`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
محمد ثروت ذكى البحر
يقظه كونية فى لوحة فجرية
- أقام الفنان ثروت البحر أخر معارضة بقاعة جرانت.. فيه لوحات جديدة.. ولوحات لإعادة الرؤية.. ولوحة جدارية أكثر ما شدتنى فى معرضه ولم أفلت منها حتى الآن ..أمامها قال لى الفنان إن ( جاكسون بولوك ) قال عن الفترة التى عاشها مع الهنود الحمر فى أمريكا : (رأيتهم يدورون حول أنفسهم ويلقون على الأرض لا أعرف ماذا أريد أو لماذا أدور ؟) .. ويكمل ثروت البحر قائلا : ( لكن مولوية جلال الدين الرومى حين يدورون منذ ثمانمائة سنة كانوا يتمثلون مع الحركة الأجرام السماوية، وكانوا يعرفون ماذا يفعلون وماذا يريدون ) .. وها أنا وقد أضاء لى الفنان زاوية رائعة للولوج إلى جداريته بأكثر استمتاعا وإدراكا لما وراء السطح الأكريليكى الذى به فتحت أرضه على سمائه، وأرسلت السماء عبر أجرامها فى دورانها الأبدى إشارات ورموزا تغلفها همهمات مرسلة ومستقبلة حتى تخترق الوجدان .. وهذا ما حدث لى وهو تماما كمشاعرى بعدما فرغت من قراءة (ساحر الصحراء) للعالمى ( باولو كويلهم ) .. فالعالم يتكامل ويتلاقى مصادفة فى أماكن متفوقة.. يتكامل فى نقاطة سريعة ومؤثرة وسريعة التحول.. وما يتبقى منه هو مجرد حالة عاشها فنان أو روائى أو مشاهد لبيقى داخلنا ذلك الصدى البديع المروع برهبة الكون الذى ينتهج بنفس منهج أعنف شهب ينفلت من جاذبيته المدارية، وأرق عشب ينفلت من جاذبيته الأرضية.. فلكليهما نفس الطاقة الكامنة والقوة والتأثير فى نفس التى ترى وتتأمل.. وفى لوحه ثروت البحر - أمامنا - هناك رسائل من أعلى السماء لأسفل والعكس .. ودوامات طاقة.. وذرات تتفجر من شدة تصادمها وحاجز الفراغ المفرغ من الزمن والمادة.. هذه الشرارات لا تذهب عدما.. هى تخترق فراغا إلى المروع إلى سماء دنيا لتتواصل مع نبت أخضر يشرئب بطاقة الدفع لأعلى ليتلقى إشارات الحياة تأتيه من مجرات أبعد مما يمكننا تصوره.. ولتنعكس فى صورة الطاقة بقعا بيضاء مشعة بذاتها تنعكس فوق سطح لامع لبحيرة راكدة تلامسها بالطاقة، وتعكس فوق سطحها صورته المتفجرة داخل غور أعمق المجرات.. إن العالم بيد الله يتواصل.. يتلاقى مثلما تتواصل أجسادنا فيما بين عالمى قبل الموت وبعده الذى يبعد عن تصورنا كالبعد بين لحظة الحاضر والأبد.. ورغم الإشارة والعلامات المرسلة ندر من استطاع التقاطها، فالغموض وجهلنا الأرضى لا يمكننا من إدراك كنهة الإشارات التى قد يأتى بعضها مارا بملايين السنوات الضوئية .
- ورغم هذا .. وهى محاولة وجدانية من فنان هناك الحرية فى لوحات ثروت البحر حرية الاستقبال والتلقى والإرسال والتواصل بوجدانية مجردة قد تمكننا من لمح الزمن فى تدفقه الرهيب ورسالاته المشفرة، وإن لم نستطع تفسيرها.. وتجعلنا لوحته نتساءل : لماذا تلقى الشموس بنفسها فى قاع الماء.. ولماذا يشرئب الزرع بلهفه تجاه السماء؟.. هل علينا أن نتابع فى لوحته قدر شفافية تغير وتبدل الرمال فى طبقات متداخلة.. وقدر عمق صحراوات لوحاته..وقدر تواصل العلامات؟
- إن لوحته وإن لم ندرك لا نحن ولا هو ماهية الرسائل الكونية نجدها بالإحساس لوحة فجرتة .. مشهد كونى قبل استيقاظ البشر.. مشهد تبادلى لطاقة مشفرة بين السماء والرمل والماء والحشائش.. إنها لوحة توحى بالصحوة الكونية بمعالجة تشكيلية غابة فى الرمزية وسيرالية المناخ .
فاطمة على
القاهرة 13 /5/ 2003

- الفنان المصور ثروت البحر .. متعدد المواهب.. ويحلق دائماً فى افاق التجربة ويحاول تأصيلها.. ويشارك بفاعليه فى توجيه مسارات الحركة الفنية منذ زمن بعيد .
- أنشأ جاليرى فكر وفن بمعهد جوته الألمانى بالإسكندرية ويسهم فى تأسيس مشروعات فكرية وثقافية تترك صداها فى مصر والخارج تستهويه عناصر الطبيعة وعلاقاتها بالشكل والوظيفة.. يجد فيها قيماة فنية متميزة .
- وهو يقدم فى لوحاته حوارا مع النخيل وحركة الهواء معه.. أو كما يقول المصور ( النور الذى يشرق فينا حين ندرك ذلك فى الطبيعة.. لا النور الذى يسقط على الاشياء ) .
- تكتسب اشكاله نوعان من الشاعرية والحيوية.. ويكمن سرها فى روح وفكر الفنان وعلاقته بالاشياء والكائنات من حوله .

د. أحمد نوار

ثروت البحر ..`سلامتك `
الاسكندرية .. مدينة مفتوحة على كل الحضارت وكل البشر ..خليط من الجريج والارمن والطلاينة .. والفنار علامة من علاماتها ومعها شاعرها `كفافى` ومحمود سعيد مبدع `بنات بحرى` وخالد الذكر سيد درويش ..وهى نافذة مصرية على المدارس الادبية والفلسفية ..وكتابها المفتوح يطل بالصور والحكايات من زيزينيا والانفوشى والرمل ..الى المنتزه وابى قير وراس التين .
الاسكندرية وثروت البحر احد فنانيها الكبار شاعر وكاتب مسكون بتاريخها ..تتاكد فى اعماله وحدة الفنون ..مابين التعبير بالكلمة والريشة .. تقترب من روح الشعر ..تتنوع فى ثراء ..تشدو بسحر الهرم يتجلى نورعلى نور بابتهالات الضوء .. وسمو النخيل يسمو بالتيجان والاصالة والاعتداد ..لذا كانت اعماله انغام واشعار تشكيلية ..تجيب على معنى الاصالة ومعنى الخصوصية والمعاصرة.
والفنان السكندرى ثروت البحر يمر منذ فترة طويلة بازمة صحية ..ونحن نتذكر لوحته `تضرع وابتهال ` فى فضائها شجرتان فى صحراء ..لكل منهما خمسة فروع كيدين تتجهان للسماء باوراق قليلة على شكل هرم ..وكما يقول :انه التضرع والدعاء ..ونحن ندعو له بالشفاء التام ..والعودة سريعا لفنه .
الشعر والرسم
ولد ثروت البحر بعروس المتوسط فى فبراير من عام 1944 لاب شاعر معروف هو محمد زكى البحر ..واسرة تجيد الابحار فى دنيا الكلمات والغوص فى منابع الانغام والالحان ..وفتح عينيه على هذا المناخ الذى يدعو الى الابداع ويحفز على الابتكار.. مابين اللوحات الفنية التى تكسو جدران المنزل ..و المكتبة الضخمة التى تزخر بمجلدات كتب التراث والمخطوطات.. من الاغانى للاصفهانى وابن سينا وابن عربى والرازى والفارابى وابن رشد ..الى امهات كتب الشعر للمعرى وابى تمام والبحترى ...وكثيرا ماكان يقف متاملا لوحة من اللوحات ثم يصف مايراه نظما باناقة وشاعرية خاصة..وبدا يكتب الشعر وفى سن السابعة جاءت رسومه تجسد ماحوله بحب وتوق وشغف ..يرسم البحر والناس و نجوم واهلة وشموس واقمار ..وكان اختياره منزل الاسرة ليكون اول قاعة يعرض فيها اعماله وهو فى العاشرة..ولايتجاوز جمهوره بضعة اشخاص : والداه واخواته وزملاؤه بالمدرسة .
ومن هنا تعلق بالرسم والشعر معا ..يرسم فى الليل والنهار..ولاتكف الالوان عن جريانها على سطوح الاوراق ..وحين يلتقط انفاسه يلجا الى الشعر ..فهو العلاج من القلق والحيرة والمعادل النفسى الحقيقى المفتوح على الحرية..ومع كل هذا كثرت قراءاته فى التراث العربى ..والادب الاوروبى ..يمتلىء بعوالم بعيدة وغريبة ..ممتعة ومدهشة ..من روائع الاعمال لتولستوى وديستوفسكى وهمنجواى وسومرست موم وجوركى وتورجنيف وتشيكوف .
وهو يقول : ` احتجت الى هذا الزمن كى اسكن فى حال.. وهو الا اسكن على حال ..وكما قال لى الاستاذ الفنان سيف وانلى :` الفن لايعرف الكلمة الاخيرة وحقيقته كامنة فى اضافاته المستمرة عبر الزمن` ..لكن الحالات جميعها كانت تتشكل فى المقاومة وتاخذ اشكالها تباعا لما يدور وعيا او حدثا ..احيانا ماكان الشعر يسعفنى واحيانا المقال والقصة ..وغالبا ماكانت اللوحة ونادرا الوحدة والتناسى هى المسعف المتاح نفسيا وجسديا ..لكنها تحولات الاحوال مع ثبات على مبدا واحد غالبا مايتم دفع ثمنه ..كل التحولات كانت فى دائرة الابتكار فلا يوجد طريق مقلد او سبق طرقه `.
ومن فرط تعلقه بالرسم بدا يتردد على مرسم الاخوين ادهم وسيف فى سن صغيرة وقبل ان يتجاوز الثانية عشر ..كان قد درس عليهما وتاثر بقيم الاداء وصور التعبير .. بالانغام والالحان اللونية ..واللمسة الجريئة والسطوح التى تموج بسحر الحياة..من الخطوط والمساحات .. تنبض وتتنفس على السطح التصويرى .
وبعد ان تشكل عالمه وتاكدت رؤاه ..كان مرسمه المرافا والسكن يتردد عليه ويظل يرسم حتى فاضت دراساته واسكتشاته ..وتنوعت اعماله فى ايقاع جديد ..يمتزج فيها الشكل الهندسى بالخط العربى ......تبتهل الحروف وتنثنى فى رشاقة.. وتتحاور مع سطوح واشكال وخطوط تجريدية ..كما قدم اشكال خالصة فى الخط العربى.. تمثل مسحة من الحروفية العربية التى سكنت اللوحة التشكيلية ..بمثابة اضافة لما قدمه رواد هذا الاتجاه.. مثل يوسف سيدة وماهر رائف.. مؤكدا على ان الحرف العربى له دور فى خلق تشكيلية جديدة .
الهرم وتوهج التراث
يقول ثروت البحر : ` حين نتكلم عن الثقافة الاصيلة ..فلا ينبغى استعادة امجاد او احياء للتراث ..بمثل ما ان المعاصرة لاتعنى التشبه بالحضارة او الثقافة الغربية ..فالثقافة هنا تعنى كنس مابلى من الاوراق ..ومراجعة الموقف مع الحياة نحو خلق وحدة معرفة نابعة من الذات تكون ..ايجابية وصالحة للمجموع ` .
وهنا جاء الهرم اشبه بتميمة ثروت البحر ..وهو وحدة تراثية مخبوءة بالاسرار يمثل شاهدا على عمق الحضارة المصرية القديمة ..وقد جاءت احدى لوحاته فى هذا الاتجاه بمثابة مشهد سيريالى ياخذنا الى افاق الحلم .. جسدالهرم فى همس شاعرى متوحدا مع الارضية والافق ..يعلوه هالة ضوئية ..والمشهد هنا يجمع بين منظر داخلى واخر خارجى فى نفس الوقت ..حيث تبدو وحدة اضاءة عصرية معلقة فى الافق فى ايقاع هندسى ..وكانه يجمع بين الماضى والحاضر فى زمن شعرى شديد الحساسية ..يتالق بالنور المتمثل فى هالة الضوء .
واعمال البحر تلتقى بالفعل مع الشعر ..فهى اعمال تنقل روح الطبيعة المصرية فى مشاهد رمزية حالمة مع فرط حيويتها ..وربما كانت لوحته `مع الطبيعة ` من بين اجمل لوحاته .. تشتمل على اربع مستويات راسية ..من تلك الزروع والنباتات الداكنة المشوبة بالبنفسجى ..ثم تتدرج الى اعشاب خضراء ..وتنتقل بعد ذلك الى مساحة رملية صفراء اشبه بالكثبان ويمتد الافق ..بالبنفسجى المضىء الهادىء والذى يتقابل مع المياه فى قاع اللوحة ..وتتالق الاهلة والاقمار من اعلى واسفل تنعكس على المياه ..وثروت البحر هنا يريد ان يجسد طبيعة مصر وماتشتمل عليه من مياه وسهول وكثبان رملية ..و اللوحة رغم خلوها من الشخوص تعد مساحة من الحركة.. والشاعرية والسلام والطمانينة .
يقول : ` حين انظر الى سطح اللوحة الابيض تنتابنى او تنتاب نفسى حدة المشاعر ..التى يطالع بها البحر والسماء والصحراء ..سجين خرج لتوه الى الحرية فالرؤية هنا لاتستخدم سوى الحلم ..فهو انسب وسيلة للتحول والسير بحرية ....له القدرة على الاتحاد بالخيال.. ينطلق من كل فكر بما يحويه من دلالات ..والخيال هو قدرة من قدرات الوعى وليست تجارب غيبية ...بمثابة السباحة فى الزمن الماضى والاتى محملا بالامال `.
فى اعماله يؤكد على شاعرية الحياة والفرح بالطبيعة ..حيث يتناول عناصر تتالق بلمسة الرقة والعذوبة ..وربما كانت النخلة رمزا اخر من رموز فناننا مثل الهرم ..وفى احدى اللوحات جسد السعف الاخضر بامتداد اللوحة عرضا وطولا ..وهنا يطل النخيل ..ونرى السعف فى تقاطعات افقية وراسية .يبدو اشبه بفتحات المشربية ..وتتوهج اللوحة بالضوء الابيض فى حوارية مع الازرق والبنى .
مصر النور
وقد جاءت لوحته `مصر الانتظار ` التى جسد فيها شخصية مصر بهيئة فتاة نورانية الوجه ...بوجه عصرى من اعلى ..ومن اسفل يلجا الى الايهام فتبدة بهيئة مومياء ملفوفة الجسد ..ومايوحى بزجاجة مياه غازية ..فى نفس الوقت وعلى الصدر نطالع كلمة `كوكا كولا` بالابيض ..على مساحة حمراء بنفس احساس العلامة التجارية ..وكانه يشير الى العولمة و الهيمنة ..واللوحة حافلة بالعناصر والرموز والمستويات ..فنطالهع الهرم مضاء من اعلى ووجه من السلويت ..ونافذة مغلقة ونافذة ولوحة صغيرة داخل اللوح ومايشبه البيت ..وهو يخرج على الاطار التقليدى ويشكل اطار ا يشتمل على مستطيل يعلوه ..مستطيل فى اطار واحد..وهى تتوهج بالضوء الذى يشكل حوارا.. مع الظلال الداكنة الزرقاء .
ولاشك ان لوحات الفنان الكولاجية والتى تتعدد فيها الاشكال الدائرية والمربعة والمستطيلة ..مع تلك التصاوير التى تضم جموعا بشرية وكتابات تمثل مساحة تصويرية ترفض الهيمنة او العولمة .
وثروت البحر يجسد النبتة الصغيرة فى نورانية شديدة ..فتطل بالاوراق الخضراء والحمراء والسوداء .. تقتحم افق لانهائى بالاهلة التى تكاد تتحرك من فرط نحافتها ..يختلط فيه الازرق من اعلى مع البيج والابيض فى عالم شاعرى هامس .
ولوحات الفنان فيما يتعلق بمناظر البحر تمثل مساحة شديدة النقاء والطزاجة ..تلتقى فيها زرقة البحر مع زرقة الافق ..وتنساب الامواج بالزبد وتختلط الرمال من فرط الحركة والحيوية .
ومع روح الطبيعة ينتقل بنا الى دنيا جديدة ....حين يصور طيات الملابس فى ايقاع ينافس فيه الاحمر مع الفوشيا ..وهو ايقاع ميتافيزيقى يفيض بالتموجات والانكسارات والطيات.. ويحفل بالهمس والسكون.
ونطل فى اعمال اخرى على مساحة من التعبيريةالتجريدية او التصوير اللاشكلى ..والذى يمتد فى عناصر من موجات ومساحات واشكال تجريدية قوسية ومسطحة .
فى ثلاثية لونية من الازرق البحرى والاخضر البهى والابيض البرىء ..يريد هنا ان يؤكد على الموسيقى البصرية التى تنساب من الايقاع التجريدى الخالص مثلما شبه `كاندنسكى` الالوان بالانغام وجعل من فضاء التصوير .. مايشبه درجات السلم الموسيقى .
وله واحدة من اعماله ..لوحة `الضباب` حصلت على الجائزة الاولى فى بينالى الاسكندرية باجماع لجنة التحكيم على كل الاجنحة مقاس `180 -200 سم ` جسدت و عاصرت فترة قبل العبور ..والتعبير فيها رمزى لاجسام مليئة بالحيوية لكنها بلا سواعد واقدام وملامح .
فى واحدة من لوحات ` البحر` .. لوحة ليلية يغلب عليها الدرجات اللونية الداكنة ..من الاخضر والكحلى والبيج .. مع مساحات صغيرة ومحدودة من الاحمر النارى ..وبقع بيضاء تتناثر هنا وهناك.. وقد جرد الطبيعة ووصل بها الى اعمق اعمالقها ..من تلك الاوراق والوريقات الصغيرة التى جاءت بمثابة حالة رمزية ..تعكس معنى الحلم ومعنى النقاء فى التصوير ومايمس حال الانسان المعاصر.. ومايهفو من مرفا او وسادة يرتاح عليها من ظروف الحياة الضاغطة .
وثروت البحر يصل بنا الى درجة من الشاعرية تلتقى مع كتاباته كما فى ديوانه `احاديث عائلية ` ومؤلفه فى الشعر والادب والفن `الناس والصحراء `.
وكما ان له بصمة وتاريخ كبير فى الابداع له دور كبير فى الثقافة ..فقد قدم لاكثر من عشر سنوات اجندة ` وجوه من مصر ` فيها الف شخصية مصرية من رموز الادب والفن والثقافة والاقتصاد والعلوم والفلسفة .


صلاح بيصار
صحيفة القاهرة فى `29- 12-2020`
ثروت البحر.. فنان سكندرى يتحدى الألم بالألوان
- فنان تشكيلى وشاعر ونراه أحيانا محللا سياسيا واجتماعيا، يعشق الإسكندرية وبحرها وميناءها وشوارعها مهما اكتظت بالبشر، فهم بالتأكيد يشاركونه حبه للثغر وبحرها. ولكن ثمة ظاهرة جعلت الفنان التشكيلى والشاعر ثروت البحر يتألم على أيام مضت عندما كان كل سكان البحر ومن خلفهم يرون مياهه الزرقاء، فحجبت الأبراج السكنية المرتفعة وهج البحر الذى طالما يفتقده فيذهب إليه مرارا حتى لا يغيب عن أمواجه وأسماكه.
- ثروت البحر، الذى عقد مؤخرا معرضا فنيا ويستعد لاستعراض مجموعته الفنية فى معرض آخر فى مرحلة ما بعد انحسار الفيروس المستجد، يؤلمه ما حل بمصر خلال فترة ظلام احتل فيها أصحاب الفكر المتزمت البلد، ما جعله يندفع إلى محرابه ليرسم أحد أشهر لوحاته لسمكة محاصرة بين أسلاك شائكة وسط البحر، تعبيرا عن العام الأسود الذى حكم فيه `الإخوان`مصر. ورغم عشقه للسمك ،الذى انتزع من ريشته رسومات عديدة، إلا أن قلبه لم يحتمل ظلامية الذين يرتدون مسوح الدين ويغشون باسمه شعبا بأكمله.
- فيقول عن تأثره بهذه المرحلة التاريخية: `نحن لدينا الدين واللغة والأرض المشتركة بتاريخها وجغرافيتها وثرواتها، مصر التى ناقشت كتاب (مستقبل الثقافة فى مصر) للدكتور طه حسين فى ثلاثينيات القرن العشرين، ارتدت فى نهاية القرن لتناقش هل الموسيقى والرسم حلال أم حرام؟.. وعادت تكفر هذا وذاك`. ويعبر البحر فى `السمكة المحاصرة`عن أولئك الظلاميين الذين قرروا تغطية تمثال `نهضة مصر`بالنقاب، فتألم بشدة لما حل ببلده صاحبة الحضارة والتاريخ والمعرفة، من سواد وتخلف وجهل.
- البحر يترك فنه أحيانا ليصرخ السياسى الذى بداخله فى كتابه `الناس والصحراء`، ويري، وفقا لتصريحاته للأهرام، أن: `الدين حين بدأ كان حرية وعدالة ورحمة وسماحة وحكمة وقناعة واعتدال، وثورة وقوة دفع وعمل ونمو ومنهج حياة متجدد ونسيج كونى يظلل الجميع`.. والسبيل الوحيد لتحرير الخطاب الدينى هو تحرير العقل الإسلامي.
- الألوان فى ريشة البحر تماثل آلات العزف الموسيقية. يتمكن منها كالمايسترو القابض على ريشته، ويحلم بغد قريب تسعفه صحته على حمل الريشة فى يسراه مجددا، و `بالتة` الألوان فى يمناه.
لا يستطيع ثروت البحر التحكم فى تعددية هواياته، الرسم والشعر والكتابة، فكل مواهبه حيوات تتطاير بينهم روحه الوثابة التى تمنحه الأمل، توقفت يده اليسرى - وهو أشول ليستعيض عنها مؤقتا بسرده للأحداث وإلقائه أبياته، أما إذا سألته عن رأيه فى الحالة الفنية الراهنة، فسرعان ما تجد إجابته يفصح عنها فى كتابه `الناس والبحر`، فيجادل بأن مصر على مر التاريخ مستهدفة بصورة دائمة بحكم موقعها وكونها مركز الثقل فى المنطقة وتمتلك أكبر رصيد حضارى وبشري. وعندما تشهد الصحوة تتفجر فيها كل الطاقات الإبداعية للمجتمع ثقافيا وسياسيا واقتصاديا. أما فى فترات الضعف أو غياب الإرادة، فالفن والأدب والحياة الاجتماعية يأخذون شكل التقليد، فنكون جيدين بقدر محاكاتنا، وهو ما عبر عنه مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون: `إن المغلوب يميل إلى التشبه بالغالب`.
- لم تفرغ جعبة ثروت البحر بعد، فعشقه للصحراء، ظهر فى لوحات الكثيرة ومنها الواحات، واعتمدت هذه اللوحات على امتزاج الألوان مع بعضها لتعبر عن رؤيته للصحراء كمنبت للأديان الثلاثة. كما أنه يرى أن الصحراء أصل العمارة أيضا،وأنها، وفقا لتجربته، دفعته لاكتشاف مكنون نفسه من سعى وقوة لكى يصور نورا، ليس النور الذى يقع على الأشياء ويجعلنا نراها منيرة، بل النور الذى يستشرق بداخلنا. ومن هنا يستلهم ثروت بحر نوره الداخلى ليتحدى به توقف نبض يده اليسري، فطالما هى تعانده فيرد عليها بتوهجه فى الشعر عبر ديوانه `أحاديث عائلية`ليستلهم من `أبريل` شهر الربيع هذه الكلمات:
- `كان أبريل يعرى نهود الحدائق/ يبخر بقية الشتاء ويوقظ حنان الأمهات ويصفق/ حول المعابد التى تلقح أزهار الصيف/ وتقيس عبق البهجة وانسجام العيون/ يفجر نافورات من اللبن الدافئ كفرحة مكتومة/ نافورات غسل النسيان عن العيون وتوقظها/ تجعلها تري..تدعها تري`.
- أعمال البحر إجمالا تكشف تأثرها واضحا بريشة أبيه الروحي، الفنان الراحل سيف وانلى ابن الإسكندرية أيضا، فجمعهما نفس الميناء وزرقة البحر ذاته. ولا تقف ريشة أو قلم ثروت البحر عند فصل بعينه أو زمن محدد، فخياله دائم الطواف، يقرأ الماضى ليفسر به الحاضر، ومن كليهما يستقرأ المستقبل، أما عن الفصول الأربعة، فالشتاء عشقه، ففيه تتولد فنونه وإبداعاته، وعليه أن يقتنص فرصة أشهره القليلة ليخرج كل ما فى جعبته من مواهب ووهج.

محمد أمين المصرى - سناء عرفة
الأهرام 2020/4/15
ثروت البحر الفارس المقاوم النبيل (1)
- لا أخفى عليكم..
- أننى عندما قررت ان اكتب عن شخص بحجم ثروت البحر، احترت جداً، ماذا أكتب عن الإنسان الراقي ام النبيل أم المقاوم أم الفنان التشكيلي أم الشاعر ام المفكر المثقف، حيرة ما بعدها حيرة أن تتعامل مع شخصية هكذا.. شخصية تتحدث عن كل المستنيرين أصحاب الرسالات الإنسانية في هذه الحياة وفي كل المجالات، بينما يتعفف بالحديث عن نفسه بالمدح والفخر ولكن بشكل نقدي موضوعى.
- فقررت ان اكتب ولو نبذة عن الإنسان القدير، الهادئ والقوي والمناضل، اعبر بها عن امتناني وتقديري الشخصي العميق له.. وأرثي حظي السيء الذي عرفني عليه في هذه الظروف الصعبة له ولي، والتي كنت أتمنى أن يبكر الزمن بالجود بها، وكنت أتمنى أن يجمعنا قرب المكان، إلا للأسف كان البعاد مصيرنا.. فعلها التاريخ والجغرافيا تأخرت وتخلفت، ام انا الذى تخلفت.
- من رغم بلوغ أستاذنا اليوم 16/2/2025 الواحد والثمانون من العمر.. وانا تعمدت أن انشر باكورة هذه الدراسة في هذا اليوم كتهنئة متواضعة مني له.. متمنياً له عمر مديد نستمد منه شحنة إيجابية قوية بضرورة الاستمرار والمقاومة، ورفض مطلق للاستسلام ورفع الراية البيضاء للجهل والقبح والاستبداد.
- تحياتى للمقاوم النبيل الذي أخذ على نفسه عهد أن لا يترك مكانة مهما حدث له، يخرج لنا بتفسير يضيف ويفسر ويصحح وينير للإنسانية جمعاء .. بإبداعه الخاص الآن الأدبى والفكرى كبديل قوي لإنتاجه الفنى.. فصار إبداعه الأدبى والفكرى والتشكيلى فى خطوط متوازية يدعموا بعضهم بالإثراء والإيمان بالمقاومة.
- ثروت البحر يتعامل مع الفن على أنه رافد من روافد مشروعه الانساني، بعد أن قرر منذ 1958 أن يمسك بالفرشة ويرسم في صغره وأمسك أن يحمل الرسالة التي حملها على عاتقه في التعبير والمقاومة والمشاركة بدوره أنه إنسان مصري عربي، ينتمي بقوة إلى هذا العالم، وطنه مصر الذي سكن بداخله عشقاً والتحاماً به.
- معتمداً على الطاقة الروحية المسكونة داخل عمله الفني الأصيل، والتي للأسف يفتقدها كثير من الفنانين وبالأخص المتحذلقون.
- وهو طوال مشواره الثقافي الفني يدافع عن الموروث الثقافي الخاص بهويتنا والجانب المستنير في الثقافة العالمية، بكل ماله وما عليه.
- مثل ما نعرف
- أن كل فنان حقيقي له بطل مهم يعطيه دائماً البطولة المطلقة في كل أعماله.
والبطل الواضح عند ثروت البحر.. هو(المكان) وعلاقته بالزمان والبشر.
- تناوله في موضوعاته الفنية والأدبية بآلية (الباحث والمدقق)، وبسبب وعيه الناضج آمن بصفة التنوع.. لأنها من أهم ما يميز اي مبدع فني او أدبي حقيقي، معالجات ورؤى مختلفة وجديدة له، مثل مارأينا في مجموعات لوحاته عن الصحراء والنخيل والهرم والخط العربي.. ومجموعاته الشعرية (الناس والصحراء) (أحاديث عائلية) وكلها موضوعات مستمدة من هوية وكيان مصر الفرعوني والعربي الإسلامي، ونضالها في البحث لها عن مكان ودور في العالم الحديث كما اعتاد على مر التاريخ، وأن التنوع الحضاري التي تميزت بها مصر يعتبر غنى متكامل، بينه وحدة متماسكة حافظ عليها الإنسان المصري على مر التاريخ من رغم الكبوات التي تعثر فيها.. لذلك محتاجة مننا إعادة قراءة جديدة متفحصة لصياغتها وتناولها في شكل حضاري معاصر يناسبها.
- حتى البلتة اللونية الخاصة به استمدها من الهوية المصرية مثل: الأصفر والبني والبرتقالي المبيض والمصفر من الصحراء.. الأزرق من نيلها وسمائها الصافية.. الأخضر من زرعها النخيلي المنتشر في واحاتها.. مما يجعلنا نشعر بحميمية نحوها دائماً، وبالطاقة الروحية الأصيلة الناتجة منها.
- ثروت البحر.. يرى أن المنتج الفني او الأدبي لابد يحمل إضافة بمعالجة مختلفة لما هو مألوف وموجود، وتتميز معالجاته بسمة (القفز) أو ما يسمى في الأدب (تيار الوعي).
- الشخصيات والزمان والمكان لديه متغيرات، يبدأ من مكان وزمان ثم يتركهما ويجول بسحر خياله فيما مضى أو ماهو آتي ثم يعود لمكانه لثبات المعنى أو خلق معنى جديد مثل المعادلة الكيميائية، ومن المقارنة او التضاد الذي استدعاه للتوضيح والشرح أحيانا أو التهكم أحيانا أخرى، مثل السيريالين في تناولهم الفني والأدبي، مع التزامه الأكاديمي لعناصر الصورة لحد ما، وأعماله كلها مقروءة وليست مبهمه، ولكنها محتاجة قليل من بذل الجهد من قبل المتناول لاستيعابها، لإيمانه بقيمة العقل ولابد أن يعمل.. ومن هنا نجد حرصه الدائم على حضور المعنى، وقيام الشكل بمهمة الشرح والتفسير، باندماج صوفي واضح بينهما.
- ثانيا: مقتطفات شعرية لثروت البحر من مونولوج (الناس والصحراء)..
- من قال بأن الكلمات ستطعم أفواه!..
- لكن الكلمات تهل كما الأطفال
- توصي دوماً بجديد كالنوار
- تورق فى أعينهم أزها
- وتضوع معان وأغان يخطون بها
- ويخطون طرقاً للتيار
- يأتى كى يشعل في كفن الأيام النار
- كلا تلك مغالطة بالكلمات
- كل الأطفال لدينا تبداً من صفر
- تلقى فى الطرقات كقطط ضالة كدواجن فى صحن الدار
- أعلم جهل ونزق الثوار
- لكن صدقنى.. كلماتك تولد منسية
- تفرق أول ما تبحر من شفتيك
- وتغوص ببحر الأمية
- وتعكر صفو النظار
- أنت تبدد وحشة نفسك بالكلمات والعمل هو المعيار
- ياهذا عملى كلمات.. لكنا لا نقرأ
- ملحوظة.. بعض الرسومات تشمل البدايات منذ 1958 واسكتشات والبورتريهات والحبر الأسود.

بقلم : أيمن أبوزيد
من صفحات التواصل الاجتماعى (الفيسبوك) 16 -2-2025
ثروت البحر الفارس المقاوم النبيل (2)
- علينا أن نتذكر أن ثروت البحر لم يكتفي بإبداعاته الفنية الخاصة به فقط مثل مئات الفنانين.. بل كان فعالاً حيوياً في الحركة الثقافية والوطنية في مصر، فله دور بارز وواضح للجميع.. أي لم يعش لنفسه فقط.. وبالأخص اهتمامه بالفنانين والأدباء الشباب.
- من خلال إنشائه لجاليري (فكر وفن) داخل معهد جوتة الألماني الثقافي بالتعاون مع سفارة ألمانيا في الإسكندرية، وتعتبر تجربة هامة جدا في الحركة الثقافية في اسكندرية.. قدم من خلالها مئات المعارض الفنية والندوات الثقافية، وساهم في تطوير متحف الفن الحديث أثناء إدارته له.
- ثروت البحر..
- يحثنا على البحث عن النور أينما ذهبنا وعبرنا.. في العقل والعلم والإيمان أن الأمل قادم في الأفق، اتضح ذلك في أغلب أعماله معبراً رافضاً الاستسلام لقدر الاستعباد وترسيخ مفهوم الاستبداد الهرمي في عقولنا وحياتنا كلها.
- يرفض أن نبقى في ماضينا بين الحسرة والفخر.. ولا ان تصبح حياتنا أحلاماً مزيفة لا نملك منها غير أمنيات وذكريات، نحن في حاجة لوقفة جادة للمراجعة والتقييم والتخطيط السليم.. والعيش في حرية تامة ويرى من أهم أسباب نكستنا في النكسة تحقير التعامل مع الفرد الإنسان المواطن مثل النقانق والأشكال الهلامية، فلابد من رد اعتباره حتى ننهض من كبوتنا.
-علينا أن نبدأ بهدم كل الأصنام التي زرعتها الأنظمة المستبدة في عقولنا.. ونبدأ بالفعل والعمل والإصرار، لقد عشنا صبرنا وصبر العالم كله، علينا أن نتحرر تماماً من قيودنا واستجماع قدراتنا وقوانا والبدء في العمل الجاد لنهضتنا.
- لذلك.. اتضح قلقه من سعي كثير من الجهات بتفتت وتدمير موروثنا الثقافي المستنير الخاص بنا، في كل انتاجه الثقافي، ورفضه التام لها وحث بالحفاظ عليه لأنه هو مكون هويتنا المصرية، في مواجهة هيمنة وسيطرة ثقافة واحدة أمريكية على العالم شملت مشربنا وأكلنا ولباسنا وطرق تفكيرنا وذاكرتنا، ورمز لها بهيمنة الكولا ومطاعم الوجبات السريعة بالابتسامة السمجة لكنتاكي، والهرولة على تعليم المناهج الأمريكية، وسينما الرجل الكاوبوي الأمريكية.
- حتى استوردنا كل شئ.. ولم نفلح في التصدير إلا في هجرة عقول أبنائنا وشبابنا للخارج..! أو استبعادها وتهميشها وغربتها داخل وطنها.
- ورفضه المطلق للإطار المحكم الذي ضاق بنا من كل الجهات، ومحاولات المستنيرين الأحرار من التحرر منه وكسره. فالأفكار لها أجنحة لايستطيع أحداً أن يمنعها.. لأنها عاشقة الحرية.
من هنا..عبر ثروت البحر عن عشقنا للبناء الهرمي منذ آلاف السنين حتى الآن، راسخ في واقعنا وفي أذهاننا وتفكيرنا كل مؤسساتنا هيكلها قائم على البنيان الهرمي، وكلما تزداد القاعدة اتساعاً، وتعلو قمته في الارتفاع.. تزيد همومنا صعوبة، وعلينا ان نبحث عن معالجات أخرى أكثر حكمة وعدالة مستمدة من الكيان الرباعي مثل المربع والمستطيل في الشكل والمعنى والتنفيذ.. لما تميزهم بالتوازن والاعتدال، والتي اعتمدت عليه كل القواعد البنائية والحياتية، لقوة ارتكازها وتحملها لعلو البناء عليها والحفاظ على العدالة في جميع مستوياتها.
- وقد اعتمدت عليه أغلب المنتجات أثنا قيام الحضارة الاسلامية العربية، الرافد الثاني للثقافة المصرية، المعتمد على مركزية الله سبحانه في مركزية منتصفها، والتفاف الكون من حوله، وانتشر في التصميمات المعمارية والفنون التطبيقية والزخرفية الهندسية.
- ورأى.. فى شجر النخيل المنتشر فى واحات مصر التعبير الأمثل عن الأمل والعزيمة في تماسكنا وصبرنا.. الشجر الأصيل الذي قهر الصحراء، بتحمله وصبره وشموخه لقوة تحمله لندرة الماء، والتي فرضتها عليه واقعه الصحراوي، وفي كل موسم يهدي لنا ثمار بلحه الذي يعتبر أذكى الثمار وأفيدها.
- يرى في النخيل آية من آيات خلق الله وأفضلهم عطاء وفى صمت تام.
- سبح مع سحر وقوة تشابك أغصانه التى تسمح بمرور الضوء عبر شبابيكها المتلاحمة.. رسالة أمل ذهب معها الفنان ثروت البحر فى رحلة بصرية صوفية تأملية فى جمالياته المتنوعة والساحرة.. باحثاً فى فلسفة جماليات الطبيعة التي خلقها الله لنا، التى تعتبر رسائل إلهية أراد حل شفرتها وتصويرها من خلال لوحاته، فحملت الصفة والاسم والمعنى والخلود الفنى لها.
بقلم : أيمن أبوزيد
من صفحات التواصل الاجتماعى (الفيسبوك)17-2-2025
ثروت البحر الفارس المقاوم النبيل (3)
- فى البداية
- من هذا الجزء الأخير أحب أنوه إلى شئ قد يكون ملفت للنظر في هذا البحث للبعض.. أنني أعلم بانني أثيرت بعض القضايا والمفاهيم المتنوعة، التى رأيت من الواجب تسليط الضوء عليها، وأعتقد هذا أم ضرورى.. عند تناول شخصية ثرية مثل ثروت البحر.
- ثروت البحر
- فنان وإنسان حر ينتمي إلى فئة المخلصون الصامتون الصامدون بطبعهم، الفئة التي نجدها في كل مجالات الحياة، يكرهون الظهور في اللقطة والفشخرة، لا يتقنون غير لغة العطاء والإصرار والمقاومة في صمت، ولا يتقنون الحديث عن أنفسهم وأمجادهم طوال الوقت، لأنهم يرون هذا واجباً فنياً وثقافياً ووطنياً.. ورسالة كلفوا بها من الخالق لإيمانهم الراسخ الذي لم يحيدون عنه يوماً.. فكان الصدام مصيرهم لإيمانهم بالثورة والتغيير لما كل هو مزيف وكاذب وفاسد حولهم.
- لا تراهم مشهورين شهرة النجوم المزيفين، ومثل هؤلاء كثيرون في مصر وموجودون في العالم كله وفي مسيرة تاريخ الإنسانية كله، يعتبرون هم بناة الحضارات الإنسانية الأصليين. واختاروا أن يكون في الظل.. نبلاء حقاً.
- رافضون لأى تبعية والسعى لرسم صورة من صور النفاق والتهليل والتطبيل لأى شخص مهما أن كان.. وغالباً تنتهى حياتهم فى صمت بدراما منسية تطوى من صفحات الزمان والتاريخ، فيطلق عليهم اسم (النبلاء المنسيون).
- هذه ليست مبالغة هذه أمْ الحقيقة، والتي يعلمها كل إنسان صادق شريف مطلع على الحياة والتاريخ.
- ثروت البحر واحد منهم.
- فنان مثقف بحق ليس للتحذلق او الاستعراض مثل البعض ما يفعل.. بالطبع لا.. بل لزيادة قدرته على قراءة الحياة واستيعابها والاستمتاع بها، وحثه على المزيد من العطاء الطيب لكل البشر حتى آخر لحظة فى حياته.
- بجانب أنه فناناً تشكيلياً هو شاعراً، وأستاذ مقال، ومفكر ومحلل سياسى واجتماعى ممتاز، موسوعة ثقافية ثمينة مباحة لمن يقدر.
- الاقتراب منه مفيد لكل من يملك عقل حر مثله.. وأتمنى من كل قلبي أن يقوم بجمع كل ما كتبه في كتاب أرشيفى، أعتقد سيكون إضافة للمكتبة العربية، تثريها في الشكل والمعنى، ونبراساً للأجيال القادمة.. ولكي تخلد ذكراه.
- يا أعزائي نحن نسكن في وطن يهوى من زمن بتر الطاقات الإيجابية بدم بارد وفى صمت تام.. لماذا.. وبصراحة!؟.
- عفوا سأتوقف هنا قليلاً.
- لأننا مبتلون دائماً باعتلاء الجهلاء الكذابون المنافقون زمام أمورنا، ليكتب علينا أن نبقى في قاع هرم الزمن.. (مجتمعات لها صوت غير مرئى).
- لا نصعد بتراكم الخبرات الناضجة لأعلى، اعتادنا بعد مسيرة طويلة من الجهد والعطاء من المخلصون.. نضع نقطة ونبدأ من أول السطر، أو نطوي الصفحة كلها ونبدأ في صفحة جديدة، وكما سماه ثروت البحر اليوم (من مات فات) بل نجلد ونلعن ما مضى، قدر كتب على كل نبلاء، وتنقطع الصلة والتواصل بين الأجيال لاختلاف اللغة والاهتمامات، فبقينا محلك سر.. بل أصبح اليوم غالباً اسوء من الأمس، قد يختلف معي الكثير ويتصور العكس بسبب التطور التكنولوجي إن كل يوم يمر هو الأفضل.. أقول لهم للأسف.. لا.. هذا الصعود إلى الهاوية.. حتى تحول الإنسان منا مجرد رقم.. مجرد من الاحساس والقيمة والمعنى، والقيمة ليس في فيما تملك وتستهلك، القيمة في فيما تعلم وتبدع وتنتج وتشارك، وبقدر اقترابك اكثر إلى إنسانيتك وتقديرك لكل فضيلة ناهض من أجلها الرسل والمفكرين والفنانين صناع عقول ومشاعر البشر.. والإيمان بالثبات على المبدأ.
-وهذا لم يتم إلا بوضع هؤلاء المنسيون فى أول الصفوف داخل المجتمع، يقودوا المسيرة لأنهم هم الأحرار المخلصون الشرفاء.. عينهم واهتمامهم منصب فقط على المصلحة العامة.
- ثروت البحر
- مؤمن بأنه يجب على كل من يريد ان يمسك القلم ليكتب او فرشة ليرسم، عليه التزود بالثقافة.. حتى تتعدد مصادر الهامه والمضي قدما بخطى ثابتة في عطائه، وتجعله يستوعب ذاته جيداً، وهي الشرفة التي يطل منها على العالم من حوله، لتصبح هي الدافع الأساسي لإبداعاته.. أي يبدع عن وعي وفهم، وليس بالصدفة والفهلوة.
- وعلى كل المبدعون الحقيقيون المكلفون بالمقاومة والاصرار على التغيير والإضافة، وإرساء نظام يحافظ على العدالة والجمال والفطرة الربانية التي وهبها الله للبشر، من رغم تخلف وظلم الأنظمة المتعاقبة التي سخرت كل امكانياتها لخلق حالة خلل وفوضى وظلم لحياتنا بالقهر والاستبداد، علينا بالإيمان والتمسك بكياننا.. نؤمن بأن الله خلقنا أقوياء أكثر مما نتصور، اليأس والاستسلام هما النهاية الحقيرة التي يرفضها الخالق لنا، علينا بالبحث والكشف والاستمرار والرفض والمقاومة بشكل ملح.
- وعلينا أن نتذكر أن الصخور الصلبة تفتتها تلاحق واستمرار صدام قطرات ماء المطر الصغيرة عليها.. بإلحاح عنيد دون كلل ولا ملل ولا نسيان.
- يبحث ثروت البحر.. في بواطن الأمور لإبداع معنى ومعالجة مختلفة داخل لوحاته بنظرة تأملية فلسفية عميقة، لاثارة إشكاليات وأفكار حية جديدة.. وداخل أشياء تبدو بديهية للكثير داخل الوطن.
- مثل وحدة وغربة المثقف الحر في هذا الاتساع الصحراوي، والغريب من بعد آلاف السنين التي مرت علينا لم نستطع هزيمة الصحراء الشاسعة حولنا، بنشر الحضارة بها وتلوينها باللون الأخضر، إلا أننا اكتفينا بأنها تكون موانع مساحة شاسعة تحمينا ضد كل من يغزونا لصعوبة وصولها لنا في الوادي، حتى أصبحت عبءً كبيراً علينا.
- وصدمتنا فى نكسة 67 باستعمار صحراء سيناء أكبر مانع صحراوى شرقى لنا فى ست ساعات!.
- وعبر لنا ثروت البحر فى لوحة له رائعة زيتية واستخدام وسائط أخرى لسيارة خردة دون عجل مغروزة ثابتة في رمال الصحراء، ويجلس بداخلها سائق يشير بعلامة النصر بشكل تهكمى واستفهامى؟.. أى نصر هذا!؟..
- والمشهد يعبر عن مدى الهزيمة والزيف والعجز الصارخ الذي وصلنا له!..
- كما تصوره وسائل إعلامنا لنا.. أيها الشعب نحن دائماً منتصرون..دائماً..! كيف والهزيمة والجوع والجهل والفقر يسكنون فينا!..
- نعم كما ورثنا الأهرامات ورثنا الصحراء.
- هذا المتسع الذى لم يتغير من حولنا منذ أن خلقنا ونحن معه، وهذا الاتساع الشاسع هو الامتحان الصعب للبشرية، الشاهد الأكبر على خمولنا وكسلنا، من رغم درسها لنا نحو اتساع الأفق في رؤيتها والحياة بها، ومن رغم أن العلم الحديث واللقطات الجوية لما وراء الأجسام المرئية أقرت أن الصحراء الغربية عائمة على أكبر بحيرة مياة جوفية فى المنطقة تكفينا مئة سنة حياة قادمة.
- نعم سعينا إلى إقامة الخيم والابراج بها ولم نسعى لتخضيرها وتحضرها والعيش فيها في سلام اجتماعي.. شغلنا تفكيرنا كله في من سيبقى في قمة الهرم ليحكمنا.. واكتفينا لأنفسنا بجلدها وعتابها ونحن فى مكاننا دون حركة محسومة ومحسوسة لأعلى.
- ولم يكتفي بالتصوير الزيتي فقط ثروت البحر في لوحاته بل اضاف اليها بعض القصاصات من بعض الملصقات الصحفية وبعض العناوين الصحفية، إسقاطاً على المعنى المضاد والتأكيدى لها فى نفس الوقت.
- ثروت البحر مصري عربى للنخاع مدرك تماماً أن الدين مكون روحى أساسى فى تكوين الشخصية المصرية من قديم الأزل ، بينه وبين خالقه قصة عشق لاتنتهي واستمرت آلاف السنين، تجلت من بداية دعوة إخناتون للتوحيد ودعوته التي تحلت بالمرونة والتواضع والتسامح والوحدانية لاله واحد.. حتى اعتنق أهلها الأديان السماوية بيسر وسماحة، والتى استقرت فى النهاية غالبيتها على الإسلام، وتعميم اللغة العربية لغة القرآن على شعبها.
- فقرر أن يسبح فى سحر معناها اللغوى والشكلى، ومدى مرونة خطها الرشيق ذات الإيقاع الموسيقي الرائع، والذي أبدع الفنان المسلم في خلق طرق شكلية متنوعة للخط العربي، منها الكوفي والثلث والديوانى والرقعة والنسخ والمجسم، بنظام وقانون صارم انعكس على إدارة حياتنا على مبدأ التسامح والتعاون والتماسك.
- هنا ثروت البحر حاول أن يضيف جماليات شكلية برسم الخط العربي، وتوظيف بلاغة وليونة لغتنا العربية وانحنائها واحتضان بعضها البعض بانسجام تام، بشكل متماسك عذب كالبنيان المرصوص.. مرتبطة بالعمق التاريخي للمصرى القديم، معبرة عن عمق معانيها الذى لا ينتهى.. فقدم لنا أعمالا فنية موسيقية تشجينا.
- لاشك أن اللغة العربية عبرت عن هويتنا فى الألف عام الأخيرة.. ومازالت لأننا امداد لها، من رغم البعض للأسف يسعون بالقفز عليها وتجاهلها ، بشكل مختل وأعرج والعودة بتعليم اللغة الهيروغليفية.. لماذا؟..
- انصياع أعمى لتحقيق هدف استعمارى صهيونى بدأ من بعد حرب 1973 بعزل مصر عن المنطقة جغرافيا وتاريخيا وثقافيا.
- اللغة العربية هي التي أقرت أن الكلمة شرف وجمال وعبادة، وكما هناك كلمات كالنور وبعض الكلمات قبور، هناك محاولات شعرية لبعض المنافقين استخدموا اللغة العربية أسوأ استخدام في المدح والذم للتملق والنفاق إلى السلاطين لصب لعنته على المعارضين لهم، وبقدر ما يدفع لهم!.
- فى ختام رحلتي مع فن ثروت البحر بقى سؤال سألته لنفسي.. أحبه أن أطرحه عليكم نفكر فيه سوياً بصوت عالي.
- أين البشر في أعماله الفنية طوال هذه المسيرة الطويلة؟.
- إجابتي أنا المتواضعة من وجهة نظري.. أعتقد أن ثروت البحر كان يرى في الأفق البعيد أن البشر زائلون، يتبخرون وتبقى منهم ذكريات أفعالهم.. أما المكان باقي ودائم وشاهد.. فعندما نرى صورة قديمة لمكان ما وبه مجموعة من البشر، ندرك انهم برحيلهم وتركوا المكان شاهدا عليهم.. المكان هو الباقي دائماً.
- ومن الناحية الثانية وعلى النقيض وجه كل انتاجه الادبي إلى البشر، فخص الكلمة لهم للفعل بها، والصورة للمكان للتأمل والتفكر لما نصنعه فيه.. أعتقد ذلك هي فلسفة ثروت البحر.
- وأخيراً وليس آخراً.
- عزيزى الفنان النبيل ثروت البحر:
- كل عام وحضرتك طيب وبخير وصحة وعافية ومقاومة.. بمناسبة حلول ذكرى يوم ميلادك.
منذ أن نلت شرف الاقتراب منك بشكل شخصى وكأن الأرواح المشتركة على ميعاد قدرى بلقائى معك عن قرب.. اكتشفت شيئين رائعين تتحلى بهما حضرتك.
- الأول..
- ما شاء الله عزيمتك وايمانك القوي جدا بالله، وبإرادتك التى رفضت فكرة الاستسلام طالما مازالت حياً.. وإصرارك على تأكيد وجودك و المقاومة فى العلاج والخروج من هذه الكبوة بكل إيمان.
- الثانى:
- ما شاء الله إيمانك فى العطاء الدائم بهدوء وبعبقرية واضحة.. لخصت فى بحثك العقلى الذى كان المفروض أن يستريح ويهدأ.. وأخذت كل شىء بجدية بضرورة تأمليه والتفكر فى أمر حالنا وكل ماحولنا للخروج من كبوتنا.
- أعزائي القراء
- أرجو أن أكون وضحت لكم في هذه الرحلة البسيطة نموذج مشروع إنساني متحضر بهدوء، لم تمنحه الظروف أن يتحرك وينتشر ويلمع ، شغل همه طوال عمر مشواره أن يبدع ويعطي في صمت، تجربة ثرية لفنان نبيل ومثقف مسؤول، منتمٍ لهذا الوطن بكل جوارحه.
- مصدر نور، في حاجة إلى إعادة قراءته وقراءة تجربته مراراً بحرص وتدقيق وحب واهتمام وطني به لكل من يملك المسؤولية والشعور الحى.
- لأنه بحق قيمة وقامة حقيقية نفتخر ونعتز انها تسكن معنا في هذا الوطن.. وأن قيمة هذا الوطن تقدر بمثل هؤلاء المبدعين الحقيقيين الصامتين.. فرأيت من واجبي رد الاعتبار له ولو بالكلمات. وهي كل ما أملك.
- شكراً لك أيها الفارس المقاوم النبيل.
-أنا ممنون لحضرتك.
انتهت دراستى.

19-2-2025

بقلم : أيمن أبوزيد
من صفحات التواصل الاجتماعى (الفيسبوك)19 -2-2025
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث