Page 19 - Ahmed- Nawar
P. 19
اختــاف موضوعاتهــا فــي صلــب النظــام الشــامل الــذي يحتويهــا .وهــو مــا نســتطيع أن
نطلـق عليـه مسـمى ( الت�كويـ�ن السـيمفوني ) وهـو " ت�كويـ�ن معقـد الـوزن والنغمـة ذو
قيمـة باطنـة قويـة " ،وقـد حقـق الفنـان كل حيثيـات هـذا الت�كويـ�ن ونغماتـه فقـط "بباليتـة"
القلــم الرصــاص بدرجاتــه المختلفــة وتبــدو فيــه حساســية الفنــان فــي الانتقــالات بــن
الدرجـات المختلفـة والمـزج بـن التجسـيم والتسـطيح وبـن القـدرة علـى صياغـة الأشـكال
كبلــورة شــفافة حينــا وعلــى إغراقهــا فــي عتمــة الظــل حينــ ًا أخــر ،وبــدا الت�كويــ�ن مكثفــا
كقطعـة مـن النحـت البـارز المتعـدد الارتفاعـات ،بينمـا نلاحـظ سـيطرة الفنـان الشـاب وحسـن
قيادتـه لحبكـة التصميـم وتحقيـق التـوازن الـازم فـي الضـوء والظـل وتوزيـع المفـردات
وإحـكام الت�كويـ�ن رغـم تعقـده واتسـاع مسـاحته وأجـزاؤه الثـاث ،وقـد جمـع بمهـارة فائقة
بــن المهــارة الأدائيــة وقــوة التعبــر وإجــراء التحريــف الــذي يعلــي مــن الحالــة الدراميــة
للعمـل اعتمـاد ًا علـى تنميـة الصـورة الذهنيـة المزامنـة لفـرات انجـاز العمـل دون رسـوم
تحضيريــة مســبقة ،لــم يكــن بحاجــة لتلــك الرســوم فقــد امتلــىء وجدانــه وعقلــه تمامــ ًا
بالفكـرة واشـتعل خيالـه المنشـغل بهـا فبـدا العمـل وكأنـه تحقيـق مـادى للصـورة الذهنيـة
التـي كانـت قـد اكتملـت تمامـ ًا .
فـي الجـزء الأول مـن العمـل يرسـم نـوار الجحيـم حيـث تبـدو وجـوه البشـر مسـودة شـاخصة
مذعـورة ت�تخللهـا الشـياطين فـي يومهـم المرجـو وتقبـع كل مجموعـة مـن البشـر محاطـة
بشـرنقتها الخاصـة وربمـا ت�كـون محاطـة بمـا قدمـت يداهـا مـن شـرور فـي الحيـاة ،ويتخلـل
منتصــف الجــزء الأول مســاحة مضيئــة لكنهــا هيوليــة تختلــط فيهــا الأجســاد وت�تداخــل .
وفـي المنتصـف ت�كمـن فكـرة الحسـاب ببعدهـا الدرامـي وأجوائهـا المخيـف ،أيـن المفـر ؟ ،
الـكل الأن يواجـه ماصنعـت يـداه ،المصـر مجهـول ،النظـرات واتجاهـات الأجسـاد متفرقـة
مشــت�تة لاتمتلــك أي يقــن تجــاه مصيرهــا ،والجميــع لاه عمــا حولــه ملتصــق بخطيئ�تــه ،
مكبـل بذنوبـه فـي انتظـار لحظـة الحسـاب ،عـرش نورانـي يعلـو منتصـف العمـل تنبعـث منـه
أشـعة ضوئيـة تمتـد علـى اليمـن لتحمـل الأخيـار إلـى الجنـة بينمـا اليسـار مشـغول بحزمـة
مــن السلاســل تقــود الأشــرار لعمــق الجحيــم ،وفــي الجــزء الثالــث مشــهد متخيــل للجنــة
حافــل بالنــور ووجــوه الأطفــال والحلــم بالاقــراب مــن العــرش الإلهــي ،تختفــي الوجــوه
القبيحـة والثقـل الأرضـي وتبـدو الأجسـاد نورانيـة شـفافة والوجـوه هادئـة الملامـح كأنهـا
براعـم نبتـة ولـدت مـن جديـد لحيـاة النعيـم ،وهنـا تغلـق ثلاثيـة الوجـود الإنسـاني ورحلـة
الإنســان الوعــرة الشـائ�كة .ويظــل هــذا العمــل درة فــي تاريــ�خ نــوار الفنـي وبدايـة تليـق
بفنـان جسـور .وقـد ارتبـط عمـل " يـوم الحسـاب " لنـوار ارتباطـ ًا قدريـ ًا بهزيمـة 1967حيـث
رفـع الفنـان يـده عـن العمـل لصـدور الأوامـر بإيقـاف الدراسـة فـي المـدارس والجامعـات
بســبب الحــرب ،تلــك الحــرب التــي بــددت أحــام هــذا الجيــل وردتــه مذعــور ًا لواقــع مؤلــم
وقذفـت بـه مـن أحـام ربطتـه بالسـماء إلـى خـط نـار حقيقـي علـى الأرض عليـه أن يعـره
وهنـا تبـدأ قصـة نـوار مـع الحـرب .
قصة الحرب
واجـه نـوار الحـرب للمـرة الأولـى فـي قريتـه "يوسـف بـك شـريف" بمحافظـة الغرب�يـة عندمـا
هـدد أمـن القريـة أحـد المجرمـن الخطريـ�ن ولقبـه "الخـط " وحبـس أهلهـا فـي منازلهـم
ليـاً خوفـا مـن بطشـه واعتـره الصبـي نـوار مجـرم حـرب .فـي هـذا التوقيـت كان نـوار قـد
شـكل فريـ�ق الكشـافة فـي مدرسـته واختـر قائـد ًا لـه وتعلـم مـع الكشـافة كيفيـة اكتشـاف
الغايــات وتحقيقهــا وقــد تمكــن مــن جعــل المشــاركة فــي الحــرب إحــدى غايــات الكشــافة
وذهـب مـع فريقـه الكشـفي إلـى الشـرطة لحثهـا علـى أداء دورهـا فـي القبـض علـى "
الخـط" ،كذلـك طلـب مـن والـده فـي مجلـس عائلـي بندقيـة ليقـوم بقتلـه وسـط مشـاعر
مختلطـة بالفـزع والتقديـر مـن أفـراد أسـرته لشـجاعته .اسـتمرت مأسـاة القريـة مـع المجـرم
وكانـت كل أسـرة تمتلـك سـاح ت�أهبـ ًا للمواجهـة معـه حتـى قضـي عليـه أصهـار أسـرة نـوار
وأردوه قتيـاً .تخلصـت القريـة مـن المجـرم لكـن كان الصبـي الصغـر قـد وعـى مبكـرا معنـى
الحـرب وشـهد الأسـلحة تسـكن البيـوت.
انتقــل الفتــى مــن القريــة للمدينــة لاســت�كمال دراســته فــي المدرســة الثانويــة الفنيــة
بطنطـا وتحـول نشـاطه إلـى الرياضـة لعـدم وجـود الكشـافة فـي تلـك المـدارس ،وشـارك
فـي سـباقات للدراجـات واعتـر الرياضـة أيضـ ًا تمـت بصلـة للكشـافة حيـث تحتـم كل رياضـة
17
نطلـق عليـه مسـمى ( الت�كويـ�ن السـيمفوني ) وهـو " ت�كويـ�ن معقـد الـوزن والنغمـة ذو
قيمـة باطنـة قويـة " ،وقـد حقـق الفنـان كل حيثيـات هـذا الت�كويـ�ن ونغماتـه فقـط "بباليتـة"
القلــم الرصــاص بدرجاتــه المختلفــة وتبــدو فيــه حساســية الفنــان فــي الانتقــالات بــن
الدرجـات المختلفـة والمـزج بـن التجسـيم والتسـطيح وبـن القـدرة علـى صياغـة الأشـكال
كبلــورة شــفافة حينــا وعلــى إغراقهــا فــي عتمــة الظــل حينــ ًا أخــر ،وبــدا الت�كويــ�ن مكثفــا
كقطعـة مـن النحـت البـارز المتعـدد الارتفاعـات ،بينمـا نلاحـظ سـيطرة الفنـان الشـاب وحسـن
قيادتـه لحبكـة التصميـم وتحقيـق التـوازن الـازم فـي الضـوء والظـل وتوزيـع المفـردات
وإحـكام الت�كويـ�ن رغـم تعقـده واتسـاع مسـاحته وأجـزاؤه الثـاث ،وقـد جمـع بمهـارة فائقة
بــن المهــارة الأدائيــة وقــوة التعبــر وإجــراء التحريــف الــذي يعلــي مــن الحالــة الدراميــة
للعمـل اعتمـاد ًا علـى تنميـة الصـورة الذهنيـة المزامنـة لفـرات انجـاز العمـل دون رسـوم
تحضيريــة مســبقة ،لــم يكــن بحاجــة لتلــك الرســوم فقــد امتلــىء وجدانــه وعقلــه تمامــ ًا
بالفكـرة واشـتعل خيالـه المنشـغل بهـا فبـدا العمـل وكأنـه تحقيـق مـادى للصـورة الذهنيـة
التـي كانـت قـد اكتملـت تمامـ ًا .
فـي الجـزء الأول مـن العمـل يرسـم نـوار الجحيـم حيـث تبـدو وجـوه البشـر مسـودة شـاخصة
مذعـورة ت�تخللهـا الشـياطين فـي يومهـم المرجـو وتقبـع كل مجموعـة مـن البشـر محاطـة
بشـرنقتها الخاصـة وربمـا ت�كـون محاطـة بمـا قدمـت يداهـا مـن شـرور فـي الحيـاة ،ويتخلـل
منتصــف الجــزء الأول مســاحة مضيئــة لكنهــا هيوليــة تختلــط فيهــا الأجســاد وت�تداخــل .
وفـي المنتصـف ت�كمـن فكـرة الحسـاب ببعدهـا الدرامـي وأجوائهـا المخيـف ،أيـن المفـر ؟ ،
الـكل الأن يواجـه ماصنعـت يـداه ،المصـر مجهـول ،النظـرات واتجاهـات الأجسـاد متفرقـة
مشــت�تة لاتمتلــك أي يقــن تجــاه مصيرهــا ،والجميــع لاه عمــا حولــه ملتصــق بخطيئ�تــه ،
مكبـل بذنوبـه فـي انتظـار لحظـة الحسـاب ،عـرش نورانـي يعلـو منتصـف العمـل تنبعـث منـه
أشـعة ضوئيـة تمتـد علـى اليمـن لتحمـل الأخيـار إلـى الجنـة بينمـا اليسـار مشـغول بحزمـة
مــن السلاســل تقــود الأشــرار لعمــق الجحيــم ،وفــي الجــزء الثالــث مشــهد متخيــل للجنــة
حافــل بالنــور ووجــوه الأطفــال والحلــم بالاقــراب مــن العــرش الإلهــي ،تختفــي الوجــوه
القبيحـة والثقـل الأرضـي وتبـدو الأجسـاد نورانيـة شـفافة والوجـوه هادئـة الملامـح كأنهـا
براعـم نبتـة ولـدت مـن جديـد لحيـاة النعيـم ،وهنـا تغلـق ثلاثيـة الوجـود الإنسـاني ورحلـة
الإنســان الوعــرة الشـائ�كة .ويظــل هــذا العمــل درة فــي تاريــ�خ نــوار الفنـي وبدايـة تليـق
بفنـان جسـور .وقـد ارتبـط عمـل " يـوم الحسـاب " لنـوار ارتباطـ ًا قدريـ ًا بهزيمـة 1967حيـث
رفـع الفنـان يـده عـن العمـل لصـدور الأوامـر بإيقـاف الدراسـة فـي المـدارس والجامعـات
بســبب الحــرب ،تلــك الحــرب التــي بــددت أحــام هــذا الجيــل وردتــه مذعــور ًا لواقــع مؤلــم
وقذفـت بـه مـن أحـام ربطتـه بالسـماء إلـى خـط نـار حقيقـي علـى الأرض عليـه أن يعـره
وهنـا تبـدأ قصـة نـوار مـع الحـرب .
قصة الحرب
واجـه نـوار الحـرب للمـرة الأولـى فـي قريتـه "يوسـف بـك شـريف" بمحافظـة الغرب�يـة عندمـا
هـدد أمـن القريـة أحـد المجرمـن الخطريـ�ن ولقبـه "الخـط " وحبـس أهلهـا فـي منازلهـم
ليـاً خوفـا مـن بطشـه واعتـره الصبـي نـوار مجـرم حـرب .فـي هـذا التوقيـت كان نـوار قـد
شـكل فريـ�ق الكشـافة فـي مدرسـته واختـر قائـد ًا لـه وتعلـم مـع الكشـافة كيفيـة اكتشـاف
الغايــات وتحقيقهــا وقــد تمكــن مــن جعــل المشــاركة فــي الحــرب إحــدى غايــات الكشــافة
وذهـب مـع فريقـه الكشـفي إلـى الشـرطة لحثهـا علـى أداء دورهـا فـي القبـض علـى "
الخـط" ،كذلـك طلـب مـن والـده فـي مجلـس عائلـي بندقيـة ليقـوم بقتلـه وسـط مشـاعر
مختلطـة بالفـزع والتقديـر مـن أفـراد أسـرته لشـجاعته .اسـتمرت مأسـاة القريـة مـع المجـرم
وكانـت كل أسـرة تمتلـك سـاح ت�أهبـ ًا للمواجهـة معـه حتـى قضـي عليـه أصهـار أسـرة نـوار
وأردوه قتيـاً .تخلصـت القريـة مـن المجـرم لكـن كان الصبـي الصغـر قـد وعـى مبكـرا معنـى
الحـرب وشـهد الأسـلحة تسـكن البيـوت.
انتقــل الفتــى مــن القريــة للمدينــة لاســت�كمال دراســته فــي المدرســة الثانويــة الفنيــة
بطنطـا وتحـول نشـاطه إلـى الرياضـة لعـدم وجـود الكشـافة فـي تلـك المـدارس ،وشـارك
فـي سـباقات للدراجـات واعتـر الرياضـة أيضـ ًا تمـت بصلـة للكشـافة حيـث تحتـم كل رياضـة
17