`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
محمود سعيد

- تميزت لوحاته بالتركيز على البعد الثالث بإبراز الإضاءة وتجسيد الأشكال والطبيعة الحية والتعبير الحسى الواضح للموديل التى يختارها مثل إبداعه فى لوحات ( بنات بحرى ، بنت البلد ، ذات الجدائل الذهبية ) وغيرها .
الناقد / كمال الجويلى


-الضوء فى أعمال الفنان محمود سعيد ليس ضوءاً تقليدياً.. وإن كان مصدره الشمس أو شمعة أو مصدراً صناعياً .. لكونه آتياً من منابع مختلفة ويسرى فى دوامات الفراغ على هيئة انعكاسات للحزم الضوئية التى تتجمع ثم تتجزأ وبالتالى تتهجن فى وجوه وأجساد ومراكب وسماوات وسحب محمود سعيد بعد أن تشبعت بروح الفنان واندمجت فى ذاته، ونكتشف يوماً بعد يوم أن الضوء حالة باعثة وجاذبة وكاشفة للون وموجاته، فالضوء يكشف لنا الموجات اللونية البصرية للون الأصفر، كما يكشف لنا الموجات اللونية للون الأزرق على سبيل المثال، ومع اختفاء الضوء تدريجياً تختفى معه -بالتوازى- الموجات اللونية الصادرة من اللون نفسه بفعل الضوء المباشر .. لذلك عندما تختفى الشمس لا نرى شيئاً .. وعندما يسطع القمر تبدأ حدقة العين تتسع وتتآلف وتتكيف مع ضوء القمر السحرى الهادىء وتبدأ فى اكتشاف الأشياء بنفس مقدار الأشعة الضوئية للقمر .. وعندما ندخل المدينة فى وجود تباين بين الظلام والضوء، تبدأ العين تتكيف من جديد بقياسات نسب الضوء المتواترة فى المدينة، فقد عالج محمود سعيد الضوء الذهبى فى لوحة الصلاة بذكاء شديد حيث تتابعت الأشعة الضوئية على الأعمدة والعقود فى متواليه ذات إيقاع بصرى موسيقى صوفى مدهش، وومضات الضوء المتراصة على منظومة الأجسام الراكعة فى حوار أفقى ورأسى متجانس .. والمثير للتأمل أن جميع المصلين يرتدون زياً موحداً باختلاف وتنوع الألوان، والجميع يرتدون عمامات بيضاء مسلَّط عليها شهب ضوئية قوية وكون الظلال -عليها- آتية بفعل قوة الضوء إلاَّ أنها تشع طاقة ضوئية، ويأتى ذلك أيضاً بتجاور اللونين الأصفر والأزرق المتباينين والتواتر والتكامل بينهما فى نفس الوقت، ودرجة الأزرق الناتجة جعلت منه ضوءا مقابلاً للضوء الأصفر مما أحدث انجذاباً بصرياً تجاه الرأس، تعبيراً عن الدماغ التى تحمل جهاز الاستشعار المحرك للعقل والجسد .
أ.د./ أحمد نوار
جريدة الحياة - 2004
طاقة الصلاة .. طاقة روحانية تسمو على مادية الإنسان
- هذه اللوحة للفنان السكندرى الكبير محمود سعيد رسمها عام 1946 أى منذ أكثر من ستين عاماً لرجل بسيط فى وضع الصلاة جالس فى سكينة وخشوع وصفاء داخلى رغم مظاهر عاصفة لليلة شتوية بالقرب من شاطئ الإسكندرية حيث افترش لصلاته .. وهذا المنذر بعاصفة أعلى اللوحة وأعلى البحر مخترقاً سماءه هو نفسه ما يوحى وكأنها إشعاعات مضيئة تنفذ عبر السحب تأتى من خلف ظهر المصلى من عمق اللوحة إلى المقدمة كأنها تنطلق به لأعلى بينما هو راسخ فوق الأرض مستغرقاً بين يدى الله.. ليكون فى اللوحة تمثل جميل لحالة بين الحركة والسكونية تفصلهما المياه.. وأيضاً بين الحالة المنبئة بالعاصفة الخارجية والحالة الروحانية الداخلية .
- لتضج اللوحة بطاقة روحانية تسمو على مادية الإنسان الراسخة فى الأرض بطاقة الصلاة وروحانيتها التى جعلت المشهد فى لوحة محمود سعيد يتهادى بين المادية أسفل اللوحة وطاقة الإشعاعات المضيئة أعلى اللوحة .
- وقد استطاع الفنان رغم واقعية اللوحة بكل تفاصيلها من الكشف عن حالة صوفية مخبأة وراء الملابس البالية ووراء استسلام الجسد والكفين وانسدال الجفون فى حالة من الخشوع الروحانى المنسلخ عن مادية أو نتيجة حالة من الانتقال الروحانى بفضل حالة الصلاة وخشوعها المستسلم الآمن .
- وهذه الحالة وهذا الاستسلام الآمن بين يدى الله من الصعب وصفهما أو تصوير تلك الحالة اللامرئية والتى نجد بعضاً من دلائلها من الخارج أما الداخل فهو مغمور فى قلب الصلاة ذاتها وهو أروع من أن تدركه العين تفصيلاً لتترجمها فى ألوان وخطوط لأنه لا يستشعرها إلا المصلى ذاته.. وحين يرسم الفنان هذه الحالة الروحانية فإن مصدره الوحيد هو استحضار ما يستشعره أثناء صلاته والتى تجعله مخلصاً شوقاً وخضوعاً إلى الملأ الأعلى.. وقد كان الفنان محمود سعيد لديه قدر من الروحانية تمثلت فى العديد من لوحات المصلين التى رسمها ومقرئى كتاب الله وحلقات الذكر والدراويش هذا رغم ما كان لديه من قدر كبير من مادية مفرطة فى العديد من لوحات رسمها لموديلاته .
فاطمة على
جريدة القاهرة 31 - 8 - 2010
طاف فى حلقات الذكر وأنصت إلى الترتيل.. دراويش محمود سعيد
- ما بين سلك القضاء وفن الرسم قضى عمره، وبين الطبقة الأرستقراطية التى ينتمى إليها والناس الشعبيين البسطاء من الفلاحين والصيادين رسم لوحاته، سيطرت عليه حالة من التصوف والتأمل فى جماليات الكون والطبيعة والإيمان إلا أن جمال الفتيات السمراوات خلب لب الفنان داخله بأجسادهم الخمرية الذهبية وملامح وجوههن البارزة ونظرات عيونهم الفاتنة، فرسمهن كما لم يرسمهن أحد من قبله أو بعده وبدت فتيات ذوات جمال مصرى شهى الأجواء المتناقضة التى عاش حياته من خلالها انطبعت على إبداعه الفنى وجعلت من الفنان محمود سعيد الأغلى سعراً فى سوق الفن التشكيلى العربى، الرقم القياسى الذى حققته لوحته `الدراويش`عند بيعها فى مزاد نظمته دار `كريستيز` للمزادات بإمارة دبى جعل الكثيرين يعيدون التفكير فى سمات الفن التشكيلى المصرى الحديث.
- ملايين ` الدراويش ` البالغة 2.54 مليون دولار أمريكى والتى جعلت من اللوحة هى أغلى لوحة لفنان عربى حديث على الإطلاق ليست هى الملايين الوحيدة التى تحصدها إحدى لوحاته ، رغم أن القيمة المقدرة للوحة فى البداية كانت تتراوح ما بين 300، 400 ألف دولار ، ففى أبريل الماضى تم بيع لوحته `الشواديف ` بـ 2.43 مليون دولار والتى قام برسمها فى عام 1948، اللوحة تتميز بالمصرية الشديدة وتتضمن مجموعة من الفلاحين يمارسون الرى بالشادوف الذى يرجع تاريخه إلى أيام الفراعنة، كان من المقرر لها فى بداية المزايدة من 150 حتى 200 ألف دولار فقط، اللوحة كانت ضمن 25 عملا فنياً امتلكها محمد سعيد الفارسى الحاكم السابق لمدينة جدة السعودية البالغ من العمر 75عاما، والمشهور عنه ولعه بالفن المصرى الحديث منها خمسة أعمال لمحمود سعيد.
- ولد محمود سعيد فى 8 أبريل عام 1897 بمنزل والده محمد باشا سعيد رئيس وزراء مصر آنذاك، بحى بحرى بجوار مسجد المرسى أبو العباس،أسرته ثريه ألحقته بالمدارس الأجنبية، مدرسة فكتوريا ثم الجيزويت، وبحلول 1914 كان قد أتم دراسته الابتدائية وحصل على شهادة الكفاءة، فألحقه والدة بمدرسة السعيدية بالقاهرة .
- تعلم سعيد الرسم على يد مدرسته أمليا كازوناتو دارفورنو ، ومس بلاك بورن، وبعد أن حصل على البكالوريا من مدرسة العباسية الثانوية عاد للإسكندرية ليتعلم داخل مرسم الفنان الإيطالى أرتو زابييرى بشارع النبى دانيال وهناك تعرف على شريف صبرى شقيق الملكة نازلى وابن خالته أحمد راسم الذى أصدر أول كتاب بالفرنسية عن فن محمود سعيد عام 1937ويعد من أوائل نقاد الفن فى مصر .
- وافق والد سعيد على سفره إلى باريس بعد حصوله على ليسانس الحقوق الفرنسية لدراسة الفن بالقسم الحر بأكاديمية جراند شوميير لمدة عام، وعاد فى عام 1922 ليتزوج من سمية رياض التى رسمها فى لوحاته هى وابنته نادية كما صور أحفاده وأصدقاءه، وكان خالا لملكة مصر السابقة فريدة التى تمت ولادتها فى منزله الذى تحول إلى متحف لمقتنياته بمنطقة جناكليس.
- أول لوحة اقتنتها الدولة منه كانت لوحة `الرسول ` التى صور نفسه فيها ضمن مقتنيات متحف الفن الحديث،فى الوقت الذى عمل فى سلك القضاء،الذى استقال منه وهو فى الخمسين ليتفرغ للفن تماما، حصل كأول فنان على جائزة الدولة التقديرية فى الفنون من الرئيس جمال عبد الناصر فى عام 1960، توفى فى عام 1964فى نفس ميلاده عن عمر يناهز الـ 67 داخل منزله الذى يضم اليوم 50 عملاً من لوحاته الفنية .
- سعيد رسم أفراد عائلته منهم لوحة لوجه عمه محرم ( 1918 بألوان زيتية على أبلاكاش ) كما رسم شقيقته فى عدة لوحات منها ( فتاة بمظلة حمراء ) وهى من المجموعات الخاصة التى يمتلكها الأفراد، ولوحة (عازفة البيانو) لشقيقته وأخرى لزوجته ولابنته نادية، رسم أمه وخالته وأصدقائه مثل `أحمد راسم` و ` أحمد مظلوم` كما رسم نفسه عدة مرات فى مراحل عمرية مختلفة، أشهرها لوحته فى المرسم.
-إجماع فنى على قدرة محمود سعيد على التعبير عن الجمال المصرى، رغم أن أسلوبه ينتمى للمدرسة الأوروبية الذى يتميز بالبناء المتوازن وكثافة الألوان والظلال وغموض الإضاءة نظرا لتلقية فن الرسم من خلال مراسم الأجانب فى العشرينيات بالإسكندرية، علاوة على سفره المتكرر لأوروبا من ايطاليا وفرنسا وهولندا وسويسرا وبلجيكا وإسبانيا .
- سعيد دخل عالماً مختلف الرؤى من خلال رسمة لخصوصية الروح المصرية د.أحمد نوار رئيس قطاع الفنون التشكيلية السابق أكد على تأثر محمود سعيد المباشر بها قائلاً : ` لو قارنا لوحات سعيد بلوحات وجوه الفيوم لنرى أنها تتميز بنفس الروح، بل إن رؤيته شملت التقنية العالمية ولكن بروح أصيلة، فهو من الذكاء الذى جعله يضيف العناصر المحلية المميزة للبيئة المصرية، وضرب ` نوار ` مثلا بالفنان أحمد صبرى الذى عاصر سعيد قائلا: أحمد صبرى ذاب فى الشخصية الأوروبية ولم يستطع تأكيد شخصيته كمحمود سعيد فى أعماله، مشيراً إلى تفرد شخصية سعيد وفكرة ولونه الفنى الذى ميزه عن غيره من معاصريه .
- وعن لوحة `الدراويش ` أكد ` نوار ` أنها أهم لوحاته نظرا للبناء الحركى الظاهر بها للدراويش والذى خلق لحظة التألق والتى يتم تدريسها للطلبة بل إن بها طاقة إحساس عالية لا مثيل لها.
- رسم المناظر الطبيعية، شط الإسكندرية، نيل الأقصر، جبال القصير، الريف المصرى، بنفس القدرة على رسم الشخوص المحيطة به والعاملين عنده مثل لوحة `الأسطى فرج `، وإن كان من أهم لوحاته ما رسمها للفتاة المصرية السمراء مثل `بدرية` و `نبوية ` و `نعيمة ` وغيرهن من البنات الشعبيات ذات الجمال المتوحش المصرى والعيون العسلية اللامعة والبشرة الخمرية الساحرة، رسم لهن لوحات منذ عام 1927 وحتى منتصف الخمسينيات، `ذات الرداء الأزرق`، و `بدرية `، ` ذات العيون العسلية `، ` ذات الأساور الزرقاء `، `فتاة بمنديل`، كما رسم بنات بحرى فى عدة لوحات `بنات بحرى` و `جميلات بحرى` ثم جمعهن فى لوحته الشهيرة `المدينة` و `المعروضة حاليا فى متحف الفن الحديث بدار الأوبرا .
- كما رسم بعض الطقوس والشعائر الدينية مثل `الصلاة `، `الذكر`، `المقرئ فى السرادق`، التى عكست حالة التصوف التى عاش بها الفنان برغم طبيعته الأرستقراطية والتى بدت بوضوح فى رسمه لعائلته وأصدقائه، لكن عشقه المجتمع المصرى البسيط جعله يرسم أجمل لوحاته فى الإسكندرية رشيد والمنصورة والريف المصرى، فرسم لوحة `الأسرة ` فى عام 1938 و `الجزيرة السعيدة ` و `الحمار` `قبو باكوس برمل الاسكندرية ` `وفى الخريف ` خلال فترة العشرينيات، و `حمام الخيل بالمنصورة` فى عام 1930، و `الصيد العجيب` و`الصيادون فى رشيد عام 1940، و1941 كما رسم النيل عند الغروب فى الأقصر `عام 1944، والإسكندرية فى الليل`، و `مرسى مطروح عام 1947، وأسوان وعدة مناظر للجبال فى مصر ولبنان وأوروبا، ومن أشهر لوحاته لوحة `حفل افتتاح قناة السويس` التى رسمها فى عام 1947 وهى ضمن مقتنيات متحف الفن الحديث .
