`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
مرام إبراهيم عبد المغنى إبراهيم
فى تصاوير الفنانة مرام عبد المغنى بكلية التربية الفنية
- دراما الحياه على رقعة الشطرنج
- يبقى الإبداع هو الحديقة الغنية بالورود فى عالم الحياة الدنيوية، وربما يعتمد على متعة اللعب قبل دخوله الحيز التقنى الذى يضمن له الخلود، وقد تكون لذة اللهو هى الباعث الحقيقى للمتعة الإبداعية، سيما مع الإحتياج أحياناً إلى حالة إشارية عبر رسالة تعبيرية تلح على عقل ووجدان المبدع.. وأعتقد أن هذا يتجلى فى التجربة التصويرية للفنانة الشابة د. مرام عبد المغنى التى قدمتها مؤخراً تحت عنوان `الحياه لعبة` فى قاعة العروض بكلية التربية الفنية التى تعمل بها كأستاذ مساعد فى قسم الرسم والتصوير بعد تخرجها منه عام 2005م، قبل حصولها على الماجستير عام 2011م ثم الدكتوراه عام 2015م.. وطوال هذه الفترة ظلت وفية لمرئياتها الحسية التى تستقى منها تصاويرها، وهو ما تتبعه كاتب هذه السطور منذ معرضها الذى أقامته بمركز الجزيرة للفنون بالزمالك عام 2008م، حيث تجلت فيه قدرتها على إعادة صياغة البيوت بدفئها المشع على ساكنيها، لذا فقد كتبت دراستى النقدية آنذاك عن تلك التجربة تحت عنوان `زلزلة المشهد بأنفاس البشر` ونشرت فى صفحة `ألوان وظلال` بجريدة القاهرة بعددها رقم 462 الصادر فى 3 مارس عام 2009م، إذ أشرت حينذاك فى نصى إلى قدرات مرام على إعادة تشييد تراكيب البيوت المرئية عبر لمسات سريعة خاطفة من خلال مسحات الفرشاه وكشطات السكين لخلق مساحات متنوعة الأبعاد ولّدت بدورها حيوية بصرية دوّارة تحفها لغة الخط الرشيق الأصيل فى نسيج التكوينات، علاوة على ميلها وقتذاك إلى الألوان الأحادية الصريحة الصدّاحة، قبل أن توظف اللون الأبيض لربط كل أركان البناء التصويرى وتغذيته بانسكابات بهية تغلف نسيجه بتدفق نورانى لافت إمتزج بأنفاس البشر التى حولت المشهد التصويرى إلى سحجات تجريدية بدت وكأن البيوت قد فقدت قوة الجاذبية الأرضية وأضحت على مشارف الطيران عند النقطة الحدية للطاقة البصرية.. أما فى تجربتها الأخيرة `الحياه لعبة` التى أنجزتها بألوان الأكريلك على القماش خلال عام 2022م فقد جنحت من خلالها إلى استخدام لعبة الشطرنج لصالح حالة تعبيرية محتشدة بإيحاءاتها الرمزية عبر مسطحاتها التصويرية النسجية، حيث طوّعت قطع اللعبة على رقعة الشطرنج لخلق تراكيب وتوافيق متنوعة الحركة بين وقوف ورقود مع تحريك الرقعة داخل أركان التكوين بشكل حر خارج الضابط الفيزيقى، على التوازى مع تلك التبدلات البيولوجية لقطع الشطرنج، إذ حولت الفنانة بعض العساكر إلى طيور طويلة الأقدام إقتربت بها من سمت البجع، علاوة على بث الروح فى الأحصنة التى بدت وكأنها تصهل وتكاد تخرج من المشهد، وكذلك الطوابى التى أمست كخنادق للمقاومة فى مواجهة الإستبداد والتجبر.. وعلى جانب آخر ظهرت المفردات الجامدة والحية فى حالة تحاور مع مربعات الرقعة التى ظهرت مثل كهوف تلوذ بها الكائنات هرباً من سلطة وحشية تلوح فى الأفق.. وفى جُل المواضع التصويرية نجد مرام عبد المغنى تجنح إلى استحضار ثلة من الوجوه النسائية بوجوههن الرائقة وشعورهن المتهدلة وأجسادهن الممشوقة التى تحيلها الفنانة إلى سمت قطع الشطرنج أحياناً ربما للإيهام بتلك السطوة الذكورية على الإناث، سيما أنها تضعهن عبر كثير من المشاهد فى مواجهة الملك والوزير والفيل والحصان إيماءً لقدراتهن على المجابهة وخوض الصراع تلو الآخر . وفى كل المواضع التكوينية تبدو المرأة فى حالة امتشاق واستطالة قد تشير بها مرام لكبريائها الأنثوى هى ونسائها معاً.. وفى هذا الإطار نرى رقعة الشطرنج تتغير مواضعها بين أركان المشهد تبعاً لمقتضيات الحالة التعبيرية، وأعتقد هنا أن التبادلية الحركية بين الرقعة الشطرنجية والمفردات التصويرية هى ماتخلق تلك الحيوية البصرية التى تسيطر بها مرام على بصر وبصيرة المتلقى فى حيزى الإرسال والإستقبال معاً عبر آلية للدوران المستمر داخل البراح التصويرى.
- وقد تجلت قدرات مرام عبد المغنى فى مزج الرسم بالتصوير عبر ذلك الخط الخارجى الأسود الماثل على حواف الأشكال، حتى أن خطوطها شكلت مذاقاً بصرياً خاصاً يدفع المتلقى إلى الرغبة فى تفريغ العناصر من محتواها اللونى، قبل أن ينفرد إيحائياً ببهجة تواليف الأداء الخطى فقط داخل الصورة ، علاوة على الميل نحو ضبط معمار التكوينات بهذا الإنشاء العذب الكاشف عن ملكات إضافية لدى الفنانة تغذى مسطحها التصويرى بالحيوية البصرية.. وفى هذا الإطار نجد مرام عبد المغنى تتمايل فى أدائها بين البعدين الثانى والثالث عبر مهارات لافتة فى المنطقة الواقعة بين التسطيح والتكوير، على التوازى مع توظيفها للمسات الضوئية الرشيقة فى تحديد الفواصل بين المفردات داخل مساحة البعد الثانى، وكذلك عمق المشهد من خلال بعده الثالث على المستويين البصرى والرمزى معاً، بما يخلق شعوراً جارفاً لدى الرائي بدراما الحياه على رقعة الشطرنج التى تدفع بها مرام دوماً إلى البؤرة التعبيرية للتكوين كمحور رئيس فى الدفع برسالة العمل الرمزية تبعاً للتباديل والتوافيق التصويرية المتنوعة.
- أما على مستوى البناء البصرى فقد مالت الفنانة إلى الدفع بمفرداتها العضوية بين الطيور والإناث والقطع الشطرنجية المتحولة بيولوجياً إلى أحصنة وأفيال وعساكر داخل تقاسيم هندسية متعاشقة، حيث ذلك التمازج الساحر بين الطرفين المتضادين فى السمت الحسى، مع التداخل الواعى بين الجامد والحى على الخط الإيهامى الفاصل بين الحقيقى والخيالى.. بين الواقعى والرمزى، عبر دراما الحياه الرافدة من ذلك التقابل المثير بين رقعة الشطرنج وعناصر العمل المشار إليها، من خلال تلك المسحات التصويرية التى تغلف المشهد بالحيوية والتنوع الملمسى، إضافة إلى النغم الخطى المحيط بالتكوينات ليثريها ويزيد الإيحاء بقدرتها على الإنفراد بالمسطح بعد الحذف اللونى الإفتراضى كما أشرنا، سيما أن رقعة الشطرنج باختزالها اللونى الشهير للأبيض والأسود فقط بدت كقاسم مشترك أعظم بين كل المشاهد، لتظهر فى حالة من التآلف مع غزل الرسم الذى احتل ركناً ركيناً فى المعمار التصويرى العام، مع بعض التهشيرات والتظليلات السوداء القاتمة كمتمم بصرى للتكوين الذى مالت فيه مرام إلى تعدد زوايا دخوله من أركانه وأضلاعه الأربعة، بما يستدرج المتلقى إلى حالة من الدوران البصرى المستمر داخل كل أرجاء المشهد فى حضرة تلك الإيهامات الرمزية المتواترة التى تستثير القريحة الذهنية للرائى بالتضافر مع رعشته الوجدانية ومتعته البصرية ونشوته الروحية عبر دراما الحياه على رقعة الشطرنج.. وفى هذا السياق نرى مرام عبد المغنى وهى تعتمد على التمايز الإيقاعى الحركى للرقعة والقطع الشطرنجية والمفردات الأخرى المصاحبة ، حتى أن أداءها على المسطح التصويرى يجتذب الرائي لفعل مواز عبر التراكيب المختلفة من أجل خلق تكوينات مغايرة للمرئى، وفى ذات الوقت يدور فى فلك الحالة التصويرية للفنانة عبر توحد أفقى مع العمل قبل الإندماج الرأسى مع مفرداته، وهو مايسمى ب `الخبرة البديلة` المانحة للعمل عمقه وحيويته بتلك العلاقة العتيدة بين المبدع والمتلقى الذى يبدو هنا أيضاً فى حالة من الخلق على جسر يحتفى بمتانة التكوين وسخونة الرمز ودراما الحياه على رقعة الشطرنج.
بقلم : محمد كمال
مجلة:الثقافة الجديدة( العدد- 407)- يوليو 2024
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث