة مترو أنفاق معتمدا على جغرافية وتاريخ كل منطقة تتبعها كل محطة حيث أن كل محطة تختلف عن غيرها فى التصميم والابداع فمثلا محطة مترو كلية الزراعة تشتهر المنطقة الموجودة فيها بالنسيج والسجاجيد فاستوحيت هذا العنصر وركزت عليه بينما محطة مترو الأوبرا ركزت فيها على أوبرا عايدة واستقيت منها ما يتماشى مع شهرة المكان بشكل مبسط ولهذا ركزت مضامينى على التاريخ والجغرافيا والناس وصممت 19 محطة بمسطح اجمالى 3180 مترا مربعا أى حوالى فدان فن تشكيلى تعتمد على الاتزان والوحدة والايقاع محاولا أن تتواجد القيم الفنية الجمالية التى تجذب الناس ولا تنفرهم مما هو معروض ، وقد تحقق جزء كبير مما اردت لدرجة أن العامة يميزون المحطات بالرسوم الموجودة بها.
- هل أنت راض عن تجربتك الفنية ؟
- رغم ثراء التجربة أشعر بأننى لم أخرج كل ما بداخلى لأننى مقتنع بأن الابداع لا يشيخ ولا ازال انتظر عملا جماهيريا يفجر طاقاتى الكامنة خاصة اننى فى حالة استرخاء عقلى وعضلى وانهكتنى مسألة تجميع أعمالى طوال السنوات الماضية ولم يحقق لى الرضا سوى عرضها على الناس والاستفادة منها.
بقلم : زين إبراهيم
جريدة : دنيا الاتحاد 31-12-2004
سامى رافع .. وبصمة الجمال فى كل مكان
- سامى رافع فنان شامل يمتد عالمه التشكيلى بالإبداع الرفيع فى تنوع وثراء من تصميم ديكور المسرح والأوبرا والباليه .. إلى طوابع البريد والعملات التذكارية وفن الكتاب مع الملصقات الجدارية والشعارات .. وحتى فن الخزف والتصوير الزيتى والنحت وأفلام الكرتون إلى التصميم الداخلى للصروح المعمارية .. وفوق كل ذلك وأكثر من ذلك .. تألقت بصمته بالسحر والجمال فى كل مكان من الشارع إلى الميدان ..
- فجاء تصميمه لنصب الجندى المجهول المقام بأرض الاستعراضات بمدينة نصر بمثابة هرم مصر الرابع .. جاء ذروة أعماله مع تصميم ديكورات محطات مترو الانفاق` المرحلة الثانية ` فى 18 محطة من شبرا شمالا إلى ميدان رمسيس والتحرير ثم عبورا تحت مجرى نهر النيل وحتى منطقة المنيب جنوب الجيزة بمساحة 3180 مترا مربعا .. كل محطة نسق وتعبير ولمسة جمال تشع بالرمز والحيوية والأناقة تحت وفوق أرض القاهرة الكبرى سطر جديد فى معرضه الذى جاء بشعار ` 60 سنة فن ` افترشت عشرات الأعمال قاعات مجمع الفنون بالزمالك .. وكنا هناك .. وكان هذا الحوار .
- أولى سنوات الإبداع
- عندما التحق الفنان سامى رافع بكلية الفنون الجميلة بداية الخمسينيات من القرن الماضى كانت أعماله الأولى والتى تعد مشاريع دراسية تعكس لفنان سوف يكون له شأن كبير فى المستقبل من بداية إعدادى فنون .. ولقد تألقت نماذج من تلك الأعمال من فن النحت إلى التصوير الزيتى وليس أدل على ذلك من تمثال سقراط والذى شكله فى لمسات تكعيبية من خلال تلك السطوح الهندسية تموج عيناه بنور المعرفة والحكمة والثقافة وأيضا تمثال ` أمومة ` فى تشكيل من الحنان والأمان حيث تستقر الكتلة فى تلخيص شديد لامرأة تحتضن وليدها وينحنى رأسها مسكونا بالإحساس والمشاعر .
