`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
حلمى عبد الحميد التونى

ـ يرتاد الفنان حلمى التونى جديداً، حينما تتأمله تقفز إلى الذهن كلمتان بغير انفصال بينهما `التعبيرية الغنائية ` تعبيرية شجية تغنى لأحزان البشر دون أن تفقد الحلم، فيختلط فى لوحاته الواقع بأحلام اليقظة .. بالأمل ..
- هو لا يقدم شكلاً فقط كما يفعل بعض مستعيرى ملامح وموتيفات التراث، لكنه قد غاص فى أعماق ذلك التراث بكل أشكاله و مضامينه ودلالاته واختار `مسرحه التصويرى` بنفسه ولنفسه .
- لا ينضوى ( التونى ) تحت لواء مدرسة فنية بعينها هو يعزف على سطح اللوحة `أنشودته` ولأنه يبدأ بالإنشاد لنفسه وحنين ذاته فإنه يمس مشاعرنا وحواسنا بذلك `الناى` الحامل لأجواء السحر فيجعلنا شركاء فى إبداعه .




كمال الجويلى
مجلة العربى - مارس 1995
بعد رحلة من البحث والسؤال والاستقصاء حلمى التونى يبعث جميلة الجميلات وأخواتها إلى الحياة
- حلمى التونى يذهب إلى أسلافه.. يغير باستفاداته من تراثه.. يضيف باختلافه.. يقرأ ماضيه عبر لغة جديدة وألوان تخصه .. دون أن يتخلى عن أسلوبه الذى امتازبه وعرف .
- `نفرتارى وأخواتها `معرضه الجديد فى قاعة `إكسترا ` بالزمالك مارس 2009.
- نحن أمام رؤية تذهب باتجاه الماضى، لتخلق حالة مدهشة فى شجنها وبهجتها وإطلالتها .
- هذه الرؤية تقول إننى أمام فنان من مصر يعرف تراثه ويتأثر به مستفيدا ومستلهما.. رائيا وعارفا .. دارسا ومستكشفا.. مستقصيا ومتسائلا، وليس مجرد فنان مستلب مأخوذ بكنوز أجداده من المصرين .
- ومن ثم قدم لغة تشكيلية خاصة ممزوجة بين تعبير الواقع الموروث ( الإرث السحرى المتخيل ) وبين جموح التونى فى خيالاته وشعبياته ( التى عرف بها واشتهر ) .
- حلمى التوني .. يقدم امرأة أخرى، نعرفها ولا نعرفها، من الماضى، لكنها فارقته، من التراث، ولنها استعادت حياتهاعلى يدى حفيدها الفنان المصور الذى خَلَقَها على صورة حديثة .
- رموز حلمى التونى التى صاحبت نفرتاري وأخواتها هي أيضا رموز مصرية مألوفة ومعروفة : الهدهد - زهرة اللوتس - النورس - البيضة - السمكة .
- حلمى التونى مشغول بكشوفه الجديدة , وهو دوما مكتشف فى ميدانه الذي يحتفي بالتراث الشعبى المصرى الإسلامى والقبطى - وربما رأي أن هناك غيابات متكررة فة الفنون جميعا لما هو مصري، فآثر أن يواصل رحلته البحثية فى الحضارة المصرية القديمة ليستخرج منها جديده، الذى تمحور حول (نفرتارى وأخواتها) .
- عدت إلى نفرتارى ( جميلة الجميلات ) مثلما صورها ونحتها المصريون فى معابدهم ومقابرهم، على الحوائط والأدوات ، رأيت مئات الصور بعد أن شفت ( صور ) التونى الجديدة لنفرتاري إحدي أحب زوجات رمسيس الثانى إلية، أحلى النساء فى عصرها ، وفي تاريخ مصر القديمة .
- فوجدتنى أمام صياغات أخرى مفارقة إلى حد كبير للواقع الذى امتاز بالأبهة) والفخامة والغلو فى السحرية والجمالية ) .
- لقد كان التونى محقا عندما ذهب، إلى نفرتارى وليس إلى غيرها لأنها سيدة العصر إذ كانت أحسن أو أطيب أو أفضل النساء إذا ما ترجمنا المقطع الأول من أسمها ( نفر ) ووجد حلمى التونى أمامه إمكانات وطاقات متنوعة في نفرتاري كى يعيد خلقها ويصوغها أثرا فنيا يضاف إلى تاريخ الفن المعاصر .
- وأظن أن هذه التجربة فى حياة ومسيرة فنان بحجم حلمى التونى هى مرحلة مهمة وباقية وفاصلة بين مراحل عديدة مر بها الفنان طوال تاريخه .
- أنا شخصيا أحب الفنان شاعرا أو تشكيليا أو موسيقيا أو روائيا أو صائغا لفن ما - أن يكون ابنا لنفسه، تجربته، تراثه، دينه، بئته، مكانه، عوالمه - دون أن يغفل تراث وحضارات الآخرين شريطة ألا تكون هى الملهم الأساسى حتى لا تصير بضاعتنا ردت إلينا فكثير من فنانى مصر وشعرائها عندما يعرضون أو تترجم أعمالهم خارج مصر لا يمكن أن تقول إنهم من مصر إذ هم أبناء الآخر بامتياز فقد هجروا تراثهم وتركوا الأسلاف وحيدين للآخر !
- وإذا ما عدت إلى نفرتارى المرأة الإلهة التى تغدى بالكتابة باعتبارها ( سيدة الأرضين ) الأميرة (الوراثية) ( الزوجة الملكية الكبرى- ربة مصر العليا والسفلى ) ( زوجة الإله ) بعض ألقابها التى اتخذتها لنفسها سأجد أن حملى التونى الذى سبق له أن تشرفت برسمه غلاف كتابى (كتاب العشق) عام 1991قد وفق فى اختياره نفرتارى موضوعا جديدا فهى ( مليحة الوجه ) و( الوسيمة ذات الريشتين ) الراقدة حتى يومنا هذا فى وادى الملكات بالأقصر حيث اكتشقت مقبرتها عام 1904 ميلادية فى منطقة البر الغربى على يد بعثة إيطالية برئاسة الآثارى سكياباريللى .
- لقد تزوج الملك رمسيس الثانى خمس نساء ومصادر أخرى ثمانى لكن نفرتارى كانت المفضلة بينهن لما لها من حضور وبهاء وجمال وجاذبية وأسر ونفوذ روحى , وسيطرة قلبية , وشخصية قوية معبرة .
- كانت تلبس ما يشف , ويبين عن جسد بهى سامق فريد فى خلقه , تتزين بحلى كثيرة من الذهب ( أقراط وأساور وعقود ) لم تكن تخرج إلا وهى فى كامل زينتها تعتنى بوجهها مشركة المساحيق فى ذلك , يعلو رأسها تاج من الذهب على هيئة طائر الرحمة , (نخبت) وفى كثير من الأحيان كانت تضع تاجا آخر يعلوه طائر الرحمة , بريستين بينهما قرص الشمس .
- نفرتارى ( 1300-1250 قبل الميلاد ) عاشت فى الأسرة المصرية التاسعة عشرة أى فى القرن الحادى عشر قبل الميلاد , وقد أنجبت الكثير من الأبناء لزوجها رمسيس الثانى لكنهم كانوا ( أولاد موت ) وقد تزوجت فى سن الخامسة عشرة .
- ونرفرتاي حلمى التونى لاتحضر وحيدة ولكن يصاحبها رموز أخرى بعضها مستوحى من رمنه والآخر تم تطويره فهى تطل بـ ( هدهدها ) الهدهد هنا لا يغيب , ذلك الطائر المنهى عن قتله مثلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نهى عن قتل أربع من الدواب : النملة والنحلة والهدهد والصرد ) وقد جاء ذكره فى القرآن الكريم ( وتفقد الطير فقال مالى لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ) .
- والعرب يضربون به المثل فى الإبصار فيقولون أبصر من هدهد ، وقد قال الجاحظ : زعموا أنه ( الهدهد ) هو الذى كان يدل سليمان ( النبى ) على مواضع الماء فى قعر الأرض ) باعتباره لديه قدرة مذهلة على الإحساس بالماء والكشف عن مكانه تحت الأرض . كما أنه طائر ماكر وشديد الذكاء وله خصائص فريدة ، ولعل معرفة التونى به جعلته أحد أبرز رموز نفرتاري وأخواتها .
بقلم / أحمد الشهاوى
نصف الدنيا 26 /4 /2009
حلمى التونى فى معرضه الجديد : قوم يامصرى مصر دايما بتناديك
- قالها سيد درويش بعد مصطفى كامل فى بداية القرن الميلادى الماضى فى الفترة التى وصلت ذروتها مع ثورة 1919 عندما قام ` المصرى ` بناء على نداء مصر ، واكتشف المصريون أنهم مصريون بعد قرون طويلة من نهاية العصر الفرعونى ، ويقولها حلمى التونى ، فى معرضه الجديد اليوم فى مواجهة نظرية ` طظ فى مصر ` حيث العروبة أولاً عند بعض المصريين ، والإسلام أولا عند البعض الأخر ، بينما لا تعارض بين أن تكون مصريا وعربيا ومسلما أو مسيحيا أو يهوديا .
- الوطن عند كل البشر بالفطرة الإلهية فى موضع القلب من جسد الإنسان ، وكل المعتقدات السياسية والدينية فى موضع العقل ، ولنا فى رسول الله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام القدوة فى حديثه عن مكة ، وكانت الوطن بالنسبة إليه ، يستلهم حلمى التونى فى لوحاته الجديدة رسوم جدران المعابد الفرعونية والتماثيل الفرعونية وكل تفاصيل الحياة فى مصر القديمة ، وليس فى كل اللوحات رسم لرجل واحد ، وإنما كل شخصياته من النساء بالأزياء والماكياج وطريقة تصفيف الشعر وكل ما كان سائدا فى العصر الفرعونى ، فمصر كلمة مؤنثة ، وليس هناك بلد فى العالم جدير بأن يسمى باسمه فقط من دون أن تسبقه كلمة جمهورية أو ملكية ومن دون أن تلحقه كلمة عربية أو إسلامية غير مصر ، فما هو البلد الأخر الذى ذكر فى التوراة والأنجيل والقرآن معا . لوحات حلمى التونى تعبر عن مصر الفلاحة التى تزرع من مياه النيل ، وتأكل من أسماك النيل ، وتعيش مع الهدهد والجاموسة وكل طيور وحيوانات النيل ، وتتزين لتبرز جمالها الذى تعرفه كل الدنيا من تمثال نفرتيتى ، ونساء التونى كلهن نفرتيتى ، ولكن كل الألوان فى كل اللوحات باكية حزينة ، وأحجام اللوحات متنافرة ، من أكبر لوحة رسمها طوال حياته ، إلى أصغرها ، تعبيرا عن القلق العنيف الذى يعترى الفنان ، وإحساسه العميق بأن مصر فى خطر حقيقى بعد مائتى سنة من عصرها الحديث ، ومن غير الفنان الأصيل يحب وطنه ، ويقلق على مصيره إزاء نظرية ` طظ فى مصر ` هذه النظرية هى التفسير الوحيد لمن يتناقشون هل الاعتداء على سيادة أرض مصر خطأ أم خطيئة فى تلاعب سافر بالكلمات والمعانى ، ولا يرون ما يمنع من خراب مصر كما خربت لبنان وغزة من أجل العروبة كما يفهمونها ، أو الإسلام كما يفهمونه . ويعلون من شأن بلد بائس مثل إيران او بلد متحالف عسكريا مع أمريكا وإسرائيل مثل تركيا . وفى مواجهة ` طظ فى مصر ` يقول التونى ` تحيا مصر ` .
بقلم : سمير فريد
المصرى اليوم - 2009
نماذج من آلهة الإصلاح السياسى فى هذا الزمان
- الفنان حلمى التونى يتوسع بموضوعات لوحاته ومراحله الفنية عرضيا أى أفقياً على مساحة واسعة من مجالات الإنتاج الفنى لرسوم الأطفال ولرسوم أغلفة الكتب وملصقات الأطفال وفى مجال التصميم الجرافيكى والأثاث ومسرح العرائس وللوحاته التصويرية ..لذلك لا أى تراكم رأسى تقنى لأعماله.. كما أنه ولسنوات ظلت لشخوصه نفس الوجوه والأجساد وللوجوه نفس التعبير المحايد غير الحماسى سواء وجوه نساء أو أطفال لهم نفس النظرة الناظرة إلى لا شئ دون تعبير محدد .
- ثم من معرضه الحالى فى قاعة بيكاسو والذى بحث فيه باجتهاده المآلوف بتصنيف مواضيع معرضه إلى أربع مجموعات ذكرها فى مقدمة ورق المعرض بأنها مجموعة ` البطيخ ` و مجموعة `المرأة الملاك` ومجموعة `ألعاب البنات` ومجموعة `ألهة الإصلاح` وكلها هى استمرار لرؤيته الاستعراضية فيما عدا بعض من لوحات البطيخ والخيل بمناخها الداخلى ومدلولها الآسر وتحيرنى دائما عيون عناصره البشرية من نساء مغريات إلى فتيات صغيرات أن لهن وجوه واحدة التعبير المحايد فلا يقلن شئ فى نظرة بلا تعبير سواء فرح أو حزن أو قبول أو رفض فلا فرق بين روح الفتاة وروح المرأة هذا رغم استعانة الفنان بخلق مناخ درامى فى الخلفية أو فيما يحيطهن من عناصر تنغلق عليها أطر اللوحة بشدة كى تؤكدها رغم هذا حين يأتى التعبير واحدا يصبح المحيط ديكورى رغم إجادته فى خلق مناخ مثير إلى أن تأتى شخوصه فى المقدمة وبفتياته الصغيرات المربوطات الأعين فى لعبة الاستغماية أو نطة الحبل ليبدن كعرائس الماريونيت مشدودات الأذرع والأرجل وهذا التغيير عكس ما يمثله اللعب من حرية .
- كما بدت لى مفارقة فى استخدامه للرموز. فمثلاً فى مجموعة ` المرأة الملاك ` و `مجموعة البطيخ` نشاهد فى الأولى امرأتين وفى الثانية فتاة طفلة فى مناخين وموضوعية منفصلين تماما لكننا نجد استخدام الفنان لنفس الرموز كالهدهد والبيضة وشق البطيخ وهذا يدعو للتأمل فنفس الجو والمناخ الرمزى مستخدم فى حالتين مختلفتين وبالتالى المدلول فى أحدهما سيكون صادقاً وفى الآخر لا.. وتفصيلاً فى لوحة `المرأة الملاك` ولوحة `الطفل وشق البطيخ` مع الرموز التى ذكرتها نجد الهدهد كرمز تكرر فيهما بالطبع كمدلول مشترك دون فكرة واضحة لوجوده فى اللوحتين معا فرمزية الهدهد عرف فى العصور الوسطى فى القرن 15 بأنه الطائر الأبلة وساد هذا الاعتقاد إلى الآن فإلى ما يرمز عند المرأتين وعند الفتاة كما أن رمزية شق البطيخ فى هاتين اللوحتين رمزيتها فى الدلالة على الوصول للنتيجة الجيدة بصورة عامة ومن هنا جاءت عبارة `جنى الثمرة` فإن رمز هذا صدق عند المرأتين فإلى ما يرمز عند الفتاة خاصة ورأينا معظم لوحات المعرض يبدو فيها رمز شق البطيخ كرمز جنائزى فى مناخ ميتافيزيقى ، إما رمزية البيضة فى اللوحتين ` وفى كثير من لوحات المعرض، فإنها تتناقض مع الرمزين السابقين، ففى كثير من الثقافات يعتقد بوجود بيضة كونه وأن العالم أما أن يكون قد تولد من بيض بدئية وإما أنه يمثل كبيضة تمثل الأرض صغارها، وحين وجدت البيضة فى لوحة بيرو ديلافرانشيسكا بعنوان `العذراء والطفل فى حضور القديسين` بمتحف بربرا بميلانا وظف الرمز هنا بشكل عال فرأينا للبيضة رمزا ومدلولا فى اللوحة وليس لمجرد تحقيق توازن أو سرد لرمز، فرأينا البيضة علقت على العتبة فوق العذراء وهى بدون شك رمز لبيضة كونية أو رمز القيام .لذلك لماذا نفس الرموز عند الفنان الكبير التونى رغم تضاد المدلول وتضاد الحالة والشخوص بما يتناقض ومدلول الرمز من لوحة لأخرى ومن مجموعة من مجموعات المعرض الأربع والأخرى مضافا إليها رمزية الأهرامات والسمكة وهذا التكرار للرموز فى مجموعات الفنان المتناقضة أفقد الرمز مدلولة وسحره .
- وهنا يجب أن أذكر أن الفنان الكبير فى معرضه قبل السابق بعنوان ` تحية إلى الفن القبطى ` بلغ فيه برموزه مبلغا عاليا من الإبداع وبلغت لوحاته درجة فنية وتقنية ورمزية عالية الدلالة وتنوعت بشكل أثرى المعرض كتبعية واحدة.. لذا لا أعرف لماذا توزعت أو نثرت الرموز على لوحات مختلفة الاتجاهات بهذا التوزيع العادل.
- والفنان التونى تميز دائما برسم الفرجة وتجسيد البراءة لكن هنا البراءة مقيدة أو مفقودة أو مخبأة العينين وراء عصابة للعين فلم تعد للفطرة حرية مطلقة كما اعتدنا منه ومع ظهور رموزه كمسلمات نثرت فى اللوحات فهذا لم يخدمها تماما وكنا نراها فى مراحل سابقة مستلهمة من الفن الشعبى داخل إطار إبداع فكان وجودها فى ذاته كرمز له قوته كمدلول للشعبية المصرية وكان منها المستوحى من رسوم الوشم وزخارف السجاد اليدوى ورسوم الحج مما جعل لأعماله روحا شعبية رغم تقمصها أو رفقتها بشخوص غير معبرة.. الآن شخوص خلعت عن نفسها لدرجة ما الشخصية الشعبية محتفظة بالثوب فقط وظلت الرموز تدور داخل دائرة واحدة مغلقة .
- كما حدث تحول فى شخصياته الشعبية الفطرية ببراءتها إلى الشخصية المركبة فمثلا كما نرى فى مجموعتيه `المرأة الملاك` والتى فيها يبحث كما ذكر العلاقة المتناقضة للمرأة بين الحسية الجسدية وبين الطهارة والبراءة كذلك ومجموعة `آلهة الإصلاح` لنرى نساء ورجالاً برؤوى حديدية ` شاكوشيه` وعن هذه المجموعة قال الفنان فى ورقة المعرض ` منذ فترة قريبة كثر الكلام عن الإصلاح السياسى ` الاقتصادى وغيرهما حتى شغل الناس حكاماً ومحكومين وكاد الكلام عن الإصلاح يصبح من الطقوس اليومية المقدسة وعندما تذكرت آلهة قدماء المصريين التى صورت فى المعابد وعلى البرديات بأجسام بشر ورؤوى حيوانات وطيور جاءت مجموعة لوحات ` آلهة الإصلاح ` لتقدم وتصور نماذج من آلهة هذا الزمان `.

جريدة القاهرة 2006

- عرفت الحياة الفنية حلمى التونى ابن تونا الجبل بصعيد مصر كفنان التصق بتراثه ، ومصمم للكتب عندما ودخل بلاط صاحبة الجلالة ، وهو لا يزال طالب فى كلية الفنون الجميلة ، ولم يخرج حتى الآن من أروقتها إلا منفياً اختيارياً فى منتصف السبعينيات ، لكن فى هذه المرة سوف نعرف جوانب جديدة عن فنان استطاع أن يقيم جسرا بين الموروث والقيم الجمالية الفنية المعاصرة ، ونتعرف على رؤيته وآرائه لمشروع النهضة ، ونقترب من عالمه وحلمه .
تجاوز مفاهيم تقليدية
- استهل التونى حديثه فى أمسية لا ينقصها الصراحة بقوله : لقد كنت خلال المرحلة الثانونية كثير الرسوب ، بعد أن تركنا والدى ، وذهب إلى السماء ، فقد أصبحت فجأة وفى وقت مبكر ، بمثابة رجل البيت ، تحملت المسئولية مبكراً .. وأصبحت والدتى هى أهم أولوياتى فى الحياة ، ورضا أمى هو أهم أهدافى فى الحياة .
- ترك التونى أدوات الرسم ، واستدار وقال : على الرغم من أن الفترة التى أمضيتها مع والدى قصيرة ، إلا أننى تأثرت به كثيرا ، وواجهت أولى معاركى وحيدا ، عندما كانت هناك معارضه من أهلى أن أكون رساما لأنهم كانوا يرغبون فى أن أدرس ( حاجة تؤكل عيش ) !!
- ويضيف .. لذلك عندما نجحت فى تجاوز مفاهيم الصعيد الجوانى ، والتحقت بكلية الفنون الجميلة ، عملت بالصحافة أثناء دراستى بالكلية ، وكانت أول رواية رسمتها هى زقاق المدق لنجيب محفوظ ، وهى المرة الأولى التى أعرف أن الفن له علاقة بالكتاب .
- أما عن مرحلة الدراسية فى كلية الرومانسية والأحلام الفنون الجميلة ، فيقول التونى : الفنان عبد العزيز درويش كان معلماً عظيماُ ، وعلى العكس منه تماماً كان هناك أستاذ آخر اسمه البابلى كان يبغض الناس فى الفن . هناك فارق كبير بين المعلم والفنان ` المعلم حاجة والفنان حاجة ` .
الرحمة الثقافية
- يكشف التونى عن أنه تمنى أن يكون مطرباً ، ويقول : لكن لأننى وجدت فى محمود مختار صاحب تمثال نهضة مصر مثلا أعلى ، فقد صرفت النظر عن مسألة الغناء ، لكن الآن أتمنى أن أكون جارسيا ماركيز مصر خاصة بعد حصولى على جائزة معرض بولونيا ، التى أكدت لى عن قناعة أننا متميزون فى الفن على مستوى العالم ، هذه الجائزة جعلتنى أكسب الرهان !.
- ويمسك التونى بمسند مقعد أرلبيسكى ويقول : لازم نكون شركاء فى المشروع الثقافى العالمى ، لا يليق بنا التراجع !! ، ولأن النخبة مشروعها هو الناس ، ومسئولية النخبة أن تأخذ بأيديهم ، تصديقاً لمقولة الصديق والكاتب أحمد بهاء الدين فيه حاجة اسمها الرحمة الثقافية ` كلنا مطالبون بإعادة الروح المصرية وفكرة الوطن ، فى أعمال تشوفها تقول دى مصر ` .
- مضيفا أعتقد أن كل الفنانين المصريين لابد أن يكون لديهم هذا الهم ، فمشروع النهضة يقوم على أكتاف المبدعين والطليعة ، والمثقفين ، والصفوة .
- فى رحلة بحث حلمى التونى عن منطلقات لفنه اتجه إلى منجم التراث ، فاشتبك مع ما أبدعه الفنان الشعبى عموماً ، خاصة وأن التصوير الشعبى الذى عرفته مصر منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى الآن واحد من أهم مصادر إلهام الفنانين ، بما يحمله من ثراء وأصالة ودقة ، وحيوية متدفقة ، وتعبير مؤثر فعال استمده من تراكم خبرات ومهارات وقدرات على مدى طويل جاء تلبية لاحتياجات حياتية سواء سيكولوجية أو نفعية أو جمالية .
الإلهام الشعبى
- كانت الفنون الشعبية مصدر إلهام للفنانين كنمط فنى له كيان وأسلوب مميز ، ويرجع للفنانين والنقاد فضل الكشف عن معالم هذه الفنون وقيمتها الفنية ، حيث شهد فجر الحركة الفنية الحديث محاولات حثيثة لربط الحاضر بالماضى عندما اتجه جيل الرواد أمثال مصر ` محمود مختار ` و ` محمد ناجى ` و ` محمود سعيد ` إلى التعبير عن طريق الموضوعات الشعبية ، فقد اختار ` مختار
` فتيات الريف مجسداً نمودجاً نادراً للمرأة ، بينما عبر ` ناجى ` عن موكب المحمل والألعاب الشعبية كالنقرزان ، المزمار ، التحطيب .. فى الوقت الذى لجأ فيه ` محمود سعيد ` إلى أسلوب قريب فى بساطته من الفن الشعبى ، أما المصور ` راغب عياد ` فقد استمد رؤيته من منطلقات الفنان الشعبى سواء التلقائية أو العفوية ، كاعتماده على تقسيم اللوحة إلى مستويات أفقية .
- كما اتجه أيضاً عدد غير قليل من أفراد الجيل الثانى فى الحركة التشكيلية المصرى إلى الفنون الشعبية فى محاولات جادة لإقامة جسور وحلقات اتصال بين الماضى والحاضر ، فالبعض اتخذ من رسوم الوشم ورسوم عنترة التى تزين المقاهى الشعبية ، عناصر أساسية لإبداعهم ، فيما اتجه البعض الآخر إلى المطبوعات الشعبية الخاصة بكشف الطالع ، وأبرز رواد هذا الجيل ` سمير رافع ` ، ` عبد الهادى الجزار ` ، ` حامد ندا ` ، ` جمال السجينى ` .
- ويمتد الخط الذى بدأه الرواد ليظهر جلياً فى إبداعات الفنانين جيلاً بعد جيل للكشف عن جوانب جديدة يمكن الإفادة منها فنياً من منجم الفنون الشعبية بهدف التأصيل وترسيخ مفاهيم الارتباط بالهوية القومية والجذور العميقة ، وإن اقتصرت جهود البعض على مسايرة النزعة الشعبية فقط دون إضافة حقيقية ، بينما اتجه فريق آخر إلى استلهام الزخارف والنقوش الشعبية بما تحمله من طابع تجريدى ، فمن زخارف الخصر ونقوش التطريز ، وأشكال آنية الفخار ، والرسوم الهندسية على المراوح والمعاطف والبرادع ، تكشف أمام الفنان فهم الزخارف العربية المجردة ، بل خرج منها بطابع يتميز بصبغة شرقية حميمية ، وهو الاتجاه الذى مكن البعض من تفهم الأصول الهندسية التى يقوم عليها الفن الفرعونى .
المواجهة الفرعونية
- على الرغم من المحاذير الكثيرة التى تواجه أى فنان يقترب من تراث المصرى القديم الفرعونى ، بسبب خصوصيته وقوته ، وباعتبار أنه وصل إلى مستويات إبداعية بعيدة ، إلا أن حلمى التونى فى معرضه الأخير بقاعة إكسترا وقع فى حب وعشق نفرتارى جميلة الجميلات الزوجة الرسمية للملك رمسيس الثانى ، صاحب التسعين سنه فى حكم مصر ، ( الأسرة 19 - القرن 13 قبل الميلاد ) والذى تزوج تسعين امرأة وأنجب قرابة المائة ابن ، زوجة رمسيس هى ملهمة حلمى التونى الآن فى دعوة جديدة إلى استلهام الفن الفرعونى ، والبحث عن لغة بصرية جمالية ، وملامح فن يتعلق بالهوية والرموز الأثيرة للأمة .
- وإن كان غير مستغرب أو غير متوقع أن يتناول حلمى التونى فى معرضه الأخير رموز وشخوص ملامح الفن المصرى القديم الفرعونى ، كموضوع يخشاه أغلب الفنانين بسبب الخوف من حساسية وكيفية التناول ، خاصة أن الموضوع يمثل تحدياً فيما يضيفه فنان معاصر على فن خالد .
- لكن التونى المفكر آثر مراجعة الأسئلة الوجودية العديدة ، بل كان متوقعاً أن يتجه إلى التراث الفرعونى ، بسبب تماسه الدائم مع الجذور ، بعد أن دخل منجم الفنون الشعبية ، على مدار سنين وشهور منقباً عن وشائج تربطه بفن أصيل ، وأيضا تتماهى مع الفن القبطى ، لكن المفاجأة هى كيفية عبور المطب والمأزق الذى يمكن أن يتعثر فيه أى فنان تشكيلى يريد أن يتناول الفن الفرعونى من جديد ، أياً كانت الرؤية التى سوف يطرحها ، فقد ظل تناول الفن التشكيلى لموضوعات وأسلوب الفنان المصرى القديم عصيا من الصعب مجاراته ، لكن حلمى التونى أحد مسارات تمايزه كونه أعاد صياغة التراث ومنها الفن الشعبى على نحو مدهش يعطى للأصل الأسبقية وللتناول حق الإبداع والإضافة .
- وإذا كان الفنان الشعبى عندما يصوغ عمله لا يلتزم بتركيب رياضى محسوب وثابت سواء للشكل أو للمضمون ، إنما نراه فى تدفقه التلقائى الحيوى غير عابئ بالقيود التى تكبل فطرته ، فقد جاءت إبداعات الفنان ` حلمى التونى ` كأحد عشاق الفن الشعبى لتزيح قدراً من الحدود الفاصلة الدقيقة بين الفنون الشعبية ، وما يمكن أن نطلق عليه الفنون العليا الجميلة أو الرفيعة .. حيث يقول ` المشهد الريفى المصرى ، بطبيعته وشخوصه موضوع أثير ومفضل ، تناوله الكثير من الفنانين مستشرقين ومصريين رواد ومعاصرين .
حسابات دقيقة
- على الرغم من أنه واحد من أشهر الفنانين فى مجال تصميم الكتاب والرسم الجرافيكى فى العالم العربى ، ذلك العمل الذى يتطلب الاعتماد على حسابات دقيقة فى عمله الفنى ، كما أنه تشبع بدراسة الفنون عبر كلية الفنون الجميلة التى تخرج فيها ؛ لذلك يقول : ( هذه نظرية جديدة إلى هذا الموضوع القديم ، وكما يقال إنه لا جديد تحت الشمس ، فليس هناك قديم ولا جديد فى الموضوع .. وإنما القديم والجديد هو فى الأسلوب واللغة الفنية التى يتم بها معالجة تناول الموضوع .
- وعلى طريقة مثال مصر ` محمود مختار ` اختار الفلاحة بطلا للوحاته ، تلك المرأة التى تتمتع بالصحة والعافية والشباب والرشاقة والجمال ، أيضاً والتى تكتحل كالمصرية القديمة ` نفرتارى ` وتشبه وجوه الفيوم وتمتلك أنوثة طاغية لكنها غير حسية ، بل هى أشبة بالنموذج المقدس الذى يجد فى الآفاق والسماء مكانه بين السحب إلى جوار الشمس والقمر فى الوقت الذى تنتصب فيه أطراف فروع النخيل لتصل إلى حافة السماء ، لتقف إلى جانبها وهالة الضياء تلفح وجوه النساء فى كبرياء .
- استطاع التونى أن يحقق معادلة تبدو للكثيرين صعبة .. أطراف هذه المعادلة هى التراث باعتباره مرجعية تاريخية تخص الماضى بقيمه ورموزه وأفكاره وتقاليده والحاضر بمتطلباته الفلسفية وإيقاعه اللاهث ، وتوجهاته القسرية للتفكيك ومن ثم التعبير عن اللحظة الآنية فى ظل وطأة ما بعد الحداثة كتيار عالمى جامح يرى البعض أن ما عداه استغرق فى الماضى والرجوع إلى الخلف ، ومع ذلك حافظ ` التونى ` على توازن أطراف المعادلة بتمسكه بقيم جمالية راقية استمدها من النسيج الحضارى لأمة تجاوز عمرها سبعة آلاف عام .
- وإن كان قد اشترك مع الفنون الشعبية فى كثير من منطلقاتها ومنها تجاوز قواعد المنظور الحسابية عندما تخلى عن إحداث البعد الثالث ( التجسيم ) ، لينسجم بذلك مع فنون الحضارات القديمة فى الوقت الذى ولج فيه إلى الخط الأسود الكثيف ليحيط به أشكاله ورموزه ، وكأنه يحفظها من العبث والمحيط الخارجى وهى الصيغة التى حققت شكلاً جديداً للإيقاع على مسطح اللوحة ، يتفرد به ` التونى ` بين أقرانه ويحمله طابعه المميز ، خاصة عندما أغناه عن ضرورة وجود المنظور الذى يعتبره البعض خداعاً بصرياً ! .
- شكل التونى عالمه التصويرى من عناصر الفن الشعبى الأثيرة والتى ارتبطت فى أذهاننا بمعان وأفكار موحية ، فالسمك رمز للإخصاب والوردة للحب ، والشمس هى الضياء ، والفارس هو الرجل ، والفرس رمز للفحولة ، والسيف للعدالة ، والنخل مخزن الخير ، والهدهد يعكس مناخاً أسطورياً ميتافيزيقياً لا يكشف عن أسراره بسهولة ، لكنه قريب من عالم التجريد فى التاريخ والظواهر الخارقة ، وعالم كليلة ودمنة وحكايات ألف ليلة وليلة وبطولات أبو زيد الهلالى وسيف بن ذى يزن وتداعيات زرقاء اليمامة ، وجولات ذات الهمة ، فى واحد من أهم مفاتيح فك شفرة إبداعات ` حلمى التونى ` .
الوفاء للبلاط
- ظل التونى وفيا لعمله داخل أروقة صاحبة الجلالة الصحافة ، حافظا لفضل الفنان عبد السلام الشريف ، حيث يقول : ` الشريف له دور مهم فى حياتى ، يصل لدرجة أنه غير مجرى حياتى ، ويعد سبب عشقى لعالم الكتب والمطبوعات واحترافى للتصميم الجرافيكى ` .
- على الرغم من استبعاده من مؤسسة دار الهلال التى تربى فيها مهنياً فى عام 1973 بأمر من الرئيس الراحل ` أنور السادات ` واختيار بيروت كعاصمة نفى اختيارية إلا أنه ظل يتمتع بالخصوصية ، وهناك فى بيروت عاش ويلات حرب أهلية ، ليعمل تحت وابل الرصاص ، وفرقاء السياسة ، مرتبطا بآليات ليعمل فى المطابع تحت الأرض ، ولم يتخل عن منطلقاته المرتبطة بوشائج حب وألفة مع منطلقات الفن الشعبى سواء فى عمله المهنى كمصمم مطبوعات تحظى أغلفته بسحر خاص أو على المستوى الإبداعى عندما يجلس أمام حامل الرسم .
سيد هويدى
مجلة الخيال - مايو 2010
يعارض لوحات شهيرة لجويا ودافنشى ومحمود سعيد - حلمى التونى يستعيد روح الحكايات الشعبية فى معرضه الجديد بالقاهرة
- بروح الحكايات الشعبية ينسج الفنان حلمى التونى لوحاته، ويمنحها بأسلوبه الخاص حيوية فنية لافتة، تنعكس فى المساحات الصريحة للألوان والخطوط، وفى التعامل مع الفراغ ككتلة حية من الضوء، تحتضن التكوين وتنوع مداراته فى فضاء اللوحات .
- تبرز هذه الروح فى معرض التونى الجديد `على الشاطئ ` الذى افتتح مؤخرا فى `قاعة بيكاسو ` بالقاهرة، ففى اللوحات تطالعك وجوه طفولية نجلاوات العيون موشومة بالموتيفات الشعبية المصرية، تتقاطع وتتجاور مع رموز وموتيفات أخرى خاصة بالفنان نفسه، مثل المصباح، والسمكة أو هيكلها، بل أحيانا ما تكون السمكة طائرة، كذلك البيضة التى استخدمها التونى كثيرا، أيضا المربعات المتباينة الألوان وظفها الفنان فى أغلب لوحاته بصيغ فنية مختلفة، فهى تأتى أحيانا فى شكل قلادة تزين عنق فتاة، أو فى نسيج مقعد خشبى، أو رداء يرتديه أحدهم، أو حائط يومض فى الخلفية فى إحدى اللوحات تجلس فتاة تتكئ على نافذة صغيرة.. الحائط وجزء من الأريكة كله ملون على شكل مربعات، وفى الخلفية يتراءى البحر كجزء من التكوين، الفتاة حالمة وشاردة وهناك بيضة على الأرض بجوار قدميها ويتدلى من السقف مصباح كأنه شقيق البيضة التى فى الأسفل، فهى أيضا مضيئة مثله، فالبيضة المضيئة توحى هنا بالأنوثة أو الخصوبة، يكملها، أو يبدو كصدى لها نور المصباح فى الأعلى أو نور المعرفة. وفى قدمى الفتاة الخلخال الشعبى الذى ترتدية حتى الآن بعض النساء، خاصة فى الأقاليم، وبجوار البيضة أيضا زهور مرسومة بأسلوب التونى الخاص، خضراء اللون مثل فستان الفتاة، و إناء الزهور نفسه أزرق يرد على زرقة البحر القريب البعيد، ليصنع توازنات لوحاته بأسلوبه الخاص الصريح الحاد الطفولى ، سواء فى حركة الخط أو اللون.
- لكن لماذا يرتدى البعض فى لوحاته الطربوش؟ ولماذا تأتى بعض الأسماك ريانة ممتلئة وأخرى مجرد هيكل عظمى؟ ما يقصده الفنان بالهيكل العظمى هو الحرمان من أمر ما أو الكبت، والسمكة الريانة المقصود بها العكس، فمثلا فى إحدى اللوحات نجد فارسا ملكى المظهر يمتطى حصانا، لكن لا تصل قدماه إلى المكان الذى يضعهما فيه ليقود الحصان، أى أنه لا يقدر على القيادة السليمة، تحت الحصان نجد الهيكل العظمى للسمكة ملقى على الأرض.
- هناك لوحة للفنان بها فتاة صغيرة (طفلة) تجلس على أريكة، وتجلس بجوارها دميتها أو `عروستها ` ومن أعلى يتدلى بينهما مصباح يضئ وجهيهما، وفى الخلفية خط رفيع جدا مشرب بزرقة بنفسجية كأنه شاطئ بحر، بينما يقبع فنار بحرى على بعد خطوات، وفى خط اللوحة الأعلى تتراءى الأهرامات الثلاثة.. إن الأريكة تتحول إلى أرجوحة للزمن، بينما ترمز الطفلة إلى طفولة الحضارة، بينما تجسد الأهرامات العمق الحيوى لها، ويومض الفنار والبحر والمصباح كرموز للحيوية والانطلاق ومجابهة المجهول فى فضاء واضح وصريح يتضافر مع كل هذا استخدام الفنان للون الأحمر الساخن بتدرجاته المتقاربة المفعمة بالطاقة والتحفز، وهو عامل مشترك فى كل لوحات المعرض تقريبا، حيث استخدم الفنان اللون الأحمر بنسب متفاوتة لكنه موجود دائما .
- فى سياق هذا الايقاع نلمح لوحة أخرى بطلتها طفلة أيضا ترتدى قبقاب تزحلق ويتدلى من أعلى مصباح كهربائى لكنه مطفأ، وتمسك هى من الجهة الأخرى بشمعة مشتعلة، والضوء يأتى من هذه الناحية فقط، والورد بجوارها يتوازى ظله مع ظل القبقاب الذى ترتديه .وتحت عباءة هذه الروح الشعبية يقدم التونى معارضات فنية لافتة لبعض اللوحات الشهيرة لفنانين كبار أمثال : جويا وبيكاسو ودافنشى ومحمود سعيد ويسجل على اللوحات نفسها إهداء خاصا لهم، ففى لوحة تستوحى لوحة `بنات بحرى ` لمحمود سعيد أهدى اللوحة له قائلاً : `إلى المعلم محمود سعيد ` لم يستنسخ التونى اللوحات، بل أعاد تشكيلها بأسلوبه ورؤيته الفنية، منطلقا من شغفه وحبه الواضح لهؤلاء الفنانين فى لوحة ليوناردو دافنشى الشهيرة `الموناليزا ` رسم حلمى التونى `الموناليزا ` امرأة صعيدية شعبية على وجهها وشم أو `دقة شعبية، وكأنه يريد أن يقول : ` موناليزا صعيد مصر `، أو من الريف القديم نسبيا.
صابرين شمردل
الشرق الأوسط - الثلاثاء : 16 /11 /2010
كان ياما كان تحولات ريشة التونى .. من اليأس إلى الثورة
قبل أيام من افتتاح معرضه ، مساء غد الجمعة 16 ديسمبر ، جلس حلمى التونى فى منزله على أريكه حمراء قانية ، تعلو رأسه ثلاث لوحات متعددة الألوان ما بين درجات الوردى الصارخ والأزرق والأخضر ، هالة لونية أخاذة تتوج رأس الفنان .
إنها ألوان شخصية ` المهرج ` التى ابتدعها خلال العام الماضى ، وتحديدا منذ منتصف 2010 ، ليصور بروح ساخرة شخصية الحاكم المستبد ، المهرج ذا القناع الضاحك والجسد المترهل ودموع التماسيح.
يحكى حلمى التونى فى معرضه ، من خلال 42 لوحة بقاعة بيكاسو بالزمالك ، بعنوان ` كان ياما كان ` مثلما حكت لوحاته دائما ، وكانت تكثيفا للعديد من الروايات فوق أغلفة الكتب ، أو تقطيرا للحكى الشعبى والتراث الفرعونى والقبطى لتجسده رمزا خالصا ، أو إعادة اكتشاف الأشياء والأماكن القديمة والمنسية فى مجموعة كتب للأطفال والكبار فترسم الدهشة على الوجوه من جديد .
كان ياما كان ، لكنها هذة المرة حول هذا التحول من اليأس والإحباط الكامل فيما قبل 25 يناير 2011 وما بعده . ` كانت المفاجأة ! خلال ذلك وقبل ذلك ، كنت أعيش
هذه الحالة الحزينة مع جميع المصريين ..وكانت لوحاتى ، خاصة السنة الأخيرة فيها الكثير من الحزن والأسى ..وبعض النقد المغلف بالسخرية أحيانا ..وأيضا
بعض التنبؤ ..وربما بعض التمنى ! ثم تبدلت الأحوال من اليأس إلى الأمل.
ومن الإحباط إلى الفرح ،فكانت لوحات القسم الأكبر من هذا المعرض .. ` كما كتب التونى فى مطوية معرضه.
تدل التواريخ الموقعة أسفل اللوحات إلى تقسيم الأعمال إلى مجموعة أولى فى 2010 ، تحمل الحس الساخر الذى فجرته الأحداث وانعكست فى أعمال الفنان، ثم إلى مجموعة ثانية أنجزها خلال الثورة وبعد التنحى طوال العام 2011 ، تلونت بألوان العلم المصرى وألوان الأمل ، لكنها لا تخلو أيضا من وجوم وترقب وقلق.
وعبر كل هذه الأعمال استحضر حلمى التونى عناصر عالمه الأثير حيث الحكايا الشعبية ورموز بنت البلد والأسد والهدهد نذير الخير والغراب نذير الشؤم ، عالم يمتزج فيه الخيال بالواقع ليصبح رمزا شديد الوطأة مثل اللمبة الطائرة الكاشفة للحقيقة أو السمكة المجنحة.
يجلس ` البلياتشو ` أو المهرج فى إحدى اللوحات صغيرا ضئيلا فى مقعد الحكم الضخم الذى يبرز ضآلته ، أو يظهر فى لوحة أخرى ضخم الجثة تعلو وجهه علامات الخداع ، ممسكا بالهراوة فى يده يحكم بها شعبه ، بينما قدماه لازالتا فى الحذاء العسكرى ذى الرقبة الطويلة ، أو يأتى مستخفا ، رغم غلطته ، من خلف امرأة ، قد تكون رمزا لمصر أو للشعب المرى ، يغمض عينيها بكفية محاولا إبعادها عن رؤية الطريق ، حاجبا عنها البصر والبصيرة .
وتظهر السخرية اللاذعة التى يتبناها التونى فى هذا المعرض حين يصور المهرج واقفا فى الشرفة ملوحا بيده إلى الجماهير فى تحية بلهاء عرف بها ، أو حين يصوره واضعا إصبعه السبابة أفقيا نحو رأسه كما لو كان يردد مقولة زين العابدين الشهيرة ` فهمتكم ` ويعلق حلمى التونى بروحه المرحة ` دى الفقاقة `
هل كان يستشرف بحساسية الفنان ما تخبأه الأيام ؟ وخاصة حين صور المهرج فى حالة الرحيل ، يخرج من باب الغرفة وقد تركت أقدامه أثارا مخضبة لا تمحى ، لا يحبذ الفنان فكرة الاستشراف والتنبؤ بالمستقبل ، لكنة كان يعيش الأجواء الضاغطة قلبا وقالبا ، ويعلم تمام اليقين أن دوام الحال من المحال ، مثلما قدم فى معرضه الأخيرة لوحة الجوكاندة المصرية وقد انعكست الغيوم على نظرة عينيها الصافية ، بينما العلم الأحمر ينذر بالخطر الداهم من أعلى برج الإنقاذ.
أما مجموعة ما بعد الثورة ، فقد اتخذ الفنان من العلم المصرى التيمة الرئيسية لها ، تراها فى الشارات الشعبية التى تعلق فى الأحياء الشعبية أو فى ألوان الأحمر والأبيض والأسود تهمس فى أحد مناطق اللوحة دون أن تصرخ بالوطنية الصريحة.
يحاول من خلالها أن يشارك الجميع فرحه ` استرداد العلم المصرى لكرامته ` حيث يقول : ` كنت قد كرهته ، أصبح ممثلا لشخص الحاكم ، وكنت أرى لزوم أن يتغير ، أما بعد 25 يناير أصبح شيئا مقدسا يتلبس الروح وليس مجرد أيقونة ` .
ولا تخلو الأعمال من هذه الرؤية القلقة المعبرة عن المرحلة ، مثل نظرة تلك الطفلة التى تعلو عينيها نظرة الوجوم ، ويظهر شكل الأسد الخارج من السيرة الشعبية رمز الصعيدى الشجاع ، فلا تعلم هل هو الأسد المستبد أم هو الحامى ؟
لا يلقى بك حلمى التونى فى الحيرة طويلا ، لأنك تعلم أنه سيقيم معرضا جديدا ، حتى وإن قرر فى كل مرة أن تكون هذه آخر معارضه يحكى لنا فيه أن كل ما نعيشه اليوم من تخبط وغياب سيكون قريبا ` كان ياما كان ` .
دنيا قابيل
الشروق - 15/12/2011
حلمى التونى : `خيول ونساء` رداً على اضطهاد المرأة وحرمانها من حقوقها
- لا تخلو أعمال الفنان التشكيلى حلمى التونى من وجود المرأة، التى تمثل رفيقة مشواره الفنى والإنسانى، ويشارك المرأة فى أعمال التونى مجموعة من الرموز التى تحمل فلسفة خاصة ولها دلالات فى التراث الشعبى والمصرى القديم الإسلامى والقبطي.. وفى معرضه الجديد `خيول ونساء` الذى استضافته `قاعة بيكاسو للفنون` بالزمالك، ويضم أكثر من ثلاثين لوحة تصويرية وتكوينات مختلفة يقدم التونى رفيقا جديدا للمرأة وهو الحصان، الذى ينافسها فى الجمال والرشاقة، ويحمل من الصفات ما يجعل المرأة تراه مثال الفروسية والشهامة والكرامة وعزة النفس، حول هذا المعرض دار الحوار:
* حدثنا عن موضوع معرضك `خيول ونساء` ؟
-فى هذا المعرض أقدم المرأة بشكل آخر كرمز حاضر لا يغيب تبحث عن فارس ورفيق منقذ يختلف عن الرموز السابقة، رفيق فيه الكرامة والقوة والشموخ والعزة والشهامة، وهذا الرفيق هو الحصان الفارس، الذى يعيد إليها حقوقها ويدافع عنها.
- المرأة المصرية لم تكن فقط مجرد امرأة ولكنها رمز لمصر ورمز للوطن، فالوطن فيه صفات الحنان والعطاء والمحبة، الحصان رمز أيضا للثورة السليمة التى تهدف للتغير المشروع، التغير بأخلاق الفرسان واحترام الإنسان والإنسانية، المرأة والحصان هذا المضمون الذى اكتشفت أنى سوف استمر بهذا الفكرة فى معارض أخرى قادمة.
- كل أعمالى الفنية بها عنصر أساسى وهو المرأة ذلك الكائن الذى يحمل بداخله شحنة من العواطف الإنسانية وصفات كرمها الله بها، ويشارك المرأة فى معظم لوحاتى رموز مصرية مثل `الهدهد` و`زهرة اللوتس` و`طائر النورس` و`السمكة` وغيرها من الرموز، التى أشعر أن بينها وبين المرأة أسرار لا حدود لها.
* وما السر فى جمعك للمرأة والحصان دائما؟
- الحصان فيه صفات كثيرة، المرأة أجمل المخلوقات والحصان من أجمل الحيوانات، وأشعر أن كليهما تجمعهما علاقة حميمة،عندما نظرت إلى لوحاتى فى بعد الانتهاء منها شعرت أنى رسمت رقصة `للحصان والمرأة` بينهما عاطفة قوية.
- وجدت أنى رسمتهما وكأنهما راقصو بالية ولهما أجنحة وسوف يحلقان معا إلى عالم آخر، عالم فيه الحرية والأمل، والتكوينات على أرضية مسرحية كمشهد أو جزء من لقطة، وهذه الأرضية فى لوحاتى تختلف عن لوحات الآخرين، حين ينظر المتلقى إلى أعمالى يجد أبطالى واقفين لالتقاط الصور، وأنهم مدركون أن هذه لقطة تذكارية لهم لذلك هم مبتسمون ويحملون، اليوم أحزن على ما تعرض له المرأة فى ظل حكم الإخوان المسلمين، من ضغوط وكراهية وقمع، أرد على كل من يهاجمها بكل قوة لهذا اخترت (الحصان)، والحصان الذى يمثل الرجل الشهم فى صورة نبيلة، ورسمت الحصان بشكل تكعيبي مختزل ومبسط، الحصان فيه طاقة مطلقة وكرامة، وهذا ما نطالب به الكرامة التى تفتقدها اليوم، المعرض صرخة احتجاج لفقدان الكرامة، واعتبر أن المعرض رد بليغ أوجه به رسالة للذين يضطهدون المرأة ويريدون فرض السيطرة عليها وحرمانها من حقوقها.
* لماذا تم تأجيل معرضك أكثر من مرة؟
- تأجل المعرض ستة شهور لأن الظروف لم تكن مناسبة، لكنى قررت افتتاحه لأن صمتى كفنان عن الرد على كل ما يدور فى مصر من قمع واضطهاد وتكميم أفواه وكراهية للفن التشكيلى اعتبره خطأ فى حق هذا الوطن، أدواتى ولغتى أدوات فنية ووجدانية وكلاهما يحمل سلاحا قويا وقادرا على المقاومة.
-مصر بلد الإبداع مصر الضحكة الراقية هذه الأيام مصر فى حالة حزن ودموع تخرج من العيون ولا يحل محلها تفاؤل، مصر فى خطر بعد مائتى سنة من عصرها الحديث نحن اليوم فى مرحلة جادة والفن لازم يكون رده جاد الفن والمقاومة.
* ما أبرز الرموز التى قدمتها من خلال المرأة والحصان فى أعمالك بهذا المعرض؟
-فى هذا المعرض وضعت على رأسها رموز وعناصر كثيرة، منها الحصان الفارس وأيضا عبرت عن `ست البنات` التى تعرت فى التحرير وهى فوق الحصان يأخذها ويطير بعيدا حافظاً عليها، كما قصدت أن تكون المرحلة العمرية للمرأة فى الأعمال دائما شابة أو بنت شقية وطفلة، المرأة الجميلة هى رمز الوطن، لذلك الوطن لا يتقدم فى السن مصر عجوز وقديمة تاريخيا ولا تصاب بشيخوخة أو فقدان الذاكرة، مصر شابة شديدة الجمال والروعة.
* بعض اللوحات ظهرت فيها المرأة الفرعونية ماذا تقصد بوجودها؟
-عالمى الخاص ليخرج من المفردات الخاصة من الحضارات المصرية القديمة المرأة فى المصرى القديم أحلى النساء فى عصرها الحديث، ازعجنى جدا ما قرأت وسمعت أن الحضارة المصرية معروضة للإيجار والبيع، لن ولم يحدث أن شعب مصر يقبل أن يؤجر حضارته لدوله أخرى، لذلك بعض اللوحات الموجودة عن المرأة الفرعونية هى رد على كل من يحاول أن يعبث بحضارتنا وهويتنا،ففى اللوحة قدمت المرأة الفرعونية مع المشربية اصف بها كم كانت قيمتها ومع تطور العصور، تفاجأ بمن يحاصرها بعنف وقمع، ومن العيب والعبث أن تصل المرأة فى مصر بعد كل التاريخ والحضارات وإدارتها وقيادتها لمصر فى فترات تاريخية كثيرة، نعود بها إلى رجعية الفكر فى المطالبة بحقها،دائما ما نقول أين حقوق المرأة ولكننا فى حقيقة الأمر نعرفها ولا نعرفها، حصلت المرأة فى التاريخ الفرعونى على حقوق كثيرة منها القيادة فهل يعقل أن تعود للمطالبة من حقها، كل حقوقها مشروعة المرأة نفرتيتى مثلا جميلة الجميلات سيدة العصر وكانت أحسن أو أطيب أو أفضل النساء، تحيا المرأة المصرية من أول امرأة فى التاريخ إلى وقتنا.
* وماذا عن ظهور عنصر السمكة والهدهد مع المرأة فى هذا المعرض؟
-السمكة والهدهد هى أصداء قديمة تخرج منى دون قصدية لأنها مخزونى بكيانى ولا امنع نفسى أو اكبت ذاتى، ولم أقم بأي أعداد مسبق للعمل قبل التنفيذ، واللوحة التى فيها مجموعه من النساء حول السمكة هما مجموعه تماثيل عارية تشبة حالة الفقر التى قد نتعرض لها إذا لم يحدث تغير.
- وبعض اللوحات المرأة تحمل على رأسها رموز السمكة الفاكهة البلاص بطيخة فهذا تعبير عن إنها دائما تحمل أعباء على عاتقها حمل ومع ذلك تبدو جميلة ومبتسمة وهذه من اجمل صفات المرأة الصبر والتحمل.
* ما رأيك فى أعمال الفنانين عن الثورة على الفنان يكون نفسه؟
- الفنان لا يرسم ثورة بالعافية، أو فناً ثورياً بالعافية، ليثبت أنه اشترك فى الثورة ولا يتصنع أو يتاجر بأنه عبر عن الثورة، ليست الثورة حدثاً عابراً سوف ينتهى، ولكنه بالتأكيد مستمر فى الواقع وفى الفن، وكثيرا ما نقول قام الفنان التشكيلى بثورة على العنصر، قد يكون اختزال وتبسيط وتعبيرية وتجريدية وتكعيبية، كلها ثورات على المعالجة الفنية والشكل، فهذا يعنى الخروج عن المعتاد والمألوف وأن يرى صورة جديدة للواقع، مثل الحصان بالأجنحة أعتبره عملا ثوريا.
* وماذا عن وجودك كرسام كاريكاتير فى الصحافة؟
- أمارس حريتي السياسية كاملة فى التعبير عن رأيى بالفن فى الصحف الخاصة، أما فى `الأهرام`، لأنها جريدة رسمية وحكومية، قد منع لى الكثير من الرسوم رغم أنها تقدم نقدا مهذبا اخترت أن أقدم حبى للوطن، أقدم بالأهرام بابا تحت عنوان `مناظر` اختار فيه موضوعا غنائيا تشكيليا، أعبر فيه عن رأيى وأقدمه بلغة تشكيلية، أقدم النقد الساخر للتنبيه وليس للإضحاك، لأن الضحك له ناس آخرون، وأنا أود أن أستمر فى هذه الإطلالة على الشعب المصرى من خلال هذه النافذة.
* كيف ترى الفعاليات التى تقدمها المؤسسة الرسمية فى هذه الفترة؟
- كل شىء مؤجل فى مصر مثل ما هو مكتوب على التليفون on hold `أون هولد` ومصر على الانتظار وأحلامها مؤجلة، ولكن الفن لا يؤجل ولا ينتظر إشعاراً آخر، قطاع الفنون التشكيلية مستمر فى تقديم فعاليات مهمة، مثل صالون الشباب وصالون القاهرة وتعاون مع جمعية محبى الفنون الجميلة ولم يتوقف رغم كل الظروف والقيود، وأن استمرار معارض الفن التشكيلى واستمرار فنانى النحت هو مقاومة ورد راقى على كل من يهاجم الفنون وعلى الفنانين أن يستمروا فى الفن كما تعودوا دون تغيير أو مواءمة لأى طرف أو إخضاع أعمالهم للرقابة، ولا يقدمون أعمالاً القصد منها مغازلة أو نفاقاً، إحنا ما بنتهددش وسوف نستمر فى رسالتنا، لأننا نقدر قيمة الموهبة التى وهبها الله لكل منا وهى الفن .
سوزى شكرى
روزاليوسف - 7/ 4/ 2013
التونى يطلق خيول ونساء لوحاته
- وأنت فى حضرة ألوان حلمى التونى العميقة، وفى حضرة نسائه وخيوله، تنتابك تساؤلات وتأملات لا حصرية، لاسيما وأنت فى زمن الثورة المستمرة والبطولات المزعومة والفروسية المفتقدة.. تجد فى خيوله كثيرا من المجد والكرامة والبسالة.. وفى نساء لوحاته كثيرا من ملامح الوطن ومعانى الانتماء والحضور الإنسانى الطاغى والتقدير المفتقد.
-المرأة عنده أيقونة وحياة..لا يمكن أن تتداخل مع أى امرأة لدى أى فنان آخر.. فقبل أن يذيّل لوحاته بحروف اسمه.. تنطق هى باسمه وبملامحه وطقوسه الفنية التى لا يمكن أن تخطؤها.
-فى معرضه الجديد.. يروى حلمى التونى المزيد عن عوالم المرأة التى يبدو أنها لن تنته.. شاركها البطولة كائن آخر تجتمع فى حسنه الآيات.. وهو الخيل.. الذى تبارى التونى مع نفسه أولا ليطرح منافسة حكائية وتكوينية وجمالية بين عنصرى معرضه الجديد وهما ` نساء وخيول` الذى يستضيفه قاعة `بيكاسو` فى الزمالك ويستمر حتى 12 أبريل المقبل.
-أطلق التونى العنان لخيول لوحاته.. حررها من سياجها.. وأضاف لبعضها أجنحة استعدادا للتحليق.. ربما يحيلك ذلك لما يمكن وصفه بـ`حصان الخيال` ربما تدندن على العود كما بطل `الكيت كات` `يالا بينا تعالوا نسيب اليوم بحاله.. وكل واحد مننا يركب حصان خياله`.. تتعالى مع دندنة الخيال تلك واحدة من بطلات التونى وهى تتماهى مع حصانها ذى الجناحين.. فهو تحرير وانطلاق وسفر بعيد.
- يربط التونى بين ثنائية النساء والخيول فى سهولة ممتنعة.. تجده يحيك من معالم الجمال النسائية وتلك الخاصة بالخيل لوحات فريدة.. مقارنات عذبة.. تفاصيل يومية فصّل منها إبداعات خاصة.. تراه وقد صوّر فتاة بظهرها تعانق خيلا.. وفى مقدمة اللوحة شعرها شديد الطول والجمال يتماهى مع ` ذيل الحصان` فى تفصيلة جمالية تجمع بين المرأة والخيل.
- حتى الرشاقة والخفة صاغ منها مقارنة بصرية طريفة، عندما جعل راقصة باليه ترقص على ظهر حصان أبى هو الآخر إلا أن يشاركها الرقص والدلال.. فى لوحة تحرضك على الرقص ولو بقلبك.. تغادر تلك اللوحة إلى أخرى فتغادرك حالة البهجة تلك وأنت تشاهد على وجه إحدى بطلاته مسحات من حزن وشجن فتلجأ إلى حصانها ليكون لها حارسا وفارسا تستظل به.. وأخرى تمتطى حصانا آخر ليبرز لها جمالا مضاعفا وربما يسلب منها بعض الجمال لصالحه.
- نوستالجيا وزمن بعيد كانا يطلان من عيون التونى وهو يرسم لوحة لطفلة صغيرة تمتطى حصانها الخشبى.. تذهب بعيدا وأنت ترمق ذلك الخشبى المتأرجح الذى داعب على مدار عمره المديد أحلاما صغيرة رائقة.
- لم تكن هذه الصغيرة وحدها بجوار السيدات المفعمات أنوثة وفنا..فبجوارها تجد فتاة صغيرة تقف وحدها فى حراسة حصان بارع الجمال و`لمبة` صغيرة تضئ لها بصيصا من أمل.
-أبى التونى إلا أن يطلق العنان لمخيلتك أكثر وأكثر وهو يطرح أمامك عناصر محببة له فى لوحاته.. فهذا هو الهدهد بكامل ملكيته وبهائه وهو يحلق فى سماء نسائه ويبوح بأسرار أسطورته لهن ويستمع لأنينهن المكتوم فى صمت بئر سحيق.. تراه يحوّل أجواء معرض التونى فجأة إلى الفرعونية وهو يحاكى ملكة عذبة ويواجهها، تراه فى مرة أخرى يحلق فى سماء امرأة شاردة تطل من مشربية أحلامها البعيدة.
منى أبو النصر
الشروق - 5 /4/ 2013
المرأة والخيل .. الرمز لمصر والثورة
- يقام حالياًِ أحدث معرض للفنان التشكيلى الكبير حلمى التونى بقاعة بيكاسو بالزمالك بعنوان ` نساء وخيول ` يتضمن عدداً من لوحات الفنان الزيتية.
- يرسم فيها المرأة ويرمز بها إلى مصر.. فهى الأم ويرمز بالحصان إلى الثورة والحرية والكرامة.. وربما يعود اهتمامه بالمرأة كتعبير عن رفضي للظلم الواقع عليها والمستمر .
- فهو يصور المرأة والخيل فى مشاهد متنوعة فمرة يرسمهما منفردين داخل اللوحة ومرة يجعل الحصان حلية تتدلى فى عقد يزين صدر المرأة وهكذا تتعدد المشاهد وتبقى لكل منها شخصيتها المستقلة وإن كان يجمعها كلها وحدة الموضوع والذى يتلخص فى عنوان المعرض الذى يستمر حتى الثانى عشر من إبريل الحالى .
- ويقدم التونى فى معرضه الجديد أكثر من ثلاثين لوحة زيتية يظهر فيها الحصان والمرأة فى تكوينات مختلفة ومتنوعة ولكنها فى كل حال تمثل حواراً تشكيلياً جمالياً يستوحى التيمات الشعبية المصرية وأجواء الأساطير العربية تجمع أوجه التشابه بين جمال وانطلاق وعزة كل من المرأة والحصان.
- وكان التونى قد عرض بواكير لوحات هذا المعرض فى العام الماضى خلال مشاركته فى فعاليات معرض `فن عربى وطنه العالم ` بمدينة الكويت ثم تفرغ طوال الأشهر الماضية لاستكمال لوحات المعرض التى وصفتها إدارة قاعة بيكاسو المنظمة له بـ ` التعبيرية الغنائية ` وأغلبها بألوان الأخضر والأحمر والأسود والأبيض مع خلفيات سماوية زرقاء .
- وقد ورد على الدعوة الخاصة لحفل الافتتاح ` أن هذه اللوحات تعبيرية شجية تغنى لأحزان البشر دون أن تفقد الحلم، فيختلط فى تلك اللوحات الواقع بأحلام اليقظة بالأمل` .
- والفنان لا يقدم فى أعماله شكلاً فقط كما يفعل بعض مستعيرى ملامح وموتيفات التراث، لكنة يغوص فى أعماق التراث بكل أشكاله ومضامينه ودلالاته ويختار `مسرحه التصويرى` بنفسه ولنفسة .
- والفنان حلمى التونى كثير من الآراء السياسية عبر عنها فى رسومه الكاريكاتيرية وفى بعض كتاباته وحواراته الصحفية.. فهو يرى أن الفن مسيس طوال عمر وجوده فى حياة البشر حتى عندما ننكر وجود السياسية فى الفن فإن هذا موقف سياسيى.
- كما أنه يرى أن الفن يرتقى بمشاعر الإنسان ويقربه إلى الله وأن الفن ليس خطابة أو وعظاً مباشراً أو نصائح أو شتائم، وإلا وقعنا فى فخ ما ساد فترة باسم ` الواقعية الاشتراكية لان فى هذا هلاكاً للفن وتحويله إلى أداة دعابة كما فعلت الأنظمة الشمولية فى الشرق والغرب .
- والتونى واحد من رواد الإشراف الفنى على الصحف فى مجال إخراج الصحف والمجلات من جيل الستينات شبه مجندين فى خدمة حلم الناصرية.. وهو رسام ومصور ومصمم ساهم فى عدة أنشطة متعلقة بالفنون الجميلة والبصرية بل أنه يعد من افضل المساهمين فى فن تصميم الكتاب والرسم الجرافيكى فى العالم العربى . ألف وصور العديد من كتب الأطفال التى نشرت بعدة لغات أجنبية بواسطة المنظمات التابعة للأمم المتحدة وحصل على العديد من الجوائز العربية والعالمية من ألمانيا وإيطاليا.
- وفازت أعماله بالعديد من الميداليات وحصل على أول جائزة عالمية لفنان مصرى عربى من بولوينا..عمل بالصحافة لفترة طويلة حتى أصبح مديراً فنياً لدار الهلال حيث عمل بها مستشاراً لمكرم محمد أحمد رئيس مجلس إدارة دار الهلال الأسبق الذى اختلف معه فاستغنى مكرم عن خدماته وقبلها اختلف عام 1973 مع زوجة الرئيس الراحل أنور السادات ضمن 104 من الشخصيات العامة مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم والفريد فرج ومكرم محمد أحمد ، ولما ضاقت به السبل اضطر إلي أن يتجه إلى بيروت التى قضى بها 13 عاما عمل خلالها مديراً فنياً للمؤسسة العربية للدراسات والنشر هناك، وعاد إلى مصر بعد الاجتياح الاسرائيلى لبيروت عام 1983حيث قدم رسومات شديدة السخرية والنقد لجرائد الدستور والأهرام والشروق .
- وقد تأثر الفنان بزيارته الفنية للبنان وأقام معرضين لأعماله فى بيروت عامى 1975، 1985 .
- وقد أقام الفنان العديد من المعارض الخاصة وأقام فى العام الماضى معرضا لاعماله حول ثورة 25 يناير بعنوان ` كان ياما كان ` الذى يضم 42 لوحة زيتية تمثل مصر قبل ثورة يناير وبعدها ويعتبر الفنان حلمى التونى أن هذا المعرض مهم لأن فيه رائحة الوطن ورائحة الأمل بعد اليأس الشديد والإحباط فالمهرج المرسوم فى لوحات كثيرة فى المعرض كان هو الماضى والمرحلة التى كنا نعيش فيها وكنا لا نقبلها لأنفسنا ولوطننا العزيز الغالى الذى كنا نراه فى أسوأ حال وحكامه رضوان بالمكانة الهزيلة التى كان وضع البلد فيه وكان التونى يقول : رسمت مجموعة كبيرة من اللوحات قبل ثورة يناير أعبر فيها عن رموز النظام السابق وأرسمهم كالمهرجين لكن بعد قيام ثورة يناير تغيرت نظرتى تماما وإن جاء بعد ذلك الإحباط مرة أخرى لأننا كنا حالمين ومتصورين أن النصر والثورة والتغيير سيأتى بين يوم وليلة ولكننا اكتشفنا أن القضية أكبر من ذلك بكثير والثمن المطلوب دفعه أعز وأثمن من الثمن الذى دفعناه وما زلنا ندفعه` .
- ويتابع ` أما اللوحات التى رسمتها بعد ثورة يناير سنجد فيها قدرا من الأمل الذى لم يدم طويلاً ونرجو أن يعود مرة أخرى`
- شارك الفنان فى الحركة التشكيلية منذ شبابه فقد شارك بأعماله فى المعارض العامة فى أثناء الدراسة فى كلية الفنون الجميلة بمصر ، وشارك فى العديد من المعارض المحلية والخارجية .
- وشارك الفنان فى العديد من المعارض الدولية فى ألمانيا ـ البرتغال ـ اليابان ـ لبنان ـ العراق ـ سوريا حصل على عدة جوائز من لوحاته فى صالون القاهرة ـ معرض القطن، وكما حصل على جائزة سوزان مبارك الأولى والتميز للرسم لكتب الأطفال 3 مرات، وجائزة اليونيسيف عن ملصقة للعام الدولى للطفل عام 1979 وجائزة معرض بيروت الدولى للكتاب لمدة ثلاث سنوات متتالية منذ عام 1977: 1979 وجائزة معرض (بولونيا لكتاب الطفل) عام 2002 وفاز بميدالية معرض ( ليبزج الدولى لفن الكتاب ) الذى يقام مرة كل ستة سنوات .
نجوى العشرى
القاهرة - 9/ 4/ 2013
لعب البنات فى لوحات حلمى التونى
كثير من المسميات أو الموضوعات التى يطلقها كثير من الفنانين على لوحاتهم ماهى إلا موضوعات فى أذهانهم وحدهم لذلك لا تنتظر أى تفسير واضح للعنوان فالفنان عندما يختار موضوعاً ماليصوغه فى عمل فنى هذا الموضوع يكون حيوياً من نظرة يشكل له عاطفة ما ، تثير فى نفسه انفعالات شتى يترجمها على شكل حوار جدلى بينه وبين هذا الموضوع فيقدم لنا من خلال وجدانه الخاص ، لذلك على المتلقى أن يتحرر من سطوة الموضوع لأن للفن لغة خاصة به عليه أن يعرفها حتى يتذوق ذلك الفن الجميل .
فاللوحة لا تعنى ماتحويه من مناظر أو شخصيات وإنما تكمن فى أصالة التعبير وقوة الصورة التى يقدمها الفنان فى شكل عالم فنى متسق محمل بشحنة وجدانية استقاها من مصادر عديدة ربما تكون متباينة ولكنها تمتزج وتتألف ليحقق بها عالمه الخاص . ولذلك يقول الفنان الفرنسى ` أوجين ديلاكروا ` E.Delacroix عندما سئل عن علاقة الفن بالطبيعة : ( الطبيعة لا تخرج عن كونها معجماً أو قاموساً ، فنحن نمضى إليها لكى نستفتيها الرأى بخصوص اللون الصحيح أو الشكل الجزئى أو الصورة الصحيحة للكلمة ، أو لمعرفة طريقة هجائها ، او الوقوف على أصل اشتقاقها اللغوى ولكننا لا ننشد فى القاموس صياغة أدبية نسير على منوالها ، وبالمثل لابد لنا ان نستوحى الطبيعة دون أن نعدها نموذجا يحاكيه الفنان أو ينسخه ، بل الطبيعة بالنسبة للفنان هى مجرد إيحاء أو مفتاح ، أما الانسجام الذى يصوغة الفنان فهو بلا شك من خلق خياله الفنى وحده ` .
شرائح البطيخ بطل لوحات حلمى التونى البساطة فى الموضوع الفنى لا تتعارض مطلقاً مع أصالة التعبير وقوة الصورة التى عرفها علماء الجمال بـ ` إرادة الصورة ` Will To For M وشكل شرائح البطيخ الذى استقاه الفنان حلمى التونى ، رغم أن اختيارة جاء لهذه الفاكهة المحببة للعامة من الشعب المصرى البسيط إلا أنها زريعة للفنان لخلق أعمال فنية مبتكرة ، فمن خلال ألوانها الحادة الصريحة ( الأحمر ـ الأبيض ـ الأخضر ـ وبذورها السوداء ) وشكل شريحة البطيخ الهرمية المميزة استطاع أن يخلق عالماً فنياً مدهشاً يفيض حيوية وتألق وثراء فنى ممتع ومدهش فى آن واحد .
ربما جاءت شرائح البطيخ فى أعمال فنية كثيرة فى لوحات فنانين آخرين ولكن هنا فى لوحات حلمى التونى احتلت مكان الصدارة بل هى مجرد ذريعة لابتداع لوحات تجريدية مليئة بالحركة فقد أخذت أشكال عديدة تارة نراها واحدة كبيرة وتارة أخرى نرى قطع متعددة منها بجانب بعضها فى تكوين فنى بديع مع الاستعانة ببعض العناصر الاخرى من الطبيعة الصامتة على سطح المنضدة ولكن هذه العناصر المساعدة ماهى إلا أحجام ضئيلة وبألوان باهته بجانب العملاق الهرمى الكبير ذى اللون الأحمر والذى يفصلة عن قشرته الخضراء خط هلالى بديع من اللون الأبيض وأحياناً تظهر تلك البذور السوداء داخل هذا الهرم الكبير الأحمر ( شقة البطيخ ) .
هذه التكوينات المحسوبة الناضجة التى تنم عن حساسية فنية رائعة اكتسبها السنين قدرة وحساسية مضافة ، فلا يزال حلمى التونى يتمتع ببراءة النظرة وطزاجه الإحساس ولا تزال عينه نهمة للون محبة للحياة رغم نضوجه الفنى الذى اكتسبه مع مرور السنوات وكثرة التجريب والاستمرار فى العطاء .

لعب البنات
لم يتخل الفنان حلمى التونى عن روح الحياة الشعبية البسيطة فى لوحاته فهو قدم بعض اللوحات عن لعب البنات الصغار وهن يلعبن بألعابهن البسيطة كنط الحبل أو الحجلة وبأسلوبه الذى نعرفه عنه من عفوية تلقائية محببة للنفس التى تقترب من رسوم الاطفال أو الرسوم الشعبية البسيطة المعروف من منظور وتشريح وظل ونور وتجسيم مع الابقاء على الملامح الشعبية للمرأة ذات العيون الواسعة الكحيلة والشعر الأسود الطويل التى تبدو بزينتها الشعبية المعروفة رغم أنه رسمها فى بعض الاحيان مجردة من التفاصيل وربما يأخذ وجهها شكل آلة حديدية .
وتارة أخرى نرى المرأة فى لوحات التونى متراخية ناعمة بملامحها الشعبية المميزة الموحية كالسمكة أو البيضة وغيرها من الرموز ذات الدلالات التى تنطوى على تقاليد وأفكار المجتمع الشعبى الذى أدخل علية تعديلات وتطويرات مستقاة من مصادر عديدة محملة بشحنة وجدانية امتزجت فيما بينها لتخلق عالماً فنياً جديداً وأصيل . وكما يحدثنا علماء النفس فى عملية الابداع الفنى التى تخضع للبيئة التى يعيش فيها الفنان والنظرة الجمالية التى تختلف من شعب لآخر فهى ليست ظاهرة فردية بل هى عملية سيكولوجية تمتد جذورها فى صميم التربة الاجتماعية للبيئة التى يعيش فيها الفنان ولذلك فعملية الابداع الفنى لابد من ان تنطوى على تحصيل تدريجى لما تقترحة الجماعة من تقاليد فنية واتجاهات جمالية. ولعل هذا ماقصده ` جون ديوى `John Dewey فى كتابه ` الخبرة والطبيعة `Ex Perience and Nature إن الإدراك الحسى المتسامى إلى درجة النشوة ، او إن شئت فقل التقدير
الجمالى لهو فى طبيعته كأى تلذذ آخر نتذوقه بمقتضاه أى موضوع عادى من موضوعات الحياة الاستهلاكية فهو ثمرة لضرب من المهارة والذكاء فى طريقة تعاملنا مع الاشياء الطبيعية ، بحيث نتمكن من زيادة ضروب الإشباع التى تحققها لنا تلك الاشياء تلقائياً ، فتجعلها أشد وأنقى وأطول ` .
عزة مشالى
جريدة المحيط الثقافى - مارس 2006
تناغم وازدواجية المرأة فى معرض (عندما يأتى المساء) لحلمى التونى.
- هى الجالسة محتضنة العود فى تناغم مع الطبيعة، وهى ابنة الحارة المصرية مرتدية الملاءة «اللف»، محاطة بالطيور والأسماك ذات الدلالات فى الثقافة المصرية الشعبية، وهى السيدة العذراء مريم تحمل ضحايا تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية، هذه هى المرأة المصرية فى أعمال «حلمى التونى».
أعمال معرض الفنان المصرى حلمى التونى، الذى يحمل عنوانه مطلع أغنية لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب: «عندما يأتى المساء.. ونجوم الليل تنثر»، وتستضيفه قاعة «بيكاسو» فى حى الزمالك، تتلخص فى المرأة المصرية بجميع صورها، الأم والفتاة وتحدياتها، وتمثل مصر الفتاة كما فى اللوحة التى ضمت أبياتا من شعر الأبنودى «عدى النهار»، وتجسد فترة نكسة عام 1967.
الجرأة فى معرض حلمى التونى أخذت شكلين متوازيين، يأتى الأول منهما فى طريقة تصوير المرأة كما فى لوحة الراقصة الشعبية، واستخدام الرموز المعبرة فى الثقافة الشعبية مثل الهدهد ورمز السمكة، فى حين يأتى الجانب الآخر فى بعض اللوحات المونوكرومية، التى تعتمد على استخدام اللونين الأبيض والأسود فقط مع حضور ضئيل للون الأحمر، مثلما برز فى لوحة «الكنيسة البطرسية».
الفتاة الممثلة لمصر حضرت فى عدد كبير من لوحات التونى، لتعكس انشغاله بالأحداث السياسية والاجتماعية التى تعيشها مصر فى الفترة الأخيرة، ومثال ذلك لوحة «الكنيسة البطرسية»، حيث جسّد التونى السيدة مريم العذراء بملامح ساكنة تحمل أطفالا يمثلون ضحايا التفجير الإرهابى للكنيسة فى لوحة «مونوكروم» استخدم فيه الأبيض والأسود أيضا.
وحرص التونى على تصوير الازدواجية من خلال لوحتين، صورت الأولى امرأة مستلقية إلى جانب امرأة أخرى تمثل نفسها، وفى لوحة لمهرجتين حملتا نفس ملامح الوجه.
كما حملت ثلاث لوحات فى معرضه، إهداءات لفنانين آخرين جاءت أسماؤهم بعد تحية يوجهها لهم حلمى التونى من خلال محاكاة لطريقة تصويرهم للمرأة، ففى لوحة لسيدة ممتلئة القوام تجلس أرضا، قدم تحية إلى جوجان، فى إشارة إلى بول جوجان الفنان التشكيلى الفرنسى، الذى رحل فى عام 1903، وأحد رواد المدرسة الانطباعية والذى اشتهر بتجسيد المرأة فى أعماله حاملة صفات أضفاها عليها بأسلوبه الذى حاول التونى محاكاته فى لوحته.
أما الإهداء الثانى، فقدمه التونى عبر لوحة مثلت سيدة مصرية مرتدية الملاءة اللف، فى إشارة للوحة «بنات بحرى» للفنان السكندرى الراحل محمود سعيد، فى حين جاء الإهداء الثالث للفنان الفرنسى هنرى متيس، أبرز فنانى القرن العشرين فى محاكاة للوحته التى تمثل امرأة مستلقية.
كما حضرت أمينة وسلمى عبدالحميد حفيدتا زوجة الفنان حلمى التونى بلوحة لكل منهما فى مقدمة المعرض إلى جانب الباب الرئيسى.
هالة قنديل
الشروق - 2017/3/16
حلمى التونى ... رؤية محبة للحياة
- فى أعماله شئ إنسانى خاص، بسيط رائق فرح جامع بين فرح التعبير فى بكارته التلقائية وهندسة البناء العقلى الحذر للأشكال فى صياغتها المتعددة، جمعاً لا نستطيع أن نتبين فيه أين يبدأ القصد وما هى حدود المصادفة.
- يبدو `حلمى التونى` بعدم لجوئه لعبث ` الشخبطة ` بحجة التجريد والحداثة، وعدم انسجانه فى قوالب سلفية مؤطرة - انتهى زمنها - واعيا بماذا يفعل وماذا يقول، وما هى حدود كل من ` الحذر` الواعى، والمغامرة المستكشفة . حيث بدت أعماله فى مجموعها متحولة بشكل مستمر من تعقيدات معالجة السطح التصويرى بالمسات المتداخلة والمتراكمة والمحددة فى قسوة لعلاقة التناقض بين الظل والضوء، نحو التبسيط البليغ لملامح الاشكال وفانتازيا اللون ونثر الزخارف الفرحة على السطوح تحولاً ليس طفريا ، قدر ما هو ` إنماء ` واع بلغة الشكل الخالصة، بعيدا عن مباشرة التعبير أو الانسجان فى أسر الموضوع.
- فهو يرسم ما شاء له من موضوعات، بدءا من زهرة بسيطة فى إناء وحتى تكدس الناس والخيول والأسماك والأهلة والنخيل كرموز تنبنى عليها تراكيب معقدة ، حسبه فقط أثناء الفعل الفنى، أن يظل النبض الإنسانى حاضرا فى قوة ، سواء جاءت النتائج ذات ملامح هندسية ساكنة مجردة ، أو عضوية تعبيرية هادرة، أى أنه وببساطة شديدة قد ` فهم ` وبوعى أن الفن لغة إنسانية بسيطة وبليغة معا ، تخاطب ` العقل ` بتفرد صياغاتها، و` الوجدان` برقة ما تحمله من مشاعر وما تطرحه من موضوعات، ثم راح يرسم بذلك المفهوم أعمالا شديدة الرقة حتى وإن ` ارتطم ` فيها الضوء بالقتامة، أو تناقضت فيها الألوان الليلية الباردة ، بالنهارية الساخنة، أو حتى تباينت فيها معالجات السطوح بين الخشونة والنعومة، لأن المضمون فيها بدا إنسانيا بسيطا دائما.
- مفهوم طازج للفن
- ولا شك أن الفن بذلك المفهوم هو الذى بقى على مر التاريخ مؤثرا وطازجا ، مهما تقادمت تواريخ إنتاجه، أو تغيرت ظروف عصره، لأنه لم يأت مرهونا بظرف تاريخى ، أو مقيدا بطرح رأى موقوت، وإنما يأتى مجردا عن المباشرة، مرتبطا فحسب بإنسانية الإنسان وبمشاعره وأحلامه، وبصياغات بسيطة رائقة وحاذقة معا ، وهو ما نرى أن الفنان `حلمى التونى ` يعمد دائما إلى فعله، فالموضوعات بسيطة العناصر والمظهر مهما تعقدت مضامينها والصياغات التقنية تجئ لديه دائما مواكبة فى أسلوبها للموضوع المطروح، دون تقيد بأسلوب أدائى محدد ومتكرر - كما يفعل بعض الأنصاف الذين يتصورون أن ثبات طرائق الأداء والصياغة هى تأكيد للشخصية الفنية ، بينما الأمر ليس كذلك ، ` فبيكاسو` - الهائل- لم يتقيد يوما واحدا بما حققه من نتائج تقنية رفيعة المستوى، وإنما بدا دائما متغيرا ومتناميا دون انقطاع ، وهو ما حقق له ذلك التنوع الثرى فيما تركه من نتاج، وبنفس المنطق - مع فارق الرؤية والأسلوب نجد أن ` التونى` قد تحرر من أسر الثبات المقيد بأسلوب واحد، وراح ينتقل فى حرية من الواقعية التشخيصية نحو التجريد، ومن تعقيد البناء الهندسى للأشكال ذات البعد المنظورى إلى بساطة التسطيح، بل ومن تراكب اللمسات اللونية الكثيفة وتكدس العناصر إلى تجاورالزخارف وانتشارها على سطوح منبسطة مسالمة.
- مهارة الأداء
- خلاصة القول أن ` التونى` يرسم ويلون ويزخرف كيفما شاء له ذلك ، دون حدود أو قيود ، حسبه فقط مهارة الأداء والوعى بلغة الشكل، والرؤية المثقفة الواعية ، وتلك الحرية قد أتاحت له أن ينتقل من أسلوب أدائى لآخر، ومن منطق صياغى لآخر، بل ومن ` رؤية تشكيلية ` لأخرى مادام كل ذلك مشحونا بنبض إنسانى عال ، كما أنها أيضا - الحرية - قد أتاحت له أن يعيد قراءة خلاصة عديد من نتاجات الفخام أمثال `ماتيس` و `رووه ` و`بيكاسو` ، قراءة واعية مستوعبة وهاضمة ومتجاوزة بعد ذلك ما قدموه، وقد تحول إلى خبرات ذائبة فى مجموع خبراته الأخرى الآتية من وعى جيد بفنون التراث العربى الإسلامى والشعبى، ثم راح يصوغ تراكيبه وبناءاته بمفهوم ذاتى خالص، لا يهم فيه أن يأتى هندسيا صارما ذا حس زخرفى ، أو أن يهدر بالتعبير الفطرى البدائى، أو حتى يتحول إلى همس لونى شاعرى رقيق ، قدر ما يهم مدى التوافق بين المشاعر والأفكار وأساليب الصياغة ، وهو ما يجعل نتاجاته تبدو متعددة الهيئات والأساليب والصياغات ، برغم ما يربطها جميعا من روح واحدة إنسانية شاعرية النكهة.
- روح مصرية
- والواقع أن أهم ما يميز نتاجات الفنان `حلمى التونى` هو تلك الروح المصرية التى تتبدى فى كل نتاجاته مهما تنوعت ، روحا خالصة ليست مرتبطة بالموضوعات التى يطرحها ، ولا بأساليب الصياغة ، ولا حتى بالعناصر والرموز الشعبية التى تمتلئ بها اللوحات ، وإنما هى شئ آخر لا نستطيع أن نمسكه بوضوح، بل نستشعره كالرائحة أو الشذى الذى ينتشر فى عوالمه مهما تباينت. صحيح أنه يجمع بين السيريالية والميتافيزيقية والواقعية وحتى التجريد فى توليفة واحدة ، جمعا ناتجا عن الوعى بها جميعا والاستيعاب الهاضم لمعطياتها، وليس عن قصد عقلى مباشر، وصحيح أيضاً أنه يختار موضوعات إنسانية عامة ، ليس بالضرورة أنها مصرية ، ولكنها جميعا تبدو ذات نكهة مصرية شرقية ، ربما بسبب عشقه الذاتى الخاص للزخارف الشعبية على عربات الباعة الجائلين، وواجهات البيوت الشعبية ، ورسوم الوشم ، والتصاوير الشعبية لألف ليلة وليلة وقصص البطولة كسيرة عنترة بن شداد وسيف بن ذى يزن والزناتى خليفة، وربما أيضاً بسبب أنه يرسم فى حرية كاملة، دون تقيد بموضوع محدد، أو أسلوب وأداءات واحدة، وأن عمليات ترك العنان للفن كى يتوالد ويتشكل كالمغامرة فى كل مرة ، فتخرج خبرات الطفولة والصبا، ومواريث حكايا الجدات، ومخزون الرؤية للموروثات الشعبية فى القاهرة القديمة واحتفالات الأعراس وحلقات الذكر والموالد وما تحويه من ألعاب شعبية وزخارف تغطى عربات النشان ومقاعد المقاهى وغيرها.. اجتمع كل ذلك لدية كخبرات اختلطت بخبرات الصياغة والأداء، فأضفت - دون مباشرة - تلك الروح والنكهة المصرية الشرقية اللذيذة الآسرة.
- حضور قوى للإنسان
- قدم ` التونى` فى تجربته الأخيرة ثلاث مجموعات رئيسية من الأعمال، انبنت جميعا على حضور قوى للإنسان بمشاعره الرقيقة ورغباته النزقة وأحلامه الشاعرية وخصوبته الفائرة، حيث بدا المضمون فيها جميعا إنسانيا بسيطا ، بينما اختلفت البناءات وتنوعت، فقد بدت فى مجموعته الأولى هندسية صارمة ، انتشرت فيها المثلثات والمربعات لتملأ السطح كله، كبيوت وأبواب ونوافذ يطل منها فتيات رقيقات مدهوشات، فيبدون كما لو كن سجينات لتلك الأطر الساكنة الصارمة، وقد بدا التلاقى بين `حيوية` النبض الإنسانى الذى يعكسنه و`سكون` الأشكال الهندسية الصارمة التى تحيطهن مولدة للتعبير المتوازن بين العضوية والهندسة.
- بينما فى مجموعته الثانية يبدو وقد جمع بين استيحاءاته لرسوم الوشم وتصاوير الحوائط ورسوم الزجاج الشعبية فى توليفة خاصة ذات نكهة زخرفية فانتزيه فرحة صداحة بالألوان الزاهية الصافية.
- أما مجموعته الثالثة، بشخوصها الفائره ، وبناءاتها المعتمدة على تقاطع الأقواس المحيطة بتلك الشخوص، وتناقضات العلاقة بين الضوء الساطع والظل القاتم، وانشحانها برموز الخصوبة والتوالد، فقد بدت ذات حس تعبيرى عال، مؤكدا لتلك السمة الأساسية التى تتمحور حولها تجربته كلها مهما تعددت طرائق الأداء أو اختلفت أساليب الصياغة ، وهى أن الإنسان بهيئته وروحه وأحلامه ونزقه ونزواته هو محور الفن ودافعه وعنصره الأساسى، وسواء تواجد الإنسان بهيئته كما هى ، أو تحورت ملامحه لتزيد قدر التعبير، أو حتى بقيت آثاره وانفعالاته فى هيئات لونية وشكلية مجردة ، وسواء أيضاً جاء وحيدا مجابها لفراغ شاسع يحيطه كالمجهول، أو تزاحمت حوله العناصر والمفردات ، فإنه ظل دائما لدية بحضوره القوى، عاصما من الوقوع فى شر `الشخبطة ` القاصرة. لقد حقق ` التونى` أسلوبا خاصا بسيط المظهر عميق المخبر، رائقا قريبا من النفس بنزعته الإنسانية الفرحة المحبة للحياة.
الدكتور / فاروق بسيونى
مجلة العربى - مارس 1995

- يبدو الفنان `حلمى التونى` وقد انحاز منذ تخرجه فى الفنون الجميلة مع منتصف الخمسينات إلى مفهوم أن الفن لابد أن يكون للناس، بلغة بسيطة المعنى، عميقة المبنى، بليغة الصياغة، قائمة على براعة أدائية فائقة، وفهم جيد لحدود التجريب والتحوير والتغيير، بما يرتفع بالشكل وينميه.
- لقد بدا منذ البداية مقتنعا ًبأنه لابد أن يكون للفن دور فاعل فى المجتمع ، قادر على إنماء الذوق والوعى معاً، فراح يقدم من خلال رسومه الصحفية وأغلفة الكتب رسوماً غير تقليدية مثيرة للانتباه بتوازيها مع ما تصاحبه من أعمال أدبية، بل وتساويها من حيث القيمة الإبداعية معها، كما راح يقدم كتباً للأطفال، بدا للرسم المميز `اللذيذ` فيها دور مهم فى جذب الصغار، وجعل التعليم فكراً وذوقاً ومعرفة، يتسرب إلى خبراتهم بسيطاً وعميقاً معاً، أى أنه عمد إلى الاهتمام بدور الفن وأهميته، ووفق هذا المفهوم راح يقدم أعمالاً حاملة من الواقع المصرى ملامح عناصره ومفرداته، ومن أحلامه وتمنياته موضوعاتها، يصوغها فى تراكيب وبناءات غير مجهزة سلفاً، وغير مرتبطة بأى من تلك الاتجاهات المغالية فى التحوير والمغرقة فى الشكلية الخالصة، فقد جاءت الصياغات دائماً أقرب إلى الواقع، ولكنه واقع خيالى أشبه `باليوتوبيا` مفرداته هى رموز شعبيه مصرية وهى رموز للخير والحكمة والقوة والخصوبة فى المعتقد الشعبى المصرى، يصورها معاً فيما يشبه الأحلام بواقع متجاوز لأية لحظات منطفئة .
- والواقع أن الفن لدى `التونى` ليس مجرد `التعبير` عن موضوع ما قدر ما هو شبيه `بالتغنى` بمعانيه وقد بدأ الأداء وطريقة التناول مساويين لذلك، فاللوحة برغم احتوائها دائماً على بطل رئيسى يتصدر التكوين، وهو فى الغالب `امرأة - رامزة`، إلا أنها تبدو كما لو كانت حالة من التداعى المستمر للأشكال والعناصر، تداع يبدأ بالعنصر الرئيسى، تتبعه بعد ذلك الأشكال والرموز ملتفة حوله، متحاورة معه، متناثرة فى أرجاء الصورة وفق بناء الصورة ذاتها الذى يتغير من صورة لأخرى حسبما تفرضه لحظة `الفعل الفنى` وفق درجة الإيقاع فيها وكذا نبرة التعبير وطبقتها، ومن السكون الهادئ فى تراتب العناصر، إلى الحركة الحادة فى تراكبها، ومن امتلاء السطوح المنبسطة بالزهور والزخارف الفرحة الصداحة باللون، إلى اعتمالها بالخطوط الهندسية الحادة، ووشوك انحصار اللون بين الأسود والأبيض فقط ، فالتباين هنا من لوحة لأخرى هو استجابة منطقية لمحتواها وقانون بنائها، وليس تحولاً من أسلوب أو اتجاه فنى لآخر، وبرغم ذلك التباين تظل أعماله ذات روح واحدة، مصرية الطابع إنسانية التعبير، غنائية الهيئة، تسر العين والخاطر معاً.
بقلم : د. فاروق بسيونى
مجلة: الهلال (العدد 10) أكتوبر 1998
بريق التراث يشعل بناء اللوحة الحديثة
- احتار نقاد الأدب فى وصف أعمال الروائى الكولومبى جابرييل جارسيا ماركيز، حتى استقروا على مصطلح ` الواقعية السحرية ` ويبدو أننى مضطر أن أستعير هذا المصطلح عند قراءة لوحات الفنان التشكيلى حلمى التونى، أملاً ألا يغضب منى نقاد الأدب، ولا نقاد الفنون الجميلة ، وسوف أقدم مبرراتى بعد قليل .
- درس حلمى التونى (1933) الفن فى كلية الفنون الجميلة ، وحصل على بكالوريوس فى فن التصميم المسرحى وأقام العديد من المعارض الفنية الفردية، وها هو فى أعماله الأخيرة يعزف على نفس الوتر الخاص باستلهام المناخ والموتيفات الشعبية، ويوظفها فى بناء ساحر ومثير.
- ينحاز حلمى التونى إلى الجنس اللطيف العامر بالدلاله والرموز، سواء كانت طفلة تسعد باللهو واللعب، وتثير فينا عشق البراءة والنقاء، أو كانت امرأة تداعب الميل الغريزى الذكورى، أو تدعونا لاحترام أمومتها ووفائها- ويندر أن تجد فى لوحات حلمى التونى أى ظل للرجل ، ذلك الكائن الخشن والمنبوذ دائماً فى أعمال هذا الفنان .
- فى لوحة ` أفق أحمر` ( 70×60سم) نرى طفلة تقفز فى المدى الأحمر بأقصى اتساع لقدميها حتى تكاد أن تخرج من إطار اللوحة، بينما شعرها يصنع مساحة عرضية جهة اليمين، توازن امتداد يدها اليمنى بكاملها ناحية اليسار ، وفى أعلى اللوحة شريط من درجة مخففة من الأحمر استقرت عليه الأهرام الثلاثة ، وسمكة صغيرة تتوجه إليهم ، ولأن حلمى التونى مصمم بارع ، فقد رسم ثلاث نخلات صغيرات أسفل اللوحة ناحية اليمين كى يستقر التكوين، حيث أن عددها مثل عدد الأهرام ، وحيث أن المسافة بينها تشكل مثلثاً وهمياً مثل الهرم ، وقد حققت الظلال التى فرشها النخل انسجاماً محموداً مع ظل الرجل اليمنى للفتاة .
- هذا الفنان مهموم حتى النخاع بتوظيف الرسوم البدائية ، التى أبدعها الفنان الشعبى على جدران الحوائط والأبواب العتيقة ، وواجهات البيوت، مثل السمكة ، الهرم، الوردة ، النخلة... الخ
- إن تحطيم منظومة العلاقات المستقرة فى الذهن بين هذه العناصر من حيث الكتلة والمساحة والاستخدام وخلافه ، هى التى تفجر طاقة السحر وتعيم المتعة البصرية فى عالم هذا الفنان. وهكذا يمكن تفسير هذا المدى الأحمر أما الهرم والذى تنبثق من ثلاث نخلات ، أو تواجد السمكة خارج محيطها المائى واستقرارها بجوار الهرم ، كذلك اختلال النسب بين حجم النخلة والطفلة والمرأة والسمكة.
- لم يستغرق حلمى التونى فى تنفيذ التعاليم الأكاديمية المملة فى فن التصوير، مثل الاكتفاء بمصدر ثابت للضوء، أو تحقيق ` الفورم` الكلاسيكى، بل اختار- بالضبط كما يفعل الفنان الشعبى- أن يحترم الصراع اللذيذ والحاد بين الغامق جداً والفاتح جداً، والذى لا يسمح بوجود الظلال، وقد حقق هذا بكفاءة فى البنت والهرم.
- وبعكس اللوحة السابقة التى تبدو، وأنها قد صورت من مسافة بعيدة ، اقترب الفنان أكثر فى لوحة ` انتصار` ( 70×60سم) من الهرم الأكبر، الذى احتل أكثر من نصف اللوحة، وأخفى وراءه أجزاء كبيرة من الهرمين الآخرين فى حين انتظرت فتاة أمامه، لا تملك الحول ولا القوة ، وكى يؤكد الفنان من قسوة الآنتظار رسم امرأة أخرى جهة اليسار، جسمها حجوب خلف الهرم ، وأخرى تتدلى من سقف اللوحة، فاردة يديها، وكأنهما تشاركن بطلة اللوحة لوعة انتظار من لايجىء !.
- إن حس المصمم لا يفارق الفنان لحظة واحدة، لذا نراه قد رسم نخلتين إحداهما ذات جذع منكسر، كى ينضبط التصميم، كذلك رش وجه امرأة يحتل الزواية العليا اليمنى، أما إصرار الفنان على أن يصنع للوحته بروازاً من الألوان القاتمة ، فيبدو أنه يعود إلى تلك النزعة التى استولت على عقل الفنان الفطرى منذ الأزل، والخاصة بتحديد الرسوم التى يرسمها حتى تظهر وتلوح فى قوة.
- يؤكد حلمى التونى غرامة ياستحياء منطق الفنان الشعبى فى رسم اللوحات من خلال عمله المسى ` أمومة ` ( 70×60سم) حيث يشكل فرح النبات الذى انكسر ليصنع زاوية قائمة من
أعلى اللوحة أحد الأركان المهمة فى مواجهة السمكة التى جاءت من اليسار لينغلق التصميم بإحكام.
وفى لفتة بارعة، عبر الفنان عن خصوبة الأمومة اللامتناهية عندما جعل المرأة تنحنى أمام جبروت الهرم لتحتضن وردة نبتت فى الأرض بجوار ثلاث نخلات.
- لا يسرف حلمى التونى كثيراً فى استخدام الألوان، حيث تتسم لوحاته بالتقشف اللونى ، رغم ثراء ألوان الزيت التى يستخدمها، فاللون الأحمر ينهب معظم مساحات اللوحة بالتبادل مع الأسود، الذى أغنى بإضافة درجات من الأحمر، أما درجات الأخضر، فقد وزعها باتقان فى فرع النبات والسمكة، ومنديل رأس المرأة، والديك الصغير والوردة...الخ .
- يهرب الفنان من مستنقع التفاصيل ويتخلص من الشوائب والزوائد، ويقنع بالخطوط القاتمة لتحديد الشكل النهائى للعناصر، ولا مانع عنده من استخدام تقنيات بسيطة تحقق شكلاً ما للفورم ، حتى يخرج من نفق الزخرفة ، ويبحر فى عالم التصوير، مثلما صنع فى أيدى المرأة وجلبابها.
- لا جدال من أن المخزون البصرى للذاكرة الشعبية وافر وعامر بالشخصيات والأحداث، والمفردات ، وفى لوحة ` آخر الأبطال` ( 70×60سم) نشاهد ونستمتع بطرافة معالجة البطل الشعبى الأشهر ` أبو زيد الهلالى` حيث تحول على يد حلمى التونى إلى امرأة ترتدى الطربوش وتمسك بكل يد سيفاً بينما تقف على قدم واحدة مثلما تفعل لاعبات البالية.
- إن منطق المشهد المسرحى يتجلى فى هذه اللوحة على أكمل ما يكون، حيث تنحصر البنت بين مساحتين من الأحمر بارتفاع اللوحة، كما لو كانت ستائر خشبة مسرحية، وبجوارها تقبع فازة ورد، بينما يقبع فى الخلفية الشكل الشعبى للأهرام الثلاثة مرسومة فى حجم صغيرة يدعم المنظور.
- إن هذا المشهد الخلاب واللطيف، لا يخرج إلا من خيال فنان ساحر، خاصة وأنه وفق فى استخدام الألوان الطازجة، مثل الأحمر المشتعل، والأخضر المتوهج ، تلك الألوان التى نلمس حضورها الطاغى عند ما يستخدمها الفنان الشعبى فى رسم واجهات المنازل، أو الكليم والسجاد وعربات الكارو والكشرى ......الخ .
- كذلك لم ينس الفنان الدور المحورى الذى تلعبه انكسارات الضوء، وامتدادات الظلال، كما فى كتلة الأهرام ، أو شكل ` الفازة `.
- ينفرد حلمى التونى عن كثير من فنانى هذه الأيام، بإصراره على الزهد فى الثرثرة التشكيلية، سواء من حيث تراكم العناصر والمفردات المستخدمة فى اللوحة، أو من خلال تعدد الملامس الخاصة بالسطح، حيث يقنع بالأسطح الملساء بشكل عام من خلال استخدام الفرشاة، ولا يضطر لإحداث خشونة، إلا قليلاً، ويهدف إحداث أثر درامى مطلوب ، مثل الخلفية الزرقاء فى هذه اللوحة ، والتى دعمت عنصر الحركة والقوة والاستعراض الذى يقدمه ` آخر الأبطال`.
- قدم حلمى التونى مزيجاً من وحى المدارس الفنية المختلفة ، فقد استفاد من فن النحت حيث يصنع شخوصة، ككتلة نقية، متماسكة، واستفاد من الفنون الشعبية، كما فات عليك، واستثمر الانفتاح الذى حققته السريالية فى تحطيم الجامد والرتيب من القوانين الفنية .
- هذا فنان غزير الخيال، ينتمى للبسطاء وأحلامهم، يعيب لقيمة ` الموضوع ` من العمل الفنى حقه المهضوم، بدعوى الإغراق فى الشكلانية، لا تخلو أعماله من مسحة سحر، وطرافة محبوبة ، مع إصرار عنيد- على تقديم لوحة متينة البناء ذات تصميم صارم، يعشق المرأة ويبجلها فى أعمال عامرة بالود، ، ونحن نشاركه عشق اللوحات والمرأة .
بقلم : ناصر عراق
من كتاب ملامح وأحوال
حلمى التونى ...ووجوه جميلة من زمن جميل
- من الذى يستطيع أن يقاوم سحر ذكريات الصبا وعبق نسائم الحب الأول؟.. فى أعماق كل منا حنين إلى منطقة ما من الماضى، شهدت بكارة الاكتشاف لعالم جديد، لأفراح الوعى بالرجولة أو الأنوثة، عبر نظرة عين ، أو استدارة قد ، أو نبرة صوت... وتتصاعد أفراح الوعى لتصل إلى ذروتها عند منطقة الأفكار والرموز، التى تختزل أروع المعانى والعقائد والقيم، كما تختزل فصول التاريخ وخبرات الشعب وذاكرة الأمة ، من خلال شخصيات بعينها، حفرت بكفاحها سطورا وضاءة فوق تلك الذاكرة.
- هذا ما شعرت به وأنا أتنقل بين لوحات الفنان حلمى التونى فى معرضه الأخير` وجوه جميلة من زمن جميل ` الذى أقيم فى الشهر الماضى بقاعة خان المغربى بالزمالك. لم تكن وجوه الشخصيات المعروفة لنا جميعا والتى ضمها المعرض ـــ من ملكات وأميرات، مطربين ومطربات، أدباء وممثلات، مقرئين وزعيمات، بنات بلد وبنات ذوات ــــ لم تكن هى بذاتها مبعث السحر والحنين، بل كان مبعثهما هو العصر الذى يمثله كل وجه منها، عصر تفتح عليه وعى الفنان واكتشف من خلاله أروع قيم الحب والفن، عراقة التراث ونبض الثورة، نبل الملكة المتمردة على حياة القصر، وعرامة الجنس خلف شبكة البرقع فى عيون بنت الحارة، جرأة المرأة السافرة وهى تفتح عالما جديدا من الحرية، والنظرة المراوغة من خلف فتحات المشربية، قوة التنوير بحثاً عن الذات وعن التحرر، فى مقابل قيود التخلف والاحتلال والطغيان، يقظة الضمير الشعبى وهو يصنع وحدة الأمة، أمام غلطة القضبان والحواجز، وأخيرا: تجليات الآيات القدسية عبر طبقات صوت نورانية، إلى جانب تجليات أنغام وأصوات عبقرية لم يجد الزمان بمثلها حتى اليوم!
- تنوع الوجوه
- هكذا تنوعت وجوه حلمى التونى بين شخصيات مثل طه حسين وحرمه سوزان وصفية زغلول ( أم المصريين ) ، والموسيقار عبد الوهاب، والمطربة أم كلثوم، والقارىء الشيخ محمد رفعت. والممثلتين راقية إبراهيم وفاطمة رشدى، والملكة السابقة فريدة والأميرة فوزية... ثم مجموعة من الوجوه لنسوة يغطين وجوههن بالبراقع ذات الأشكال المختلفة، ويعكسن أوضاعا طبقية مختلفة، من الحارة إلى القصر...
- ويبدو التباين بين هؤلاء جميعا ــ فكريا وطبقيا وذوقيا ـــ واضحا إلى حد الالتباس فى فهم موقف الفنان، وكأنه لايفرق بين السلطة ونقيضها، بين القصر والحارة، بين الأميرة والزعيمة، بل يبدو الالتباس كذالك فيما يوحى به النظر إلى هذه الرموز من تعميم أقرب إلى ` الكليشيهات ` الدارجة.
- لكن نظرتنا سرعان ما تتغير حيال هذه الاختيارات، عندما نغير زاوية النظر إليها. لتكن أقرب إلى نظرة عين الطائر المطلة من علو شاهق ، متجاوزة الفوارق الطبقية والسياسية والفكرية لذلك العصر، وكأننا نطل على مشهد عام من خلف ستارة حريرية شفافة تحجب الألوان وتحيل المرئيات إلى أطياف، تماما كما ننظر اليوم إلى الآثار المملوكية فى القاهرة القديمة، فلا نقف عند مظالم المماليك وصراعاتهم التى دفع الشعب دائما ثمنها، لكننا نستقطر ما فى أثارهم من قيم فنية رفيعة فى العمارة والمشغولات والزخارف الاسلامية، وعبقرية تنتمى إلى الشعب أكثر من الحكام .
- هكذا يمثل ` الزمان ` بعدا فلسفيا وشعوريا فارقا فى بورتريهات التونى ، بعدا يشبه نسيجا رقيقا من الأسطورة والحلم، قابلا للتأويل والاسقاط ، ومحرضا على المقارنة بواقع اليوم، الذى يتسم بالقسوة والكآبة، وتفاهة الرموز وفجاجة الفنون وغلظة المشاعر.
- ومن أجل تحقيق هذا ` النسيج ` يعمد التونى إلى استخدام اللون الأسود كبطل رئيسى يتسيد اللوحة، بأقل قدر من الدرجات الرمادية، فكأنه يحاول الوصول إلى تأثير أفلام الأبيض والأسود فى الأربعينيات، بنفس أنماط الملابس وتسريحات الشعر والماكياج والزينة للناس فى ذلك العصر، إنه يجعلنا بذلك نقف على حافة وهمية بين الواقع واللاواقع، مؤكدا نوعا من الثبات والسكونية فى أوضاع الشخصيات ، مثلما كانت تجلس فى الماضى شاخصة أمام ` المصوراتى ` .
- القدرة على صنع النمط
- والحق أن هذا ` النسيج ` هو الشئ الأساسى الذى يضفى على معرض التونى قيمة خاصة بالمقارنة بمعارضه السابقة، التى حفلت بتقنيات فنية أعلى، وبناء تصويرى أحدث، وفكر سياسى أكثر تجاوزا لمحدودية المدلول المباشر، لكن من حق الفنان أن ينتقل من مغامرة إلى أخرى مهما كانت نتائجها، بل لعل مما يستحق تقديرا أعمق للفنان ألا يحبس نفسه فى أسلوب واحد حظى بإعجاب الجمهور ومحبى الاقتناء، فهو القادر وحده على صنع النمط وعلى كسره أيضا، وعلينا أن نلاحقه ونجتهد فى فهمه.
- غير أن مجموعة وجوه النسوة بالبرقع و` اليشمك ` تمثل استثناء خاصا بين لوحات المعرض، فكما فى الحياة فى البيئات الشعبية ـ مقارنة بالبيئات الأرستقراطية ـ- تتسم هذه الوجوه بالحيوية والتوهج والتحرر من القالب، وتبدو للعيون لغة شديدة الإيماء والدلالة، من الغواية إلى المؤانسة إلى الترقب إلى التطلع المندهش، وتنحدر نظراتنا من العيون إلى البراقع، فنجدها تظهر أكثر مما تخفى من ملامح الوجوه ، وهى تتنوع بين الشبكة ذات الفتحات الواسعة والشبكة الضيقة، كما تختلف غرز النسيج من شبكة إلى أخرى، وكل منها يعكس وضعا طبقيا واجتماعيا معينا، ومن خلف الوجوه تبدو نوافذ المشربيات أو زخارف الأسوار الحديدية التى تبزغ على حافتها الورود..
- وقد نضيف إلى هذه المجموعة لوحة الممثلة فاطمة رشدى، التى تمثل استثناء بارزا بين اخواتها، بجلستها وابتسامتها ونظرة عينيها الجانبية، وحركة حاجبيها وشعرها المهوش كل ذلك يصنع إيقاعا ديناميا، ومذاق عصر، وسحرا يتجاوز مصدره حدود الملامح الخارجية.
بقلم : عز الدين نجيب
مجلة الهلال : ديسمبر 1998
عندما يأتى المساء فى حلمى التونى
- ` عندما يأتى المساء .. ونجوم الليل تنثر ` أغنية للمطرب الراحل محمد عبد الوهاب، ` عدى النهار والمغربية تتخفى على ظهر الشجر ` أغنية غناها عبد الحليم حافظ .. فاختلفت الرؤى .. بين الليل الجميل الذى يتزين بالنجوم وبين الليل الحزين المتخفى ` ورا ظهر الشجر ` أغنيتان شجيتان يستلهمها هذا المعرض للفنان حلمى التونى .. فتنتشر على صفحات لوحاته الخلفيات السوداء الليلية التى تتغنى فوقها مشاهد فرحة مضيئة بالألوان والأنوار والظلال فتنتصر أغنية عبد الوهاب وتوحى بعنوان المعرض . ولعلها تكون نبوءة وبشارة بهار جديد .. وصباح ` أبو الشمس بترش الحنين ` كما تتمنى أغنية عبد الحليم ..
من هنا جاءت فكرة هذا المعرض الذى يجمع بين الاغنية الجميلة والوجه الحسن، فيذكرنا بكنوز ومسرات حياتنا سمعاً ونظراً .
يرتاد الفنان حلمى التونى جديدا، حينما تتأمله تقفز إلى الذهن كلمتان بغير انفصال بينهما التعبيرية الغنائية تعبيرية شجية تغنى لأحزان البشر دون أن تفقد الحلم ،فيختلط فى لوحاته الواقع بأحلام اليقظة .. بالأمل ..
هو لا يقدم شكلا فقط كما يفعل بعض مستعيرى ملامح وموتيفات التراث، لكنه قد غاص فى أعماق ذلك التراث بكل أشكاله ومضامينه ودلالاته واختار ` مسرحه التصويرى ` بنفسه ولنفسه.
لا ينتمى ( التونى ) تحت لواء مدرسة فنية بعينها هو يعزف على سطح اللوحة أنشودته ولأنه يبدأ بالإنشاد لنفسه وحنين ذاته فإنه يمس مشاعرنا وحواسنا بذلك الناى الحامل لأجواء السحر فيجعلنا شركاء فى إبداعه .
وأنت فى حضرة ألوان حلمى التونى العميقة وفى حضره رسومه تنتابك تساؤلات وتأملات لا حصرية لاسيما وأنت فى زمن الثورة المستمرة والبطولات المزعومة والفروسية المفتقدة .. تجد فى خيوله كثيراً من المجد والكرامة والبسالة، وفى نساء لوحاته كثيراً من ملامح الوطن ومعانى الانتماء والحضور الإنسانى الطاغى والتقدير المفتقد .
المرأة عنده أيقونة وحياة .. لايمكن أن تتداخل مع أى امرأة لدى أى فنان آخر .. فقبل أن يذيل لوحاته بحروف اسمه .. تنطق هى باسمه وبملامحه وطقوسه الفنية التى لا يمكن أن تخطأها .
يختلط جسد المرأة لديه بين رشيقات وسمينات، وتجمعهن الأناقة والجمال إنه يتعامل معهن تعاملا خاصا مرتبطا بالتراث الشعبى ويلون لوحاته بمنهجية المكان والشمس المشرقة فتجد الألوان زاهية ومضيئة تجعل من مفرداته آية من السحر والجمال فقد اهتم بالتفاصيل وبسطها مؤكدا على التناغم والليونة والرقة فالجسد ممشوق والنهود بارزة مكورة والخصر نحيل والأرداف سمينة والشعر طويل أسود كالليل المظلم وتفاصيل الوجه مختصرة إلا من النعومة وتأكيد اتساع العيون التى تشبه عيون البقر الوحشى والفم المنمنم وطول العنق وقد تميزت نساء التونى ببياض البشرة فالجسد بهذه الصفات يصدر إشارات وكذلك اللون الشفيف فالمرأة رمز لعشق الفنان بسحر وجمال الحياة وهى مصدر إلهامه وإن انجذب للغناء أو الموسيقى؟ إنها رمز للجمال يستوحى جمالها فى بناء المعانى التى تجسدت فى جميع الفنون والآداب . لقد تأثر التونى من بدايته الفنية بالزخرفة الشعبية واستلهم مفرداته من وحى تأثره بالموروث الشعبى والقصص التاريخى والدينى وأعاد صياغة موتيفاته فى حوار بين الشكل واللون والأفكار، فالهدهد على سبيل المثال يحيلنا إلى هدهد سيدنا فى القصص الدينى ، والحصان يعيد علينا حكايات الفوارس ومغامراتهم لقد استطاع التونى من خلال تلخيصاته أن يشعرك بتحرير الخط واللون والشكل لخلق إيقاعات تتدرج بتدرج اللون الذى شارك بقوة فى لغة التعبير الحسى والتناغم الجمالى الذى تشاركه الخطوط والأشكال فى تأكيد الحالة الإدراكية لمعانى الجمال .
وقد تأثر التونى فى هذه المجموعة بالغناء والطرب وترجم ما سمع فى لوحات تنبض بالحيوية وتشدو بألوان وخطوط ومساحات تصل؟ إلى أسماعنا فى محاورة بصرية تصل بين المشاهد والعمل الفنى إلى أعلى حالات العشق. كما قدم التحية لبعض الفنانين العالميين من خلال ترجمة الطرب للوحات لهم تناولها بأسلوبه مثل لوحة ` الموناليزا` لدافنشى و`بنات بحرى` لمحمود سعيد.
والفنان التشكيلى الكبير حلمى التونى متخصص فى التصوير الزيتى والتصميم ويمارس رسم الكاريكاتير فى عدة صحف منها الأهرام، ولد بمحافظة بنى سويف فى 30أبريل عام 1934.
نجوى العشرى
نص الدنيا : 24-3-2017
فنان يحول المطبوعات إلى لوحات
- الفنان حلمى التونى واحد من سلسة المبدعين بميدان تصميم الأغلفة، وتنسيق صفحات المطبوعات، تلك السلسلة التى تبدأ بالفنان الرائد عبد السلام الشريف مروراً بالفنان عبد الغنى أبو العنين والراحل حسن فؤاد وغيرهم من أقطاب هذا الميدان.
- فى جلسة جمعتنى مع رسامى الأغلفة والعاملين بالاخراج الفنى لمطبوعات الهيئة المصرية العامة للكتاب، قال أحدهم فى أسى: إن عملنا لا يحظى بتقدير النقاد.. فكتاباتكم تتركز على رسامى اللوحات، بينما تصميم ورسم الأغلفة والملصقات وفنون الاخراج الصحفى لا تحظى بأى نصيب من اهتمامكم.
ووجدتنى أندفع موضحاً لهؤلاء الشباب أن عملهم الفنى يدخل فى صميم `فن اليوم`، وأن له مكانة خاصة بين `فنون العصر الحاضر` وهى الفنون التى تلعب دوراً مباشراً وحقيقياً فى الحياة اليومية..
- وأوضحت وجهة نظرى التى تتعلق بأن جميع الانتاج الذى يقدم فى معارض الفنانين هو كتجارب العالم فى المعمل.. لا قيمة لها إلا إذا طبقت احدى شركات الانتاج نتائج هذه التجارب، وقدمتها للمستهلكن بشكل نافع. وهو كمخطوط الكاتب، يظل محصوراً وحبيساً حتى تتلقفه المطبعة (الآلة) ليتحول إلى كتاب أو مطبوع متاح للآلاف والملايين.. وهو كسيناريو الفيلم السينمائى إن لم يتم اخراجه وإداراته فى `آلات` العرض بدور السينما لا يحقق أثره أو يأخذ شكله النهائى..
- وفنون الكتاب والاخراج الصحفى هى أحد الأشكال التطبيقية للتجارب الجمالية التى تملأ قاعات العرض.
- وإذا كان النقاد يهتمون بلوحات المعارض فلأن هذا هو منفذها للوصول إلى الجمهور الأوسع، ربما تخطت من خلال النشر بعض حاجز انفصالها عن `الآلة` وهى لهذا أقل حظاً - رغم اهتمام النقاد بها - من فنون الكتاب وغيرها من المجالات التشكيلية المرتبطة بالآلات والمؤثرة تأثيراً مباشراً على مستوى التذوق الفنى لدى الجمهور.
** فنان من `تونا الجبل`
- والفنان حلمى التونى هو واحد من سلسلة المبدعين بميدان تصميم الأغلفة وتنسيق صفحات المطبوعات، تلك السلسلة التى تبدأ بالفنان الرائد عبد السلام الشريف مروراً بالفنان عبد الغنى أبو العنين والراحل حسن فؤاد وغيرهم من أقطاب هذا الميدان.
- ولد الفنان حلمى التونى فى أول مايو عام 1934 بمدينة بنى سويف، بينما أسرته تنتمى إلى قرية `تونا الجبل` بمحافظة `المنيا`، وهى تقع على حافة الشريط الأخضر ملامسة للصحراء الغربية، يقصدها السياح ومحبو الآثار القديمة لمشاهدة ما تبقى بها من مقابر وعلامات الحضارة المتخلفة عن فترة الحكم الرومانى لمصر منذ ألفى عام. ولهذا سمى `التونى` نسبة إلى القرية التى خرجت منها أسرته.
- كان والده `مهندس مدنى` يقيم الجسور والطرق، أشرف على اقامة طريق `القاهرة - الإسكندرية` الصحراوى و`مطار الدخلية` والعديد من المشروعات المماثلة، فقد كان مهندساً متجولاً..
- فى طفولته كان يقضى معظم وقته فى الرسم ويلفت نظر الأهل والأقارب إلى قدراته، فيثير زهوهم بين الأصدقاء أحياناً، أخرى تأنيبهم وزجرهم لإهداره الوقت فى هوايته بدلاً من دراسته.
- عندما كان فى السادسة من عمره، وهو يتأهب لدخول المدرسة الابتدائية أحضر له والده لوحاً صغيراً من الاردواز الأسود وبضعة أصابع من الطباشير الأبيض ليتعلم مبادئ الكتابة والحساب.
- فى ذلك الوقت كان له عم طالب فى كلية الزراعة بالسنة النهائية وكان يحضر إلى بيتهم لاستذكار دروسه مصطحباً كتبه الحافلة بصور الحيوانات والنباتات التى تلفت نظر الصبى الصغير وتستحوذ على اهتمامه أكثر من حروف الهجاء وأرقام الحساب.
- وذات يوم دخل والد حلمى الغرفة ليجد على لوح الاردواز رسماً بالطباشير لبقرة.. فتأمل الرسم برهة ثم تساءل عمن رسمه، وأجاب حلمى: أنا .. خرج الوالد من الغرفة فبدأ الصبى يتوجس، وخاف أن يكون قد أخطأ، وتوقع أن يعود والده ومعه عصا أو ما شابه ذلك لعقابه، ولكن الوالد عاد مع العم طالب الزراعة، وقال له: تأمل هذا اللوح، لقد رسم حلمى هذه البقرة، بينما أنت لا تستطيع أن ترسم مثلها.
- وكان هذا الموقف الذى لا ينسى حافزاً ومشجعاً لمواصلة الرسم ثم اختياره ليكون مهنته فيما بعد.
** ` الهندسة ` ومهنة الأسرة
- خلال الدراسة الثانوية انغمس فى الاضرابات والمظاهرات وكان ينتقل من مدرسة إلى مدرسة.. كانت سنوات ضياع، فأصرت الأسرة على الحاقة بالمدرسة الثانوية العسكرية لكن المدرسة رفضت قبوله فى الكشف الطبى بسبب `التهاب اللوزتين` ورفض أن يستأصلهما خشية أن يموت أثناء الجراحة.. وهذا الخوف من الموت والوسوسة من المرض لازالت تلازمه إلى اليوم حتى بعد سنوات المغامرة والحياة على حافة الموت فى بيروت.
- وتوفى والده عندما كان عمره 16 سنة، كان فى السنة الثالثة الثانوية، وحدث تغير كامل فى حياته.. التلميذ المستهتر الذى يهرب من المدرسة ويقترض بضمان دراجته لكى يركب قارباً فى النيل أو دراجة بخارية.. هذا التلميذ المستهتر تحول إلى طالب مثالى، فقد غيرت صدمة وفاة الأب مجرى حياته. وفى امتحان الثانوية العامة حصل على مجموع مرتفع، فتقدم للالتحاق بكلية الفنون الجميلة.
- هذا الأمر لم تكن له سابقة فى تاريخ الأسرة، فهو ينتمى إلى عائلة كلها من المهندسين أخوه: الأكبر مهندس ألكترونيات، والأصغر مهندس معمارى، والباقون: الأعمام والأخوال وأزواج اخواته وخالاته وعماته: مهندسون زراعيون وكيماويون ومهندسو هيدروليكا وجيولوجيا والكترونيات... وغيرها من التخصصات الهندسية، ومن المفروض أن يختار `حلمى` أحد هذه التخصصات لدراسته الجامعية.
- ووقفوا موقف الرفض والاعتراض على أن تتحول `الهواية` إلى `احتراف`. كانت رغبتهم تتركز فى أن يلتحق بكلية الزراعة فيسمى مهندساً زراعياً ليرعى أرض والدته التى كانت تشرف على أوقاف أسرتها، فهى سليلة `اسماعيل صديق المفتش` وزير مالية الخديوى.
- فاجتمعت العائلة لبحث هذا الموقف الذى يهدد بناء العائلة وتقاليدها ويشكل شذوذاً وخروجاً عن مهنة الأسرة: لكن حلمى يواصل اصراره، ولا يدافع عن موقفه سوى زوجٍ احدى عماته، وهو مهندس زراعى أيضاً، الذى قال: دعوه يكون رساماً جيداً فهذا خير من أن يكون مهندساً فاشلاً. وبكثير من العناد بدأ الدراسة فى كلية الفنون الجميلة.
- ويعترف الفنان أن اتجاه الأسرة إلى الهندسة كان له أثره عليه، فعندما التحق بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1953 اختار قسم هندسة الديكور (الفنون الزخرفية) لتخصصه وكان هذا الاختيار يتضمن التوفيق الضمنى اللاشعورى بين رغبته ورغبة الأسرة. وكان متفوقاً فى دراسته إلى حد أنه كان يقوم بشرح دروس التشريح وقواعد علم المنظور لبعض زملاء الدراسة.
- كانت سنواته فى كلية الفنون الجميلة من أسعد فترات حياته، خلالها عايش الفن معايشة كاملة حيث كان يمضى نهاره وأغلب ليلة بين جدران الكلية.. لم يترك مسابقة أو معرضاً جماعياً إلا واشترك فيه.. بالاضافة إلى ممارسته للرياضة البدنية.
** الرسم فى الصحافة
- وقبل تخرجه بعامين بدأ يرسم للمجلات الأسبوعية ويندمج فى ميدان الاخراج الصحفى، وكأنه يرد على اعتراض الأهل ويثبت لهم أن الفن يمكن أن يكون مفيداً.
- وينشر أول رسم وعليه التوقيع لافتاً لأنظار القراء لشئ خاص فيه.. ثم يتوالى النجاح `العملى` سريعاً.
- كان مشروع التخرج الذى حصل على درجة البكالوريوس فى هندسة الديكور يدور حول تصميم ديكورات وملابس مسرحية `إيزيس` لتوفيق الحكيم، وكان يتصور أن العمل المسرحى سيتحول إلى باليه راقص من ستة فصول.. وحصل على درجة الامتياز عند تخرجه عام 1958، وافتتح مكتباً للديكور أفلس بعد ثلاثة أشهر، لأنه كان ينفق ما يكسبه من الرسم الصحفى على هذا المكتب. ووصله عام 1959 خطاب ترشيحه فى بعثة لدراسة فنون التصميم المسرحى والسينمائى (الشينوجرافى) فى أكاديمية `اسكالا دى ميلانو` الشهرة بايطاليا.. لكنه رفض هذه البعثة لا رتباطه الفعلى بالعمل الصحفى منذ عام 1956 وميله إلى هذا العمل أكثر من العمل فى ديكور المسرح.. وقد عمل مشرفاً على مجلات دار الهلال يصمم الأغلفة ويضع الرسوم التوضيحية وينسق المواد الصحفية على صفحات مجلاتها.. فى ذلك الوقت توقف عن رسم اللوحات الزيتية وانصرف تماماً للنشاط `الجرافيكى` بعد أن حصل على العديد من الجوائز فى المسابقات العامة من معرض صالون القاهرة السنوى، ومعرض القطن، ومسابقات تصميم الطوابع البريدية والرسم للأطفال، وبدأ نشاطه فى مسرح العرائس.
** شكوكو - هجرس - التونى
- كان الفنان صلاح جاهين قد ابتدع شخصية `صحصح`، فقام حلمى التونى بتصميم شخصيات مسرحية `صحصح لما ينجح` وقد نجحت هذه المسرحية ولاقت شخصية `صحصح` نجاحاً كبيراً بين الأطفال.. ولايزال مسرح العرائس فى القاهرة يقدمها فى روايات مختلفة حتى الآن.
- وعندما اتجه `محمود شكوكو` فنان الأغانى الفكاهية إلى عمل مسرح `الأراجوز` طلب من حلمى التونى التعاون معه لاقامة مسرح للأطفال، وكان حلمى التونى يضع التصميمات والنحات هجرس ينفذها منحوته على الخشب وكانا يجلسان فى بيته بحى `القبة` حتى الثالثة صباحاً فى انتظار عودته من جولته بين مسارح القاهرة وسهراتها ليناقشوا معاً موضوع مسرح العرائس والأراجوز الذى استأجر له مسرحاً خاصاً هو المعروف باسم `مسرح سينما متروبول`، ثم اتجه إلى خيال الظل.. وحقق حلمى التونى والنحات هجرس خيال الظل الملون، وقد استأجر شكوكو مركباً عائماً فى النيل ليقدم عليه للجمهور عروضه.. وقد انفق `شكوكو` على هذه الأحلام الفنية كل مدخراته.
- ومع هذا لم يهمل الفنان هوايته الأولى وهى الفن الصحفى والذى ارتبط به منذ عام 1956 قبل تخرجه، فقد كان هذا الميدان بالنسبة له هو المكان الأوسع لمخاطبة الجماهير والتأثير على ذوقها.. عمل فى مجلة الكواكب الفنية الاسبوعية، ثم تولى الاشراف الفنى على مجلة `المصور` السياسية، ثم أصبح مشرفاً فنياً على مطبوعات دار الهلال، ورسم فى مجلتى `سمير` و `ميكى` الموجهتين للأطفال والناشئة.. كما وضع تصميم مشروع المجلة الطبية `طبيبك الخاص`.
- وفى نفس الوقت ساهم حلمى التونى فى اخراج مجلة `المسرح والسينما` وبعض مجلات الأقاليم.. واستمر يمارس هذا الدور فى الصحافة المصرية حتى 1973.
- وفى مجال تصميم الملصقات الحائطية نفذ الفنان ملصقات الدعاية لمسرحتى: `حلاق بغداد`، و`على جناح التبريزى وتابعه قفه` تأليف ألفريد فرج وكذلك مسرحية `التفاحة والجمجمة` لمحمد عفيفى بالاضافة إلى الملصقات الحائطية لفيلم `الحرام` بطولة فاتن حمامة، ثم مسرحية `الينبوع` فى الأردن، بالاضافة إلى عدة ملصقات فى بيروت.
- وقد أقيم معرض لمجموعة من لوحات وملصقات فى قصور الثقافة التابعة للثقافة الجماهيرية فى صعيد مصر، حيث طاف بعواصم المحافظات، فشاهد أبناء الريف أعماله الفنية وتعرفوا على انتاجه، وكان منهم من لم يشاهد عملاً فنياً فى حياته.
** فن اخراج الصحيفة والمجلة والكتاب
- وينتقل نشاطه إلى عالم الكتاب: تصميم الأغلفة وتنسيق الصفحات، فساهم مساهمته الملحوظة للنهوض بهذا الفن. وتشاء الظروف أن ينتقل إلى بيروت عاصمة النشر يومئذ.. وتستمر الرحلة..
- استطاع الفنان أن يؤثر بشكل واضح على مستوى الاخراج الصحفى فى العالم العربى.. كان يرى أن معظم الذين سبقوه فى هذا الميدان ينظرون إلى الاخراج الصحفى باعتباره عملية تزويق وتزيين.. كان أشبه بتوزيع مجموعة من الزهور حول الصفحة فى الجريدة أو المجلة، وأحس أن مهمة الاخراج الصحفى تتجاوز هذه الحدود، إنها فى رأيه تشبه عملية تحويل النص الأدبى إلى عمل سينمائى على يد المخرج.. إنه التعبير بالشكل عن موضوع ومضمون المادة الصحفية.
- فالمخرج الصحفى يبدأ بتحديد المواد المختلفة ونوعيتها، ويحدد أهمية وحجم كل نوع من المادة ثم يضع خطته للتعبير عن كل جانب باسلوب خاص ومتميز يهتم بالدرجة الأولى بابراز الموضوع.. إن الإخراج الصحفى يتطلب نفس الإحساس الجمالى الذى يمارس به الفنان رسم لوحاته الزيتية.. فصفحة المجلة أو الصفحتين المتقابلتين يتحتم النظر إليهما كما ينظر الفنان إلى لوحته الفنية باخضاعهما لمقاييس العمل الفنى الكامل.. من حيث عناصر الحركة والمساحة والخط والدرجات اللونية.. ويراعى مع كل هذا سهولة قراءة الموضوع ووصول المعنى المراد إلى القارئ.. فالهدف من الاخراج الصحفى هو التعبير بالشكل عن مضمون المادة الصحفية. وليس مجرد تزيين الكلام.
- أما الغلاف فهو ليس ترجمة حرفية للنص أو الموقف، وإنما على الفنان أن يتخذ أحد طريقتين: الأولى هى أن يعبر عن الروح العامة للفكرة الأساسية فى الكتاب والثانية هى أن يقدم عملاً فنياً موازياً فى ثقله للعمل الأدبى أو فكرة الكتاب.. يأتى بعد ذلك موضوع المزاوجة بين الرسم والاخراج الصحفى بمعنى ادخال الرسم فى النص وادخال النص فى الرسم بحيث تتم المزاوجة بينهما.
والغلاف الناجح لابد أن تتوفر فيه عدة شروط.. بحيث ينجح فى لفت النظر واجتذاب عين عابر الطريق وسط منافسة بقية الكتب المعروضة.. ثم التعبير عن مضمون الكتاب إجمالاً، بحيث يكون الغلاف عملية خلق اضافية، وذلك بالبعد عن الترجمة الحرفية، وتأكيد شخصية التعبير التشكيلى فى حالة القصة أو الرواية مثلاً مع البعد عن إلتقاط مشهد من بين السطور وتسجيله بالرسم، ولكن محاولة تصوير مجمل الموقف الانسانى للعمل الأدبى، وهذا يتطلب إدراك حدود الامكانيات الطباعية ومراعاتها، حتى يمكن الخروج بأحسن نتيجة فى ظل الظروف المتاحة.
** البحث عن زقاق المدق
- ويفخر الفنان بأن أستاذه فى هذا الميدان هو الفنان الرائد عبد السلام الشريف.. ويحكى عن علاقته بأستاذه التى بدأت وهو طالب فى الفنون الجميلة.. طلب الأستاذ من تلاميذه وضع تصميم الغلاف ومجموعة من الرسوم لرواية زقاق المدق لنجيب محفوظ، وكان توجيهه أكاديمياً واعياً .. بدأ بالبحث عن زقاق المدق فى القاهرة القديمة لمشاهدة البيوت والسكان على الطبيعة وعمل الرسوم السريعة للموقع، هكذا بدأت أول خطوة فى طريق الرسم الصحفى بمعناه العلمى السليم، لقد أحب حلمى التونى الصحافة وشغف بها من ذلك الوقت.
- لقيت رسومه اقبالاً شديداً من الناشرين فى القاهرة وبيروت، كانوا يرون رسومه على أغلفة روايات وكتاب الهلال فيبحثون عنه ويطلبون منه وضع رسوم الأغلفة لكتبهم فكان يرسم للناشرين اللبنانيين وهو فى القاهرة، ويبلغ عدد الأغلفة التى وضع تصميماتها أكثر من ثلاثة آلاف كتاب، هذا بخلاف الكتب التى صممها للأصدقاء.. ولا شك أن دور هذا الفنان كان له تأثيره على حركة النشر فى بيروت التى خفضت من اندفاعها نحو الأغلفة التجارية، وظهر من يقلدون أسلوبه وطريقة كتابته للخطوط والعناوين.
- فعندما سافر إلى بيروت عام 1974 اكتشف أن اسمه معروف على مستوى واسع، وكأن الناس فى انتظاره، فعمل فى المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وكانت تملك من الامكانيات الطباعية ما أتاح للفنان فرصة تقديم أعماله فى الاطار المناسب.. وكانت بيروت خلال النصف الأول من السبعينات هى عاصمة النشاط الثقافى ومعارض الكتاب وقاعات عرض الأعمال الفنية التى بلغ عددها 60 قاعة (جالارى).
** سنوات التألق
- وأقام الفنان معرضاً للوحاته الزيتية عام 1975 فى بيروت قدم فيه 40 لوحة بيعت كلها فى يوم الافتتاح واليوم التالى.. ومع هذا لم يتفرغ لرسم اللوحات الزيتية وواصل مهمته فى فنون الكتاب والصحافة حتى أصبح علماً من أعلام هذا الميدان. فأرسلت إليه منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة عن طريق حفيدة `جورجى زيدان`.. فوضع كتاباً من تأليفه ورسمه واخراجه للأطفال يتضمن القيم التربوية والفنية بالاضافة إلى طابعه الترفيهى فصدر باسم `ماذا يريد سالم`.. وبينما كان اهتمام منظمة اليونيسيف ينصب على الإحتياجات المادية للطفل إلا أن الفنان يؤمن أن احتياجات الطفل ليست مادية فقط وإنما معنوية وفكرية أيضاً وقد عمل على إبراز ذلك فى كتابه.
- لقد طبع هذا الكتاب بلغات الأمم المتحدة الست الرسمية فى ذلك الوقت وبلغ عدد نسخها مئات الألوف، ووزع فى جميع أنحاء العالم حتى نهاية أمريكا اللاتينية وأواسط آسيا.
- وفى عام 1979، العام الدولى للطفل صمم الفنان ملصقاً فاز عنه بجائزة اليونيسيف .. لقد كتب عليه شعاراً بالعربية يقول: `الأطفال أحباب الله` وقد نجح نجاحاً هائلاً لشدة بساطته.
- وفى معرض بيروت الدولى للكتاب خاض مسابقة حول فن تصميم واخراج الكتاب ففاز بالجائزة الأولى ثلاث سنوات متتالية 1977، 1978، 1979، وفى العام الرابع طلب منه القائمون على المعرض أن يشارك فى التحكيم بدلاً من الاشتراك فى المسابقة.. وفى عام 1981 فاز بميدالية معرض `لا يبزج` للكتاب الذى يقام مرة كل 6 سنوات.
** حصار بيروت
- فى يونيه عام 1982 بدأت أول غارة على بيروت ثم توالت الغارات بعد 20 يوماً من الحصار الذى استمر ثلاثة أشهر.. وأصيب منزل الفنان الذى عاد إليه بعد نصف ساعة من الانفجار الذى أحدث ثقباً فى أحد جدران شقته.. لكن الفنان واصل حياته بعد أن أخفى الثقب باحدى لوحاته.. وقد أجبره حصار بيروت على ملازمة منزله حتى سمح له بالخروج عبر الحصار ليتوجه إلى دمشق ومنها إلى القاهرة فى نهاية أغسطس عام 1982 لكنه عاد إلى بيروت وأعاد بناء البيت وواصل العمل حتى عاد إلى مصر نهائياً عام 1985.
- كان العمل الفنى عند الفنان أثناء الحصار هو رد فعل لإحساسه أن ضرب بيروت هو محاولة لضرب الحضارة العربية، والفن هو جزء من الجسم الرئيسى للحضارة العربية.. لقد كانت بيروت بالنسبة للفنان هى العاصمة التى صمدت للحصار بعد حصار عكا.. ورغم الجوع والعطش إلا أنه أحس بنوع من التسامى والفدائية ممتلئاً بالشعور أنه أقوى من الحصار، متنبهاً إلى جذور حضارته الثابتة وإلى تماسك الهوية العربية، فأعاد فى تلك الفترة دراسة تاريخ الفن العربى والإسلامى ليكتشف أن معلوماته كانت سطحية ومحدودة، وقرأ أمهات الكتب عن الفنون والعمارة الاسلامية وفى نفس الوقت كان لديه مخطوط دفعته إليه إحدى دور النشر اسمه ألف حكاية وحكاية من الأدب العربى.. فرسم 100 صورة لمائة قصة من التراث العربى فجمع بين التحصيل والتطبيق.
- وأخيراً بعد أن عاش حياة ملتزمة بدأت بصوت أبيه الآمر، ومروراً بآلات الطباعة التى تفرض على الفنان احترام امكانياتها ومواعيدها.. بعد سنوات من الالتزام بالثقافة الوطنية والالتزام أمام المتلقى، وما يترتب على هذا من حدود يفرضها الفنان على نفسه، فجأة أحس أن وجدانه يحتاج إلى يقظة وأنه بحاجة إلى درجة من الارتخاء والتراخى، فعاد إلى رسم اللوحات الزيتية مقرراً ألا يلتزم بقرار، وترك لوجدانه العنان متخلصاً من كل القيود والحدود والضوابط المسبقة، حتى الخبرات التكنيتيه بمعناها الذهنى، وراح يرسم ما يعن له من أشكال بغير موضوع مسبق أو تصميم أو أسلوب، فرسم مجموعة من اللوحات عرضها فى نهاية عام 1985 بالقاهرة وأعلن أن سعادته ولذاته الحسية أثناء رسم هذه اللوحات هى كل ما كان يهدف إليه..
- ظهرت فى تلك اللوحات طيور ونوافذ، واستخدام الإضاءة من خلف الأشكال المرسومة فتعكس الضوء بعيداً عن عين المشاهد وأهتم بالملمس واعطاء الاحساس بالخشونة فى السطح.. وهذه الخشونة فى نظره هى أحدى خصائص البيئة العربية فى مقابل النعومة التى تسود حضارة الغرب، ويضرب مثلاً لذلك بخشونة الخشب فى مواجهة نعومة البلاستك، وقد أوحى بهذه الخشونة عن طريق الايهام بالألوان الزيتية ولم يلجأ لتحقيق ذلك إلى خامات خشنة مثل الرمل أو الحصى.
- لكن بيروت فيها نعومة فرنسية أوربية.. ولهذا لم يستخدم الفنان الأدوات والخامات الموجودة بوفرة فى هذه المدينة حتى يحافظ على التقشف العربى ويعبر عن روح هذا التقشف فى لوحاته، على سبيل المثال يستخدم فرشة واحدة لينجز بها لوحاته، كرد فعل للوفرة بمعنى تعدد الخامات.. إننا نحس هذا التقشف فى ألوانه عندما يرسم اللوحات الزيتية، لكن طبيعته الرومانسية تغلب عليه فى النهاية ويحرص على روح المغامرة والاكتشاف وخوض المجهول حتى لا يتجمد فنه ويكرر نفسه أو ينتج على وتيرة واحدة فيسمى آخر مراحله الفنية التى بدأ يخوضها باسم `مرحلة الأبواب شبه المغلقة`.
بقلم/ صبحى الشارونى
مجلة الدوحة يونية 1986
الفنون الشعبية لغة عالمية
- يرى علماء الاجتماع أن الإنسان ابن بيئته ويرى علماء الوراثة أنه حصيلة العوامل الوراثية إلا أن العلم الحديث، ينفى أن يكون الفرد حصادا ميكانيكيا للبعدين الإجتماعى والوراثى، ويضيف بعدا ثالثا هو: الذات الخلاقة. فإذا اجتمعت هذه الأبعاد الثلاثة فى درجات عالية من الأداء ظهر العلماء والفنانون والمفكرون الذين يشكلون الحضارة والتقدم، الذى نراه اليوم بالمقارنة مع الماضى القريب والبعيد ..
- على هذه الخلفية من المفاهيم نلتقى بالفنان الملهم: حلمى التونى كرسام إيضاحى وملون ومصمم أغلفة ومخرجا فنيا للكتب. ولد سنة 1934 فى أول مايو فى مدينة بنى سويف، حيث كان والده المهندس يشيد جسراً هناك. أما شقيقه فكان نصيبه أن يولد في إنجلترا بمدينة برمنجهام حيث كان الوالد فى بعثة دراسية. بيئة هندسية تنتظم الوالد والأعمام والأخوال، تركت طابعها الجمالى على شخصية حلمى التونى، وساندت ذاته الخلاقة ليصبح بلوحاته الزيتية الفريدة، معلما متميزا فى ساحة الحركة التشكيلية في مصر والعالم العربى. يرتكز بقوة إلى الموروث المحلى من التقاليد الفنية الكلاسيكية والشعبية. تتسم لوحاته ورسومه وتصميماته بالثراء والجاذبية، المستقاة من ثقافته الموسوعية . مما يضفى على إبداعه مضمونا إنسانياً رفيعا رهيفا، لا يرقى إليه ما تعودنا على مشاهدته فى معارض القاعات الرسمية .
- إذا عدنا إلى فكرة المؤثرات الاجتماعية على شخصية الفنان، فيجوز أن نرجح جنوحه للموضوعات الشعبية وموتيفاتها، إلى نشأته فى حى السيدة زينب بالقاهرة منذ نعومة أظفاره، وهو الحى الذى شبت فيه والدته، أما والده وأعمامه فكانوا يستوطنون شبرا البلد، حيث كان أحد الطرق يسمى بلقب الأسرة . لكنهم قديما نزحوا من الصعيد من بلدة ` تونة الجبل` - ومن هنا جاء لقب الأسرة، وعشق حلمى التونى للتراث الكلاسيكى ـ إذا صح مفهوم الوراثة الذى ألمحنا إليه فى مطلع الحديث . ولما كانت والدته تنحدر من أصل تركى، فقد جمع فى شخصيته انفتاحا ثقافيا بعيدا عن التزمت، ورفض أن يلتحق بكلية الهندسة كتقليد عائلى، وفضل التوجه إلى الفنون الجميلة سنة 1953 . فقد شغف بالرسم والتلوين من انتظامه فى التعليم العام. ورأس جماعة الرسم فى مدرسة الترعة البولاقية الإبتدائية، وكم اعتمد عليه المدرسون فى تجميل المدرسة وتلبية رغباتهم فيما يطلبون من لوحات . ولم يكن التشجيع فى بيت العائلة بأقل منه فى المدرسة .
كان يرسم ويلون بالطباشير حيوانات الحقول المجاورة، من بقر وجاموس وحمير وخراف وهو بعد فى الثالثة الإبتدائى. الأمر الذى كان يثير حماس ذويه، خاصة عند المهندس الزراعى، ولا تكاد الأجازة الصيفية أن تبدأ . حتى ينهمك فى الرسم والتلوين يوميا إلى الساعات الأخيرة من الإجازة . لم يكد يشب عن الطوق ويلتحق بالمدرسة الثانوية، حتى اتسعت آفاق الفن من حوله. كان شقيقه متزوجا من يونانية، يهوى أخوها الرسم والتلوين الزيتى ويعد ألوانه بنفسه، وينقل المناظر الطبيعية من الكارت بوستال مكبرة على القماش. بينما يتردد خالها على مبنى دار الأوبرا القديمة، حيث يصعد إلى الطابق العلوى ليصور المناظر والديكورات، المستخدمة كخلفيات في العروض المسرحية والباليهات . كان حلمى التونى اليافع الذى لم يتجاوز الخمسة عشر ربيعا، يراقب مبهور الأنفاس تلك الممارسات الفنية والإبداعية، وينسج على منوال شقيق زوجة أخيه في تكبير المناظر الطبيعية وتلوينها.
- يقول المتصوفون: ` علامة الأذن التيسير`. أى أن الأقدار إذا أرادت لإنسان أن يمضى فى طريق ما، مهدت له الظروف والملابسات التي تمكنه من أداء الرسالة التى رسمتها . هكذا تضافرت الظروف الأسرية والبيئية والاجتماعية، لتجعل من حلمى التونى هذا الرسام الملون الكبير، الذى يطلع علينا بين عام وآخر بلوحات زيتية، تصور الحياة المصرية الشرقية بأساليب فريدة غير مسبوقة، تجمع بين الواقع والأسطورة والخيال وتوجه خطابها ورسالتها إلى المتلقى المحلى والعالمى على حد سواء . يجمع فيها بين حكمة الفيلسوف وحرفية الأستاذ المتمكن، وثقافة العصر على مشارف القرن الحادى والعشرين. وبالرغم من تغاير المداخل الإبداعية لموضوعاته فى كل عرض، بعد عودته من لبنان سنة 1984 ومتابعتنا لمسيرته المتميزة في حركتنا التشكيلية، نلاحظ الوشائج الخفية المثيرة الجذابة، التى تصل بين عروضه المتتابعة، التى تشير إلى شخصيته الإبتكارية التى تتفوق على نفسها، ولامجال لمقارنتها بأعمال فنية أخرى محلية كانت أو عالمية . فهى نسيج فريد فى بابه، تمد جذورها عميقا فى التراث الإنسانى .
- بعد غيبة امتدت إلى عشر سنوات فى بيروت فى أتون الحرب الأهلية اللبنانية، وتيارات خاطفة لمصر بين حين وآخر، استقر بالقاهرة وبدأ عروضه بعد عامين بأربعين لوحة، انتظمت حوائط قاعة اخناتون بالزمالك ( مجمع الفنون) سنة 1986. رسم ولون تنويعات على شكل الحمامة تحت عنوان :` العودة ` عبر فيها عن فرحته بالرجوع إلى الوطن، والشعور الدافئ بالسلام والحرية فى أرض الكنانة. تكوينات رمزية لعبت فيها الحمامة دورا رئيسيا، بأسلوب يميل إلى الواقعية مع كثير من الشاعرية والحيوية، إلى درجة أن المتلقى لم يكن ليدهش، لو أن طيور حلمى التونى تركت إطاراتها، ومضت تحوم فى قاعات المبنى . إلا أن فناننا لم يستقر على هذا الأسلوب فى عروضه التالية . سرعان ما شرع فى التغيير فى كل من الموضوعات والمعالجات الإبداعية، بدأ يتصدر ركب الحركة التشكيلية، طارحا أشكالا استطيقية جديدة، تناسب التعبير المعاصر عن قضايا الإنسان، مستلهما وحدات ورموز الفنون الشعبية المحلية، المتمثلة فى نقوش الوشم ، التى مازالت تنتشر فى موالد الأولياء فى القرى والدساكر . نجد صداها بين الطبقات الشعبية فى أنحاء العالم . لو قابلنا بين معرض ` العودة` سنة 1984، ومعرض :` البيت والحصان والنفير والسمكة ` الذى أقامه في أبهاء قاعة أخناتون في فبراير / مارس 1996، مرورا بثلاثة معارض بينهما، لاكتشفنا كيف استوعب الفنان أريج الفن الشعبى، وقدرته الخارقة على تجسيد الحلم والخيال، والتعبير عن المشاعر الإنسانية. الأمر الذى جعله يضيف إلى الرموز الشعبية رموزا جديدة كالحصان والنفير والهدهد . بل ويبتعد عن الرموز التقليدية ـ كالسمكة مثلا ـ بأن يطوعها تشكيليا، حتى تصبح أصدق تعبيرا. فهو أستاذ متمكن من أدواته، يستند بقوة إلى الموروث التاريخي. فالذين يدعون أنهم جيل بلا أساتذة وبلا آباء أو تراث، وأنهم أبناء الستينيات أو السبعينيات أو الثمانينيات .. وهكذا، إنما هم ليسوا مبدعين .. وليسوا آلهة يبدأون بلا بداية ! هكذا قال: أندريه برتيليمى في مرجعه العمدة ` بحث فى علم الجمال ` المترجم إلى العربية .
- حين اعتمد حلمى التونى الرموز الشعبية لغة تشكيلية والحلم البسيط البرىء الذى تنضح به الرموز لم يعتمد معها ملاحم أبى زيد الهلالى والزناتى خليفة وغيرها من الحكايات، بل أبدع أساطير. جديدة وأحلاما تتفق مع مفاهيم العصر وإيحاءاته. لذلك أضاف إلى التراث تراثا وأدخل عليه تعديلات جمالية، ينسجها على منوال هو صاحبه، فأصبحت لوحاته صورا وأحلاما وخيالات تهفو إليها نفوسنا ونشعر نحوها بالألفة . تعيدنا إلى مشاعرنا الفطرية، وإلى تذوق نوع من الجمال البكر، البعيد عن المعايير التقليدية، المتراكمة عبر العصور التاريخية، حتى أصبحت قيودا تخفى عنا هذا الجمال الخام ـ كما يقول المفكر والفنان الفرنسى : جان دو بوفيه ( 1901 - 1985 ) تغلغل حلمى التونى فى عالم الفنان الشعبى وشاركه تهاويمه وأساطيره التى تختلط بحقائق حياته، واستلهم لغة تشكيلية جميلة مقروءة، تغمرنا بالبهجة العاطفية والمتعة العقلية المستمدة من قيمة رياضية تشف عنها التكوينات والنظم اللونية والملامس. إضافة إلى الجو الميتافيزيقى ( السريالى)غير المنطقى الذى يجذبنا ويثير فينا رغبة خفية فى تصديق مانراه حتى نبتعد فى لحظات التأمل عن الظروف المقلقة التى تشمل الجنس البشرى على مشارف القرن الحادى والعشرين، وقضاياه الساخنة، من حروب أهلية وتلوث وتصحر وتهديد بالمجاعة !يخرجنا حلمى التونى من هذه الهموم بلوحات مثل : حلم ` السمكة` حيث تمتطى فتاة ظهر سمكة، تحلق بها فوق منظر طبيعى ممتد، الأفق تنبثق فيه ثلاث نخلات صغيرات. أما النفير فى يد الفتاة والهدهد فى اليد الأخرى، فإيحاء بالدعوة إلى حياة خالية من المتاعب .
- انتقل الفنان بهذا المعرض إلى موضوعات جديدة أكثر تعقيداً. كان فى معارضه الثلاثة التى أعقبت ` العودة` يلج دنيا الفن الشعبى بعناصر محدودة، تسودها الفتاة ` نرجس ` بعيونها الكحيلة وملابسها الريفية بتكوينات لا تبتعد كثيرا عن الواقع الملموس. يعبر عن الحياة الإنسانية المعاصرة، بنفس الطريقة التى عبر بها الفنان الشعبى، بالمواويل الفولكلورية المجهولة المؤلف. فلوحات حلمى التونى تتسم بالجدية والنظرة الفلسفية بالرغم من مظهرها البسيط الذى قد يذكرنا برسوم الأطفال. ولما كان على درجة عالية من الثقافة والمعرفة وإلمامه بآداب الشعوب وأشعارها من خلال إتقانه للغة الانجليزية وشغفه بالقراءة المتنوعة، جاء إبداعه المرتجل في معظم الموتيفات، محملا بتلك الأبعاد والعوامل، حين يتولى اللاوعى صياغة الموضوعات المثيرة الجذابة التى انتظمت معارضه المتواترة، منذ عودته من لبنان بعد غيبة طالت إلى عشر سنوات. والفنان الحق لا يكون واعيا طوال انخراطه فى العملية الإبداعية لا يكاد يبدأ بفكرة ما، حتى يغوص فى لجتها بعد قليل، ويتولى عقله الباطن القيادة فيما يسمى ` الغيبوبة الإبداعية ` ونعود مرة أخرى إلى الأمثلة التى ضربها الباحث : جان برتيليمى، وذكر فيها أن الرسام الملون : هنري روسو ( 1844 - 1910 ) كان يقول:` لا أكاد أجلس إلى لوحتى وألوانى حتى يقبل شخص عظيم ليمسك بيدي ويجرى بفرشاتى على قماش اللوحة . وهو لا يقصد بالطبع ما يقوله حرفيا . إنما يشير إلى الحالة، التى يغيب فيها عن الوعى، فلا يدرى كيف أنجز لوحته، وكأن شخصا آخر هو الذى صورها .
- لم يخرج على هذه الظاهرة الفنانون الذين تمتلئ بأسمائهم صفحات القواميس ودوائر المعارف . فالجميع تنتابهم الغيبوبة الإبداعية بشكل ما. وهذا ما يجرى بالنسبة لفناننا . يبدأ بفكرة مسبقة، ثم لا يكاد يمضى فى العمل، حتى يتشكل التكوين من خلال ديناميكية الذاتية . وتبدأ عناصر جديدة وموتيفات في الظهور على صفحة القماش لم تكن فى الحسبان . وارتباطه بقضايا الحياة، وروح الفن الشعبى أنما ينبعان من ثقافته وخبرته الواسعة، وإلمامه بالتراث الإنسانى .
- كأى فنان حر متمكن من أدواته، يوجه خطابه للمتلقين من خلال لغة جمالية، كلماتها وحدات مرئية تشكيلية، لا يتقيد بمذهب معين، أو بأسلوب كان ينسج على منواله فى لوحات سابقة، بل يبدأ من جديد برغبة ملحة فى التعبير، وعاطفة قوية وقدرة على التنفيذ . لذلك نراه متغيرا بين معرض وآخر. فالتجسيم الذى لمسناه فى معرض` العودة` سنة 1986`، تحول إلى تسطيح فى العروض الثلاثة التالية، بتنويعات تشكيلية تحت مسمى` نرجس` ـ وهى الفتاة الريفية الشعبية التى أشرنا إليها آنفا . ثم عاد إلى البعد الثالث فى معرضه الخامس عن طريق المنظور، ورسم بعض التكوينات كأنها أحداث تجرى عليها خشبة المسرح . ففى لوحة ` مادونا السمكة ` التى صورها بلون واحد يميل إلى الاحمرار. يتوسطها حصان على صهوته فتاة أمامها طفل يضع طربوشا . خلفهما ما يشبه المرآة أو النافذة . أما تحت الساقين الأماميتين للحصان، فصور سمكة عظيمة تخرج من فمها زهرة ومن خلفها بيضة. كل تلك العناصر تحدها جدران ثلاثة ،على أرضية خشبية أتقن الفنان رسمها بمنظور سليم. وإذا كان قد وضع عنوانا لا يشفى غليلنا، فقد نسج من عناصر الصورة ما يشبه الأسطورة، وترك لخيالنا حرية ترتيب أحداثها كما نشتهى، فهو حين يستلهم الفنون الشعبية، لا ينقل أحداثها أو عناصرها، وإنما ينسج على منوالها ويضيف إليها، الأمر الذى يستهوينا ونشعر نحوه بالألفة، ويثير هواجس وخواطر المتلقين فى شعوب العالم التى لا تختلف فى جوهرها الإنسانى. لو أننا أنعمنا النظر فى نقوش الوشم على صدور البحارة وأذرعهم فى أركان الأرض الأربعة والرسوم الغريبة التى تفترش محتويات التعاويذ والأحجبة، والطقوس السخرية الميتافيزيقية، والمعتقدات الدفينة فى نفوس الجماهير الشعبية فى كل مكان لعرفنا لماذا تلقى لوحات حلمى التونى قبولا وجاذبية عند الذواقة والمتلقين محليا وعالميا .
- بدأ التونى فى لوحة ` مادونا السمكة ` التى أشرنا إليها، برسم الفتاة والطفل على صهوة الحصان. أما السمكة والبيضة والزهرية والهدهد وباقى العناصر، فظهرت عن طريق التداعى الحر بإملاء العقل الباطن، بينما يتم إحكام التكوين بالخبرة الطويلة، والتمكن التكنيكى، والثقافة العريضة والمبادرة الذاتية .
- لا يقدر على هذا ` الارتجال الإبداعي` سوى كبار الفنانين من موسيقيين وشعراء وأدباء وتشكيليين . فللموسيقار `برامز ` مثلا مجموعة من الارتجالات ( أمبرتو) على آلة البيانو، تتمتع بشهرة واسعة فى عالم الموسيقى الكلاسيكية . ولو أن فنانا مبتدئا محدود الثقافة قليل الخبرة يفتقر للموهبة حاول الارتحال، لأسفرت ممارساته عن أعمال تافهة، كمعظم اللوحات والمجسمات التى تملأ قاعات العرض عندنا .. وفى العالم الثالث بصفة عامة على مدار السنة .
- بالرغم من المسحة الطفولية التي تصبغ أعمال حلمى التونى، وبساطة الخطوط والألوان والتكوينات، فهى تضفى علينا ضربا من البهجة والمتعة الاستطيقية، وتشملنا بأجواء حالمة خيالية تجدد من نشاطنا، وتمدنا بمزيد من الطاقة الروحية، تساعدنا على المضى قدما فى مسيرة الحياة الصعبة. فهي تجمع بين الموقف الجمالي المتأمل والفرجة المسرحية والأنصات إلى الملاحم الشعبية على أنغام الربابة فى المقاهى القديمة.
- نزح حلمى التونى إلى مدينة بيروت عاصمة لبنان فى عام 1974، حيث عمل رساما ومصمم أغلفة طوال 11عاما، قاسى خلالها أهوال الحرب الأهلية والحصار الذى حرم ساكنى العاصمة من الماء والطعام شهورا طويلة، لكن روحه القوية لم تنل منها شراسة القتال الهمجى، ولم تترك أثرا فى لوحاته، غير ذلك الطابع الحزين الذى يكسو وجوه شخصياته المرسومة أحيانا . أقام هناك معرضا واحدا بعد عام من وصوله، ثم اكتفى بالمشاركة فى المحافل الجماعية إلى أن عاد إلينا، ليبدأ عروضه الفردية منذ عام 1986 .
- إذا كانت أعمال ذات أعماق أبعد غورا من مظهرها السطحى، من حيث المضامين الإنسانية والمعانى، والقيمة الفنية العالية للخطوط والألوان والملامس والتكوينات المبتكرة غير المسبوقة، فمرجع ذلك إلى قدراته غير العادية التى اكتسبها خلال مراحل النمو الأولى. كان فى صباه ويفاعته وشبابه، يهوى الموسيقا ويعزفها على آلتى الفلوت والجيتار، ونستطيع بعين الخبير أن نكشف الصلات الحميمة بين تشكيلاته وبين الروح الموسيقية وإيقاعاتها المتنوعة . كما أنه في تلك السنوات الباكرة، التي ترعرع فيها فى أحياء القاهرة : السيدة زينب وشبرا ومصر الجديدة، كان شغوفا بالقراءة باللغتين .. العربية والإنجليزية . الأمر الذى زوده بحصيلة معرفية واسعة منوعة، أكسبته عادة القراءة اليومية والتثقيف الذاتى المتشعب ـ شأن كبار الفنانين والمفكرين.
- عاش حلمى عبد الحميد أحمد التونى ـ وهذا هو اسمه كاملا ـ حياة الفنانين الواعدين منذ نعومة أظفاره . شأن كل اللذين أصبحوا كبارا، وقرأنا سيرهم فى القواميس ودوائر المعارف . كان الرسم والتلوين هو شغله الشاغل طوال سنوات التعليم العام في الإبتدائى والإعدادى والثانوى وكان الوضع الاقتصادي لوالده الموظف الكبير، يتيح له شراء الأوراق والأقلام والألوان والفراجين، وحرية الاختيار وإبداء الرأى. وهى خصال لازمته طوال حياته، وكانت السبب فى تفضيله الالتحاق بكلية الفنون الجميلة، وليس الهندسة أو الحربية تلبية لرغبة أسرته . كما جعلته أكثر صدقا في إبداعه، غير شغوف بتسويقه لا يتنازل عن ممارسته الفنية . المتوافقة مع فلسفته وآرائه المتغيرة عاما بعد عام كما هو الحال مع الموهوبين ذوى العقول الخصبة والأحاسيس المرهفة .
بقلم : د./مختار العطار
من كتاب ( رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر- الجزء الثانى )
حلمى التونى يعيد إحياء جماليات الموروث الشعبى فى ` الشمعة والسمكة `
- معرض يدور حول الحضور الأنثوى فى تجلياته الفنية
- يستضيف `غاليري بيكاسو` في القاهرة معرضاً لأعمال الفنان المصري حلمي التوني تحت عنوان `الشمعة والسمكة`. في هذا المعرض يستمر الفنان في استكشافه الموروث والعناصر الشعبية المستلهمة من البيئة والتاريخ المصري، ويسلط الضوء على عنصرين اثنين يتكرران كعامل مشترك بين جميع الأعمال وهما السمكة والشمعة. وهذان رمزان أنثويان كما يقول الفنان ولهما أبعاد ومعان تتجاوز طبيعتهما المادية. تشير السمكة إلى المرأة والخير والخصوبة، وتذكرنا الشمعة بالحب والرومانسية، وأيضاً بالنور والاستنارة، وربما البحث عن الحقيقة.
- تمتد اهتمامات الفنان حلمي التوني من الرسم والتصوير إلى الكاريكاتير والرسوم الصحافية وتصاميم الجرافيك، وهو يتعامل مع كل وسيط من هذه الوسائط بالقدر نفسه من الاهتمام، كما يربط بينها بمجموعة من المفردات والعناصر المشتركة. في هذه العناصر والمفردات التي يوظفها حلمي التوني في أعماله تتخذ المرأة مكانة خاصة وبارزة، فهو يحتفي بها كرمز ومنطلق للبناء البصري داخل اللوحة، وهي دائماً ما تمثل الإطار والمركز الذي تتحلق حوله مكونات أعماله من رموز وعناصر أخرى.
- المرأة في أعمال حلمي التوني تتمتع بخصوصية تميزه، فهي تنتمي إليه وحده من دون غيره، وهي خصوصية تسم معالجاته الفنية لبقية العناصر الأخرى، وهو فنان يمتلك بصمته اللونية المميزة والمبهجة، كما يوازن في أعماله دائماً بين عمق الفكرة وسلاسة الرؤية وبساطتها من دون تعقيد يربك المتلقي أياً كانت ثقافته، وربما لهذا السبب تحظى أعماله بشعبية واهتمام لافت.
- الفن الفرعونى
- قبل سنوات أفرد الفنان معرضاً كاملاً عن الملكة الفرعونية `نفرتاري` وهى إحدى زوجات الفرعون رمسيس الثاني، أحد أشهر ملوك الأسرة الـ 19، لم يكن هذا المعرض مجرد احتفاء بهذه الملكة التي تعد أحد أشهر الشخصيات في التاريخ الفرعوني، بل كان احتفاء بالتاريخ المصري القديم ورموزه وبالمرأة على الخصوص. والمتتبع لأعمال حلمي التوني يدرك جيداً مدى اهتمامه بالتاريخ المصري القديم، فهو دائم التنقيب عن العناصر الدالة، ويولي اهتماماً خاصاً في أعماله بالمرأة ومكانتها المرموقة في المرويات والأساطير المصرية القديمة.
- هكذا يفعل حلمي التوني، يبحث وينقب عما توارى من جمال، ويقدمه لنا شفافاً ومبهجاً وساحراً. وهي غواية تملكته منذ منتصف الثمانينيات تقريباً، إنها غواية البحث والتنقيب عن هذه الأشياء المستقرة في دهاليز الذاكرة وبين ثنايا التاريخ. وعلى هذا المنوال يجمع التونى مفرداته وعناصره من سجلات التاريخ ومن بين ركام الذاكرة المسجلة على قلائد وأقراط الجدات ومن رسوم الوشم والنقوش المنحوتة على أبواب البيوت الخشبية القديمة. هو يأتى بتلك العناصر وغيرها ويمزجها بخياله لينتج لنا هذا المزيج المبهج.
- وفى سبيل بحثه عن الموروث الشعبي ظل حلمي التوني يفتش ويجمع ويدقق لسنوات في مفردات وتجليات الفن الشعبي الذى يمثل من وجهة نظره بوتقة كبيرة انصهرت فيها وتفاعلت كل العصور والحقب التي مرت بمصر، بدءاً من الفرعونية إلى الإسلامية مروراً بالقبطية واليونانية. وقد بدأ الفنان في رحلة استلهامه للفن الشعبي مقلداً وناسخاً مفردات هذا الفن وعناصره، كما يقول، لكنه سرعان ما تحول إلى مرحلة أخرى بعد أن تشبعت روحه وذاكرته البصرية بمئات الأشكال والرموز والدلالات الخاصة، فاستطاع أن يخلق لنفسه رموزه وعناصره التي تنتمي إليه من دون أن يقطع حبال التواصل مع ذلك الفن الذي أبحر فيه لسنوات وذابت روحه في تجلياته ودلالاته المختلفة.
- وهو حين قرر الالتجاء إلى الفن الشعبي إنما فعل ذلك لهوى شخصي كما يقول، ثم لرغبته في العودة إلى الأصول والبدء منها كما فعل فنانو عصر النهضة الأوروبي حين استلهموا فنون الحضارة الرومانية وأعادوا بناء صروحها التي تهدمت، ثم انطلقوا من خلالها إلى رحاب أخرى أوسع وأكثر ثراء، وهو على الرغم من استقراره الفني وتميز مفرداته وأشكاله وعناصره بطريقة لا تخطئها العين، إلا أنك لا تشعر فى أعماله أبداً بالرتابة أو التكرار، وهو يدهشك بالجديد في كل مرة، ويفعل ذلك عن قناعة خاصة بأن الفنان الصادق لابد له أن يتغير ويطور نفسه باستمرار ولا يستكين أبداً أو يستسلم للأسر في إطار واحد، مهما كانت روعة ذلك الإطار، ومهما سمع من كلمات الإطراء والإعجاب، فلابد له من أن يغير نفسه لأن التغيير هو سنة الفن كما هو سنة الحياة.
- تخرج الفنان حلمى التونى فى كلية الفنون الجميلة عام 1958 وعمل في دار الهلال المصرية لسنوات فور تخرجه إلى أن تركها مرغماً مع عدد من كتابها عام 1973، ثم سافر إلى لبنان وأقام هناك 12 عاماً متواصلة. أقام لأعماله العديد من المعارض الفردية فى معظم الدول العربية، وشارك أيضاً فى كثير من المعارض الجماعية المصرية والدولية.
بقلم : ياسر سلطان
مجلة : إلإندبندنت العربية ( الاثنين 4 أبريل 2022 )
حلمى التونى.. وأسرار `الشمعة والسمكة`
- لطالما كانت السمكة رمزا للتكاثر والخير وسعة الرزق والحظ والخصوبة.. أما الشمعة فهى من أنواع النذور التى يهتم بها الناس كثيراً، ولها حضور فعال فى روحانية الحضارات منذ نشأتها، إذ لا تكاد أضواء الشموع تنقطع من المعابد والمقامات والجوامع والمساجد، ومعها الدعاء والصلوات المستمرة والاستغفار وطلب الرضا.
- `الشمعة والسمكة` عنوان أحدث معرض للفنان حلمى التونى وهما تيمتان أنثويتان قدمهما الفنان فى تجربة بصرية مهمة تستمد رموزها وعناصر تكوينها التشكيلى من الموروث الشعبى الذى تتجلى فى كل رمز منه قصة وحكاية، مع تجسيد المرأة التى تظهر فى تكوينات مختلفة ومتنوعة، لكنها فى كل حال تمثل حوارا تشكيليا جماليا، وتمثل أيضا سرا تتشارك فيه مع كل من الشمعة والسمكة والمشاهد واللوحة.
- كتب التونى فى افتتاحية معرضه: `لغة الفنون هى لغة الرموز.. فعندما يرسم الفنان زهرة ، فهو لا يتعامل مع علوم النبات ،إنما يقصد شيئا آخر! وعندما يرسم القمر فهو لا يتحدث عن علم الفَلَك .. بل يعبر عن شىء آخر، وهكذا.. وفى هذا المعرض تدور لوحاتى حول `السمكة والشمعة` بما لهما من أبعاد و معان تتجاوز طبيعتهما المادية، فتشير السمكة إلى المرأة و الخير والخصوبة و تذكّرنا الشمعة بالحب و الرومانسيّة ، وبالنور والاستنارة .. و ربما البحث عن الحقيقة .. !!
- تميل أعمال التونى إلى الاتجاه الرمزى والسيريالى مع استلهام من الفن الشعبى برؤية عصرية حينا، وقديمة حينا آخر، وبألوان دافئة مبهجة، مثل لوحة الفتاة التى ترتدى السمكة قلادة فى رقبتها.
- وفى لوحة أخرى فتاتان بالملاية اللف تحملان الشموع لتنيرا الطريق مع الحفاظ على التقاليد فى تمسكهما بطرف الملاية اللف التى تقبضان على أطرافها بالفم. ولوحة لأنثى جميلة تقف فى شرفة بيتها المحاطة بالزرع مع نظرة حانية خجولة منها وهى ترتدى أيضا قلادة السمكة .
- وهكذا يختلط الواقع بأحلام اليقظة بالأمل، و يعزف التونى على سطح اللوحة `أنشودته` الخاصة التى تمس مشاعرنا وحواسنا فيجعلنا شركاء فى إبداعه .
- التونى رسام ومصمم وحاصل على بكالوريوس الفنون الجميلة قسم ديكور تصميم ورسم مسرحى. وشارك فى العديد من الأنشطة المرئية والفنية الجميلة مثل النشر وتصميم الدمى لمسرح الدمى وتطوير أنماط الأثاث الوطنية.
- قام بتأليف ورسم العديد من كتب الأطفال التى نشرتها منظمات الأمم المتحدة بلغات عديدة، و حصل على العديد من الجوائز العربية والدولية مثل ميدالية معرض `لايبزيج` الدولى. وأقام العديد من المعارض الفردية فى معظم الدول العربية ، كما شارك فى العديد من المعارض الجماعية الدولية.
بقلم : أمانى زهران
جريدة : الأهرام ( 26-3-2022)
عالم الصغار.. بريشة التونى
- حددت منظمة رعاية الأمومة والطفولة `اليونيسيف` حقوق الطفل، وفي مقدمتها الحق في الغذاء والدواء.. والتعليم.. وأيضا الحق فى اللعب.
- فى معرضه الجديد يقدم الفنان حلمي التوني حقا آخر وجديد وهو حق الطفل في الاستمتاع بالفن.
- وإذا كان `التعليم في الصغر كالنقش على الحجر` فإن تعود الطفل على مشاهدة اللوحة في قاعة العرض، ثم غرفته، يجعله إنسانا أفضل عندما يكبر وتكبر معه عادة زيارة قاعات عرض الفن التشكيلي والمتاحف، والتي لا يرتادها سوى طبقة معينة من المجتمع المصري.
- فلأول مرة يتم إنجاز لوحات فنية زيتية تتناول مفردات عالم الصغار، يدعو من خلالها الأولاد والبنات لزيارة عالم اللوحات والمعارض الفنية والتعرف عليه.
- فى معرض `عالم الصغار` لوحات تسجل اهتمامات عالم الصغار من اللعب وغيره من خلال 30 لوحة صغيرة الحجم بألوان زيت على توال في محاولة منه للقيام بدور فعال تجاه المجتمع وتربية النشئ، ويتذكر التوني فترة الستينات بقوله: `كان الهدف من عملنا بالصحافة تعريف الأطفال بالفن من خلال كتب الأطفال والمجلات الموجهة لهم بهدف إعداد أجيال متذوقة، مثقفة فنيا`.
- فالطفل المستنير الذي يتذوق الفن والجمال والموسيقى لن يكون عرضه فيما بعد للاستقطاب في عالم الجريمة أو الإرهاب، كما يهدف التثقيف بالفن إلى تربية الطفل على الديمقراطية الحقيقة القائمة على اختلاف الروئ واحترامها، من خلال رؤيته لوجهات نظر مختلفة فنيا في تناول موضوع واحد، فيقول في هذا الشأن `ليس هدفي أن يصبح الطفل فنانا تشكيليا، ولكن لو اشتغل بالهندسة لصار مبتكرا، ولو اشتغل بالطب لامتلك حساسية ورهافة تساعده في عمله، ولو حتى عمل في مجال الاقتصاد، فالفن هو درس في الابتكار`.
- وهذا المعرض يقدم لأول مرة على المستوى المحلي أو العالمي معرضا للأطفال، وقام التوني بتوجيه الدعوة للأطفال بشكل لا يخلو من الطرافة، ومن خلال نداء إلى البنات والصبيان بحضور المعرض مع السماح لهم باصطحاب أمهاتهم وأبائهم، على أن تكون أعمارهم فوق الثلاثين، ولا مانع من اصطحاب الأجداد.
- والفنان حلمي التوني من مواليد محافظة بني سويف، وحصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة تخصص ديكور مسرحي عام 1958 كما درس فنون الزخرفة والديكور، بالإضافة لتوليه العديد من المناصب، وعمل في تصميم أغلفة الكتب، والإخراج الصحفي لعدد من دور النشر حتى بلغ عدد أغلفة الكتب التي رسمها أكثر من ثلاثة آلاف كتاب.
- وحصل التوني على عدة جوائز منها، جائزة اليونيسيف عن ملصقه للعام الدولي للطفل عام 1979، وجائزة معرض بيروت الدولي للكتاب لمدة ثلاث سنوات متتالية منذ عام 1977، وجائزة معرض `بولونيا لكتاب الطفل` عام 2002.
بقلم : أمانى زهران
جريدة الأهرام : 25-11-2022
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث