المرأة والرمز في لوحات هالة الحداد: قراءة فى معرض `يا لالة`
- `هالة الحداد` هي فنانة مصرية تنتمي إلي المدرسة الفنية المعاصرة في الإسكندرية والتي تمتاز بتزاوج التأثيرات المتوسطية مع الأصالة المصرية، ويعتبر طرحها الخاص لموضوع المرأة يميزها عن غيرها من الفنانات، لا من حيث الموضوع فحسب، بل من حيث الرؤية الفلسفية والعمق الرمزي الذي يحيط بأعمالها، وتأتي تجربة الفنانة هالة الحداد كحالة إستثنائية تستحق القراءة والتحليل، ففي مشهد فني تشكيلي مصري غني بإبداعات نسوية، تم إفتتاح معرضها الأحدث `يا لالة` والتي إفتتحته الأستاذة د/ نفين غريب - عميدة كلية الفنون الجميلة جامعة الأسكندرية في 7 سبتمبر 2025 بجاليري فيرميلون بالإسكندرية والذي يستمر حتي الأول من شهر أكتوبر 2025، والذي يمثل محطة جديدة في رحلتها الفنية، حيث تغلغلت فيها بأعماق الذات الأنثوية وكشفت عن رموزها الخفية، هذا المعرض الذي ضم مجموعة متميزة من اللوحات (40 لوحة) بمقاسات وأحجام وتقنيات مختلفة، يقدم بانوراما متكاملة لتجربة الحداد الفنية، من خلالها تستعمر المرأة كموضوع مركزي وككيان رمزي يحمل في طياته طبقات متعددة من الدلالات والمعاني، وُلدت هالة الحداد في الإمارات - أبوظبي، لكن جذورها الفنية امتدت لترسو في الإسكندرية حيث استقرت وعملت كهيئة تدريس في قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية، حصلت على درجة الماجستير في `التشخيص المصري المعاصر بين الفكر والمحاكاة البصرية`، ثم نالت درجة الدكتوراة في فلسفة الفنون الجميلة بعنوان `أثر فناني الغرب ذوي الجذور الأفريقية على فن التصوير المعاصر`، هذه الخلفية الأكاديمية العميقة أسست لوعي فني مميز، يجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين الجذور الأفريقية والهوية العربية، بين الفكر النظري والممارسة العملية، معرض `يا لالة` يحمل في عنوانه دلالة على التبجيل والتوقير، فكلمة `لالة` أو للّا هي كلمة ولقب باللغة الأمازيغية تعني `السيدة`، يُعطى في بلدان المغرب العربي للنساء اللاتي ينتمين إلى عائلات كبيرة أو لهن مكانة مهمة، حيث جرت العادة على أن يُنسب هذا اللقب إلى النساء اللاتي من نسل آل البيت، كما يُعتمد حاليا من قبل أميرات القصور الملكية في المغرب، ويمكننا مقارنة لقب `لالة` بلقب `مولاي` أو `سيدي` للذكور، وهذا الاختيار اللغوي يضعنا أمام رؤية فنية تقدس المرأة وتحتفي بها، لا كجسد فحسب، بل ككيان وجودي يحمل في طياته أسرار الخلق والحياة، ويضم المعرض أعمالاً تنتمي لمراحل فنية مختلفة من مسيرة الحداد، بدءاً من دراسات القلم الرصاص والمونوكروم، مروراً بمرحلة تصوير الجسد الأفريقي وإستخدام ورق الذهب، ووصولاً إلى مرحلة التجريب اللوني والتعبير عن الفقد والمرأة بمفهومها الأعمق، هذا التنوع التقني ليس مجرد تطور زمني، بل هو إنعكاس لرحلة البحث الذاتي والروحي التي تخوضها الفنانة للوصول إلى جوهر الأنثى ومعانيها الرمزية، وتبدأ رحلة الحداد مع المرأة من التشخيص الواقعي الذي يلتقط تفاصيل الجسد الأنثوي بكل ما يحمله من جمال وتعبير، لتنتهي إلى التجريد الرمزي الذي يختزل المرأة في أشكال وألوان تحمل دلالات تتجاوز المظهر المادي، في مرحلة المونوكروم والقلم الرصاص، حيث نجد الفنانة تبحث عن الهوية الأساسية للمرأة بعيداً عن ألوان الحياة وبهرجتها، هنا تكون المرأة في صورتها الأولية التي تحمل في طياتها الأنوثة الخالصة ونقاءها، و في مرحلة تصوير الجسد الأفريقي تنتقل بنا الحداد إلى أبعاد أنثروبولوجية أعمق، حيث تبحث عن جذور الأنوثة الأفريقية، تلك الجذور التي تمتد إلى بدايات البشرية، حيث الجسد الأفريقي هنا ليس مجرد موضوع جمالي بل هو رمز للأصل والبدائية والطاقة الحيوية الخام التي تجسدها المرأة عبر العصور، هذا الاتجاه يتوافق مع خلفية الفنانة الأكاديمية وأطروحتها حول تأثير فناني الغرب ذوي الجذور الأفريقية على الفن المعاصر، وتمثل مرحلة الفقد في أعمال الحداد منعطفاً وجودياً في تعاملها مع موضوع المرأة، هنا لا تعود المرأة مجرد جسد أو كائن جمالي، بل تصبح رمزاً للفقد والغياب والاشتياق، هذه المرحلة تعكس رؤية فلسفية للأنثى ككائن يعاني من فقدان الهوية والوجود في مجتمع يفرض عليها أدواراً وقيوداً قد تُفقدها جوهرها الحقيقي، الفقد هنا قد يكون فقدان الذات، أو فقدان المكان، أو فقدان الهوية في عالم يبحث عن الصورة لا الجوهر، ويأتي معرض `هن` للفنانة كأحد التجارب السابقة التي تؤسس لمعرض `يا لالة`، ليعمق من الرمزية التي تحيط بالمرأة، كلمة `هن` الضمير الذي يجمع المؤنث، تحمل في طياتها تعددية الأنثى وتنوعها، المرأة هنا لا تكون شخصاً واحداً، بل هي مجموعة من الشخصيات والحالات والهويات، هذه التعددية تظهر في تنوع التقنيات والخامات التي تستخدمها الفنانة، كما تظهر في الموضوعات التي تتراوح بين الفرح والحزن، بين القوة والضعف، بين الواقعية والتجريد، وعند مقارنة تجربة الحداد مع تجارب فنية أخرى معاصرة من نفس جيلها نجد أن تجربتها تميزت بما وصفه النقاد بـ `الرومانتيكية` التي لا تقتصر على الحب بل تتعداه إلى `إحساس دائم بالمأساة` مع غنائية شديدة كحالة من المواساة الذاتية أو تأكيد لهذه الذات. هذه السمة تبدو واضحة في معرض `يا لالة` حيث تمزج الفنانة بين الجمالي والتراجيدي في تصويرها للمرأة، وخاتماً يمكن القول بأن معرض `يا لالة` للفنانة هالة الحداد يمثل إضافة نوعية للمشهد التشكيلي المصري والعربي، لا من حيث القيمة الجمالية فحسب، بل من حيث العمق الفكري والرمزي الذي يقدمه من خلال أعمالها، تنتقل بنا الحداد من المرأة كموضوع فني إلى المرأة كرمز كوني يحمل في طياته كل تناقضات الوجود البشري: القوة والضعف، الجمال والمعاناة، الواقع والحلم، المادة والروح، فالحداد لا تقدم إجابات جاهزة عن أسرار المرأة، بل تطرح أسئلة وجودية تدعو المتلقي إلى التأمل والبحث عن إجاباتته الخاصة. في هذا المعرض، تصبح المرأة مرآة تعكس فيها الفنانة أسئلتها الوجودية، كما تصبح مرآة يرى فيها المتلقي أسئلته الخاصة حول الذات والوجود والعلاقات الإنسانية.
بقلم : أ.د/ مني غريب
جريدة: القاهرة 23-9-2025