Page 31 - Ahmed- Nawar
P. 31
إن رؤيــة الفنــان الإبداعيــة هــي التــي تعــدل تلــك المــواد التــي يســتقبلها مــن العالــم
الخارجـي المحيـط وتمررهـا إلـى ذاكرتـه الخاصـة ،تلـك الذاكـرة التـى تختلـط فيهـا المـادة
الخـام للمشـهد مـع صنـوف الخيـال التـي يمتلكهـا كمبـدع يجـري عليهـا ذلـك التحـول الـذي
يخرجهـا مـن حيـز الذاكـرة إلـي فضـاء العمـل الفنـي .
وي�بـدو الضـوء فـي أعمـال الفنـان كشـال نورانـي يغمـر مفـردات المـكان ويعيـد تشـكيلها
بمعرفــة تبقــى علــى مــا هــو لازم وجوهــري وضــروري .وذلــك للحفــاظ علــى تماســك
بنيـة العمـل مـن جهـة ولتحقيـق الحالـة المشـعة المضيئـة التـي غمـرت المـكان مـن جهـة
أخـرى .والأحـرى أن نصـف الضـوء فـى أعمـال الفنـان بالنـور لأن مصطلـح الضـوء مصطلـح
مـادي مرتبـط بمصـادر معلومـة ومحـددة أمـا الضـوء عنـد نـوار فـي مشـاهده لأرض الحجـاز
هـو ضـوء روحانـي لا مصـدر معلـوم لـه بـل يـرد فـي مشـاهده منبثقـ ًا مـن جهـة لا ماديـة
لا نســتطيع معرفــة مصادرهــا فهــو يشــرق فــي مســارات المشــهد وفــق رؤيــة داخليــة
للفنـان .مـن هنـا فـإن مشـاهده تعـر بنـا إلـى مشـارف الـروح لأنهـا تزيـ�ح تفاصيـل العالـم
المـادي غـر اللازمـة لصالـح عالـم آخـر تمتـزج فيـه جغرافيـا المـكان بجغرافيـا الـروح.
وإذا توقفنـا عنـد بعـض مفـردات فـي مشـاهد الحجاز تلفتنا صياغة الفنـان للجبال وفوهات
البراكـن كمنحوتـات ضخمـة ت�تحـرك فـوق هيئاتهـا الظـال والأضـواء بصـورة تجعلهـا تبـدو
وكأنهـا نحتـت للتـو .بينمـا نجـد الفنـان فـى مجموعـات أخـرى ينحـاز أكـر إلـي فكرة التسـطيح
فت�تحــول بعــض مشــاهد الســفن فــي رســوم الحجــاز إلــى مســاحات و تراكيــب ظليــة "
سـلويت" ت�تضافـر مـع التراكيـب الخطيـة التـي ترسـم باقـي أجـزاء المشـهد وقـد وضـح فـي
تلـك الأعمـال اسـتمتاع الفنـان باسـتحضار موسـيقى الخـط الـذي تدرجـت "ثخاناتـه" وسـماته
ليشـكل الفـراغ خاصـة فـى المناطـق ذات الخلفيـات البيضـاء التـي ت�تيـح لحركـة الخـط طاقـة
أعلـي فـي الحضـور وتصبـح مسـاحات الظـل متوسـطة الدرجـة بمثابـة ممـرات تـؤدي إلـى
اسـتدراجنا لإدراك العلاقـة الأكـر أهميـة بـن المناطـق الظليـة كاملـة الإعتـام وبـن الخـط
الــذي صــاغ شــبكة مــن الإيقــاع الموســيقي بــن الأبيــض والأســود تســتمتع فيهــا العــن
بانتقـالات نغميـة مختلفـة بـن الت�أثـرات المتنوعـة للقيـم البصريـة للخـط .
وفــي بعــض المشــاهد التــي يصــور فيهــا الفنــان بنايــات ضخمــة يجعلهــا ت�تصــدر العمــل
أو ت�تخـذ موقعهـا بشـكل رئيسـي علـى أحـد جوانبـه ثـم ينقـل عـن المتلقـي إلـى الجانـب
الأخـر حيـث يجـد مشـهد ًا متسـع ًا يربـط بينـه وبـن الهيئـة الأساسـية للشـكل بمجموعـة مـن
الممـرات الخطيـة التـي تربـط بـن مقدمـة الصـورة وخلفيتهـا .
وفــي تقنيــة مختلفــة لترجمــة الفضــاء بصريــ ًا يقــدم الفنــان أحمــد نــوار المشــاهد ذات
المنظـور العلـوي المحلـق كمشـاهد الـركان وخيـم الحجيـج والجبـال فـي رسـوم الحجـاز
،حيــث تبــدو الحضــرة المهيبــة للجغرافيــا الخاصــة بالمــكان ،وتبــدأ الأشــياء والبشــر فــي
التضـاؤل لت�تحـول إلـى شـذرات متناثـرة ،ويعـود الإنسـان ليصبـح جرمـا صغـرا فـي قلـب كـون
هائـل ،وهـو تنـاول يتناسـب مـع فكـرة ذوبـان أفـواج الحجيـج فـي طقسـهم المقـدس عنـد
الوقــوف بعرفــة ..حيــث يتلاشــى الوجــود الإنســاني ويتوحــد مــع الوجــود الأعظــم الــذي
يحتويـه بجـال ،.
وفـي مجموعـة "رسـوم الصـن" لنـوار نتذكـر مقولـة الفنـان الصينـي وولـي 1632 ( WU
– " ) 1715إن الأعمــال التصوي�ريــة الشــرقية لــم تحــاول خلــق مســاحات وهميــة توحــي
بالحقيقـة بقـدر تحقيـق نـوع مـن البنـاء الداخلـي للعمـل المصـور ،ناتـج عـن امتـزاج مـا بـن
الحلـم و الذاكـرة ،دون اللجـوء إلـى نـوع مــن الوصـف التفصيلـي الـذي يبعـد المشـاهد عـن
حالـة الإشـعاع الروحـي المنبعثـة مـن العمـل الفنـي لذلـك فـإن هـذا يعـد مـن أحـد أسـباب
اعتبـار أن الفنـون الشــرقية بشـكل عــام كــانت حالـة أرفـع و أعمـق مـن كونهـا مجـرد فـن.
وقـد اسـتخدم الفنـان فـي أغلـب ت�كويناتـه طريقـة " المسـتويات المتداخلـة " فـوق بعضها
البعــض ليعــر عــن المســافات ،تلــك الطريقــة التــي اســتخدمها الفنــان الصينــي القديــم
فـي تقديـم مناظـره الطبيعيـة التـى كانـت موضوعـ ًا لكثـر مـن أعمـال الفنـان أحمـد نـوار
فـى مجموعـة رسـوم الصـن ؛ فأشـياء بعيـدة مثـاً لا يسـمح لهـا بـأن تختفـي ،و لكــنها
مرســـومة فــي حــدود ُبعدهــا المســافي ،و فــي بعــض الأحيــان مكــرة أو مرفوعــة فــي
29
الخارجـي المحيـط وتمررهـا إلـى ذاكرتـه الخاصـة ،تلـك الذاكـرة التـى تختلـط فيهـا المـادة
الخـام للمشـهد مـع صنـوف الخيـال التـي يمتلكهـا كمبـدع يجـري عليهـا ذلـك التحـول الـذي
يخرجهـا مـن حيـز الذاكـرة إلـي فضـاء العمـل الفنـي .
وي�بـدو الضـوء فـي أعمـال الفنـان كشـال نورانـي يغمـر مفـردات المـكان ويعيـد تشـكيلها
بمعرفــة تبقــى علــى مــا هــو لازم وجوهــري وضــروري .وذلــك للحفــاظ علــى تماســك
بنيـة العمـل مـن جهـة ولتحقيـق الحالـة المشـعة المضيئـة التـي غمـرت المـكان مـن جهـة
أخـرى .والأحـرى أن نصـف الضـوء فـى أعمـال الفنـان بالنـور لأن مصطلـح الضـوء مصطلـح
مـادي مرتبـط بمصـادر معلومـة ومحـددة أمـا الضـوء عنـد نـوار فـي مشـاهده لأرض الحجـاز
هـو ضـوء روحانـي لا مصـدر معلـوم لـه بـل يـرد فـي مشـاهده منبثقـ ًا مـن جهـة لا ماديـة
لا نســتطيع معرفــة مصادرهــا فهــو يشــرق فــي مســارات المشــهد وفــق رؤيــة داخليــة
للفنـان .مـن هنـا فـإن مشـاهده تعـر بنـا إلـى مشـارف الـروح لأنهـا تزيـ�ح تفاصيـل العالـم
المـادي غـر اللازمـة لصالـح عالـم آخـر تمتـزج فيـه جغرافيـا المـكان بجغرافيـا الـروح.
وإذا توقفنـا عنـد بعـض مفـردات فـي مشـاهد الحجاز تلفتنا صياغة الفنـان للجبال وفوهات
البراكـن كمنحوتـات ضخمـة ت�تحـرك فـوق هيئاتهـا الظـال والأضـواء بصـورة تجعلهـا تبـدو
وكأنهـا نحتـت للتـو .بينمـا نجـد الفنـان فـى مجموعـات أخـرى ينحـاز أكـر إلـي فكرة التسـطيح
فت�تحــول بعــض مشــاهد الســفن فــي رســوم الحجــاز إلــى مســاحات و تراكيــب ظليــة "
سـلويت" ت�تضافـر مـع التراكيـب الخطيـة التـي ترسـم باقـي أجـزاء المشـهد وقـد وضـح فـي
تلـك الأعمـال اسـتمتاع الفنـان باسـتحضار موسـيقى الخـط الـذي تدرجـت "ثخاناتـه" وسـماته
ليشـكل الفـراغ خاصـة فـى المناطـق ذات الخلفيـات البيضـاء التـي ت�تيـح لحركـة الخـط طاقـة
أعلـي فـي الحضـور وتصبـح مسـاحات الظـل متوسـطة الدرجـة بمثابـة ممـرات تـؤدي إلـى
اسـتدراجنا لإدراك العلاقـة الأكـر أهميـة بـن المناطـق الظليـة كاملـة الإعتـام وبـن الخـط
الــذي صــاغ شــبكة مــن الإيقــاع الموســيقي بــن الأبيــض والأســود تســتمتع فيهــا العــن
بانتقـالات نغميـة مختلفـة بـن الت�أثـرات المتنوعـة للقيـم البصريـة للخـط .
وفــي بعــض المشــاهد التــي يصــور فيهــا الفنــان بنايــات ضخمــة يجعلهــا ت�تصــدر العمــل
أو ت�تخـذ موقعهـا بشـكل رئيسـي علـى أحـد جوانبـه ثـم ينقـل عـن المتلقـي إلـى الجانـب
الأخـر حيـث يجـد مشـهد ًا متسـع ًا يربـط بينـه وبـن الهيئـة الأساسـية للشـكل بمجموعـة مـن
الممـرات الخطيـة التـي تربـط بـن مقدمـة الصـورة وخلفيتهـا .
وفــي تقنيــة مختلفــة لترجمــة الفضــاء بصريــ ًا يقــدم الفنــان أحمــد نــوار المشــاهد ذات
المنظـور العلـوي المحلـق كمشـاهد الـركان وخيـم الحجيـج والجبـال فـي رسـوم الحجـاز
،حيــث تبــدو الحضــرة المهيبــة للجغرافيــا الخاصــة بالمــكان ،وتبــدأ الأشــياء والبشــر فــي
التضـاؤل لت�تحـول إلـى شـذرات متناثـرة ،ويعـود الإنسـان ليصبـح جرمـا صغـرا فـي قلـب كـون
هائـل ،وهـو تنـاول يتناسـب مـع فكـرة ذوبـان أفـواج الحجيـج فـي طقسـهم المقـدس عنـد
الوقــوف بعرفــة ..حيــث يتلاشــى الوجــود الإنســاني ويتوحــد مــع الوجــود الأعظــم الــذي
يحتويـه بجـال ،.
وفـي مجموعـة "رسـوم الصـن" لنـوار نتذكـر مقولـة الفنـان الصينـي وولـي 1632 ( WU
– " ) 1715إن الأعمــال التصوي�ريــة الشــرقية لــم تحــاول خلــق مســاحات وهميــة توحــي
بالحقيقـة بقـدر تحقيـق نـوع مـن البنـاء الداخلـي للعمـل المصـور ،ناتـج عـن امتـزاج مـا بـن
الحلـم و الذاكـرة ،دون اللجـوء إلـى نـوع مــن الوصـف التفصيلـي الـذي يبعـد المشـاهد عـن
حالـة الإشـعاع الروحـي المنبعثـة مـن العمـل الفنـي لذلـك فـإن هـذا يعـد مـن أحـد أسـباب
اعتبـار أن الفنـون الشــرقية بشـكل عــام كــانت حالـة أرفـع و أعمـق مـن كونهـا مجـرد فـن.
وقـد اسـتخدم الفنـان فـي أغلـب ت�كويناتـه طريقـة " المسـتويات المتداخلـة " فـوق بعضها
البعــض ليعــر عــن المســافات ،تلــك الطريقــة التــي اســتخدمها الفنــان الصينــي القديــم
فـي تقديـم مناظـره الطبيعيـة التـى كانـت موضوعـ ًا لكثـر مـن أعمـال الفنـان أحمـد نـوار
فـى مجموعـة رسـوم الصـن ؛ فأشـياء بعيـدة مثـاً لا يسـمح لهـا بـأن تختفـي ،و لكــنها
مرســـومة فــي حــدود ُبعدهــا المســافي ،و فــي بعــض الأحيــان مكــرة أو مرفوعــة فــي
29