xcxc
xcx

"تتوالى المشاهد التى ظل فيها بيت الأمة مسرحاً للحركة الوطنية منذ أواخر عام 1918 وحتى نهاية عام 1937 ، وهى المشاهد التى نرصدها فيما يلى :
1) أول مشهد يطفو فيه بيت الأمة على سطح الأحداث حين قرر الوفد أن يعقد اجتماعاً فيه يوم 31 يناير عام 1919 ، الأمر الذى دفع الجنرال واطسون قائد القوات البريطانية فى مصر ، وبعد التشاور مع المندوب السامى البريطانى فى القاهرة ، إلى أن يبعث إلى سعد زغلول رسالة كان نصها :
يا صاحب السعادة : "" علمت أن سعادتكم تعدون اجتماعاً فى منزلكم بمصر فى 31 الجارى يحضره نحو الستمائة أو السبعمائة شخص . وإنى أرى أن مثل هذا الإجتماع قد يحدث منه إقلاق للأمن . فبناء على هذا الإعلان الصادر تحت الأحكام العرفية أرجو أن تتكرموا بالعدول عن إقامة هذا الإجتماع "" .
جاء رد سعد على ذلك بطلب أن يؤذن له بإرسال إخطار للمدعوين بإلغاء الإجتماع بناء على أمر السلطة العسكرية ، ولم يتراجع واطسون بل صرح لسعد باشا بأنه لا مانع عند السلطة الإنجليزية من أن ينشر إعلاناً يصرح فيه أن دعوته منعت قهراً .
2) بعد 36 يوماً ، وفى يوم 8 مارس على وجه التحديد ، فى الساعة الخامسة بعد ظهر ذلك اليوم وصلت إلى بيت الأمة أربع سيارات عسكرية بريطانية ، وخرج منها ضابطان إنجليزيان دخلا الدار وطلب أحدهما من زغلول مصاحبة القوة ، ونزل سعد درجات السلالم يتوكأ على عصاه ( كان قد بلغ وقتئذ الستين ) حيث تم نقله إلى ثكنات قصر النيل ، وكانت المقر الرئيسى لقوات الحماية فى العاصمة المصرية ، ونقل منها إلى بورسعيد ليركب على متن السفينة التى نقلته إلى مالطة ، وهى جزيرة تقع فى البحر المتوسط حكمها البريطانيون منذ عام 1798 ، واختاروها كمنفى للعناصر الوطنية فى مصر وغيرها إبان فترة الحرب العظمى ( 1914 ـ 1918 ) .
3) فى اليوم التالى 9 مارس تفجرت الثورة وبدأت بمظاهرة طلاب مدرسة الحقوق التى تبعها مظاهرات طلاب بقية المدارس العليا والثانوية ، وكانت هذه المظاهرات تخرج متجهة إلى بيت الأمة وهى تنادى بحياة سعد باشا ، وكانت تنتظرهم السيدة / صفية زغلول ملوحة لهم بمنديلها .
4) فى يوم 16 مارس ، اى بعد قيام مظاهرة طلاب الحقوق بأسبوع فحسب ، انطلقت من أمام بيت الأمة أول مظاهرة نسائية فى تاريخ مصر الحديث حيث خرجت عقائل العائلات الراقية إلى أنحاء القاهرة هاتفات بالحرية والإستقلال مناديات بسقوط الحماية ، ومررن بموكبهن بدور القنصليات ومعتمدى الدول الأجنبية والناس من حولهن يصفقون لهن ويهتفون والنساء من بيوتهن يزغردن ويهتفن .
5) شرفات البيت وقد أصبحت مقراً لخطباء الثورة ، حيث كان يتجمع حولهم مئات من المصريين ، وقد شاعت من على تلك الشرفات اسماء عديدين ممن أصبحوا نجوماً فى عالم الوطنية بعدئذ ، مكرم عبيد ، عبدالمجيد بدر ، القمص سرجيوس ، الدكتور محجوب ثابت ، وكان يفد على البيت المصريون من سائر أنحاء البلاد .
6) وفد من نساء طنطا أتين إلى بيت الأمة لمقابلة السيدة / صفية زغلول ومعهن قطعة من قماش حريرى طرزت عليه جملة( دخلت التاريخ : عائشة أم المؤمنين وصفية أم المصريين ) ، وهذه اللوحة هى التى جعلت صفية زغلول "" أم المصريين "" ، فما أن رأتها الجماهير فى أيدى سيدات طنطا حتى أصبح الاسم الجديد على كل لسان .
7) السلاملك وقد أصبح مقراً للوفد بوجود على باشا شعراوى بصفته وكيلاً ، وكانت داره قريبة من بيت الأمة ، وعبدالرحمن بك فهمى بصفته سكرتيراً ، ومن هذا المقر كان الوفد يتحرك .. فهذا احتجاج يوم 14 مارس على استعمال الرصاص ضد المتظاهرين وجهه إلى معتمدى الدول فى مصر ، وهذا استدعاء من قائد القوات البريطانية فى البلاد لأعضاء هذا الوفد يحملهم مسؤولية الأحداث القائمة ، والتى كان يسميها بالإضطرابات ، ….…الخ .
8) إطلاق سراح سعد زغلول ورفاقه من المنفى والتصريح لهم بالسفر إلى مقر مؤتمر الصلح فى باريس فى إبريل عام 1919 ، وامتلأت مصر بمظاهرات الابتهاج ، وكانت الجموع التى تقوم بمظاهراتها فى القاهرة ، أو التى تفد من الأقاليم ، ينتهى بها المطاف إلى بيت الأمة وهى تهتف بحياة سعد والثورة ، وكانت أم المصريين تقف فى شرفة البيت ومعها كرائم السيدات وهن يلوحن للمتظاهرين .
9) بيت الأمة وهو مغلق ، ولم يترك فيه مفتوحاً سوى السلاملك لاجتماع رجال الوفد ذلك أنه بعد سفر سعد إلى باريس وبعد أن تحملت ابنة شقيقته ، السيدة رتيبة ، مسئولية إدارة البيت قررت أن تغلقه وتلحق بزوجها الذى كان يعمل وقتئذ فى دمياط ، وعندما علمت صفية هانم التى كانت قد لحقت بزوجها فى العاصمة الفرنسية بذلك غضبت بشدة وأرسلت لرتيبة تقرعها على هذا العمل ، فما كان منها إلا أن عادت إلى القاهرة وفتحت البيت ليكون مقراً للنشاطات السياسية للوفد .
10) فى يوم الثلاثاء 5 ابريل عام 1921 كان وصول سعد باشا من اوروبا ، وعند بيت الامة اقامت اللجنة المنظمة للاستقبال سرداقاً واسعاً صف فيه أكثر من خمسة آلاف كرسى ""للوجهاء والأعيان وأصحاب الرأى فى القطر المصرى ووفود المديريات والمحافظات"" حيث أجرى استقبال من أكبر الاستقبالات التى عرفها البيت .
11) فى الساعات الاولى من صباح يوم الجمعة 23 ديسمبر عام 1921 حضر الى بيت الامة جمع من الجنود الانجليز حيث قاموا بحصاره على رأسهم أحد ضباط الجيش وطلب مقابلة سعد ، فأبلغ الخادم سعد باشا بهذا الطلب فتأهب للقائه وشرع فى ارتداء ملابسه ثم النزول اليه . إلا أن الضابط تعجل الأمر وصعد الدور العلوى فنزل معه سعد باشا وأرادت أم المصريين النزول معهم ومصاحبته ألحت فى ذلك إلحاحًا كبيرًا إلا أنه هدأها وركب سعد باشا سيارة مع الضابط وهو لايعلم وجهتها ، حتى رأوها الناس وهى متجهة إلى مصر الجديدة فعلموا أنها تتجه نحو السويس ، واضطربت لذلك العاصمة وبدأت المظاهرات التى أحاطت ببيت الأمة .
12) فى يوم 28 ديسمبر عام 1921 تناسى المنشقون عن الوفد خصوماتهم وقصدوا جميعًا إلى بيت الأمة حيث تألفت هيئتهم وقابلهم الشعب بترحيب عظيم ، وفى البيت استقبلتهم ام المصريين حيث ألقت عليهم كلمة من وراء حجاب انتهت بالهتاف لمصر ، وقد أثرت هذه الكلمة تأثيرًا شديدًا فى نفوس الحاضرين الذين لم يتمكنوا من أن يحبسوا دموعهم ، واستمر بيت الامة مركزًا لاجتماع الوفديين بعد أن عادوا لاتحادهم .
13) الاجتماع العظيم فى بيت الامة ، وهو الاجتماع الذى عقد يوم الخميس 19 اكتوبر عام 1922 وحضره جمهور كبير وفد اليه من العاصمة والاسكندرية وبورسعيد والأقاليم للبحث فى الخطة التى تتبعها الأمة فيما يتعلق بمؤتمر الشرق الذى تقرر عقده فى لوزان للنظر فى شئون الأملاك العثمانية السابقة بما فيها مصر ، وقد قرر المجتمعون إرسال وفد إلى تركيا وأوربا لابلاغ حكومة انقرة عن نية الوفد فى أن يرسل من يمثله فى هذا المؤتمر ، وأنه ليس لأى أحد آخر أن يدعى تمثيل الأمة .
14) إغلاق بيت الأمة : فى الساعة الثامنة والدقيقة 45 بعد ظهر يوم 21 فبراير سنة 1923 توجهت قوة من رجال البوليس بقيادة مساعد الحكمدار الانجليزى إلى بيت الأمة وحاصروه من جميع الجهات وطلبوا من الزائرين الذين وجدوهم هناك الانصراف ، ودخلوا مكتب سكرتارية الوفد وبعد ان فتشوه اخذوا ما فيه من الاوراق ثم انتقلوا الى مكتب سعد باشا ففتشوه كذلك واخذوا ما وجدوه من الاوراق وفى اثناء ذلك كان بعض الضباط الاخرين يفتشون كل الغرف فاخذوا الأوراق الموجودة بها وطلبوا إخلاء المنزل الذى كان به وقتئذ سعيد زغلول بك القاضى بمحكمة الزقازيق ومحمد أمين يوسف المحامى زوج رتيبة فطلبا مهلة الى الصباح ، وفى العاشرة مساء انتهى التفتيش وبقيت الجنود تحرس المنزل . فى ظهر يوم 21 فبراير تم إخلاء المنزل فأغلقت جميع غرفه بوضع قطعة خشب وتسميرها بالمسامير وختمها بالشمع الأحمر من الجهتين . ووضع داخل المنزل بعض الجنود بالسلاح .
15) فى يوم 8 يوليو عام 1923 سلمت حكمدارية بوليس العاصمة بيت الأمة للأستاذ / أمين يوسف المحامى ففتحه وعاد رجال الوفد للاجتماع فيه وقد انتهزوا فرصة اول جلسة عقدوها به وأرسلوا إلى سعد زغلول باشا فى منفاه فى جبل طارق التلغراف الآتى : ""بمناسبة عودتنا للاجتماع ببيت الأمة نؤكد تمسكنا المتين بحقوق الوطن وإخلاصنا القلبى لشخصكم المحبوب راجين ان نراكم قريبًا بيننا لقيادة الأمة فى جهادها المقدس"" .
16) فى يوم 18 سبتمبر عام 1923 وصل سعد باشا من منفاه الثانى الى العاصمة فاستقبله الشعب استقبالاً حماسيًا رائعًا يفوق استقباله يوم قدومه من أوربا فى ابريل عام 1921 ، وقد أقيم بجانب بيت الأمة سرادق كبير لاستقبال الوفود والهيئات فاجتمع فيه قبل ظهر يوم 19 سبتمبر جماهير غفيرة من العلماء والكبراء والتجار والعمد والأعيان وغيرهم وتبارى الخطباء فى الإشادة بجهاد سعد والترحيب به . وقد ظل السرادق يمتلئ ويخلو طوال الأيام الأربعة التالية ، و كان لسعد زغلول كل يوم خطبة فيه ، هذا فضلاً عن الخطب التى كان يلقيها زعماء الوفود التى كانت تأتى كل ساعة .
17) فى يوم 21 مارس عام 1924 احتشد جمهور كبير جدًا فى حديقة الأزبكية من طلبة المدارس والموظفين واخذوا يهتفون لسعد زغلول لما تضمنه خطاب العرش الذى كان قد ألقاه فى البرلمان يوم 15 من نفس الشهر من التعبير عن الامانى القومية ، ثم خرج هذا الجمهور من الحديقة فى مظاهرة كبرى مخترقين أهم شوارع القاهرة وهم يهتفون للرئيس وخطبة العرش حتى وصلوا الى بيت الامة ، فأطل عليهم سعد باشا وألقى فيهم كلمة طويلة ""ان الله لم يخلق من يحوله عن عقيدته وعن مبدأ الاستقلال التام لمصر والسودان "" .
18) كانت قد تشكلت لجنة للاحتفاء بسعد زغلول بعد عودته من انجلترا وفشل مفاوضاته مع رئيس وزرائها رامزى مكدونالد ، وقد أقامت هذه اللجنة سرادقاً الى جوار بيت الأمة ألقى فيه زعيم الأمة بعد ظهر يوم 21 أكتوبر عام 1924 خطابًا طويلاً استهله بقوله : ""لم اكن منتظرًا هذه الحفاوة البالغة التى أبدتها الامة بعد ان عدت ولم احقق رجاءها ولم يتفق لى أنى شكرت بعد سعى لم يكلل بالنجاح"" .
19) بعد استقالة وزارة سعد زغلول باشا فى 24 نوفمبر عام 1924 نتيجة للإنذار الذى وجهه اليها الانجليز بسبب حادثة السردار وتأليف وزارة احمد زيور المؤتمرة بأوامر القصر والإنجليز أخذت وفود الشعب تتقاطر على بيت الأمة كل يوم محيية وهاتفة حيث كان يلقى فيها الزعيم الخطب التى تثير حماستها مما دعا السلطات الى اتخاذ القرار بمحاصرة البيت العتيد . لهذا قامت قوات البوليس بمحاصرة بيت الأمة فى 25 فبراير عام 1925 ، واخذت السلطات فى مطاردة كل من يقترب من مما دعا سعد زغلول إلى أن يوجه خطابًا إلى الوزراء كان مما جاء فيه : ""لاتظلموا أنفسكم وبلادكم بالاستمرار فى انتهاك حرمة الدستور ، وجرح كرامة الجمهور ، وتقييد حرية الافراد وقهرهم على ما يكرهون ، وإظهار الأمة بمظهر الذلة والانكسار""!
20) فى 4 نوفمبر عام 1926 تم تركيب مصعد كهربائى فى بيت الامة فى الطرقة المجاورة لغرفة المائدة ليوفر على سعد زغلول جهد الصعود نتيجة لظروف الصحية .
21) 13 نوفمبر عام 1926 أقام الوفد سرداقا فخما بجوار بيت الامة احتفالاً بعيد الجهاد الوطنى حيث ألقى كل من مصطفى النحاس ومكرم عبيد خطبتين بينما ألقى سعد زغلول على غير عادته خطبة قصيرة إذ كان قد بدأ وقتئذ يعانى من وطأة المرض .
22) فى الساعة التاسعة والدقيقة الخمسين من مساء يوم الثلاثاء 23 اغسطس عام 1927 أسلم سعد الروح ، ولم تكد تنتصف الساعة الحادية عشرة حتى غص بيت الأمة بالجموع الغفيرة من الوزراء والشيوخ والنواب ، واقيم سرداقان كبيران بجوار بيت الامة أحدهما خصص للسيدات والثانى للرجال وكان يشرف على إقامتهما محافظ القاهرة ، وأخذت قطارات السكك الحديدية تنقل الى القاهرة وفودًا عديدة من الأقاليم كان تقصد رأسًا إلى بيت الامة لتقديم واجب العزاء والاشتراك فى الجنازة . وفى منتصف الساعة الرابعة من اليوم التالى خرج موكب الجنازة ، وكان الخروج الاخير لسعد من البيت الذى أدخله التاريخ .
23) فى اليوم التالى لوفاة سعد قرر مجلس الوزراء تخليدًا لذكرى الزعيم الراحل : ""شراء الحكومة لبيت الأمة وضمه إلى الأملاك العمومية المخصصة للمنافع العامة ويبقى اسمه بيت الأمة على ان يبقى حق السكن فيه لحرم المغفور له مدى الحياة ، شراء البيت الذى ولد فيه المرحوم ببلدة ابيانة بمركز فوة بمديرية الغربية وضمه الى الأملاك العامة المخصصة للمنافع العمومية ، تشييد بناء المدفن فى بيت الامة على نفقة الحكومة"" ."