- فى تشكيل بعنوان ` عربة زهور طائفة الجزارين ` يصور الفنان سامى رافع عربة زهور يتصدرها رأس بقرة مجسمة تطل على جبهتها حروف طباعة وكتابات ، يشير إلى ذلك بقوله : بعد أن تمت ثورة يوليو بنجاح عام 1952 وبدأت ملامح التغيير يشهدها المجتمع فى كل اتجاه ..حدث أن فكرت النقابات التى تضم المهن والطوائف المختلفة فى أن تخرج فى مسيرة تأييد ..مظاهر للاحتفاء بقادة الثورة وكانت كل نقابة تقدم شكلا مجسما يعبر عن نشاطها..
- كان ذلك عام 1953 فى أوله .. وقد وقع الاختيار على من قبل طائفة الجزارين بالقاهرة فى أن أقوم بتشكيل عربة زهور تخصهم ..وبعد بحث وتفكير اهتديت إلى عمل قناع من تمثال لرأس بقرة من الجص كان موجودا فى ركن بالأوبرا القديمة حيث تصدر العربة المزينة بالزهور .. ولقد سبق فناننا مدرسة البوب التى ظهرت أواخر الخمسينيات فى أمريكا وأوروبا بهذا التشكيل الذى يخاطب الجماهير .
- وتتنوع أعمال رافع التصويرية بالقلم الرصاص والألوان ، كما فى لوحاته ` طفلة ريفية ` و ` فلاحة من مصر` ومشهد من السوق يصور عربات الفاكهة وباعتها نيام فوقها قبل وصول الثمار خاصة تين الجميز حيث أطلق عليها ` فى انتظار الجميز ` وهى أعمال تتميز بشاعرية خاصة وقوة تعبيرية تتجاور فيها الخطوط مع المساحات فى حيوية.
- أما أعماله الملونة من التصوير الزيتى والألوان المائية ..فلا شك أن عروسة المولد تمثل ملمحا شعبيا لكن هنا خرجت على طابعها الساكن إلى فتاة متحركة بمروحة محفوفة بفارس وحصانه ورجل على حماره وأشجار عليها طيور بيضاء وفلاحات ..كما تألقت لوحة عمال البناء بحركة السواعد فى شموخ فى خمسة شخوص يغلب عليها البنى الرصين والأصفر الداكن والأبيض والأزرق والرمادى ..
- وبعد تخرج الفنان سامى رافع جاءت مرحلته ` الحروفية ` فى فن التصوير والتى شكل فيها الحرف العربى مسكونا باسماء الله الحسنى ..لوحات بمثابة ابتهالات وتواشيخ وتراتيل من النافع .. الضار .. المانع إلى المعز ، مالك الملك ..الرشيد .. بألوان غاية فى الانتقاء من البنى والأزرق إلى الأسود والأزرق السماوى .
- وقد جاءت لوحته ` الجالسة ` والتى تتنوع بالملامس حيث شكلها من الخيش على السطح صورة للحداثة فى الفن .. أما غزو الفضاء والتى صور فيها طفلة وطفل يسبحان فى الجو مع طائراتين من الورق وحمامة بيضاء فهى صورة لاستشراف المستقبل فى ألوان صداحة من الأحمر النارى والكحلى والأبيض.
- هرم مصر الرابع
- فى قاعة من قاعات مجمع الفنون يطل هرم مصر الرابع من صور بمساحات متسعة ومن زوايا عديدة والذى يعد بمثابة ذروة أعمال الفنان سامى رافع والمقام حاليا بأرتفاع 32 مترا ما يوازى بناية من عشرة طوابق صممه كنصب للجندى المجهول .
- وحول قصة هذا الصرح الشامخ يقول : كانت الفكرة فى البداية صعبة للغاية .. ولكن ذات مساء فى يوم من الأيام شاهدت الهرم من شرفة منزلى .. فى هذه اللحظة عثرت على أول الخيط .. لم يكن المطلوب نقل الهرم إلى مكان آخر وإلا ما هى الإضافة هنا ..
- كان المطلوب الخروج بشكل فنى يأخذ من ملامحه فقط كرمز للخلود .. وهنا حولته إلى تشكيل مجنح بمثابة لوحة تذكارية تتحدى الزمن كتب عليها أسماء رمزية لشهداء الحرب مثل مصطفى وأحمد وعلى و عبد الرحمن وجرجس واسحق ومحمد .. وجاءت الكتابات بالخط الكوفى كجزء من الفن الإسلامى الخالص وهنا أتصور أننى حققت الخلود للمقاتل المصرى وقد أضفت بعض الأسماء المصرية الصميمة المرتبطة بأقاليم مصر مثل المحلاوى والأسيوطى والبورسعيدى والإسكندرانى والسويسى وهى أسماء موجودة فى الواقع بالفعل وكتب على النصب تخليد ذكرى شهداء معركة التحرير 10 رمضان - 6 أكتوبر.
- ديكور المسرح
- عندما تخرج سامى رافع فى كلية الفنون الجميلة عام 1956 عين معيدا بالكلية وفى عام 1961 سافر فى بعثة إلى النمسا من قبل دار الأوبرا المصرية حيث درس بقسم المسرح بأكاديمية الفنون الجميلة .. درس الديكور وتصميم الملابس والخدع المسرحية مع الإخراج .. وعاد ليقدم إبداعاته فى هذا المجال من ديكور الأوبرا كالناى السحرى لموتسارت .. والبحار المسكين لجان كوكتو وديكور ومناظر المسرح مثل ما كبث لشكسبير وبستان الكرز لتشيكوف وغيرها من أعمال مثل أوبرا عايدة والتى عرضت على مسرح الجمهورية ومدام بتر فلاى .. وكلها تتسم بحالة درامية تجمع بين التجريد والصياغة التعبيرية التى تفرضها طبيعة الموضوعات المسرحية.
- وفى مجال طوابع البريد صمم سبعة عشر طابعا لمناسبات مختلفة منها انقاذ آثار النوبة وذكرى ثورة يوليو وعبور المترو تحت النيل ودولة العلم والإيمان ، بالإضافة إلى العديد من العملات التذكارية مع أغلفة الكتب والرسوم المتحركة .. كما أمتدت ابداعاته إلى فن الملصق من العيد الألفى للقاهرة إلى بينالى القاهرة الدولى الأول للفنون العربية إلى ملصقات عديدة ومتنوعة حول السياحة فى مصر.
- وتظل تلك الشعارات التى صممها لهيئات كثيرة أقرب إلى البرقيات المصورة جمع فيها بين التلخيص الشديد والاختزال والرمز مثلى شعار محو الأمية وشعار محافظة القاهرة والبنك الوطنى
وأكاديمية السادات ، ومكتبة القاهرة ونقابة التشكيليين وأتيلية القاهرة .
- مترو الانفاق
- جاء التصميم الجمالى لمحطات مترو الانفاق المرحلة الثانية من أهم أعمال الفنان رافع والتى تؤكد على علاقة الفن بالجماهير وكيفية الارتقاء بالذوق العام وفى الوقت نفسه النزول إلى رجل الشارع بفهم ورقى ووعى حضارى.
- يشير إلى ذلك بقوله : جاء التجميل من خلال تلك الرسوم الحائطية لـ 18 محطة مترو استغرقت أكثر من 10 سنوات بمساحة أكثر من فدان من الفن .. وعندما فكرت فى تصميم هذه الأعمال راعيت أن تكون التصميمات فى كل محطة لها طابع خاص من حيث التكوين والألوان والموضوع حتى يتمكن الأمى البسيط أن يتعرف على محطته بدون عناء هذا بالإضافة إلى لمسة الفن واخذت فى الاعتبار أن موضوع كل محطة مأخوذ من أهم معالمها سواء كانت تاريخية أو جغرافية وقد عولجت جميع التصميمات بأسلوب خاص حتى تتلاءم مع خامة التنفيذ بالسيراميك .
- ويضيف : فى محطة سانت تريزا جاء التصميم جاء عبارة عن قلبين متداخلين وهما رمز واضح بالطبع للمحبة والوحدة الوطنية والألفة التى تجمع المصريين على مر العصور .
- وفى محطة الأوبرا بجزيرة الزمالك اخترت اشكالا فرعونية للتنوية عن الأوبرا ولهذا اخترت لوحة العازفات وبجوارها شخصيات فرعونية على شكل فرق كورال تشدو على جانبى المحطة.
- أما محطة الجيزة فقد صورت الأهرامات فى شكل هندسى جديد يتفق والاتجاهات الحديثة فى الفن من الخداع البصرى .
- وبالنسبة لمحطة ` أم المصريين ` جاء تجميلها فى لوحتين كبيرتين الأولى فيها الحياة الشعبية مثل الحصان والعروسة والرقص البلدى واللوحة الثانية تعبر عن السوق وما تحتوى من أشكال على رأسها الإنسان والحيوان .
- من داخل المعرض قلت للأديبة زينب صادق زوجه الفنان الشامل د. سامى رافع أستاذ الديكور بالفنون الجميلة .. ما رأيك فى تلك الإبداعات ؟!
- تقول : سامى فنان متنوع فابداعاته .. كل مرحلة من أعماله تمثل علامة ومساحة من التعبير هو أشبه بالنهر الذى يتفرع إلى أفرع كثيرة .. ولا شك أن أعماله اسقطت الحاجز بين الابداع التشكيلى والجمهور .. وتلك رسالة تجعل من الفن معنى وقيمة.
- تحية إلى سامى رافع الإنسان والفنان بعمق تلك البصمة من الجمال والتى تألقت بقوة التعبير وسحر الفن.
بقلم : صلاح بيصار
جريدة حواء : يناير 2005
توازن دقيق بين رحابة الابداع وحاجات الحياة
- مع منتصف هذا القرن، انتشرت فى الغرب، وبخاصة فى أمريكا لغة جديدة فى الفنون التشكيلية أطلق عليها فن العامة (البوب آرت)، كرد فعل مجابه، لذلك التطور والتغير المتلاحق فى أشكال الحياة المختلفة وانماطها، بعد الحرب العالمية الثانية، وقد تميزت تلك اللغة الجديدة، برفض الموضوعات والعناصر بل ومثيرات الرؤية التقليدية فى الفن، بحجة أنها قد أحدثت انغلاقاً للفنانين على أنفسهم، وعزلتهم عن الجماهير العادية، وصرفتهم إلى البحث فى قضايا فنية متخصصة لا ارتباط لها بحياة الناس.
- وراح أصحاب ذلك الاتجاه الجديد أمثال `أندى وارهول` و`جاسبر حونز` و`روى ليشتنشتين` يستخدمون عناصر جديدة لم تكن مستخدمة من قبل فى أعمالهم، عناصر من تلك التى يستخدمها أو يراها الإنسان العادى فى حياته اليومية مثل ساندوتش الهامبورجر أو زجاجة الكوكاكولا أو عبوة السمك المحفوظ أو إعلانات السجائر والملاهى أو أشغال محطات البنزين، أو حتى إعلانات السينما وصور المشاهير الفوتوغرافية..، يستخدمونها كما هى أو يرسمونها فى تكوينات أقرب إلى التسجيل، كى يستطيع الإنسان البسيط أن يتعرف عليها بل ويتعامل معها.
- وتلك فكرة، كان من شأنها اجتذاب عدد كبير من الناس لتذوق الفنون التشكيلية، لكن، لأن الفن ليس غايته أن يبهر أو يخرج على الناس ببدع جديدة، ولأنه أيضاً ليس إثارة عبثية فحسب، بدأت تلك النزعة فى الانحسار التدريجى، بعد أن أدت دوراً هاماً فى التنبيه إلى ضرورة التغيير فى الرؤية وفق ما يقتضيه العصر، والاهتمام بالإنسان العادى والتواصل معه، وانصرف كثير من الفنانين الذين نهجوا ذلك الاتجاه نحو بلورة رؤى خاصة مغايرة، على حين ظل الثلاثة الذين ذكرناهم مخلصين للفكر ومواصلين للإبداع من خلال مفهوم فن الجماهير أو `البوب آرت`.
- وإذا كان منهج هؤلاء هو استلهام الأشياء المستخدمة العادية فى عمل تصاوير ومنحوتات بلغة تشكيلية بسيطة يفهمها العامة ويتجاوبون معها، فإن ذلك يظل إلى حد كبير منهجاً ناقصاً.. لأن المعنى الحقيقى لفن الجماهير، يجب أن يكون مشاركة للناس فى حياتهم العادية، ليس `بتصوير` أو `نحت` ما يستخدمونه ويتعاملون معه فحسب، بل `بعمل` الأشياء ذاتها التى يستخدمونها أى بتصميم تلك الأشياء وتنفيذها بروح جديدة ومفهوم عصرى جديد، لكى يصبح التأثير بالفن إيجابياً وحقيقة بالفعل، فاللوحة والتمثال مازالا غير ضروريين ضرورة حتمية لدى البسطاء، وليسا جزءاً حميماً من استخداماتهم أمام ضرورات أخرى كالطعام والشراب والمسكن.
- وبالتالى فاللوحة والتمثال هنا ترف لا يقدر عليه سوى الخاصة من القادرين، وحتى معظم هؤلاء لا يتعاملون مع الفن كإبداع حضارى، وإنما تشبها بطبقة النبلاء والارستقراطيين القدامى، وتؤؤل اللوحة والتمثال إلى المتاحف فحسب.
- ولكن، لأن الأمور فى الفن لا تجرى فى أعنتها، أو بالقصور الذاتى، وإنما هى فكر ووعى وانشغال بالواقع، بل واستشراف للمستقبل، اتجه بعض فنّانينا إلى البحث عن منهج يرتبط الفن من خلاله بحاجات الناس، ويشارك فيها مشاركة فعلية من الداخل وليس من الخارج وحده، فراحلوا يطوعون الرؤية الإبداعية كى تثمر نتاجات تطبيقية، مرتبطة كضرورة استخدامية بالإنسان العادى البسيط الكادح، والارستقراطى القادر، بل والمثقف الواعى معاً.
- وعلى رأس هؤلاء، كان الفنان `سامى رافع` من أهم الذين طوعوا `الفن` ليصبح تطبيقياً عملياً مشاركاً بالفعل فى الحياة وملبياً احتياجات العامة دون تعالٍ أو إغراق فى التغريب، ودون تبسيط محل كذلك. وبهذا أستطاع أن يوازن بين تفرد الابتكار وبساطة التواصل مع الناس، من خلال أشكال إبداعية عديدة بدءاً من اللوحة التصويرية حتى النُصب التذكارية، ومروراً بفن الإعلان وتصميم الأغلفة والميداليات والعملات وطوابع البريد والرموز التجاربة والأثاث وديكور المسرح.
وكلها فروع للفن مرتبطة بالحاجات الحياتية اليومية، ومؤثرة بشكل مباشر فى الأذواق وبالتالى فى الأخلاق والسلوك.
- التجربة
- برغم أن تجربة الفنان `سامى رافع` قد حفلت بالتنوع فى الهيئات والتعدد فى التناول التقنى، فإن نتاجها جميعاً قد قام على قانون أساسى ممتد تقريباً فى كل النتاجات هو هندسة التصميم المحكمة، وطريقة تطويعها كى لا تعطل بحساباتها الرياضية حرية التعبير ونبضه الإنسانى، أى أنه قد عمد إلى تحقيق قدر من التوازن بين العقل والعاطفة، أو بين أن يكون الشكل طيعاً، قابلاً للاستخدام محسوباً وفق ما يقتضيه بناؤه، وفى الوقت نفسه يكون غير جامد أو بارد، بل يأخذ من التعبير الإنسانى بالقدر الذى يتطلبه بناؤه الفنى، ولعل ذلك قد تأتى له من بحثه فى البداية فى رافدين تشكيليين أساسين، هما `التجريد التعبيرى`، القائم على إحداث حالة من التوتر عن طريق نثر الدلالات على السطوح، لتنتشر وتتداخل فى حيوية شديدة بفعل المصادفة وتطويعه لها، و`الخط العربى` الذى راح يدرس قوانين بنائه التشريحية، وقيامه على أساس هندسى محكم، وتعدد التنوع فيه دون الخروج على قانون بنائه الهندسى ودون تدمير له، وكلتا التجربتين، فطرية التعبير فى`التجريد التعبيرى`، وهندسة البناء فى `الخط العربى`، قد مدّت الرؤية لديه بقدر كبير من التوازن بين التعبير والهندسة، أو بين العاطفة والعقل، وظل هذا التوازن واضحاً خلال كل ما قدمه بعد ذلك من نتاج.
- أولاً التصوير:
- برغم انتشار ذلك الاتجاه الفنى التشكيلى، الذى استلهم فيه عدد كبير من الفنانين المصريين والعرب أشكال حروف الكتابة العربية كمثيرات أولية للتجربة الفنية، فإن تجربة الفنان `سامى رافع` تظل ذات سمات خاصة متفردة لأنه راح يؤلف أشكالاً من عنده تصنعها المصادفة، أو تحتمها ضرورات التشكيل، دون أن يقوم بتدمير أو تغيير ملامح حروف الكتابة الأكاديمية بهدف ابتكار أشكال جديدة، أو تمسحاً باستلهام التراث كما يحلو للبعض أن يفعل، برغم براءة التراث مما يصنعون، وإنما أخذ أشكال الحروف كما هى، وصياغة الشكل فى الكتابة كما هى بهيئته الأكاديمية، لا يحرف أو يغير فيه، ضمن كلمة واحدة فى كل مرة، تحمل معنى محدداً، ومن خلال حجم الكلمة ومكانها على سطح اللوحة وألوانها وإيقاع حركة حروفها بدا شكلها معبراً عما تحمله من معنى، دون حاجة لقراءتها، أى أن الشكل هنا بدا مساوياً للمعنى، وتضمن المعنى فى الشكل فتحولت الكلمة إلى تعبير تشكيلى بليغ أو كائن نابض غير محدد برغم تجريدية الحروف، فلم تعد الحروف رموزاً أو علامات، بل كائنات نابضة بالتعبير.
- وقد ساعده على ذلك استلهامه لأسماء الله الحسنى، فجعل كل اسم موضوعاً للوحة منفردة، يشكل عالمها، ويمثل `البطولة` فيها، ففى اسم `الواحد` -مثلاً- تبدو الألف الوسطى ضخمة مسيطرة تقطع اللوحة رأسياً بجسارة، تنفرد مسيطرة على التكوين، موحيه بمعنى التوحيد، دون حاجة لقراءة الكلمة، ويبدو لونها الأبيض الصافى محاطاً بالأحمر القانى بينما الأرضية خضراء مناقضه له من حيث برودتها وانبساطها، كأنما هو انسجام للتناقص أو التضاد يجمعه التوحيد بمعناه الصوفى.
- وفى لوحتة `القهار` تبدو صورة الكلمة كدائرة ديناميكية دوارة كمركز إعصار، شديدة الحيوية بخطوطها المتداخله فى قوة، تنبثق من بين لونها الأخضر الهادئ، سخونة حمراء تشيع حالة من التوتر وتؤكد المعنى المكتوب.
- أما فى لوحة `الجبار` فيبدو الإيقاع مختلفاً، إذ تتحول حروف الكلمة إلى كتل ضخمة استاتيكية جاثمة، صرحية الهيئة، تملأ مساحة المسطح كله فتسيطر عليه برغم هدوء لونها.
- وهكذا تبدو تجربة التصوير لديه باستلهام حروف الكتابة العربية فريدة التناول والتركيب، تحول فيها الحرف العربى إلى بطل رئيسى دون أن يفقد جماله التشريحى، وبات التكوين واللون والإيقاع، موحياً بمعنى الكلمة دون حاجة إلى قراءتها، أى أن الشكل لديه قد توحد والمضمون، وذاب المضمون فى الشكل ذوباناً منطقياً جيداً.
- النصب التذكارية
ولعل من أبرز نتاجات الفنان `سامى رافع` النصب التذكارية، التى يقدمها مختلفة تماماً عن المتعارف عليه فى العالم، نابعة من تراثنا ومواكبة للعصر، فالنصب التذكارى لشهداء حرب اكتوبر مثلاً يبدو أخذاً شكل الهرم، وبتركيبة رشيقة بسيطة فى بلاغة، توحى بالرسوخ والسمو معاً، بينما غطيت أضلاعه بكتابات عربية تمثل اسماء شهداء حرب اكتوبر، جامعاً بذلك بين موروثات العمارة المصرية القديمة وكتابات الثقافة العربية، جمعاً منطقياً غير مقحم أيا من عنصريه على الآخر، وإنما يتوافقان معاً بشكل صميم، ومن خلال صياغة تكوينية معاصرة.
- وفى النصب الخاص بمدينة العاشر من رمضان. نراه يضع عشر كتل مربعة، مكتوب عليها `رمضان` بخط هندسى ملائم لأشكالها، وقد وضعت متراكبة بعضها فوق بعض، صانعة بصعودها إلى أعلا شكلاً أقرب إلى حركة `المفروكة`، وهى وحدة تراثية زخرفية إسلامية، وفى الوقت نفسه تبدو الحركة المتأنية عن تحريك الكتل المتشابهة فوق بعضها مثيرة لقدر كبير من الحيوية برغم هيئة العناصر الأولية الساكنة.
- أى أن الأمر لديه، ليس تعبيراً عن حدث أو مناسبة فحسب، وإنما هو `رمز` قائم على بلاغة الشكل الخالص، دون لجوء للمباشرة الخبرية، أو الوقوف إزاء التعبير المسطح.
- الإعلان
- ويعد فن الإعلان من النتاجات الهامة التى قدمها الفنان `سامى رافع` خلال رحلة عطائة الفنية، بتفرده، وتميزه ببساطة التكوين وسخونة اللون وتعدده، وإثارته للبصر، وكذلك إمكان قراءته والتعرف على ما يقدمه ببساطة ودون تعقيد، أو تعال على رجل الشارع.
- ففى إعلانه عن مهرجان الإسكندرية السينمائى الثالث مثلاً، يأخد أعلام الدول المشاركة ويصنع بها شكل الرقم (3) ضخمة مسيطرة على معظم مساحة الإعلان، - بينما المعلومات والتواريخ تبدو فى أسفل التكوين وداخل مساحة مائلة، تبدو بميلها غير تقليدية، وبالتالى جاذبة للبصر، الذى ينجذب أيضاً نحو شكل الرقم (3) لألوانه المتعددة والمتناقضة، والتى تبدو بتناقضها وغرابة وضعها داخل التكوين، وبسهولة التعرف على ما تعنيه، ذات تأثير إيجابى على المارة من العامة.
- ونفس قدر الإثارة للبصر وبساطة التعرف على مضمون الإعلان تراه فى إعلانه عن بينالى القاهرة الدولى الثانى للفنون التشكيلية، والذى يبدو بلونه الأحمر وبذلك المربع الموضوع على إحدى زواياه جاذباً للبصر بقوة، ثم مستوقفاً له كى يتعرف على كلمة بينالى القاهرة التى تملأ المربع، وهى هنا ليست من أجل الإعلان قدر ما هى إثارة للبصر كى يتوقف إزاءها، هابطاً مع حركة `المربع-المعين` إلى أسفل ليقرأ الخبر المعلن فى وضوح.
- وهكذا يبدو وقد حقق للإعلان بساطة واتساقاً يجعلانه مؤثراً إلى حد كبير.
- الأغلفة
- وللفنان `سامى رافع ` عديد من الأغلفة المميزة، بدت جميعاً متوافقة بشكل عضوى مع ما تحتويه الكتب التى تغلفها.
- ففى كتاب `فى عصور العربية الزاهرة` يبدو عنوان الكتاب مقروءاً ببساطة فى ثلث المساحة المطروحة، بينما الثلثان العلويان يبدوان فى هيئة `عربسكية`، حين تتكرر فيها `روائع الأدب` مكتوبة بحروف هندسية، تصنع فى مجموعها إيقاعاً هندسياً رقيقاً أشبه بما تحدثه أشكال المشربيات والخرط العربى، ثم - لكى لا يحدث كسلاً لعين مشاهد الكتاب. ولإثارة فضوله - يختار جملة من تلك الجمل المتكررة ليجعلها بلون مناقض ساخن يشيع قدرا من الحيوية فى التكوين الساكن القائم على تلاقى الخطوط الرأسية بالأفقية فى تعادل دقيق.
- طوابع البريد والعملات التذكارية
- وللفنان سامى رافع تجربة جيدة فى مجال تصميم طوابع البريد والعملات التذكارية، وهو ينتهج فيه نهجه فى بساطة التكوين وتعبير الشكل عن الموضوع، دون إغراب فى التغريب، ودون `حذلقة` فى التحوير، بل يتناول عناصره من الطبيعة، ويبسطها إلى درجة تتحول فيها إلى رمز تعبيرى موضح لمعنى المناسبة، فحين يصمم طابعاً لعيد الثورة، نرى السواعد والأكف وقد تلاحمت حاملة للمدفع والسنبلة ومفتاح الصناعة والقلم، معبرة عن توحد الأمة كلها توحداً إيجابياً، الكل فيه يعمل فى مجاله، وفى طابع آخر عن مجمع الالومنيوم، يرسمه على شكل إحدى رقائق الألومنيوم بلون فضى هادئ، دون حاجة للشرح أو التوضيح، وفى طابع عن `فيله` يدعو لإنقاذها، يصور المعبد فوق الماء، الذى تحول إلى أسهم تشير أعلا رافعة إياها، وهكذا تبدو طوابع البريد رسالات موجهة إلى الناس، حاملة لمعانيها فى بساطة وبذوقٍ تأليفى رفيع.
ونرى الظاهرة نفسها حين يقوم بتصميم عملة تذكارية، فيجعل من الكتابة فوقها الشكل الرامز للمناسبة، فى بساطة وبلاغة معاً، ففى تلك العملة التى قدمها بمناسبة مرور خمسة وسبعين عاماً على تأسيس كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، نجده يتخذ من الرقم (75) الأساس الذى يحوى فى حنو أدوات الرسم والنحت والكتابة رامزاً إلى دور الفن وأهميته.
- الديكور المسرحى
- وفى مجالى ديكور المسرح، يقدم وبنفس منطق البساطة البليغة المعبرة، عديداً من الديكورات لمسرحيات متباينة، بحيث يبدو الشكل - على بساطته - معبراً فى دقة وحيوية عن مضمون العمل المسرحى، ففى باليه `طائر النار` لسترافنسكى، يعتمد على خلفية ساخنة اللون، نارية التأثير، تكاد خيالات الأبنية فيها تذوب فى سحب هائجة داكنة، تنبثق منها حمرة نارية، تثير قدراً عالياً من السخونة التعبيرية، حتى قبل أن نرى رقص الراقصين بحيث لا نتوقع إطلاقاً هنا، هدوءاً فى الحركة، أو غنائية رقيقة فى الإيقاع، وإنما هنا اقتطاع لجزء من `الجحيم`.
- وعكس هذا يبدو تصميمه لديكور أوبرا عايدة، إذ يستلهمه من أشكال المعابد المصرية القديمة، بأعمدتها الضخمة، وصراحة العلاقة فيها بين امتداد الأفق وصرحية الخطوط الرأسية المتعامدة عليها، بينما تبدو الخلفية الزرقاء الليلية، بالدائرة فيها التى تشبه القمر، ذات تأثير هادئ مشوب بتوتر مساوٍ لتوتر حُلكة الليل.
- وهكذا يبدو `سامى رافع` بعديد نتاجه وتنوعه، وقد حقق قدراً كبيراً من التفرد بين فنانينا، لأنه تواصل مع الناس العاديين، وتلاقى معهم دون تعالٍ، وذلك هو الأسلوب الإيجابى الحقيقى، الذى يجب أن نتبعه، إن أردنا من الناس أن تتدرب على ما نقول، وتقرأ لغة الأشكال فى بساطة، بل وتتعلم الذوق الذى هو قانون الفن والعنصر الأساسى فى لغته الراقية.
بقلم: د./ فاروق بسيونى
مجلة : إبداع (العدد2 ) فبراير 1990
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث