Page 103 - Fenoun Masreya
P. 103
ا�سترعت الحيوانات ري�شة الفنان الفرن�سى‬ ‫فى ب�ؤرة العمل حين و�ضع المر�أة ب�صدرها العارى فى منت�صف العمل الذى ج�سدت فيه المر�أة الرمز من خلال‬
‫فر�سمك غالبيتها من القطة الم�ست�أن�سة �إلى‬ ‫الواقعية‪ ،‬كما ا�ستمدت ُبعدها الدرامى من درجات اللون البنى‪ ،‬فيما عملت الإ�سقاطات ال�ضوئية على تكري�س‬
‫الحيوان الوح�شى ممثل ًا فى الأ�سد مرو ًرا‬ ‫الإيقاع الجمالى للوحة‪ ،‬وتظهر فى اللوحة التاريخية أ�براج كني�سة نوتردام من بين �سحب الدخان الخلفية‪ ،‬والتى‬
‫بالح�صان والبغل والجمل والثعلب‪ ،‬و أ�برز‬ ‫ُر�سخ ا�سمها فى ا ألذهان بعد رواية ڤيكتور هوجو فيما بعد رم ًزا للرومان�سية الفرن�سية‪ ،‬ولم ين� َس ديلاكروا �أن ير�سم‬
‫لوحاته الحيوانية التى ُر�سم فيها أ��سد يهاجم‬ ‫نف�سه فى اللوحة؛ إ�ذ يبدو فى الي�سار مرتديًا قبعة طويلة ومم�س ًكا ببندقية‪ ،‬واختيار الفنان لامر أ�ة عارية ال�صدر كرمز‬
‫للحرية قد يكون فيه الرغبة ل إل�شارة إ�لى �أن الثورة تنطوى على “�إغراء وفتنة”‪ ،‬و إ�لى �أن العنف الذى ي�صاحبها هو‬
‫ح�صا ًنا‪ ،‬و�صيد ا أل�سود‬ ‫جزء لا يتجز�أ من الإيمان بالتغيير الجذرى وحكم الجماهير‪ ،‬رغم أ�ن الثوار المنتف�ضين قد ف�شلوا آ�نذاك فى �إعادة‬
‫الجمهورية‪ ،‬إ�لا �أنهم قد ا�ستطاعوا إ�نهاء الحكم الملكى المطلق‪ ،‬وا�ستبداله بملكية نيابية‪ .‬وم�ضمون هذه اللوحة‪،‬‬
‫العنيف إ�لى حد ما‪ ،‬قد لا يعبر عن النتيجة التى �آلت إ�ليها‪ ..‬وقبل �أن ير�سم ديلاكروا لوحته “الحرية التى تقدود‬
‫ال�شعب” ب�سنوات ثلاث‪ ،‬كان قد ر�سم إ�حدى لوحاته ال�شهيرة “موت �سردانابال”‪ ،‬وبعد انتفا�ضة �أهل باري�س ـ‬
‫التى يحدثنا عنها ال�شيخ رافع رفاعة الطهطاوى بوفرة فى كتابه الخالد “تخلي�ص الإبريز فى تلخي�ص باريز” ـ جعل‬
‫المر أ�ة التى نجدها مقبو ً�ضا عليها فى “موت �سردانابال” تكاد تكوه هى هى التى انعتقت هذه المرة‪ ،‬وتقود ال�شعب‬
‫فى ثورته‪ ،‬وقد ات�شحت بم�سوح الحرية حاملة العلم محر�ضة ال�شعب على الثورة وال�سير قد ًما فى اتجاه الانعتاق‪،‬‬
‫وتعد اللوحة “الحرية تقود ال�شعب” أ�ول لوحة �سيا�سية حقيقية حديثة بح�سب ما ي�ؤكد لنا الناقد الفرن�سى “جيل‬
‫نيريه” الذى يبهره كون ديلاكروا قد ر�سم بطلته وهى ت�سير فوق ب�ساط مكون من أ�ج�ساد الموتى جا ّرة وراءها‬

‫‪103‬‬
   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108