عشق فى الدراويش صوفيتهم.. وعشق
فى بنات بحرى توحشهن وخمريتهن ..
- ورسم للدراويش لوحتين الأولى فى عام 1928 بعنوان `الدارويش دراسة ` ألوان زيتية وهى ضمن المجموعة المملوكة لأحمد مظلوم، والثانية رسمها بعدها بعام واحد بعنوان `الدارويش - المولوية ` وهى كانت من مجموعة د.سعيد الفارسى، الأولى تضم ثلاثة دراويش يطوفون حول نفسهم بالطريقة الصوفية والثانية تحوى مجموعة من الدراويش بزيهم الأبيض وطربوشهم الأحمر الطويل يرقصون داخل تكية الدراويش على شكل دائرى.
- أقام الفنان معارض خاصة خلال حياته منها معرضان بمدينة نيويورك عام 1937، ثم فى أتيلييه الإسكندرية، كما نظمت جمعية محبى الفنون الجميلة معرضا شاملا له بأرض المعارض بالجزيرة عام 1951 ضم 145 لوحة من أعماله وآخر فى متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية ضم 120 لوحة بمناسبة حصوله على جائزة الدولة للفنون فى عام 1960، وكان آخر المعارض له بعد وفاته أقامته وزارة الثقافة فى عام 1991 بمركز الهناجر، أما المعارض الجماعية فقد شارك فى الكثير منه أهمها مشاركته فى الجناح المصرى بمعرض باريس الدولى وحصل فيه على الميدالية الذهبية عام 1937، كما شارك فى معرض مصر بمتحف اللوفر، بينالى فينسيا، معرض الفن المصرى بموسكو، وغيرها من المعارض داخل مصر وغيرها.
- يذكر أن مجموعة الفارسى التى تم بيعها فى دبى ضمت 30 عملا لرواد الفن المصرى فى القرن العشرين أمثال محمود سعيد وراغب عياد وعبد الهادى الجزار وحامد ندا وسيف وانلى وأدهم وانلى وادم حنين، وبلغ إجمالى مبيعات المجموعة 6.73 مليون دولار .
أمانى عبد الحميد
2010/11/ 3 - المصور
مقتنيات شيرويت شافعى فى كتاب
- مجموعة من لوحات الفنان المصرى محمود سعيد اشترتها شيرويت شافعى فى تسعينات القرن الماضى من سيدة مصرية تقيم فى باريس .
- ومثلت تلك الأعمال نواة لمجموعة لوحات تمتلكها شافعى جعلت منها واحدة من أشهر مقتنى الأعمال الفنية فى مصر والشرق الأوسط .
- وتروى شافعى رحلتها مع هوايتها فى كتاب مصور من الحجم الكبير صدر حديثاً عن قسم النشر فى الجامعة الأمريكية فى القاهرة تحت عنوان ` الفن المصرى فى القرن العشرين `.
- الكتاب باللغة الإنجليزية وكتبت له المقدمة الدكتورة منى أباظة، ويمثل سيرة ذاتية للسيدة شيرويت شافعى ورحلتها مع الفن منذ عملها فى التليفزيون المصرى أوائل الستينات وحتى بداية تكوين مجموعتها الخاصة مطلع التسعينات من القرن الماضى .
- ويسلط الكتاب الضوء على أعمال عدد من المبدعين المصريين، ويعد شاهداً على فترة من أزهى فترات الإبداع التشكيلى المصرى، خصوصاً أن شافعى معروفة بقربها من الكثير من الفنانين المصريين وعاينت من قرب لحظات تألقهم وإبداعهم من خلال أحد أشهر البرامج التليفزيونية الذى ظلت تقدمه طوال ثلاثين عاماً وهى فترة عملها فى التلفزيون المصرى.
- تقول شافعى : ` لم يكن لدى أى معلومة أو اهتمام بالفنون التشكيلية، حتى بدأت العمل فى التليفزيون المصرى كمعدة ومخرجة لأحد البرامج الخاصة بالفن التشكيلى فقد كان على أن ألتقى الفنانين المصريين وتسجيل أحاديثهم، ومنذ ذلك الحين بدأ عشقى يتنامى للفن التشكيلى ورموزه ومنهم الفنان محمود سعيد والذى سجلت معه أولى حلقات البرنامج الذى كنت أقدمه حينها `.
- يضم الكتاب صوراً لأعمال لم تعرض من قبل لعدد كبير من الفنانين المصريين .وخلافا للوحات محمود سعيد النادرة توجد أعمال أخرى لمحمود مختار وحامد ندا وراغب عياد والأخوين وانلى وتحية حليم وغيرهم .
- وتروى شافعى فى الكتاب ذكرياتها ورحلتها مع اقتناء الأعمال الفنية منذ أول لوحة اقتنتها للفنان حامد ندا، قائلة : ` أول عمل فنى أقتنيه كان لوحة للفنان حامد ندا، وكنت أعرفه جيداً، لأنه كان صديقاً لزوجى، حينها كنت أعمل فى التليفزيون المصرى، ولم يكن يدور فى ذهنى جمع كل هذه الأعمال التى لدى، ولم نكن نفكر أنا وزوجى مطلقاً فى هذا الأمر، كنا مجرد موظفين لقد بدأ الأمر كله معى بمحض الصدفة.فقد اتصلت بى ذات يوم سيدة مصرية تعيش فى باريس وهى ابنه لأحد الباشاوات المشهورين قبل الثورة، وأخبرتنى أن لديها مجموعة من لوحات الفنان محمود سعيد وتود أن تبيعها لى `.
- وتضيف : ` كانت هذه فرصة كبيرة ساقها لى القدر جمعت ما استطعت من مال وحولته لها فى فرنسا وحين أرسلت الأعمال كانت مفاجأة، لأنى وجدت أمامى مجموعة رائعة، ومن يومها بدأت علاقتى بجمع الأعمال الفنية ولم أتوقف حتى اليوم ` .
- وتوضح : `ومع الوقت تمرست على هذا الأمر وأصبح لدى من الخبرة ما يخولنى الحكم على العمل الجيد أو غير الجيد وما ساعدنى على اقتناء كل تلك الأعمال هو أنى لم أكن أشترى فقط بل كنت أبيع وأشترى ولكنى كنت أحتفظ فى النهاية لنفسى بأفضل القطع التى أعثر عليها `.
- وعن أكثر الأعمال قربا إلى قلبها، توضح : ` أستمتع كثيرا بكل الأعمال الموجودة وأسعد لحظة لى هى التى أجلس فيها إلى جوارها ولكننى أجد فى أعمال حامد ندا ومحمود سعيد متعة خاصة لا تضاهيها أى متعة أخرى، فأعمال سعيد على سبيل المثال، كما يقول عنه الفنان والناقد الراحل رمسيس يونان، تحمل سحراً يتجدد كل يوم فهى أعمال لا أمل من رؤيتها أبداً وأستمتع بها فى كل مرة أنظر إليها `.
- وتضيف : ` لقد بهرنى الفنان محمود سعيد بشخصيته حين التقيت به فى بداية الستينات لأنه كان إنساناً فى غاية التواضع والأخلاق العالية وما زال يبهرنى بفنه وإبداعه حتى اليوم ` .
ياسر سلطان
2011/1/6 - الحياة
تلاوة القرآن الكريم ..شحن القلب والروح
- لوحة `المقرئ فى السرادق` 1960 للفنان الرائد الكبير محمود سعيد 8 أبريل 1897 - 8 إبريل توحى بأجواء روحانية حاملة لصوت يذكرنى بالقارئ الجليل الشيخ محمد رفعت.. اللوحة يتوسطها مقرئ داخل سرادق يجلس فوق دكه مرتفعة مستغرقاً فى التلاوة لكلمات الله الشريفة لنستشعر فيها كثافة روحانية اللحظة.. ويجلس إلى يمين المقرئ مقرئ آخر ينتظر ربما دوره للتلاوة وقد أحنى رأسة كأنه يستمع بكيانه كله وليس بأذنيه.. والى جوار دكه القراءة إلى يمن اللوحة يجلس شيخ آخر وقد أحنى رأسه مستمعاً خاشعاً.
- الشيوخ المقرئون الثلاثة مرتدين للزي الأزهري `الجبة` و`العمامة` وفيهم حالة من الاستغراق الممتع المتأمل لكلمات الله عز وجل.
- المشهد المادى الملموس بكامله ينتقل الى حالة روحانية.. وقد رسم الفنان المشهد فى اهتمام كبير بالعنصر الزخرفى فى الخلفية وجعل دوائر ومنحنيات العناصر الزخرفية تجد لها صدى فى المنحنيات العديدة لأكمام ملابس المقرئون خاصة أكمام ملابس القراء واستدارات عماماتهم كما اعتمد الفنان على الإيقاع الموسيقى المتهادى بتلك الانحناءات الزجاجية طولاً الى أسفل مقدمة الدكة الخشبية الجالس فوقها المقرىء..وليبدو لنا المشهد بكل عناصره يتجاوب ويكمل الحالة الروحانية المتهادية فى نعومة توحى بسلام وانسجام هادى الإيقاع يشمل المشهد بشخوصه وأوضاعهم.. لكن مع التأمل نستشعر أن المشهد والمقرئون يتهادون بين السكون والحركة.. بين سكونية أوضاعهم الجسدية وحركية اتجاهات ملابسهم وانسياباتها وتوقع صدور لفتة منهم أو حركة بين كل سكنه بين آيات الله الكريم.
- مشهد اللوحة يدعو للتأمل الروحى فى امتزاجه بالعنصر الزخرفى للفن الإسلامى رغم شدة الإضاءة الداخلية إلا أن روحانية المشهد تجعل الكلمات تنتشر عبر المشهد حتى نكاد نستشعر إيقاع التلاوة والسكتات بين آيه وأخرى.. وهذا التقابل بين الحركة والثبات والسكون المقطوع ثم المتصل بين تلاوات الآيات نراه يبدو كتفاعل جدلى يمثل جوهرة الوجود أو يمثل تبادلية الظاهر والباطن.
فاطمة على
القاهرة - الثلاثاء 7/ 8/ 2012
إبداعات مصرية .. العائلة
- رسم محمود سعيد لوحة العائلة عام 1936 وهو فى قمة نضجة الفنى ويظهر فيها بجلاء عناصر لغته الفنية و شخصيته المصرية المتفردة وعالمه الفنى شديد الخصوصية.. البناء المعمارى الشامخ والنزعة التحليلية الهندسية لمسطح اللوحة.. الضوء الداخلى الذى يشع من اللوحة معاكسا تلك القتامة التى تغلفها.. الوجوه الأخناتونية والأجساد الصلبة الملفوفة فى استدارات وتكويرات كأنها تماثيل فرعونية قدت من حجر.. ثم تتجلى نفحة العبقرية فى هذه النزعة الحسية التى تتبدى فى هذا الحس الإنسانى الذى تتفجر به شخوصه خاصة من النساء اللاتى يسيطر عليهن شبق ربة الإخصاب ووجد وحنان الأم الراعية والربة الحامية فى آن واحد .
- تصور اللوحة عائلة من أبناء الأرض من الفلاحين .. أب وأم ورضيع .. التكوين الهرمى قاعدته تحتلها الأم الجالسة على الأرض تحتوى رضيعها بين ذراعيها تلقمة ثديها الممتلئ بالوفرة والخير ..وأعلاهما ينتصب الأب سامقا أقدامه على قاعدة الهرم ورأسه فى قمتها وكأنما يمثل التكوين التدرج الهرمى فى العائلة الرجل فى قمة الهرم تليه المرأة ثم الأبناء.
-علاوة على التضاد بين مكانى الرجل والمرأة فى القمة والقاعدة فى التكوين فقد خلق الفنان تضادات أخرى.. فالمرأة فى كامل هيئتها.. الفستان الأزرق والملاءة السوداء ومنديل الرأس وحتى الكردان الذهبى يلف عنقها.. تكويرات جسدها وألوانه الساخنة المضيئة تشي بجسد بض يحاكى فى غضاضته جسد الرضيع الذى تردد تكويراته جسد أمه وتجعل الجسدين يتوحدان فى كتله واحدة .. أما كتلة الرجل فهى منفصلة نسبيا وهو شبه عار إلا من إزار يلف وسطه وطاقية تغطى رأسه وكأنه فى هيئته فلاح أتى إلى اللوحة من رسم حائطى لمقبرة فرعونية.. التفافات جسده المحبوكة وألوانه النحاسية القاتمة تعطى مظهر من يعمل يومه فى شمس مصر الحامية ليكسب قوته بقوة ساعديه، وإمعانا فى تأكيد هذا فقد جعله الفنان يثنى ساعده ويتكئ على إحدى ساقيه كمن يستريح من عناء عمل شاق .
- وبرغم أن الوحدة بين الكتلتين كتلة الأب وكتلة الأم والطفل تأتى من الإطار الخارجى للهرم إلا أن ما يوحدهما بقوة هو ذلك الشعور الحسى الذى يتجلى فى إيماءة رأسيهما ونظرات أعينهم الحانية الموجهة للطفل اللاهي عنهما بطعامه.
- خلفية اللوحة تظهر عالم محمود سعيد فنان المنظر الطبيعى المصرى كما صورة فى العديد من لوحاته.. الخطوط الرأسية للنخيل، تتعارض بحدة مع خط الأفق وتتحاور مع الخطوط المحورية لشاطئي الترعة لتخلق العديد من المثلثات والمستطيلات التى تتناغم لتخلق هذا العالم شبه الأسطورى .
- مثل أى فنان فذ يسيطر باقتدار على لغته الفنية يجعلك محمود سعيد تتجول فى اللوحة كما يريد.. يقودك إلى حيث توجد مكامن التعبير لتتوقف عندها وتنهل من عبيرها.. خطوط القوى الرئيسية يمينا ويسارا تنزلق صاعدة إلى أعلى قمة الهرم حيث رأس العائلة.. من يمين الصورة حيث الجاروف المغروز فى الطين تصعد عبر الفخذ ثم تنحرف مع الساعد لتتوقف برهة عند المرفق ثم تكمل طريقها صاعدة إلى الرأس وهنا تقودها إلى أسفل نظرة العين مرورا ببروز الأنف وتدبيبة الذقن إلى رأس الأم التى تقودها بدورها من خلال استطالتها ونظرتها إلى أسفل إلى حيث رأس الطفل وهنا تجد العين مرادها وتستقر فى هذه المساحة الرحبة وتكتشف أن العين قد تتجول هنا وهناك فى فضاء اللوحة إلا أنها تعود دائما كما لو كانت مشدودة بخيوط لا مرئية إلى الأم والطفل.. هنا إذن يكمن مفتاح اللوحة.. الخصوبة والعطاء والمستقبل الواعد الذى يتشكل.. وهنا أيضا نجد أن المعنى يتجاوز الهيئة المرسومة ليصبح أعم وأشمل .. إيزيس وأوزيريس وحورس.. أو العائلة المقدسة فى رحلتها سعيا إلى الأمان فى أرض الكنانة.. أو قل هو الأمل الأبدي لبنى البشر فى ظهور المخلص الذى يحقق الخير والعدل .
سمير فؤاد
القاهرة - الثلاثاء 11/ 9/ 2012
موديلات محمود سعيد
- إن محمود سعيد يختار ( موديلاته ) وفق نموذج للجمال مستقر فى وعيه، وهو يبحث عن أقربهن إلى هذا النموذج فبينهن جميعاً شئ مشترك متشابه حتى فى مقاييسهن الجسدية، ومن الطريف إن بالإطلاع على بعض الصور الفوتوغرافية لنماذج النساء اللاتى رسمهن محمود سعيد نجد أنه هو الذى أجرى هذا التحوير، هو الذى حولها لتلك المرأة الخارقة ذات النظرة المحدقة التى تعتز بكونها أنثى.. قوية غير مستكينة تحمل روح الطبيعة وعنفوانها.. تلك النظرة الجريئة التى لانجدها أبداً فى تصويره لبنات أسرته وأفراد طبقته الراقية .
- إنه لا يقدم نموذجاً للجمال الإغريقى أو الأوروبى، بل ينتمى لمقاييس إفريقية الملامح، ونسب أجسادهن تقترب من نسب المرأة فى منحوتات تل العمارنة, وتذكرنا بفتيات كهوف أجانتا الهندية وهى تذكرنا أيضاً بتماثيل الحوريات فى النحت الهندى ( نماذج ) تلك التماثيل التى وصفتها الكتابات النقدية الغربية على إنها إباحية لحد بعيد - كما وصفت عاريات محمود سعيد - فى حين أن مفهومها في المعتقد الهندى القديم كان أكثر سمواً وروحانية، فالأديان القديمة عرفت عبادة الخصوبة وكانت تعنى بقضية الخلق والولادة والتناسل، وربط الإنسان البدائى الجنس بقوى سحرية تحميه من الشر والموت والفشل وتجلب له السعادة والرخاء .
-هذه المرأة الساحرة القادمة من أرض الأساطير ومن قلب الخيال الإنسانى القديم والصورة الثابتة للغريزة قد شغلت محمود سعيد ومثلت أيقونة عشقه الأولى التى أبدع أجمل الأعمال وهو متطلعاٌ إليها.
- إن بنات محمود سعيد لسن رقيقات كبنات ` بوتشيللى ` ولا مسترخيات كبنات ` أنجر ` ولا حالمات كبنات `رافاييل`، لكنهن قويات ذاوات إرادة، متحديات وجريئات أجسادهن يشدها عصب الحياة إن فتاته ليست مذنبة كحواء ` مازاتشيو ` بل هى مزهوة بطبيعتها البشرية الأرضية ولا هى متزينة تستعرض جمالها للاستحسان كحواء ` تيتسيانو ` ولا سطحية باردة كفتيات ` تينتوريتو ` ولا هى من سبايا ` روبنز ` .
- إن امرأته لها قوة كقوة الطبيعة وضراوة كضراوتها، فهي ليست دمية جميلة ساذجة كبنات ` بوشيه ` ولا لاهية بمتع الحياة وزخرفها كبنات `فراجونار ` و` رنوار ` إن نساءه لسن بائسات هزيلات كزرقاوات ` بيكاسو ` بل هن نحاسيات لفحتهن شمس جنوبية ` أجسادهن كقوالب قدت من طين جنوبى محروق هن ماكرات كبنات ` جويا ` ، قويات البنية كبنات ` مايكل أنجلو ` ، ناضحات بالخصب كبنات كهوف ` أجانتا ` الهندية ، متوحشات بدائيات كبنات `جوجان ` التاهيتيات. مأسويات حزينات النظرة كبنات `موديليانى` (نماذج ) هؤلاء هن `ربات حسن ` محمود سعيد، ذوات الحسن النافر ، وتلك هى المرأة الشعبية التي تختال بملاءتها اللف كملكة وتدب الأرض بثقة وحضور وتلتمع عينيها بقوة لاتعرف الانكسار ونتأمل نموذجاً لما سبق في عمله ` بنت البلد ` حيث تأتلق في ردائها الذي تهدل كاشفاً عن صدرها.. النظرات مستقرة ثابتة، بنية الجسد قوية ممتلئة، الخلفية سماء تبرق بضوء قمرى، بينما يوحى المشهد بابتعاده من خلال حجم النساء الأخريات على الشاطئ والمراكب، لكننا نشعر أن السماء قريبة يلتمع ضوئها ليباري الضوء المنبعث من جبهة المرأة ولمعان عينيها، تتوازى خطوط السماء مع خطوط غطاء الرأس، العينان تنظران إلى شئ غير موجود، كأنها تنظر لعالم أخر ، وفى حين خفض الفنان حدة الضوء أعلى وأسفل الصورة لتتألق المرأة فى حضورها البهى نراه على جانب أخر يضع بحساب لمسات على حافة رداء المرأة على اليمين ترتبط بلمسات فى غطاء رأسها ابتسامتها ليست ابتسامة فرح لكنها ابتسامة قبول مطمئنة واثقة وروح تمتلك قوة هادئة ناعمة ما تلبث أن تتسرب خلالنا .
أ.د / أمل نصر
صفحة الناقدة على الفيس بوك - 4/ 1/ 2015

لقد كان الفنان `محمود سعيد` ممن لقوا فى التأثيرية اسلوب تعبيرهم الأول، ولكن سفره الى هولندا وايطاليا وفرنسا واليونان كان درساً أعمق بكثير من دراسات المراسم، فلمس عند الإيطاليين من عصر النهضة وخاصة فنانى البندقية وروما اللون واستهواه كثير من أعمال فنانى أوروبا الشمالية الأوائل. كذلك كانت الأضواء المدهشة التى تشع من لوحات رمبرانت لها تأثير خاص، واحس عند سيزان شكل التكوين والتوازن والفراغ والاحجام، كما كان للنحت المصرى القديم والعمارة أثرهما فى تكتيل اشكاله وشخوصه. استطاع محمود سعيد بعد فترة ان يهضم كل هذه المؤثرات ويحقق المواءمة بين إبداعه الفنى ومجتمعه. اى بين ما يملكه من أدوات تعبير ورؤية وموضوعات محلية يصيغها فى قالب معاصر.
وتجىء مجموعته المعروفة باسم (بنات بحرى 1935) ومن (حاملة القلل من النافذة) الى (المدينة) الى (الأسرة)، تلك البانورامات الشعبية الرائعة، وكذلك مجموعته التى تتناول الشعائر الدينية مثل لوحات، `الصلاة والذكر عام 1934- 1936- 1941` وكذلك موضوعات العارى والبورتريه والمناظر الطبيعية... الخ تعبيراً قوياً مصرى الملامح نتعرف عليها من بين العديد من الأساليب والاتجاهات المصرية المعاصرة. تلك الملامح التى انعكست فى أسلوب صياغته وتجلت فى حبه للكتلة وفى متانة الأداء وقوة التكوين، وفى هذا القالب الفنى الذى جمع بين صياغة كبار أساتذة الفن فى أوروبا وبين الصياغة المصرية القديمة. لقد استطاع سعيد أن يصور أعماق مصر وأن ينقل طبيعتها فى لوحاته نقلا شعرياً رمزياً تجلت فيه صور المرئيات خلال أحاسيسه ومن وراء نفسه حول هذه اللوحات البارزة بمواضيعها البانورامية الشعبية المختلفة يمكننا ان نلمس أصداء هذه المواضيع فى رسومه التى سجلها من الطبيعة او من الذاكرة والخيال ومدى علاقته بها. ففى واحدة من لوحاته بعنوان العائلة 1935 نرى أن الكروكى المصاحب لها كان قد أعده الفنان عن نموذج حقيقى عام 1928. دون تفكير، ثم جرى استغلاله فيما بعد فى لوحة متكاملة للعائلة وهو فى هذه الحالة يكاد يكون رسم الكروكى غاية فى ذاته، وهذا يحدث كثيرا على سبيل مواصلة التمرين لدى الكثير من الفنانين، لكن عندما فكر سعيد فى رسم لوحة `العائلة` احضر كروكى الام وقام باستغلاله بأن أضاف صورة الأب الفلاح فى اللوحة المنتهية.. وبمقارنة العملين، الكروكى المنفذ بالريشه والحبر الأسود، والصورة المنتهية يبدو بوضوح الفرق بينهما. فى الكروكى يتجلى حذق الفنان كرسام يعرف كيف يسجل بالخط إحساس اللحظة فى سرعة ودقة النموذج الذى أمامه فى الوضعة والحركة المناسبتين، وهو ما نراه فى وضعه الأم `الفلاحة` وحركتها، وحركة الطفل فى وضعيه المختلفين.
يذكرنا هذا الكروكى الحيوى بالتسجيلات الخطية السريعة الآسرة ` لرفاييل` فى العذراء والطفل`.
أما فى اللوحة ذات التكوين الهرمى، نرى أن وضعه الام أو الفلاحة مشابهة للكروكى الى حد كبير مع إجراء بعض التغيرات أو التعديلات فى الحركة والملامح. كما تبدو مهارة الفنان فى بناء اللوحة من عناصر منتخبة من الطبيعة. وفى مثال آخر لمواضيع او مشاهد من الذاكرة والخيال كلوحات `الذكر والزار والمستحمون`..الخ يستعين فيها الفنان بدراسات تحضيريه منفذة بالألوان الزيتية لموضوعات او مشاهدات سبق له أن أثارت اهتمامه وانفعل بها. عن علاقة هذه اللوحات بالدراسات التحضيرية يقول: `سعيد` لم يكن يمكننى أن أتحمل القيود التى يفرضها على وجود موديل أمامي، كذلك لم أكن أستطيع أن أتوصل إلى وحدة الشكل، لو انه كان هناك موديل أمامى لأرسم ثم ارسم ما يحيط به فى هذه اللوحات - الذكر والزار والمستحمون.. ليس عندى مركز ابدأ منه لانتهى إلى المحيط. أنا ارسم اللوحات دفعه واحدة ابدأ بوضع كتل ألوان. وكلما مرت بضعة أيام اجدنى اصل الى درجة من الوضوح أعلى من سابقتها، وفى البداية يسود الغموض وبالتالى لا أستطيع أن أضع خطوطاً انظر إلى الدراسة التحضيرية `للذكر 1935` و`العمل النهائى` نجد ان اهتمامه ينصب على التعبير باللون والضوء والحركة والحجم ففى هذه المواضيع يقول سعيد ` أنا أبدأ باللون لأننى لا أرى الخط، أرى اللون فقط هذه فكرة وجدتها عند سيزان واقتنعت بها ليس فى الطبيعة خط، هناك أحجام وعلاقتها مع أحجام أخرى قريبه منها هى التى تكون الخط، لذلك نجد أن اكثر الكروكيات أو الدراسات التحضيرية التى رسمها للوحاته مرسومة بالألوان الزيتية لا بالقلم. ففى لوحة ثالثة بعنوان `الصيد فى مرسى مطروح عام 1961` تدرجت عن كروكيات ناقصات واحد بالأبيض والأسود والثانى بالألوان نتيجة انفعال بصرى بقيم اللون والضوء فى مرسى مطروح، اما عن سبب الكروكى الذى يقصد منه أن يتركه ناقصاً أو بدون أن يكتمل وهو أمر ليس بجديد - ذلك لكى يظل فى حالة هيجان او حماس مستمر، ويظل قادراً على الفرح باكتشاف الحلول أثناء تصوير اللوحة، فهو إذا حل كل المشكلات فى الكروكى، فلن يرسم اللوحة، ستكون المسألة بعد ذلك مجرد تقليد أو نسخ مع التكبير لما ورد فى الكروكى، ينطبق هذا التفسير على كروكيات المواضيع بشكل خاص مثل، `بنات بحرى وذات الجدائل الذهبية `... الخ ..أما الكروكيات التى يسجلها من الطبيعة ويقصد منها المنظر الطبيعى على وجه التحديد غالباً ما تكون مشابهة الى حد كبير اللوحة المنتهية فما يضيفه اليها هو التكبير والتوضيح، انظر إلى كروكى الصيد فى مرسى مطروح 1961، والصورة المنتهية للمنظر وحجم التشابه الدقيق بينهما فى التكوين من حيث تماثل كل مفردات الصورة من عناصر ثانوية ورئيسية وكذلك من حيث إيقاع الأضواء فى مرسى مطروح 1961، والصورة المنتهية للمنظر وحجم التشابه الدقيق بينهما فى التكوين من حيث تماثل كل مفردات الصورة من عناصر ثانوية ورئيسية وكذلك من حيث إيقاع الأضواء الموزع فى المناطق المختلفة، صحيح أن الكروكى بطبيعة الحال يتميز بطزاجة اللمسة ودفء الحس وخشونة الملمس والبعد عن التفاصيل، وهو بقياس الزمن علاقات من الأضواء والنغمات اللونية والأحجام، وهذه القيم يحرص على تسجيلها سعيد فى كروكياته حتى لا تكون مشاكل الصورة كبيرة.
أما عن اللوحة المنتهية فهى من حيث البناء محسوبة ومتوازنة إلا أن مقارنتها بأعماله الفنية الأخرى ذات المواضيع تجعلها فى مستوى اقل وخاصة إذا أضفنا انه ليس من طراز مصورى المناظر الطبيعية الأقوياء يوسف كامل، وكامل مصطفى وحسنى البنانى وأدهم وانلى وغيرهم، غير انه من الملاحظ ان محمود سعيد عندما كان يخطط لمنظر طبيعى فى عجالة كان يدون بعض ملاحظاته بالفرنسية على الرسم مثل خواطره الخاصة او تحديد بعض مناطق الألوان.. الخ نظراً لضيق مساحة الوقت لديه ولأنه أيضاً ليس معنياً بتسجيل المنظر تسجيلاً حرفياً.
د. رضا عبد السلام
من كتاب الرسم المصرى المعاصر

- حين نشاهد لوحات الرسام المبدع: محمود سعيد، يخطر ببالنا أنه تشخيصى يحاكى الطبيعة وينقلها. الا أن الرجال والنساء والأطفال الذين يرسمهم، وحتى الحيوانات والمناظر الطبيعية والنباتات، تبدو كما لو كانت عالما خاصا به، لا يوجد على هذه الأرض، ولا فى هذه الدنيا التى نعرفها. عالم من الأحلام السرمدية، الباقية ما بقى الفنانون المبدعون الخلاقون كمحمود سعيد.
- أشخاصه ليسوا من دم ولحم مثلنا، لكنهم من طينة خاصة ذات ملمس نحاسى وبشرة صلبة لا يمكن اختراقها، وقوة هرقلية وقوام فارع، ونظرة ثابتة ترمى إلى بعيد... أبعد من الأفق. شخصيات أسطورية لا نعرف من أين أقبلت.
- هكذا أستطاع، أن يجعل من الوهم حقيقة، ويجسد اللامرئى ويحوله إلى واقع ملموس نراه رأى العين ولو أننا تأملنا مليا لوحته الصرحية الضخمة ` المدينة ` تواجه زائر متحف الفن المصرى الحديث، وما تحفل به نساء ممشوقات ممعنات فى الطول، ضاربات فى الرشاقة، مع اكتناز فى الأبدان، ذى مذاق مصرى صميم، لاجتذبتنا اللوحة على الفور إلى عالمها السحرى، وذهبنا مع هؤلاء الجميلات إلى حيث لا ندرى.
- بهذا يكون الرسام المبدع: محمود سعيد، أحد زعماء الحداثة، وأحد بناة الحركة التشكيلية فى بلادنا فى القرن العشرين، بذل أيامه وما يملك من جهد ومال وثقافة رفيعة، لكى يبهج قلوبنا ويمتع عقولنا. ولكى نتفاخر مع المتفاخرين فى روما وباريس وعواصم الثقافات المتقدمة بأن لدينا فنانين حديثين ذوى قامات شامخة، لا تقل رفعة عن أجدادهم، يضيفون إلى أمجادنا أمجادا، ويستكملون الطريق الحضارى الذى بدأه المصريون القدماء فعلموا البشرية بتماثيلهم وجدارياتهم، ما هية الفن وكيف يكون.
- من الطبيعى أن يختلف الفن الحديث فى مصر، عنه فى أوروبا وأى مجتمع آخر: شكلا وموضوعا ومضمونا وتوقيتا. لأن ثقافتنا تنبع من أصول مصرية قديمة واستمرار لها. وثقافتهم من أصول أغريقية ورومانية واستمرار لها. كما يختلف التوقيت الزمنى باختلاف سرعة التغير الثقافى. هكذا بدأ الفن الحديث الأوروبى فى نهاية القرن الماضى. حين ازاح الانطباعيون المفهوم الكلاسيكى للحقيقة الثابتة للمرئيات، واخضعوها للتغير الشكلى، تبعا لانعكسات النور والظل، والألوان الناجمة عن سقوط أشعة الشمس. أما فى مصر، فقد بدأت الحداثة فى الربع الأول من القرن العشرين، على يد الرواد المعروفين، الذى كان محمود سعيد من أهم أعلامهم، حين طرح مفهوما ثالثا لحقيقة المرئيات يختلف عن التغير الانطباعى والثبات الكلاسيكى. مفهوم نابعا من تراثنا وثقافتنا وأرضنا. ينطوى على أن للمرئيات والكائنات، جوهراً مغايراً لمظهرها الشكلى البسيط ، بالرغم من ثباته أو تغيره.
- من هنا أضاء محمود سعيد موضوعات لوحاته على هواه. لم يترك الأمر لأشعة الشمس أو سواها لتحليل الألوان وتحديد النور والظلال. وأجرى تحويرات على أشكال المرئيات، من البشر والحيوانات والنباتات ومشاهد الطبيعة. أعاد خلقها من جديد على نسق أصولها، لكنها لا تحاكيها محاكاة المرآة. لأنه يصور الجوهر الدائم وليس المظهر العابر. فحين يرسم فتاة مصرية لا يقصد صبية بعينها، وانما يصور الأنوثة المصرية تمشى على الأرض، فى حالة من الخصوبة والحيوية، تختلف فى جوهرها، عن الانوثة الاوروبية أو فى أى مجتمع آخر. استخلص فى لوحاته الخصوصية المصرية المعروفة بالهوية. فى شكل يناسبها، وتصميم وتلوين غريب على الواقع السطحى البسيط، الذى يبدو لنظرتنا العابرة. وحين يوشى لوحاته بأنماط من الدندشة اللونية، وأسلوب لا تخفى سماته الزخرفية، فالطابع الزخرفى تقليد لفنوننا عبر التاريخ: كمصريين.. وكشرقيين. واذا رسم فى بعض تكويناته حيوانات، فهو لا يقصد حمارا بعينه، وانما يصور الطيبة والاستكانة والاستسلام للأقدار. وفى لوحة ` القطة البيضاء`، أظهر جوهر الطبيعة القططية، بما تحمله من توجس وتحفز وخفة ظل وجمال . لا تخفى علينا الوشائج التى تربط بين سحنة القطة ، ووجوه الصبايا المتبرقعات، وملمس الفراء الذى يضفى على هذه التحفة المحكمة البناء، طابعا غريبا طريفا، يوحى بالنضارة، وبأنه حقيقة ماثلة نعيشها، بالرغم من تغير التقاليد والعادات، واختفاء البراقع ومناديل الرأس و`ملايات اللف`. أما المناظر الطبيعية والمراكب والجبال والأشجار، فكأنما يستحضرها الفنان من عوالم مصرية أيضا. أو يستخرجها من بين سطور القصص الشعبية، والأساطير وحكايات ألف ليلة. ليست الطبيعة الزائلة التى نعرفها، بل طبيعة ثانية هو خالقها ومهندسها يوشيها بكل طريف جذاب من العناصر والألوان. يختصر منها فى بلاغة ويضيف، فنستسيغ لمساته وندرك ايحاءاته، ونشاركه الحلم الذى عاشه منذ استقر على هذا الأسلوب المثير سنة 1927.
- ولد محمود سعيد فى الاسكندرية، وشب فى أسرة ثرية، على مستوى اجتماعى رفيع يقدر الفنون والآداب. تلقى فى يفاعته دروسا فى فن الرسم اشباعا لهوايته المبكرة فى مرحلة التعليم العام على يد فنانة ايطالية تزوره فى منزل الأسرة. وحين التحق بمدرسة الحقوق الفرنسية بالقاهرة، لم تنقطع دراساته وممارساته الفنية، واختلف إلى المراسم الخاصة، التى كانت فى منزلة الاكاديميات الأهلية، ثم تردد على باريس - عاصمة الفنون حينذاك - حيث واصل دراساته فى بعض أكاديمياتها وشاهد المتاحف فى معظم بلدان أوروبا، وعشق أعمال عباقرة الفن عبر العصور، والكثيرين من الإنطباعيين والتعبيرين، الذين تأثر بهم وخاض تجاربهم الإبداعية، قبل أن يستقر على أسلوبه الخاص المثير، الذى اشتهر به فى نهاية العشرينيات.
- كانت الثقافة الفنية والممارسة الإبداعية والدراسات الأسلوبية هى شغله الشاغل، بالرغم من عمله الوظيفى فى النيابة العامة وسلك القضاء. لم يتوقف عن الرسم والتلوين واقامة المعارض الخاصة، والاسهام فى العروض العامة والحركات الفنية التقدمية مثل ` جماعة الفن والحرية `. هكذا لم يكن محمود سعيد رساما عاديا بل توفرت له كل عوامل الريادة والعبقرية، سواء فطرية أو مكتسبة. كان واسع الثقافة موسوعى المعرفة، غزير الخبرات متنوعها. لم يستهدف كسبا ماديا، وقد كفاه ثراؤه مؤونة الجرى وراء المال. ولا شهرة وقد انحدر من أسرة ذات حسب ونسب وجاه. انما هى جذوة أودعها الخالق أعماقه، ورغبات عارمة وموهبة، تدفعه دفعا لتجسيد رؤياه للحياة المصرية، وترجمة حيه لكل ما هو جميل ورائع فى عاداتها وتقاليدها، ومشاهدها الطبيعية، ترجم كل ذلك إلى هذه الصور المدهشة، التى تطالعنا فى المتاحف وبيوت المقتنين، لتزيح الستار عن الوجه المشرق للحياة المصرية، كما شاهدها صاحب الخيال الواسع والألوان السحرية، واللمسات المعجزة والتركيبات المعمارية المحكمة. أسلوب لم يسبقه إليه أحد هنا أو هناك.
- انعكست ثقافة محمود سعيد على ابداعه، فننصح بأعماق نفسية وفلسفية، تزداد وضوحا وتألقا كلما ازداد تأملنا لها. تبقى مشعة بالمعانى والمضامين على مر الزمان. وكم طرق الصور الشخصية (البورتريهات)، لكن أكثرها لا يصور الأقارب والأصدقاء، بل نساء شعبيات يتفجرن بالروح المصرية الحقيقية، التى يحملنها منذ آلاف السنين. أنشأ حياة جديدة فى لوحاته هو صاحبها، صادق أبطالها من النساء والرجال وسائر الكائنات، فأصبحت تكويناته هى حياته الحقيقية.
- السنوات العشر الواقعة بين عامى 1927 و 1937، تركت لنا ذروة عطاء محمود سعيد وأروع أعماله. وكأنه ما كاد يكتشف مفهوم الهوية المصرية على طريقته، ويصوغه بهذا الأسلوب الطريف الفريد، حتى مضى يبدع موضوعاته المنوعة فى طلاقة وغزارة، وشقت موهبته الفذة طريقها للظهور والتعبير عن نفسها. من أجمل ما أسفرت عنه تلك السنوات العشر، لوحات: حمام الخيل، المرأة والقلل، الصيد السحرى، جميلات بحرى، و ` ذات الجدائل الذهبية `، رائعته التى لا يخلو من صورتها مرجع فى الفن المصرى الحديث. صور فيها وجه فتاة مصرية شعبية الطابع. تبدو وكأنها كائن من كوكب آخر. عيناها الواسعتان تنظران إلى لا شئ. وجديلتان كأنهما منحوتتان بعناية، فى سبيكتين من الذهب الخالص، تحيطان بشفتين غليظتين ترسمان شبح ابتسامة. تكوين راسخ التصميم، بعيد عن أى تلميحات فجة.
- أبدع فى هذه الفترة، العديد من اللوحات الجذابة محكمة الرسم والتلوين والتصميم. اختتمها بلوحة ` المدينة ` العملاقة. زيت على قماش تتسع إلى أكثر من ثمانية أمتار مربعة. تلخيص بليغ وإعادة توزيع، لعناصر مختارة من لوحات سابقة، بينها `جميلات بحرى` و` راكب الحمار` و` المرأة والقلل `. ربما قصد بها تصوير حياة القاع الشعبى لمدينة الاسكندرية، على أيام السلم والإستقرار قبيل الحرب العالمية الثانية. تميزت هذه الصرحية بالتركيب المعمارى الراسخ، والنظم اللونية المؤتلفة، والايقاع الهادئ لمساحات الظل والنور، والجو السحرى الموحى بأنها صورة لحياة بعثت فجأة من جوف التاريخ. تحمل خليطا من أجواء مملوكية ومصرية قديمة وشعبية حديثة. أو لعله صور الحياة الشعبية، لأعماق الاسكندرية كما أرتسمت فى خياله المرح المبدع. مزيج من حياة الإنسان وكائنات أخرى، لكننا نألفها، ولا ندهش لفرط حيويتها، لو أنها غادرت براويزها وأقبلت علينا.. أو دعتنا لندخل إلى عالمها السحرى، المفعم بالإثارة والطرافة، الذى خلقه محمود سعيد بخياله الخصب.. وعبقريته الفريدة.
- .. محمود سعيد نسيج وحده بين رواد الفن الحديثين عندنا. لوحاته توثيق شاعرى لحياة مصرية، اسكندرية بنوع خاص. لكنها تنضح بروح الأرض والناس فى حقبة زمنية معينة، مقابل تشكيلى لروايات نجيب محفوظ وأشعار فؤاد حداد. حكايات وقصائد تشكيلية، ابدعها شاعر الألوان، ليروى واقعا أغرب من الخيال. ازاح بلوحاته الستار عن الوجه الطيب الجميل لأعماق حياتنا. أسلوبه فى الرسم وصياغته للتكوين، طراز قائم بذاته مفعم بالراحة والاطمئنان، ويثير فينا فضولا رقيقا، نتعرف به على أنفسنا من جديد. نشاهد من خلال لوحاته، حياتنا الانسانية التى تخفيها تفاصيل المشاغل اليومية. وتعيد إلينا تفاصيل أخرى، نسينا جوهرها الثابت، حين تغيرت القشرة الخارجية بفعل التطور الثقافى. لكن الجوهر بقى ليضئ الطريق، أمام أفكار أجيالنا الصاعدة، ويدعم ايمانها بالنفس والحياة، وبأن المصريين باقون ما بقيت الأيام، يمدون الانسانية، بمزيد من الثقافة والجمال.. شأن شعوب العالم. وبأن لنا هوية خاصة كما أن لهم هويات. لا يتغير جوهرها، وان اختلفت المظاهر باختلاف الثقافات..
تلك هى رسالة محمود سعيد.. التى أودعها روائعه الخالدة.،،،

بقلم : مختار العطار
من كتالوج متحف الفن المصرى الحديث 1992 - صندوق التنمية الثقافية - وكتاب ( رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر ) الجزء الأول
محمود سعيد أول مصور فى تاريخ مصر الحديثة
- من أبرز خصال نفسه التواضع ، وشدة الحساسية ، وحب الناس ، وكلها خصال أعانته فى فنه على التأمل العميق فى كل ما كان يراه ويحيط به ، فعاش مشغولا بفنه فى كل مكان ، وفى كل لحظة من لحظات حياته ، وهو الرائد بفنه وخلقه
- ولد محمود سعيد فى إبريل من 1897 بمنزل والده محمد سعيد (باشا) خلف جامع المرسى أبو العباس بحى بحرى بالإسكندرية وتوفى يوم الاربعاء 8 إبريل من عام 1964 مثل ` رافايلو ` فنان النهضة الإيطالية الذى مات فى عيد ميلاده السابع والثلاثين يوم 6 إبريل عام 1520
- وشيع جثمان فناننا محمود سعيد فى يوم الخميس 9 إبريل من القصر الذى كان يسكنه بسان ستيفانو ، والذى حولته وزارة الثقافة إلى متحف ليضم أبدع بدائعه ، إستجابة إلى دعوتنا على صفحات جريدة الجمهورية فى 11 إبريل و 12 و 26 سبتمبر عام 1964 ، ولا يزال القصر يحمل اسم الفنان الكبير على الرغم من قلة ما يحويه من أعماله التى لا تمثل قدراته الفنية الفذة التى جعلته نجما ساطعا فى سماء مصر الحديثة ، بعد أن أعد نفسه دارسا فن التصوير بمرسم المصور الإيطالى ` ارتورو زانييرى ` لمدة ثلاث سنوات (1915 - 1918 ) ، إلى جانب دراسته القانون بمدرسة الحقوق الفرنسية تحقيقا لرغبة والده .
- وفى عام 1919 حصل على ليسانس الحقوق ، ووافق والده على سفره إلى باريس لزيارة متاحف الفنون ، وكرر زيارته فى صيف عامى 1920 و 1921 وإلحق بأكاديمية ` جيوليان ` التى تأسست فى عام 1860 لتساعد الراغبين فى الالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة على الدراسة الاكاديمية ، وكان مقرها فى شارع ` دراجون ` كما تردد على مرسم ` الكوخ الكبير ` فى مونبارناس وكلاهما من المراسم الحرة .
- وفى عام 1922 تزوج من الآنسة سميحة رياض ، وعين نائبا لوكيل نيابة المحكمة المختلطة بالمنصورة ، ودأب والسيدة حرمه على قضاء فترة من صيف كل عام فى عواصم بلدان أوربا ، فزار إيطاليا ، وهولاندا، و بلجيكا ، وسويسرا ، وأسبانيا ، ولبنان ، وإنجلترا ، وباريس ، ووجد فى أمجاد فنون عصر النهضة فى إيطاليا ما أعانه على تحديد معالم مسيرته الفنية ، إلى جانب عشقه لفن النحت المصرى القديم ، وخاصة فى فنون عصر إخناتون بما تظهره من الصدق والصراحة فى التعبير ، بوحى من عقيدة التوحيد .
- وفى مناسبات كثيرة كان يطرى فنون ` فان آيك ` و ` مملنج ` و ` فان درفيدن ` و ` روبنس ` من مصورى الفلاندر ، والهولاندى ` رمبرانت ` والإيطالى ` جيوفانى بلينى ` ، كما كان لا يخفى إعجابه بالصور العارية التى أكثر من تصويرها المصور الفرنسى ` أوجست رينوار ` والإسبانى ` فيلاسكس ` .
- وكان محمود سعيد من أولئك الذين يجيدون الاستماع إلى إلهام أنفسهم ، ويشعرون بمتعة الإنفعال بما يرونه من بدائع ، ويحسنون تفقد وقعها ، وما تتضمنه من قيم جمالية بعناية ، وتفكير عميق .
- عاش محمود سعيد فنانا مرهف الحس من عام 1918 إلى عام 1964 ، لم تقعده فى أثنائها أعباء الوظيفة ومشاكل الحياة العامة عن ممارسة فنه ، وإبداع المئات من اللوحات التى تؤكد صدق هوايته ، حتى بلغ بفن التصوير فى مصر ما بلغه محمود مختار بفن النحت من عراقة وأصالة ، وكان أول من حصل على جائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام 1960.
- وعندما تفقد مرسمه بإذن من السيده حرمه - رحمها الله - وجدت لوحة بيضاء معلقة على حامل الرسم ومعدة لاستقباله - جريا على ما تعود ولكن يد القدر كانت أسبق إليه ، كما وجدت صحيفة الألوان` الباليت` وقد صفت عليها الألوان التى كان يفضلها ، وهى على الترتيب التالى :
أكر ذهبى - كارمين - روزمادار - اخضر برمانينت - أحمد كادميوم - أحمر هندى - أكر أصفر- أخضر اميرالد - طينة الظل - أصفر كروم - بنى فان دايك - أزرق كوبالت - الأبيض بنوعيه.
- من المعروف أن الناقد عندما يتحدث أو يكتب عن فنان تربطه به مودة وصداقة يكون مجاملا ومؤيدا ، ويجنح بطبيعته ، وبغير إرادته إلى الإطراء ، فلا تكاد عيناه ترى إلا كل ما يرضيه ، مهما تملكته نزعة النقد الموضوعى الهادف ، المترفع عن الأهواء ، والمتحرر من كل القيود ، وتكون العلاقة أكثر اتصالا لو أن الناقد يمارس عمليا نفس الفن الذى يتعرض له ، وفى هذه الحالة يكون على دراية تامة بالقيم الفنية التى يحسن تقديرها ، والإحاطة بها وتفسيرها ، ويكون نقده امتدادا منطقيا ، لا لغو فيه ولا خداع .
- وإلقاء الضوء على فن `محمود سعيد ` بعد تسعة عشر عاما على فراقه ، يدعونا إلى أن نذكر أول ما نذكر، أنه بلغ من الشهرة ، وعلو القدر فى فن التصوير ، ما بلغه المثال محمود مختار فى فن النحت ، وتذوق فنه لا يحتاج من الباحث سوى أنه يتريث ، ويحسن تأمل المراحل التى مر بها ، وأن يولى كل مرحلة من الاهتمام والتقدير الصادق ما هى أهل له ، حتى تتجمع لديه حلقات متكاملة عن سيرة الرجل الذى عاش لفنه كل حياته ، لا يشغله عنه شاغل .
- وكان محمود سعيد ينظم روائعه بالرسم والألوان فى أربعة مجالات ، وهى :
- الصور الشخصية
- المناظر الطبيعية (الريفية والبحرية)
- العاريات
- العادات والتقاليد الشعبية
- وفى كل مجال من هذه المجالات روائع تستوقف المتأمل لها ، وتستولى على وجدانه ، وإن اختلفت مواقف بعض المشتغلين بالفنون ، فمنهم من يكبر أسلوبه ، ويعرف قدراته فى المجال الأول دارسا ، ومحللا للشخصية التى يصورها ، ويسبر أغوارها ، ويتعرف على خصالها وطباعها المميزة للأطفال والنساء والرجال، من جميع الجنسيات ومختلف الأعمار، وفى كل منها يكاد الناظر يشعر كأنه يقرأ كتابا مفتوحا .
- وفى المجال الثانى يجد المشاهد للمناظر الريفية ، ومناظر البحر ، وشواطئ الاسكندرية معالم تربطه بالوجود الواقعى ، وأشخاصا يتعامل معهم فى الحياة.
- وفى المجال الثالث نشاهد عرضا لأجسام عارية ، تمثل جمال المرأة السكندرية ، بلون بشرتها الخمرية أو الزنجيات من ذوات البشرة المائلة للسواد ، وجميعها يرجع عهده إلى الثلاثينات والأربعينات ، ولها أنماط وسمات توحد مختلف المدارك الحسية، فى نطاق الواقعية الجديدة (نيورياليزم)، التى تعلق بها ليحقق مشتهياته الذاتية ، بأسلوب أقرب إلى تسجيل واقع الموجودات ، في أوضاع مسترخية ، متنوعة الحركات ، وكان يمارس هذا الفن فى مرسم صديقه المصور اليونانى الجنسية ` انجيلو بولو ` الذى حبب إلى محمود سعيد أن يخوض هذا المجال ليظهر براعته فى تصوير الأجسام العارية ، كشأن كل فنان أكاديمى النزعة ، وكمفتاح للطريق الذى يوصله إلى تحقيق ذاته ، وبأسلوبه المبتكر ، وأظهر محمود سعيد براعته فى تصوير تلك النماذج التى كان يأتيه بها صديقه اليونانى ، وهى التى وصفها صديقنا الفنان محمد ناجى ، بأنها تبدو كالمطاط المنتفخ ، لشدة حرصه على إظهار استدارة الأعضاء ، التى ينساب الضوء على سطحها الأملس متدرجا ، إلى أن يتلاشى فى الظلام المحيط بالأجسام التى يميل لون بشرتها إلى السواد .
- وفى المجال الرابع نشاهد تسجيلا للعادات والمعتقدات ، والتقاليد الشعبية ، مثل ` صلاة الجمعة ` و ` زيارة القبور` و ` حلقة الذكر ` و ` الزار ` و` السوق ` و ` بنات بحرى ` و ` المقرئ ` وكلها من وحى الحى الشعبى الذى نشأ فيه ، على سماع صوت المؤذن للطلاة ، ونداءات الباعة الذين يتنافسون على ترويج سلعهم بأصوات رنانة ، ذات رجع موسيقى مميز ومحبب إلى أسماع الكبار والصغار . وكان لهذه البيئة الشعبية تأثير واضح على فنه فى شتى المواضيع التى صورها مع بداية العشرينات ، بعد أن أكمل تدريبه فى مرسم المصور الإيطالى ` أرتوروزانييرى ` لمدة ثلاث سنوات ، إلى جانب دراسته القانونية بمدرسة الحقوق الفرنسية ، ومن بينها نذكر صورة ` هاجر ` و` الأسطى فرج ` و ` محمد الصغير` و` المنشد فى المقهى ` ، وصورة خالة أحمد مظلوم باشا ، والبارون فوكيه ` ولوحات أخرى كثيرة أتمها بين عامى 1921 و 1923 .
- وكانت أولى محاولات محمود سعيد فى تصوير العاريات لوحة تسمى ` على الوسادة الزرقاء ` ومؤرخة فى عام 1927 ، ولوحة أخرى باسم ` المستحمة ` وبدأها فى عام 1925 ، وأتمها فى عام 1935.
- وبدأ نضجه الفنى يبدو فى عام 1930 ، وأكتمل فى السنوات التالية متجددا ، ومتطورا ، ومتساميا بأسلوبه الواقعى الذى التزم به ، فتارة نراه يميل إلى جانب المتصوفين ، وتارة تفتنه الحياه بحسنها وسحرها ، وتارة أخرى تراه متساميا بعواطفه الإنسانية النبيلة ، ولكنه لم يكن أبدا فاقد السيطرة على نفسه أو نازعا إلى ما ينم عن الفجور .
- ومن الأمثلة الدالة على صدق منهجه الواقعى لوحة ` يوسف وهبة باشا ` 1931 وفى نفس العام نراه مفتونا بقدرته على إظهار محاسن جسم المرأة فى ثلاثة أوضاع ، على لوحة ` المستحمات ` وهو موضوع كلاسيكى تناوله ` بوتيشيلى ` (1445 - 1510) على لوحته المشهورة ` الربيع ` كما تناوله غيره من مصورى القرن السابع عشر مثل المصور الفلامنكى ` بيتر بول روبنس ` (1577 - 1640) ، والمثال الايطالى ` لورنسو برتينى ` باسم الظريفات الثلاث .
- ولكن فناننا محمود سعيد استطاع معالجة هذا الموضوع بأسلوب ينفرد فيه بإظهار الأجسام القوية الراسخة ، والتماثل في حركة الأعضاء ، والتكوين المتماسك ، الذى يشغل حيزا مغلق الحدود ، ليحافظ على وحدة المجموعة ، محققا بذلك القانون المعروف باسم ` دوريفورو` أو حامل الرمح ، فى التمثال الذى يحمل اسم صانعا الأغريقى` بوليكليتو` .
- وبلوحة ` المستحمات ` بدت معالم جديدة فى معالجة أعضاء الأجسام المستديرة ليزيدها أنوثة وحيوية وليونة .
- واستمر محمود سعيد صاعدا بفنه على عشرات من اللوحات التى أتمها فى الثلاثينات ، ومنها نذكر لوحة ` حمام الخيل بالمنصورة ` 1930 ولوحة ` دعوة إلى السفر ` 1932و ` ذات الجدائل الذهبية ` و ` الشادوف ` و ` فاطمة ` 1933 و ` الراقصة ` و ` صلاة الجماعة ` 1934 و ` العائلة ` و ` حلقة الذكر ` وصورة الفنان ` إنجيلو بولو ` والمهندس ` نيقولايدس ` و ` الجميلات الثلاث أو بنات بحرى ` 35/1936 و ` نادية بالرداء الوردى ` و ` المدينة ` و ` القط الأبيض` و ` السيدة فاوستا تيرنى ` 1937 و ` السيدة ماريا كفاديا ` و ` الأسرة ` وحرم الدكتور جواد حمادة 1938 و ` الزار ` و ` الرقص فى الكابارية ` 1939 و ` المقرئ فى السرادق ` و ` سيدة مطلقة من النافذة ` و ` المصور اليونانى ليتساس ` 1940 .
- وفى الأربعينات نجده أكثر إشراقا ، بعد أن تسرب الضوء على لوحاته التى تمثل غالبا المناظر الطبيعية فى مصر ولبنان ، فخفف من ثقل الألوان القائمة التى كان يستعين بها فى الأماكن الداخلية ، بين جدران المراسم ، ومن بين لوحات تلك الفترة نذكر لوحة ` الصلاة ` و ` الصيادون فى رشيد ` و ` الهجرة ` 1941 و ` عقد الكهرمان ` و ` رقص شرقى ` و ` نادية بجوار النافذة ` 1942 و ` على الاريكة الخضراء ` و ` ذات الحلى ` 1943 و ` عارية على الوسائد ` و ` الصيد فى زوبعة على الكورنيش ` 1944 والكثير من اللوحات لمناظر الطبيعة فى لبنان فيما بين عامى 1944 و 1957 و ` ذات الحزام الذهبى ` 1945 و ` العاطل ` و ` نادية بالرداء الأبيض` و` خليج السلوم` و ` ذات الأساور الذهبية` 1946 و ` الوسادة الخضراء` و` جزيرة فيلة بأسوان ` 1947 و ` فتاة على الكرسى ` 1948 و ` مدينة مرسى مطروح ` 1949 و` ذات المنديل الأصفر ` و ` منزل روميل بمرسى مصروح ` و` زاوية الأموات بالمنيا ` و ` ذات الأساور الزرقاء ` و ` المسجد بمرسى مطروح ` 1950 .
- وفى الخمسينات صعد محمود سعيد بفنه فى مجالات متنوعة من التطور والازدهار ، نراها فى لوحة
` المينا الشرقية بمرسى مطروح ` و ` الملاحة والشاطئ بمرسى مطروح ` و ` مناظر فى لبنان ومحاجر حماطة بالبحر الأحمر 1951 و ` نبوية ` و ` الطريق إلى بيروت ` 1952 و ` مناجم الفوسفات ` و ` جزيرة فيلة بأسوان ` و ` ذات الحلق المرجانى ` و ` ميناء بيروت ` و` البقاع بلبنان ` و ` أمومة ` 1953 و ` بعد المطر بلبنان ` و ` ميناء بيروت ` و ` تل الصنوبر` و` البقاع ` و ` تل الكرزل بلبنان` و ` ظهور الشوير ` 1954 و ` منظر بأسوان 1955 و ` دير برمانا بلبنان ` و ` حرم إسماعيل مظلوم ` 1956 و ` القناة الكبرى بالبندقية 24/1957 و ` ضاحية فى استوكهولم ` و ` الجليد فى استوكهولم ` 1957 و ` قرية ظهور الشوير ` و ` حمام كليوباترا بمرسى مطروح ` 1959 و ` حفيدا سميحة وسعد الخادم ` 1960 .
- وفيما بين عامى 1961 و 1964 ، قام بزيارات لجزر اليونان ، وصور الكثير من المناظر البحرية ، منها لوحة لميناء سيرا ، وكان آخرها لوحة صغيرة لباخرة صغيرة بجوار مرساة الجزيرة ، بعد رحلة سعيدة لم تخل من معاناة منبئة بالنهاية المحتومة ، وخاتمة المطاف .
بقلم : محمد صدقى الجباخنجى
مجلة : إبداع (العدد 2 ) فبراير 1983
محمود سعيد فى ذكرى ميلاده المئوى (الرجل - الموقف - الدور)
- عندما تساءل البعض أمام محمد محمود خليل بك صاحب البصيرة الثاقبة والمجموعة الفنية النادرة لماذا لا تضم مجموعتك أعمالا للفنانين المصريين قال:
- سمعت فى يوم ما بفنان مصرى انتحر لأنه فشل فى حل إحدى المعضلات الفنية أو انتحر فى إحدى الأزمات العاطفىة، إن الفن الحقيقي لا يتحقق إلا بتأثير من دافع حيوي كهذا؟
- كان ارتباط الإبداع بمثير متأزم وباختيار سيكلوجى قاس شرط أساسى لبلورة تجربة حقيقية وعدم الوقوف عند حدود التنمية المعلوماتية والمهارية لصناعة الصورة والتمثال، واتباع القواعد والتقاليد الراسخة، أو حتى التلاعب بالعناصر والتكوينات والرموز وموضوعات التعبير لإنتاج مجموعات من اللوحات الجميلة، كان مطلوباً ما هو أكثر من ذلك، أن تشتعل جذوره قدرية لا يختارها الفنان ولكن يدفع إليها بأقداره تعتصره وتمزقه ويتجاوب معها بسجيته وشقائه، ويرسف فى أغلالها كجواز مرور إلى عالم الإبداع الحق.
- وحياة محمود سعيد تمثل نموذجا دراميا لهذه الحالة النفسية الممزقة بين حياة الأرستقراطية والجاه والنفوذ، وهو ابن ناظر النظار الباشا رئيس الوزراء، واختصاص الحقوق، ومهنة القضاء بمتطلباتها المرجعية التى تطوى العاطفة لصالح اللوائح وما تحتويه الأضابير والمستندات من ناحية، وحبه للفن الذى ملك عليه كيانه واستغراقه فى معايشه والتعبير عن أبناء الطبقات الكادحة فى ورعهم وفى جموحهم الحسي وفى كفاحهم وفى انكسارهم وفى شممهم، وفى تأملهم وفى صخبهم، وفى العوالم التى تكتنفهم، الريف والبحر والنهر والمعمار والصحراء.
- كان الفن فى عهده وفى وسطه العائلي خارج قائمة المهن المعتبرة، وكانت عائلته لا ترى فى فنه قيمة إلا من خلال إطراء الأجانب له.
- كان محمود سعيد ينظر من وراء منصة القضاء إلى متهم بالتبديد، وهو يصلى فى ورع يائس فىخط على أوراق القضية خطوطا يسجل بها اللحظة التى تلح على ضميره الفنى الذى ينساب مع ضمير القاضى ليتحول إلى أسطورة من أساطير الوجدان المصري فى لوحة المصلى، وكان يلمح ضوء الشمس يتلألأ على السمك فى أيدى الصيادين فىشع بالضوء كالماس، ويكمن هذا الملمح فى خياله وفى وجدانه وفى حلم المساء وحلم اليقظة يلح عليه حتى يفرغه بأن يهرع مبكرا إلى سوق السمك يسجل على الواقع ما وقر فى خياله منذ الإحساس الأول الذى مرت عليه شهور عديدة، ويدخل فى حمى إفراغ متواصلة إلى أن ينتهى من رائعته الصيادين، يرى فى بنات البلد بملايات اللف والغموض الذى يكتنفهم ترجمة لشخصيات دستوفىسكى الثنائية التى تجمع بين الشيطان والملاك فى جسد واحد، طوف فى متاحف الفن الكبرى وعاصر التيارات المارقة للفن الحديث إلى جانب روائع الكلاسيكية والواقعية والرومانتيكية والتعبيرية والسيريالية، وتتلمذ مع وجهاء جيله فى مراسم الأجانب المنتشرة فى الإسكندرية، ولكنه كان مدفوعا بقوة لبلورة أسلوبه المتفرد، وكأنه يبحث عن حريته المفتقدة فى الوسط المحافظ البروتوكولي الجامد، ولزوميات المهنة المحبطة للإحساس لحساب الدور المؤسسة.
- أعمال من إبداعه سكونية، وأخرى صاخبة، منها المتفجر فى تعبيريته والطافح برمزيته، ومنها البارد الجامد، عوالم عديدة طوف فىها، الشخوص المحافظة والمنطلقة، التكوينات الخيالية التى أحبها أكثر من تكوينات النموذج - الموديل - لإتاحتها مساحة أوسع للخيال والتحرر، وللطبيعة التى تمكن أن يترجم فى مناظرها تعميمات خالدة ومن خلال كل ذلك البحر السكون والصخب، الملوحة والزفارة، والسر والسحر والشجن، الرعب والأنس، الأسطورة والمأساة، الأمل والقدر، تحت أنواء الموج وعويل الرياح، البحر الذى يمثل خيط الربط فى كل أعماله بصورة أو بأخرى.
- لقد أحب محمود سعيد وهو ابن الخاصة، مصر والمصريين، الكادحين خاصة، مثله فى ذلك مثل إبراهيم باشا، ونوبار باشا، ويوسف كمال، وأحمد شوقى، ومحمد فريد، وسعد الخادم.
- لقد أحب المتمردين والمضطهدين من الفنانين رمسيس يونان - فؤاد كامل - منير كنعان - حسن التلمساني - فأنضم إلى جماعتهم - الفن والحرية، جائح الرمال، وشارك فى رعاية الفنانين فى معاوناتهم من المرض والفاقة، ودافع عن حقوقهم بإنسانية ومحبة.
- محمود سعيد ليس رائدا لفن التصوير المصرى المعاصر فحسب، إنه نموذج للشخصية المتفجرة المتفاعلة من مكونات متصادمة متناقضة، تمرد عليها بأن انتزع نفسه من مهنة العظماء القضاء ليتفرغ للفن باقى حياته، فالفن عنده مثل التنفس لا يمكن له أن يحيا بدونه.
- وقد فجر محمود سعيد قضايا كثيرة فى حياته وبعد مماته مما يدل على خصوبة تجربته وقوة سطوتها، فقد كان أول من يعرض لوحات العاري فى قاعات يؤمها المحافظون من لبسة الطرابيش والياقات المنشأة فى تحد غير مسبوق.
- وكان فى ذلك فارسا يتوازى فعله بخلع النقاب على يد هدى هانم شعراوي، وبدعوى قاسم أمين، وبدعاوى التفرنج التى تبناها سلامة موسى والحرية التى دافع عنها طه حسين، وها نحن فى كليات الفنون فى بلادنا وقد تم حظر استخدام الموديل فى دروس الرسم إذعانا لهجوم المتطيرين وأعداء الفن، ونلمح منقبات يرتدين القفازات فى قاعات الرسم والنحت، وفى الثمانينات بعد رحيله بأكثر من عشرين سنة اضطر التعليم فى مصر لمصادرة كتاب أعد لطلاب الثانوية عن التذوق الفنى به عدة مئات من الصفحات وإعدام جميع النسخ، وسحب النسخ التى وزعت على الطلاب لأن حملة صحفىة تبناها زمرة من السلفىين، وكان السبب أن بالكتاب لوحة لمحمود سعيد يصور فىها ساعي البريد وعليها اسم - الرسول - فادعى أصحاب الحملة أن الكتاب قد تجاسر وصور الرسول عليه السلام - بالرغم من أن الصورة تنطق بمحتواها وأن كلمة الرسول تعنى فى اللغة حامل الرسائل، ونشهد الحيرة والتوتر على المسئولين عن قاعات العرض حينما تصل لوحات بها شئ من العرى فى معارض دولية لتعرض فى قاعاتهم، وكأنه مازال عسيرا على معدة الثقافة وهى تتأهب لدخول القرن الواحد والعشرين أن تهضم ما هضمته معدة المصريين فى العشرينيات والثلاثينيات من هذا القرن.
- محمود سعيد رائد مفجر صاحب تجربة حقيقية أشعلها صراع عنيف وإصرار عنيد وحساسية شاعرية مرهفة.
- نال محمود سعيد من عناية النقاد والكتاب والمنظرين المصريين ما لم يحظ به أى فنان أخر ربما باستثناء محمود مختار، وكان أكثر ما كتب عنه فى حياته من نقد ينشر فى الجرائد الإفرنجية، فقد كتب عنه أحمد راسم، ايميه أزار، بدر الدين أبو غازى، حامد سعيد، جبرائيل بقطر، صدقى الجباخنجى، رمسيس يونان، فؤاد كامل، عزت مصطفى، نعيم عطية، كمال الملاخ، رشدى اسكندر، سند بسطا، مختار العطار، صبحى الشارونى، وعز الدين نجيب، تناولوا أعماله من زاويا مختلفة تأملية، تحليلية، اجتماعية، رمزية وسياسية، كما كتب عنه من الوجهة الأدبية كل من `محمد حسين هيكل، مى زيادة، المازنى والعقاد وعبد الرحمن صدقى`.
- المدخل: المثيرات:
- فى جو شهد ترسيخ حركة الانسلاخ عن الجذور التراثية الوطنية الذى بدأ مع الحملة الفرنسية وتواصل بإقحام الأسرة العلوية الحاكمة الذوق الفني الغربى فى الفن والعمارة والأثاث وانتشار الفنانين المستشرقين فى مصر لخدمة القصر والحاشية كمستشارين ومعلمين وموظفىن ومكلفىن بمشاريع كبيرة وصغيرة.
- وكان ارتباط أولئك الفنانين الأجانب بالطبقة الحاكمة يحتم اختيارهم كفنانين محافظين ومهنيين ليس لهم طموحات إبداعية إذ كان مدخلهم تجاريا بحتا.
- ومع تسليط الضوء على أهمية الفنون الجميلة من قبل أهل الاستنارة من النبلاء والمشايخ والأفندية وتأسيس مدرسة الفنون الجميلة فى نفس عام تأسيس جامعة القاهرة.
- وقد أكدت مدرسة الفنون الجميلة بدورها حضانة الفن الغربى من زاويته المحافظة التى تتسم بالواقعية الأكاديمية التى تعلي قيم الانتقاء والدقة والمهارة الحرفىة، حيث ركزت برامج التعليم بالمدرسة على التقنيات والعلوم المؤسسة لها كالمنظور والرسم الهندسي والتشريح والتظليل وتكنولوجيا اليويات والأسطح والأجسام.
- كانت هذه الأوضاع متسقة مع الحالة السياسية والاقتصادية، ومتوافقة مع مستوى الطموح الثقافى إذ رأى محركوه أن مجرد دخول المصريين فى مجال الفنون الجميلة، يمثل نقلة كبيرة فى مواجهة سيطرة الأجانب على الأنشطة الفنية وفى ظل شيوع الاعتقاد بتحريم الفنون أو بالدعوة إلى اعتبارها هامشية.
- وفى هذا الجو خرجت الدفعة الأولى من الرواد من المدرسة وعادوا من البعثات إلى أوروبا مؤهلين بالمهارات الأكاديمية ولكنهم لا يتمتعون بالمكانة الأرستقراطية التى يحملها الفنانون الأجانب.
- وعانى أولئك الرواد من حالة تتلخص فى التعامل مع نوعيين من المصريين، فريق مشجع لهم ولكنه محدود فى قدرته على المساندة، وفريق يتباهى باتصاله بالفنانين الأجانب المقيمين والزائرين وغير المتأهبين لدخول مغامرة مع الفنانين المصريين الجدد.
- ومع روح الوعى بالحرية وبتأكيد الهوية المصرية والمطالبة بالاستقلال ودعوة الاستقلال التام أو الموت الزؤام، التحم رجال المال والأعمال مع رجال السياسة ونبلاء لهم مكانتهم لدعم فكرة الهوية فى الفن وفى الثقافة، وازدهر فى هذا المناخ مفكرون وفنانون وطنيون ذوو اهتمامات شمولية - نهضوية فلمع أحمد شوقي والعقاد والمازني وهيكل والحكيم وسيد درويش وسلامة حجازى وداود حسنى ومحمد عثمان وبديع خيرى وسلامة موسى ونجيب الريحاني وغيرهم، انعكس هذا التيار على جماعة الرواد الأوائل للفنون الجميلة كل بطريقته الخاصة، فبينما وجد أحمد صبرى ومحمد حسن ضالتهما فى مواصلة ما تعلماه فى المدرسة وفى البعثة للارتقاء بصنعة الرسم والتلوين وترسيخ السيادة والتقنية، ونقلها إلى أجيال لاحقة من خلال التدريس اتجه راغب عياد إلى الأوبرا وإلى الأسواق الشعبية هو ويوسف كامل لاستلهام البيئة الشعبية بأسلوب مميز لكل منهما، ويلجأ محمد ناجى الذى علم نفسه خارج المدرسة إلى النهضة المصرية كموضوع والريف مشاركا محمود مختار كل يطور منهجه وأسلوبه الخاص.
- وكما يقول رمسيس يونان `وكأنما المطالبة بالحرية الجماعية، وتأكيد الشخصية الفردية صنوان لا يفترقان` ويؤكد يونان خطورة الانقلاب الخطير فى مجرى تاريخ الفن المصرى الذى قام تراثه فى جميع العهود على تقاليد جماعية وطابع مميز.
- ثم يقرر أن محمود سعيد بلا تردد كان صاحب الشخصية الفنية البارز والأشد استقلالا بين أقرانه حيث انفرد منذ البداية بأسلوب شخصى واضح السمات بالرغم من تأثير الثقافة الغربية عليه ومن إطلاعه الواسع على فنون الشرق والغرب.
- محمود سعيد - السمات الشخصية والمواقف:
- ولد محمود سعيد بالإسكندرية فى ابريل 1897، وتوفى بها فى نفس يوم ميلاده عام 1964 وعاش 67 عاما حافلة بميلاد ونمو وتفجر ونجومية وصراع داخلى وخارجى عارم.
- وقد كان ابن ناظر النظار (رئيس الوزراء) وخال الملكة فريدة ومنتسبا إلى عدد من العائلات النبيلة من أصحاب الجاه والثروة والنفوذ وعاش فى قصر والده بجهة سيدى أبو العباس بالإسكندرية بحرى، ونشأ تحت الرعاية والعناية، وقد نال ما لم يبلغه غيره من الفنانين المصريين من جيل الرواد من مكانه واعتراف رسمى فتصدر اسمه قائمة الرواد مع محمود مختار واحتل المساحة الأوسع فىما كتب عن الفن المصرى المعاصر فى حياته وبعد وفاته، وقد عاش حياة متضاربة - فى وسط أرستقراطي ومهنة بيروقراطية وهواية بوهيمية تسلطت عليه وأسلم نفسه لها، وهى فن الرسم والتصوير التى لم يكن لها مكانة اعتبارية من أى نوع فى عهده وبينما كانت مكانة سعيد تتوطد فى الأوساط الفنية على أعلى مستوى كان تقبل عائلته لفنه مبنيا على أعجاب الأجانب به فقط.
- وقد جاء محمود سعيد مختلفا بشدة عن زملائه من جيل الرواد لأسباب ترتبط بتكوينه الشخصى والعائلي والدراسى والمهنى، فقد سلك مسلكا دراسيا مختلفا إذ التحق بمدرسة فىكتوريا ثم الجيزويت وهو فى سن السابعة حتى الحادية عشرة ثم وفر له والده مدرسة خاصة بالقصر حيث عهد إلى نخبة من الأساتذة لوضع برنامج دراسي على نظام المدارس الحكومية فىما بين عام 1910 إلى 1914 ومن بين المعلمين بلاك بورن مدرسة الرسم والتلوين المائي والسينيورا كازوناتو الفنانة ومعلمة الرسم، وبعد أن حصل على شهادة الكفاءة منازل عام 1912 التحق بالمدرسة السعيدية لمدة عام واحد ثم انتقل إلى الإسكندرية بعد اعتزال والده رئاسة الوزراء وحصل على البكالوريا منازل عام 1915، وفى هذه المرحلة ظهرت ميوله فى الرسم حيث ملأ صفحات الكتب والكراسات الدراسية بالرسوم وكان على السبورة مقلدا أستاذه توفىق أفندي الذى كان يرسم على السبورة فى منزله، كما كان يرسم رسوما ساخرة من أستاذ اللغة الإنجليزية بمدرسة السعيدية ويسرع بالعودة إلى مقعده.
- وحاول سعيد أن يتخصص فى الفن بالدراسة ولكنه اضطر تحت وطأة التقاليد إلى الخضوع لإرادة والده وسافر إلى باريس فى سن التاسعة عشرة ليحصل على ليسانس الحقوق عام 1919، وفى فترة بقائه فى فرنسا لم يتصعلك ولم يعان البؤس الذي لاقاه محمود مختار - كان ميسورا وأمنا ولكنه تعرض بالمتاحف إلى تيارات الفن الحديث وإلى تمجيد الحرية وإلى إصدار ثورة 1919 فى مصر والدعوة إلى البحث عن الذات والاستقلال وبعد الانتهاء من دراسته فى فرنسا التحق بمرسم الكوخ الصغير الذى أسسه المثال الفرنسي انطون بورديل، ثم بالدراسة الحرة بأكاديمية جوليان بباريس حيث تتلمذ على يد الفنان بول البيرلورانس من 1919 إلى 1921، كما عكف على الدراسة الشخصية فى متاحف هولندا وإيطاليا وفرنسا وأسبانيا، وكان لذلك تأثير فى تنشئته مستقلا عن التيار الأكاديمى والأوروبي واللمسات الانطباعية التى هيمنت على مجموعة الرواد وظهرت فى أعماله المبكرة، وغضب أبيه على هذا الاستغراق فى الفن فبادر بتعيينه بسلك القضاء عام 1922 كمساعد للنيابة بالمحاكم المختلطة بالمنصورة - التى أصبحت ملهمته فى هذه الفترة وظل يترقى حتى أصبح مستشاراً.
- ومع تمتع محمود سعيد بثقافة رفىعة المصادر، كان مرهف الحساسية فى احتفاله بالحياة اليومية والفلكلور المصرى.
- وبالرغم من الهدوء الظاهر فى حياة وشخصية محمود سعيد وحرص على حجب حياته العائلية، إلا أن حياته الداخلية قد عانت من الصراع العنيف بين تقاليد مجتمعه وأسرته المحافظة المستقرة وما يترتب على ذلك من قيود - وبين رغباته وتطلعه إلى التحور والتمرد والانطلاق وفى هذا يقول بدر الدين أبو غازى:
- `شاء قدره أن يجمع بين مهنتين كان الوفاق بينهما عسيرا أرادت له ظروف حياته أن يمضى فى دراسته للقانون بينما ميوله تشده إلى دراسة الفن ولكنه طوى فى نفسه هذا الصراع ومنعه حياؤه ومحبته لأسرته واحترامه لتقاليدها أن يعلن اختياره ويثور على الطريق كما ثار كثيرون غيره فى تاريخ الفن واستطاعوا أن يتخلصوا فى البدء من الصراع، كانت صفات سعيد الذهنية واعتداده بنفسه وحرصه على كرامته جعلته يعطى وظيفة القضاء من جهده قدرا كبيرا تمثل فى أحكامه وبحوثه القانونية التى عكف عليها خمسة وعشرين عاما من حياته حتى وصل إلى منصب المستشار فتخلى عن منصبه وأعطى للفن كل وقته`.
- وهكذا قضى محمود سعيد الجزء الأكبر من حياته كشخصية مؤسسة صاحب مسئولية تجاه المستوى الاجتماعي المرتفع للأسرة النبيلة فى سلوكه ومظهره الملتزم والمتحفظ والذى يكبح انفعالاته ويستهلكها داخليا. دون الإفصاح عنها بالمرة.
- وقد ظلت مكبوتاته تجاهد فى التسرب إلى السطح المؤسس الرسمى فى صورة حبه لفن الرسم والهروب من بلاغة الحجة اللفظية الاستنادية ذات المعنى المحدد الجامع المانع فى طموحه ـ إلى اللعب بالأحبار والأقلام فى عمل مسودات تخطيطية ثم الفحم ثم التلوين، وصار أكثر حرية وانطلاقا فى جولاته الأوروبية فى المتاحف الزاخرة بأعمال مثيرة فأصبحت لديه الجوانب الانطولوجية والجوانب المؤسسية التى انسحبت تدريجيا حتى اتخذ قراره الجسور فى هجر مهنة العمر (القضاء) وأن يصبح فنانا متفرغا لفنه، وبمقاييس الوسط الاجتماعي الذى نشأ فىه محمود سعيد ابن رئيس مجلس الشيوخ ونسيب البلاط، وبمقاييس النظرة الاجتماعية الاعتبارية للقاضى فى مواجهة الرسام نستطيع أن نتصور مدى التضحية ومستوى التحدى والضغوط النفسية التى كابدها ليتخذ هذا القرار المدهش الذى مكن الأنطولوجي الامبريقى على اقتحام المؤسسي، وعلى مستوى آخر فإن محمود سعيد قد تنازعته رؤيتان للعالم؛ رؤية محافظة فى تصوير الشخصيات البورتريهات وتتصاعد إلى مستوى المقدس عند تصوير المصلين والقبور وقارئي القرآن...، ورؤية حسية شقية فى تصويره العاري والتلميحات الجنسية الظاهرة الرجولية والأنثوية، وفى الصحة والحيوية فى الشخوص وفى الإيحاءات الشهوانية صراع نفسى بين المحافظة الصارمة والنظام البارد، وبين الحرية والانطلاق - صراع بين الفضيلة وبين المجون.
- وعندما ترك محمود سعيد كرسي القضاء وهو فى الخمسين هدأت نفسه من الصراع الداخلى وتفرغ لفنه، ولكن ذلك قد أدى من الوجهة السيكلوجية الى تحول طاقة الانتباه والمتابعة الموضوعية إلى ازدياد وعيه بالعالم المحيط به، فتراجعت الحيوية الرمزية والإحساس الشعري والسحر الخفى للمناظر والمدينة ودراما الطقس فى الكورنيش وكأن التنازل عن المسئولية المهنية فى سلك القضاء وبين الميول الشديدة إلى الفن كان بمثابة مثير يركب له ضغوطه النفسية على الفنان ولكن نتاجها التعبيرى والرمزى قويا.
- وهناك بعد آخر لشخصية محمود سعيد يتضح من خلال مشاركته فى الحركة الفنية فقد كان حريصا على المشاركة الفعالة على مستويين - أولهما متأثرا بممارسته القضاء من حيث الاهتمام بالأجزاء التى يتألف منها موضوعه وأحكام التكوين والاعتناء بالحقائق المفصحة وعنايته بالحرفىة - كما كان يعتنى بعمله بنفسه حيث شاهده صدقى الجباخنجى `يقضى يوما بكامله فى السراى الكبرى بالجمعية الزراعية الملكية فى مايو 1952، بين لوحاته يثبتها فى أطرها بيديه ويرقمها ويصنف دليلها ويحملها من هنا وهناك كمن يحمل أولاده بين يديه فى لهفة وحنان` ويقول الجباخنجى `رأيته أياما على هذا الحال لا يعتريه ملل أو تعب، وكان منضبطا دقيق المواعيد بسيطا هادئا مثقفا هادئا يقرأ التاريخ والأدب ويستمع إلى الموسيقى الرفىعة، عازفا عن السياسة كما شارك محمود سعيد فى جماعات ثورية فى الفن المصرى الحديث كجماعة الفن الحر التى شارك فى معرضها الأول فى 8 فبراير عام 1940.
- كان يرسم الموديل سبع ساعات يوميا وكان يستغرق فى اللوحة الواحدة أسبوعين إلى ثلاثة وأحيانا عدة شهور - وكانت بوارق الإلهام والمثيرات العابرة تلح على ذهنه لسنوات طويلة يتصالح معها بعمل فنى، وكان ينظر الى المتهمين فى قفص الاتهام بعيون القضاء وبعيون عاطفىة فى آن واحد، وأحيانا ما كان يرسم من فوق منطقة القضاء صورة متهم برئ يصلى فى ساحة المحكمة.
- هذه هى المكونات السيكلوجية لشخصية محمود سعيد: السطح المحافظ الهادئ والفوران الداخلى الصاخب الماجن المفرط فى الصوفىة وفى الحسية فى آن واحد، كإيقاع الزار الصاخب الماجن المقنع بالأدعية والدروشة، والتفكير عن الذنوب بالدوران اللاوعي عند الدراويش والمجاذيب أو بفضح المستور عند بنات بحرى بملايات اللف التى تكشف عن الشهوة المستترة وراء الأحجبة المصطنعة.
- والموقف المتصارع بين الحياة الارستقراطية والأسرة المحافظة والوظيفة الرسمية والمكانة الاجتماعية، والجذور التركية من ناحية، والانحياز العاطفى ناحية الموضوع الرومانسي الشعبى الريفى الذى يحترم المشاعر والاهتمام بالجوانب الحسية والشهوانية ليس وقفا على محمود سعيد، بل ربما كان نمطا متكررا فى تاريخ الفن يمثله تولوز دى لوتريك فى فرنسا، وفى المجتمع يمثله إبراهيم باشا ونوبار باشا وأحمد شوقى وإبراهيم ناجى، حيث جمع كل منهم بين مجموع الصفات المتباينة فى شخصية التركي أو الأرمني المنتسب إلى الخاصة الارستقراطية صاحبة النفوذ أو متخذة القرار ولكن انحيازهم إلى ما هو شعبى ووطنى كان متفجرا ومفصحا كل بطريقته وبلغته ووسائله.
- محمود سعيد بين الشرق والغرب `المصادر الرشيدة`
- يرى رمسيس يونان فى محمود سعيد أنه عن حق بلا تردد صاحب الشخصية الفنية البارزة والأشد استقلالا عن أقرانه، حيث انفرد منذ البداية بأسلوب شخصى واضح السمات بالرغم من تأثير الثقافة الغربية عليه ومن إطلاعه الواسع على فنون الشرق والغرب.
- كان محمود سعيد كثير السفر إلى الأقصر وأسوان وأبو سمبل فى الثلاثينات، وأثاره الفن الفرعونى بشدة، وتمركز اهتمامه على النحت والعمارة دون الرسم الذى يؤثر الهيئة على اللون، إذ شعر محمود سعيد بموضوعاته مجسمة وقد فتنه رأس اخناتون الذى ألح عليه فى رسم شخوصه بل أنه يعتبر شخصا أتونيا من حيث هيمنة الشمس على كيانه التشكيلي كله، وينعكس احتفاله بالنحت والعمارة المصرية على تشكيله لكتل العناصر من ناحية وكأنها تماثيل صريحة تحجر بعضها أحيانا كما فى لوحة القط الأبيض التى تبدو وكأنها تماثيل فى تكوين صامت ثم تصويره وكما فى لوحة المدينة والعائلة والمصلين والشواديف وقد أنتجت كلها فى الثلاثينيات، أما فى لوحة السابحات التى أنجزها فى عام 1934 فىتضح فىها تأثير أفريقى نوبى بشاري حيث تتبدى المستحمات الثلاثة العرايا وكأنهن تماثيل أفريقية برونزية أو أبنوسية بالغ فى تجسيم التفاصيل والانتفاخات على غير عادته فى هذه اللوحة، وعمد إلى تجسيم الكتل البشرية الرأسية فى مواجهة المياه المنسابة أفقيا. الخلفىة الباهتة، كما تظهر مؤثرات الفن الإسلامى فى موضوعاته الدينية - ملامح العقود والأعمدة والنوافذ المزخرفة.
- أما تأثر محمود سعيد بالفن الغربي فقد كان له طبيعة خاصة، ويقول يونان:
- `لا نكاد نرى شيئا يستحق الذكر أخذه سعيد من التراث الأوروبي، حيث أراد فى بداياته التقليد، ولكن طبيعته غلبت عليه فإذا بأسلوبه يتبلور بصورة حتمية لا مفر منها.
- أشاح محمود سعيد بوجهه عن الجمال المثالى وعن الحركات العضلية التى ميزت التيار الفنى الإغريقى الهلينى الذى انعكس على الفن الأوروبي بصفة عامة وعلى عصر النهضة على وجه الخصوص، ونبذ التيارات الأوروبية فىما بعد النهضة كالباروك والروكوكو والرومانتيكية والواقعية والتأثيرية ورفض ما بعدها من تيارات حديثة، بينما أخذ عن الفن الأوروبى أسلوب التصوير ثلاثى الأبعاد بظلاله وأنواره ودرجاته اللونية، كما أخذ عنه القواعد الهندسية فى تخطيط اللوحة ويقول سعيد أنه قد تأثر بفكر سيزان. واقتنع به من حيث أن الطبيعة ليس بها خطوط وهناك أحجام تتحرك وعلاقتها مع أحجام أخرى قريبة منها هى التى تكون الحظ.
- إن احتكاك الفنان الغربي الحديث بالشرق أدى إلى تأثره الشديد بمعطيات الطبيعة المتميزة كما عكس نظرة عميقة للغة الفنية للشرق، ففى القرن التاسع عشر بدأ الكثير من الفنانين والباحثين إلى الانتباه إلى أهمية الاحتكاك بالثقافات الأجنبية كشركاء وتبين لهم أهمية هذه المشاركة، ويقول ارنست ستراوس Ernst Strauss `الحقيقة أن كل مجموعة من الناس تستطيع أن تتعرف على نفسها من الأعمال الفنية للآخرين`.
- ومن التمرد على العمق المنظورى والصياغة الاصطلاحية للتعبير عن العمق عند جيوتو وسيمون مارتيني وفرا انجيليكو وفوكيه.. استوحى سعيد الأوضاع المثالية والتجسيم بدون منظور كالتطريق على النحاس للعناصر والتكوين المسرحى والمسحة القدسية.
- ومن عديد من فنانى النهضة استلهم علاقات تكوينية مثل مجموعة العقود فى مظهر منظورى مائل كما فى الجانب الأيمن من لوحة اناتونيللو داماسينا وعنوانها سانت جيروم فى مكتبه ولوحة البشارة لعدد من الفنانين ومن بينهم ليوناردو دافىنشي ومن لوحات بليني ومساشيو وروينز ورمبرانت استوحى مناهج معالجة الضوء لتجسيم الكتل والحجوم والإضاءة والسحر والرؤى الداخلية وتلخيص نقاط التركيز الضوئي والطاقة النابضة وراء المادة.
- وقد استعار سعيد أيضا عددا من عناوين لوحاته وموضوعاته كالعائلة، والبشارة... سان جورج والتنين والطرد من الجنة، وتقترب أعماله من ستانلي سبنسر من حيث التركيز على الشكل والحركة واختزال التفاصيل مع ما فى أعماله من مسحة ملحمية تتبدى فى لوحة الزار ودراسة الخيول والصيد العجيب والدراويش ومن مارك جيرتلر ألوانه النحاسية اللماعة ورسم الشخوص كالدمى، وطبيعة الحركة فى لوحاته، الوميض اللونى وتقسيم العناصر والتكرار للشخوص مصفوفات شبه فرعونية، كما استلهم من دى كيريكو خلفىاته الموحية، أشرعة المراكب، الدخان الأبيض والظلال الحارقة فى خلفىة الصورة، القطط المجمدة والكلاب التى تسعى فى خلفىة المنظر.
- ويصرح سعيد أنه مر بمراحل عديدة فى تأثيره بالفنانين التشكيليين، بداية من روبنز للحركة والحيوية ورمبرانت؛ لأن قيم الضوء عنده مدهشة، بالإضافة إلى العمق والإنسانية وتحليل الشخصيات، وبعد قليل، وجد `أن روبنز سطحي، أما رمبرانت فعميق، كان الضوء عنده يشع من الداخل، وضحى باللون وأبقى على الأحمر والبنى فقط ثم أحب الهولنديين والبلجيكيين خاصة الأخوين فإن إيك حيث يعتقد أنهما وصلا إلى قمة الإتقان للصنعة أو التكنيك.. وجد عندهما إلى جانب الصنعة والتكوين الشعور الداخلي الشعري... رغم واقعيتهما الواضحة كما تأثر أيضا بالإيطاليين من عصر النهضة وخاصة تأثره بألوان فنانى البندقية، بالإضافة إلى فنانين آخرين.
- موقف محمود سعيد من مصادر إلهامه
- `الحقيقة السيكلوجية أن الفنان كان دائما هو الجهاز المتحدث عن روح عصره ويمكن فهم عمله جزئيا فقط من خلال سيكلوجيته الخاصة، واعية أو غير واعية والفنان يضيف إلى الطبيعة وإلى قيم زمانه قيمة - هى بذاتها تشكل خصوصيته`.
كارل يونج
- الأشكال المعتادة الشائعة التى صورها محمود سعيد فى لوحاته من المظاهر والجمادات والمصنوعات لها قدر من الإيحاء السحري ودلالات رمزية، فهو يحول هذه الأشياء بدون وعى إلى رموز لتكتسب سيكولوجية خاصة تتخطى حدود مظهرها المرئى، وقد اعتقد علماء الكيمياء فى القرون الوسطى بأن أرواحا تسكن المواد كالأحجار والمعادن، وذلك يرجع بأنه كما يوضح يونج إلى العقل الباطن الذى يأتي دوره عند وصول الفكرة المنطقية الى منتهاها، ويأتى دور الدهشة والغموض، حيث يملأ الإنسان المناطق الغامضة والمجهولة بمحتويات من لا شعوره.
- وكما يظهر هذا الإحساس الغامض بأن العنصر المرسوم يحوى أكثر مما تشاهده العين من أعمال جيورجيودى كيريكو الأسطوري الباحث عن التراجيديا والذى يقول عن أعماله الميتافىزيقية `لكل شئ وجهان، الوجه المعتاد، والوجه الشحبى أو الميتافىزيقى الذى قلة قليلة فى لحظات الاستبصار والتأمل الشارد، وإن يضمن عمله الفنى شيئا لا يظهر فى هيئته المنظورة` تظهر هذه الخاصية فى أعمال محمود سعيد حيث أن بعض أعماله تبدو للمشاهد كالأحلام تتصل باللاوعي فنطوف فى لوحاته بالصحراء وبالنيل وبالمراكب الشراعية وبالبحر وفى داخل المساجد فى منظور محكم وضاء بأضواء ساخنة قاهرة وامضة مصادرها غير منظورة، عناصر يومية دنيوية، وعناصر كلاسيكية صرحيه تتبادر الأدوار على مسرح لوحاته.
- ومحمود سعيد يركز على عالمه الداخلى اللاوعى يمثل احتفاله بالعالم الخارجى من اهتمام وبقدر انشغاله بعمليات التوازن والتوحيد والإيقاع من الوجهة البنائية التكوينية وبالخلطات والرقات اللونية وبعملية توليف وبلورة عناصره فى صيغة تشكيلية خصوصية وربطها بما يجاورها وما يحيط بها من صيغ مكانية، فإن الحياة الخاصة باللوحة تنطلق لا شعوريا فى حالة من الإلهام الحذر، وكأنه يتبع نصيحة كاندنسكي بأنه لابد للفنان أن يركز عينيه على عالمه الداخلي بينما يركز أذنيه على العالم الخارجى، ومن ثم فان سعيد يعكس فى أعماله ذلك الجو الهروبي إلى الداخل والى الخيال حيث يعكس خبرته العاطفىة وليست الادراكية للطبيعة فقط.
- ويقسم هيربرت كونHerbert Kuhn الاتجاه الفنى إلى نوعيتين الخيالى الذى يتعامل مع الخبرة غير الواقعية كالحلم، والحسي الذى يتعامل مع المثيرات البصرية بصورة إدراكية مباشرة وملموسة ويقول أن المصريين قد تمكنوا من التعبير عن العواطف الدينية والروحانية بحساسية بالغة منذ أكثر من 4000 سنة، وفى أعمال محمود سعيد امتداد للتعبير عن تلك العواطف بصورة مرهفة شفافة شاعرية.
- ومحمود سعيد قد نجا برجاحة عقله وحساسيته وثقافته من أن يقتنع بضباب الماضى والوقوع فى أثر الملامح التراثية، ولكنه أعطى أحاسيسه إلى أعمق الأصوات الشاعرية فى محيطه البيئى.
- ولعل أبلغ تعبير عن علاقة محمود سعيد بالأساطير يتجلى فى عبارة رمسيس يونان التى يقول فيها: `إن هذا الفنان الذى لم يصور قط الأساطير، هو فى الواقع خالق الصورة الأسطورة فى فننا الحديث`.
بقلم: مصطفى الرزاز
مجلة : إبداع (العدد 4) أبريل 1997
محمود سعيد عاشق الطبيعة وقاضى الفن بين الأرستقراطية والبانوراما الشعبية
- ولد الفنان محمود سعيد بالإسكندرية عام 1897 ورحل عن عالما عام 1964 درس الحقوق ثم إلتحق بدراسات حرة للفن التشكيلى بأكاديمية الجراند شومير عين بالنيابة وتدرج فى السلك القضائى ليصل الى منصب مستشار بالاستئناف ينتمى لأسرة أرستقراطية والدة محمود سعيد باشا رئيس وزراء مصر فى العهد الملكى والفنان هو خال الملكة فريدة زوجه الملك السابق فاروق عاش بالإسكندرية على مقربة من مسجد أبى العباس المرسى وعاش أيضا بالمنصورة فى فترة عمله كقاضى وسافر لباريس وأوروبا ولبنان كما هوى الفن التشكيلى ومارسة وعين عضوا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب ومقرر للجنه الفنون التشكيلية ثم تفرغ للفن ويعد سعيد أول فنان تشكيليى ينال جائزة الدولة التقديرية للفنون تعلم الرسم فى مرسم الفنان الإيطالى أرتوزابييرى بشارع النبي دنيال بالإسكندرية حيث تميزت لوحات سعيد بالتركيز على البعد الثالث وإبراز الإضاءة وتجسيد الأشكال الطبيعية الحية والتعبير الحسى الواضح للموديل الذى يختارها مثل إبداعه لوحاته المسماة بنات بحرى وبنت البلد وذات الجدائل الذهبية حيث يعدوا الضوء كونه عنصرا رئيسيا فى أعماله فالضوء فى أعماله ليس بالتقليدى فهو يسرى فى أعماله فى الفراغ على هيئه انعكاسات للحزم الضوئية حيث يجسد حاله خاصه وكاشفة للون وموجاته على مسطح لوحاته حيث يعتبر عاشق بقوة للحياة المصرية الأصيلة فسجل الطبيعة من حولة والطبيعة البشرية خصوصا من حولة حيث سجل العادات والتقاليد جسدها من خلال سلسله من المعارض مختلفة وعديدة فيما بين أمريكا وفرنسا وبيروت والخرطوم وموسكو والسعودية ومصر كما أنه له متحف خاص باسمه بشارع جناكليس بالإسكندرية يحتوى على مقتنيات عديدة للفنان حيث رسم لوحاته بأسلوب فريد يسيطر علية حاله من التصوف أحاطه أحيانا بالزهد والتأمل الكونى للطبيعة المحيطة ومظاهرها المختلفة متأملا إياها ومسجلا انطباعاته الشخصية عنها على مسطح لوحاته كما ذهب سعيد بمحض إرادته إلى عالم مختلف جسد من خلاله رسمه لخصوصيه الروح المصرية متبنيا الملامح الفطرية المصرية البسيطة المميزة للبيئة المصرية ليرسم لنا شط الاسكندرية والأقصر وجبل القصير والريف المصرى بنفس المقدرة الفنية المميزة لرسم الموديل والبورتريه من شخوص محيطه به والعاملين فى قصرة وكل من حوله مثل لوحاته المسماة ذات الرداء الأزرق وبدرية وذات العيون العسلية وبنات بحرى ولوحته الشهيرة المسماة المدينة لينقل لنا المناسبات والعادات والطقوس الحياتية والشعائر الدينية مثل لوحته المسماة الصلاة والذكر ليعكس حاله التصوف التى عايشها الفنان فى مجتمعه المحيطة على الرغم من طبيعته الأرستقراطية والتى تجلت بوضوح في رسمه لعائلته وأصدقائه إلى جانب عشقه للمجتمع المصرى البسيط مثل لوحاته المسماة حمام الخيل بالمنصورة والصيادين فى رشيد وبعض معالم اسوان لنجد الفنان يعانق الطبيعة ويشعر بها بشكل ملحوظ وأيضا يتأثر بها ويجسدها فى لوحاته سواء كانت مظاهر أرستقراطية أو شعبية فكان الفنان انعكاسا لبيئته المحيطة بكل مستوياتها كذلك تأثره بالفاعليات التاريخية المهمة مثل رسمه للوحة حفل افتتاح قناه السويس كما رسم الدراويش والمبتهلين مثل لوحته المسماة الدراويش دراسة ولوحته المسماة الدراويش المولوية حيث رسم سعيد لوحتين لدراويش يتمايلون داخل التكية فى حاله من الحركة بشكل رائع ليصور ويجسد اللون والضوء للمشهد بخصوصيه شديدة كما جسد شخصيه المقرئ أثناء تلاوة القرآن الكريم فى لوحته المسماة المقرئ فى السرادق حيث توحى اللوحة بأجواء روحانية بالغة الفرادة والخصوصية والتى تؤكد على رهافة وحساسية الفنان تجاه عادات وتقاليد بلاده وتأثره بها بشكل مباشر وتفاعله معها أيضا يجسد مشهد اللوحة دعوه مباشرة للتأمل الروحى والوجدانى والتفاعل الملحوظ من قبل متلقى فنه وتفاعلهم معه بشكل كبير ليجد المتلقى نفسه أمام لوحات سعيد فى حالة شعورية خاصة تحمله لمعالم سحرية خاصة للغاية بعالم الفنان وتأملاته وإبداعاته وروحانياته ليجد المتلقى نفسه فى حالة من التفاعل بين الحركة المفعمة فى لوحاته وأحيانا السكون الهادى لتصل إلى حالة من الإمتاع بتلك الأعمال التى توضح النضج المبالغ فيه فى أسلوب الفنان إلى جانب تحيزه القوى للغاية لعناصره وموتيفاته وأيضا شخصيته المصرية المتفردة وعالمه الفنى الخاص وأسلوبه الفريد فى بناءه للوحاته ذات الطابع المعمارى الشامخ والذى يميل إلى البناء التحليلى الهندسى لسطح لوحاته والضوء الداخلى النابع من جنبات لوحاته إلى جانب صياغة الوجه الاخناتونى المميز فى أعماله والأجسام الصلبة الملفوفة فى إستدارات وتكوينات تشبه أحيانا تماثيل أجداده الفراعنة والتى تجدها فى بنائية لوحاته وكأن سعيد جاء انعكاسا مباشرا وقويا لسلسه من المؤثرات المختلفة التى شكلت شخصيته الفنية حيث سيطرت وباقتدار على لغته التشكيلية مما جعله يتقن باقتدار فن التعبير على مسطح لوحاته ليسودها الجمال والخصوبة والأنوثة احيانا حينما يجسد بعض أعماله وأحيانا الأسطورة ليثبت سعيد أنه فنان صاحب حس نافذ وقوى حيث إنتمى للمذهب التأثيرى أحيانا فى بناء لوحاته ثم المذهب الرمزي أحيانا أخرى بحيث سعى للتأكيد على مذهب البانوراميه الشعبية فى بعض من لوحاته أيضا لنرى سعيد فى لوحات أخرى له يسلك المذهب التشخيصى ويحاكى الطبيعة وأحيا نراه يحاكى المذهب الأرستقراطى ليجمع بين مذاهب ومدارس فنية عديدة ومتنوعه لنرى نفسنا أمام فنان مبدع تعكس لوحاته فلسفة وثقافه مشتقه من معانى ومضامين مصرية نابعه من البيئة المصرية الخصبة على مر الزمان لنجد أنفسنا أمام لوحات تتسم بالجاذبية والإحكام من حيث المفردات والصياغات والرسم والتلوين والتصميم وكأنها لوحات تحمل رسائل عديدة لكل من يطالعها .
د. أمجد عبد السلام عيد
جريدة القاهرة 27 ديسمبر 2021
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث