Page 17 - Ahmed- Nawar
P. 17
أقـل عـدد مـن الخطـوط المعـرة عـن مـا يـدور فـي مجـال المجابهـة المباشـرة للمفـردات والسـعي لفهـم قوانـن الطبيعـة‪ .‬الا ان‬
‫هنـاك مسـتوى اخـر فـي الوصـول بالرسـم لكـي يكـون عمـا فنيـا مسـتقلا فـي ذاتـه و هـو مـا سـتطرحه بجـاء تجربـة نـوار فـي فـن‬

‫الرسـم‪.‬‬

‫الرسام نوار‬

‫يمثـل فـن الرسـم بالنسـبة لنـوار مفتـاح تجربتـه الإبداعيـة بأسـرها ‪ ،‬و إن كنـا أن نريـد رؤيـة أكـر وضوحـا لفهـم أعمـال نـوار وطرقـه‬
‫فـي بنـاء أشـكاله فمـن الهـام أن نت�أمـل تجربتـه فـي الرسـم إذ أنهـا ت�كشـف عـن فلسـفته الإبداعيـة فـي حقولـه الفنيـة المختلفـة‬
‫‪ .‬يمكننـا است�كشـاف كيـف ينبـت الخـط ويندفـع وكيـف ت�ت�كـون الكتلـة وتنشـطر وكيـف تبـث طاقـة الأشـكال ت�أثيراتهـا البصريـة والحسـية‬
‫وكيـف ت�تجسـد أحـوال الوجـود فـي أنقـى وسـيلة تعبيريـة ‪ ،‬حيـث يمتلـك الفنـان فـي أعمـال الرسـم حـدة الرؤيـة وفرادتهـا ‪ ،‬اسـتقلال‬
‫الكتلـة المحتشـدة بالعاطفـة ‪ ،‬نقـاء الخـط وحدتـه ووضـوح مسـاراته حتـى عندمـا يشـتبك فـي نقـاط مفصليـة مـع الكتلـة أو يمهـد لهـا‬
‫أو يصنـع توتـره الخـاص فـي التمـاس معهـا ‪ ،‬الانتقـال مـن الأسـود الفاحـم إلـى وهـج الأبيـض‪ ،‬الانتقـال مـن المت�تاليـات الهندسـية‬

‫الحـادة إلـى الخطـوط العضويـة مختلفـة الحساسـية ‪ ..‬هـي كلهـا مفاتيـح للرؤيـة تقدمهـا أعمـال نـوار فـي فـن الرسـم‪.‬‬

‫وقـد وجـد الفنـان فـي فـن الرسـم القـدرة الكافيـة علـى حمـل المعانـي وصياغـة التصـورات‪ ،‬ويعـد مـن الفنانـن النادريـ�ن الذيـن قدموا‬
‫فـن الرسـم كحالـة إبداعيـة مسـتقلة ومـن خـال عـدة تجـارب علـى مـدار رحلتـه الفنيـة بدايـة مـن مشـروع تخرجـه المسـمى "يـوم‬
‫الحسـاب " الـذي قدمـه عـام ‪ .1967‬ومـن الجسـارة ان يقـرر الفنـان ان يتخلـى عـن عطايـا اللـون ويعتمـد فقـط علـى مسـاحة الدرجـات‬
‫الضوئيــة مــن الأبيــض للأســود وي�جــد فيهــا ترجمــة لينقــل مــن خلالهــا كل ذبذبــات اللــون وادواره الدراميــة والتعبيريــة فــي العمــل‬
‫الفنــي‪ ،‬وقــد خــاض نــوار تلــك التجربــة التركيبيــة لفــن الرســم واكتشــف احتمالاتــه التعبيريــة والدراميــة فــي عمــل فنــي مت�كامــل لا‬

‫يمهـد لعمـل اخـر ‪.‬‬

‫بدايات رحلة الرسم‬

‫تبـدأ رحلـة نـوار مبكـر ًا فـي فـن الرسـم حتـى قبـل التحاقـه بكليـة الفنـون الجميلـة بالقاهـرة عـام ‪ 1962‬حيـث نجـده نهمـا فـي ت�تبـع‬
‫المرئيـات وبنـاء خزانـة الذاكـرة برسـوم مـن قريتـه الريفيـة بمـا تضمـه مـن تجمعـات بشـرية وحيوانـات وبيـوت ريفيـة ووجـوه ‪ ،‬وي�بـدو‬
‫سـعيه البحثـي فـي فـن الرسـم فـي تلمسـه لطـرق مختلفـة فـي ملاحظـة المرئيـات وصياغتهـا والتعبـر عنهـا ؛حيـث تمضـي رسـومه‬
‫فـي عـدة مسـارات تـارة يرسـم بشـكل أكاديمـي دراسـي متبعـ ًا كلاسـيكيات فـن الرسـم ‪ ،‬وتـارة يلخـص المرئيـات إلـى لمسـات بنائيـة‬
‫عريضـة يلتقـط بهـا سـمات الشـكل الأساسـية بأقـل اللمسـات مـن الدرجـات الظليـة والضوئيـة وقليـل مـن الخطـوط المحـددة للشـخصية‬
‫أو العنصـر المرسـوم ‪ ،‬ونلاحـظ أيضـ ًا تعظيمـه لقيمـة الظـل ووضعـه فـي مسـاحات كبـرة تؤكـد الشـكل وتقدمـه ‪ ،‬وفـي مجموعـة‬
‫رسـوم هامـة وهـي رسـوم فرقـة جوليبـا بالمسـرح القومـي ‪ 1966‬نجـده يرسـم فـي ظـام المسـرح أثنـاء عـرض الفرقـة راصـدا اندفـاع‬
‫حركـة الراقصـن والعازفـن ملتقطـ ًا الايمـاءات ومست�كشـف ًا لإمكاناتهـا التعبيريـة ‪ .‬الرسـم هنـا كان مـن العـن إلـى اليـد مباشـرة دون‬
‫أوقــات للمراجعــة والتصحيــح فهــو يجلــس وي�رســم فــي الظــام معتمــدا علــى يــد ماهــرة مدربــة وعــن قناصــة ســريعة الملاحظــة‬

‫تسـتطيع أن تلتقـط وتمسـك بخطـوط عابـرة وتلاحـق الزمـن وترصـد مـا يلـزم للتعبـر عـن حـالات بصريـة متحركـة‪.‬‬

‫قريتى ‪ ،‬أحبار على ورق ‪ 31 × 41 ،‬سم ‪1960 ،‬‬
‫‪15‬‬
   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22