`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
عبد الوهاب عبد المحسن على شهاب الدين

- يعيش عبد الوهاب عبد المحسن فى منطقة البرلس ( نون ) تلك اللؤلؤة فى الأسطورة المصرية القديمة التى نبتت فيها زهرة اللوتس هذا الطقس روحى الطابع دفعه نحو الآلية الشرقية فى الأداء على اللوح الخشبى، حيث كشطات السكين المتتابعة التى تقترب فى عنفوانها من ضربات الفأس فى أرض طينية رطبة ليخرج الخط بتخانات متنوعة وانفعالات نظامية تؤدى إلى إنشطارات نورانية على السطح، يؤكد ذلك اختفاء الجسد البشرى من حيز المشهد واستبداله بتلك الانسكابات الرغوية البيضاء على البقع السوداء .
- هذه الغنائية الصوفية هى التى تميز عبد الوهاب عبد المحسن منذ بداياته مع الجسد الأنثوى، وفى هذه الأعمال يؤكد تلك المفاهيم باستدعاء نسائم الروح وإذابة الجسد بإعادته إلى سيرته الأولى من ماء وتراب كاثنين من عناصر القوى الكونية الخمسة، اضافه الى النار والمعدن والخشب كوسيط طباعى عند الفنان.


محمد كمال
جريدة القاهرة 2005
عبد الوهاب عبد المحسن.. مناظر طبيعية سائلة من داخل البحيرة
- هناك التجسيم `الهالوجرامي` في الفضاء حيث يستطيع المشاهد عن طريق ضفيرة من شعاع الليزر أن يشاهد الصورة معلقة في فضاء صالة العرض وأن يدور حولها ويري تفاصيلها من جميع جوانبها داخل الوسيط الهوائي .. وأري في المقابل الي درجة ما هناك تجربة الفنان عبدالوهاب عبدالمحسن الأخيرة في التصوير عبر الوسيط المائي برسمه لنباتات واعشاب وطحالب البحيرة - بحيرة البرلس - ليستخلص مشهده كما يراه عبر كثافة الماء ودرجات شفافيته المختلفة مع اعتبار ما لخاصية الرؤية عبر السطح المائي من نسبة في تكبير المشهد اونسبة في تغير في نسب أحجامه والوانه وحركته .. ليقدم لنا عبدالمحسن مشهداً طبيعياً سائلاً دائم التحول الذاتي في تكويناته اللامتناهية لأعشاب البحيرة السابحة والمعلقة في الوسيط المائي الثقيل ..
- لوحات اعشاب ونباتات البحيرة المعلقة والسابحة مع ثبات سوقها تثير دهشة لدي المشاهد حول خاصية الجسد المائي وثقله الدائم الحركة داخل موجاته المحمولة .. كما تثير لوحاته حيرة حول خبرة اعيننا في ادراك الأشياء حولنا التي نراها عبر الوسيط الهوائي او خلال الوسيط المائي والي اي مدي خبرة اجسادنا في الاحتكاك بهذين الوسيطين الأساسيين لبقاء حياتنا يمكن أن يوحيا بفكرة الانبثاق اوالغمر الثقيل والتوالد ..
- أعتقد ان تجربة الفنان عبدالمحسن فتح بها مدخلاً مهما وحيوياً لدرس تغيرات المشهد المرئي المغمور بالماء وكيفية التعامل وعناصر الضوء واللون والشفافية عبر الوسيط المائي لندرك مروراً بها الي المشهد المغمور بالكامل ليحفز القدرة علي استكشاف العالم من خلال الفن ومثلما الشمس يمكنها ان تدفئ الأرض دون ان تلمسها كذلك الفن والنظريات حول الوسيط المائي الفيزيائية سواء قديمة او حديثة الا ان الفنان يمكنه ان يضيف ابعادا جديدة من خلال التعامل المباشر والتأملي لتحولات النباتات المائية الحية تحت ظروف متغيرة .
- في لوحات التجربة الأخيرة هذه رسم الفنان نباتات البحيرة المائية الحية المغمورة جذورها او سوقها واوراقها وكذلك الأعشاب المائية والهائمات المتوسلة بوجودها داخل الماء كوسيط حياة مع مراعاة ان رسم الفنان ليس لكيان ثابت يمكن الرجوع اليه لاستكماله من منطقة توقف معينة لأنها ادراكات لحظية ملهمة سواء في حركة كائناتها الحية او ما يحدث للبحيرات من متغيرات ` جيومورفولوجية ` و ` هيدرولوجية ` وتأثيرها علي النباتات الاساسية والناشئة من العوالق النباتية والماكروطحلبية والنباتات المغمورة والتنوع البيولوجي ونوعية المياه ..
- وعلي العكس من هذه الحياة الزخمة الحية الدائمة التغير كان آخر رسم الفنان للبحيرة في لوحات 2005 تصور جفافها وتشققات القاع في مشهد بدا أقرب لانبثاق الأرض عن التفافات ونتوءات جافة في تجمعات أقرب لمشهد تجمعات فضائية وبدت البحيرة ليست الا كفجوة ارضية غطت سطحها بثور جافة لوعاء ليس فيه من وساطة الحياة من شيء الا ما هو كامن غير مرئي ..
- في تجربة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن الاخيرة نجد لوحاته تعتمد بشدة علي الحركة .. حركة سطح الوسيط وحركة النبات وحركة الضوء ليبدو في النهاية كالقابض علي ما تحت السطح الثقيل باختراقه بصريا في حركته التي هي دائما تعيد من رسم المشهد ليلتقط من خلال الاهتزاز والحركة قواماً نباتياً حياً متحركاً دائم التحول مع دفع الماء الداخلي ليجمع الفنان اكثر من اتجاه حركة ربما بما يوحي بشعور تشريحي .. كما ان نباتاته وتجمعاته العشبية هي قراءة مجازية لحياة داخل وسيط مائي .. وهناك أيضاً أبعاد نفسية تؤثر فينا لصورة الماء من اهمها فكرة النماء .. كما ان الفنان قدم خلال لوحاته ومن زاوية نظرة عين الطائر المشهد تحت المائي موسعا بطريقة مرنة مما يثير الاهتمام لإيجاد موطئ بصري جديد يتغير مع اقل حركة حيث لا يبدو شيء كما هو عبر ذلك الحقل الأفقي النابض بالحياة وبتيارالظلال المتحركة وطبقات الاعتام ودرجات الضوء او التوهج .. وفي الغالب هناك في لوحاته مراسلات ذهنية بين تماسات الوسيطين الهوائي والمائي بتذبذبات تلاقيهما اعلي السطح وقدر تاثيره علي الداخل ..
- الخط في اللوحات هو اساس الحركة واتجاهها وتكثيف الرؤية داخلها حتي ان هذه التكثيفات تبدو كالتكثيفات الرملية التي نسميها كثباناً رملية صحراوية .. ومع اي حركة لرياح الصحراء يعاد تشكلها في اشكال جديدة .. كذلك مع اي حركة موجية اوذبذبية داخل الماء ىُعاد تشكل المشهد العشبي الدقيق من جديد .. وقد تبدو أيضاً زاوية جانبية لعمق البحيرة بأعشابها كحقول قمح .. كما ان توزيعات الضوء داخل عمق الماء يوحي بتوجه الحركة .. ومن المثير ان انعكاسات الضوء في قاع البحيرة يكشف عن ذبدبات السطح الدائم كأنه كائن حي يتنفس وليبدو كدوائر ذهبية أو ككثبان ضوء متحركة.. فقاع البحيرة في لوحات عبدالمحسن كنباتات البحيرة هو ايضاً يتنفس ..
- الفنان قرر ان يسمي مرحلته هذه ` المرايا ` وهذا المسمي اراه بعيداً عن عمل اللوحة فالرؤية عبر الماء ليست عاكسة كعمل المرايا .. لكن الفنان يخترق سطح الماء الي الداخل ليلتقط ما في باطنه بينما المرايا هي انعكاس حاد وصريح لما فوق السطح دون الكشف عن أى عمق في الباطن ..
فاطمة على
جريدة القاهرة 22 مايو 2012
عبد الوهاب عبد المحسن .. نديم المكان
- كثيرا ما توقفت امام اعمال عبد الوهاب عبد المحسن ما ان تقع عينى عليها .. لاجدنى فى حالة انفصال لحظى عن المكان والزمان .. واجد مغادرتى لاعماله هى حالة معاودتى للاحساس ثانية بالمكان والزمان ..دقائق طويلة اقف امام اطروحاته البصرية لا يعنينى عددها ... وينصب همى على ممارسة ذلك الاحساس بالاستمتاع بعناصره الممزوجة بمعاير ونسب سرية احتفظ بها لنفسه .... فكل عناصره والوانه بعناية فائقة .. وادرك ابعاد مسطحه دراية الخبير بحده وما يجاوره ..حيث اجد فى اعماله هذا النوع من الكرم والاحترام للوافد عليها والمتلقى لها .... ودائما ما تحمل اعماله فى عناصرها ومفرداتها تفاصيل بيئته ...ولا تاخذ منا الوقت الطويل لندرك من خلال قرأتنا البصرية لاعماله غرامه بمكانه ومحيطه الجغرافى وتمسكه به ودفاعه عن وجوده به فى شراسة واضحة .. صاغها فى نوع من النعومة العذبة والبهجة الوارفة .. فهو يأبى الرحيل والمغادرة لمحفزات ابداعاته المكانية ولا يرضى بفراقها مهما كانت المغريات فصار مع الوقت (نديم المكان ) .
- والنديم هو صاحب الكأس وعاشق الخمر ...صار المكان بعمق تاريخه وثراء طبيعته وهدوء اصواته وبحيرته الدائمة الالهام له .هو خمر عبد الوهاب عبد المحسن واصبح اقلاعه عن تناوله ومغادرته له وشفاؤه منه اكثر ما يزعجه ولا يستطيع اى شخص ان يستخلص الكاس من يده ...ربما جاء اغترابه فى سن الصبا المبكر لظروف الدراسة الاعدادية . وما عانته نفسه من فراق وغربة مبكرة لصبى فى مثل سنه ..ما جعله يحسم امره فى المكوث وضرب الجذور وتعميقها قدر ما يستطيع .
- لقد احتمى عبد الوهاب عبد المحسن بالمكان واستقوى به وتسلح بابسط عناصره ليتحول فى يده الى سهام ما ان يصوبها من خلال قراره بابداع عمل جديد واسقاطه على مسطحه الابداعى حتى تقع فى مقتل منه فيتمكن من ابعاده تمكن المسيطر .وتاتى تقنياته وتكنيكاته لتكمل تلك السيطرة لتستسلم اعماله لالوانه ودرجاتها وخياله واحلامه وامنياته ومخزونه البصرى بصورة كاملة لاجدها فى تدفقها وجريانها على مسطحه محملة بصورة متوافقة مع احاسيسه ومشاعره وانفعالاته وارهاصاته .. وما ان يتوقف وينتهى ويرفع يده يظل مسطحه يحمل تلك الدرجة العالية من الطزاجة والنضارة المتجددة .. فنادرا ما ارى عملا لعبد الوهاب عبد المحسن يحمل صمتا لونيا ..حتى وان رسم الصمت نفسه .. فالوانه وخطوطه وتجريده لا تعرف لحظة الأفول التى تتسرب للكثير من الاعمال الفنية .. فتنثر عليها غبار الوقت وشيخوخة الابداع .
- لقد ادرك عبد الوهاب عبد المحسن قيمة ما تحت قدميه من حيز مكانى .. ومسطح جغرافى.. وقطرة مياهه الضخمة التى تمثلت فى بحيرته .. ومحيطه الإجتماعى .. فأخذ فى اعادة صياغته من خلال لغة بصرية خاصة به وبمحفزات ابداع لا تعرف الخمول .. وادرك انه يتدثر بمخمل لا يعرف قيمته الكثيرون غيره ..لم تجتذبه تلك المدنية الزائفة والكاذبة ولم تحرك فيه ملكات الابداع بقدر ما فعلت بيئته وارضه التى تربى ونما وترعرع بين جنباتها .
- ان الصياغة فى اعمال عبد الوهاب عبد المحسن تحمل اسلوبا ينطبق عليه وصف السهل الممتنع فهو احد القلائل الذين ينتجون اعمالهم الملونة فى الحفر البارز علي الخشب من قالب طباعى واحد او اثنين على الاكثر لتخرج لنا نسخة عمله المطبوعة متجانسة لدرجة يصعب معها تحديد نوع التقنية المستخدمة الا من قبل متخصصى فن الحفر ..وقد تشعر مع كثير منها بانها منتجة بتقنية التصوير الحر خاصة فى مناطق التداخل اللونى فكثيرا ما اشعر بفرشاته التى لم يستخدمها اصلا .. لقد صبغ عبد الوهاب عبد المحسن اعماله بصبغة من التجريد المتحرك فلم اشعر فى لوحاته بذلك السكون الذى يغلف الكثير من الاعمال التجريدية فأشعر بحركة الريح فى اعماله واهتزاز اوراق اشجاره وحركة المياه فى بحيرته وضربات اجنحة طيوره فلا اجد المشهد لديه ساكنا ابدا مهما هدأت الوانه ..حتى فى ممارسته لاستخدام الابيض والاسود وخاصة عند استخدام اعمدة الفحم التى تظهر تلك الطاقة المهولة فى انفعالات خطوطه ..وحتى عندما مارس اعماله بتقنيات التصوير الزيتى لم يخرج عن لغته الخاصة ودرجات الوانه حتى وان قل تباينها عن الوانه فى الحفر التى ارى انها ازهى وانضر من مثيلاتها فى التصوير ..كما ان تجربته فى الحروفية كان لها مذاقا خاصا يتشابه كثيرا فى روحه مع معظم اعماله .
- وكثيرا ما اشعرتنى الوانه بتلك البهجة التى تسكن جنبات مسطحه اللونى واستخدام اللون البطل فى كل لوحة وطريقة تناوله ..ومحاولة فهمى لسرده .. حتى الوانه المساندة تاتى بتلك الطاقة الداعمة للونه البطل .. ربما اراد ان يلون محيطه بتلك الالوان ويصل بمفردات المكان وسماته الى تلك الدرجة من التباسط والانسجام والبهجة التى ربما يفتقدها من جراء اوضاع لا يرتضيها ويصطدم بها فى واقعه حتى فى سرده للأبيض والاسود اشعر معه بتلك المشاعر التى تغمرنى عند رؤية الاحلام ..ففى منامنا نرى الاحداث بالوان فى معظمها باهتة الا من صدفة الحلم الرئيسية المتوهجة والتى نتذكرها عقب استفاقتنا من النوم ويحدث لنا منها فهم الرسالة .
- وربما يكون انتباهى لاعمال الرائع عبد الوهاب عبد المحسن قد بدأ من خلال مشاهدتى لاثنين من الاعمال المركبة واللذان تناول فيهما قضيتان من قضايا محيطه ومجتمعه ..كان الاول من خلال مشاركته ببينالى القاهرة الدولى منذ ثلاث دورات ..ذلك العمل الذى تناول فيه قضية تجفيف بحيرة البرلس وتحويلها لاراضى استثمار عقارى وتقسيمها وبيعها لمن يدفع مقابلها .. تلك البحيرة التى تعتبر اكبر مستودع لمياه الصرف الزراعى بالدلتا و التى شهدت احراشها الجزء الثانى من اسطورة ثالوث مصر القديمة وصراع ايزيس وابنها حور من جهة وست من جهة ..البحيرة التى احتضنت الاله الرضيع حور وشب بين احراشها والتى تحتضن هجرات العديد من انواع الاسماك وتكاثرها ...وباب رزق للمئات من الصيادين ..رمز الخصوبة الذى اراد اقطاعيوا هذا الزمان ان يخصوه بتجفيف مساحات منها ليفقدوا المكان رحمه وخصوبته ..ثار عبد الوهاب عبد المحسن بطريقته ...هب للدفاع عن عنصر رئيسى من عناصر ابداعه الملهمة لذاته وفنه وفكره ..فجاء عمله معبرا عما يدور فى جنباته من اعتراض ورفض وشجب ولوم وعتاب وحاكى المشهد فى عمل اختزل فيه دفاعه عن بحيرته وطيورها واسماكها وصياديها ..كان عملا حقيقيا على خلفية قضية حقيقية ونكبة كانت نازلة .
- اما العمل الثانى والذى شارك به فى عرض (ماذا يحدث ا?ن ) وهو جدار الخبز ..والذى تطرق فيه الى قضية اراضى الدولة التى كان يمنحها من لا يملك لمن لا يستحق ورمز لأحقية عامة المصرين فى هذه الأراضى باحقيتهم برغيف الخبز.. بل ذهب لأبعد من ذلك بان اعتبر تلك الارض هى قوت المصريين المتمثل فى رغيف الخبز وكيف انتزعه منهم زبانية هذا الزمان ليرفعوا بها جدران ويشيدوا بها قصورا وخلطوا ملاطها بدمهم المتمثل فى رغيف خبزهم وقوت يومهم .. ومثل حرمانية وقدسية تلك الأراضى برغيف الخبز بان وضعه بشكل مباشر على الأرض لما لذلك الفعل من استياء فى نفوس المصريين ..وجائت رمزية نضارة الارض والشعب وظزاجتهم الدائمة من خلال استخدامه لنموذج مثالى لرغيف الخبز استخدمه فى جداره .
- هكذا رأيت الرجل الفنان / عبد الوهاب عبد المحسن .. يطرح فنا بلا زيف يلون بابداع دون فجاجة .يصيب هدفه من اقصر الطرق بما لا يؤثر على غايته ... رايت فى اعماله على تنوع طرحها وتكنيكاتها تخدم افكاره وتلخصها دون انتقاص منها .. وتكون خير رسول لخطاباته المرسلة الى متابعى ومحبى فنه دون ابتذال او اسفاف او اطالة غير موظفة ..ففى ابتهاجه من خلال لوحاته اجدنى افكر فى ابداعه وحرفيته وصنعته المتقنة وادواته القليلة ومنتجه النهائى شبه المكتمل ...وفى اعتراضه وشجبه اجدنى اسمع اجراس تنبيهاته الصامته وهى تعلو وتعلوا دون شعارات ثورية وجمل حنجورية مستهلكة .. لقد مارس عبد الوهاب عبد المحسن الفن بإحدى تقنياته فكان حفار مميزا وعلامة من علامات الحفر المصرى ..ومارس الفن بحرية فكان مصورا رائعا ومميزا ..ومارس مفاهيمية الفن فكانت مفاهيمه جادة غير منقولة او مقلدة تحمل هما مصريا حقيقيا وليس مسخا اوروبيا منقولا ..لقد اراد عبد الوهاب عبد المحسن ان يقاوم برد اغترابه فتدثر بمفردات مكانه وارضه وذويه ووطنه وقضاياه وهمومه واحلامه وامانيه ...احب المكان ..فاحبه المكان ...فاحتضنه والهمه وسانده فصار عبد الوهاب عبد المحسن ( نديم المكان ) .
ياسر جاد

سيد قشطة يشعل خلاف الفنانين
فى لحظة ما يهرب من الحقيقة من يبحث عنها ، ومن يواجهها..يتعرض من يبحث عنها ، ومن يواجهها للاتهامات والإدانه . هذا ما حدث لعبد الوهاب عبد المحسن ومحمد طلعت فى موضوع تمثال ` سيد قشطة ` .
تعود القصة إلى أكثر من ثلاث سنوات مضت يقول الفنان عبد الوهاب عبد المحسن : ` سوف أحكى لكل الفنانين حكاية هذا العمل لأفهم منهم ماذا حدث وكلنا يعرف الحقيقة ، اتصل بى الاستاذ محمد طلعت لأشارك فى هذا المشروع وأخبرنى أن فية مؤسسة خيرية تشرف على هذا المشروع وتعطى كل فنان 500 جنية لشراء خامات للعمل على أن يقام معرض للأعمال ويقام مزاد علنى ويوزع تمنه الذى يحدده الفنان بالنسب الآتية 25 % للمؤسسة و75 % للفنان ، وأرسل لى التمثال والمبلغ عند الفنان رضا عبد الرحمن الذى قام بتسليمى التمثال والمبلغ وذهبت لمرسمى وأكملت العمل كما هو موضح فى الصور فى مرسمى وبعد فترة اتصلت بالسيد محمد طلعت وأخبرته أننى أنجزت العمل وأخبرنى أنه سوف يرسل سيارة إلى كفر الشيخ ليأخذ العمل وقد كان وأرسل سيارة بالفعل وأخذ العمل ، هذا تم منذ سنتين وأكثر وسألت محمد طلعت أكثر من مرة وكانت الإجابة لسة إلى أن كنت فى الزمالك ووجدت سيارة عفش كبيرة واقفة بجوار مكتبة ألوان تحمل تماثيل سيد قشطة من ممر بجوار المكتبة فاتصلت بمحمد طلعت أخبره بما رأيت وقال لى سأتصل بالسيدة المسؤلة عن الموضوع ، وللأن لم يصلنى أى رد ، وعلى هذا أطلع جميع الفنانين المشاركين معى على الموضوع لعلى أسمع مايفيدنى ، وما مصير عملى ، وأطالب السيد محمد طلعت بالرد والاجابة . أين عملى وما مصيره ؟ .. ولو بيع أين حقى ولو لم بيع أرجعه لى وخذ ما دفعته وتكلفة صب النسخة .
رجعنا إلى صفحة محمد طلعت بالفيس بوك واطلعنا على رده الذى لم يختلف كثيرا فى حكى الموضوع ، وذكر أنه اتصل بالفنان عبد الوهاب عبد المحسن من أربع سنوات للمشاركة فى مهرجان ` الهبو ` بعد أن طلبت منه الاستاذة تمارا زكى سنة 2010 أن يرشح لها الفنانين المهمين فى الحركة الفنية وتطوع ورشح سبعة أسماء من خمسين أسما منهم الدكتور عبد الوهاب كان المشروع خيريًا يأخذ الفنان سبعين فى المائة من قيمة العمل والثلاثين فى المائة لصالح معهد السرطان . كانت هناك شراكة بين شركة سوديك كراعية للمشروع والاستاذة تمارا زكى . أرسلت الاستاذة تمارا التماثيل للفنانين . ومنهم دكتور عبد الوهاب ، وقامت ثورة 25 يناير . وكان محدداً للأفتتاح 15/2/2011 هناك من لم يسلم أعماله وهناك من سلم أعمال المشروع الذى أنسحبت منه شركة سوديك لظروف لا يعلمها محمد طلعت وعندما سألة الدكتور عبد الوهاب عن عمله الذى انجزه اتصل بالأستاذة تمارا واخبرته أن العمل فى حوزتها وإذا كان الفنان يريد عمله ليس لديها مانع على أن يرد لها مبلغ 2500 جنيه قيمة التمثال الذى تكلفته و500 جنيه تمن الألوان .
كان رد محمد طلعت عاديا جدا لولا ما بدا به من جملة ` بدون مزايدات ` وما اختتم به نهاية الرد ` عيب يادكتور عبد الوهاب .. بلاش مزايدات .. وأنا فاهم وأنت فاهم ` .
ولا نعرف أين هذه المزايدات ، فنان يسأل عن مصير عمله ، خاصة بعدما شاهده ينقل من مكان للآخر ، ولم يحصل على مستحقاته المالية . ما العيب فى ذلك ولماذا يتطور الخلاف ليصل إلى هذا الحد من فنان مهذب هو محمد طلعت لفنان كبير ومهذب هو عبد الوهاب عبد المحسن .
د.سامى البلشى
الإذاعة والتليفزيون
سيرة التوت ... حكاوى تشكيلية للفنان عبدالوهاب عبد المحسن
- استيقظ مبكرًا ليذهب إليها سرًا قبل ازدحام البشر حولها، وقبل مغادرة الطيور التى اعتادت الاختباء والاحتماء بين أغصانها، حرص على أن يكون أول من يلامسها على استحياء، وبينهما أسرار وحكايات وذكريات ماضية وحاضرة، جلس أمامها يتأملها وهى تصارع شدة الرياح لتحتفظ بتوازنها، لتمنع أوراقها الكثيفة وأغصانها وحباتها من السقوط، أغطية من السحب ترويها، تصادقها بحيرة يقفز منها بين الحين والحين أسماك مبتسمة، لأنه يعشق جماليتها جلس يترقب لحظة خروجها من صمتها، ولكنها لا تجيد لغتنا لأنها ليست من عالمنا البشرى، تنتمى للطبيعة وتسكن فضاءاتها، مذاقها اللونى لا يتشابه مع ثمرة أخرى، تتغذى عليها دودة القز لإنتاج الحرير.
«شجرة التوت» سندريلا الأرض، المسكونة بالأساطير القديمة والأقوال المأثورة التى أبدعها مزارعو أشجار التوت، والتى جذبت العاشقين والمبدعين والروائيين والشعراء، فقال عنها الشاعر محمود درويش: «أما أنا، فسأدخل فى شجر التوت،حيث تحولنى دودة القز لخيط حريرٍ، فأدخل فى إبرة امرأة من نساء الأساطير، ثم أطير كشالٍ مع الريح»، «سيرة التوت» هى إطلالة فنية جديدة للفنان التشكيلى عبد الوهاب عبد المحسن فى معرضه الذى أقيم مؤخرًا بقاعة «قرطبة»، اختار الفنان أن يقوم بدور الحكاء التشكيلى ويسرد لنا سيرة التوت بأدواته الفنية وتقنياته التشكيلية الخاصة، من حيث خامة الأعمال خرج الفنان من الأطر المألوفة والنمطية للوحة التصويرية المعتادة واستخدم أشجار التوت كوسيط جوهرى لتجسيد فكرته برؤية حداثية متحررة المعالجة، اقتنص بعض الأجزاء عشوائية الشكل من أشجار التوت وقام بمعالجته لاستخدامها كمسطح للفعل الفنى، بعض القطع تتشابه فى هيئتها الخارجية بالعنصر الإنسانى، توحى بعض القطع بملامح امرأة ممشوقة أحد نساء أساطير التوت وقفزت هربًا بذكرياتها المحفورة على أغصان الشجرة، وقطع أخرى من الأشجار تتشابه مع الأسماك فى ملامح مبتسمة وكأنها اعتادت مغازلة التوت من البحيرة المجاورة للشجرة.
منحته قطع أشجار التوت حالة اتساق وتوافق تام مع الموضوع الفنى، استكملها «عبد المحسن» باسترجاع مخزونه البصرى وانطباعاته كفنان صاحب رؤية خاصة، ابتعد عن محاكاة واقع المشهد المكانى ومنح القيادة الفنية والتشكيلية والسيكولوجية لمحاكاة جوهر شجرة التوت، ومحاكاة الجوهر تبعه حالة فنية تجريدية اقتصرت على التناغم اللونى الشديد الحذر مع بعض المرونة، فرصد الفنان سيرة التوت لونياً وتجريدياً وحسياً.
فى بعض أشجار التوت وضع الفنان توليفة لونية من الأحمر والأسود والبنفسجى والأبيض والأزرق واللون الذهبى قام بتوزيعها على هيئة خطوط ومتناقضات ملمسية ومساحات مرنة الحركة متمردة الحضور، من المرونة نتج آلفه وتصارع وتخفى بين المجموعات اللونية الأحمر والأسود وما بينهما من ملامس تلتف حول المساحات تتعانق معها بالتراضى والقبول، تلك ترجمة ورؤية من الفنان لنصوص وكتابات وذكريات محفورة تقرأ حسيًا وليس بصريًا.
استخدام الفنان اللون الذهبى على بعض قطع أشجار التوت فهو اللون التراثى المستخدم فى جداريات الحضارات المصرية القديمة وجاء هذا اتساقًا مع قيمة التوت تاريخيًا وحضاريًا، حيث إن «توت» اختير ليكون أول الشهور القبطية، وهو امتداد للتقويم المصرى القديم، نسبة إلى الإله المصرى «توت» أو «تحوت» إله الحكمة والعلم والكتابة وحامى الكتبة.
أما قطع أشجار التوت التى جاءت على هيئة اسماك فقد نالت من سمات التوت الكثير وبالأخص المجموعة اللونية وتجريدية التشكيل مما يؤكد وجود مصادقة إلهية بين عناصر الطبيعة ما فوق الأرض وما تحت البحار وإن لم يتم بينهما اللقاء.
كما جاء بالعرض مجموعة من اللوحات التصويرية القليلة لشخصيات بورتيريهات رسمها الفنان بنفس تجريدية التوت، أضفى عليهم ملامح ونظرات جدلية وكأنهم فى حالة استدعاء للفترة زمنية كانت تربطهم بأشجار التوت أسرار، العرض بصفة عامة هو عزف لونى يشع أحاسيس بطعم التوت.
سوزى شكرى
روز اليوسف : 2018/3/26
عبد الوهاب عبد المحسن عاشق البحيرة .. بين الانطلاق من خصوصية الإقليم .. إلى رحابة الحداثة
- يعد الفنان ` عبد الوهاب عبد المحسن ` من بين قلة قليلة ممن اختارو الارتباط بالبيئة وفضلوا الإقامة بموطنهم الأصلى حيث النشأة والاستقرار بعيداً عن صخب القاهرة وضجيجها وبريقها السطحى .. وكان إن انطلقوا من خصوصية الإقليم إلى رحابة الحداثة بوعى شديد وتعبيرية عالية تتجاوز الأشكال المعادة والمكررة .. وتلحق فى آفاق جديدة جعلت لهم مساحة عميقة فى الإبداع التشكيلى المعاصر .. بل وجعلتهم فى مصاف الفنانين الكبار .
- نذكر معه الفنان ` أيمن السمرى ` الذى قرر بحب شديد الارتباط بكفر شكر والإقامة بها وجعل منها أسطورة فنه التى تعانفت مع الأصالة والحداثة .. وأيضاً المثال ` السيد عبده سليم ` ابن كفر الشيخ بلديات ` عبد المحسن ` وصاحب المنحوتات والتماثيل والمجسمات التى تألقت بالسحر الكونى .. موصولة بالنحت المصرى القديم ودراما الطقوس فى الريف وبراح المعاصرة .
- ولقد كانت بحيرة البرلس عند الفنان ` عبد الوهاب عبد المحسن ` ولا تزال مثيره الفنى الحقيقى .. جسد من خلالها تلك الملاحم التى تنوعت فى ثراء وحيوية من الجرافيك إلى التصوير والرسم .. وحتى التجهيز فى الفراغ أو التشكيل المركب .. عرضت بالقاهرة وفرنسا وسويسرا وإسبانيا والهند وتركيا وغيرها من بلدان العالم .
- على مسافة حوالى 150 كيلو متر من القاهرة انتقلت الخيال إلى كفر الشيخ والتقينا به هناك بمرسمه.
- بين المدرسة والكتّاب
- يقول : فى السادس من يناير من عام 1951 كان مولدى بقرية من قرى مركز بلقاس التابع لمحافظة المنصورة .. وكان فى نية والدى ووالدتى أن أتعلم بالكتّاب كبداية للالتحاق بالأزهر الشريف .. هكذا أراد لى .. ومن هنا عندما التحقت بالمدرسة لم يستغرق انتظامى بها أكثر من 15 يوماً .. وخرجت لأدخل الكتّاب ولمدة أربع سنوات قضيتها هناك .. اكتشفت أننى الوحيد بين مجموعة من فاقدى البصر على درجة كبيرة من الذكاء الفطرى البديهى .. يجيدون الحفظ والتلقين وكنت أقلهم استيعاباً .. حتى أننى تأثرت بعالمهم وقلت إما أن أظل بينهم وأصير مثلهم أو أخرج من الكتّاب إلى غير رجعة .. وكان أن وضعت فى عينى رماد حتى أصير من المكفوفين وقلت لهم : اسحبونى .. ووسط قلق الأسرة جلبوا لى خلطة من محارة لسان البحر مع لبن حليب بمثابة قطرة للعين وبعد أن شفيت .. وتحت ضغطى الشديد وتمردى .. اضطر أبى إلى أن يدخلنى المدرسة بدلاً من الكتّاب .. وامتثل أخيراً لرغبتى .
- كانت المدرسة بالنسبة لى جرس وحصص وسبورة والأهم طباشير ملون وحصة رسم وحصة ألعاب .
- وأول تعرفى على الرسم جاء من خلال واقعة محزنة لا أنساها للآن .. كان عندنا حصتين تربية وطنية تفصلهم الفسحة .. بالطبع الطباشير الملون موجود بكثرة على السبورة .. ومن خيالى رسمت مدرس المواد الاجتماعية أبو شنب (دوجلاس) فى الفسحة.. وبمجرد دخوله الحصة بعد الفسحة قال: ` مين اللى رسم دا ` .. وعندما وقفت وأجبت بزهو بأننى صاحب الرسم .. انهال على يدى ضرباً .. 21 عصاية .. ووسط تألمى ودهشتى كتمت ما حدث .. خفت أن أقول شيئاً لوالدى حتى لا يخرجنى من المدرسة ويدخلنى الكتّاب مرة أخرى .. وطويت غيظى .
- واستمرت الحياة بالمدرسة ولم أتوقف عن الرسم .. مثل الطلبة من محبى التربية الفنية طوال فترة إعدادى وثانوى .. وفى الحقيقة لم أكن طالباً متفوقاً فى الدراسة .
- دخلت كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية .. وكانت البيئة لا تعرف مفهوم الفنان التشكيلى ولكن مفهوم الولد ` الرسيم ` .
- وكان دخولى الفنون الجميلة على غير رغبة أهلى ، فقد كان من الصعوبة على أبى التحاقى بها .. وكانت الأسرة تريد لى أن أكون طبيباً فى شهرة طبيب القرية.
- الأول على الدفعة
- وفى العام الأول بالكلية تفوقت وكنت الأول على دفعتى وتخصصت فى فن الجرافيك بعد إعدادى فنون .
- درست على يد مجموعة من الأساتذة الكبار .. كل منهم له طريقته وشخصيته فى التدريس : ` مجدى قناوى ` الذى كان له قدرة مدهشة فى أن يجعلنا نحب الفن و ` مريم عبد العليم ` التى جعلتنا نجيد الحرفية أو الصنعة بمعنى آخر ` التكنيك ` .. و ` صبرى حجازى ` الذى تعلمنا منه الجرأة واقتحام السطح .. أما ` ماهر رائف ` فكان يمثل الفكر والفلسفة وكانت علاقته بى أروع ما يكون ، وهو الذى دفعنى لأن أبحث فيما يعنى لى من تساؤلات كبيرة وأضع لها إجابة وهو الذى شجعنى أيضاً على الإبحار فى الثقافة وأن يكون لى وجهة نظر فى الفن التشكيلى وأعى المسافة التى بينه وبين الطبيعة .
- وقد فاجأنى فى مرحلى البكالوريوس .. ` سنة رابعة ` .. وكانت الخبرات التعليمية قد تبلورت لدىّ .. وكل طالب كان يفكر فيما سوف يقدمه فى مشروع التخرج .. بدأ هو فى ذلك الوقت يتحدث معى حول اتجاهه لفكرة الحروفية التصويرية وأبجدية اللغة العربية وحروفها الثمانية والعشرين .. كما حدثنى عن ` ابن مقلة ` أحد أشهر خطاطى العصر العباسى وأول من وضع أسس مكتوبة للخط العربى .. كما أنه صاحب التجارب الأولى فى خط الثلث .. وقادنى بفلسفته فى الفن إلى تحديد الرؤية التى تقود إلى الدهشة وتجاوز المعتاد ، خاصة وقد بنيت نظراته فى التجريد على أن الرؤية البصرية خاطئة والمنظور كذبة .. حتى ولو كان معك عدسة مكبرة سترى أن المنظور ليس فى أن ترى الأشياء مصغرة أو مكبرة ولكن أن تصغيها حسب رؤيتك وبعدك البصرى .
- وماذا بعد التخرج ؟
- تخرجت من الفنون الجميلة عام 1976.. وكانت المفارقة أننى كنت الأول وفى نفس الوقت وجدتنى خارج الكلية .. يعنى مفيش تعيين .. وكان على أن أذهب لأعيش فى الريف وأنا دارس تخصص يعتمد على تقنيات وبعض التكنولوجيا .. مكبس وأحماض .. عشت فى الهواء الطلق وبدأت أفكر فيما سأصنع وماذا سيصنع بى الزمن وأنا بالمنزل ؟ .. قلت كيف أعمل حفر على الخشب ؟ .. خاصة وليس لدىّ كلية لأطبع فيها ولا عندى فنانين لديهم مكابس .. عدت إلى بلدتى بلقاس .. وفى نفس الوقت رجعت لــ ` ماهر رائف ` مطالباً بأن أحصل على مشروع التخرج ، وكان حول ` الخط العربى التصويرى` .. وكان رده : أنه لا يمكن هذا إلا بعد أربع سنوات وأشار لى أن أعود لأعمل بالفن فى قريتى .. ولكن بدلاً من ذلك سافرت إلى الخارج لمدة أربع سنوات.
- وعدت إلى أرض الوطن لأستعيد علاقتى بـــ ` رائف ` من جديد وبدأت فى ممارسة تجاربى فى فن الجرافيك مع حصولى على دبلوم الدراسات العليا جرافيك 1986 .. والماجستير فى فن الجرافيك من كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان ، ` وكان من المقرر استكمال الدراسة بالإسكندرية ولكن عطل ذلك بدايات مرض رائف ` .. وكان حول : ` فن الجرافيك المعاصر بالإسكندرية ` 1993 .. كما حصلت على دكتوراه الفلسفة من نفس الكلية أيضاً وكانت بعنوان ` رؤية تشكيلية معاصرة لرسالة الغفران لأبى العلاء المعرى من خلال فن الحفر ` 1998 .
- قلت له : ` عبد الوهاب عبد المحسن ` ومعه` أيمن السمرى وسيد عبده سليم ` .. ثلاثة من نجوم الإبداع نرى أنهم قد حققوا العلاقة الحقيقية المنشودة بين الموروث والوافد وبين الأصالة والحداثة والعجيب أنهم ظلوا متمسكين بالإقليم الذى ينتمون إليه وفضلوا البقاء فيه وكان بالنسبة لتجربتهم الفنية أشبه بالحبل السرى .. ومع ذلك خرجوا على المحلية إلى آفاق رحبة من الحداثة .. كيف تفسر ذلك ؟
- يضيف : لاشك أن الغربة والاغتراب لهما تأثير كبير على الفنان وعلى العكس التوحد مع المكان أو الارتباط بالبيئة .. وفى تصويرى أنه كلما زادت مساحة العلاقة بالطبيعة كلما وجدت نفسى .. فقد تعودت على طقس الشروق والغروب بشكل يومى .. وطوال الليل أتأمل تلك الظواهر التى لا يلتفت إليها أحد بالمدن المزدحمة .. من الصفاء إلى الغيوم وتشكيلات السحاب .. ومن الظلمة إلى الضوء الباهر وفى تصورى وعلى المستوى الشخصى أرى أن قنوات المياه هى المرأة التى أرى فيها نفسى كل يوم .. وهى نوافذ الكون .. تخيل أنك تعيش بلا شبابيك أو فتحات .. قنوات المياة ضمن شبابيك الكون هذا هو الكتاب المفتوح .. أنا لا أستطيع أن أعيش وسط خرسانات مثلما أرى أن المتغير السئ هو البشر .. من هؤلاء الذين لايتم إعدادهم بشكل جيد ومتحضر خاضع لقيم الطبيعة التى تعد بمثابة الملاذ والتى تصدق دائماً ونتعلم منها كل يوم بمساحات الصفاء والتنوع والثراء .
- الفنان والطبيعة
- أنا أتعلم الفن ليس من الفنانين ولكن من الطبيعة .. ومع فكرة التواصل مع الكون .. لا أكتفى بهذا فالثقافة شئ بالغ الأهمية للفنان عموماً .. وقد سافرت كثيراً إلى أوروبا والشرق وعرفت كيف يكون الفنان ممتلئاً بالثقافة الإنسانية التى تعد ملكاً للبشر .
- قلت له : وماذا عن تجربة الثقافة الجماهيرية فيما يتعلق ببداياتك الأولى حين كنت أخصائى فنون تشكيلية إلى أن أصبحت رئيسا للإدارة المركزية للشؤن الفنية بالهيئة العامة لقصور الثقافة أنا و ` سيد عبده سليم ` عانينا كثيراً فى البداية حتى نوجد مساحة للتواجد وعرضنا شغلنا بلا مقابل .. وكنت طوال الوقت أتوجه لأى موقع فى كل بقعة من الدلتا للوادى .. لفينا مصر بطولها وعرضها .. وكنت أعرض مكتفياً بتجربة التواصل مع البشر من متذوقى الأقاليم .. وفى الثقافة الجماهيرية كنا نلتقى مع فنانين تشكيليين وشعراء وكتاب ومسرحيين وموسيقيين وكنا نسهر حتى الواحدة والثانية صباحاً فى وجود الحارس فقط ..
- وكان المكان الخاص بالمبدعين هو قهوتنا والنادى والملتقى .. كان كل المبدعين يترددون على قصر ثقافة كفر الشيخ .. وكان التعايش مع تكامل الفنون فرصة تثقيفية للجميع .
- وعندما عينت رئيساً للإدارة المركزية للفنون التشكيلية بهيئة قصور الثقافة كان لى شرف الإشراف على فنون الهيئة بجمهورية مصر العربية .. اكتشفت أنه لابد من تحقيق العدالة الثقافية من خلال تفكيك المركزية بعاصمة البلاد .. أقصد القاهرة وأنه علينا تحقيق ذلك من خلال حراك ثقافى يوصل الثقافة والفن لأصغر نجع .. واكتشفت أيضاً أننا من أثرى بلدان العالم بفنوننا الضاربة فى عمق التاريخ منذ أكثر من خمسة آلاف سنة ، وأن هناك خطة من الإعلام لإهدار هذا الثراء وتغريبه .. نحن نمتلك مرجعيات تراثية تكفى فنانى العالم بأسره .. والمشكلة أننا نفتح الباب على الخارج ونعمل على تهميش مرجعياتنا التى تساعد على الانتماء والأصالة والتطور الطبيعى للفن .
- وما هو المطلوب من الثقافة الجماهيرية حالياً ؟
- أن تظل المراسم مفتوحة طوال السنة وأن يرصد لها ميزانية توازى على الأقل ميزانية المسرح الذى يعرض لمدة 15 يوماً .. وهنا سوف تظل نافذة للإبداع للرواد بلا انقطاع .. وفى هذه الحالة لابد أن يشرف عليها فنانون حقيقيون .. وإعطاء دورات للأخصائيين بحيث يتم تطوير العمل للوصول إلى الإشراف التشكيلى الحقيقى .
- ولنا أن نعتز بأن الثقافة الجماهيرية صاحبة فكرة مراسم سيوة .. وهذا يعد فعلاً حقيقياً وفرصة لأفواج من الشباب تحت إشراف فنان كبير .. من أجل أن يروا الطبيعة ويمتلؤا بها .. وهنا نحقق القيمة والمعنى بالتأكيد على درجة التنوع والثراء والاهتمام .
- البرلس وأسطورة البحيرة التى جعلت لها ` بورتريه ` خاص أو صورة شخصية بروح الطبيعة ؟
- بحيرة البرلس تعد مساحة من البراح ترى فيها الرومانسية فى أوجها مثلما ترى الإيقاع المسكون بالصخب أحياناً والهدوء فى أحيان أخرى وهى تجسد عبقرية المكان الذى ظهرت فيه الديانة المصرية القديمة .. أو الثالوث المقدس ` إيزيس وأوزوريس وست ` .. البحيرة تعكس كفر الشيخ بكل ما فيها من صور الطبيعة وهى تتغير كل يوم تبعاً لحركة الشمس وحسب حركة الرياح .. وتجدد نفسها بنفسها بطول العام .. مفتوحة على الأبيض المتوسط .. وللريح أيضاً تجلياتها على سطح الماء بالإضافة إلى تلك الأشياء والعناصر الواقفة فى العمق والمتعامدة رأسياً .. مع الأفق والسحاب فى الشتاء واللون الرمادى الذى يعكس حالة من الشجن .. البحيرة بكل ما فيها تدعو للتأمل وتحفز على الإبداع .. تخيل .. أحد الصيادين قال لى ذات يوم : أوعى تفتكر أن السمك يأتى إلينا من الماء.. السمك يا بيه ينزل إلينا من السماء عشان كده بنبنى جوامع وبيوت كل عام من خير البحيرة .. ماذا نقول بعد هذا المشهد السيريالى ؟
- ناس البحيرة
- ومازال حديث ` عبد الوهاب عبد المحسن ` حول تجربته فى الإبداع وأطياف البرلس : منذ عام 2000 بدأت تجربة البحيرة .. تناولتها بالعديد من التقنيات والوسائط منها : الحفر على الخشب - التصوير الزيتى - التجهيز فى الفراغ ` العمل الفنى المركب ` - الكمبيوتر جرافيك والرسم بالصبغات والقلم الرصاص وأخيراً القلم الرصاص منفرداً .
- كانت بحيرة البرلس بالنسبة لى ملاذاً دائماً حين تتأزم الرؤيا عندى وتضيق الدنيا بالأحداث ولا أملك حلاً لتغييرها .. حينها يصبح براح بحيرة البرلس بسحرها وأساطيرها وامتداد أفقها هو ملاذى الذى يحقق لى الأمان البصرى ويعطينى الراحة ويحثنى على التأمل والاستغراق فى إيقاعاتها وألوانها ورائحتها .. وفى كل مرة ألاحظ استبعادى للبشر من المشهد دون تعمد فلا أرى سوى البحيرة فقط التى هى أساس كل شئ ببصمتها وصخبها بأعشابها ولمعانها .
- كل مرة أرسم بحيرة البرلس أقف عند سطحها الذى يحكى كل الأسرار فسطح الماء مرسوم عليه كل شئ .. عليك فقط أن تتأمله وتتواصل معه بصدق وتكون أنت لا أحد وأرسم ما تراه أو ما أراه وما أحسه ما يعن لى .. وما على إلا أن أعزف بأى الأدوات .. أعزف لحنها المميز لتتواصل لى خصوصية التواصل والتعبير وتحديد المسافة التى سأعبر عنها من خلالها .. هى بحيرتى وأنا أوجدنا الله معاً .. فى هذا الزمان والمكان .. هى تقول وأنا رسولها للعابرين عليها .. سأرسمها وأظل أرسمها لأقربها أكثر من القلوب .. للناس لمن لا يستطيع الحج إليها وسأنقل خلودها فى أعمالى لعلى أستطيع .
- وماذا عن الفن والخصوصية والحداثة ؟
- كل فنان من البديهى أن يعبر عن بيئته ومن الخطر أن يكون الفن تابعاً .. وهناك أفكار لدى الفنان قد لاتستطيع الصورة أن تعبر عنها أو تحققها بالمعنى الكافى وهنا يكون التعبير من خلال التجهيز فى الفراغ أو العمل الفنى المركب .. ذلك لأن قضية الفن تجعل التعبير مفتوحاً على كل الاحتمالات .. قد لايسعف القلم الرصاص بكل ما يحمل من شحنات وقد لايستطيع اللون رغم قيمته أن يصل بنا إلى ما نريد وتبدو هنا الحاجة إلى وسيط أكثر تعبيراً عن الفكر والإحساس .
- وعموماً لاشك أن الثقافة التشكيلية ملك للجميع مثلما أن الفن لغة عالمية ولكن من المهم التخلص من التبعية الغير مفهومة لفنون الغرب ولنا أن نتمسك بحضارتنا وبيئتنا وتاريخنا الطويل الممتد بحلقاته من الإبداع والتألق الحضارى .. وفى النهاية علينا أن نجيب عن هذا التساؤل : أنا أرسم لمن وأعبر عن من ؟
- .. وعالمه
- ` عبد الوهاب عبد المحسن ` فنان استطاع أن يحقق فى أعماله ببساطة شديدة المعنى الحقيقى للفن .. وصلة الموروث بالوافد وعلاقة المكان بكل ما يحمل من مكنونات خاصة بمفهوم الحداثة .. ولا شك أن أسطورة فنه جاءت من رحم الطبيعة وعمق الواقع رغم تجريدية أعماله وتخلصها من الثرثرات والزوائد التشخيصية .. وقد جعل للوحة زمناً لا ينتهى ولا يتوقف .. وفى نفس الوقت لا يتجاوز حدود جغرافية المساحات والمسافات بامتداد بحيرة البرلس وعمقها الرأسى بما تحمل من كيانات مادية وصفاء روحى .. من نباتات وأعشاب وبوص وطحالب وكائنات وحياة مائية .. تحولت إلى تعبيرية عالية من ظلال وأضواء ونور وعتمة وشفافية وشجن وحدة وخشونة .. ورحيل وعودة فى أقاليم الليل والنهار .. حين تفيض وحين تتشقق .. وهو يجعل من كل هذا إيقاعاً جديداً .. ولا شك أن أعماله فى الحفر على الخشب بما تحمل من رهافة الخطوط ودفء المساحات وشاعرية الإشارات والعلامات والنقط والنقوش .. مثقلة بطزاجة لونية من الأخضر البهيج والأزرق المشرق والأحمر الداكن مع كثافة الرمادى والعشبى .. تعد مساحة خاصة من العذوبة فى فن الجرافيك المصرى المعاصر مع رسومه بالقلم الرصاص وذات الأصباغ والتركيبات اللونية وأعماله المفاهيمية المركبة .
- وإذا كان` عبد المحسن ` قد قدم البحيرة فى بورتريه شخصى من تلك المشاهد أو المناظر التى توقف عندها الزمن فى لحظة خاصة .. مع حرية وحيوية التعبير على السطح التصويرى .. فقد قدم أيضاً أسماك تتوهج بسحر اللون .. أضاف إليها واختزل من شخصيتها حتى تحولت إلى كائنات تكاد تقترب من البشر فى تحولاتها من حالتها الأولى إلى دنيا مسكونة بالمشاعر والأحاسيس .
- لقد أصغى فناننا السمع إلى نداءات الطبيعة وقدمها بعد أن أعاد اكتشافها وصاغها فى نغمات بصرية جديدة .
- تحية إلى ` عبد الوهاب عبد المحسن ` بعمق البرلس .. أسطورة النور واللون .. والتشكيل والتعبير .
بقلم : صلاح بيصار
مجلة الخيال : العدد ( الثانى و الثلاثون ) نوفمبر 2012
حوارية الضوء واللون فى لوحات عبد الوهاب عبد المحسن
- فى مغامرته التشكيلية فى فن الجرافيك، يولى عبد الوهاب عبد المحسن اهتماما خاصا بعناصر البيئة الريفية، فى بساطتها وإيقاعها الميتافيزيقى التلقائى، وتبدو تأثيرات هذه البيئة - فى معظم اللوحات - وكأنها العنصر الحاسم فى تكوين السطح، وتكوين المزاج الفنى للفنان نفسه، كما إنها تلعب دورا حاسما فى اختياراته اللونية، بتراكيبها وتنويعاتها المباغتة غير المتوقعة، وتسهم كذلك فى استلهامه الكثير من حلوله المبتكرة لمشكلات الضوء والفراغ والخط ونسب وابعاد التكوين.
- ينفذ عبد الوهاب عبد المحسن لوحاته بطريقة الحفر البارز على الخشب `wood cut`. وعلى الرغم من الآفاق الفنية الضيقة لهذه الطريقة، إلا إنه استطاع باستيعابه وهضمه المستمرين لأساليب الجرافيك الحديثة والمختلفة أن يوسع هذه الآفاق فى صيغ وتراكيب تشكيلية خاصة، تتجاوز لغة الحفر نفسه، وتحرر الخامة والأدوات من الأسر التقليدى للتقنية التى يفرضها هذا الأسلوب.
- لا تكترث اللوحات بالشكل، بمعناه الواقعى المباشر، لكنها فى منحها التجريدى مشبعة بحضور إنسانى شفيف يومض خلف الأشكال والمساحات والخطوط، وعلى الرغم من أننا لا نستطيع أن نحدد ملامح دقيقة لهذا الحضور، إلا إننا نشم رائحته وملمسه بشكل حى متوقد، فى حيوية الألوان، ونضارة الارتجال، حيث يواجه الفنان السطح عاريا من أية مضامين وأفكار مسبقة عن التكوين، أو الشكل الذى ينبثق تلقائيا وفجائيا من عضوية حركة العناصر على السطح، مشبوبا فى الوقت نفسه، بخبرة تشكيلية شديدة التمرس والحساسية يبرزها التوازن المنسجم المحكم الذى يشف عنه الشكل بعد الانتهاء من عملية الطباعة.
- هذا التوازن الذاتى بتلقائيته الشفيفة، من السمات الأساسية للغة الشكل فى اللوحات، بالإضافه إلى سعى الفنان الدائب إلى خلق شكل متحرك، منفلت من منظومة القيود التى تفرضها الخامة والأدوات، وعدم التعامل مع السطح كمجرد حيز محدد، إنما كمجال تشكيلى حر مفتوح على البدايات والنهايات، وهو ما يتجسد فى انتقاء المسافة بين الوسيط الطباعى واللوحة، حيث تحتفظ اللوحة - فى شكلها الجرافيكى النهائى - بحيوية خاصة وعلاقة حية طازجة، مما يجعلها تنأى عن أن تكون تفسيرا للأصل الطباعى أو تكرارا له. إنها تعلو فوق حيز التجربة العملى، والمساحة الجرافيكية المحدودة، محلقة فى فضاء بصرى، مفعم بشاعرية أخاذة، وملئ بحياة لا حدود لها من الرؤى والدلالات.
- يميل عبد الوهاب عبد المحسن إلى إستخدام مساحات وأشكال متداخلة ومنبسطة، كما أن خيوطه الجرافيكية تخترق الضوء من بؤر وزوايا مباغتة، ولا تقوم هذه الخيوط بتخفيف وإبراز مناطق الظل والفراغ فحسب، وإنما تعمل اساسا على استشفاف الروح الداخلية لعناصر التكوين، فعلى الرغم من كثافة وتعدد العناصر على السطح، إلا إنه يحرص دائما على إفساح مجال للضوء، ويتم ذلك عن طريق اللطشات والومضات، والندبات والخدوش اللونية الخاطفة المتدرجة من اللون السائد فى اللوحة نفسها، أو بلون آخر مغاير له، أو بحزوزات وخربشات الإزميل العشوائية فى مناطق محددة من السطح الخشبى وطلائها بصبغات لونية خفيفة، وألون الضوء المحببة لديه هى الأصفر بدرجاته المختلفة، وهو ما يذكرنا بسنابل القمح وأعواد الهشيم، أو بأسواق النباتات البرية التى تنمو على حواف الترع والحقول، وأحيانا بشباك الصيادين بخيوطها وعقدها الرفيعة الدقيقة، وأحيانا تذكرنا هذه المساقط الضوئية السريعة بتدفق المياه فجأة فى مسام الأرض العطشى، وما تحدثه من تشققات وتعرجات تشبه تجاويف الكائن البشرى وضربات القلب حين تضطرب وتلهث فجأة تحت وقع صدمة غير متوقعة، أو مصادفة غريبة، وأحيانا اخرى تذكرنا بخرفشات الطبيعة وعوامل التعرية على جدران البيوت القديمة وجذوع الأشجار العريقة.
- إن جوا من السكون المتوتر والزهد الخلاق يتواتر فى حنايا الألوان، مكثفا قوامها النحتى المنساب، فتبدو كأنها معزوفة لونية، مخفوقة بأنفاس القرى والحقول.
- ولعل هذا يفسر غلبة الألوان الداكنة فى اللوحات، بجميع درجاتها السوداء والزرقاء والخضراء والرمادية والبنية، والمشربة بنثارات من الأحمر البرتقالى الطيار، أو الأزرق الهادئ، أو الأخضر النيلى، أو الأصفر الساجى، أو البنفسجى الزهرى.. تتماجن هذه الألوان بالخطوط وتفتت - فى تفاعلها - هيكلة الأشكال وتحيلها إلى مرئيات أثيرية، مغمورة ببقع وشرائح رقيقة من النور الناعم.
- ويبدو لى أن الفنان مولع على نحو خاص باللونين الأخضر والرمادى، ليوحى دائما بملمس الأرض، وحين يمزجها بالأزرق الصافى، أو الأحمر الأشقر، فإن مزاجه يصبح مسكونا بمشهد سماء ملتهبة بصباحات ذابلة، أو بحقول تغفو على كتف مغيب مثقل بأقمار شاردة.
- وفى اللوحات التى تميل إلى التكور والاستدارة يكسر الفنان سكونية الكتلة وتربطها الاستاتيكى باللجوء إلى التنقيط والتبقيع اللونى، واستخدام خطوط رخوة قصيرة تتوزع فى جنبات التكوين، وتحد من طغيان المساحات اللونية الصريحة، بينما فى الموتيفات والشرائح العرضية المستطيلة تبرز الخطوط بشكل متصالب، وكأنها اسواق نباتات متراصة، مشكلة نوعا من الحزم الضوئية، تثرى التكوين البارز على السطح، وتؤكد شخصيته المستقلة بعد الانتهاء من الطباعة.
- وفى معظم اللوحات يسيطر إحساس خافت الضوء، لكنه ينبثق برشاقة وحنو من حركة الأشكال والعناصر، وكأنه خيوط فجر ندية تنسلخ من عباءة ليل طويل، أو زخات مطر تترقرق فوق غصون الأشجار والنباتات، فى الوقت نفسه تشغى أسطح اللوحات بالحركة، ونلاحظ انحسارا للون الأبيض فى النسيج الداخلى للتكوين، وينشط دوره فى تنظيم حركة الفراغ الخارجى وإنضاج الأبعاد التحتية الكتومة للشكل واللون.
- كما تكشف الشرائح الطولية عن حس صوفى نزق يتجسد فى اللون بإيقاعاته الزاهدة الخاصة، ودفقة الحار الشفيف، فى الوقت نفسه، تنتفى التعارضات والتناقضات الحادة بين الألوان، ولا تشى المجسمات والخطوط الجرافيكية البارزة بالثقل والخشونة، بل تنساب فى لدونة صافية، وكأنها صدى تعاويذ وتمائم تتكسر فى أحشاء الزمان.
-إن لوحات عبد الوهاب عبد المحسن تكسر فينا رتابة التأمل، وتجذبنا للدخول فى نسيجها العميق، ليس كمعزوفة لونية تجريدية بالغة الثراء فحسب، وإنها كتميمة تناهض الموت واليأس، وتمنحنا إحساسا خفيا بالبهجة والأمل.
بقلم : جمال القصاص
مجلة : إبداع (العدد 8) أغسطس 1998
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث