`



ما رأيك في الموقع:



مقبول
جيد
جيد جدا
ممتاز

 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث
 
العودة
حول رؤية الفنان
 
الحسين فوزى محمود الكنُسْى

- يعد الحسين فوزى ( 1905 - 1999 ) واحدا من رواد الجيل الثانى فى الحركة الفنية المصرية المعاصرة … حيث أسهم فى تشكيل كثير من ملامح الحركة بعد تخرجه من مدرسة الفنون الجميلة عام 1928واستكمال دراسته لفنون التصوير الزيتى والحفر والطباعة والفنون الزخرفية فى باريس أثناء بعثته الفنية هناك .
- حيث تولى منصب أستاذ الحفر فى كلية الفنون الجميلة عام 1934 .
ومنذ ذلك التاريخ بدأ يمهد لتيار قوى فى فن الحفر المصرى المعاصر أدى بدوره لفتح آفاق من التعبير لمن جاء بعده من أجيال .
- تميزت أعمال `الحسين فوزى` فى الأربعينات بالاتجاه نحو الموضوع الذى يتناول العادات والتقاليد الشعبية فى المجتمع المصرى فصور الناس بواقعهم العادى البسيط ولا تخلو أعماله فى هذه المرحلة من تأثير المعالجة الأكاديمية من حيث الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة فى تصوير الأشكال والاهتمام بالمنظور والظل والنور والتصميم الرصين المتوازن فى بناء اللوحة وفى علاقة الكتلة والفراغ فى المساحة … مضافاً إلى اهتمامه بالزينة والزخرف ومحاولة ترجمة العناصر التشكيلية بلغة الوصف الأدبى .
- آلا إن الحسين فوزى قد استطاع أن يستخلص لنفسه ملامحه ولغته الخاصة وجاءت أصالة فنه بعد أن إتجه ببحثه إلى التراث والشكل حيث أنتج فى الخمسينات مجموعة من أعماله فى فن الحفر تتميز بتمثل القيم التشكيلية المصرية من حيث الشكل والمضمون ، فضلاً عن تميزها بأساليب تكنيكية خاصة ذات طابع متميز - وهى مجموعة تؤكد أثر البيئة ومعايشة العمارة المصرية القديمة فى الأقصر ، فجاءت أعماله تجمع بين التناغم المميز فى علاقة الكتلة والفراغ والتحليل الهندسى المعمارى والتوازن القائم على بناء اللوحة الذى يعطى الإحساس بالكتلة ويحفل بالإيقاع والترديد دون افتعال والى جانب إنجازات الحسين فوزى المصور والحفار والمزخرف هناك جانب هام فى حياته الفنية الزاخرة حيث استطاع الحسين فوزى أن يخلق تياراً قويا ومجدداً لفن الصحافة المصرية .. تتمثل فى إسهاماته فى مجلة المصور ـ الرسالة ـ آخر ساعة ـ على بابا ـ كما رسم العديد من روايات يوسف السباعى، ونجيب محفوظ وعديد من كتاب الرواية المصرية .. وخلف جيلاً من فنانى الصحافة ، ومن أهم أعماله فى مجال النشر كتاب فى مجلدين يجمع فيهما رسومات من داخل جوامع القاهرة .
- وجدير بالذكر أنه قد أطلق أسم `الحسين فوزى` على إحدى قاعات العرض المتغير بمركز الجزيرة للفنون بالزمالك ـ تقديرا وعرفاناً لأصالته وريادته ودوره الفعال فى الحركة الفنية التشكيلية فى مصر .
أ.د. أحمد نوار

رائد فن الجرافيك فى مصر
- يعتبر الفنان الحسين فوزى .. رائد فن الجرافيك فى مصر.. أحد قمم الجيل الثانى الذين قامت على أكتافهم الحركة المصرية الفنية المعاصرة.. ولد الحسين محمود فوزى الكنسى.. فى سبتمبر عام 1905 بحى الحلمية الجديدة بالقاهرة.. والتحق بمدرسة الفنون الجميلة عام 1922 دون علم والده.. وكان شاباً مجداً فى تعلمه أسرار الرسم والتصوير.. وبدأ يرسم للصحافة منذ عام 1924 وكانت أول مجلة قام بالرسم فيها هى ` الشباب`.. ولإجادته رسم الخطوط الواقعية المتقنة.. وتحكمه فى أدواته.. وخصوصاً للأشكال الآدميه..
- وبعد تخرجه عام 1926.. اشترك فى مسابقة خاصة بفن التصوير الزيتى.. للدراسة فى الخارج .. حيث حصل على الجائزة الأولى ليذهب إلى باريس عام 1929 ويلتحق بمرسم.. `فوجيرا Fougerat ` ثم بمدرسة `ستين Ecole de Estienne `.. حيث تعلم فيها فن الحفر البارز.. على القوالب الخشبية .. والليتوجراف.. والحفر الغائر.. فى الألواح المعدنية الخاصة بأغراض الطباعة.. واستمر فى هذه المدرسة ثلاث سنوات متواصلة بالفترة المسائية بالإضافة إلى دراسته فن التصوير وفنون الزخرفة.
- ولكن فن الحفر إستحوذ على كل تفكيره من الوهلة الأولى .. حيث أخذ يجرب فى تقنياته الحديثة.. مستخدما المعادن والأحجار والخشب واللينوليوم.. مع أدوات ومواد أخرى مساعدة.. وطباعتها عدة نسخ طبق الأصل .. تلك العملية التى تأخذ عدة مراحل.. ونتيجة إكتشافه الكثير من أسرارها .. دأب منذ أن لامست قدماه أرض الوطن على الكشف عن مكنون هذا الجديد الذى تعلمه وأجاده.. لحوارييه وأبنائه من الطلبة ليصير أول أستاذ مصرى فى مدرسة الفنون الجميلة العليا بالقاهرة يعلم هذا الفن إلى أن صار عام 1934 رئيساً لقسم فن الحفر.. وتخرج على يديه أغلب أساتذة هذا الفن.. الذين ساروا على دربه فى الحب والتفانى لفن الحفر. واكتشاف جوانبه والبحث عن أسراره وإستحداث أساليب غير مطروقة .. بالتجريب والعرق والإنتاج المستمر بدون كلل. من بين هؤلاء الفنانين: عبد الله جوهر، عزيز مصطفى، كمال أمين، ماهر رائف، عبد الحليم البرجينى، حسين الجبالى واحمد نوار وسلك الحسين فوزى طريق فن الجرافيك المحفوف بالمخاطرة بعيداً عن الأساليب التقليدية لفن التصوير.. بالرغم من إجادته له.. حيث تشهد أعماله فى التصوير الزيتى وبشكل خاص لوحته الرائعة `الدلالة` 1940- التى تعتبر من أهم اللوحات فى فن التصوير المصرى المعاصر.. حيث تحكى إحدى العادات القديمة.. عندما كانت الدلالة تذهب إلى البيوت ومعها `دكان متنقل` تعرض محتوياته على سيدة البيت.. التى لم يكن يسمح لها بالذهاب إلى المحلات أو الأسواق فى ذلك الحين.
ومن روائع الفنان الأخرى.. ما قام برسمه وتلوينه بالألوان المائية .. لمساجد مصر ومآذنها.. والذى كلفته به وزارة الأوقاف وصدر فى كتاب خاص فى جزئين ويعد مرجعا فنياً وتاريخياً لمعالم مصر بعد كتاب وصف مصر الذى رسمه كبار الفنانين الفرنسيين أثناء الحملة الفرنسية..
ولكن حبه للخط ورسمه بالريشة المغموسة فى الحبر الشينى.. وقدرته على التعبير بالخط عن الحركة.. والرقة.. والعنف والكتلة.. والفرح والحزن قد طغت على كل أشكال الفنون.. وخصوصا عندما تتحكم فى تأديتها أنامله.. وإخضاعها لإرادته.. وهنا أمسك بأطراف ملامحها ليشكل لنا أشياءً عديدة لا نزال نتذكرها.. وسوف تبقى خالدة.. شاهدة على حنكة الفنان الحسين فوزى.. وإسترساله للخط بنعومة ورفق.. وسلاسة.. لا يجاريه فيها أحد.. وكأنه يرسم لنا أشعاراً ويخط ألحاناً بين حنايا لوحاته المرسومة، والدليل الآخر لحبه للخط.. هو ممارسته لفن الحفر الذى يعتمد على الخط كعنصر أساسى.. ورغبته الملحة فى الانتشار بين فئات الشعب.. ورغم المواقف المؤلمة والصعاب التى قابلته.. فإنه لم يكف عن الرسم.. وداوم على تقديم أعماله للصحافة.. ولم ينتظر أى جزاء مادى.. بل كان يسعده أن يرى أعماله مطبوعة.. ويعتبر ذلك أكبر تقدير له.. معاودا الرسم للجماهير بدون ملل أو كلل.. يعتبر الحسين فوزى أول فنان مصرى قدم رسوماً بالخطوط غير الرسوم الكاريكاتورية.. ويعد أول من رسم القصة فى الصحافة المصرية. لقد ساعد الفنان الحسين فوزى إجادته للخطوط الواقعية للأشكال البشرية الخاضعة للواقع ومحاكاته بتصرف للطبيعة.. وفى العمل الجرافيكى لا يمكن التكهن منذ الخطوة الأولى.. عما يحدث بعد الطباعة.. ولكن بحاسته واستشعاره تكونت عنده القدرة والإدراك لشكل الصورة المتكاملة للأشياء التى يقوم بالتجريب فيها.. فهو لم يترك شيئا للمصادفة البحتة.. إلا وقد صهرت فى بوتقة تقنياته العالية قبل وقوعها.. فهو وراء كل خط.. ومساحة.. وضوء وظل.. كما يستخدم كل وسائل الطباعة المتاحة بكل إقتدار وتحكم.. حتى صار الأداء عنده سهلاً وسريعاً.. وكانت التجارب العديدة للفنان تظهر أشياء أخرى غير منتظرة أثناء بحثه وممارسته تزيد العمل الفنى جمالاً.. مما جعله يعاود التجريب بأسلوب آخر.. ليتفوق على نفسه بتقنياته الحديثة.. المتطورة وقد تحقق لتجارب الحسين فوزى النجاح والتفوق.. وخصوصاً أعماله فى الحفر على اللينوليوم والخشب المتألقة فى الستينات.. والتى ضمها إلى معرضه الضخم الذى أقامته له وقتذاك وزارة الثقافة والإرشاد القومى.. تحت أسم.. `أعمال من البيئة خلال أربعين عاما` عام 1965.. التى أوحى فيها بالكتلة والحركة والأشكال الصعبة المستوحاة من البيئة المصرية.. حيث أثبت فيها تجريده وتبسيطه للخطوط.. وحلوله الفذة للضوء.. ومساحاته المنسابة بنعومة.. وكان اختياره للأسلوب التنقيطى.. من اجل كسر حدة الضوء.. وإضفاء الحركة على الكتلة الساكنة الضخمة.. متعمقاً فى جسد التصميم.. وبالتالى كانت جميع تجاربه موفقة منذ اللحظة الأولى.. لمعرفته كل مايقف خلفها.. كأنه يحول أسرارها ويتحكم فى ألفتها وتطويعها لإحتياجاته الفنية..
إن الحسين فوزى كان مثالاً للأب المربى الحريص على تعليم أبنائه كل كبيرة وصغيرة.. قد عرفها هو خلال تجربته الطويلة.. وكشفه للأسرار العديدة للتقنيات التقليدية والحديثة فى فن الجرافيك والتى مارسها وتدرب عليها فى الماضى والحاضر.. محاولا تذليل جميع العقبات لأبنائه من الفنانين .. إلى أن أنهى رسالته على خير مايرام.. ليترك عالمنا فى فجر الأربعاء 14 يوليو 1999 ويلتف حوله تلامذته وأبناؤه يكملون مسيرته الفنية وتجاربه اللانهائية.
محمد حمزة

الحسين فوزى .. من ( الدلالة ) و ( السقا ) إلى .. على بابا
- يعد الفنان الحسين فوزي رائد فن الجرافيك او ما يسمي بالطبعة الفنية .. كما انه الرائد الاول للرسم الصحفي .. تالقت رسومه بمجلة الشباب عام 1924 .. وبصمته في رسوم الأطفال تمثل مساحة خاصة شهدتها مجلة ` علي بابا ` والتي نافست به الرائد حسين بيكار رسام مجلة سندباد زائعة الصيت .. والحسين ايضا صاحب رسوم رواية نجيب محفوظ ` اولاد حارتنا ` التي نشرت بصحيفة الاهرام بطول عام 1959 في اكثر من مائة رسم ورغم كل هذا الا ان فناننا لم يحظ بشهرة بيكار الصحفية ..فقد شغلته الوظيفة كأول رئيس مصري لقسم الجرافيك بمدرسة الفنون الجميلة العليا بعد ان تسلمه من مستر رايس الانجليزي عام 1934 بعد عودته من البعثة وكان يدرس الفن في فرنسا.. مكتفيا بتخريج أجيال وأجيال .
- الطفولة وحي الحلمية ولد فوزي في عام 1905وكانت نشاته في قلب حي الحلمية بالقرب من السيدة زينب والقلعة .. `الذي ينتسب الي عباس حلمي باشا بعد ان بني قصره به وانشأ ميدانا اطلق عليه ميدان الحلمية `.. والتحق بمدرسة الفنون الجميلة عام 1922وتخرج عام 1926 ليسافر بعد ذلك في رحلة الي باريس عام 1929 . بعد أن نال الجائزة الاولي علي ستين متقدماً للحصول علي البعثة الدراسية حيث درس التصوير الزيتي في الفنون الجميلة العليا علي يد الفنان ` فوجيرا ` كما درس الفنون الزخرفية وحصل علي دبلوم الجرافيك عام 1932 من مدرسة إتين للطباعة بباريس .
- ` السقا ` و ` الدلالة ` ورغم أن فناننا سلك طريق الحفر الطباعي او الجرافيك وقدم من خلاله روائع مرئية تعد مع رسومه بالأبيض والأسود في طليعة ابداعات الفن المصري المعاصر إلا ان له اعمالاً في التصوير الزيتي تشهد علي قدراته التعبيرية الفذة . وليس أجمل من لوحته الصرحية الضخمة ` السقا ` والتي يتزين بها حاليا متحف الفن المعاصر بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا ` والذي يعد ثاني متحف علي مستوي جامعات العالم ` .. يقف فيها السقا حاملا قربته ليملأها من الزير وقد نقلنا فوزي في الوانه الي سحر الماضي بتلك اللمسات التي يغلب عليها البني والاسود والتي تحمل بصمات الزمن.
- وتضارع ` السقا ` بل تتجاوزها لوحته ` الدلالة ` التي ابدعها عام 1940 والتي تعد صورة اجتماعية للدلالة التي كانت تطوف بالبيوت ومعها بضائعها بمثابة دكان متنقل تعرض محتوياته علي الهوانم من ربات البيوت وقت ان كان خروج المرأة علي استحياء وتعتبر هذه اللوحة من أهم الاعمال في التصوير المعاصر وهي مسكونة بالحركة والحيوية حيث ينساب القماش من طرفيه بين انامل سيدة وأنامل الدلالة مع بضاعتها المتناثرة علي الأرض .
- وتبدو البائعة علي اليسار في الضوء الشحيح بينما السيدة تطل في الضوء الباهر ايماءة الي الوضع الطبقي للسيدتين .
- وللحسين فوزي ايضا لوحة زيتية وضاءة لفتاة ريفية مسكونة بالحسن والجمال وبنظرة تطل خارج اللوحة علي خلفية من فراغ متسع بين الاخضر الزيتي الداكن والأسود يقودنا الي زمن سحري .. والفتاة تذكرنا بـ ` زينب ` بطلة رواية محمد حسنين هيكل .
- ` الشباب ` و` الرسالة الجديدة ` ويعد فوزي اول فنان مصري يرسم بالصحافة عندما بدأ مشواره الصحفي وهو طالب بالفنون الجميلة حين رسم بمجلة الشباب عام 1924 كما تألقت رسومه في مجلة الرسالة الجديدة التي رأس تحريرها الاديب يوسف السباعي في اوائل الخمسينات والتي صدرت في عددها الاول في ابريل من عام 1954 .. وكانت تمثل علامة كبيرة في الرسم الصحفي خاصة اغلفتها البديعة التي ظل يرسمها لفترة طويلة.
- كما قام بعمل رسوم توضيحية واغلفة للكتب الادبية ورسم في عدة جرائد ومجلات منها : المصور والفكاهة وجريدة الاتحاد واللطائف وكوكب الشرق وجريدة الاهرام والشعب والجمهورية .
- علي بابا وصحافة الطفل صدرت مجلة ` علي بابا ` في عددها الأول في سبتمبر من عام 1951 عن شركة الشمرلي تحت عنوان ` مجلة فكاهية ثقافية مصورة ` .. وكان بداخلها مجلة باسمه حملت اسم الاراجوز بشعار : ` طعمة ومحشوة باللوز ` .. ورأس تحريرها الكاتب ابراهيم عبد القادر المازني.. وكان مصطفي كمال الرسام والخطاط الاوحد للمجلة من بداية صدورها في عددها الأول .. لكن يعد ميلادها الحقيقي بعد قدوم الحسين فوزي اليها في 20 من ابريل من عام 1952 فقد استعانت به المجلة حتي تستطيع منافسة ` سندباد ` ورسامها الأول حسين بيكار .. خاصة ان الحسين فوزي لا تقل قيمته الفنية عن بيكار .. لكن ظلمه أخلاصه الشديد للتدريس بالفنون الجميلة وسعادته باكتفائه بتخريج أجيال وأجيال من الفنانين خاصة انه رائد فن الحفر ` الجرافيك`.
- هذا وتتميز خطوط فوزي في رسوم الاطفال بقوتها التعبيرية التي صورت الحياة المصرية وجمعت بين الرمز والواقع وبين روح الشرق الفنان ودندشات الفن الشعبي كما في تصاويره العديدة مثل :فتاة تحمل فانوس رمضان ومسبحة طويلة في ايقاع دائري وفتاة وسط حقل مع بقرتها و` قسط اللبن ` .. كل هذا باسلوب جمع بين التلخيص والتجسيم.. البطل فيه دنيا من استدارات وانحناءات الخطوط مع مسطحات لونية توهجت بالاحمر الناري والاصفر والاخضر والأزرق .
- وما أجمل رسوم الحسين فوزي التي جسدت عنف الحركة عند الحيوانات خاصة الحيوانات الضارية مثل الاسد والنمر.. وايضا حركة الحصان الذي تمتد ارجله الامامية في الفضاء .. وهو ينقلنا في رسومه من حالة تعبيرية الي اخري من تداخلات النساء من الاميرات والفرسان والعوام من ابناء الشعب .. الي درس في الحساب والذي يجسد صورة للتلميذ والأستاذ .. الي تلك الشخوص الاسطورية التي يسافر بنا معها في الزمن الجميل من الحكايات العربية.. وعندما قامت ثورة يوليو 1952 تنوعت اغلفة فوزي في صورة جديدة ومختلفة في عالم رسوم الأطفال .. فقدم رسوما ثورية حول الاستقلال والجلاء ومعونة الشتاء والمقاومة الشعبية ومديرية التحرير .. ليس هذا فقط بل تنوعت موضوعاته التي جسدت المناسبات الدينية والاجتماعية فصور رمضان والمسحراتي وبهجة العيد.. كما صور الفلاحين واطفال الحارة في الريف مع الاحتفالات الشعبية.
- وربما كانت بطلة المقاومة والتي ارتدت تاج الثورة وتصدرت احد الاغلفة حاملة السلاح والزهور.. صورة من صور التعبير التشكيلي الذي واكب الثورة مع ما كان يقدم في ذلك الوقت من صحافة الكبار .
- وقد توالت أغلفة ورسوم الحسين فوزي علي صفحات علي بابا فجاءت اشبه بمباراة في المنافسة الفنية بينه وبين بيكار الذي تالقت رسومه بسندباد.
- إلا ان علي بابا المجلة لم تدم وتستمر طويلا .. وربما من بين اسباب توقفها تلك الجرعة السياسية الكبيرة والتي جسدت بشكل مباشر امجاد وانجازات ثورة يوليو بما لا يحتمله الطفل عموما والذي يطريه الرمز ويهفو دائما الي الخيال.
- هو و ` أولاد حارتنا ` مثلما تألقت القاهرة بوجهها الخاص والحياة الشعبية في ملامحها العامة في أدب نجيب محفوظ ، فقد تألقت أيضا في لوحات عديدة في الفن التشكيلي. فعندما نقرأ خان الخليلي أو زقاق المدق وبين القصرين أو نطوف (بدنيا الله) نجد في تصوير محفوظ ما نراه في أعمال الكثير من فنانينا ممن التقت اعمالهم مع عالمه دون اتفاق مثل الرائد يوسف كامل وفنان الباستيل محمد صبري إلا أننا نجد أعمالا اخري تعد بمثابة ترجمة بصرية لعالمه كما نري عند الحسين فوزي .. ففي عام 1959 صاحبت ريشته فصول رواية أولاد حارتنا التي نشرت بصحيفة الأهرام في 100 رسم علي مدي ما يقرب من العام وقد تصدي فوزي لهذا العمل المركب والمسكون بالرمز خاصة وهي رواية تحلق في اجواء ميتافيزيقية علي ارض الواقع لكنه حلق في عالمها ونقل أبطالها الي مسرح الحياة .
- ومن روائع الفنان فوزي الأخري .. ما قام برسمه وتلوينه بالألوان المائية .. لمساجد مصر ومآذنها .. والذي كلفته به وزارة الأوقاف وصدر في كتاب خاص في جزئين ويعد مرجعا فنياً وتاريخياً لمعالم مصر بعد كتاب وصف مصر الذي رسمه كبار الفنانين الفرنسيين أثناء الحملة الفرنسية.
- وفناننا له أعمال مقتناة بمتحف الفن الحديث بالقاهرة ومتحف كلية الفنون الجميلة بالمنيا وأماكن عديدة بمصر .. وسفارة الهند والمتحف الطبي بشيكاغو ومتحف ستوين جلاسي بنيويورك وله ثماني قطع في فن الجرافيك بمكتبة الكونجرس بأمريكا.
- تحية الي الحسين فوزي رائد فن الجرافيك ورائد الفن الصحفي ورسام الاطفال والمصور الكبير بعمق ابداعاته المتنوعة .
صلاح بيصار
جريدة شباب مصر 21 أبريل 2012
لوحة ` الدلالة` للفنان` الحسين فوزى`
فاز الفنان الحسين فوزى (84 سنة) بجائزة الدولة التقديرية للفنون، وكان ذلك تتويجاً لحياة حافلة بالإبداع والأستاذية لأجيال من الفنانين الذين تتلمذوا على يدية ونالوا شهرة واسعة.
ولوحة الدلالة التي رسمت عام 1981 تعبر بوضوح عن مدى كفاءة هذا الفنان المبدع الموهوب والذى يمثل علامة بارزة بين فنانى الجيل الثانى.
ربما تكون هذه الصورة قد اختفت أوكادت من حياتنا المعاصرة ، فقد ارتبطت بعصر الحريم وعدم خروج المرأة إلى السوق الا نادراً.. فكانت الدلالة تزور الحريم وتعرض عليهن بضاعتها. من أقمشة وعطور وملابس وحلى وغير ذلك من احتياجات المرأة.. وإذا عرفنا أن هذه اللوحة تبلغ 2.5 متر طويلا و1.5 متر ارتفاعا، أدركنا أن الفنان صور الشخصيات والعناصر فيما يقارب الحجم الطبيعى، واهتم بالتعبير عن كل العناصر بدقة وصورها فى رسوخ مسجلا كل المعروضات والاثاث فى واقعية مدهشة.
لقد تفوق الحسين فوزى في رسم الوجوه وإبراز مختلف التعبيرات عليها، كما كان ابرع من عبر بالأيدى ورسمها فى جميع الاوضاع، وقد نال شهرته الجماهيرية من رسومه الصحفية، كان استاذاً ولايزال لفنون الطباعة الفنية (فن الحفر) وكان رائداً فى هذا الميدان الذى لم يسبقه إليه أحد فى الشرق الأوسط ، وارتبط اسمة بالجريدة والكتاب فكان من نجوم الفن التشكيلى على مدى اربعين عاما بعد عودته من بعثته فى فرنسا عام 1934 .. وإذا عرفنا أن الرسم فى الصحافة كان مهنة ينفر منها الفنانون. لتصورهم أنها أقل شأنا من رسم اللوحات الزيتية لادركنا بعضم ماحققة ` الحسين فوزى` بريادته فى هذا المجال.
ويذكر له انه رسم مجلدين عن مساجد مصر فى لوحات بالألوان المائية واستغرق فى اعداد هذا العمل الكبير اربع سنوات وقامت بطبعها وزارة الاوقاف عام 1950.
اما لوحة الدلالة فهى من الكنوز التى تفخر بها كلية الفنون الجميلة بالقاهرة ، وهى معروضة بمكتب عميد الكلية يتأملها كل من تردد عليه ويستفيد من أستاذيتها طلبة الفنون الجميلة .

شموع
جائزة الدولة التقديرية
ولد في القاهرة عام 1905 ، وتخرج فى كلية الفنون الجميلة عام 1928 . ثم بعث إلى باريس لدراسة فنون الرسم والتلوين والحفر والزخرفة، وعاد من هناك عام 1934 ليؤسس ويرأس قسم الحفر بالكلية التى تخرج فيها.
وقد اهتم الحسين فوزى بالحياة الشعبية والريفية المصرية وحرص على أن يكون فنة فناً مصريا شكلاً ومضموناً كما حرص على أن يخاطب به الجماهير العريضة دون أن يسقط فى ابتذال الممالأة ودون أن يفقد القدرة على التطور والحوار مع الفن الحديث.. وقد وفق إلى أسلوب فنى يحتفى بتسجيل الواقع المرئى بقدر احتفائه بالتعبير الحار الذى يحفل بالحركة متخذاً من الانسان وعالمة اليومى موضوعًا حميماً كما يتضح من مراجعة أسماء لوحاته : `مصر ياقلة العطشان` ، ` الدلالة` ، ` الفلاحة تملأ الجرة ` ، `موسيقا شرقية `، واشتهر الحسين فوزى خلال العقدين الخامس والسادس من القرن بلوحاته الصرحية ، واهتم دوماً بالمطبوعات المحفورة على الخشب والزنك والنحاس، وتعتبر أعمال الحفر على الشمع ( اللانيو) التى قام بها من معالم طريق حركتنا الفنية المعاصرة.
وقد مزج فيها بين مكتسبات الماضى والحاضر، مستخدماً اسلوب التنقيط المتكامل مع الموضوع والمضمون.
وقد كانت رسومه لرواية نجيب محفوظ ` أولاد حارتنا ` فى الأهرام خلال الستينيات ذا مستوى رفيع، وكشفت عن إعجاب الحسين فوزى بفنان عصر النهضة ` ما يكل أنجلو` واحتفاله مثلة بالإمكانات التعبيرية للجسد الإنسانى، وخاصة الأطراف.. ويعد فوزى من أبرع الفنانين العرب الذين رسموا الأيدى والأصابع وكشفوا عن لغاتها..
ومن الملامح الجوهرية الثابتة فى مراحلة الفنية المختلفة وأساليبه المتعددة إحتفاءه بالإيجاز والانتخاب والاختزال الفرعونى رغم مايتبدى احيانا من حرصة على التفاصيل، ورغم مبررات الثرثرة الأكاديمية( مثلما هى الحال فى تفاصيل السيدتين واكسسواراتهما فى لوحة الدلالة) ويرجع ذلك إلى عمق تأثره بالفن الفرعونى.
ولم يبتعد شيخ الحفارين بإبداعه عن البيئة والواقع المحلى إلا عندما رجحت كفة التجريب فى اعماله خلال الثمانينيات فاتضحت غلبة التصميم في تكويناته، وتأكد تعامله مع الخطوط الراسية والافقية وخرج من ذلك بموقف تشكيلي توافقي ناجح حقق معنى الاصالة والحفاظ على الجذور، والاستجابة المقتضيات التغيير في نفس الوقت.. وحتى وهو يجرد في مرسمة، بعيداً عن محاكات الطبيعة و ` الموديلات` ، كان يعتمد على خبرته الثرية وقدراته الفذة فى الرسم والتصميم والتكوين، مما كان يضفى الحياة على تجريداته وينفخ الروح فى رسومه الايضاحية..
ومازال الحسين فوزى، أطال الله فى عمره، يقود تيار التحديث على اسس صلبة ومعايير محكمة يستخرجها من الاكاديمية التقليدية ليلبى احتياجاتنا الثقافية الجديدة.

مجلة شموع 1989
أستاذ الأساتذة.. الحسين فوزى
نجوم فن الجرافيك المصري المعاصر
نعاود فى هذا المقال التعريف بأساتذة فن الجرافيك المصرى المعاصر، وفى هذا المجال نتحدث عن أستاذ الأساتذة فى هذا الفن، الرائد الحسين فوزى.
الحسين فوزى 1905-1999 :
التحق الحسين فوزى بمدرسة الفنون الجميلة العليا عام 2002 وتخرج فيها عام 1926 ، وأثناء فترة التلمذة أضطر الحسين فوزى إلى تغيير اسمة عدة مرات، حيث أصبح تارة حسين غانم وتارة حسين الكنسى، ثم الحسين فوزى، وقد فعل ذلك لتجنب تشابه اسمه مع زميل فى الدراسة كان ضعيفاً ويتسم بالإهمال، وقد سبب هذا التغيير فى الأسماء مشكلات كبيرة أمام منظمى متحف الفن المصرى الحديث فى أوائل القرن الواحد والعشرين لتحديد الأعمال الموقعة بأسماء متعددة إلى أن تبينت تلك الحقيقة من خلال البحث الدقيق. أثناء التلمذة أيضاً لمع نجمة مبكراً فأصبح يرسم فى الصحف- مجلة المطرقة، ومجلة الاتحاد ومجلة المصور وجريدة الأهرام وعدد كبير آخر من الصحف والمجلات، ونصحه مدير الفنون بوزارة المعارف آنذاك المسيو` هوتبكر` بأن يلتحق بمدرسة `ستين`
في باريسEcole de Estienne ، وذلك عندما فاز ببعثة إلى فرنسا فى مسابقة بين أقرانه، وقضى الحسين فوزى ثلاث سنوات هناك من عام 1929 ، إلى عام 1934 ، حيث درس فنون الرسم والتصوير والزخرفة فى النهار، وفن الحفر البارز فى القوالب الخشبية طولية المقطع ، والطباعة الملساء على الحجر ` ليثوغراف` فى المساء. وعندما عاد الحسين فوزى إلى مصر عين للتدريس بقسم الحفر بمدرسة الفنون الجميلة العليا عام 1934 ، وهو القسم الذى أسسه المسيو `برنارد رايس` Pernard Ryes عام 1930 وتخرجت فيه أول دفعة عام 1937 ، ليصبح الحسين فوزى أول مدرس مصرى بقسم الحفر الجرافيكى بالكلية، ثم رئيساً للقسم خلفاً للمستر ` رايس` ، ومنذ توليه هذه المهمة قبل منتصف الثلاثينيات ، ظل الحسين فوزى يتابع دوره كأستاذ متمكن ورائد كبير، علم أفواجاً وأجيالاً من فنانى الجرافيك حتى أجيال إلى التقاعد، كما أشرف على مرسم الفنون الجميلة بالبر الغربى بالأقصر فى الفترة من 1954 إلى 1960 .
رسم الحسين فوزى لوحات ورسوم وابداع جرافيات تتسم بالواقعية الرومانسية لموضوعات تاريخية وتكوينات بينية من مصر الإسلامية - تحت بوابة المتولى. والدلالة وتكوينات واقعية عبر فيها بالمنظور البصرى الأشبه بخلفيات المشاهد المسرحية بما تحتويه من تفاصيل معمارية دقيقة وإضاءة تجسيمية بالخطوط والنقط بالرسم بالحبر الشينى أو بالألوان الزيتية. وقد أثرت مرحلة إقامته بمرسم الأقصر على إحساسه المرهف بمعالجة الضوء والظل بصورة متباينة قوية مكنته من ابتكار صياغات حداثية على الفن المصرى ، ركز فيها على كتلة التصميم لعناصر انفرادية كالفلاحة بذاتها او مع البلاجى فى تكوين تكعيبى المعالجة ركز فيه على الدرجات الظلية السوداء والنقاط المتكاثفة بنسب متنوعة بيضاء داخل المساحات السوداء تؤكدها الخطوط التحديدية القوية الغنائية فى إيقاعها، لتقترب من إحساسنا بكتل حجر البازلت المنحوتة في رسوخه واستقراره، وتبدو تصميماته أحياناً آشبه بتأثير النحت البارز فى كتل هذا الحجر الصلد، وقد نفذ هذه اللوحات بالطباعة على قوالب ` اللينوليوم`.
أفصحت أستاذية الحسين فوزى عن نفسها فى كل من تلك المجالات وترك تراثاً نادراً فى تراثه وخصوصيته ، من بينها لوحات الألوان المائية المدهشة التي يضمها مجلاً مساجد مصر الذى اصدرته وزارة الاوقاف، وهى من أليات التصوير بالألوان المائية إذ تعكس فضلاً عن أمانه التسجيل، حساسية فنان رومانسى قوى .
وصور لوحات جدارية ضخمة فى مؤسسات متنوعة في مصر وأمريكا والهند وفى بدايته كحفار جرافيكى عبر عن أفكاره بتقنيات بالغه التعدد من الطباعة الحجرية ` الليثوغراف ` Lithography إلى الطباعة الغائرة على المعدن بتقنياتها المتعددة ومنها ` الميتزوتنت` Metsotent والحفر البارز على الحفر طولى الألياف والمقطعى واللينوليوم.
حقق الحسين فوزى بوصفة رائداً للرسم الصحفى، وفن الكتاب والفن الجرافيكى الطباعى فضلاً عن كونه أستاذاً له مكانته الاستثنائية فى الحركة الفنية على العديد من أوجه المحبة والتقدير والتكريم بدءاً من حصوله على جائزة الدولة التشجيعية والتقديرية إلى الجوائز المحلية فى فن الجرافيك ومشاركاته فى البيناليات والمحافل الدولية إلى تكريم المؤسسات التعليمية له مقرونا بالإجلال والاحترام.
أ.د مصطفى الرزاز
الوفد 24-11-2005
رسام ` أولاد حارتنا`
عندما ولد ` الحسين فوزى` فى 4 سبتمبر 1905 ، بحى الحلمية الجديدة، لم تكن القاهرة تعرف شيئا اسمه الفن، بالمعنى الذى سوف نعرفه ونعيشه بعد ذلك بسنوات.
ومثل كل أنداده، عاش طفولته يلعب ويمرح، فكان يركب الحمير (كانت جاذبية سرى تركب الدراجات في الحى نفسة) ، ويجرى وراء الثيران، ويقلد الخيول الجامحة، ويبتهج بافتراش العشب، ورسم أقاربه وجيرانه في صور حيوانات، فكان يصور والده حصانا، وأمه شاة، وعمه ثوراً هائجاً، بأسلوب ساخر ولطيف، ووشى به بعض أصحابه من الصبية، لوالده الذى أعطاه `علقة ساخنة` وحرمة من الخروج من البيت، لكن جده الذى كان يعطف عليه، أنقذه من الاعتقال فانطلق، وكان في الرابعة من عمره- يرسم كل شىء، غير أنه تعلم أن يكتم التعبير عن موهبته، ودخل المدرسة، التى كانت كالسجن تلك الأيام، وربما لا تزال على الصورة نفسها حتى الآن ، وتدرج فى التعليم، حتى المرحلة الثانوية، التى اكتشف أثناءها، أنه فنان، وأن ملعبة وفضاءه الذى سيمرح ويحلق فيه هو الطبيعة والريشة والألوان.
وتأكد ذلك حينما طلبت منه، ` الشباب` وهى جريدة أسبوعية - أن يرسم لها بعض الصور، لنشرها على صفحاتها، وقد نشرتها فعلا فى صدر صفحتها الأولى.
وكما يحدث دائما فى قصص المبدعين والخارجين عن المواضعات الاجتماعية، أرادة أبوه أن يكون طبيبا، أما أمة فأحبته أن يكون مهندسا، وشاء هو أن يكون فنانا، وصرخ الجميع كالعادة الأزلية: ` الواد اتجنن` وده اللى بيشتغل بالألوان نقاشين الصوانى` وهايموت من الجوع.. انقذوه` ، وتعالت الصرخات، واشتد الصراع، وتخبط الجميع فى الحيز الذى احتدوا فيه.
وخرج الحسين فوزى، ليدخل مدرسة الفنون سنة 1923 ، ملتحقا بقسم الرسم بالزيت، وكانت المدرسة في بداياتها، ولم يتجاوز عدد تلاميذها- آنذاك- السبعين، وكانت مجلات وصحف تلك الأيام، تهتم بالرسوم لتزين بها صفحاتها، وطلبت منه مجلات ` الشيطان` ، ` المصور` ` الفكاهة` ` والاتحاد` أن يتحفها ببعض الرسومات، وبدأ يصول في هذا المجال، فرسم لمطبوعات أخرى عديدة مثل ` اللطائف`،` كوكب الشرق`، ` الشعب` ،` الجمهورية` ` ، الرسالة` ،و` الأهرام` .
الدراسة بالمراسلة
وكان قد بدأ يفكر فى دراسة الرسم بالحبر الشينى، وهداه فكره وخياله- بعد اطلاعه على المجلات الفنية الأجنبية التى كانت تأتى من خارج مصر- إلى دراسة ذلك عن طريق المراسلة مع كلية الفنون فى لندن، وظل يرسل إليهم ما يرسمه، وهم بدورهم يرشدونه ويرسلون له توجيهاتهم.
ومرت الأيام وصارت البلاد المصرية تولى اهتماما للفنون، وكان أن نظمت مسابقة إرسال مبعوثين للتخصص فى شتى ألوان الفنون، وحصل صاحبنا ` الحسين فوزى` على المركز الأول وسافر إلى باريس، لدراسة التصوير بالزيت، وبها أكمل دراسته للحبر الشينى، ` ولأن الفنان ` هوت كور` أبدى إعجابه برسومى بالحبر الشينى نصحنى- وكان مدرسا بمدرسة الفنون- أن أتحول إلى دراسة ` فن الحفر` .وتعلم ` الحسين` فى مرسم الأستاذ العالمى الفرنسى ` فوجيرا ` في باريس، ونال شهادة شرف لقبول لوحة زيتية له، عرضت فى الصالون الفرنسي سنة 1932 ، وعاد ` الحسين` من باريس، فنانا فى يده ثلاث دبلومات ` دبلوم مدرسة الفنون الجميلة المصرية سنة 1928 ، دبلوم الزخرفة من مدرسة إيتيان فى فن الحفر بباريس سنة 1932 ، دبلوم الزخرفة - فى السنة نفسها 32، من مدرسة الفنون والزخارف العليا بباريس، وعين فى قسم الحفر بكلية الفنون الجميلة، وتدرج فى مناصبة حتى سار رئيسا له وفى أيام دراسته فى باريس، كان هناك ثلاثة يحملون الاسم نفسه: الدكتور حسين فوزى أستاذ العلوم ( الأديب والموسيقى والسندباد)، وحسين فوزى المخرج السينمائى. وقد تاهت لوحات فناننا فى أذهان الناس، فأشار عليه `بيكار` وكانوا يجلسون فى مقهى مجاور لضريح الحسين، والحديث يدور حول ما يعانيه بسبب اسمه الذى فرض عليه بقولة : لماذا لا تتشبه بسيد الشهداء الذى نتشرف بالجلوس إلى جوار ضريحة الشريف، ونضيف إلى اسمك أداة التعريف (ال) لكى يصبح ` الحسين فوزى` وهكذا يسهل التمييز بين أسمائكم، وتتخلص من هذا التشابك إلى الأبد.
صاح الزميل فى وجهى : ` أما فكرة ` كانت هذه رواية الفنان الجميل ` حسين بيكار`.
بمرور الزمن، تغيرت نظرة المجتمع والناس للفن ، فالفن رسالة وقيمة جمالية وإنسانية جديرة بالاحترام والتقدير، وانتدب الفنان ` الحسين فوزى`. مشرفا فنيا على أعضاء ` مرسم الأقصر` فى سنتى 1961 ،1962 ، بالإضافة إلى عمله فى كلية الفنون، والتى كان أولياء الأمور يكافحون آنذاك-لإلحاق أولادهم بها ` الآن صارت مرتعا للجهل والافكار التى تحرم وتدين التصوير والفن عموما`.
وبنهاية معرض بنيالي الأسكندرية عام 62/1963 ، نال فناننا الجائزة الاولى فى فن الحفر، وفى السنة التالية، حصل على جائزة الدولة التشجيعية فى فنون الرسم وتطبيقه، غير أن التقديرية فازت به بعد ذلك بسنوات طويلة، فى 1989، وكان قد بلغ من العمر 84 عاما، وبعد ترشيحه لها للمرة العاشرة ، بالرغم من ضخامة إنجازاته ومواهبه النادرة فى الرسم والتصوير والحفر، ومن كونه المصرى الوحيد المشارك فى المعرض العام للصالون الفرنسى عام 1932 ، كما أنه أنشا وأسس قسم الجرافيك بالفنون الجميلة عام 1948 ، وظل رئيسا له حتى عام 1964 م.
بالإضافة الى كل ذلك ، وفوق كل ذلك، سجل فى جداريات ضخمة انتصارات المصريين، ولوحاته الخمس العظيمة بمتحف الحضارة ` الذى افتتح 1949 ` نموذج رائع فى الموضوعات التاريخية ` احتفال الفاطميين بأول العام الهجرى ، صلاح الدين الأيوبى فى بيت المقدس، انتصار الجيوش المصرية على الصليبيين في موقعة المنصورة 1250 ، الاحتفال بموكب المحمل ، وقناطر فم الخليج التي كانت تنقل المياه إلى قلعة الجبل عبر ` مجرى العيون` بوسطة السواقى.
وهناك لوحة جدارية في متحف المنصورة القومى تصور ` معركة فارسكور` وجميع هذه الأعمال الرائعة صورت بأسلوب ملحمى كلاسيكى، أظهرت قدرة وتمكن الفنان على اختزال الأحداث فى موقف ذى دلالة ومعنى، مع إحكام فى التركيب والتكوين والمهارة الشديدة فى أسس البناء والتعبير الدرامى من خلال الحركة وملامح الوجوه والعناصر باللوحة.
وقد تجاوز إنتاجه الفنى المتحفى حدود مصر، حيث سجلت ريشته لوحة كبرى بقاعة ` الخالدين` - بشيكاغو ` أمريكا ` وأضاف أعمالا أخرى بمكتبة الكونجرس الأمريكى، بلغت خمس لوحات ضخمة، وإلى ذلك، هناك 4 لوحات أخرى في متحف `استوين جلاس` بنيويورك فهل تتذكر، أو قل هل شاهدنا إنجازه العظيم الذى حققه سنة 1951 ، فى تاريخ المساجد المصرية بمجلدين كبيرين بضمان اكثر من مائة لوحة، منها رسومات ملونة عددها 22 لوحة من داخل جوامع القاهرة ` الكتاب أصدرته وزارة الثقافة- فأين هو الآن- طباعة وتداولا بين الأيدى ؟ وأين أصول الرسومات حاليا؟! ` .
الرسومات الفنية
أعمال الفنان الحسين فوزى لا حصر لها، فهو صمم الأغلفة الملونة والرسومات الداخلية لمجلة ` الرسالة ` ومجلة `على بابا` للأطفال، ومجلة ` الثورة ` ،و` الجيل الجديد` و ` آخر ساعة` ومعظم الصحف المصرية، وله رسومات توضيحية ` فنية` لقصص عديدة شعبية.
للكاتب القصصى يوسف السباعى، وقد رسم لوحات مشهورة وعالمية مثل ` الدلالة `- 1940 ، والتى أصبحت جزء من تاريخ الفن المصرى الحديث كأعمال محمود سعيد ومختار ومحمد ناجى وسيف وأدهم وانلى، وراغب عياد، وبيكار، وحامد عويس، وتحية حليم، وغيرهم..
وهناك لوحاته البديعة : ` حديقة أسوان` و ` الصياد` ،` شيخ الخفر`، ` والحارسة` .` آدم وحواء`، `تحت بواب المتولى`، ` مقياس الروضة`، و ` رجل يستريح`.
وبالأسلوب نفسه الذى يجمع بين الكلاسيكية والحداثة او يمكننا أن نسميه ` الكلاسيكية الجديدة `، برع الفنان فى التصوير بالألوان الزيتية والمائية وبالحفر، معبراً عن البيئة الشعبية والمناظر الطبيعية والموضوعات التاريخية والآثار الإسلامية، وقد وضحت فيها - جميعا- قوة البناء ، ورصانة الخطوط، وتوافق المساحات، وتناسق الألوان، ويقوم الضوء بدور رئيسى فى هذه الرسومات لإبراز التفاصيل وتجسيم الأشكال، وخلق إيقاع غامض ينقلنا إلى أزمنة مضت من خلال حركة الضوء والظلال.
وقد تطور أسلوبه الفنى خلال مسيرة حياته فخرج من الواقعية الأكاديمية إلى أسلوب تأثيرى، ثم صار أسلوبه يتضمن مزجا بين التجريد والواقعية، وفى كل ذلك كانت البيئة الشعبية هى منبعه ووحيه الفنى والجمالى.
ورحل ` الحسين فوزى` رائد فن الجرافيك والرسم الصحفي في مصر والعالم العربى، فى صمت، وبعيدا عن الأضواء ومظاهر التكريم، فى 14 يوليو 1999 م، ولكن أين ` وهى كثيرة هنا ` المائة لوحة التى رسمها لرواية ` أولاد حارتنا` لكاتبنا الخالد ` نجيب محفوظ` والتى نشرت مسلسل فى جريدة ` الأهرام` سنة 1959 ؟!
والتى ترون فى هذا العدد بعضاً منها، وهى تصدر أجواء وشخصيات الرواية ( الحائرة فى مناخاتنا الثقافية، وبين دور النشر، ولصوص التزوير)، بأسلوب يتميز بدقة ورشاقة وجمال الخطوط، وتماسك التكوين واكتماله ، والاحتفال بالإمكانات التعبيرية للجسد البشرى، وخاصة الأطراف والوجه، وتعبيرات وإشارات الأيدى ودلالاتها وتأمل تلك الرسومات الجميلة التى جمعت بين الرصانة والحداثة. رصانة البناء وشموخه، والتلخيص البليغ وشمولية النظرة، والذى استلهم روح الشعب المصرى ( اجتماعياً وفكرياً).
على حامد
الهلال 19-10-2006
` الحسين فوزى ` رائد فنون الطباعة الفنية
ولد بالحلمية الجديدة بالقاهرة يوم 4 سبتمبر عام 1905 وتوفى بالمهندسين بالجيزة يوم 14 يوليه عام 1999 .
استمد الفنان شهرته الجماهيرية من رسومه الصحفية وهو استاذ فن الجرافيك ( فن الحفر أو الطباعة الفنية) ورائده الاول فى مصر والشرق الأوسط لكن ارتباطه برسوم الكتب والرسوم الصحفية حقق له شهرة واسعة فيما بين عامي 1950- 1970 وكانت رسومه تنشر على أغلفة المجلات : آخر ساعة والرسالة الجديدة ومجلة الأطفال على بابا بالإضافة الى رسومه المصاحبة لقصص يوسف السباعى ومسلسل قصة حياة ` عمر مكرم` فى 340 حلقة يومية على صفحات جريدة الجمهورية ورواية نجيب محفوظ ` أولاد حارتنا` التى نشرت مسلسلة فى جريدة الأهرام .. وغيرها.
التحق بقسم التصوير (أى الرسم بالألوان) بمدرسة الفنون الجميلة عام 1922 وتخرج عام 1928 وخاص مسابقة خاصة ففاز بالجائزة الاولى فسافر فى بعثة لدراسة الفنون في باريس عام 1928 حيث التحق بمدرسة ` أستين` للطباعة وحصل على دبلوم الجرافيك عام 1932 كما درس بمرسم الفنان `فوجيرا` استاذ فن التصوير الزيتى ونال شهادة شرفية عام 1932 عن لوحة زيتية عرضها فى الصالون الفرنسى وقد التحق بمدرسة الفنون والزخارف العليا بباريس ونال دبلومها عام 1923 .
بعد عودته من فرنسا عام 1934 أسس قسم الحفر (أى الطباعة الفنية اليدوية) بمدرسة الفنون الجميلة العليا ثم اصبح رئيسا له حتى سن التقاعد.
كان ضمن أربعة فنانين مصريين حفرت رسومهم يدويا على الكريستال فى مصنع ` أستين` للزجاج بنيويورك وكان زملاؤه الثلاثة هم: جمال السيجينى وحامد عبدلله وحسين بيكار وقد أشرف الحسين فوزى على مرسم الفنون الجميلة بالأقصر (1954 -1960 ) وقد ساهم فى النهوض بالرسم الصحفى فى الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية كما اقام لوحتين زيتيتين ضخمتين لمتحف المنصورة القومى ولوحات أخرى بالمتحف الصحى وبالجناح المصرى بقاعة الخالدين بشيكاغو بأمريكا والسفارة المصرية فى الهند كما وضع الرسوم الملونة لكتاب ` مساجد القاهرة ` ( من جزءين) الذى نشرته وزارة الاوقاف واشرف عليه من الناحية الاثرية كروزويل وحسن عبد الوهاب عام 1951 ثم رسوم كتاب ` مآذن القاهرة ` الذى اصدرته دار الكتاب العربى وتوجد نماذج من اعماله فى متحف الفن المصرى الحديث ومتحف الحضارة بالإضافة الى جناح خاص باسمه فى متحف كلية الفنون الجميلة بالمنيا.
حصل عام 1962 على جائزة الدولة التشجيعية على وسام العلوم والفنون من الطبقة الاولى كما فاز بجائزة فن الحفر ` الجرافيك` من بينالى الاسكندرية فى نفس العام وقد حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1989 ثم وسام العلوم والفنون من الطبقة الاولى ( للمرة الثانية) عام 1991 .
ولوحة الدلالة التى رسمها الفنان عام 1940 وتبلغ مساحتها 3 ×2 متر تقريبا تعتبر من أهم اللوحات التى رسمها الفنان وأروعها.. فهى تتبع قواعد ` الكلاسيكية الجديدة ` فى فن الرسم وتعبر بصدق عن الحياة فى بيوت الطبقة الوسطى خلال النصف الاول من القرن العشرين فهى تحكى عن زيارات الدلالة للبيوت حيث تعرض بضائعها على سيدات البيوت.. إنها نموذج متفوق للإجادة فى التعبير والتكوين وتكشف عن مدى حساسية الفنان للعناصر والألوان التى استخدمها.
د. صبحى الشارونى
المساء 31-7-2007
الحسين فوزى رائد فن الرسم الصحفى
يعد الفنان الرائد الحسين فوزى الأب الروحى لمدرسة الرسم الصحفى المصرى، وهو من مواليد الرابع من إبريل عام 1905م بحى الحلمية بالقاهرة، سطر تاريخا فنيا حافلا في مجال الرسوم الصحفية، الذى بدأ العمل به عام 1924 ، وهو تاريخ أول أعماله الصحفية، وتحديدا بعد عامين من التحاقه بمدرسة الفنون الجميلة ` كلية الفنون الجميلة حاليا` ليتخرج في عام 1926 ، فاز بمنحة دراسية من بين ستين متقدما، ليسافر عام 1932 إلى باريس للحصول على دبلوم الجرافيك من مدرسة استين، التحق بعدها بمدرسة الفنون والزخارف العليا بباريس وحصل على دبلومها عام 1933 ، وتعلم فنون التصوير والحفر على يد الفنان الفرنسى فوجيرا.
ثم عاد للتدريس بكلية الفنون الجميلة، وكان وقتها معظم الأستاتذة من ` الخواجات ` ليكون أول رئيس مصر لقسم الحفر (الجرافيك حاليا)، وحصل فى عام 1964 على جائزة الدولة التشجيعية فى الجرافيك، وحصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الاولى فى نفس العام، تبعها بعد ذلك بحصوله عام 1990 على جائزة الدولة التقديرية فى الفنون، اقتنى متحف ` شيكاغو` ومتحف ` الكونجرس` الأمريكى بعض أعماله، كما طبعت رسومه الملونة لجوامع مصر فى مجلدين، وجمع مجلد ` مآذن القاهرة ` رسومه بالحبر الشينى، لتوافيه المنية فى الرابع عشر من يوليو عام 1999 .
قام خلال هذه الفترة وحتى التسعينيات بعمل رسومات للعديد من المجلات والجرائد مثل` المطرقة ` و` لاتحاد ` و` مسامرات ` و` الجيب ` و` الرسالة الجديدة `(1954) و` الفكاهة` و` كوكب الشرق ` و` اللطائف` و` المصور` و` الشعب` و` الأهرام` و` مايو ` (1981- 1982).
وخلال عمله فى الصحافة كان لا يزال يقوم بالتدريس بكلية الفنون الجميلة ليتخرج من تلاميذه من التحق أيضا بمجال الرسم الصحفى من أمثال الفنانين حازم فتح الله ومحمد صلاح مأمون وجمال قطب، ليسيروا على نفس منهجة ثم يتخذ بعض منهم منهجاً مغايرا فى الأسلوب بعد ذلك كما حدث مع الفنان محمد صلاح مأمون فى فترة التسعينيات بمجلتى ` روز اليوسف` و` صباح الخير` وكما حدث مع الفنان جمال قطب فى مجلة وإصدارات `دار الهلال` خصوصا فى رسومه الملونة.
وليأتى فنانون آخرون فيما بعد ليتعلموا على يد من تتلمذوا على يدية، كما حدث مع الفنان عبد العال حسن في رسومه بالأبيض والأسود والتى تأثر فيها برسومات جمال كامل أحد من تأثروا مباشرة بأعمال الحسين فوزى فى مجال الرسم الصحفى، وهكذا وعلى مدار عقود طويلة وحتى وقتنا الحالى لا تزال بصمة الحسين فوزى فى مجال الرسم الصحفي باقية من خلال أعمال تلاميذه أو تلاميذ تلاميذه، ليتعلم من تلك الأعمال اجيال اخرى، وليكون الحسين فوزى بأعماله المرسومة مدرسة حقيقية للرسم الصحفى.
أحمد سميح
روز اليوسف 12-8-2009
الحسين فوزى .. سجل الحياة المصرية
فى أولى فعاليات ` مشوار فنان ` بكلية الفنون الجميلة
ضمن فعاليات المشروع الثقافى والفنى لكلية الفنون الجميلة بالقاهرة والذى يحمل اسم ` مشوار فنان` بهدف تعريف طلبة الكلية بأقسامها المختلفة وجموع الحركة التشكيلية المصرية برموز كلية الفنون الجميلة أقام قسم الجرافيك بالكلية مؤخرا أولى ندوات المشروع والذى تناول سيرة حياة ومسيرة الفنان الكبير الراحل الحسين فوزى وهو أول رئيس مصرى لقسم الجرافيك - قسم الحفر وقتها - وتحدث فيها محاضرا تلميذه النجيب الفنان الدكتور حازم فتح الله الأستاذ المتفرغ بقسم الجرافيك والعميد الأسبق لكلية الفنون الجميلة ونائب رئيس جامعة حلوان الأسبق بحضور الفنان الدكتور بدر الدين عوض رئيس قسم الجرافيك بالكلية والدكتورة صفية القبانى عميد بالكلية.
ويعد الفنان الرائد الحسين فوزى الآب الروحى للرسم الصحفى المصرى من خلال تاريخ فنى حافل قضاه فى مجال الرسوم الصحفية ابتداء من عام 1924 أول تاريخ لأولى أعماله الصحفية، مرورا بمرحلة ما بعد منحته الدراسية إلى فرنسا وبعد تدرسيه بكلية الفنون الجميلة وكونه أول رئيس لقسم الحفر، قام خلال هذه الفترة وحتى تسعينيات القرن الماضى بعمل رسومات للعديد من المجلات والجرائد وكان خلال تلك الفترة ما يزال يقوم أيضا بالتدريس بكلية الفنون الجميلة ليتخرج من تلاميذه من التحقق أيضا بمجال الرسم الصحفى ويسيروا على نفس منهجه ثم يتخذ بعضا منهم منهجًا مغايراً فى الأسلوب بعد وهكذا وعلى مدار عقود طويلة وحتى وقتنا الحالى لا تزال بصمة الحسين فوزى فى مجال الرسم الصحفى باقية من خلال أعمال تلاميذه او تلاميذ تلاميذه، ليتعلم من تلك الأعمال أجيال أخرى، وليكون الحسين فوزى بأعماله المرسومة رائد فن الرسم الصحفى المصرى.
وفى بداية الندوة تحدث الدكتور حازم فتح الله واصفا الحسين فوزى: `هو رائد الفنون الجميلة وأول رئيس مصرى لقسم الجرافيك والدولة كرمته بالحصول على وسام العلوم والفنون من الدرجة الاولى بعد ما حصل على جائزتى الدولة التشجيعية والتقديرية، وهو فنان واستاذ معلم وصاحب مدرسة مازالت تؤتى ثمارها حتى الآن` . ولفت ` فتح الله` إلى انه لا يوجد فنان أو أستاذ بقسم الجرافيك إلا وتأثر بالحسين فوزى حتى ولو لم يره ، وواصل حديثة قائلا: ` الحسين فوزى مواليد 1905 م وتوفى عام 1999 م، وكان قد وصل إلى سن المعاش عام 1965 م وكنت وقتها طالبا فى السنة الثالثة بكلية الفنون الجميلة، وتولى رئاسة القسم من بعده الأستاذ الدكتور عبد الله جوهر، وهو أستاذ عظيم لم يأخذ حقة فقد فضل ` الفنون الجميلة ` على الهندسة- ` المهندس خانة ` حينها- وحصل على دبلوم مدرسة الفنون الجميلة عام 1927 م من قسم التصوير لأنه لم يكن قد أنشئ قسم الجرافيك بعد، وفى أثناء دراسته بالكلية كان له نشاط فى الصحافة وهى من أهم الجوانب الفنية فى حياته وفى حياة الصحافة المصرية والتى مارسها منذ عشرينيات القرن الماضى، فجميع من مارسوا الرسم الصحفى هم تلاميذ الحسين فوزى قبل أن ينهار الرسم الصحفى حاليا عدا بقايا فمستوى الرسم الصحفى حاليا متدن. وطالب ` فتح الله` من خلال اسم الحسين فوزى باستعادة بعض من التاريخ والجوانب الهامة التى تطرق لها الفنان الراحل فى لوحاته ورسومه الصحفية ، ولفت إلى أنه فى الفترة التى تخرج فيها الحسين فوزى كانت الدولة تهتم بالفنون وتقيم المسابقات الفنية وكانت الجائزة عبارة عن بعثات أو دراسة مجانية، فحصل الحسين فوزى على جائزة فى مسابقة وكانت بالسفر إلى فرنسا، وكان هدفه التعليم والتمرن فتتلمذ على يد أستاذ فرنسى يسمى فوجيرا فى مجال التصوير، ثم التحق بمدرسة استين لفن الحفر ثم التحق بمدرسة عليا للفنون الزخرفية -الديكور- فأتقن الرسم والتصوير والحفر والديكور مما أهلة للمشاركة فى صالون باريس أثناء بعثتة، وأشار ` فتح الله` إلى أنه بالرجوع إلى التاريخ سنجد أن هناك فنانون عالميون كانت ترفض أعماهم من المشاركة فكان الصالون هو المصفاة لفنانى العالم، ثم عاد الحسين فوزى إلى مصر عام 1934 م وكان قسم الجرافيك بالكلية قد أنشئ قبلها بعام وكان يرأسه السيد برنارد رايس وتم تعيينة بالقسم وكان أول أستاذ مصرى بهذا القسم ثم تولى رئاسته بعد ذلك وظل رئيسا له حتى خروجه على المعاش عام 1965 م.
وعن عدم حصول الحسين فوزى على ما يستحقه من مكانه لفت ` فتح الله` إلى أنه عندما بدأت الدولة تعمم وتحدث النظام الجامعى تمت مراجعة شهادات أساتذة الكليات فلم يعترف النظام الجامعى وقتها بشهادات الحسين فوزى التى حصل عليها واعتبرها لا تعادل الدكتوراة فمنع من الإشراف على الرسائل العلمية أو مناقشتها رغم أنه أستاذ الأساتذة الذين يمنحون الماجيستير والدكتوراه، وكتبت عنه رسالتان علميتان وهو لم يناقش أو يشرف على رساله، ولا يوجد كتاب أو رساله علمية تتعرض لتاريخ الحركة التشكيلية المصرية أو لتاريخ الجرافيك المصرى إلا وفيها فصل عن الحسين فوزى.
فيما أكد الدكتور حازم فتح الله : ` الحسين فوزى اكتسب قيمته الفنية من عمله وليس من شهادته، واكتسب قيمته الفنية من عطاءه لتلاميذه ومن جماهيريته بين أبناء الشعب الذى كانو يتشوقون لرسومه فى الصحافة المصرية `.
ولفت ` فتح الله ` إلى الجوانب الإنسانية لدى الحسين فوزى وكيف أنه كان ينحاز ويختار رسم الحرف البسيطة الموجودة فى زمانه كما لوحته ` الدلالة ` وكيف كانت لوحاته سجلا للحياة المصرية، وأشار إلى رسومه لكتاب ` مساجد مصر` ومدى براعته وتمكنه فى تسجيل التفاصيل بحرفية شديدة تفوق معظم فنانى المستشرقين ومعظم فنانى كتاب ` وصف مصر وهو مع ذلك لم يهمل جانبه الإبداعى في الرسم والحفر، وأيضا إلى إبداعه فى لوحات كتاب ` مآذن القاهرة ` وكيف أنه رسم فى الصحافة إلى جوار عمالقة الأدب والثقافة المصرية من أمثال نجيب محفوظ ويوسف السباعى وغيرهم، وأشار إلى ما تحمله لوحاته من رومانتيكية وواقعية وتعبيرية فى أن واصفا ايه بالفنان متعدد المدارس والاتجاهات.
أحمد سميح
روز اليوسف 28-3-2016

- يعد الحسين فوزى أحد أهم جسور التواصل الاجتماعى للفن فى مصر، سواء من حيث الموضوع أو من حيث الأسلوب أو من حيث قناة التوصيل والانتشار..
- فقد ارتبطت بداياته فى التصوير الزيتىى الثلاثينات والاربعينات بجو الحارة الشعبية والتعبير عن الروح الخاصة للمنزل المصرى فى تلك الأجواء، من خلال عادات اجتماعية مثل الدلالة والخاطبة والسقاء، يعالجها بواقعية كلاسيكية، ثم انتقل بمائياته ورسومه الملونة وغير الملونه إلى الطبيعة الريفىة وحياة الفلاحين والصيادين، يعبر عنهم فى احتفالية بالعمل والحياة ، بحس شرقى زخرفى يعشق التفاصيل والنمنمة ، وانشغل زمنا بتصوير المساجد والآثار الاسلامية مستخدما الألوان المائية بحس بنائى رصين ووقار كلاسيكى يقارب القيم التصويرية لدى فنانى الحملة الفرنسية على مصر، لكنه يتجاوزها بما تشمله رسومه من حس روحانى شرقى صميم... وقد كان اختباره فن الجرافيك ليتخصص فيه وينشىء ، من أجله قسما جديدا بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة 1934 بعد عودته من بعثته إلى فرنسا تأكيدا لتوجهة الاجتماعى، لما يمثله هذا الفن من قدرة على النفاذ إلى المجتمع بوسائل الطباعة الجرافيكية..
- وهذا هو ما استشمره الحسين فوزى على مدى نصف قرن بنجاح أكيد، حيث انتشرت رسومة الصحفية لروايات كبار الكتاب من خلال أكثر الصحف والمجلات انتشارا، وأكسبته شعيبة واسعة، لما اتسمت به من واقعية وحس فانتا زى رقيق يناسب كافة مستويات التلقى والتذوق بالمجتمع، كما يناسب الرؤى الأدبية فى القصص التى عبر عنها فى رسومه وخاصة أعمال الأديب الكبير نجيب محفوظ .
بقلم : عز الدين نجيب
من كتاب التوجه الإجتماعى للفنان المصرى المعاصر
الكتاب الذهبى يحتفى برائد فن الجرافيك المصرى روز اليوسف تعيد إصدار مآذن القاهرة لصاحب الريشة الذهبية الحسين فوزى
- ضمن إصدارات `الكتاب الذهبى` التى يرأس تحريرها الكاتب الصحفى أسامة سلامة، أعادت مؤسسة روزاليوسف مؤخرا إصدار رائعة رائد فن الجرافيك المصرى الفنان `الحسين فوزى`، التى تحمل اسم `مآذن القاهرة`، والتى صدرت فى ستينيات القرن الماضى، وأعادت روزاليوسف تقديمها باعتبارها نموذجا فنيا وثقافيا جديرا بالتقديم لكل الأجيال وباعتبار روزاليوسف المؤسسة الرائدة فى تبنى ألوان وأشكال الفنون والثقافة فى مصر والعالم العربى منذ نشأتها وحتى الآن.
تحمل نسخة الكتاب الصادرة عن مؤسسة روزاليوسف فى مقدمتها تقديما بقلم الفنان الدكتور حازم فتح الله أستاذ الجرافيك، الرئيس الأسبق لقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، العميد الأسبق للكلية، نائب رئيس جامعة حلوان الأسبق، وأحد أهم تلاميذ الحسين فوزى الذين تتلمذوا على يديه وتربوا على فنه وفكره وإبداعه.
كما تحمل نسخة الكتاب الصادرة عن مؤسسة روزاليوسف مقدمة عامة عن تاريخ المآذن بقلم الدكتور خالد عزب، رئيس قطاع المشروعات بمكتبة الإسكندرية ورئيس اللجنة الوطنية المصرية للمجلس الدولى للمتاحف.
يعتبر الحسين فوزى (1905 - 1999) الرائد الأول لفن الجرافيك المصرى، فعلى يديه تتلمذ مئات الجرافيكيين من ذوى الأسماء اللامعة فى مصر والعالم العربي، وكانت إبداعاته فى مجال الرسوم الصحفية مدرسة متفردة لكل العاملين فى هذا المجال، كما تعتبر أعماله الفنية سواء فى الرسم أو التصوير أو الجرافيك من أجمل وأروع ما تحتويه متاحف مصر الفنية.
وهو واحد من رواد الجيل الثانى فى الحركة التشكيلية المصرية، حيث أسهم فى تشكيل الكثير من ملامحها، ولد الحسين فوزى فى سبتمبر عام 1905 بحى الحلمية الجديدة بالقاهرة، وبعد رحلة فنية ولدت معه فى حقول طنطا لتظهر موهبته الفنية مبكرا وهو فى عمر خمس سنوات وصولا إلى المرحلة الثانوية التى درسها فى مدرسة السعيدية لتتبلور موهبته وتتنامى بمرور الوقت، ثم التحاقه بمدرسة الفنون الجميلة (كلية الفنون الجميلة الآن) عام 1928 دون علم أسرته، فقد اختار له والده الالتحاق بمدرسة الهندسة كما اختار لأخيه الأكبر من قبله مدرسة العلوم، لينبغ `فوزى` فى دراسة الفنون على يد أساتذته الفرنساويين الذين استقدمهم الأمير يوسف كمال مؤسس كلية الفنون الجميلة من فرنسا لتعليم الفنون، ثم يستكمل `فوزى` بعد ذلك دراسة فنون التصوير الزيتى والحفر والطباعة والفنون الزخرفية فى باريس أثناء بعثة فنية هناك عام 1929، والتى كانت بمثابة التحقيق لحلم فنى طالما راوده، حيث بدأ فى دراسة التصوير هناك على يد المصور العالمى `فوجرا` إلى جوار رائد فن التصوير المصرى الفنان أحمد صبرى، وكان فى عامه الأول هناك يدرس فن التصوير فى الفترة الصباحية، ثم يذهب لدراسة فنون الزخرفة فى الفترة المسائية، ثم يلتحق فى عامه الثانى هناك بمدرسة `استين` المتخصصة فى فنون الحفر والطباعة تلك الفنون التى كان يعرفها القلة فى باريس وكانت غير معروفة نهائيا بمصر فى وقت كانت فيه الحركة الصحفية برمتها وقت ذاك تفتقر إلى الكثير من الخبرات.
ليعود وقد استحوذ فن الحفر على عقله وتفكيره ليصبح أول أستاذ مصرى فى مدرسة الفنون الجميلة العليا بالقاهرة، يعلم هذا الفن إلى أن صار عام 1934 رئيسًا لقسم فن الحفر، ومنذ ذلك التاريخ بدأ يمهد لتيار قوى فى فن الحفر المصرى المعاصر أدى بدوره لفتح آفاق من التعبير لمن جاء بعده من أجيال، ليتخرج على يديه أغلب أساتذة هذا الفن من رواد الفن المصرى الذين ساروا على دربه فى الحب والتفانى لفن الحفر ومن بين هؤلاء الفنانين `عبدالله جوهر، كمال أمين، ماهر رائف، حسين الجبالى وأحمد نوار وحازم فتح الله`.
بدأ الحسين فوزى الرسم للصحافة منذ عام 1924 فاستطاع أن يخلق تيارًا قويا ومجددًا لفن الصحافة المصرية إلى جوار منافسه الفنان الراحل حسين بيكار. تتمثل فى إسهاماته فى مجلة `المصور ـ الرسالة ـ آخر ساعة ـ على بابا`، كما رسم العديد من روايات يوسف السباعى، ونجيب محفوظ أشهرها رسومه لرواية `أولاد حارتنا`، والتى نشرت مسلسلة فى الأهرام إضافة إلى رسومه المصاحبة لروايات ومؤلفات العديد من رواد وكتاب الرواية المصرية.
ومن أهم أعماله فى مجال النشر ما قام برسمه وتلوينه بالألوان المائية وحمل اسم `مساجد مصر`، الذى كلفته به وزارة الأوقاف وقام برسمه ما بين عامى 1943 و 1948 متنقلا بين أروقة المساجد وحول روائع زخارفها، والتى تجمعت فيها آيات فن المعمار الإسلامى فى مصر، وصدر فى مجلدين ويعد مرجعا فنيًا وتاريخيًا لمعالم مصر لا يقل فى روعته وبهائه وجمالياته عن كتاب وصف مصر، الذى رسمه كبار الفنانين الفرنسيين أثناء الحملة الفرنسية على مصر، علاوة على قيامه برسم كتاب `مآذن القاهرة`، الذى هو بين أيدينا الآن فى طبعة ثانية.
وقد حصل الحسين فوزى على جائزة الدولة التقديرية عام 1989فى تكريم من الدولة تأخر كثيرا، وقد رحل الحسين فوزى عن عالمنا فى فجر الأربعاء 14 يوليو 1999، وتعتبر لوحته الرائعة `الدلالة` 1940 من أهم اللوحات فى فن التصوير المصرى المعاصر.
ويقول الفنان الدكتور حازم فتح الله فى مقدمته عن الكتاب، والتى حملت اسم `الريشة الذهبية.. فى الكتاب الذهبى!`:
إذا كان `الكتاب الذهبى` قد اعتدناه منذ صدوره فى خمسينيات القرن الماضى ينتقى درر الأعمال من بحار الثقافة والمعرفة، فإنه بهذا الكتاب الفنى يؤكد معرفتنا بأنه بالفعل `كتاب ذهبى` يقدم فى مستهل عودته صاحب ريشة ذهبية.. إنه `الحسين فوزى`.
وتابع: حين أكتب عن أستاذ أساتذة فنون الجرافيك `الحسين فوزي`.. أشعر بالرهبة وأجدنى حائرا.. من أين أبدأ؟ هل أبدأ بصاحب الأعمال التصويرية التى تعددت فتفوقت، بين أعمال زيتية تصور حياتنا الاجتماعية فى مرحلة مهمة، وأعمال ضخمة متحفية، تسجل تاريخنا السياسى والحضارى ومعاركنا التى خضناها، راصدا إخفاقاتنا وانتصاراتنا.. أم أبدأ بـ`الحسين فوزى` رسام الصحافة الأول لأغلفة أعرق المجلات، أغلفته الملونة مازلنا نذكرها منذ طفولتنا، وكم حاولنا أن نحاكيها، مازلنا نذكر عناوينها وأسماءها `عطشانة.. الشبكة.. عروسة المولد.. منديل الحلو.. وغيرها وغيرها`، ورسومه التوضيحية فى تلك المجلات أو فى جرائدنا الكبرى، ومصاحبة رسومه لكتابات كبار كتابنا وحتى مجلات الأطفال وقصصهم لم تخل من رسومه.
أم ابدأ بـ`الحسين فوزي` الذى وقع عليه الاختيار لرسم مجلدين من أكبر المجلدات - بعد وصف مصر - مصورا `مساجد مصر` ففاقت رسومه رسوم المستشرقين لأنه سجلها معايشا وراصدا بعين العاشق المحب، وليس بعين سائح عابر.. المستشرقون اندهشوا فرسموا، لكن `فوزى` رسم المساجد فأدهشهم وأدهشنا! أم ابدأ بـ`فوزى` الذى رسم `مآذن القاهرة` بالريشة والحبر الشينى رسوما سريعة معايشا أحياءنا القديمة ذات العراقة؟
أمام رسوم `فوزى` داخل المساجد أنت فى خلوة مع الله.. قائم تصلى.. أو تسبح بحمده بعد نهاية صلاة.. أما هنا أمام `مآذن القاهرة` فأنت فى خارج.. وسط معترك حياة.. من خلال رسومه تسمع أصواتا.. تمتزج.. تتصارع.. أنت فى الشارع.. فى قلب الحياة.. فاختلطت أصوات الباعة.. بصيحات الأطفال.. وكلاكسات العربات.. أجراس دراجات.. وصاجات باعة العرقسوس.. نور الشمس يغمر المكان.. مؤكدا ظلال المعمار.. بكتلته العتيدة.. المآذن تخترق الأفق.. والمئذنة إعلان.. دعوة.. حى على الصلاة.. حى على الفلاح.
إننا فى خضم بحور حركتنا التشكيلية المتعددة الاتجاهات، المتلاطمة الأمواج، لابد من وقفة متأنية، أمام أهم قباطنتها وبحاريها، وأستاذنا `فوزي` أحد أهم هؤلاء القباطنة.. بحار.. مسافر زاده الخيال.. والأوراق والأحبار.. وقبل أن يبدأ رحلة العمل.. تراه هائما.. زائغ العينين.. كأنما يحمل هموما أو محلقا مع أحلام.. أو أوهام `فاوستية`.. أو كأنه يعانى مخاضا! وما إن يبدأ منطلقا فى رسومه.. يغدو مشرقا فرحانا.. فرحة طفل صغير ببنطلون قصير.. ولا عجب فقد استحضر ذاته، ذاته التى تحمل رؤيته الفنية.. ذاكرته وذكرياته.. ذاكرته البصرية المشحونة بقباب ومآذن القاهرة.. وبواباتها ودروبها.. وذكرياته مع ناسها.. ناسها الحقيقيين!.

أحمد سميح
روز اليوسف : 29-6-2017
الفن.. والتاريخ.. والرجل! .. الحسين فوزى 1905
-.. دعك من برامج الفن التشكيلى فى الإذاعة والتليفزيون. وعناوين الصحف وصور النجوم. ومعارض من يصفون أنفسهم بالرواد والقادة. والتاريخ وحده هو الفيصل بين الزبد وما ينفع الناس، لأن الصمود للزمن هو ما يعول عليه فى التفريق بين الغث والسمين: ما يذهب هباء.. وما يضاف الى حساب الثقافة الإنسانية وحضارتها.
- حدثنا تاريخ الفن الهولندى عن مأساة الرسام الملون: هارمنز رمبرانت (1606- 1696)، الذى غضبت عليه شرطة المدينة عقب تصويره لوحة `عسس الليل` كاد يموت جوعا وخمد صيته ثم ضاعت ذكراه طوال مائة عام، حتى قيض له التاريخ ناقدا نفض عن سيرته خيوط العنكبوت فاستعادت بريقها وجلاءها، وأصبح من لا يعرفه محكوم عليه بالجهل بتاريخ الفنون المرئية، إذ تعتبر أعماله - وبخاصة لوحة عسس الليل التى رفضتها شرطة المدينة - نقطة تحول فى طريق فن الرسم والتلوين، تفخر أعظم متاحف العالم باقتناء رائعة تحمل توقيعه، ولا يذكر أحد أسماء من ظلموه وجهلوا قدره.
- نذكر هذه القصة فى سياق حديثنا عن أمير الرسامين وشيخ الحفارين: الحسين فوزى (85 سنة)، الذى حصل على جائزة الدولة التقديرية فى 1989، بعد أن نالها من هم أقل منه درجة، ودونه شأنا فى دفع عجلة النهضة الثقافية فى بلادنا وفى العالم العربى. حصل عليها بعد أن جف مداد أقلامنا ونفدت أوراقنا، ونحن نلفت أنظار اللاهين بأنفسهم عما سواها، ثم جاءت الجائزة كأنها طوق النجاة يلقى للغريق بعد وصوله الى الشاطئ - على رأى الكاتب الأيرلندى الساخر `جورج برنارد شو` حين عرضوا عليه جائزة نوبل، حصل الحسين فوزى على الجائزة التقديرية بعد أن بلغ من العمر 84 عاما، وخرج من تحت جناحيه كل الرسامين والحفارين الذين يغمرون الصحف والمجلات العربية، بكل ما هو ممتع وجميل من الرسوم الإيضاحية.
- ` فن الحفر` اسم قديم يطلق على فن الاستنساخ اليدوى - أى استخراج نماذج متطابقة لرسم واحد فتصبح كل نسخة أصلا. ذلك بتغطية سطح معدنى بطبقة من الشمع يحفر الرسم فيها بخطوط تكشف عن المعدن، إلا أن الاسم تغير فى أوروبا فى العصر الحديث، بعد أن تعددت الأساليب واستحداث المفاهيم وتقدمت التكنولوجيا. أصبح اسمه بالإنجليزية `فن الجرافيك` والترجمة الحرفية `فن الرسم` لكنه يتضمن مجازا معنى الاستنساخ بمختلف الأساليب وليس بالحفر فقط، من الواضح أنه اصطلاح غير دقيق لكنه أعجب القائمين على الفنون الجميلة عندنا أطلقوه على قسم الحفر - ومن المعروف أن أسماء الأقسام فى كلياتنا الفنية لا تنم عن محتواها.
- كثيرون من الرسامين الملونين لجأوا إلى أسلوب الحفر لأحداث تأثيرات لا تتأتى بالرسم بالأقلام أو الفرشاة وليس لمجرد الاستنساخ، وأقدم لوحة مطبوعة بطريقة الحفر مؤرخة سنة 1513، أبدعها السويسرى: أورس جراف (1485-1528)، الذى كان حفارا وملونا وصائغا أيضا، أشتهر برسم الأزياء العسكرية ذات الزخارف الجميلة، نحن نتحدث هنا عن الحفر الفنى وليس عمل أختام لبصم الوثائق، كما كان الحال منذ فجر التاريخ، كان الألمانى: البرخت دور (1471-1528) من رواد هذا الفن، وله لوحة قديمة محفورة على الحديد، أما الهولندى: رمبرانت، فقد حفر ثلاثمائة سطح معدنى استعرض فيها تنويعات من الأساليب، ومارست كل بلاد أوربا هذا الفن خاصة فرنسا، حيث كان `الحسين فوزى` أول مبعوث عربى يتعلمه طوال أربع سنوات فى أكبر مدرسة متخصصة (1929/1933)، بالإضافة إلى دراسة الرسم والتلوين فى مرسم - أحد كبار الفنانين فى ذاك الزمان كما أنهى فى نفس الوقت منهاج مدرسة الفنون والزخارف - ومن المناسب فى هذا السياق أن نوضح أن أكبر مؤسسات تعليم الفنون فى باريس تسمى `مدارس` وأن لفظ كلية لا يطبق الا فى مصر لأسباب غير تربوية وغير فنية، ومن أئمة الحفارين فى باريس آنذاك: ديران، ماتيس، بيكاسو، روو.. وسيجونزاك.
- .. ولد الحسين فوزى فى القاهرة فى الرابع من سبتمبر سنة 1905، فى بيت عريق ذى فناء داخلى ويتوسط حديقة صغيرة، فى حى الحلمية الجديدة، والدته نصف تركية ووالده محمود بك فوزى،كان يعمل فى الخاصة الخديوية وكانت الأسرة تملك ضيعة تسمى `الكنيسة` على مسيرة خمسة عشر كيلو مترا فى مدينة طنطا، يعزى اليها ما يطلق على فناننا أحيانا من لقب `الكنسى` بل أن لقب `فوزى` نفسه ليس أصليا ويرجع الى رغبة خديوية غيرت اسم جده لوالده من `عبد الله غانم` الى `محمود فوزى`، ومما يجدر ذكره أن هذا الجد كان صيدليا، ضمن أول بعثة أرسلها محمد على باشا الكبير إلى أوروبا، تسهم فى تحقيق النهضة الحضارية التىعول على إرساء أسبابها فى مصر، ونعود إلى الاسم الأول للفنان فإذا به كان `حسين` فقط بدون الـ`تعريف` لكنه أضافها للتمييز بينه وبين اسم زميل له فى العمل، دأب على تعمد الخلط بين اسميهما.
- كان أحد أجداده مهندسا يهوى الرسم والتلوين، يصور أصدقاءه من الكبراء ويهدى اليهم اللوحات،فى زمن كان الرسم فيه والتلوين عملا لا يقبل الا من علية القوم، ومن الأجانب المنتشرين فى القاهرة فى ذلك الزمان، كان هذ الجد شديد الإعجاب بحفيده الى لم يبلغ بعد سن التعليم، فأهداه علبة ألوان يعبث بها فى كراسات يشتريها من مكتبة بجوار البيت، وكان يحلو له أن يتسلى بصحبته كلما سافر الى العزبة ويطلب اليه أن يرسم الثور الأسود، فتصادف هذه الرغبة هوى فى نفس الطفل ولا يدخر وسعا فى الشخبطة على الأوراق، ثم يتسلل الى خلف البيت الريفى (السراية) حتى يستشرف الترعة، ويتأمل أشجارها ويحاول تصوير الحقول. لم يقلع عن هذه العادة الا بعد أن سقطت علبة الألوان فى ماء الترعة وكاد يغرق خلفها.
- مشاهد الريف والفلاحين يزرعون ويحصدون، والفلاحات يملأن الجرار ويغسلن الثياب على شطآنالترع، لم تبرح خياله طوالالسنين، حتى رأيناها تطبع لوحاته المرسومة والملونة والمحفورة على المشمع اللانيوم تطبعها بروح مصرية تحفظ عليها الهوية، وترقى بها إلى مستويات رفيعة غير مسبوقة من الأداء والتعبير لا يدانيها عمل آخر، ان الروائع التى أبدعها فى الستينيات ومطلع السبعينيات، واستنسخها على ألواح اللاينو، وضعت لهذا الفن آفاقا لم يبلغها حفار آخر حتى اليوم، بالرغم من تقدم التكتولوجيا وحيل الصنعة، لقد تخصص فناننا الكبير فى باريس فى حفر `خشب البأس` - وهو نوع من خشب الأشجار ذو مواصفات خاصة من حيث الليونة وقابلية التشغيل، يقطع شرائح أفقية تلصق بطريقة خاصة حتى تصبح، ألواحا جاهزة للحفر والاستنساخ، ولما كان هذا النوع من الخشب غير متوفر فى مصر، استعاض عنه بخامة اللاينو ذات المواصفات المشابهة، وابتكر أساليب للتنفيذ أسفرت عن معايير استطيقية جديدة للصياغة، فجاءت لوحاته صريحة المساحةبالنسبة لفن الحفر (70x100) أبدع بها سلسلة فريدة من الموضوعات المثيرة الجذابة، التى تشكل تحولا جذريا فى تاريخ هذا الفن الذى لا يزيد عمره على أربعة قرون كما أسلفنا القول، استعان فى صياغتها بمعايير مستخلصة من فنون التمثال والرسم والتلوين والاستنساخ مجتمعة، لم يلجأ الى حيل التصوير الضوئى والمواد الكيمياوية أو عوامل تكنولوجية، غير الصياغة اليدوية الواعية المقيدة بأدوات الحفر ونزع جزيئات اللاينو، بأحجام تتراوح بين النقطة التى لا تكاد ترى.. والقطعة التى قد تصل فى مساحتها الى بصمة البنصر، حتى وصل بهذا الأسلوب (التكنيك) الى ما لم يصل اليه أحد منكمال الأداء وقوة التعبير! كل موضوع يبدو مجسما ذا كتلة راسخة وحجم يتسم بالاستقرار والصلابة، مما يضفى على المتلقى شعورا بالهيبة والجلال والديمومة، إذا أضفنا إلى هذه الاعتبارات موهبة فى الرسم تصل الى حد العبقرية، نستطيع أن نتبين ما وصل اليه من تكامل بين الشكل والمضمون والموضوع وطريقة التنفيذ وأسلوب الصياغة.
- من روائع سلسلة الاستنساخ بالحفر فى اللاينو: لوحة بحث صور فيها فلاحة تنحنى على اناء به حبوب يبدو أنها تنقيها من الشوائب، نلاحظ التحوير والتجريد فى الأيدى الممدودة، والبلاغة فى إهمال تفاصيل الوجه والملابس التى لا تلعب دورا فى جماليات الشكل أو رموز المضمون، أما التكوين كله فذو طابع بنائى معمارى كأنه صخرة تربض لا نملك لها حراكا، أما توزيعات الظلال بالتنقيط على طريقة الانطباعيين، فتخفف من صلابة الشكل، بينها وبين المساحات الداكنة خطوط فاصلة، يتوالى اتساعها فى ايقاع موسيقى رقيق على هيئة حلقات. تبدأ حادة واضحة عند رأس السيدة، وتنتهى فى اتساع خفيف النبرة، بايحاء من الموجات المتوالية الاتساع، التى كان يلحظها فى طفولته، كلما ألقى على سطح الترعة الساكنة بحصاة..
- لعل لوحة `الى البئر` من أجمل ما استنسخه الحسين فوزى من حيث تطبيقة للمنهج البنائى الذى اختطه لانتاجه فى تلك المرحلة، مازجا بين المعايير الكلاسيكية بحيويتها وحرارتها، وبين أحدث نظريات التشكيل الفنى وهى `البنائية` أو البنيوية، المعتمدة على العمارة والفكر الرياضى فى التكوينات المرئية مؤكدا أنه رائد فن الاستنساخ العربى طوال حياته، سواء فى المرحلة التقليدية فى النصف الأول من القرن، أو فى النصف الثانى الذى تفجرت فيه صيحات الحداثة بلا ضوابط، صور فى لوحة `الى البئر` فلاحة تحمل جرة وتجوس فى غابة من الأزهار وفروع الأشجار، متجهة الى بئر عند قدميها، ودعنا من المحاولات الساذجة للمقابلة بين هوية فناننا الكبير والمظهر السطحى للفن المصرى القديم، فالتشكيلات المتشابكة التى أودعها الرسام رائعته، تضج بإيقاعات موسيقية ملحمية، نسمع معها تكسر الأغصان وزقزقة الخضير والزرازير. وبالرغم من عالمية الشكل والمضمون فى تلك الرائعة، لا يخطئ خبير بالريف المصرى فى أنها مستلهمة من مشاهد الوجه البحرى بنوع خاص. وقد سجل التليفزيون تلك المرحلة التى تمثل عنفوان الفنان وقمة عطائه، سجلها بفيلم سينمائى أو بتكال أبيض وأسود 16 مم، تصوير`نبيل البيه` واعداد كاتب هذه السطور، لكنه ضاع فى سراديب التليفزيون التى لا يعرف لها قرار!.
- أتحف الحسين فوزى تاريخ الفن المصرى المعاصر بعشرات مستنسخات اللاينو بين عامى 1961، 1972. نذكر من بينها: الجلسة، العودة، حاملة البلاص، بنت العمدة، أهلا وسهلا، بنت النيل، لفتة، خطوة لقدام، وجميعها تنبض بحياة مصر وتتغنى بجمالها.
- ليست الحداثة عرضا طارئا على مسيرة الحسين فوزى الفنية. فهو يعتبر من `مدرسة باريس -أى ضمن الفنانين الذين عاشو فى مدينة النور فى فترة ما بين الحربين، فقد سافر اليها سنة 1929 وغادرها عائدا فى يناير 1934، عاصر خلال تلك السنوات المخاض الذى عانته فرنسا لكى تلد كل هذه الاتجاهات الفنية التى غمرتها بعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها سنة 1945، معارك الرأى وحوار الطلائع فى `مقهى الدوم` كان وقتها يدرس ثلاثة تخصصات فى ثلاث مدارس، ويختلف الى المتاحف فى أيام العطلة، ويتردد على الدوم فى الأمسيات حيث يلتقى الفنانون والنقاد والوسطاء، وتطرح المناقشات والفلسسفات الجديدة، خاصة ولم يكن قد مضى على بيان جماعة `الدادا` فى مدينة `زيورخ` سوى بضعة عشر عاما، وقد شاهد فناننا أحد أشياعها يسكب الكيروسين على الخشب ويشعله، ثم يخمد النار فتترك سوادا عشوائيا هنا وهناك ويعرضه على أنه عمل فنى شارك الحسين فوزى فى حوارات مقهى `الدوم` وأنصت الى حجج الطليعة التى غيرت وجه الفن الأوروبى فيما بعد لكنه كان يعتنق المعايير التقليدية الكلاسيكية، وان كنا نلاحظ تأثير الأفكار الحديثة على ابداعه، بعد عودته إلى أرض الوطن.
- دخلت الحداثة فى تؤدة على ابداع الحسين فوزى لكنه كان سباقا إليها فلاحظناها فى مطلع الستينيات فى مطبوعات اللاينو التى أشرنا إليها، لم يتبع فيها اتجاها معينا أو مدرسة، انما هى ابتكار مستلهم من تحويرات الرسوم الفرعونية، وتماسك التماثيل المصرية القديمة وصلابتها وصلاحيتها، بالإضافة الى `البنائية الرياضية` للتصوير الإسلامى، والروح الشاعرية واللانهائية التى نلمسها فى تشابك تصميمات السجاد وزخارف التوريق والتفريغ وتكوينات الرقش الهندسية تطور التحديث الشكلى بين يدى فناننا تلبية لاحتياجات التغير الثقافى السريع، الذى اجتاح المجتمع المصرى فى النصف الثانى من السبعينيات، حتى اتخذت طابعا مختلفا جذريا. لقد انبثق من نفس الأصول، بالإضافة الى أزمات نفسية أحاطت بالفنان فى مطلع الثمانينات، اتجه الى تشكيلات تتخذ الحروف العربية ولفظ الجلاله طريقا الى ابداع وتركيبات بنيوية ذات مضامين صوفية مستنسخة بالحفر على النحاس بطرق بالغة التعقيد، لكنها تنجح فى استخلاص جوهر القيمة الاستطيقية لكل من الفنين: الفرعونىوالاسلامى، فى تكامل مدهش يبدو للمتلقى السطحى أنه بسيط سهل المنال، استوعب القيم المصرية القديمة، أثناء اشرافه على البعثة فى مراسم الأقصر، وقيم الإبداع الإسلامى أثناء رسم وتلوين مساجد القاهرة ومآذنها بالأحبار والألوان المائية طوال عامين، فليس أدعى الى ادراك التراث من تأمله.
- نعود أدراجنا مرة أخرى إلى مطلع القرن وحى الحلمية الجديدة، الذى يتوسط المسافة بين باب الخلق والسيدة زينب، الحى الذى كانت تتوزعه بيوت علية القوم، حي ولد وشب الطفل العنيد المشاكس `حسين` الذى ما كاد يتعلم السير والكلام، حتى أسرع إلى الشارع كلما طرق أذنيه الطفلتينايقاع طبلة الحاوى أو القرداتى، أو اخوان رمز بفتح (الراءوالميم) ذوى الطرابيش العالية، والأزرار الطويلة المرسلة تدور من فوقها كالمراوح كلما ألقوا أناشيدهم المستجدية، بينما ترتفع تلال `حب العزيز` فوق عربتهم اليدوية تتحلقها قراطيس الورق تنتظر حسين وأقرانه. اعتاد الوليد الشقى أن يهرول الى تلك المهرجانات الصغيرة ولم يبلغ الثالثة من عمره بعد أن كانت الطرق خالية والحى هادئا وتعداد مصر كلها يكاد يبلغ تعداد القاهرة اليوم، لم يكن هناك راديو أو تليفزيون أو سينما، أو وسيلة للترفيه سوى تلك الفرق الشعبية المتجولة، و`الدلالات` اللاتى يطفن ببيوتالقادرين، ينقلن الى سيداتها ما يحفل به سوق القماش من جديد وطريف، وكانت أسرة حسين تجد متعة كبرى كلما عاد اليها من الشارع مقلدا حركات القرد والحاوى واخوان رمز.
- انتقلت هذه القدرة على التقليد الى الرسم بمجرد حصوله على الأقلام والأوراق والألوان، وكانت تلك المشاهد التى طالما تابعها بشغف ودهشة وفضول ذخيرته حين شب وأصبح أول رسام مصرى فى الصحف المحلية، التى لم يكن يرسم لها سوى سانتوس الأسبانى الذى كان أستاذا فى مدرسة الفنون الجميلة العليا، حين كان فناننا طالبا بها فى العشرينات قبل بعثته الى فرنسا.
- عمل وهو لا يزال طالبا، رساما فى الصحف فى زمن لم يكن فيه لهذا الفن وجود فى مناهج المدرسة، فراسل معهدا خاصا فى لندن طوال سنوات دراسته فى مصر، وظل على علاقة به بعد بعثته الى فرنسا سنة 1929، حيث التحق بمدرسة أيستين Estienne للحفر ولم ينقطع عقب عودته الى مصر بعد أربع سنوات، عن العمل كرسام ايضاحى حتى يومنا هذا، عمل لصحف ومجلات المصور والفكاهة وكوكب الشرق واللطائف والأهرام والشعب والجمهورية وغيرها، فلم تشهد الصحافة العربية رسوما على هذا القدر من قوة التعبير الخطى والحركى ومهرة الأداء والموهبة التى صقلتها التجربة الغزيرة والدراسات التخصصية المستفيضة.
- ولعل مطلع الستينيات كان قمة عطاء فناننا الكبير فى هذا المضمار، حين كانت رسومه تصاحب فصول رواية أولاد حارتنا يوميا فى جريدة الأهرام، على مدى يقارب العام، تلك التحفة التى نالت جائزة نوبل سنة 1988، كانت الرسوم المصاحبة لوحات متحفية لا تقل عن العمل الأدبى الفريد روعة وعظمة، الا أن الأصول التى لا تضاهى ولا تعوض، ضاعت تحت أقدام التخلف، واهمال عمال الطباعة والمسئولين عنهم، كما ديست الأصول المتحفيةلمجلدى`جوامع القاهرة ومساجدها`، التى رسمها ولونها ودرس بها دقائق الإعجاز الإسلامى فى العمارة والزخرفة، باقتدار يفوق الانجاز الرائع الذى حققه فنانو الحملة الفرنسية، فى كتابهم الذائع الصيت: وصف مصر، ضاعت تلك الأصول أو سرقت أو تمزقت تحت أقدام عمال مصلحة المساحة، كما أختفت المجلدات المطبوعة فلم تجد قرينة رئيس الجمهورية نسخة حين طلبتها فى السبعينيات فضلا على أن تلك الروائع قد فقدت الكثير من القيم اللونية والخطية والتشكليلة بوجه عام، أثناء عمليات النقل التصويرى وفرز الألوان والطباعة المتخلفة، ومن المعروف أن الحسين فوزى كرسام، لم يسجل له تاريخ الفن العربى الحديث نظيرا، أعماله بالحبر الشينى متفرقة فى المتاحف ولدى المقتنين الذين لا يوجد ثبت بأسمائهم، كما أن لوحاته الصرحية المرسومة بالألوان الزيتية، حددت فى الابداع الكلاسيكى المصرى مستويات لم يبلغها فنان عربى آخر من أشهرها لوحة الدلالة التى أنجزها سنة 1940، وتتصدر الآن مكتب عميد كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، أبدع فى تلك الفترة عدة أعمال تصور التقاليد والعادات الشعبية من بينها الزار والمنجد والسقا والمطرزة، ولعل أكبر أعماله حجما لوحة `الموسيقى الشرقية` التى أنجزها فى الستينيات وتمتد الى خمسة أمتار، استطاع بعبقرية فريدة أن يسيطر على البناء المعمارى للوحة الضخمة، التى لا تضم سوى ثلاث نساء واقفات، يمثل الموسيقا الفرعونية والعثمانية والمصرية، ويكتمل التكوين بحشد من الآلات الموسيقية، فى تنظيمات لونية وشكلية وتوثيقية تثير الدهشة والإعجاب.
- الحسين فوزى آخر القامات الشامخة التى صنعت حركة الفنون الجميلة فى مصر والعالم العربى، آخر الشخصيات العملاقة التى بدأت بالمثال محمود مختار وانتظمت الرسامين الملونين يوسف كامل وراغب عياد ومحمود سعيد ومحمد ناجى وفنان الآنية سعيد الصدر والعمدة فى الفنون الشعبية سعد الخادم، أسهم فى تشييد حركة الفنون الجميلة على دعائم كلاسيكية تقليدية، حتى هبت رياح التغيير فى الستينيات، فكان أول المبادرين لتلبية احتياجات التغير، بما أضفاه على مطبوعات اللاينو - التى أشرنا إليها - من حداثة الصياغة ومواكبة الاتجاهات العالمية، مع الحفاظ على الهوية والموضوعية، مما جعل مستحدثاته جديرة بالمتاحف الكبرى، أما مستنسخاته فى الثمانينات التى استخدم فيها الأبجدية العربية فى تكويناته البنائية، فتعتبر قمة فى الصياغة التجريدية، المؤسسة على دراية عميقة بالمعايير الجمالية الرياضية المنفذة بمهارة ترقى الى حد الإعجاز.. وإذا كانت جائزة الدولة لم تعرف طريقها اليه عشرات السنين، فهو خطأ قاتل يؤخذ عليها..
- .. من الكلمات المأثورة لفناننا الكبير `أنه خلق للفن ويعيش للفن` والواقع أننا لو تأملنا ما تحفل به لوحاته الملونة أو المستنسخة أو المرسومة بالحبر الشينى، من ألوان وأشكال وملامس وخطوط، وما يحكمها من تكوينات مبتكرة ذات طابع معمارى بنائى على الدوام، لاكتشفنا أن كلا منهاينطوى على مضمون اجتماعىانسانى، محلى ذى صبغة عالمية، فالحماقة فى إحدى لوحاته تضرب بلونها الى السواد حزنا على السلام والسيدة فى لوحة القمقم تسد فوهته براحتها قبل حرب اكتوبر وانطلاق المارد المصرى الحديث، والفلاحة حين تملأ الجرة من ماء النيل، تبدو راكعة على الشاطئ شكرا للنهر الخالد واهب الحياة للوادى، لا توجد لوحة واحدة بلا فلسفة ومضمون مصرىانسانى، فى تشكيل واع ينضح بالبناء الاستطيقى وحذق الصنعة وأصالة الصياغة تدعيما للمضمون، وإذا كان الحسين فوزى قد خلق للفن، فان فنه قد خلق للحياة والخلود، وسيأتى يوم يبحث فيه التاريخ فى مكتبة الكونجرس الأمريكى ومتاحف العالم، ويتحدث عن عصر الركاكة الذى هبطت فيه قيمة الجائزة التقديرية حين ضلت طريقها نحو بناة الثقافة ،،،
الناقد./مختار العطار
من ( كتاب رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر - الجزء الأول)
 
السيرة الذاتية  | الأعمال الفنية  | حول رؤية الفنان  | تعديل سيرتك الذاتية  | الرجوع لشاشة البحث