`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
تحية محمد حليم

- تحيه حليم الفنانة الإنسانة عاشقة الفنون اكتسبت ريشة الفنانة تحية حليم الرقة والحس المرهف ، قد عاشت فى مرسمها بعيدة عن الضوضاء .
- ويتميز لها طابع خاص سهل الفهم والامتناع ، صلب التركيبة - له تركيبة سحرية حققت معادلة السهل الممتنع . واهم مفردات تلك المعادلة ` العنصر القومى ` الذى اهتمت به فى أعمالها إيماناً منها بالاهتمام بكل ما هو محلى وقومى وإبرازه ، فوصلت للعالمية بقوميتها .
- تهتم الفنانة تحية حليم بالبناء فى اللوحة مستخدمة كل ما درسته أكاديميا مع إجادتها لتفاعل الخطوط الرأسية والعرضية والتنويع فى الخط واللون لخلق توازنات محسوبة يضاف الى ذلك عنصر مهم وشديد الفاعلية وهو عنصر التلقائية لتخرج معادلتها الفنية ممزوجة بلا نشاز أو تفكك (قوة + بناء معمارى + تلقائية + فن سهل ممتنع )
- فنها ممزوج بالصدق الكامل والإنسانية المتمثلة فى لوحاتها مع الإحساس بالحرية والانطلاق المتمثل فى الرغبة فى تذويب الحدود والخطوط المتصلة فهى تبنى اللوحة وتحررها ليطيرا معاً . كما أن لوحاتها تتسم بديناميكية الأشياء بداخلها وهى متعة التلوين تهتم باللون الأسود بعيداً عن مفهوم الحزن والتشاؤم ولصيقا بمفهوم الكمال ، واللون الأحمر عندها هو اللون الطوبى الوقور لون طمى النيل وسمرة البشر الكادحين واللون الذهبى لون الثراء والغنى وتنشره فى لوحاتها بحكمة أما اللون الأخضر فهو لون الحياة والخضرة الذى استخدمته بكثرة فى العديد من لوحاتها ممتزجاً باللون الأبيض لتنويع الدرجات
- تحية حليم فنانة استطاعت ان تعزف بفرشاتها أروع انشودة للحب والسلام والتلقائية فى الفن .
ماجدة رمزى
مجلة فكر وفن

- وهكذا تخرج الألوان من تحت ريشة تحية حليم وكأن المرئيات مرت بمصفاة هذبت الاجسام وخففت الخطوط وكأن المصفاة الدقيقة تتناول العناصر بالتحريف والتبديل هذه الآلة من شعاع البصر الشارد بعض الشرود ، يرى على هذا ويقيد بحسب رفات العين ، تردد بين الانفتاح والاغماض تستجلى وتتوهم فى آن واحد .
د. بشر فارس


- الفنان ذو القدرة الخيالية العالية هو من خلق المواقف التى لم يفكر فيها أحد من قبله وتحية حليم من هؤلاء الفنانين المبدعين ذوى القدرة الخيالية العالية إنها تتصور الأشياء المصرية القديمة مخلوطة بطمى وادى النيل فى صورة أبناء النوبة الحديثة . إنها صور لم توجد من قبل وقد لا توجد بعد ذلك .
د. لويس عوض


- أهتدت بصيرة تحية حليم الفنية الى صياغة نسيج تصويرى باهر يمتزج فيه تراث البيئة على جوها النفسى بإدراك للاتجاهات التصويرية المعاصرة ، مع امتلاك هبة نادره .. هبة ابداع لوحاتها نبض الحياة ، والنفاذ الى سر الموسيقى فى الألوان ، القدرة على أن يكون للوحاتها حضور تشكيلى يستحوذ على الرائى بسحرها الخاص .
بدر الدين أبو غازى


- إن لون الطينة المحروقة عند تحية حليم هو لون قادر على تجسيد عالم بأكمله .. قادر على استدعائه وتمثله .. إنه لون يلخص فى داخله عملية تفاؤل كاملة فى البيئة الطبيعية لمصر . إنه يبدو كنتيجة لتشرب الأشياء والموضوعات والكائنات لأشعة الشمس وحرارتها المميزة . لون `محلى ` بالمعنى الدقيق للكلمة لون نلقاه فى ما حولنا من طمى النيل والفخار المحروق وسطوح التلال المحيطة بشريط الوادى الأخضر والوجوه السمراء وجدران البيوت .
محمد شفيق


- إنها ترسم بتلقائية وفى اندفاع حسى ورغبة فى التحرر والانطلاق اللا محدود ، وهى دائما تمقت كل هندسية صريحة رغم أن تكويناتها محسوبة بعناية فاللوحة عندها بناء متكامل مرتكز على هيكل معمارى راسخ غير أن النبض الحى يسرى فى لوحاتها عندما تقوم بتحطيم الأطر الهندسية الجامدة .


د / صبحى الشارونى


- بالرغم من الدراسات الأكاديمية التى اجتازتها الرسامة الملونة : تحية حليم فى مصر وفرنسا ، فقد انطلقت خلف جموحها العاطفى، واعتمدت على الإسقاط الفورى لمشاعرها، قد لا تصوغ لمساتها اللونية بدقة لكى تحتفظ بقشابتها ونضارتها وطاقتها الكامنة . كما فى لوحة `عراك ` التى يمسك فيها رجل بخناق اخر / لمسات مباشرة للتعبير الطليق عن الأحاسيس الذاتية والاجتماعية، إلا أن بعض روائعها بعناية ومحسوبة المعايير .
مختار العطار


- الخيط الاساسى فى تطور فن تحية حليم هو التغنى بالقيم الإنسانية فى اطار من الوقار اللونى والرصانة التعبيرية والمفاهيم المصرية الخالصة ، مع تصعيد كل ذلك الى تكوينات تتعدى اللحظة الحاضرة كى تصبح ترانيم على مر السنين باقية
د. نعيم عطية


- بقدر ما توهجت تحية حليم بالحنين والحنان وانكسرت أمامها حدود الزمن .. التقت بالفن الفرعونى ، ومنه تعلمت روائعه الفريدة وتداخل اللون فى خامة الجدار ، ما ينتج ملمساً خاصاً ويعطى الانطباع ان الرسوم تتنفس وتنبض.
كامل زهيرى


- لا تجرى وراء الخط الخارجى أو تحافظ على وحدته ، بل كثيراً ما يضيع جزء من هذا الخط بين مساحتين ، بذلك لا تقترب تحية حليم من أى فن قديم ، ولكنها فى الوقت نفسه لا تعتمد على الظل والنور والبعد الثالث ، بل باتجاهها لبعدى اللوحة تكاد تقترب من الرسوم الحائطية التى ــ رسمت فى القرون الوسطى.
حسن سليمان


- وأسلوب تحية حليم أفضل شاهد على العلاقة الوطيدة بين المحلية والعالمية فالرائى للوحاتها فى أى بقعة من العالم يدرك من الوهلة الأولى عمق مصريتها ، وكأن تلك اللوحات اكتشفت حديثاً داخل أثر فرعونى ، أو كأنما صاغتها يد فنان فطرى من أعماق الريف ، لاتنم عن صنعة متقنة أو قواعد أكاديمية أو استعراض لمهارات أسلوبية مبهرة ، لكنها محملة بحس قوى بالبيئة ، بلون الطمى ، بملمس الجدران المتآكلة ، بملامح الوجوه المصرية السمراء ، بوهج العيون فى أقنعة مقابر الفيوم ، بروح الرسوم الشعبية فى الكتب القديمة من بغداد الى مصر ، حيث يتضاءل الاهتمام بالتسجيل الحرفى للطبيعة ، ليحل محله الاهتمام بالتعبير عن (المعنى الكلى ) للموضوع .

عز الدين نجيب

تحية حليم فى رؤى معاصرة بالمسار
عرض جاليري المسارباقة من إبداعات الفنانة الرائدة تحية حليم ( 1919 - 2003) التي تبوأت مكانة بارزة كواحدة من جيل الرائدات وعلامة بارزة فى الاتجاه التعبيرى فى حركة الفن التشكيلى المصرى الحديث . وتحية حليم، من فناني جماعة الفن المعاصر التي أسسها الفنان الرائد حسين يوسف أمين، وقد عبرت الفنانة في أعمالها عن الشوق إلى إحلال الجماليات المصرية باعتبارها معادلاً للكبرياء الوطني، فإن الجمال لم يعد قائماً لديها في الطبيعة الصامتة أو الزهور.
وقد اشتهرت الفنانة باسم ` عاشقة النوبة `، فقد زارتها أول مرة عام 1961 مع رحلة الدكتور ثروت عكاشة الشهيرة لفناني وأدباء مصر وذلك لتسجيل ملامحها والتعرف على خصائصها قبل أن تفرقها مياه بحيرة ناصر. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت موضوعات النوبة هى التى تشغل معظم لوحات الفنانة وذلك لما لمسته فى طباع النوبيين من ذوق ونظام ونظافة وأمانة يتميزون بها مع وجود بقايا ملامح من الحضارات التى مرت بمصر محفوظة فى تلك المنطقة وكأنها متحف حي للحضارات القديمة. إن فن تحية حليم يستند إلى التراث القديم ويسود خطوطها مظهر فطرى بينما يظهر فى ألوانها على أشكال الوعى بقيمة اللون .فألوانها المتداخلة وتشابكها الذى يبدو عشوائياً يبرز من بين لمساته خلفية دافئة اللون تفصح عن خبرة طويلة وحساسية فائقة.
اكتسبت ريشة الفنانة تحية حليم الرقة والحس المرهف، قد عاشت فى مرسمها بعيدة عن الضوضاء. ويتميز لها طابع خاص سهل الفهم والامتناع، صلب التركيبة - له تركيبة سحرية حققت معادلة السهل الممتنع، وأهم مفردات تلك المعادلة ` العنصر القومى ` الذى اهتمت به فى أعمالها إيمانا منها بالاهتمام بكل ما هو محلى وقومى وإبرازه ، فوصلت للعالمية بقوميتها .
تهتم الفنانة تحية حليم بالبناء فى اللوحة مستخدمة كل ما درسته أكاديميا مع إجادتها لتفاعل الخطوط الرأسية والعرضية والتنويع فى الخط واللون لخلق توازنات محسوبة يضاف إلى ذلك عنصر مهم وشديد الفاعلية وهو عنصر التلقائية.
كما وصفها المفكر الراحل د. لويس عوض من هؤلاء الفنانين المبدعين ذوى القدرة الخيالية العالية إنها تتصور الأشياء المصرية القديمة مخلوطة بطمى وادى النيل فى صورة أبناء النوبة الحديثة. إنها صور لم توجد من قبل وقد لا توجد بعد ذلك.
تحية حليم ولدت في 9 سبتمبر 1919 بالسودان كان تعليمها الأولى داخل القصر الملكي حيث نشأت مع والدها كبير ياوران الملك فؤاد، درست فى المدارس الفرنسية بعض الوقت، ثم درست الرسم على أيدى أساتذة مثل يوسف طرابلسي (لبناني) وجيروم (يوناني) ثم تتلمذت على يد الفنان حامد عبدالله بمرسمه عام 1943 وبعد زواجهما عام 1945 سافرا إلى باريس حيث التحقا بأكاديمية جوليان عام 1949 وتخرجت فيها عام 1951. وانتدبت للتدريس بالكلية الفنية للبنات بالزمالك1959، ثم حصلت على منحة تفرغ من الدولة 1960-1988. عينت عضوا بالملجس الأعلى للفنون1980-1981، ثم عضوا بمجلس الإدارة لأتيليه القاهرة للفنانين والأدباء لمدة خمس سنوات، لها أسلوب مصري صميم مستوحى من الفن المصري القديم والقبطي والإسلامي، أقامت 45 معرضا بالداخل والخارج .
وقال عنها الفنان الناقد الراحل د.صبحى الشارونى: `إنها ترسم بتلقائية وفى اندفاع حسى ورغبة فى التحرر والانطلاق اللا محدود، وهى دائما تمقت كل هندسية صريحة رغم أن تكويناتها محسوبة بعناية فاللوحة عندها بناء متكامل مرتكز على هيكل معمارى راسخ غير أن النبض الحى يسرى فى لوحاتها عندما تقوم بتحطيم الأطر الهندسية الجامدة ` .
وقال عنها الناقد الراحل مختار العطار: ` بالرغم من الدراسات الأكاديمية التى اجتازتها الرسامة الملونة ` تحية حليم` فى مصر وفرنسا، فقد انطلقت خلف جموحها العاطفى، واعتمدت على الإسقاط الفورى لمشاعرها، قد لا تصوغ لمساتها اللونية بدقة لكى تحتفظ بقشابتها ونضارتها وطاقتها الكامنة ، كما فى لوحة `عراك` التى يمسك فيها رجل بخناق آخر، لمسات مباشرة للتعبير الطليق عن الأحاسيس الذاتية والاجتماعية، إلا أن بعض روائعها بعناية ومحسوبة المعايير` .
نجوى العشرى
جريدة القاهرة 19 /8 /2014
فنانة تصطاد نبل المرأة وكبرياء الرجل
- يوسف طرابلس مدرس الرسم السورى هو أول من علم الفنانة تحية حليم (1920) أصول الحرفة فى الثلاثينات ، أما الفنان حامد عبد الله- الذى تزوجها فيما بعد - فكان صاحب الأثر الأكثر وضوحاً فى سنوات التكوين الأولى.
- وتبقى لأكاديمية جوليان فى باريس، الدور الحاسم فى انتقال تحية حليم من مجرد فتاة هاوية ينعشها قلق الفنانين، إلى فنانة مستقرة تمتلك ناصية الخط واللون والبعد الثالث بامتياز.
- عاشت الفنانة فى باريس ثلاث سنوات من (1949-1951) أثناء الدراسة فى الأكاديمية إياها، ومن الطريف أن والدتها هى التى كانت تنفق عليها فى هذه الفترة ، وهناك ارتحلت بشغف من متحف لآخر، واطلعت على آخر أساليب الفن والإبداع .. اعتصرها الاضطراب والقلق الفكرى الذى ساد أوروبا بعد انتهاء ورطة الحرب العالمية الثانية.
- انحازات الفنانة للبسطاء وأصحاب الحقوق المهضومة، فرسمت فى الأربعينات لوحة ` المظاهرة ` ، التى تعبر عن ثورة الطلبة والعمال ، ضد الانجليز والقصر، ولوحة ` اللاجئين` التى كشفت الغطاء عن الكابوس الذى يعيشه لاجئو فلسطين بعد الاحتلال الاسرائيلى.
- جاءت هذه الأعمال تأاثيرية الطابع. منضبطة الإيقاع، واضحة اللون والتكوين، مشحونة بحس تعبيرى بليغ .
- يقول الدكتور لويس عوض عن فن تحية حليم فى هذه الفترة ( هذه الحساسية الاجتماعية لم تمنعها من استحياء الطبيعة كما فى لوحة ` منظر ولوحة على شاطئ البحر الأحمر` ، أو استحياء الصور الإنسانية كما فى لوحة ` طفل ولوحة وأمومة` ) .
- عندما انتهى العدوان الثلاثى على مصر (1956)، تخففت الفنانة من التأثيرات الباريسية ونعومة الطبيعة، واحتضنت الإنسان المصرى والعربى المكافح ، الذى وقف يصد هجوم دول طاغية، صورته بود، اصطادت أحزانه ، هجرت القوانين الأكاديمية الرتيبة ، وجنحت نحو التعبيرية ، زهدت فى البعد الثالث ، واختارت الخطوط الصارمة مع اقتناص حكيم للألوان الصريحة وصنع ملامس أسطح خشنة .
- توجد الفنانة تحية حليم رحلتها الفنية بمرحلة ` النوبة` فى أوائل الستينات ، حيث زارت هذه البلدة التى تقع فى جنوب مصر ، قبل أن تنقل الدولة بيوت أهلها ، خوفاً من أن تغرقها مياه السد العالى الذى بدأ العمل فى إنشائه آنذاك.
- هناك عثرت على صندوق المجوهرات الثمين الذى يتمثل فى آثار الأجداد، فامتصت بهدوء ومن دون انفعال عصارة الحضارة المصرية القديمة ، حيث رسوخ التكوين وفخامة المعابد، وجلال ورشاقة البشر، رسمت تحية شح البيوت الفقيرة، وأحزان الناس دون إغفال كبريائهم .
- جاءت أعمال هذه الفترة كاملة الاستواء، تنتمى ولا تتعالى، لقد تخلصت من سطوة المنظور الأكاديمى إلا قليلاً، ومالت نحو الأحمر والجلاليب السوداء، ولانت لها وجوه الناس، ثم استثمرت ضوء الشمس المبهر فى جنوب الوادى ، كى تؤكد مساحات الضوء التى تنبعث من كهوف العتمة.
- أما أعمالها الأخيرة ، فتعرض علينا فيها أكثر من مئة ` اسكتش` لأول مرة ، رسمتها ما بين عامى 1943-1981، والتى تحتوى أعمالأ بالقلم الرصاص والفحم الألوان المائية وتعالج هذه اللوحات موضوعات عديدة، من أول أبهة شوارع باريس ونظافتها، حتى الحزن الأبدى للفلاحات المصريات، مروراً برشاقة راقصات البالية، والمناظر الخلابة للحدائق فى يوغسلافيا سابقاً.
- كما تعرض علينا الفنانة تحية مجموعة أخرى من ` الاسكتشات` تتناول الجسد الانسانى- الذى فتن الفنانة- من خلال دراسة التشريح، واحترام النسب والاحتفال بالفورم ، مع ميل واضح لاختيار زوايا متعددة تبرز نبل المرأة وكبرياء الرجل .
- ورغم أن ` الاسكتش` يعتبر بروفة لعمل كبير، أو فعل اقتناص للحظة مدهشة بصرياً ، إلا أن ` اسكتشات` تحية حليم جاءت فى معظمها مكتملة الأركان، من حيث إحكام التصميم ومتانته وتوزيع الظل والنور.
- ففى لوحة ` البنات`- والتسمية من عندنا - نرى صبية من الفقراء، تقف فى أول المشهد وتنظر للمشاهد بدرجة ما من التحفز ، وخلفها وقفت مجموعة أخرى من صديقاتها يشاركنها النظرة اياها تقريبا ً.
- حافظت الفنانة على انضباط النسب التشريحية ، وأكدت الفورم باستخدام التظليل بالقلم الرصاص، خاصة من الوجوه ، ولم تهتم كثيراً بتفاصيل الملابس واكتفت بخطوط أفقية وعرضية قوية تحدد الشكل العام لهذه الملابس، إنه عمل بسيط تنثر فيه الخطوط بعفوية وسرعة لكن من دون فوضى، حتى تستطيع الفنانة اصطياد هؤلاء البنات البائسات ونظرتهن التعيسة ويتحقق كمال ` الاسكتش`.
- تحية حليم التى تعانى المرض الآن. وترقد وحيدة فى منزلها بالزمالك ، تمثل التاريخ الكريم لدور المرأة المصرية فى الحركة التشكيلية ، فلا عجب ولا غرابة أن تحصل على جائزة الدولة التقديرية ، ولا عجب ولا غرابة أن تقتنى أعمالها أهم المتاحف المحلية والعالمية .
بقلم: ناصر عراق
من كتاب ملامح وأحوال
رحلت فى هذا الشهر من 13 عاما وبقيت أعمالها خالدة تحية حليم.. اختار `هربرت ريد` أحد أعمالها لجائزة جوجنهايم
- تحية حليم ..
القيمة الفنية المصرية الأصيلة النابتة من الجذور جاءت أعمالها خاصة لنسيج تصويري نابض بالأبعاد الذاتية والاجتماعية والسياسية والخيالية أيضا.
عرفت ترانيم القيم الإنسانية وتغنت بها على مسطحات أعمالها بلمسات لونية معجونة بإحساسها المتدفق ومخلوطة بطمي النيل خرجت إلى باريس لتكتسب الحداثة وتثرى بها عوالمها الأسطورية والفلكورية والتراثية
ولدت تحية حليم عام 1919 فى التاسع من سبتمبر ، وعاشت حياة حافلة بالعطاء الإبداعي المتجدد الى أن رحلت عن عالمنا فى مثل هذه الأيام من عام 2003 .
لقد كانت البداية الحقيقية لتكوين وجدان الفنانة الكبيرة تحية حليم هى فترة دراستها فى باريس عام 1949 على أيدى كبار الفنانين والتحقت بأكاديمية `جوليان ` لتدرس الفن أكاديمياً وتشارك بأعمالها فى المعرض المصري بلندن، سعت للتطلع والإطلاع على أحدث الأساليب الفنية حيث أنها مولعة بالفن والرسم منذ الصغر فقد تلقت تحية دروساً فى الفن على يدى الفنان حامد عبد الله- الذى تزوجها عام تحية حليم وحامد عبد الله علامتان بارزتان فى تاريخ الفن التشكيلي المصرى الحديث ولأن لكل منهما شخصيته الفنية الخاصة لم تستمر حياتهما الزوجية التى انتهت بالطلاق عام 1957 فى روما ومنذ ذلك التاريخ شقت تحية حليم طريق الفن والإبداع بعد فترة من الوعي الأكاديمي بدأت فى مرحلة باريس والتى صقلتها من الناحية الثقافية من خلال ترددها على المتاحف وتعرفها على الفنانين الجدد وتؤثر عليها الانطباعات الباريسية لترسم بالألوان المائية`حديقة باريس` وصورت بريشتها الثلوج فى لندن فى لوحة `من النافذة` وكذلك `الحي اللاتيني` سيطرت خلالها على الشكل واللون وتمكنت من رسم الطبيعة بتقنيات منحتها الانطلاق لعالمها الخاص وعادت به لمصر فى بداية الخمسينات وهى مكتملة النمو الفني لتتخذ خطواتها بثقة فى محراب الفن الذى وهبت حياتها له!
لقد كانت فترة الأربعينيات تمثل الاهتمام بالدارسة بالأكاديمية التقليدية والتى رسمت فيها `رأس عجوز` و `رأس امرأة` عام 1943 وهما من مقتنيات متحف الفن الحديث بالقاهرة وضح فيهما اهتمامها باللمسات اللونية والكتلة والوعي بالبعد الثالث وكانت تميل فى أعمالها إلى تصوير المجموعات البشرية فى تلك الفترة والتى أسماها الناقد إيميه عازار `مرحلة الجماهير` فكانت لوحات `الخروج من المسجد` و `القرية` و `القافلة`و `المظاهرة` بالإضافة إلى العديد من الأعمال التى ابدعتها قبل سفرها إلى باريس محطة نضوجها الفني والتى سيطرت خلالها على أدواتها وأخذت تخطو بثقة نحو استلهام البيئة والحياة اليومية المصرية بعد عودتها لتتخذ من التعبيرية المصرية منهجا لإبداعها فترسم `الصيادون` و `تكوين` عام 1955 وقبلها `حريق القاهرة` و `رماد` عام 1952و `قطتي` و `الأسرة` و `أمومة` عام 1953 و `طهور` عام 1956 و `السقا` و `الخبز` عام 1958.
أول جائزة
إنها جائزة `جوجنهايم` التى حصلت عليها الفنانة الراحلة تحية حليم عام 1958 بعد طلاقها بعام واحد حينما تقدمت بلوحتها `حنان` إلى تلك المسابقة والتى اختارها الناقد العالمي الشهير `هربرت ريد` لتفوز بالجائزة الأولى على 36 دولة مشاركة ويضم متحف جوجنهايم بنيويورك هذه اللوحة ضمن مقتنياته إلى جوار أعمال فناني العالم المشاهير وقد قدمت أعمالها لمعرض صالون القاهرة فى ذات العام لتحصل على الميدالية الذهبية، وانتقلت تحية من حجرة على سطح منزل الأسرة فى مصر الجديدة إلى مرسمها على نيل الزمالك، والذى أصبح شقتها فيما بعد حيث استقبلت فيه الراغبين فى تعلم الفن والهواة من أبناء العاملين بالسلك الدبلوماسي لتقوم بتدريس الرسم لهم لتتفرغ تماما لفنها بعد حصولها على منحة التفرغ الفني من الدولة عام 1960.
إن أهم مرحلة فى إبداع تحية حليم تلك التى بدأت بزيارتها للنوبة ضمن وفد ضم 25 من نجوم الفن والفكر عام 1961 والتى استمرت لمدة شهر كامل تنقلت خلالها بين قرى النوبة على مركب `الدكة` من خلال دعوة الدكتور ثروث عكاشة وزير الثقافة والإرشاد القومي آنذاك وقد أثرت هذه الرحلة على أعماله الفنانة وفى مراحل إبداعها التالية فاختلطت سمات هذه الأرض : عاداتها وتقاليدها وناسها وبيوتها بألوان وفرشاة الفنانة لتبدع `سيمفونية النوبة` و `قرية نوبية` و `مركب فى النوبة` عام 1962 و `الماشطة` و`الكركدية` وطقوس الزواج فى النوبة عام 1963، لتحصل على جائزة الدولة التشجيعية عام 1968 عن إحدى لوحات هذه المرحلة وهي `الخبز من الصخر` والتي رسمتها عام 1965مع لوحة أفراح السد العالى التى مثلت فيها الزعيم عبد الناصر على أحد المراكب يلبس جلباب ابيض ومعه رجاله، يقدم سنابل القمح لأهالي النوبة الذى يتقدم أحدهم بذراعيه نحو الزعيم وخلفه النوبيون فى المركب الأخر.
لقد أقامت الفنانة تحية حليم أكثر من 45 معرضا داخل مصر وخارجها، وقد حظى فن تحية حليم بتقدير النقاد والجمهور فى الدول التى قدمت عروضها بها : فى انجلترا وايطاليا والبرازيل والسويد وألمانيا الشرقية وبولندا ويوغوسلافيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وقد كتب الناقد السويدي `ثورستن برجمارك` فى صحيفة `داجنز نيهتز` فى أكتوبر عام 1966 عن معرضها فى استوكهولم كتب يقول: ` نجد النموذج الحي للتقاليد القومية فى الفن فى لوحات المصورة تحية حليم وقد يكون من الصعب علينا أن نستبعد منها ما يشبه المحاكاة لفريسكات التصوير المصري القديم ولكن بنفس المنهج نجد التشكيل هنا قائما على المزج بين ما هو بدائي وما هو صاف، وربما كانت هذه معادلة فريدة فى الثقافات الموغلة فى القدم والموغلة فى القوة حيث نجد أن اللمسة العصرية لاعمل لها إلا إطلاق القديم من عقاله بصورة تدعو للاهتمام، ففي اللوحات الجميلة الراسخة التى استلهمتها تحية حليم بموتيفات من الأساطير المصرية ومن الحياة اليومية المصرية نجد أن مايسيطر عليها فى النهاية هو عنصر الأصالة`.
للفنانة تحية حليم 32 لوحة تصوير زيتي بمتحف الفن الحديث بالقاهرة وأربع لوحات زيتية بمتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية ولوحة زيتية بمتحف جوجنهايم بنيويورك وأخرى بالمتحف الأهلى بوارسو ببولندا ولوحة أفراح السد العالى بهيئة التصنيع باستكهولم والتى استخدمت فيها اللون الذهبي، وقد أنجزت 81 لوحة زيتية للعديد من الفنادق فى القاهرة والأقصر وأسوان وقد أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات كتاب عن فنها بقلم د. لويس عوض وصدر أيضا كتاب عن حياتها وفنها بقلم د. صبحي الشاروني عن دار الشروق أهدتنى نسخة منه بتوقيعها قبل وفاتها بأربع سنوات وقد حكت لى أنها أصدرت هذا الكتاب بمبلغ جائزة الدولة التقديرية التى حصلت عليها عام 1996.
وقد عاشت الفنانة الراحلة حياتها مع مجموعة من قططها والتى وجدت فى صداقتهم الحب حتى إنها تأثرت بشدة وحزنت حزنا شديدا على موت قطها `بقلظ` حيث كان مرافقاً لها فى معرض أقامته فى متحف الفن الحديث باستكهولم عام 1966 يجاور معرض لمارك شاجال فى قاعات المتحف وما أن حملت مكالمة تليفونية لها خبر موت قطها حتى اعتذرت عن عدم البقاء فى استكهولم وقررت العودة إلى القاهرة.
د. محمد الناصر
الأهرام : 27-5-2016
48عاماً على الجلاء .. وتظل اللوحات الفنية دفتر أحوال مصر السياسية
- هذه اللوحة بعنوان `خروج الانجليز من القاهرة ` 1956 رسمتها الفنانة الراحلة الكبيرة تحية حليم فى نفس عام الخروج .. وسبق الخروج بعامين توقيع اتفاقية جلاء البريطانيين عن قاعدة قناة السويس فى 19 أكتوبر وقد نصت الاتفاقية على أن يتم الجلاء خلال عشرين شهرا .. وفى 18 يونيه عام 1956 يتم الجلاء ومغادرة آخر جندى بريطانى فى قاعدة قناة السويس بموجب الاتفاقية .. ورفع عبد الناصر العلم المصرى على مبنى البحرية فى بورسعيد يوم 18 يونيه فأصبح ذلك اليوم عيدا للجلاء .. واللوحة أمامنا رسمتها الفنانة تحية حليم (سبتمبر 1919 ــ مايو 2003 ) لخروج الانجليز من مصر وصورتها من أعلى بمنظور أعلى لعملية الخروج بينما جعلت الشعب يختلط خروجه بالأعلام والمبانى وبفرشاتها الخشنة بدا ذلك الامتزاج وتوحد شعب مصر وابتهاجه بهذه المناسبة ..
وتحية حليم لم تنفصل بلوحاتها عن الجو السياسى المصرى ومن ينظر لمجموع لوحاتها سيجد أنها قامت بدور مهم وحيوى لما يجب أن يؤديه الفنان تجاه وطنه لشحذ المجموع صفا واحدا ومن مجموع لوحاتها التى تعتبر تسجيلا وتجميدا للحظة داخل لوحة تحفظ للتاريخ وكشاهدة على أحوال مصر السياسية فتراها فى الأربعينات عبرت عن الجو السياسى والاجتماعى المشوب بالغليان وفى الخمسينات كان لعدوان 1956 على مصر مكانه فى لوحاتها كما أرخت لهزيمة 5 يونو 67 وفى السبعينات بدأت تظهر مواضيع السلام وفى الثمانينات عادت لتطرق من جديد على أمل السلام .. ونذكر أسماء لوحاتها : `اللاجئين` 1949 .. `حريق القاهرة ` يناير 1952 `رماد حريق القاهرة ` 1952 .. `خروج الانجليز من القاهرة ` 1956 .. `الحرب ` 1957 .. `من وحى العدوان الثلاثى على مصر` 1956.. `أفراح السد العالى` 64 `5يونيه ` 1967 .. `أوقفوا هذا الدمار` 1969 .. `هذه الأرض لنا` 1969.. `من وحى هزيمة 67 ` .. `المسجد الأقصى` 1981.. الفنانة تحية فازت بجائزة جوجنهايم الدولية بنيويورك عن لوحاتها حنان عام 58 والتى اختارها الناقد العالمى هربرت ريد .. وعام 66 عرضت أعمالها بجواز العالمى مارك شاجال فى صالون الفن الحديث فى استكهولم .. فكانت أهم فنانى مصر فى تأكيدها العالمية لواقع لوحاتها شديد الخصوصية المصرية .
فاطمة على
آخر ساعة: 2004/6/23
تحية حليم .. الأسطورة والواقع الحى
- فى الشهر الماضى اقامت الفنانة / تحية حليم معرضا خاصا لاعمالها بصالة عرض المركز الثقافى السوفيتى بالقاهرة ، وهذه مناسبة طيبة كى نشاهد لهذه الفنانة المصورة مجموعة متكاملة من انتاجها الاخير ، وذلك بعد المعرض الجماعى الكبير للتفرغ الذى اقيم فى العام الماضى ، ومعرض اليوم يضم بعض اعمال تحية حليم التى اشتركت بها فى معارض عامة سابقة . لكن هناك ايضا اعمال جديدة نشاهدها للمرة الاولى ، مثل لوحة `هذه هى أرضنا ` ، ولوحة ` وفاء النيل ` ، وايضا لوحة ` الخبز من الصخر ` .
ويعطى لنا المعرض صورة موفقة لتطور الابحاث الفنية للفنانة . وإن بدى متواضعا من حيث الكم . فهناك احدى عشر لوحة زيتية ، بالاضافة الى بعض اعمال دقيقة الحجم بالالوان المائية وبالحبر الشينى . ومع ذلك فانه لايمكن ان يقوم الكم كمعيار موضوعى للقيمنة الفنية . ونعلم ان لوحة فنية واحدة لفنان قدير واصيل قادرة على ان تلخص ابحاث فنية قد تستغرق مجموعة كاملة من اللوحات فالمسألة ، اذن هى مسألة المكانة الهامة التى يتمتع بها الفنان . ولتحية حليم مكانة خاصة فى حركتنا التشكيلية المعاصرة . إن لوحاتها قد اسهمت بنصيب ملموس فى ميلاد جيل باكمله ، وفى تحديد ملامحة وقسماته . هذا الجيل الذى نشأ وتطور مع نهاية الحرب العالمية الثانية . وقد اسهمت تحية حليم فى خلق تيار فنى ، ولنقل ` مدرسة ` فنية تقوم على اساس قومى ، وتتبلور مفاهيمها الاساسية حول الرؤيا القومية . وان كان هذا لا يجعلها تهمل البعد العالمى للفن ، أو تلغيه.
والأمر الجوهرى هو على النقيض من ذلك تماما . وتحية حليم تعتقد ان عالمية الفن لا تتحقق الا بالتشرب العميق للروح القومية ذاتها ، وببعث تراث الاجداد القدامى من جديد ، وباعادة خلق الروابط التى تصل الماضى بالحاضر ، والتى تدفع الى نظرة للمستقبل .
فالجذور الفنية لتحية حليم نجدها كامنة فى التراث القديم : المصرى القديم ، والقبطى ، والاسلامى ، بالاضافة الى بحس مرهف بروح الفن الشعبى ، وحبها العميق لنماذج هذا الفن . ولتصوير تحية حليم طابع شديد التميز . فلمحة واحدة تكفى للتعرف على ملامح هذا التصوير . وهو مزيج فريد من مؤشرات متباينة استطاعت الفنانة ان تعيد خلقها من جديد ، وان بتلورها فى كل واحد . فلسنا تخطئ فى اى عمل من اعمالها روح التصوير الحائطى لمصر القديمة ، وهوهنا أبرز هذه المؤثرات الفنية . فنحن نجد أول ما نجد هذه المساحات المسطحة ، الواضحة ، الخالية من التفاصيل وكل الزوائد . ونلمس الاعتماد الرئيسى على الخط ، وعلى ايقاع الخطوط المحوطة ` الكونتر ` ( contoun) العظيمة التجانس . ونلمس بالتالى الاعتماد على معمارية التكوين ، والاهتمام الحيوى بالهيكل الخارجى للاشكال ، لكن بجانب هذا المؤثر المصرى القديم ، نلمس تأثرا واضحا بالطابع المميز للمنسوجات القبطية ، بما نعرفه عنها من كيفية خاصة فى خلق النماذج ، وفى تحريف الاشكال ، وفى تحديد الموضع . على اننا لا نفتقد فى اى عمل من اعمالها فى الوقت نفسه روح الفن الاسلامى ، بموتيفاته المكثفة ذات الهارمونى المتجانس ، وصفاء مساحاته واقتصادها .
على أن هذا المزيج الفريد الذى صنع تصوير تحية حليم لا يعدد باى حال ان يكون مجرد تجميع لمؤثرات خارجية . لأن ماتخلقه الفنانة هو قبل كل شئ عالمها الخاص .. عالم حاضر وفى . عالم اكتشفته اساسا حينما استطاعت اكتشاف الدلاله الخاصة التى تحملها هذه المؤثرات الخارجية . وهى لهذا السبب ذاته لا تتحرج ابدا فى تناول اى نموذج او موتيف تصادفة من آثار الفنون القديمة لانها تدرك أولا ان هذا الموتيف القديم لابد ان يصبح شيئا معايرا تماما ، يصبح شيئا خاصا ، شيئاً حياً ونابضاُ ولانها ايضا تملك من الثقة فى أصالة هذا العالم حداً يجعلها لا تخشى ان تسيطر هذه الموتيفات على عالمها التصويرى . فهى تعلم تماما ان مصير هذه الموتيفات هو الانصهار الكامل فى قلب هذا العالم . ولانها تدرك وتستشعر مدى الصلة الوثيقة التى تربط هذه النماذج التى صنعتها حضارات قديمة بامتدادها فى الحاضر . ولانها فى النهاية تسعى لخلق اسطورة واقع يعيش ماضية ويتطلع لان يعيش مستقبله . فحلمها يتلخص أذن ، فى خلق اسطورة خالدة .
على ان من واجبنا أولا ان نعرف كيف ينبض هذا العالم - الذى يتنفس روح عالم قديم وأسطورى بالحياة وبالواقع الحى ؟ وكيف يبدو لنا مع ذلك مشحونا بطاقة وبتوتر ومعاصرة ؟ قد تساعدنا طريقة اختيار النموذج وانتقاء الشخصية الواقعية التى تحيا بينا اليوم فى التهيأ لمعايشة هذا العالم ، لكنها بعيدة عن ان تمدنا بسر نبضه الحى . والاجدد بنا أولا ان نرجع الى طريقة تكوين اللوحة عند الفنانة كى نستطيع اكتشاف هذه الحقيقة . فما هى ابرز الاشياء التى نصادفها ؟ انها التلقائية ، والاندفاع الحى ، والرغبة فى التحرر والانطلاق اللامحدود . فدائما ما نجد فى لوحاتها تكسير لكل هندسية صريحة ، ولكل تكوين محسوب . ان اللوحة عندها اساسا هى بناء متكامل يقوم على الهيكل المعمارى الشامل للتكوينات والنماذج والاشكال . غير ان النبض الحى انما يسرى فى لوحاتها لحظة الاندفاع نحو تحطيم كل أطر هندسية جامدة . اى انها تبنى اشكالها كى تحطمها وتعيد بنائها من جديد .
والشخصيات التى يتناولها تصوير تحية حليم ، هى شخصيات تحمل صورة الماضى ، وتزخر فى نفس الوقت بنبض الحاضر ، وبهذه الارتعاشات الحية . فدائما ما نصادف نفس الوجوه السمراء الطحينية بلون طمى النيل . وكأنها وجوه قديمة أو أقنعة . ان الوجوه دقيقة ونحيفة ومشدودة ، وهى تطالعنا بنظرة مفعمة بالدهشة ، والقلق ، والتساءل وهى لاتفتقد إبتسامة رقيقة غامضة ، تحمل براءة الطفولة ، وتوصى بعالم غض .
واللون عند تحية حليم إنما يلعب دوراً هاماً وبارزاً وإن كان يبدو دائما فى وضع مساعد لعنصر البناء وتكوين المساحات المسطحة . واللون الرئيسى فى مجموعتها اللونية هو لون الطينة المحروقة ` الاوكر ` بجميع درجاته اللونية . وهو لون نلقاه متناثرا فى انحاء تكويناتها ، ونصادفه بكل عمقه فى الوجوه الخالية من التفاصيل ، وفى الاطراف النحيلة . وتكسبه بعض الخطوط القاتمة التى تحوطه نوع التألق والاشعاع . وقد تحيط به مساحات من الالوان الفاتحة التى تميل جميعها الى درجة البياض ، فتكثفه وتكسبه عمقا وقتامة . ولون الطينة المحروقة عند تحية حليم هو لون قادر على تجسد عالم بأكمله .. قادر على استدعائه وتمثله . انه لون يلخص فى داخله عملية تفاعل كاملة فى البيئة الطبيعية لمصر . انه يبدو كنتيجة لتشرب الاشياء والموضوعات والكائنات لاشعة الشمس ولحراراتها المميزة .. لون ` محلى ` بالمعنى الدقيق للكلمة . لون نلقاه فى كل ما حولنا من طمى النيل والفخار المحروق وسطوح التلال المحيطة بشريط الوادى الاخضر ، والوجة السمراء ، وجدران البيوت .
واللون الآخر الذى يتلو هذا اللون هو اللون الاخضر ، وهذين اللونين انما يقوما هنا بخلق نوع من الحوار ، ومن التفاعل الحى . ولا يفوتنا فى هذا ان نلحظ الرغبة الواضحة فى خلق رموز بسيطة من هذا الحوار . وكأن هذين اللونين يلخصا هنا عالم مصر بأكمله ، والذى نجده فى صورة الشريط الاخضر الممتد الذى يمثل امتداد الوادى المنزرع وسط مساحات من التلال الطحينية المحروقة . فنحن اذن ، امام عالم قد أعيد خلقه ، وقد تكثف ، وازداد تلخيصا الى درجة البساطة المتناهية .
وهناك ايضا اللون الذهبى ، الذى تجيد الفنانة استعماله . كما بدى ذلك بوضوح فى لوحاتها ` هذه هى ارضنا ` وهو لون صعب قلما نراه - فى فن التصوير الزيتى - يقبل التفاؤل مع بقية الالوان . وترى تحية حليم ان هذا اللون الذهبى لكى يعيش ينبغى أولا أن يدخل ضمن النسيج اللونى كله ، وينخرط داخل التكوين العام . وهى تدرك تماما ان هذا اللون الذهبى لو إنفرد بمساحة خالصة واستقل بها ، لسقط من تلقاء نفسه . لذا نراه يُجدل مع نسيج التكوين وعناصر البناء : نراه يبرز ويتوهج فى بعض انحاء التكوين ، لكى يخفت وينطفئ فى انحاء اخرى . فقد تتوه اغلب معامله تاركة بعض آثار متناثرة ، وذلك تحت وطأة اللمسات المعتمة للالوان ، وقد نلقاه فى احيان اخرى ناعما وقد انكسرت حدة بريقه بفضل غلالة خفيفة شفافة من سطح لونى يغطيه .
ان اللون عند تحية حليم هو لون حى ، ومتألق . على ان هذا التألق لايعنى عندها ` بالتبهرج ` بل هو على النقيض من ذلك تماما . وهذا مايشكل أحد الاسرار الداخلية لفنها التصويرى . فنحن اولا لا تصادف فى عجينتها اللونية ابداً ، لونا صافيا نقياً . كما ان تصويرها لا يعرف الدرجات اللونية الساخنة الملتهبة . فكل الوانها هى الوان منطفأة ، حفت حدة لهيبها . ومع ذلك فهى ليست بالالوان الباردة . ان انطفائها هنا هو اقرب الى انطفاء معدن ملتهب فى ماء بارد ، مع احتفاظه فى قلبه بكل حرارته . فهناك دائما نجد غلالة شفافة من اللون تغطى أسطح الالوان الساطعة . وفى كل الاحيان ايضا نجد ان هذه الغلالة المعتمة نسبيا تتمزق أو تتهتك فى بعض اجزاء النسيج اللونى ، كى تسمح بالدرجات الساطعة أو المشعة بالنفاذ أو البروز كما بدى ذلك فى بعض اللمسات البرتقاليه والحمراء المشعة المتناثرة فى بعض منحنيات تكوين لوحة الكركاديه . فالدرجات المشعة تريد النفاذ ، والسطوح المعتمة تكتمها وتضغط عليها . وهذا البريق اللونى يذكرنا كثيرا بالوان محمود سعيد المشبعة بالظلال وبالنور وبالتلألأ . ويذكرنا ايضا بنفس النهج الذى سارت عليه الوان رمسيس يونان . ونكتشف نفس هذه الاسرار الداخلية ايضا فى تصوير فنان مثل حسن سليمان .
ان اول ما نجده فى تصوير تحية حليم هو الغنى الوفير فى الملمس اللونى ، ويكاد يكون تصويرها كله متوقف على هذا العنصر الفنى . انها تبنى نماذجها والوانها وتصورها للتكوين من خلال الملمس ، ومن خلال النسيج اللونى . ولان تصويرها يقوم اساسا على المسطحات البسيطة الواضحة ، فانها تحاول تعويض هذه المسطحات كل العناصر التى افتقدتها من صورة الواقع الطبيعى ومن الابعاد والعمق .
ويخلق تصوير تحية حليم اسطورة من الواقع الحى . ويهدف الى خلق نماذج او رموز ، وليس تصوير لحظة عابرة . والبساطة المتناهية التى ترسم بها الخطوط تجعلها اقرب الاشياء الى خطوط الكتابة . فهى خطوط مكثفة الى ابعد حد ، ويكفى خط منحنى ترسمه تحية حليم لكى ينقل لنا كل الشحنة التعبيرية لموضوعات باكملها . وليس فى وسعنا ان ننسى مثلا ايقاع تلك المنحنيات التى تمثل ظهر القناة المستقلية - القناة الوحيدة الضخمة الحجم - التى تتوسط منظر لقرية نوبية فى لوحة ` الخير من الصخر ` لقد أدت هذه المنحنيات المقتصرة مهمتها تماما . فلقد ادمجت الفتاة المستقلية فى قلب الجو المحيط ، واستطاعت ان تخلق من جسد الفتاة نفسها شيئا هو اشبه بسطوح التلال او الصخر .
محمد شفيق
إذاعة البرنامج الثانى - جولة الفنون التشكيلية : 6-6-1969
الفنانة تحية حليم .. عاشقة مصر
- ` تحية حليم ` ..عاشقة مصر !!
- عشقت الناس فى مصر : حياتهم اليومية ، عاداتهم وتقاليدهم ، أفراحهم وأحزانهم .عاشقة لأرض مصر : بل بساطتها وانبساطها ، وتاريخها ، وكل الحضارات التى أنضجتها أرض مصر.
- بسيطة فى حياتها تتحرك هنا وهناك كأنها نسمة رقيقة .. تتحدث فى هدوء كأنها تبحث عن أرق الكلمات وأعذبها .
- نشأت فى أسرة عريقة .كان أبوها ياروراً أول فى القصر الملكى ، وأمها فنانة عازفة على الآلات الوترية ، وقائدا لأوركسترا القصر الملكى .ورثت الفن عن أمها ، ووجد فيها الفن ربه عظيمة من ربات الفنون.
- درست الفن منذ صباها المبكر على أيدى أساتذة مصريين وأجانب ، ثم سافرت مع زوجها - حينذاك - الفنان حامد عبد الله إلى باريس حيث التحقت بأكاديمية `جوليان ` ، وظلت ثلاث سنوات متصلة تدرس الفن دراسة أكاديمية ، ثم عادت إلى القاهرة لتستقر فى بيتها / مرسمها المطل على نيل الزمالك بعد أن حصلت على جائزة ` جوجنهايم ` لوحتها الفائزة فى المسابقة.
- فى بيتها / المرسم ، ظلت الفنانة ` تحية حليم ` تدرس الفن لبنات رجال السلك الدبلوماسى إلى أن حصلت عام 1960 على منحة التفرغ من وزارة الثقافة فتوقفت عن التدريس ، وكرست كل وقتها وجهدها للفن.
- المرسم :
- قطع من نسيج قبطى . نسيج إسلامى . بقايا أوان فخار عليها زخارف إسلامية .رسوم بالغة العذوبة أبدعها أطفال من أخميم والنوبة .أوانى نحاس إسلامية .أحواض وستائر رخام مملوكية .أكلمة نوبية .كراس ومناضد قديمة من عصور مختلفة ، ولوحات من أخشاب إسلامية قديمة حافلة بوحدات من الزخارف العربية ، كل ذلك يغطى الجدران والأرض ويملأ الأركان .
- قطط كثيرة تنتشر حيث تكون الفنانة الكبيرة تحية حليم .قطط كبيرة الحجم ، ناصعة البياض تجلس هنا وهناك فى أوضاع مختلفة على المناضد ، وعلى الكراسى .. تتوزع فى نظام بديع فى ممر طويل على سجادة داكنة الألوان ، مزينة بزخارف مما تبدعه إخميم - صامتة لا تحدث صوتا أو حركة ، لا يزعجها قدوم زائر جديد كأنها تماثيل من رخام تزين هذا المرسم المقدس ، وتغمره فى جو أسطورى بديع.
- لكل شىء فى هذا المكان صوت مميز، جميعها يعزف لحنا واحداً عميقاً صادراً من عمق التاريخ ولكن اللحن الرئيسى المميز - أعمال الفنانة - يعلو على كل لحن فى هذا المكان .وسط هذا الغنى تقف سيده المرسم فنانة مصر ، تحية حليم - التى أبدعت المكان ، وأبدعت الأعمال العظيمة .
- إن مرسم الفنانة ` تحية حليم ` قصيدة شعر رفيعة المستوى ، وسيمفونية أبدعت هى تكوينها ، وصار مهبط الوحى لفنها .
- ربما كان الفن القبطى أكثر الفنون القديمة التى أثرت فى فنها وأكسبته ثراءً، وغلفته بغلالة من إنسانية عميقة.
- وجدت فى النوبة مصدراً غنياً لفنها : الطبيعة ، والناس ، العادات ، والتقاليد ، البيوت ، والملابس بألوانها الزاهية ..صورت كل ذلك فى أسلوب بسيط يخلو من تعقيدات المفاهيم التقليدية والنظريات الحديثة ..اندفعت تصور حياة النوبة فى تلقائية غنية وصياغة معاصرة للفنون القديمة ، وعلى الأخص الفن القبطى الذى وجدته حياً نابضا فى النوبة وفنونها .
- سطح الصورة عند ` تحية حليم ` غنى بمساحات مشغولة بنسيج لونى قوى موشى بفراغات بيضاء صغيرة ، أو سطوح مغطاة بمزيج من ألوان صفراء ، ورمادية ، وبيضاء ..مرصعة بلمسات من ألوان حمراء ، وزرقاء ، وبنية ، كأنها قطع دقيقة من أحجار كريمة تحفل بشخوص رقيقة ، أو أماكن لها قداستهاكصورة ` القدس ` يدعم بناء الصورة فى النهاية ، ويربط عناصرها ، خطوط وبقع سوداء لتكون الصورة سيمفونية من الألوان والخطوط والمساحات .
- ` الخبز من الصخر `، ` تقاليد النوبة ` ، ` نخيل النوبة `، ` بيوت فى النوبة ` ، ` زفة فى النوبة` ..صور أبدعتها `تحية حليم` عن النوبة.
- الإنسان فيها دائما هو المحور والأساس.
- الحركة محدودة ، ولكن العيون فى الوجوه فيها حديث طويل ، حديث صامت يحكى أفراح الإنسان وأشواقه ، ويحكى أيضاً عذاباته.
بقلم : سعد عبد الوهاب
مجلة إبداع : ( العدد 12) ديسمبر 1984
تحية حليم الفنانة التى ارتبطت بقضايا الإنسان
- تحية حليم (74 سنة ) رسامة ملونة ، ليس كمثلها مثل فى حركتنا الفنية . ومن خلط الأمور أن نصنفها ضمن رهط الرسامين والملونين والمثالين والمصممين والتشكيليين المصريين ، فهى - مع قلة نادرة تعد على أصابع اليد الواحدة - يتميزون بعالميتهم ودورهم التاريخي ، حتى وإن لم يحسبوا في عصرهم فى قائمة العالميين ، ولم تقدرهم الدولة حق قدرهم ، لأن العدالة لها قدم فولاذية - كما قال أوسكار وايلد - تدوس القوى كما تدوس الضعيف. ولن يصح سوى الصحيح . وسيأتى يوم يتحدث فيه تاريخ الفن عن تحية حليم ، كواحدة من بناة الثقافة ( المصرية العصرية ) - بالمفهوم الذى وضعه زكى نجيب محمود . فالموهبة وحدها مهما ازدهرت وتدفقت . والبراعة ومهارة الأداء مهما تمرست ودقت لمساندة الموهبة والمقدرة على الخلق ، لن تجدى فتيلا إذا لم يتجنح الفنان بالتثقيف الذاتى ، والمعرفة العريضة والقيم الأخلاقية ، ليحلق فى الآفاق فيراه الجميع هنا و هناك ... ويشرق على الجنس البشرى كأنه الشمس المرموقة . مع كل هذه العوامل والاعتبارات الضرورية للفنان المرموق لن يستطيع أن يبصم فى سجل الخلود ، إلا إذا ارتبط بقضايا شعبه . هكذا تكلم التاريخ .. وهكذا تحية حليم . لذلك أقامت لها ( الجمعية المصرية لنقاد الفن ) عرضاً شبه استعدادى فى متحف الفن المصرى الحديث ، مساء السبت الرابع من ديسمبر الماضى ، تكريماً لها . وفى حفل جليل حضره لفيف من نجوم الكتاب والمفكرين ، وقدمت لها درعاً .
- تقرر اعتراف أئمة نقاد مصر بدورها الثقافى ، وتقديرهم العالى لارتباطها بقضايا الانسان، وإضافتها الريادية للتقاليد الجمالية المصرية . وألقى المتحدثون كلمات مسهبة عن مشوارها الفنى ، وكانت فرصة ذهبية لمشاهدة معظم مراحلها الإبداعية . وقد طرحت الجمعية مسابقة للنقاد الشبان تحت 35 سنة حول الحياة وإبداع الرسامة الرائدة ، جوائزها أربعة آلاف جنيه ، كان المعرض ضمن خطواتها .
- نحن لا نكتب هنا نقداً وتقييماً . فقد مضى عهد النقد والتقييم لأعمالها وأسلوبها وموقفها ، وأصبحت لوحاتها ضمن معايير الفن والجمال ، تنسبه إليها أعمال الآخرين . قصارى جهد الناقد المتمكن ، أن يحلل ويغوص فى بحار إبداعها ليستخرج اللآلئ ويجلوها لعيون الذواقة والمتلقين . مستعيناً بأدواته المعرفية ، التى استقاها من خبراته الطويلة ومشاهداته المحلية والعالمية ، ومن أمهات المراجع العربية والأجنبية وموهبته الخلاقة فى التفسير والتأصيل ، مما يفرض عليه أن يكون دارساً للقوانين الاستطيقية والمعايير ، مدركا لمواطن الخلق والإبتكار ، متحلياً بالمقدرة على الإحساس المرهف والأستقراء ؛ لأن الفنانة تسبق عصرها وتشق سبلاً جديدة للتعبير . ليست رسامة عادية تلون بالزيت والماء ، ولكنها شاعرية الألوان موسيقية الخطوط إيقاعية العناصر . ابتكرت ما يعرف اليوم بملامس الكهوف . استلهاماً لتراثنا العريق : الكلاسيكى والشعبى نسج على منوالها عشرات الرسامين والملونين بأساليب منوعة نرجع بجذورها إلى عبقرية تحية حليم ، التى نذرت نفسها منذ طفولتها للرسم والتلوين ، والتعبير عما يدور حولها فى بيئتنا المحلية والعربية والإنسانية العالمية .
- بالرغم من دراستها التخصصية الأكاديمية ، التى خاضتها بتفرغ كامل وجدية منذ السادسة عشرة من عمرها في القاهرة وباريس ، فهى ترسم من القلب ، ومن الفطرة ، ومن الرغبة العارمة فى التعبير عن قضايا الحياة . فالفن .. والإبداع .. والصياغة الحرفية والجمالية عندها ، ليست للإغراب والإدهاش والإبهار، بل خطاب `موجه ` لأجيال الذواقة والمتلقين فى كل زمان ومكان . ففى رائعتها الصرحية : ( الخبز من الصخر ) : اللوحة التى ترفض بيعها ومازالت تحتفظ بها منذ سنين طويلة ، تصور بأسلوب بليغ مثير ، كيف كانت نساء النوبة يواجهن شظف العيش قبل التهجير فى الخمسينيات ، إذ يتركهن الأزواج وينزحون إلى القاهرة سعياً للرزق ، فلا تجدن سبيلا لإطعام الأطفال سوى إنضاج الخبز على الصخور الملتهبة بأشعة شمس الصعيد الحارقة . نشعر حين نلتقى بهذه التحفة التى تمتد إلى ثلاثة أمتار ، إننا أمام مأساة تدعونا إلى إعمال الفكر مرة أخرى فى طريقة حياتنا . بنفس الإحساس الدافق والعاطفة المشبوبة ، صورت تحية حليم سلسلة لوحات ( النوبة قبل السد العالى ) ملحمة شعرية مرئية كأنها سيمونية من عدة حركات : العرس .. الرقص النوبى .. نزهة النيل .. ( الماشطة ) .. ليلة الحنة . تصور الأفراح والأتراح لكنها أبداً لا تترك لوحاتها لقيطة مجهولة الهوية فعنوان اللوحة أو التمثال هو النافذة التى يطل منها المتلقى على دنيا الفنان . كعنوان القصة أو القصيدة أو المقطوعة الموسيقية . وكما صورت حياة السلام والاستقرار فى لوحات مثل ( الختان ) و ( عناق ) و ( وجه فتاة من النوبة ) و ( الأمومة) ، سجلت رفضها للعنف فى لوحات صرحية بينها ( الحرب ) التى فقدت من معرضها فى باريس سنة 1972 . أطلق عليها الدكتور لويس عوض اسم ( جيرنيكا مصر ) - إيما إلي رائعة الإسباني بابلوبيكاسو التي أدان بها تدمير الدكتور فرانكو لقرية ( جيرنيكا ) سنة 1936 بمساعدة النازية الألمانية . أبدعت فنانتنا في تصوير الخراب الذى ينال المدن والرعب الذى يرتسم على وجوه ساكنيها . نفس العاطفة القوية التى صورت الحرب فى أبشع مظاهرها ، هى التى عبرت بها عن السلام سنة 1966 فى لوحة كبرى بعنوان ( جمال عبد الناصر ) يبدو فيها الزعيم الراحل بين كوكبة من رفاقه بالملابس الشعبية . على ظهر سفينة نيلية تقابل أخرى تحمل أهل النوبة ، يتناولون القمح من يد الرئيس ، رمزاً للخير الذى يسفر عنه بناء السد العالى . لقد بيعت هذه التحفة إلى هيئة التصنيع بأستوكهولم عن طريق السفارة ، بالرغم من إصرار الفنانة على الإحتفاظ بها لمصر ، باعتبارها تراثا قوميا . وفى لوحة ( أوقفوا هذا الدمار ) ، كانت تحية حليم تصرخ بألوانها وخطوطها وملامسها فى وجه العنف والإرهاب والصراعات العرقية والطائفية التى تجتاح العالم .
- ولدت تحية حليم فى مدينة دنقلة بالسودان فى 9 سبتمبر 1919 . كان والدها ضابطاً ، سرعان ما عاد إلى القاهرة بعد أن فتحت الطفلة الجميلة عينيها على نور الحياة . وفى حى هادئ وفى بيت أرستقراطى محاط بالحدائق والزهور ، ترعرعت الصبية واختلفت إلى المدرسة بينما تتلقى دروس البيانو مع شقيقتها فى الدار . أما الأم فتتقن العزف على آلة العود ، وأما الجدة فكانت تفضل آلة الكمان . بيئة موسيقية ذات سمات تركية ، يرعاها الضابط الكبير ذو الميول الفنية . لم تكد تحية تبلغ مبلغ الفتيات حتى حجبت عن المدرسة ، وبدأ المدرسون والمدرسات يختلفون إلى البيت ، وبينهم أستاذة الرسم والتلوين . ولم يبخل الوالد عليها باصطحابها إلى المعارض الفنية القليلة التى كانت تقام فى العاصمة ، وأشهرها الصالون الذى كانت ومازالت تنظمه : جمعية محبى الفنون الجميلة، أقدم الجمعيات الفنية وأعرقها . ثم أتاح لها والدها وهى فى سن التاسعة عشرة ، التردد على مرسم الفنان السورى : يوسف طرابلس ( 1938 - 1940 ) ثم ستوديو الرسام الملون الراحل حامد عبد الله منذ عام 1943 إلى 1945 . وما كادت الحرب العالمية الثانية تضع أوزارها حتى سافرت إلى مع أستاذها الذى أصبح زوجها وهناك التحقت بأكاديمية جوليان الشهيرة طوال عامين : من 1949 إلى 1951 - وهى المدرسة التى تخرج فيها صفوة فنانى أوروبا منذ مطلع القرن ، ليصنعوا الحداثة فى القرن العشرين .
- بالرغم من البيئة الناعمة ، والظروف المواتية ، التى شبت وترعرعت فيها تحية حليم والدراسات الأكاديمية الخاصة الرفيعة المستوى ، فإن قلبها الكبير وموهبتها الفريدة ، وعقلها المثقف بالخبرات الغزيرة والمعرفة المستقاة من القراءات المتنوعة بالإنجليزية والفرنسية والعربية ، كشفت لها عن حقيقة رسالتها فى حركة التغيير الثقافى الذى بدأ فى مصر والعالم منذ مطلع الأربعينيات . أدركت أنها بالرسم والتلوين والتعبير والمضمون الإنسانى ، تقف جنباً إلى جنب مع الطليعة الرائدة من الشعراء والأدباء والموسيقيين والفنانين بعامة . فى العمل على تحقيق هذا التغيير : بالكلمة والنغمة والصورة والتمثال . من هنا جاءت لوحاتها نابضة بالحياة ، تخاطب العقل والقلب والعاطفة معاً . وتشبع حاجتنا إلى الفن الراقى والجمال الدافئ وهى حين تستخدم ابتكارات الصياغات الحديثة وخاماتها ، فإنما لبلاغة التعبير وعمق التأثير وما يتطلبه الإبداع من جاذبية وتقبل اجتماعى وإثارة للخواطر والمشاعر . فهي تلجأ إلى القص واللصق أحياناً ( كولاج ) ، لتضع فى إحدى لوحاتها قطعة من قماش شعبى ، على هيئة رداء لأحد الشخصيات المرسومة ، فالكولاج هنا ليس للإبهار والإدهاش ، بل لمزيد من الواقعية وقوة التعبير .
- تحية حليم ليست فنانة رسمية ، ولا موظفة في وزارة الثقافة ، ولا أستاذة فى كلية جامعية شيدت شهرتها المحلية والعالمية ، على سلسلة متصلة من الإنجازات الإبداعية والمواقف الإجتماعية وإضافاتها العديدة إلى جماليات فن الرسم والتلوين ، واستخداماتها المبتكرة للخامات التقليدية كألوان الزيت والماء ، واستفادتها من اجتهادات الحداثة فى التكوين والتسطيح والملامس والاندماج بين التجريد والتشخيص واللامذهبية فى التعبير ، واستثمار الأساليب التى اكتشفتها المذاهب الكبرى التى ظهرت فى نهاية القرن الماضى ، والنصف الأول من القرن العشرين : كالانطباعية والتعبيرية والتجريدية والسيريالية . إضافة إلى الارتباط بقضايا الإنسان .
بقلم : مختار العطار
مجلة : إبداع العدد (1) يــناير 1994
تحية حليم وكتاب جديد
- إن المكتبة العربية فقيرة - نوعاً ما - فى مجال الفنون الجميلة. لهذا أشعر بشئٍ من الرضا كلما صدر كتاب جديد فى الفن، غير أننى شعرت بسعادة حقيقية عندما أصدرت `دار الشروق` كتاباً عن الفنانة ` تحية حليم`، وقد توافرت لهذا الكتاب كل أسباب النجاح:
- أولها: اختيار فنانة أجمع على الاعجاب بها كل نقاد الفن لتكون موضوعاً لكتاب يضم معظم ما أنتجته من إبداعات فى مجال الرسم والتلوين.
- وهى لم تنل هذا الإجماع بسبب فنها عميق الصدق والجمال والأصالة فقط بل بسبب تلك الرهافة الملائكية التى تشع من شخصيتها فى زمن تحول فيه كثير من الفنانين إلى رجال أعمال وسماسرة.
- أما السبب الثانى لنجاح هذا الكتاب فيرجع إلى كاتب النص الرئيسى الناقد ومؤرخ الفن المعروف الدكتور `صبحى الشارونى`، وقد ارتبط اسمه بالمؤلفات الجادة، وقد أسهمت كتاباته فى ترسيخ بعض أعلام الفن المصرى أمثال `عبد الهادى الجزار` و`صلاح عبد الكريم`.
- وتولى رئاسة تحرير سلسلة `كتابات نقدية` التى كانت تصدرها الجمعية المصرية لنقاد الفن التشكيلى، وكانت تلك السلسلة هى العمل البارز للجمعية، وعندما اضطر إلى تركها أصبحت الجمعية حبراً على ورق، ولم يرق أحد من الأعضاء المؤسسين - وكنت واحداً منهم - إلى مستوى عطائه، أما السبب الثالث فهو الفنان `حلمى التونى` الذى قدم تحفة فنية جعلت من تأمل الشكل الإخراجى متعة عميقة.
- الوداعة المقاتله!
- إن كثيراً من الفنانين المصريين تتسم حياتهم بالرتابة التى تصرف النقاد عنها عند تناول أعمالهم الفنية مكتفين بالرياضة الذهنية التى يفرضها `الاكتفاء المغلق` بالعمل الفنى، غير أن الكتابة عن فن `تحية حليم` تدفع أى ناقد دفعاً إلى الرضوخ إلى سحر تلك الشخصية التى كابدت فى حياتها آلاماً قاسية، واستطاعت بإرادتها أن تحيل العذاب إلى مطهر بعثت منه ملاكاً مصرياً.
- إفتتحت كتابها بإهداء اعترفى قالت فيه بالحرف الواحد: `يا أمى الحبيبة مصر.. أحببتك وشعبك العظيم، وليس إنتاجى هذا إلا منك وإليك.. حماك الله`.
- ربما كان لكتاب `الروحانية فى الفن` لفاسيلى كاندينسكى` أصداؤه فى كتابات بعض نقادنا عند تفسيرهم لوحات الفنانين، من هنا شبه `كامل زهيرى` لوحات `إنجى إفلاطون` بالوتريات ولوحات `جاذبية سرى` بالموسيقا النحاسية الصاخبة، أما لوحات `تحية حليم` فقد اتفق كل من حسين بيكار وكامل الزهيرى بتشبيهها بآلة الأرغول الشعبى لأن فى صوت الأرغول بحة رجولية/ ريفية لا تحفل بالأناقة الارستقراطية لآلة الكمان قدر احتفالها بالصدق وتلقائية أهل الريف المصرى، إن المتأمل فى سيرة حياة تحية حليم ومراحلها الفنية يعجب لهذا الإصرار على أن تكون مصرية - بالحقيقة لا بالشعار، ووصفت وطنها مصر فى الإهداء بأنه الأم، وقد ضحت `تحية` بزواج كان قد تحقق بالحب، وتخلت - فى خط مواز- عن الأساليب الغربية التى تعلمتها فى فرنسا فى أكاديمية جوليان من أجل جمالية تتناسل من بيئتها المصرية إضافة إلى الميراث الفرعونى والقبطى، وكان أمامها طريق طويل من الدراسة والتأمل حتى تتمكن من بلورة أسلوب شخصى يميزها ويمايزها، ولم تتعجل الوصول إلى ما وصلت إليه مثلما يفعل شباب اليوم الذى أغوته ولائم الجوائز التى تقيمها وزارة الثقافة الحالية تشجيعاً للانتحال مما يتساقط من فتات الإبداع الغربى بدعوى الحداثة وما بعدها.
- موقف نادر
- موقف نادر لم يحدث بالقطع مع فنانة من مصر ولكنه حدث مع` تحية حليم` ويكشف بوضوح عن تلك الرهافة الملائكية التى تحدثت عنها من قبل.
- وقع ذلك الموقف عندما كانت تقيم معرضاً ناجحاً لها فى السويد عندما تلقت برقية تفيد أن إحدى قططها قد ماتت فقطعت زيارتها وعادت على الفور إلى القاهرة حتى تكون فى وداع قطتها إلى مثواها الأخير!..
بينما يهرب منها زوجها الفنان حامد عبد الله سنة 1956 عندما قرر أن يقيم معرضاً لنفسه فى الدانمارك، ذهب ولم يعد وإذا بها تكتشف أنه تزوج بزوجة من الدنمارك وقررت بعد تلك الطعنة القاسية أن تكرس حياتها للفن، وقد حصلت على تقدير العالم وكان` أول الغيث` العالمى هو حصولها على جائزة جوجنهايم الدولية.
- ويحكى الشارونى عن ملابسات تلك الجائزة بقوله: (تكونت فى مصر لجنة لاختيار الأعمال التى تمثل مصر فى المسابقة، واختارت اللجنة خمس لوحات لخمسة فنانين هى: `حنان` لتحية حليم وتكوين تجريدى لصلاح طاهر، و`بعد العمل` لصالح رضا وتكوين تجريدى لـ `زوريان أشود` و`الأرض الحمراء` `لسيد عبد الرسول` وقد فاز بالجائزة فى ذلك العام الفنان الأسبانى الشهير `خوان ميرو` أما الجائزة المخصصة للفنانين المصريين فقد فازت بها تحية حليم عن لوحتها `حنان`)، ومن الجدير بالذكر أن الناقد العالمى `هربرت ريد` كان عضواً فى لجنة التحكيم وأكثرهم تأثيراً.
- وتلقت تحية حليم بعد ذلك من `هارى جوجنهايم`صاحب المتحف والجائزة خطاباً يطلب فيه ضم اللوحة الفائزة إلى مقتنياته الشخصية وهم تضم أعمالاً لأفذاذ الفنانين المعاصرين.
- وفى لقاء قديم مع تحية حليم أخبرتنى بأنها بدون ثمن تلك الجائزة واللوحة المقتناة ما كانت قد استطاعت أن تؤثث الشقة التى تقيم فيها الآن بالزمالك، وفى سنة 1960 حصلت على الميدالية الذهبية من صالون القاهرة.
- النوبة
اشتركت` تحية حليم` فى الرحلة التاريخية التى نظمتها وزارة الثقافة والإرشاد القومى فى عهد وزيرها المفكر والكاتب الكبير الدكتور` ثروت عكاشة` سنة 1962، وضمت تلك الرحلة خمسة وعشرين عاماً من أعلام الفكر والفن، من بينهم لويس عوض وحسين بيكار وعبد الغنى أبو العينين وجمال كامل وحسن فتحى وعزيز الشوان وغيرهم، واستغرقت الرحلة النيلية شهراً قضوها على المركب المعروف باسم `دكة` متنقلين بين قرى النوبة يسجلون ما يرونه ويسمعونه قبل أن تختفى المعابد والصخور والرمال، وكانوا يخالطون النوبيين ويشاركونهم أفراحهم ويتعرفون على عاداتهم فى المناسبات المختلفة، وانعكست على الرحلة على سلسلة من أهم لوحات الفنان منها - على سبيل المثال - لوحة `عيد وفاء النيل` رسمتها سنة 1964 بألوان تمبرا وورق ذهب على سيلوتكس، مساحتها 220X150سم وهى من مجموعة مؤسسة الأهرام.
- ولوحة فرحة النوبة بالرئيس جمال عبد الناصر، رسمتها سنة 1964 بألوان زيتية وورق ذهب على قماش ومساحتها 300سم وهى من مقتنيات هيئة التصنيع باستكهولم ولوحة ` فرح نوبى` مرسومة بألوان زيتية وورق ذهب على قماش ومساحتها 250X80سم وموجودة حالياً بسويسرا ضمن مقتنيات خاصة، ولوحة `يوم الحنة` بالنوبة، ومساحتها 90 X130سم وهى من مجموعة الكاتب محمد حسنين هيكل ولوحة `هدايا الزواج` فى النوبة (فى اليوم السابع للزواج) رسمتها سنة 1963 بالألوان الزيتية على قماش، مساحتها 280 X130سم واللوحة موجودة حالياً بمتحف الفن الحديث بالقاهرة.
- الخبز الصخرى
- أجمع متابعو فن` تحية حليم` من نقاد فن وأدباء ومفكرين بأن لوحات النوبة هى أكثر أعمالها جمالاً وتفاؤلاً بالحياة وأكثرها إنصرافاً عن قواعد اللوحة الغربية (لوحة عصر النهضة ذات الطابع المسرحى/ الحكائى).
- وربما كانت لوحة `الخبز الصخرى` هى اللوحة النموذجية التى جسدت ملامح أسلوبها الفنى، وتجمع فى إحكام مدهش بين الصرحية التى تتجلى فى الفن المصرى القديم والتعبيرية المتطرفة ذات المذاق الخشن الذى يبدو للوهلة الأولى عشوائياً، غير أن المتأمل لهذه اللوحة يدرك أن وراء ذلك ذهناً متيقظاً يحكم وضع كل شئ فى موضعه الصحيح، لقد اكتشفت` تحية حليم` فى النوبة أن قواعد اللوحة الغربية ذات الأسلوب الأكاديمى والأسلوب التأثرى لا يسمح إلا بالتقاط القشرة الخارجية والتلكؤ عندها دون أن يتمكن من النفاذ إلى الجوهر الذى شكله إسترسال النهر العظيم وديمومته تحت حراسة شمس مصر الساطعة، ويبدو لى أن علاقتها بالبيئة النوبية كانت علاقة نادرة تجمع فى كيان واحد بين الناسك المتأمل والطفل البرئ، وفى لوحة الخبز الحجرى يتوحد هذا الناسك والطفل (الناسك بذاكرته العريضة والطفل ببراءته العابثة. فى اللوحة استحضار لروح الحضارة المصرية القديمة التى تحفل بالصروح الشامخة. لهذا تحولت عمارة النوبة الفطرية قلاعاً، وجعلت من زحامها سبيكة متماسكة أشد ما يكون التماسك، وأنسنت البيوت حيث بدت فى واجهاتها ما يشبه الأفواه والعيون، ويظهر الناسك والطفل واضحاً فى الأسلوب الذى تجلت به المرأة الراقدة على الصخور.
- وأشاعت الفنانة مذاق الصخر لوناً وملمساً بين العنصر الانسانى وبيئتها المحيطة، وإذا كان الغناء والبهجة يسودان لوحات النوبة فإن هذه اللوحة قد سمحت بتسلل رأى ناقد بالمفارقة التى التقطتها الفنانة وهو التقام المرأة لخبز حجرى، فمهما كانت الأصول الواقعية للخبز الشمسى فإن اللوحة تكتشف فيما تكشفه عن واقع فقير اقتصادياً وإن كان ثرياً بالروح، وقد نالت `تحية حليم` عن هذه اللوحة جائزة الدولة التشجيعية ورسمتها سنة 1966 بألوان زيتية على قماش ومساحتها 227 X137سم وهى موجودة حالياً ضمن مقتنيات الفنانة قال عنها الناقد `محمد شفيق` وهو من أفضل النقاد الذين تناولوا أعمالها بالتحليل:
- (إن لون الطينة المحروقة عند تحية حليم هو لون قادر على تجسيد عالم بأكمله.. قادر على استدعائه وتمثله.. إنه لون يلخص فى داخله عملية تفاعل كاملة فى البيئة الطبيعية لمصر، إنه يبدو كنتيجة لتشرب الأشياء والموضوعات والكائنات لأشعة الشمس وحرارتها المميزة، لون محلى بالمعنى الدقيق للكلمة، لون نلقاه فيما حولنا من `طمى` النيل - يقصد شفيق الطمى الذى كان - والفخار المحروق وسطوح التلال المحيطة بشريط الوادى).. ولهذا كان جميلاً من الفنان حلمى التونى أن يُسَيّد هذا اللون على غلاف` تحية حليم` أو`سلطانة القلوب` - كما أحب أن أصفها.
بقلم : د./ محمود بقشيش
مجلة : الهلال(العدد 8 ) أغسطس 1999
الرسم من القلب ... تحية حليم
- إذا أحصينا كبار فنانينا التشكيليين لن يختلف اثنان من النقاد على الرسامة المصورة تحية حليم` واحد وأربعون عاما من العطاء المتواصل. قلما يخلو معرض من لوحاتها المثيرة نتعرف عليها بين مئات الفنانين والفنانات` فى المعارض العامة فى الداخل والخارج. توزعت أعمالها متاحف `وارسو` و`ستوكهولم` و`القاهرة` ومقتنيات فى ألمانيا وبلجيكا وأمريكا. انتج التليفزيون المصرى عن حياتها وأعمالها فيلما تسجيليا ضمن 37 فيلما لكبار فنانينا (1964-1967) دخل إسمها دائرة الضوء حين رشحتها الدولة لمسابقة جوجنهايم العالمية الأمريكية سنة 1958 فازت بجائزة مقدارها الف دولار.. غير ألف أخرى للاقتناء بدأت حياتها لا تستند إلى مقعد فى كلية فنية. أو لقب طنان فارغ المعنى كالـ `دكتوراه` استمدت مكانتها المرموقة محليا ودوليا من إبداعها الفريد الصادق تبدع لوحاتها من القلب. فتصل بيسر إلى قلب المتلقى.. على متن القدرة الحرفية المتمكنة.. والموهبة الفذة.. والإحساس الإنسانى الفياض.
- يتسم إبداعها بالطرافة والجاذبية والانفعال القوى، صفات ترجع للموهبة التى لا تمنح عطاها دون دراسة أكاديمية منظمة فى سن السادسة عشر، وهى فى ميعة الصبا لم تزل. أدركت حاجتها لتعلم الرسم والتلوين كما تعلمت العزف على البيانو نشأت فى بيت هادىء يغلفه وشاح الفن إلا أن والدها الضابط الصعيدى حجبها عن المدرسة حين شبت عن الطوق. استقدم لها المدرسين والمدرسات.. بينهن راهبة لتعلمها دروس الرسم عن طريق نقل الصور الملونة.
- واستجاب لرغبتها فى زيارة المعارض الفنية... خاصة `صالون القاهرة` أدركت أن فن الرسم يختلف عن النقل من الأمشق، فاستبدلت بالراهبة فنانا سورى الأصل هو `يوسف طرابلس` تخصص فى رسم المناظر الطبيعية والوجوه.. ثم التحقت بعد سنوات ثلاث أخرى. باستوديو اليكس جيروم فى شارع قصر النيل بالقاهرة.. مدرسة فنية خاصة مكثت بها ثلاثا أخرى تدرس الطبيعة الصامتة.. الموديل العارى. الوجوه والتخطيطات السريعة (أى الاسكتشات).هناك..التقت بالفنان حامد عبد الله والتحقت بمرسمه بعد وفاة `اليكسى جيروم`.
- قضت تحية حليم عدة أعوام فى تعلم الرسم على يدى فنانين متخصصين قبل سفرها إلى باريس مع زوجها 1949 لتلحق بـ `أتيليه جوليان` وهو واحد من أعرق الاكاديميات فى فرنسا.. الدراسة الاكاديمية كما نعلم هى الفيصل فى حياة الفنانين الموهوبين `الحرفية أو الصنعة`.. تشكل الجانب الأعظم من القيمة الابداعية.. الفطريون الذين لم يتعلموا الحرفة لا يقاسون بزملائهم الذين امتلكوا ناصية الصنعة والقدرة على الصياغة الفرق بينهما كالفرق بين الشاعر الشعبى فى موالد القرية.. وشاعر الفصحى المعترف به كل له مقياسه.
- ولدت تحية فى دنقلة بالسودان لكنها وعت الدنيا فى القاهرة حيث بدأت مرحلة التعليم العام لم يكد يمر يوم دون أن تعبث بأوراقها وأقلامها الملونة. طوال سنى الطفولة استحسن المدرسون رسمها فعلقوه على الجدران تمكنت منها الهواية فلم تستطع الاقلاع عنها حين احتجبت عن المدرسة الأمر الذى دفع والدها الى استخدام الراهبة.. معلمة الرسم.
- وعلى الرغم من الدراسات الاكاديمية التى خاضتها فنانتنا انطلقت خلف جموحها الانفعالى والعاطفى، طغى على الحرفية الواعية التى علمتها استجابت لأحاسيسها الذاتية اعتمدت على الاسقاط الفورى. تضرب فرشاتها أحيانا مرة واحدة لا تجودها حتى تحتفظ بقشايتها ونضارتها الكامنة فى لوحة عراك حيث يمسك رجل بخناق آخر فتحت الصمام لانفعالاتها الذاتية وصورت الوجهين بضربات مباشرة. بقصد التعبير المطلق عن أحاسيسها نحو الحياة الاجتماعية، إلا أنها تختلف فى بعض جوانبها عن الفنانين التعبيريين الكلاسيكيين، بعض لوحاتها مشغولة بدقة بالغة. محسوبة الجماليات.. كلوحة `الخبز من الصخر` أبدعتها سنة 1966 فى أعقاب الرحلة التاريخية التى نظمتها وزارة الثقافة للفنانين الى بلاد النوبة لإلقاء نظرة الوداع قبل أن تغرقها المياه.
- تفرض عليها تعبيريتها تغيير النسب وتعديل الخطوط ورمزية الألوان. بفرض اظهار المدرك الإنسانى الاجتماعى الرمزى. وهى مظاهر ينبغى أن تسندها موهبة فذة حتى تتخذ الطابع المثير الطريف. المؤثر الآخذ الذى تتسم به لوحاتها يزيد من جاذبيتها `الصدق`.. لا ترسم الا إذا حاصرها `خاطر` أخذ عليها خيالها ووجدانها ومشاعرها.... وآن له أن `يتقمص قالبا فنيا`.. ويتحول الحلم الى حقيقة ذات شكل والوان وخطوط ملابس.
- `الخبز من الصخر` لوحة صرحية تعبر عن المأساة الإنسانية التى واكبت غرق النوبة.. حين تغيرت معالم البيئة وزالت المناطق البكر القديمة.. التى حفظت عبق الماضى. صورت المعنى المأساوى حين تدفن ذكريات شعب امتدت جذوره آلاف السنين كل أنملة فى تلك المساحة العملاقة `280×150سم` مرسومة بعناية. ملونة بأستاذية وعاطفة قوية.. مصاغة بحب غامر للحياة تنضح الحيوية من الأرض الصخرية الرملية والبيوت المبنية باللبن والحجر الجيرى.
- كثيرون من الفنانين صوروا النوبة بعد تلك الرحلة. نظر معظمهم بعيون سياحية تتأمل زخارف البيوت وألوان الملابس الشعبية التقليدية. الا تحية،. امسكت فرشاتها وألوانها بانسانيتها الدافقة وأبدعت هذه اللوحة رمزا لأية `مأساة إنسانية` يندثر فيها التراث..
- ويختفى مهما كانت المبررات. ملامس الصخور تتنوع على البيوت والتلال يتداخل فيها الأبيض والأصفر. يخيل إلينا أنها بلون واحد مع أنها تخضع لنظام لونى دقيق من درجات الاصفر الرملى والرمادى والازرق السماوى. الوان اخرى خفيفة رقيقة تتوافق مع النظام الكلى فى لحن انسانى حزين حتى اللون الاسود فى ملابس السيدة الهائلة التى تتصدر قاع اللوحة لتشغل كل فراغ المقدمة ترقد منبطحة على الصخور الحمراء.. تنبش بيديها حفرة تعجن فيها الدقيق لتصنع خبزا تنثر أقراصه السميكة على الصخور لينضج فى أشعة الشمس الحارقة. كم تذكرنا هيئة السيدة النوبية بسلسلة تماثيل `المرأة المضطجعة` للنحات الانجليزى هنرى مور من حيث الرمز الخصوبة. والصلابة. والعطاء، والخلود... تلك هى اللوحة التى حصلت على الجائزة التشجيعية سنة 1968.
- تزوجت تحية من أستاذها الرسام حامد عبد الله سنة 1945. رحلا بعد أربع سنوات الى باريس لتلتحق بـ `اتيليه جوليان` ثمانى ساعات يوميا.. قضتها فى تعلم الرسم بالرصاص والفحم والألوان المائية والزيتية الاسقاط الفورى مع احكام النظم اللونية السيطرة على كل من اللون والحركة والكتلة.. دفعة واحدة وفى وقت وجيز. أصبح تفكيرها على أطراف أصابعها لديها قدرة شاعرية بليغة فصيحة. تحولت لوحاتها الى معزوفات جذابة... يتعاون فى أدائها كل من العقل والوجدان. واليد الموهوبة المسرعة/ من المعروف أن فنانتنا عسراء تستخدم يسراها.
- .. بعد اثنين وثلاثين عاما من رحلتها الى باريس نستطيع امساك طرف الخيط الذى يربط ابداعها الحالى بالخبرة الفريدة التى اكتسبتها هناك. هناك نلمس أيضا ثمة نكهة أسبغها زوجها وأستاذها الأسبق على ابداعها. كان حامد عبد الله فى ذلك الزمن البعيد طليعة `حركة استلهام الفن الشعبى`. الحركة التى نلمح امارتها هذه الأيام فى لوحات.. عبد الوهاب موسى ورفعت أحمد وسيد عبد الرسول ومجموعة الفنانين الذين ينحون الى استعارة وحدات التراث الشعبى.. وموضوعاته وأساليبه وتوزيعات أنماطه الزخرفية التقليدية.
- اضطرت تحية إلى مغادرة باريس سنة 1952 لمرض والدتها لكن زوجها لم يلبث ان هاجر الى الدانمرك `1956` ثم باريس التى يعيش فيها حتى الآن كان انفصالها عنه بعد هجرته بعام واحد، بداية سطوع نجمها فى سماء حركتنا التشكيلية المعاصرة ازدهرت وتفتحت عاما بعد عام.. حتى بلغت هذا القدر الرفيع من العطاء المميز.
- منذ ثلاثة وعشرين عاما.. تعيش فنانتنا وحدها.. فى مسكنها ومرسمها ومحراب تأملاتها.. فى الزمالك بالقاهرة مع قططها السيامى وازهارها وشجيراتها ولوحاتها وخيالاتها واحلامها مرسم شاعرى دافىء حافل بمشغولات الخشب المخروط والسجاد العجمى والاكلمة الشعبية شمسيات وقمريات بالزجاج الملون المعشق بالجص. منضدة عربية عليها صينية عتيقة من النحاس المحفور. تتوزع الجدران لوحات الاصدقاء ولوحاتها. مكتبة خفيضة حافلة بالفنون ستريو ومنتجات من موسيقى لست وشوبان وبيتهوفن ثمينة منمنمة ملونة من غينيا مصورة بأجنحة الفراض الملصقة. سيفان عتيقان كانا للوالد والشقيق. فى زاوية بجوار كرسى المصحف بشمعدانات وتحف أثرية تمنح المكان طابعا خاصا يتدثر بوشاح شاعرى قدسى... تعيش فيه عرائس الفن... مع الرسام الكبيرة تحية حليم.
- لوحاتها الجذابة الطريفة تواكب نبض حياتنا الاجتماعية مع الاحتفاظ بالقيم الاستطيقية سنة 1952 أبدعت لوحة بعنوان `حريق القاهرة` حين اندلعت النار ليلا فى عاصمتنا وفزع الناس هاربين الى حيث لا يدرون بعد عام توفيت والدتها فافرغت همها وكآبتها فى لوحة بعنوان `المراكبية`.. ظهر فيها الرجال هياكل عظمية ترسم من القلب فيصل ابداعها الى قلوب الناس.
- من لوحاتها: يوم مطير. الصيادون. الأمومة. الجوع. هذه الأرض. أنا المهاجر. الرحايا. يوسف وزليخة. من هذه السماء نتبين المدخل الاجتماعى الواقعى الى عالم تحية حليم.
- من قال ان عالم الفن مدخله فى السماء؟ إنه فى الأرض فى المجتمع فى الحياة فى الطبيعة من حولنا. حتى وهى فى أمريكا 1981/1982 عاشت دائما فى مصر بقلبها ومشاعرها وعواطفها صورت `حامل القصب` وبائع الفخار على ورق مكسيكى يدوى بألوان الجواش.
- نقول الحكمة الانجليزية كن عظيما وعش مع العظماء يبدو أن تحية وعت هذه المقولة منذ عام 1960 حين منحتها الدولة فرصة التفرغ ضمن أول فريق من الفنانين استمتع بهذا النظام كانوا نخبة من العظماء حقا. فؤاد كامل. رمسيس يونان. أنور عبد المولى. محمود موسى أشرف عليهم فيلسوف الفن: حامد سعيد مقنن نظرية استلهام الطراز المحلى الكلاسيكى وتطويره تعرفت تحية بعمق على مختلف المتاحف والآثار والفنون فى ضوء تفسيراته والحوار الخصب المنظم بين الفنانين المتفرغين فى لقاءاتهم المتواترة. الأمر الذى ترك بصمته على إبداعها وأضفى عليه مزيدا من العمق الفلسفى.
- الأسلوب الفنى لا يشغل تفكيرها كثيرا. همها التعبير فى المقام الأول ثم الصنعة لتجسيد الفكرة والخيال والحلم والمدرك الانسانى فى قالب فنى تصل تعبيريتها أحيانا الى حد `الكاريكاتير` كما فى لوحة `عائلة فقيرة` حيث وضعت علامة اكس على الفم كأنه مشطوب رمزا لان الشفتين أصبحتا لا لزوم لهما. وقد عز الطعام وغاب الكلام لم تقصد ان تكون تعبيرية تماما كالفرنسى: براك الذى لم يعرف انه تكعيبى حتى قرأ حديث النقاد. وجوه بسيطة. خطوط معبرة مجرد لمسات تحدد الملامح والوان تسطيحية. المهم هو التكوين. والتعبير العام. تلتقى تحية بخيالها على صفحة قماشها لقاء العاشقين بلا تصنع تقابله بقلبها وانفعالها وليس بفرشاتها وألوانها مافائدة `الاسلوب` إذا لم يقل `شيئا`؟
- تعلمت الكثير. سواء فى الحياة أو على صفحات الكتب وجدران المتاحف وقاعات العرض لكنها أبدا لم تبدع الا من خلال نفسها تعجبها المدارس الفنية ومختلف الأساليب.. لكنها أبدا لم تدخل فى اطار اى من تأخذ مايروق لها وتضيف اليه وهذه قضية الابداع والاصالة فى كل فن.
- النضارة والاثارة.. الغرابة والطرافة... القوة الانفعالية والجاذبية صفات لا تتوافر نتيجة لصياغة معينة أو مدرسة فنية إنما هى الموهبة والصدق.. والصنعة المتفوقة تستوقفنا وتلفت انتباهنا إلى لوحات تحية حليم بين مئات الأعمال الفنية فى المعارض العامة.
- `حديث القرية` آخر لوحاتها.. لها قصة ترجع الى عشرين عاما حين أرسلتها الدولة الى لندن لعلاج إحدى عينيها. قضت وقتها فى المستشفى ثم الفندق. ترسم التخطيطات السريعة للناس والأشياء من حولها استخرجت حديث القرية من تلك التخطيطات القديمة فأضفت الحيوية على إبداعها.
- الأمر الذى يخفى على الكثيرين هو أن `الحيوية` فى أى عمل فنى مصدره الطبيعة. من العسير أن نستشعر `الحيوية` فى لوحة رسمت بين جدران الاستوديو.. دون استلهام البيئة والحياة والمجتمع `الحيوية` من الحياة اذا اختفت الحيوية من العمل الفنى. مات لأنه كائن قائم بذاته يعيش إذا خلقه الفنان بصدق واحساس دافق بالحياة.
- لوحات تحية حليم لها أصول فى تخطيطاتها.. تكون وتنشىء.. وتركب وتؤلف موضوعاتها من `الاسكتشات` التى رسمتها بالآلاف عبر السنين وفى كل مناسبة مما يخلع على رسومها نضارة تفتقدها فى أعمال فنانى الجدران الأربعة.
- تحية فنانة مصرية مرتبطة بزمان ومكان ومجتمع اذا كان الفن وسيلة للتفكير والتنفيذ ففنها لا ينبع من الهواء اللا هواء ينبع من وجودها الاجتماعى. نحس بأنفسنا فيه هذا هو السر فى التقدير العالى لدى جمهرة الفنانين والذواقة والنقاد. هنا وهناك لا يحتاج ابداعها الى ترجمان حين ينتقل من مجتمع لآخر. لغته مقروءة على الدوام. حين اقتنى القائمون على متحف استوكهولم بالسويد لوحته الصرحية `فرحة النوبة` شاهدوا شيئا آخر خلف الشكل الظاهرى. احسوا شرارة الحضارة التى تفجرت على ضفاف النيل رمزا للتقدم فى أى مكان. استشعروا قيمة العلاقات الاستطيقية فى كل من كان الألوان والخطوط والملابس.. وكيف جسدت الخيال. الدرجة الانسانية ليست شعورا محليا. من هنا كان التقدير السويدى والأمريكى والبولندى للوحات تحية حليم.
بقلم : د./ مختار العطار
( من كتاب رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر- الجزء الأول )
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث